القدير
كلمة (القدير) في اللغة صيغة مبالغة من القدرة، أو من التقدير،...
الشِّرْبُ: الـحَظُّ والنَّصِيبُ مِن الـماءِ، وقِيلَ: هو الوَقْتُ الـمُخَصَّصُ لِلشُّرْبِ، ويأْتي بِـمعنى الـماءِ الذي يُشْرَبُ. وجَمْعُ شِرْبٍ: أَشْرابٌ.
يَرِد مُصْطلَح (شِرْب) في الفِقْهِ في مَواضِعَ، منها: كِتابُ الشُّفْعَةِ، والصُّلْحِ، والإِجارَةِ، وفي كِتابِ الـهِبَةِ، والصَّدَقَةِ، والوَقْفِ، وفي كِتابِ القِسْمَةِ، باب: قِسْمَة الإِجْبار، وفي كِتابِ القَضاءِ، باب: الدَّعاوَى، وغَيْر ذلك من الأبواب.
شرب
النَّصِيبُ الـمُخَصَّصُ مِن الماءِ لِلْانْتِفاعِ به في سَقيِ الأراضِي ونحوِ ذلك.
الشِّرْبُ: الـحَظُّ والنَّصِيبُ مِن الـماءِ، ويأْتي بِـمعنى الـماءِ، والوَقْتِ الـمُخَصَّصِ لِلشُّرْبِ.
* المحكم والمحيط الأعظم : (8/52)
* مشارق الأنوار : (2/247)
* مختار الصحاح : (ص 354)
* المغرب في ترتيب المعرب : (1/436)
* تحرير ألفاظ التنبيه للنووي : (ص 337)
* أنيس الفقهاء في تعريفات الألفاظ المتداولة بين الفقهاء : (ص 106)
* حاشية ابن عابدين : (5/281)
* لسان العرب : (1/487)
* المصباح المنير في غريب الشرح الكبير : (1/308)
* التعريفات للجرجاني : (ص 126)
* معجم لغة الفقهاء : (ص 259) -
التَّعْرِيفُ:
1 - الشُّرْبُ - بِالضَّمِّ - لُغَةً: تَنَاوُل كُل مَائِعٍ، مَاءً كَانَ أَوْ غَيْرَهُ. (1)
وَيَسْتَعْمِل الْفُقَهَاءُ هَذَا اللَّفْظَ بِنَفْسِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
2 - الأَْصْل جَوَازُ شُرْبِ الْمَشْرُوبَاتِ كُلِّهَا إِلاَّ مَا قَامَتْ دَلاَلَةُ تَحْرِيمِهِ (2) .
وَإِذَا كَانَ تَرْكُ الشُّرْبِ يُتْلِفُ نَفْسَ الإِْنْسَانِ أَوْ بَعْضَ أَعْضَائِهِ أَوْ يُضْعِفُهُ عَنْ أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ أَنْ يَشْرَبَ مَا يَزُول مَعَهُ خَوْفُ الضَّرَرِ (3) .
وَقَال الْقُرْطُبِيُّ: أَمَّا مَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إِلَيْهِ وَهُوَ مَا سَكَّنَ الظَّمَأَ فَمَنْدُوبٌ إِلَيْهِ عَقْلاً وَشَرْعًا لِمَا فِيهِ مِنْ حِفْظِ النَّفْسِ وَحِرَاسَةِ الْحَوَاسِّ (4) .
وَقَال الْجَصَّاصُ: أَمَّا الْحَال الَّتِي لاَ يَخَافُ الإِْنْسَانُ ضَرَرًا فِيهَا بِتَرْكِ الشُّرْبِ فَالشُّرْبُ مُبَاحٌ (5) .
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي شُرْبِ الزَّائِدِ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ: فَقِيل حَرَامٌ. وَقِيل مَكْرُوهٌ، قَال ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ (6) .
آدَابُ الشُّرْبِ:
1) التَّسْمِيَةُ عَلَى الشُّرْبِ:
3 - تُسْتَحَبُّ التَّسْمِيَةُ فِي أَوَّل الشُّرْبِ.
قَال صَاحِبُ غَايَةِ الْمُنْتَهَى: يُسَمِّي الشَّارِبُ عِنْدَ كُل ابْتِدَاءٍ وَيَحْمَدُ عِنْدَ كُل قَطْعٍ.
وَقَال الْعُلَمَاءُ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْهَرَ بِالتَّسْمِيَةِ لِيُسْمِعَ غَيْرَهُ وَيُنَبِّهَهُ عَلَيْهَا. وَلَوْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ فِي أَوَّل الشُّرْبِ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلاً أَوْ مُكْرَهًا أَوْ عَاجِزًا لِعَارِضٍ آخَرَ، ثُمَّ تَمَكَّنَ أَثْنَاءَ شُرْبِهِ أَوْ بَعْدَهُ مِنْهَا، يُسْتَحَبُّ أَنْ يُسَمِّيَ وَيَقُول: " بِسْمِ اللَّهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ " لِقَوْلِهِ ﷺ: إِذَا أَكَل أَحَدُكُمْ فَلْيَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ فَإِنْ نَسِيَ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ فِي أَوَّلِهِ فَلْيَقُل: بِسْمِ اللَّهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ (7) .
وَتَحْصُل التَّسْمِيَةُ بِقَوْلِهِ: " بِسْمِ اللَّهِ " فَإِنْ قَال: " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " كَانَ حَسَنًا (8) .
(8) الشُّرْبُ بِالْيَمِينِ:
4 - يُسْتَحَبُّ الشُّرْبُ بِالْيَمِينِ، وَيُكْرَهُ الشُّرْبُ بِالشِّمَال إِذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ؛ لِخَبَرِ إِذَا أَكَل أَحَدُكُمْ فَلْيَأْكُل بِيَمِينِهِ، وَإِذَا شَرِبَ فَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُل بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ (10) . فَإِنْ كَانَ عُذْرٌ يَمْنَعُ الشُّرْبَ بِالْيَمِينِ مِنْ مَرَضٍ أَوْ جِرَاحَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلاَ كَرَاهَةَ فِي الشِّمَال (11) . (12) الشُّرْبُ ثَلاَثَةُ أَنْفَاسٍ:
5 - السُّنَّةُ: أَنْ يَشْرَبَ الْمَاءَ فِي ثَلاَثَةِ أَنْفَاسٍ، فَقَدْ وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ - ﵁ -: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَتَنَفَّسُ فِي الإِْنَاءِ ثَلاَثًا وَفِي لَفْظٍ كَانَ يَتَنَفَّسُ ثَلاَثًا، وَيَقُول: إِنَّهُ أَرْوَى وَأَبْرَأُ وَأَمْرَأُ (13) . وَمَعْنَى أَرْوَى: أَيْ أَكْثَرُ رَيًّا، وَأَبْرَأُ: أَيْ أَسْلَمُ مِنْ مَرَضٍ أَوْ أَذًى يَحْصُل بِسَبَبِ الشُّرْبِ فِي نَفَسٍ وَاحِدٍ، وَأَمْرَأُ: أَيْ أَكْمَل انْسِيَاغًا.
قَال الشَّوْكَانِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْحَدِيثِ: هَذِهِ الأُْمُورُ الثَّلاَثَةُ إِنَّمَا تَحْصُل بِأَنْ يَشْرَبَ ثَلاَثَةَ أَنْفَاسٍ خَارِجَ الْقَدَحِ (14) .
ثُمَّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الشُّرْبِ بِنَفْسٍ وَاحِدٍ فَرُوِيَ عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُمَا أَجَازَاهُ بِنَفَسٍ وَاحِدٍ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَطَاوُسٍ وَعِكْرِمَةَ كَرَاهَةُ الشُّرْبِ بِنَفَسٍ وَاحِدٍ، وَقَال ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ شُرْبُ الشَّيْطَانِ (12) . (16) عَدَمُ التَّنَفُّسِ فِي الإِْنَاءِ:
6 - يُنْدَبُ إِبْعَادُ الْقَدَحِ حِينَ التَّنَفُّسِ حَالَةَ الشُّرْبِ، وَيُكْرَهُ التَّنَفُّسُ فِي الإِْنَاءِ كَمَا يُكْرَهُ النَّفْخُ فِيهِ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - ﵄ - أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى أَنْ يَتَنَفَّسَ فِي الإِْنَاءِ أَوْ يَنْفُخَ فِيهِ (17) .
