الكريم
كلمة (الكريم) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل)، وتعني: كثير...
مَصْدَرُ: حَقَّرَ الشَّيْءَ يَحْقِّرُهُ تَحْقِيْراً؛ وَمَعْنَاهُ: الإِذْلالُ وَالتَّصْغِيْرُ وَالإِهَانَةُ، يُقَالُ: حَقَّرَهُ واحْتَقَرَهُ واسْتَحقَرهُ: اسْتَصْغَرَهُ وَرَآهُ أَوْ صَيَّرَهُ حقِيراً.
يَرَدُ إِطْلاقُ مُصْطَلَحِ التَّحْقِيْرِ في مَوَاطِنَ مِنْ كُتُبِ الفِقْهِ وَأَبْوَابِهِ؛ وَمِنْ ذَلِكَ: كِتَابُ الجِنَائِز عِنْدَ الكَلامِ عَلَى تَرْكِ الصَّلاةِ عَلَى بَعْضِ العُصَاةِ كَتَارِكِي الصَّلاةِ وَقُطَّاعِ الطُّرُقْ اسِتْهِانَةً بِهِمْ، وتحقيراً لشأنهم، وَكِتَابُ الجِهَادِ عِنْدَ الكَلامِ عَلَى الأَحْكَامِ الـمُتَعَلِّقَةِ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ؛ وَمِنْهَا: بَعْضُ أَحْكَامِ الذِّلَّةِ الْمَضْرُوبَةِ عَلَيْهِمْ، وَكِتَابُ النَّفَقَاتِ عِنْدَ الكَلامِ عَلَى الأَحْكَامِ الـمُتَعَلِّقَةِ بِنَفَقَةِ الرَّقِيْقِ وَضَرُوْرَةُ تَجْنِيْبِهِ مَا فِيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْإِذْلَالِ وَالتَّحْقِيرِ، وَكِتَابُ الرِّدَّةِ – عِيَاذاً بِاللهِ مِنْهَا - عِنْدَ الكَلامِ عَلَى الأَقْوَالِ أَوْ الأَفْعَالِ الـمُوْجِبَةِ لِذَلِكَ؛ وَمِنْهَا: مَا فِيْهِ تَحْقِيْرٌ لِبَعْضِ الـمَخْلُوْقَاتِ الـمُكَرَّمَةِ كَالـمَلائِكَةِ، وَكِتَابُ الآدَابِ عِنْدَ الكَلامِ عَلَى تَرْكِ السَّلامِ عَلَى مَنْ كَانَ مُتَلَبِّساً بِبَعْضِ الـمَعَاصي، وكِتَابُ الإِقْرَارِ عِنْدَ الكَلامِ عَلَى حُكْمِ الإِقْرَارِ في نَحْوِ قَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ دُرَيْهِمَاتٌ عَلَى التَّصْغِيرِ. وَيَرَدُ إِطْلاقُ هَذَا الـمُصْطَلَحِ في عِلْمِ الصَّرْفِ؛ وَيُرَادُ بِهِ: تَصْغِيْرُ الكَلِمَةِ.
حقر
* العين : (3/ 43)
* تهذيب اللغة : (4/ 24)
* الصحاح : (2/ 635)
* المحكم والمحيط الأعظم : (2/ 571-58)
* شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم : (3/ 1530)
* لسان العرب : (4/ 207)
* تاج العروس : (11/ 70- 71)
* الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) : (6/ 81 - التاج والإكليل لمختصر خليل : (8/ 384)
* تحفة المحتاج في شرح المنهاج : (9/ 298)
* المبدع في شرح المقنع : (1/ 272) -
التَّعْرِيفُ:
1 - مِنْ مَعَانِي التَّحْقِيرِ فِي اللُّغَةِ: الإِْذْلاَل وَالاِمْتِهَانُ وَالتَّصْغِيرُ. وَهُوَ مَصْدَرُ حَقَّرَ، وَالْمُحَقَّرَاتُ: الصَّغَائِرُ. وَيُقَال: هَذَا الأَْمْرُ مَحْقَرَةٌ بِكَ: أَيْ حَقَارَةٌ.
وَالْحَقِيرُ: الصَّغِيرُ الذَّلِيل. تَقُول: حَقَّرَ حَقَارَةً، وَحَقَّرَهُ وَاحْتَقَرَهُ وَاسْتَحْقَرَهُ: إِذَا اسْتَصْغَرَهُ وَرَآهُ حَقِيرًا. وَحَقَّرَهُ: صَيَّرَهُ حَقِيرًا، أَوْ نَسَبَهُ إِلَى الْحَقَارَةِ.