قَال أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ فِي حِكْمَةِ النَّهْيِ عَنِ النَّفْخِ فِي الإِْنَاءِ: نَهَى ﷺ عَنِ النَّفْخِ فِي الشَّرَابِ حَمْلاً لأُِمَّتِهِ عَلَى مَكَارِمِ الأَْخْلاَقِ، لأَِنَّ النَّافِخَ فِي آنِيَةِ الْمَاءِ يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ مِنْ رِيقِهِ فِيهَا شَيْءٌ مَعَ النَّفْخِ فَيَتَقَذَّرَهُ النَّاظِرُ وَيُفْسِدَهُ عَلَيْهِ (18) .
وَقَال الشَّوْكَانِيُّ: النَّهْيُ عَنِ التَّنَفُّسِ فِي (الإِْنَاءِ) الَّذِي يُشْرَبُ مِنْهُ لِئَلاَّ يَخْرُجَ مِنَ الْفَمِ بُزَاقٌ يَسْتَقْذِرُهُ مَنْ شَرِبَ بَعْدَهُ مِنْهُ، أَوْ تَحْصُل فِيهِ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْمَاءِ أَوْ بِالإِْنَاءِ (19) .
(20) عَدَمُ الشُّرْبِ قَائِمًا:
7 - كَانَ مِنْ هَدْيِهِ ﷺ الشُّرْبُ قَاعِدًا، هَذَا كَانَ هَدْيُهُ الْمُعْتَادُ، وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ نَهَى عَنِ الشُّرْبِ قَائِمًا (21) ، وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ أَمَرَ الَّذِي شَرِبَ قَائِمًا أَنْ يَسْتَقِيءَ (22) ، وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ شَرِبَ قَائِمًا (23) .
قَال النَّوَوِيُّ: الصَّوَابُ أَنَّ النَّهْيَ مَحْمُولٌ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ. أَمَّا شُرْبُهُ ﷺ قَائِمًا فَبَيَانٌ لِلْجَوَازِ، فَلاَ إِشْكَال وَلاَ تَعَارُضَ. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ يَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ.
ثُمَّ قَال: فَإِنْ قِيل: كَيْفَ يَكُونُ الشُّرْبُ قَائِمًا مَكْرُوهًا وَقَدْ فَعَلَهُ النَّبِيُّ ﷺ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ فِعْلَهُ ﷺ إِذَا كَانَ بَيَانًا لِلْجَوَازِ لاَ يَكُونُ مَكْرُوهًا بَل الْبَيَانُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ ﷺ.
وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ ﷺ تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً، وَطَافَ عَلَى بَعِيرٍ، مَعَ أَنَّ الإِْجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ ثَلاَثًا ثَلاَثًا وَالطَّوَافَ مَاشِيًا أَكْمَل. وَنَظَائِرُ هَذَا غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ، فَكَانَ ﷺ يُنَبِّهُ عَلَى جَوَازِ الشَّيْءِ مَرَّةً أَوْ مَرَّاتٍ وَيُوَاظِبُ عَلَى الأَْفْضَل مِنْهُ. وَهَكَذَا كَانَ أَكْثَرُ وُضُوئِهِ ﷺ ثَلاَثًا ثَلاَثًا وَالطَّوَافُ مَاشِيًا وَأَكْثَرُ شُرْبِهِ جَالِسًا.
وَقَال النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ: لاَ يُكْرَهُ الشُّرْبُ قَائِمًا. وَأَضَافَ: وَالْمُخْتَارُ أَنَّ الشُّرْبَ قَائِمًا بِلاَ عُذْرٍ خِلاَفُ الأَْوْلَى لِلأَْحَادِيثِ الصَّرِيحَةِ بِالنَّهْيِ عَنْهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ. وَقَدْ ضَعَّفَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ أَحَادِيثَ النَّهْيِ، وَقِيل: إِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ (24) .
(25) مَصُّ الْمَاءِ:
8 - يُنْدَبُ مَصُّ الْمَاءِ وَيُكْرَهُ عَبُّهُ لِقَوْلِهِ ﷺ: إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَمُصَّ مَصًّا وَلاَ يَعُبُّ عَبًّا فَإِنَّ الْكُبَادَ مِنَ الْعَبِّ (26) .
وَالْكُبَادُ وَجَعُ الْكَبِدِ، وَمِثْل الْمَاءِ كُل مَائِعٍ كَاللَّبَنِ (27) .
وَقَال الرَّحِيبَانِيُّ: يَعُبُّ اللَّبَنَ لأَِنَّهُ طَعَامٌ (28) . (29) تَقْلِيل الشَّرَابِ:
9 - يُطْلَبُ تَخْفِيفَ الْمَعِدَةِ بِتَقْلِيل الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ عَلَى قَدْرٍ لاَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ضَرَرٌ وَلاَ كَسَلٌ عَنِ الْعِبَادَةِ (30) .
قَال ابْنُ مُفْلِحٍ: اعْلَمْ أَنَّهُ مَتَى بَالَغَ فِي تَقْلِيل الْغِذَاءِ أَوِ الشَّرَابِ فَأَضَرَّ بِبَدَنِهِ أَوْ شَيْءٍ مِنْهُ، أَوْ قَصَّرَ عَنْ فِعْل وَاجِبٍ لِحَقِّ اللَّهِ أَوْ لِحَقِّ آدَمِيٍّ، كَالتَّكَسُّبِ لِمَنْ يَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ، وَإِلاَّ كُرِهَ ذَلِكَ إِذَا خَرَجَ عَنِ الأَْمْرِ الشَّرْعِيِّ (31) .
(32) الشُّرْبُ مِنْ فَمِ السِّقَاءِ:
10 - يُكْرَهُ الشُّرْبُ مِنْ فَمِ السِّقَاءِ، وَكَذَا اخْتِنَاثُ الأَْسْقِيَةِ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - ﵄ -: نَهَى رَسُول اللَّهِ ﷺ عَنِ الشُّرْبِ مِنْ فِي السِّقَاءِ (33) . وَحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - ﵁ -: {نَهَى رَسُول اللَّهِ ﷺ عَنِ اخْتِنَاثِ الأَْسْقِيَةِ (34) يَعْنِي أَنْ تُكْسَرَ أَفْوَاهُهَا فَيُشْرَبَ مِنْهَا (35) .
وَيَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: أَنَّ الْكَرَاهَةَ هُنَا لِلتَّنْزِيهِ، لاَ لِلتَّحْرِيمِ. وَنَقَل النَّوَوِيُّ الاِتِّفَاقَ عَلَى هَذَا (36) . وَهُنَاكَ أَحَادِيثُ تَدُل عَلَى جَوَازِ الشُّرْبِ مِنْ فَمِ السِّقَاءِ. قَال الْعِرَاقِيُّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الأَْحَادِيثِ الَّتِي تَدُل عَلَى الْجَوَازِ وَبَيْنَ الأَْحَادِيثِ الَّتِي تَدُل عَلَى الْمَنْعِ: إِنَّهُ لَوْ فَرَّقَ بَيْنَ مَا يَكُونُ لِعُذْرٍ كَأَنْ تَكُونَ الْقِرْبَةُ مُعَلَّقَةً وَلَمْ يَجِدِ الْمُحْتَاجُ إِلَى الشُّرْبِ إِنَاءً مُتَيَسِّرًا وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ التَّنَاوُل بِكَفِّهِ فَلاَ كَرَاهَةَ حِينَئِذٍ، وَعَلَى هَذَا تُحْمَل الأَْحَادِيثُ الَّتِي تَدُل عَلَى جَوَازِ الشُّرْبِ مِنْ فِي السِّقَاءِ، وَبَيْنَ مَا يَكُونُ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَتُحْمَل عَلَيْهِ أَحَادِيثُ النَّهْيِ (37) .
وَقِيل: لَمْ يَرِدْ حَدِيثٌ مِنَ الأَْحَادِيثِ الَّتِي تَدُل عَلَى الْجَوَازِ إِلاَّ بِفِعْلِهِ ﷺ وَأَحَادِيثُ النَّهْيِ كُلُّهَا مِنْ قَوْلِهِ، فَهِيَ أَرْجَحُ (38) .