وَحَقَّرَ الشَّيْءَ حَقَارَةً: هَانَ قَدْرُهُ فَلاَ يَعْبَأُ بِهِ، فَهُوَ حَقِيرٌ (1) . وَهُوَ فِي الاِصْطِلاَحِ لاَ يَخْرُجُ عَنْ هَذَا.
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
لِلتَّحْقِيرِ أَحْكَامٌ تَعْتَرِيهِ:
2 - فَتَارَةً يَكُونُ حَرَامًا مَنْهِيًّا عَنْهُ: كَمَا فِي تَحْقِيرِ الْمُسْلِمِ لِلْمُسْلِمِ اسْتِخْفَافًا بِهِ وَسُخْرِيَةً مِنْهُ وَامْتِهَانًا لِكَرَامَتِهِ. وَفِي هَذَا قَوْل اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَْلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِْيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (2) وَنَحْوُهَا مِنَ الآْيَاتِ.
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: لاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَنَاجَشُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَدَابَرُوا، وَلاَ يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يَخْذُلُهُ وَلاَ يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا، وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحَقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ. كُل الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ. (3)
وَفِيهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ﵁ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَال: لاَ يَدْخُل الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَال ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ. فَقَال رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُل يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً. قَال: إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَال، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ وَفِي رِوَايَةٍ وَغَمْصُ النَّاسِ (4) ، وَبَطَرُ الْحَقِّ: هُوَ دَفْعُهُ وَإِبْطَالُهُ، وَالْغَمْطُ وَالْغَمْصُ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، وَهُوَ: الاِحْتِقَارُ (5) .
قَال الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى: {بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِْيمَانِ} قِيل مَعْنَاهُ: مَنْ لَقَّبَ أَخَاهُ أَوْ سَخِرَ بِهِ فَهُوَ فَاسِقٌ. (6)
قَال ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ: السُّخْرِيَةُ: الاِسْتِحْقَارُ وَالاِسْتِهَانَةُ وَالتَّنْبِيهُ عَلَى الْعُيُوبِ وَالنَّقَائِصِ يَوْمَ يُضْحَكُ مِنْهُ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْمُحَاكَاةِ بِالْفِعْل أَوِ الْقَوْل أَوِ الإِْشَارَةِ أَوِ الإِْيمَاءِ، أَوِ الضَّحِكِ عَلَى كَلاَمِهِ إِذَا تَخَبَّطَ فِيهِ أَوْ غَلِطَ، أَوْ عَلَى صَنْعَتِهِ، أَوْ قَبِيحِ صُورَتِهِ (7) .
فَمَنِ ارْتَكَبَ شَيْئًا مِنَ التَّحْقِيرِ مِمَّا هُوَ مَمْنُوعٌ كَانَ قَدِ ارْتَكَبَ مُحَرَّمًا يُعَزَّرُ عَلَيْهِ شَرْعًا تَأْدِيبًا لَهُ.
وَهَذَا التَّعْزِيرُ مُفَوَّضٌ إِلَى رَأْيِ الإِْمَامِ، وَفْقَ مَا يَرَاهُ فِي حُدُودِ الْمَصْلَحَةِ وَطِبْقًا لِلشَّرْعِ، كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي مُصْطَلَحِ (تَعْزِيرٌ) ؛ لأَِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الزَّجْرُ، وَأَحْوَال النَّاسِ فِيهِ مُخْتَلِفَةٌ، فَلِكُلٍّ مَا يُنَاسِبُهُ مِنْهُ. (8)
وَهَذَا إِنْ قَصَدَ بِهَذِهِ الأُْمُورِ التَّحْقِيرَ، أَمَّا إِنْ قَصَدَ التَّعْلِيمَ أَوِ التَّنْبِيهَ عَلَى الْخَطَأِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ - وَلَمْ يَقْصِدْ تَحْقِيرًا - فَلاَ بَأْسَ بِهِ، فَيُعْرَفُ قَصْدُهُ مِنْ قَرَائِنِ الأَْحْوَال.