وَوَجْهُ الْحِكْمَةِ فِي النَّهْيِ مَا قَالَهُ الْبَعْضُ مِنْ أَنَّهُ لاَ يُؤْمَنُ مِنْ دُخُول شَيْءٍ مِنَ الْهَوَامِّ مَعَ الْمَاءِ فِي جَوْفِ السِّقَاءِ، فَيَدْخُل فَمَ الشَّارِبِ وَلاَ يَدْرِي. فَعَلَى هَذَا لَوْ مَلأََ السِّقَاءَ وَهُوَ يُشَاهِدُ الْمَاءَ الَّذِي يَدْخُل فِيهِ ثُمَّ رَبَطَهُ رَبْطًا مُحْكَمًا، ثُمَّ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَشْرَبَ حَلَّهُ فَشَرِبَ مِنْهُ، لاَ يَتَنَاوَلُهُ النَّهْيُ، وَقِيل: مَا وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ - ﵂ - بِلَفْظِ: نَهَى أَنْ يُشْرَبَ مِنْ فِيِّ السِّقَاءِ لأَِنَّ ذَلِكَ يُنْتِنُهُ (39) وَهَذَا عَامٌّ. وَقِيل: إِنَّ الَّذِي يَشْرَبُ مَنْ فِي السِّقَاءِ قَدْ يَغْلِبُهُ الْمَاءُ فَيَنْصَبُّ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ حَاجَتِهِ فَلاَ يَأْمَنُ أَنْ يَشْرَقَ بِهِ أَوْ تَبْتَل ثِيَابُهُ (40) .
(41) الشُّرْبُ مِنْ ثُلْمَةِ الإِْنَاءِ:
11 - يُكْرَهُ الشُّرْبُ مِنْ ثُلْمَةِ الإِْنَاءِ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - ﵁ -: نَهَى رَسُول اللَّهِ ﷺ عَنِ الشُّرْبِ مِنْ ثُلْمَةِ الْقَدَحِ وَأَنْ يَنْفُخَ فِي الشَّرَابِ (42) .
قَال الْخَطَّابِيُّ: إِنَّمَا نَهَى عَنِ الشُّرْبِ مِنْ ثُلْمَةِ الْقَدَحِ لأَِنَّهُ إِذَا شَرِبَ مِنْهَا تَصَبَّبَ الْمَاءُ وَسَال قَطْرُهُ عَلَى وَجْهِهِ وَثَوْبِهِ، لأَِنَّ الثُّلْمَةَ لاَ تَتَمَاسَكُ عَلَيْهَا شَفَةُ الشَّارِبِ، كَمَا تَتَمَاسَكُ عَلَى الْمَوْضِعِ الصَّحِيحِ مِنَ الْكُوزِ وَالْقَدَحِ (43) .
(44) الْحَمْدُ عَقِبَ الشُّرْبِ:
12 - يُسَنُّ لِلشَّارِبِ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ عَقِبَ الشُّرْبِ (45) ؛ لِمَا وَرَدَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُل الأَْكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا (46) .
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إِذَا أَكَل أَوْ شَرِبَ قَال: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَ وَسَقَى وَسَوَّغَهُ وَجَعَل لَهُ مَخْرَجًا (47) .
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - ﵁ - أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إِذَا فَرَغَ مِنْ طَعَامِهِ قَال: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَجَعَلَنَا مُسْلِمِينَ (48) .
قَال زَكَرِيَّا الأَْنْصَارِيُّ: " يُنْدَبُ أَنْ يَشْرَبَ فِي ثَلاَثَةِ أَنْفَاسٍ، بِالتَّسْمِيَةِ فِي أَوَائِلِهَا وَبِالْحَمْدِ فِي أَوَاخِرِهَا (49) ".
(50) التَّيَامُنُ فِي مُنَاوَلَةِ الشَّرَابِ:
13 - يُسَنُّ التَّيَامُنُ فِي مُنَاوَلَةِ الشَّرَابِ وَالطَّعَامِ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُمَا. قَال الرَّحِيبَانِيُّ: إِذَا شَرِبَ لَبَنًا أَوْ غَيْرَهُ سُنَّ أَنْ يُنَاوِل الأَْيْمَنَ وَلَوْ صَغِيرًا أَوْ مَفْضُولاً، وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يَسْتَأْذِنَهُ فِي مُنَاوَلَتِهِ الأَْكْبَرَ فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ نَاوَلَهُ لَهُ (51) .
فَقَدْ وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ أُتِيَ بِلَبَنٍ قَدْ شِيبَ بِمَاءٍ، وَعَنْ يَمِينِهِ أَعْرَابِيٌّ وَعَنْ شِمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ، فَشَرِبَ ثُمَّ أَعْطَى الأَْعْرَابِيَّ، وَقَال: الأَْيْمَنَ الأَْيْمَنَ (52) . وَمِنْ حَدِيثِ سَهْل بْنِ سَعْدٍ الأَْنْصَارِيِّ: أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ أُتِيَ بِشَرَابٍ فَشَرِبَ مِنْهُ وَعَنْ يَمِينِهِ غُلاَمٌ وَعَنْ يَسَارِهِ الأَْشْيَاخُ، فَقَال لِلْغُلاَمِ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ هَؤُلاَءِ؟ فَقَال: وَاَللَّهِ يَا رَسُول اللَّهِ لاَ أُوثِرُ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَدًا. قَال: فَتَلَّهُ رَسُول اللَّهِ ﷺ فِي يَدِهِ (53) . قَال الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ: وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ حُكْمَ التَّيَامُنِ فِي الْمُنَاوَلَةِ آكَدُ مِنْ حُكْمِ السِّنِّ (54) .
الشُّرْبُ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ:
14 - يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ تَحْرِيمَ الأَْكْل وَالشُّرْبِ فِي إِنَاءِ الذَّهَبِ وَإِنَاءِ الْفِضَّةِ، وَيَسْتَوِي فِي التَّحْرِيمِ الرَّجُل وَالْمَرْأَةُ. (55)
وَنَقَل ابْنُ الْمُنْذِرِ الإِْجْمَاعَ عَلَيْهِ، إِلاَّ مَا نُقِل عَنِ التَّابِعِيِّ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، وَنُقِل عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي سَمَاعِ حَرْمَلَةَ أَنَّ النَّهْيَ فِيهِ لِلتَّنْزِيهِ لأَِنَّ فِيهِ تَشَبُّهًا بِالأَْعَاجِمِ (56) .
0 شُرْبُ الْجُنُبِ:
15 - يَرَى الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ يُسَنُّ لِمَنْ عَلَيْهِ غُسْلٌ أَنْ يَتَوَضَّأَ لإِِرَادَةِ أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ - ﵂ - قَالَتْ: رَخَّصَ رَسُول اللَّهِ ﷺ لِلْجُنُبِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُل أَوْ يَشْرَبَ أَنْ يَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ (57) .
قَال أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ: وَلاَ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ لِلْحَائِضِ لأَِنَّ الْوُضُوءَ لاَ يُؤَثِّرُ فِي حَدَثِهَا، وَيُؤَثِّرُ فِي حَدَثِ الْجَنَابَةِ؛ لأَِنَّهُ يُخَفِّفُهُ وَيُزِيلُهُ عَنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ (58) .
وَيُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَاتِ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّ الْجُنُبَ لَمْ يُؤْمَرْ بِالْوُضُوءِ لِلأَْكْل وَالشُّرْبِ.
قَال مَالِكٌ: لاَ يَتَوَضَّأُ إِلاَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنَامَ فَقَطْ وَهُوَ جُنُبٌ، وَأَمَّا مَنْ أَرَادَ أَنْ يَطْعَمَ أَوْ يُعَاوِدَ الْجِمَاعَ فَلَمْ يُؤْمَرْ بِالْوُضُوءِ (59) .
الشُّرْبُ فِي الصَّلاَةِ:
16 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ مَمْنُوعٌ مِنْ الشُّرْبِ، وَأَنَّهُ إِذَا شَرِبَ فِي صَلاَةِ الْفَرْضِ عَامِدًا لَزِمَهُ الإِْعَادَةُ (60) .
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا كَانَ سَاهِيًا: فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ تَبْطُل صَلاَتُهُ وَيُشْرَعُ لَهُ سُجُودُ السَّهْوِ. وَقَيَّدَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَدَمَ بُطْلاَنِ الصَّلاَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِمَا إِذَا كَانَ الشُّرْبُ يَسِيرًا، أَمَّا كَثِيرُ الشُّرْبِ فَيُبْطِل الصَّلاَةَ مُطْلَقًا (61) .
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالأَْوْزَاعِيُّ أَنَّ الصَّلاَةَ يُفْسِدُهَا الشُّرْبُ مُطْلَقًا وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالنِّسْيَانِ، لأَِنَّهُ فِعْلٌ مُبْطِلٌ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الصَّلاَةِ، فَاسْتَوَى عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ كَالْعَمَل الْكَثِيرِ (62) .
وَأَمَّا التَّطَوُّعُ فَيُبْطِلُهُ الشُّرْبُ الْمُتَعَمَّدُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ؛ لأَِنَّ مَا أَبْطَل الْفَرْضَ أَبْطَل التَّطَوُّعَ كَسَائِرِ مُبْطِلاَتِهِ.
وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أَنَّهُ لاَ يُبْطِلُهُ. وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُمَا شَرِبَا فِي التَّطَوُّعِ. وَعَنْ طَاوُسٍ أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِهِ، وَكَذَلِكَ قَال إِسْحَاقُ، لأَِنَّهُ عَمَلٌ يَسِيرٌ فَأَشْبَهَ غَيْرَ الأَْكْل.
فَأَمَّا إِنْ كَثُرَ فَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهُ يُفْسِدُهَا، لأَِنَّ غَيْرَ الأَْكْل مِنَ الأَْعْمَال يُفْسِدُ إِذَا كَثُرَ، فَالأَْكْل وَالشُّرْبُ أَوْلَى (63) .
وَلِلتَّفْصِيل (ر: صَلاَة) .
شُرْبُ الصَّائِمِ:
17 - يَحْرُمُ عَلَى الصَّائِمِ الأَْكْل وَالشُّرْبُ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَْبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَْسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْل} (64) . فَإِنْ شَرِبَ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلصَّوْمِ عَالِمٌ بِتَحْرِيمِهِ مُخْتَارٌ بَطَل صَوْمُهُ، لِمَا رَوَى لَقِيطُ بْنُ صَبِرَةَ ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: أَسْبِغِ الْوُضُوءَ، وَخَلِّل بَيْنَ الأَْصَابِعِ وَبَالِغْ فِي الاِسْتِنْشَاقِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ صَائِمًا (65) . فَدَل عَلَى أَنَّهُ إِذَا وَصَل إِلَى الدِّمَاغِ شَيْءٌ بَطَل صَوْمُهُ. وَنَقَل ابْنُ الْمُنْذِرِ الإِْجْمَاعَ عَلَى تَحْرِيمِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ عَلَى الصَّائِمِ (66) .
وَلِلتَّفْصِيل (ر: صَوْم) .
الشُّرْبُ مِنْ زَمْزَمَ:
18 - يُسْتَحَبُّ لِلْحَاجِّ وَالْمُعْتَمِرِ أَنْ يَشْرَبَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَأَنْ يَتَضَلَّعَ مِنْهُ. وَيُنْظَرُ التَّفْصِيل فِي بَحْثِ زَمْزَم مِنَ الْمَوْسُوعَةِ ج 24 ف 3
__________
(1) المفردات للراغب الأصفهاني، والتعريفات للجرجاني، وطلبة الطلبة ص319 نشر دار القلم.
(2) الجصاص 3 / 41 ط المطبعة البهية المصرية.
(3) الجصاص 3 / 41، وابن عابدين 5 / 215.
(4) القرطبي 7 / 191.
(5) الجصاص 3 / 41.
(6) القرطبي 7 / 191 وابن العربي 2 / 771.
(7) حديث: " إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله ". أخرجه أبو داود (4 / 140 - تحقيق عزت عبيد دعاس) والترمذي (4 / 288 - ط الحلبي) من حديث عائشة، وقال الترمذي: (حديث حسن صحيح) .
(8) صحيح مسلم بشرح النووي 13 / 189 والمنتقى 5 / 135 والشرح الصغير 4 / 750، ومطالب أولي النهى 5 / 241، 244 والآداب الشرعية لابن مفلح 3 / 178 - 179.
(9) صحيح مسلم بشرح النووي 13 / 189 والمنتقى 5 / 135 والشرح الصغير 4 / 750، ومطالب أولي النهى 5 / 241، 244 والآداب الشرعية لابن مفلح 3 / 178 - 179.
(10) حديث: " إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه. . . ". أخرجه مسلم (3 / 1598 - ط الحلبي) من حديث ابن عمر.
(11) صحيح مسلم بشرح النووي 13 / 191 - 192، والشرح الصغير 4 / 755، ومطالب أولي النهى 5 / 249.
(12) عمدة القاري 21 / 201.
(13) حديث: " كان يتنفس في الإناء ثلاثا ". أخرجه البخاري (الفتح 10 / 92 - ط السلفية) ومسلم (3 / 1602 - 1603 - ط الحلبي) ، وقوله: " إنه أروى وأبرأ وأمرأ " تفرد به مسلم.
(14) عمدة القاري 2 / 295، نيل الأوطار 8 / 192 - ط العثمانية.
(15) عمدة القاري 21 / 201.
(16)
(17) حديث: " نهى أن يتنفس في الإناء ". أخرجه الترمذي (4 / 304 - الحلبي) وقال: (حديث حسن صحيح) .
(18) المنتقى 7 / 236، وانظر الآداب الشرعية 3 / 180 ومطالب أولي النهى 5 / 248.
(19) الشرح الصغير 4 / 754، 755، ونيل الأوطار 8 / 192.
(20)
(21) حديث: " نهى عن الشرب قائما ". أخرجه مسلم (3 / 1600 - ط الحلبي) من حديث أنس.
(22) حديث: " أمر الذي شرب قائما أن يستقئ ". أخرجه مسلم (3 / 1601 - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة.
(23) حديث: " صح عنه أنه شرب قائما ". أخرجه البخاري (الفتح 10 / 81 - ط السلفية) ومسلم (3 / 1601 - ط الحلبي) من حديث ابن عباس.
(24) صحيح مسلم بشرح النووي 13 / 195، روضة الطالبين 7 / 340، وعمدة القاري 21 / 193، وزاد المعاد 4 / 229.
(25)
(26) حديث: " إذا شرب أحدكم فليمص مصا. . . ". أخرجه عبد الرزاق (10 / 428 - ط المجلس العلمي) وعنه البيهقي (7 / 284 - ط دائرة المعارف العثمانية) من حديث ابن أبي حسين مرسلا، وكذا أعله البيهقي بالإرسال.
(27) الآداب الشرعية لابن مفلح 3 / 180، والشرح الصغير 4 / 754.
(28) مطالب أولي النهى 5 / 243.
(29)
(30) الشرح الصغير 4 / 752، 753.
(31) الآداب الشرعية 3 / 200.
(32)
(33) حديث: " نهى عن الشراب من فيّ السقاء ". أخرجه البخاري (الفتح 10 / 90 - ط السلفية) .
(34) حديث: " نهى عن اختناث الأسقية ". أخرجه البخاري (الفتح 10 / 89 - ط السلفية) ومسلم (3 / 1600 - ط الحلبي) .
(35) مطالب أولي النهى 5 / 248، والآداب الشرعية 3 / 182، وروضة الطالبين 7 / 340.
(36) عمدة القاري 21 / 199.
(37) نيل الأوطار 8 / 197 - ط العثمانية.
(38) عمدة القاري 21 / 199.
(39) حديث: " نهى أن يشرب من فيّ السقاء، لأن ذلك ينتنه ". أخرجه الحاكم (4 / 140 - ط دائرة المعارف العثمانية) من حديث عائشة وقواه ابن حجر في الفتح (10 / 91 - ط السلفية) .
(40) عمدة القاري 21 / 199 - 200، والآداب الشرعية 3 / 182.
(41)
(42) حديث: " نهى عن الشرب من ثلمة القدح ". أخرجه أبو داود (4 / 111 - تحقيق عزت عبيد دعاس) ، وإسناده حسن لغيره، وله شواهد ذكرها الهيثمي في المجمع (5 / 78 - ط القدسي) .
(43) الآداب الشرعية 3 / 183 ومطالب أولي النهى 5 / 248، ومعالم السنن للخطابي 4 / 274 - ط المطبعة العلمية بحلب.
(44)
(45) الفتوحات الربانية 5 / 288، 229، والإقناع للشربيني الخطيب 2 / 239.
(46) حديث: " إن الله ليرضى عن العبد. . . ". أخرجه مسلم (4 / 2095 - ط الحلبي) من حديث أنس بن مالك.
(47) حديث: " كان إذا أكل أو شرب قال: الحمد لله الذي أطعم وسقى ". أخرجه أبو داود (4 / 187 - 188 - تحقيق عزت عبيد دعاس) وإسناده صحيح.
(48) حديث: " كان إذا فرغ من طعامه قال: الحمد لله الذي. . . ". أخرجه أبو داود (4 / 187 - تحقيق عزت عبيد دعاس) ، وأعله الذهبي بالاضطراب وبجهالة أحد رواته، كذا في " الميزان " (1 / 228 - ط الحلبي) .
(49) أسنى المطالب 3 / 228.