3 - هَذَا وَقَدْ يَصِل التَّحْقِيرُ الْمُحَرَّمُ إِلَى أَنْ يَكُونَ رِدَّةً، وَذَاكَ إِذَا حَقَّرَ شَيْئًا مِنْ شَعَائِرِ الإِْسْلاَمِ، كَتَحْقِيرِ الصَّلاَةِ وَالأَْذَانِ وَالْمَسْجِدِ وَالْمُصْحَفِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، قَال اللَّهُ تَعَالَى فِي وَصْفِ الْمُنَافِقِينَ {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُل أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} ، (9) وَقَال تَعَالَى فِيهِمْ أَيْضًا: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا} . (10) وَنُقِل فِي فَتْحِ الْعَلِيِّ لِمَالِكٍ: أَنَّ رَجُلاً كَانَ يَزْدَرِي الصَّلاَةَ، وَرُبَّمَا ازْدَرَى الْمُصَلِّينَ وَشَهِدَ عَلَيْهِ مَلأٌَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، مِنْهُمْ مَنْ زَكَّى وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُزَكِّ، فَمَنْ حَمَلَهُ عَلَى الاِزْدِرَاءِ بِالْمُصَلِّينَ لِقِلَّةِ اعْتِقَادِهِ فِيهِمْ فَهُوَ مِنْ سِبَابِ الْمُسْلِمِ، فَيَلْزَمُهُ الأَْدَبُ عَلَى قَدْرِ اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ. وَمَنْ يَحْمِلُهُ عَلَى ازْدِرَاءِ الْعِبَادَةِ فَالأَْصْوَبُ أَنَّهُ رِدَّةٌ، لإِِظْهَارِهِ إِيَّاهُ وَشُهْرَتِهِ بِهِ، لاَ زَنْدَقَةٌ، وَيَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُرْتَدِّ (11) .
4 - وَقَدْ يَكُونُ التَّحْقِيرُ وَاجِبًا: كَمَا هُوَ الْحَال فِيمَنْ فُرِضَتْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ مِنْ أَهْل الْكِتَابِ.
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآْخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} (12) أَيْ ذَلِيلُونَ حَقِيرُونَ مُهَانُونَ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يَحْصُل بِهِ الصَّغَارُ عِنْدَ إِعْطَائِهِمُ الْجِزْيَةَ. اُنْظُرْ مُصْطَلَحَ (أَهْل الذِّمَّةِ، وَجِزْيَةٌ) .
التَّعْزِيرُ بِمَا فِيهِ تَحْقِيرٌ:
5 - مِنْ ضُرُوبِ التَّعْزِيرِ: التَّوْبِيخُ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ التَّحْقِيرِ. وَاسْتَدَل الْفُقَهَاءُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّوْبِيخِ فِي التَّعْزِيرِ بِالسُّنَّةِ، فَقَدْ، رَوَى أَبُو ذَرٍّ ﵁ أَنَّهُ سَابَّ رَجُلاً فَعَيَّرَهُ بِأُمِّهِ، فَقَال الرَّسُول ﷺ يَا أَبَا ذَرٍّ: أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ؟ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ. (13) وَقَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِل عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ. (14)
وَقَدْ فُسِّرَ النَّيْل مِنَ الْعِرْضِ بِأَنْ يُقَال لَهُ مَثَلاً: يَا ظَالِمُ، يَا مُعْتَدِي، وَهَذَا نَوْعٌ مِنَ التَّعْزِيرِ بِالْقَوْل، وَقَدْ جَاءَ فِي تَبْصِرَةِ الْحُكَّامِ لاِبْنِ فَرْحُونَ: وَأَمَّا التَّعْزِيرُ بِالْقَوْل فَدَلِيلُهُ مَا ثَبَتَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ فَقَال: اضْرِبُوهُ فَقَال أَبُو هُرَيْرَةَ فَمِنَّا الضَّارِبُ بِيَدِهِ، وَمِنَّا الضَّارِبُ بِنَعْلِهِ، وَالضَّارِبُ بِثَوْبِهِ (15) . وَفِي رِوَايَةٍ بَكِّتُوهُ، فَأَقْبَلُوا عَلَيْهِ يَقُولُونَ: مَا اتَّقَيْتَ اللَّهَ؟ مَا خَشِيتَ اللَّهَ؟ مَا اسْتَحْيَيْتَ مِنْ رَسُول اللَّهِ ﷺ؟ وَهَذَا التَّبْكِيتُ مِنَ التَّعْزِيرِ بِالْقَوْل (16) .
(ر: تَعْزِيرٌ) .