(50)
(51) مطالب أولي النهى 5 / 251.
(52) حديث أنس: أن رسول الله (ص) أتى بلبن. . . ". أخرجه البخاري (الفتح 10 / 86 - ط السلفية) . ومسلم (3 / 1603 - ط الحلبي) .
(53) حديث سهل بن سعد أن رسول الله ﷺ " أتى بشراب. . . ". أخرجه البخاري (الفتح 10 / 86 - ط السلفية) .
(54) مطالب أولي النهى 5 / 247، والمنتقى 7 / 237 - 238.
(55) صحيح مسلم بشرح النووي 14، والمغني لابن قدامة 1 / 75 وما بعدها والدسوقي 1 / 64، والمجموع 1 / 250 والمنتقى 7 / 235 والهداية وشروحها 8 / 81.
(56) المجموع 1 / 249 وفتح الباري 10 / 94.
(57) حديث: " رخص رسول الله ﷺ للجنب. . . ". أورده صاحب مطالب أولي النهى (1 / 186 - ط المكتب الإسلامي) وعزاه إلى أحمد وقال: " بإسناد صحيح ".
(58) مطالب أولي النهى 1 / 186 والمغني 1 / 229 والإقناع للشربيني الخطيب 1 / 61 والمجموع 2 / 155.
(59) المنتقى 1 / 98.
(60) المجموع 4 / 89، 90 المغني 2 / 61، الشرح الصغير 1 / 343، والزرقاني 1 / 251، والطحطاوي على مراقي الفلاح ص177.
(61) المغني 2 / 63 ومطالب أولي النهى 1 / 538 والمجموع 4 / 90 والزرقاني 1 / 252.
(62) بدائع الصنائع 1 / 242 وحاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ص177 والمجموع 4 / 90 والمغني 2 / 62.
(63) المغني 2 / 61 - 62.
(64) سورة البقرة / 187.
(65) حديث: " أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع. . . ". أخرجه الترمذي (3 / 146 - ط الحلبي) من حديث لقيط بن صبرة، وقال: " حديث حسن صحيح ".
(66) المجموع / 312 وانظر بدائع الصنائع 2 / 91 ومطالب أولي النهى 2 / 191، وبداية المجتهد 1 / 290 نشر دار المعرفة.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 362/ 25
التَّعْرِيفُ:
1 - الشِّرْبُ فِي اللُّغَةِ: الْحَظُّ وَالنَّصِيبُ مِنَ الْمَاءِ.
قَال تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ نَبِيِّهِ صَالِحٍ ﵊: {قَال هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} (1) .
وَيُطْلَقُ عَلَى الْمَاءِ عَيْنِهِ، وَعَلَى النَّوْبَةِ. وَهِيَ الْوَقْتُ الْمُحَدَّدُ لاِسْتِحْقَاقِ الشُّرْبِ، وَعَلَى الْمَوْرِدِ، وَالْجَمْعُ أَشْرَابٌ (2) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ هُوَ: نَوْبَةُ الاِنْتِفَاعِ، أَوْ زَمَنُ الاِنْتِفَاعِ بِالشِّرْبِ لِسَقْيِ الشَّجَرِ أَوِ الزَّرْعِ (3) . الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الشَّفَةُ:
2 - وَالْمُرَادُ مِنْهُ مَا يَحْتَاجُهُ الإِْنْسَانُ مِنَ الْمَاءِ لِدَفْعِ عَطَشٍ فِي نَفْسِهِ أَوْ لِلطَّبْخِ أَوِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْل، وَمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِسَقْيِ الْمَوَاشِي وَالدَّوَابِّ لِدَفْعِ الْعَطَشِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُنَاسِبُهَا (4) .
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
أَنْوَاعُ الْمِيَاهِ بِالنِّسْبَةِ لِحَقَّيِ الشِّرْبِ وَالشَّفَةِ:
تَنْقَسِمُ الْمِيَاهُ بِالنَّظَرِ إِلَى تَمَلُّكِهَا وَالاِنْتِفَاعِ بِهَا إِلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:
الْقِسْمُ الأَْوَّل: الْمَاءُ الْعَامُّ:
3 - وَهُوَ النَّابِعُ فِي مَوْضِعٍ لاَ يَخْتَصُّ بِأَحَدٍ وَلاَ صُنْعَ لِلآْدَمِيِّينَ فِي إِنْبَاطِهِ وَإِجْرَائِهِ كَالأَْنْهَارِ الْكَبِيرَةِ كَالنِّيل وَالْفُرَاتِ وَدِجْلَةَ وَسَائِرِ أَوْدِيَةِ الْعَالَمِ وَالْعُيُونِ فِي الْجِبَال، فَهَذَا النَّوْعُ حَقٌّ لِلنَّاسِ جَمِيعًا وَلَيْسَ لأَِحَدٍ مِلْكٌ فِي الْمَاءِ وَلاَ فِي الْمَجْرَى.
وَلِكُل وَاحِدٍ حَقُّ الاِنْتِفَاعِ بِهِ بِالشَّفَةِ وَالشِّرْبِ، وَلَهُ شَقُّ الْجَدَاوِل مِنَ الأَْنْهَارِ وَنَحْوِهَا، وَنَصْبُ آلاَتِ السَّقْيِ عَلَيْهَا لإِِجْرَاءِ الْمِيَاهِ لأَِرْضِهِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ وَسَائِل الاِنْتِفَاعِ بِالْمَاءِ.
وَلَيْسَ لِحَاكِمٍ وَلاَ لِغَيْرِهِ مَنْعُ أَحَدٍ مِنَ الاِنْتِفَاعِ بِهِ بِكُل الْوُجُوهِ، إِنْ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى فِعْلِهِ ضَرَرٌ عَلَى النَّهْرِ أَوِ الْجَمَاعَةِ (5) .
لِخَبَرِ الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلاَثَةٍ فِي الْكَلأَِ وَالْمَاءِ وَالنَّارِ (6) . فَإِنْ أَضَرَّ فِعْلُهُ بِالْعَامَّةِ فَلِلْحَاكِمِ إِزَالَةُ الْقَدْرِ الضَّارِّ مِنْ فِعْلِهِ؛ لأَِنَّهُ حَقٌّ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِبَاحَةُ التَّصَرُّفِ فِي حَقِّهِمْ مَشْرُوطَةٌ بِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ لِحَدِيثِ لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ (7) وَلِلْعَامَّةِ أَيْضًا مَنْعُهُ مِنَ الإِْضْرَارِ بِحَقِّهِمْ (8) .
وَإِنْ حَضَرَ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ أَخَذَ كُل وَاحِدٍ مَا شَاءَ. وَإِنْ قَل الْمَاءُ أَوْ ضَاقَ الْمَشْرَعُ قُدِّمَ السَّابِقُ، فَإِنْ جَاءَا مَعًا أَقُرِعَ بَيْنَهُمَا، وَإِنِ احْتَاجَ بَعْضُهُمْ إِلَى الْمَاءِ لِسَقْيِ الأَْرْضِ، وَالْبَعْضُ الآْخَرُ لِلشُّرْبِ لِدَفْعِ الْعَطَشِ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ دَوَابِّهِ قُدِّمَ الْمُحْتَاجُ لِلشُّرْبِ.
قِسْمَةُ الْمِيَاهِ الْعَامَّةِ:
4 - إِذَا أَرَادَ قَوْمٌ سَقْيَ أَرَاضِيهِمْ مِنْ مِثْل هَذِهِ الْمِيَاهِ، فَإِنْ كَانَ النَّهْرُ عَظِيمًا وَالْمَشْرَعُ وَاسِعًا يَفِي بِالْجَمِيعِ سَقَى مَنْ شَاءَ مَتَى شَاءَ، وَيَأْخُذُ مِنْهُ مَا شَاءَ.
وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ قَلِيلاً أَوْ ضَاقَ الْمَشْرَعُ، سَقَى الأَْوَّل أَرْضَهُ ثُمَّ يُرْسِلُهُ إِلَى الثَّانِي، ثُمَّ الثَّانِي إِلَى الثَّالِثِ، وَهَكَذَا.
هَذَا إِذَا كَانَ الأَْوَّل قَدْ تَقَدَّمَ فِي الإِْحْيَاءِ عَلَى الأَْسْفَل، أَوْ تَسَاوَيَا فِي الإِْحْيَاءِ، أَمَّا إِنْ تَقَدَّمَ الأَْسْفَل فَيُقَدَّمُ هُوَ (9) .
فَإِنْ لَمْ يَفْضُل عَنِ الأَْوَّل شَيْءٌ أَوْ عَنِ الثَّانِي أَوْ عَنْ مَنْ يَلِيهِمْ فَلاَ شَيْءَ لِلْبَاقِينَ؛ لأَِنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ إِلاَّ مَا فَضَل فَلَمْ يَفْضُل شَيْءٌ كَالْعَصَبَةِ فِي الْمِيرَاثِ (10) . وَالأَْصْل فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ - ﵄ - قَال: إِنَّ رَجُلاً مِنَ الأَْنْصَارِ خَاصَمَ الزُّبَيْرَ فِي شِرَاجِ الْحَرَّةِ الَّتِي يَسْقُونَ بِهَا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَال ﷺ: اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ أَرْسِل الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ فَغَضِبَ الأَْنْصَارِيُّ وَقَال: يَا رَسُول اللَّهِ أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ؟ فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُول اللَّهِ ﷺ ثُمَّ قَال: يَا زُبَيْرُ اسْقِ ثُمَّ احْبِسِ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجُدُرِ (11) وَقَال الزُّبَيْرُ فَوَاَللَّهِ إِنِّي لأََحْسِبُ هَذِهِ الآْيَةَ نَزَلَتْ فِيهِ {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} (12) . وَقَال عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ: نَظَرْنَا فِي قَوْل النَّبِيِّ ﷺ: ثُمَّ احْبِسِ الْمَاءَ حَتَّى يَبْلُغَ إِلَى الْجُدُرِ فَكَانَ ذَلِكَ إِلَى الْكَعْبَيْنِ (13) .
5 - وَإِنِ اسْتَوَى اثْنَانِ فِي الْقُرْبِ مِنْ أَوَّل النَّهْرِ اقْتَسَمَا الْمَاءَ بَيْنَهُمَا إِنْ أَمْكَنَ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا فَيُقَدَّمُ مَنْ تَقَعُ لَهُ الْقُرْعَةُ، فَإِنْ كَانَ لاَ يَفْضُل عَنْ أَحَدِهِمَا سَقَى مَنْ تَقَعُ لَهُ الْقُرْعَةُ بِقَدْرِ حَقِّهِ مِنَ الْمَاءِ ثُمَّ تَرَكَهُ لِلآْخَرِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَهْلِكَ جَمِيعَ الْمَاءِ؛ لأَِنَّ الآْخَرَ يُسَاوِيهِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمَاءِ، وَإِنَّمَا الْقُرْعَةُ لِلتَّقْدِيمِ فِي الاِسْتِيفَاءِ أَوَّلاً. لاَ فِي أَصْل الْحَقِّ بِخِلاَفِ الأَْعْلَى مَعَ الأَْسْفَل.
فَإِنْ كَانَتْ أَرْضُ أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِنْ أَرْضِ الآْخَرِ قُسِمَ الْمَاءُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ الأَْرْضِ، لأَِنَّ الزَّائِدَ مِنْ أَرْضِ أَحَدِهِمَا مُسَاوٍ فِي الْقُرْبِ، فَاسْتَحَقَّ جُزْءًا مِنَ الْمَاءِ كَمَا لَوْ كَانَ لِشَخْصٍ ثَالِثٍ (14) .
6 - وَإِنْ كَانَ لِجَمَاعَةٍ حَقُّ الشُّرْبِ فِي نَهْرٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ أَوْ سَيْلٍ وَأَحْيَا غَيْرُهُمْ أَرْضًا مَوَاتًا أَقْرَبَ إِلَى رَأْسِ النَّهْرِ مِنْ أَرْضِهِمْ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَسْقِيَ قَبْلَهُمْ لأَِنَّهُمْ أَسْبَقُ مِنْهُ إِلَى النَّهْرِ، وَلأَِنَّ مَنْ مَلَكَ أَرْضًا مَلَكَهَا بِحُقُوقِهَا وَمَرَافِقِهَا، وَالْمَاءُ أَهَمُّ الْمَرَافِقِ، فَلاَ يَمْلِكُ إِبْطَال حُقُوقِهَا، وَالشُّرْبُ مِنْ حُقُوقِهَا (15) .
كَرْيُ الأَْنْهَارِ الْعَامَّةِ:
7 - الْكَرْيُ: إِخْرَاجُ الطِّينِ مِنْ أَرْضِ النَّهْرِ وَحَفْرُهُ وَإِصْلاَحُ ضِفَّتَيْهِ، وَمُؤْنَةُ الْكَرْيِ وَجَمِيعُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ الإِْصْلاَحِ مِنْ بَيْتِ مَال الْمُسْلِمِينَ، لأَِنَّهُ لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَال شَيْءٌ، أَجْبَرَ الْحَاكِمُ النَّاسَ عَلَى إِصْلاَحِ النَّهْرِ إِنِ امْتَنَعُوا عَنْهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ وَتَحْقِيقًا لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ (16) .
الْقِسْمُ الثَّانِي: الْمِيَاهُ الْجَارِيَةُ فِي أَنْهَارٍ وَسَوَاقِي مَمْلُوكَةٍ:
8 - مَنْ يَحْفِرُ نَهْرًا يَدْخُل فِيهِ الْمَاءُ مِنَ النَّهْرِ الْعَظِيمِ أَوْ مِنْ نَهْرٍ مُتَفَرِّعٍ مِنْهُ، فَالْمَاءُ فِي هَذَا بَاقٍ عَلَى إِبَاحَتِهِ، وَلَكِنْ مَالِكُ النَّهْرِ أَحَقُّ بِهِ كَالسَّيْل يَدْخُل فِي مِلْكِهِ، وَلِغَيْرِهِ حَقُّ الشِّرْبِ مِنْهُ وَالاِسْتِعْمَال، وَسَقْيِ الدَّوَابِّ لاَ سَقْيِ أَرْضِهِ وَشَجَرِهِ، فَإِنْ أَبَى صَاحِبُهُ كَانَ لِلْمُضْطَرِّ أَخْذُهُ جَبْرًا، وَلَهُ إِنْ مَنَعَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُ وَلَوْ بِالسِّلاَحِ لأَِنَّ الْمَاءَ فِي النَّهْرِ غَيْرُ مَمْلُوكٍ بِشَرْطِ أَلاَّ يَجِدَ الْمُضْطَرُّ مَاءً مُبَاحًا (17) . لأَِثَرِ عُمَرَ - ﵁ - " رَوَى أَنَّ قَوْمًا وَرَدُوا مَاءً فَسَأَلُوا أَهْلَهُ أَنْ يَدُلُّوهُمْ عَلَى الْبِئْرِ، فَلَمْ يَدُلُّوهُمْ عَلَيْهَا فَقَالُوا: إِنَّ أَعْنَاقَنَا وَأَعْنَاقَ مَطَايَانَا قَدْ كَادَتْ تَتَقَطَّعُ مِنَ الْعَطَشِ، فَدُلُّونَا عَلَى الْبِئْرِ، وَأَعْطُونَا دَلْوًا نَسْتَقِي، فَلَمْ يَفْعَلُوا فَذُكِرَ ذَلِكَ - لِعُمَرِ ﵁ - فَقَال: هَلاَّ وَضَعْتُمِ السِّلاَحَ فِيهِمْ. وَيَجُوزُ لِغَيْرِ مَالِكِ النَّهْرِ أَنْ يَحْفِرَ فَوْقَ نَهْرِهِ نَهْرًا إِنْ لَمْ يُضَيِّقْ عَلَيْهِ، فَإِنْ ضَيَّقَ، فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ.
فَإِنِ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي الْحَفْرِ اشْتَرَكُوا فِي الْمِلْكِ عَلَى قَدْرِ عَمَلِهِمْ، فَإِنِ اشْتَرَطُوا أَنْ يَكُونَ النَّهْرُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ مِلْكِهِمْ مِنَ الأَْرْضِ يَكُونُ عَمَل كُل وَاحِدٍ عَلَى قَدْرِ أَرْضِهِ، فَإِنْ زَادَ أَحَدُهُمْ عَلَى قَدْرِ أَرْضِهِ مُتَطَوِّعًا فَلاَ شَيْءَ لَهُ عَلَى الْبَاقِينَ. فَإِنْ أُكْرِهَ أَوْ شَرَطُوا لَهُ عِوَضًا رَجَعَ عَلَيْهِمْ بِأُجْرَةِ مَا زَادَ، وَلَيْسَ لِلأَْعْلَى حَبْسُ الْمَاءِ عَنِ الأَْسْفَل.