6 - قَدْ يَكُونُ التَّحْقِيرُ بِالْفِعْل: كَمَا هُوَ الْحَال فِي تَجْرِيسِ شَاهِدِ الزُّورِ، فَإِنَّ تَجْرِيسَهُ هُوَ إِسْمَاعُ النَّاسِ بِهِ، وَهُوَ تَشْهِيرٌ، وَإِذَا كَانَ تَشْهِيرًا كَانَ تَعْزِيرًا. فَقَدْ وَرَدَ فِي التَّتَارْخَانِيَّةِ فِي التَّشْهِيرِ بِشَاهِدِ الزُّورِ: قَال أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْمَشْهُورِ: يُطَافُ بِهِ وَيُشْهَرُ وَلاَ يُضْرَبُ، وَفِي السِّرَاجِيَّةِ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.، وَفِي جَامِعِ الْعَتَّابِيِّ: التَّشْهِيرُ أَنْ يُطَافَ بِهِ فِي الْبَلَدِ وَيُنَادَى عَلَيْهِ فِي كُل مَحَلَّةٍ: إِنَّ هَذَا شَاهِدُ الزُّورِ فَلاَ تُشْهِدُوهُ. وَذَكَرَ الْخَصَّافُ فِي كِتَابِهِ أَنَّهُ يُشْهَرُ عَلَى قَوْلِهِمَا بِغَيْرِ الضَّرْبِ، وَالَّذِي رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُسَخِّمُ وَجْهَهُ فَتَأْوِيلُهُ عِنْدَ السَّرَخْسِيِّ أَنَّهُ بِطَرِيقِ السِّيَاسَةِ إِذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ، وَعِنْدَ الشَّيْخِ الإِْمَامِ أَنَّهُ التَّفْضِيحُ وَالتَّشْهِيرُ، فَإِنَّهُ يُسَمَّى سَوَادًا.
وَنُقِل عَنْ شُرَيْحٍ ﵀ أَنَّهُ كَانَ يَبْعَثُ بِشَاهِدِ الزُّورِ إِلَى سُوقِهِ إِنْ كَانَ سُوقِيًّا، وَإِلَى قَوْمِهِ إِنْ كَانَ غَيْرَ سُوقِيٍّ بَعْدَ الْعَصْرِ أَجْمَعَ مَا كَانُوا، وَيَقُول آخِذُهُ: إِنَّ شُرَيْحًا يَقْرَأُ عَلَيْكُمُ السَّلاَمَ وَيَقُول: إِنَّا وَجَدْنَا هَذَا شَاهِدَ زُورٍ فَاحْذَرُوهُ وَحَذِّرُوا النَّاسَ مِنْهُ (17) .
__________
(1) الصحاح، ولسان العرب، والمصباح المنير، ومختار الصحاح مادة: " حقر ".
(2) سورة الحجرات / 11.
(3) حديث: " لا تحاسدوا ولا تناجشوا. . . " أخرجه مسلم (4 / 1986 - ط الحلبي) .
(4) حديث: " لا يدخل الجنة من كان في قلبه. . . . " أخرجه مسلم (1 / 93 - ط الحلبي) .
(5) الأذكار للنووي 311 - 312.
(6) القرطبي 16 / 328.
(7) الزواجر عن اقتراف الكبائر 2 / 22 دار المعرفة.
(8) ابن عابدين 3 / 177 - 179، والشرح الكبير 4 / 327 - 330، والشرح الصغير 4 / 462، 466، والمهذب في فقه الإمام الشافعي 2 / 273 - 275، وكشاف القناع عن متن الإقناع 6 / 121 - 124 م النصر الحديثة.
(9) سورة التوبة / 65، 66.
(10) سورة المائدة / 58.
(11) فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك للعلامة الشيخ محمد عليش 2 / 260 - 263.
(12) سورة التوبة / 29.
(13) حديث: " يا أبا ذر أعيرته بأمه. . . " أخرجه البخاري (الفتح 1 / 84 - ط السلفية) .
(14) حديث: " لي الواجد يحل عرضه وعقوبته " أخرجه أبو داود (4 / 45 - ط عزت عبيد دعاس) وحسنه ابن حجر في الفتح (5 / 62 - ط السلفية) .
(15) حديث: " أتي برجل قد شرب. . . . " أخرجه البخاري (الفتح 12 / 66 - ط السلفية) والرواية الأخرى لأبي داود (4 / 620 - ط عزت عبيد دعاس) .
(16) ابن عابدين 3 / 182، وتبصرة الحكام 2 / 200، ومعين الحكام للطرابلسي ص 231.
(17) ابن عابدين 3 / 192، والهداية 3 / 132 ط مصطفى البابي الحلبي، وابن عابدين 4 / 395، والاختيار شرح المختار 2 / 39 ط الحلبي 1936، والمهذب في فقه الإمام الشافعي 2 / 330، والمغني لابن قدامة 9 / 259 - 260 م الرياض الحديثة.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 229/ 10
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".