وَإِذَا اقْتَسَمُوا الْمَاءَ بِالأَْيَّامِ وَالسَّاعَاتِ جَازَ؛ لأَِنَّهُ حَقَّهُمْ لاَ يَخْرُجُ عَنْهُمْ، وَإِنْ تَشَاحُّوا فِي قِسْمَتِهِ قَسَمَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَمْلاَكِهِمْ لأَِنَّ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَمْلِكُ مِنَ النَّهْرِ بِقَدْرِ ذَلِكَ (18) ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَنْصِبَ خَشَبَةً فِي عَرْضِ النَّهْرِ فِيهَا ثُقُوبٌ مُتَسَاوِيَةٌ أَوْ مُتَفَاوِتَةٌ عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمْ. وَلَيْسَ لأَِحَدِهِمُ التَّصَرُّفُ فِي النَّهْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمْ بِتَوْسِيعِ فَمِ النَّهْرِ أَوْ تَضْيِيقِهِ وَلاَ بِنَاءِ قَنْطَرَةٍ عَلَيْهِ إِلاَّ بِرِضَاهُمْ. وَعِمَارَتُهُ عَلَيْهِمْ بِحَسَبِ الْمِلْكِ لاِشْتِرَاكِهِمْ فِي الْمِلْكِ وَالاِنْتِفَاعِ، وَلَهُمْ أَنْ يَقْتَسِمُوا مُهَايَأَةً بِأَنْ يَسْقِيَ كُل وَاحِدٍ يَوْمًا أَوْ بَعْضُهُمْ يَوْمًا فَأَكْثَرَ بِحَسَبِ حِصَّتِهِ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمُ الرُّجُوعُ عَنِ الْمُهَايَأَةِ مَتَى شَاءَ، وَلَهُمْ أَنْ يَقْتَسِمُوا بِكُل مَا يُتَوَصَّل بِهِ لإِِعْطَاءِ كُل ذِي حَقٍّ حَقَّهُ مِنَ الْمَاءِ (19) .
الْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْمَنْبَعُ مَمْلُوكًا:
9 - كَأَنْ يَحْفِرَ بِئْرًا فِي مِلْكِهِ أَوْ فِي مَوَاتٍ لِلتَّمَلُّكِ، أَوِ انْفَجَرَتْ فِي مِلْكِهِ عَيْنٌ. فَإِنَّهُ يَمْلِكُ الْمَاءَ لأَِنَّهُ نَمَاءٌ مَلَكَهُ كَالثَّمَرَةِ وَاللَّبَنِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ، وَلَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ بَذْل الْفَاضِل مِنَ الْمَاءِ عَنْ شُرْبِهِ لِشُرْبِ غَيْرِهِ، وَبَذْل مَا فَضَل عَنْ مَاشِيَتِهِ لِمَاشِيَةِ غَيْرِهِ لِحَدِيثِ: الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلاَثٍ: فِي الْكَلأَِ وَالْمَاءِ وَالنَّارِ (20) بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ كَلأٌَ تَرْعَى الْمَاشِيَةُ مِنْهُ، وَلاَ يَجِدُ مَاءً مُبَاحًا أَوْ مَمْلُوكًا يَبْذُلُهُ صَاحِبُهُ لَهُ مَجَّانًا.
وَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ، لِلنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ فَضْل الْمَاءِ، وَلاَ يَجِبُ بَذْل فَضْل الْمَاءِ لِزَرْعِهِ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: لَهُ مَنْعُهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَبَيْعُهُ، وَهِبَتُهُ، وَالتَّصَدُّقُ بِهِ، إِلاَّ مَنْ خِيفَ عَلَيْهِ هَلاَكٌ أَوْ ضَرَرٌ شَدِيدٌ، وَلاَ ثَمَنَ مَعَهُ حِينَ الْخَوْفِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فِي بَلَدِهِ، فَلَيْسَ لِلْمَالِكِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مَنْعُهُ وَلاَ بَيْعُهُ، بَل يَجِبُ عَلَيْهِ دَفْعُهُ لَهُ مَجَّانًا، وَلاَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ غَنِيًّا فِي بَلَدِهِ. أَمَّا إِذَا كَانَ مَعَهُ مَالٌ فَلاَ يَبْذُل لَهُ إِلاَّ بِالثَّمَنِ. وَكَذَا يَجِبُ عَلَى مَالِكِ الْمَاءِ بَذْل الْفَاضِل مِنَ الْمَاءِ لِزَرْعِ جَارِهِ، بِشَرْطِ أَنْ يَظُنَّ هَلاَكَ الزَّرْعِ، وَأَنْ يَكُونَ الْمَاءُ فَاضِلاً عَنْ زَرْعِ مَالِكِ الْمَاءِ، وَأَنْ يَزْرَعَ الْجَارُ زَرْعَهُ عَلَى مَاءٍ لَهُ، وَأَنْ يَشْرَعَ فِي إِصْلاَحِ بِئْرِهِ.
فَإِنْ لَمْ يَفْضُل عَنْ زَرْعِهِ شَيْءٌ، فَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ بَذْل الْمَاءِ لِغَيْرِهِ، وَكَذَا إِنْ لَمْ يَزْرَعِ الْجَارُ زَرْعَهُ عَلَى مَاءِ لِمُخَاطَرَتِهِ وَتَعْرِيضِهِ زَرْعَهُ لِلْهَلاَكِ، وَكَذَا إِنْ كَانَ قَدْ زَرَعَ عَلَى مَاءٍ فَعَطِبَ وَلَمْ يَشْرَعْ فِي إِصْلاَحِهِ.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ مَاءَ الآْبَارِ وَالْحِيَاضِ وَالْعُيُونِ لاَ يُمْلَكُ، بَل هُوَ مُبَاحٌ فِينَفْسِهِ، سَوَاءٌ حُفِرَ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ أَوْ أَرْضٍ مُبَاحَةٍ، وَلَكِنْ لِحَافِرِ الْبِئْرِ فِي مِلْكِهِ، أَوْ فِي مَوَاتٍ لِلتَّمَلُّكِ، وَلِمَنْ نَبَعَتِ الْعَيْنُ فِي أَرْضٍ يَمْلِكُهَا حَقُّ الاِخْتِصَاصِ؛ لأَِنَّ الْمَاءَ فِي الأَْصْل خُلِقَ مُبَاحًا، لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلاَثٍ: الْكَلأَِ وَالْمَاءِ وَالنَّارِ وَالشَّرِكَةُ تَقْتَضِي الإِْبَاحَةَ لِجَمِيعِ الشُّرَكَاءِ إِلاَّ إِذَا حَصَل فِي إِنَاءٍ وَأَحْرَزَهُ بِهِ، فَيَصِيرُ مَمْلُوكًا، لأَِنَّهُ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ وَهُوَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لأَِحَدٍ كَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ غَيْرِ الْمَمْلُوكَةِ، وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ بَقِيَ عَلَى أَصْل الإِْبَاحَةِ الثَّابِتَةِ بِالشَّرْعِ، فَلاَ يَجُوزُ بَيْعُهُ لأَِنَّ الْبَيْعَ لاَ يَصِحُّ فِي مَالٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ. وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ النَّاسَ مِنَ الشُّرْبِ بِأَنْفُسِهِمْ وَسَقْيِ دَوَابِّهِمْ مِنْهُ لأَِنَّهُ مُبَاحٌ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: أَنَّهُ نَهَى أَنْ يَمْنَعَ نَقْعَ الْبِئْرِ وَهُوَ فَضْل مَائِهَا الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهَا، فَلِلنَّاسِ أَنْ يَشْرَبُوا مِنْهَا وَيَسْقُوا مِنْهَا دَوَابَّهُمْ، وَلَكِنْ إِذَا كَانَ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍفَلِصَاحِبِهَا أَنْ يَمْنَعَ مِنَ الدُّخُول فِي مِلْكِهِ؛ لأَِنَّ فِي الدُّخُول فِي مِلْكِهِ إِضْرَارًا بِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَهُ أَنْ يَدْفَعَ الضَّرَرَ عَنْ نَفْسِهِ. وَإِنِ اضْطُرُّوا إِلَيْهِ بِأَنْ لَمْ يَجِدُوا مَاءً غَيْرَهُ وَخَافُوا الْهَلاَكَ، فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ فِي الدُّخُول فِي مِلْكِهِ أَوْ يُخْرِجَ الْمَاءَ لَهُمْ، وَلَهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوهُ عَلَى ذَلِكَ بِالسِّلاَحِ لِيَأْخُذُوهُ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ.
حَفْرُ بِئْرٍ لِلاِرْتِفَاقِ لاَ لِلتَّمَلُّكِ:
10 - إِنْ حَفَرَ بِئْرًا لِلاِرْتِفَاقِ فِي مَوَاتٍ اخْتَصَّ بِهِ وَبِمَائِهِ كَالْمَالِكِ مَا دَامَ مُقِيمًا عَلَيْهِ، لِخَبَرِ مَنْ سَبَقَ إِلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إِلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ لَهُ وَلَكِنَّهُ لاَ يَمْلِكُ مَنْعَ مَا فَضَل مِنْهُ عَنِ الْمُحْتَاجِ لِشُرْبٍ وَسَقْيِ دَوَابَّ وَمَوَاشِي، وَهَذَا مَحَل اتِّفَاقٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ. فَإِنِ ارْتَحَل عَنْهَا بَطَل اخْتِصَاصُهُ. فَإِنْ عَادَ مَرَّةً أُخْرَى فَهُوَ كَغَيْرِهِ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَعُودُ لَهُ الاِخْتِصَاصُ.
وَإِنْ حَفَرَهَا لِلْمَارَّةِ فَهُوَ فِيهَا كَأَحَدِهِمْ.
وَإِنْ حَفَرَهَا بِلاَ قَصْدِ شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ فَكَذَلِكَ.وَالْقَنَاةُ الْمَمْلُوكَةُ كَالْبِئْرِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَحْكَامٍ.
الْقِسْمُ الرَّابِعُ: الْمَاءُ الْمُحْرَزُ بِالأَْوَانِي وَالظُّرُوفِ:
11 - وَهَذَا مَمْلُوكٌ لِمُحْرِزِهِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ وَلاَ حَقَّ لأَِحَدٍ فِيهِ؛ لأَِنَّ الْمَاءَ وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا فِي الأَْصْل فَإِنَّ الْمُبَاحَ يُمْلَكُ بِالاِسْتِيلاَءِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا لِلْغَيْرِ كَالْحَطَبِ وَالْحَشِيشِ وَالصَّيْدِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ وَالتَّصَدُّقُ بِهِ. وَقَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ فِي جَمِيعِ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ وَفِي سَائِرِ الأَْعْصَارِ عَلَى بَيْعِ السَّقَّائِينَ الْمِيَاهَ الْمُحْرَزَةَ فِي الظُّرُوفِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، فَلاَ يَحِل لأَِحَدٍ أَخْذُهُ بِغَيْرِ إِذْنِ مُحْرِزِهِ، إِلاَّ أَنْ يَخَافَ الْهَلاَكَ، وَعِنْدَهُ فَضْلٌ عَنْ حَاجَتِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ بَذْلُهُ لَهُ، فَإِنِ امْتَنَعَ أَنْ يُقَدِّمَهُ لَهُ فَلَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُ عَلَيْهِ.
شَرْطُ وُجُوبِ الاِنْتِفَاعِ بِالأَْنْهَارِ الْخَاصَّةِ وَنَحْوِهَا:
12 - يَجِبُ عَلَى الْمُنْتَفِعِ بِالأَْنْهَارِ وَالسَّوَّاقِي وَالآْبَارِ الْخَاصَّةِ أَلاَّ يَضُرَّ الْمَالِكَ فِي مِلْكِهِ، بِأَنْ يُحَافِظَ عَلَى حَافَّةِ النَّهْرِ وَالسَّاقِيَّةِ، وَالْبِئْرِ مِنَالتَّخْرِيبِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَل ذَلِكَ فَلِصَاحِبِ الْمَجْرَى الْمَنْعُ مِنْهُ؛ إِذْ لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ.
رَفْعُ الدَّعْوَى لِلشِّرْبِ:
13 - مَنْ كَانَ لَهُ شِرْبٌ فِي مَاءٍ فَلَهُ رَفْعُ الدَّعْوَى عَلَى مَنْ حَال بَيْنَهُ وَبَيْنَ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ؛ لأَِنَّ الشِّرْبَ مَرْغُوبٌ فِيهِ مُنْتَفَعٌ بِهِ وَيُمْكِنُ اسْتِحْقَاقُهُ بِغَيْرِ أَرْضٍ بِالإِْرْثِ وَالْوَصِيَّةِ؛ وَلأَِنَّهُ قَدِ ابْتَاعَ الأَْرْضَ دُونَ حَقِّ الشِّرْبِ، فَيَبْقَى الشِّرْبُ وَحْدَهُ، فَإِنِ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ غَيْرُهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ الظُّلْمَ عَنْ نَفْسِهِ بِإِثْبَاتِ حَقِّهِ بِالْبَيِّنَةِ، صَرَّحَ بِهَذَا الْحَنَفِيَّةُ وَهُمْ لاَ يُجِيزُونَ التَّصَرُّفَ فِي الشِّرْبِ بِالْبَيْعِ وَالإِْجَارَةِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْعُقُودِ وَغَيْرُ الْحَنَفِيَّةِ أَوْلَى بِإِجَازَةِ رَفْعِ الدَّعْوَى لِكَوْنِهِمْ يُجِيزُونَ بَيْعَ حَقِّ الشِّرْبِ. كَمَا سَيَأْتِي.
التَّصَرُّفُ فِي الشِّرْبِ:
14 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى جَوَازِ التَّصَرُّفِ فِي الشِّرْبِ بِالْبَيْعِ وَالإِْجَارَةِ وَالصُّلْحِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنْوَاعِ التَّصَرُّفِ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ.
فَإِنْ صَالَحَ رَجُلاً عَلَى مَوْضِعِ قَنَاةٍ فِي أَرْضِهِيَجْرِي فِيهَا مَاءٌ وَبَيَّنَا مَوْضِعَهَا وَعَرْضَهَا وَطُولَهَا جَازَ؛ لأَِنَّ ذَلِكَ بَيْعُ مَوْضِعٍ مِنْ أَرْضِهِ، وَلاَ حَاجَةَ إِلَى بَيَانِ عُمْقِهِ لأَِنَّهُ إِذَا مَلَكَ الْمَوْضِعَ كَانَ لَهُ إِلَى تُخُومِهِ، وَإِنْ صَالَحَ عَلَى إجْرَاءِ الْمَاءِ فِي سَاقِيَةٍ مِنْ أَرْضِ رَبِّ الأَْرْضِ مَعَ بَقَاءِ مِلْكِهِ عَلَيْهَا، جَازَ، وَهُوَ إجَارَةٌ لِلأَْرْضِ فَيُشْتَرَطُ تَقْدِيرُ الْمُدَّةِ؛ لأَِنَّ هَذَا شَأْنُ الإِْجَارَةِ.
أَمَّا الشِّرْبُ بِمَعْنَى الْمَاءِ فَقَدْ جَوَّزَ الْمَالِكِيَّةُ بَيْعَهُ مُطْلَقًا فَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ شِرْبَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ بِغَيْرِ أَصْل الْمَاءِ.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنِ اشْتَرَى شِرْبَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ مِنْ نَهْرِ رَجُلٍ أَوْ صَالَحَ عَلَيْهِ وَقُدِّرَ بِشَيْءٍ يُعْلَمُ بِهِ. قَال الْقَاضِي: لاَ يَجُوزُ لأَِنَّ الْمَاءَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ، فَلاَ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلاَ الصُّلْحُ عَلَيْهِ لأَِنَّهُ مَجْهُولٌ. وَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى سَهْمٍ مِنَ الْعَيْنِ أَوِ النَّهْرِ كَالرُّبُعِ وَالثُّلُثِ جَازَ، وَكَانَ بَيْعًا لِلْقَرَارِ وَالْمَاءُ تَابِعٌ لَهُ. قَال ذَلِكَ الْقَاضِي. وَقَال ابْنُ قُدَامَةَ: يُحْتَمَل أَنْ يَجُوزَ الصُّلْحُ عَلَى الشِّرْبِ مِنْ نَهْرِهِ أَوْ قَنَاتِهِ، لأَِنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إِلَيْهِ. وَالْمَاءُ مِمَّا يَجُوزُ الْعِوَضُعَنْهُ فِي الْجُمْلَةِ بِدَلِيل مَا لَوْ أَخَذَهُ فِي إِنَاءٍ أَوْ قِرْبَةٍ يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَيَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَى مَا لاَ يَجُوزُ بَيْعُهُ كَالْقِصَاصِ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لاَ يَجُوزُ بَيْعُ الْمَاءِ إِنْ وَجَبَ بَذْلُهُ. وَإِنْ لَمْ يَجِبْ بَذْلُهُ بِأَنْ وَجَدَ مُحْتَاجُ الشُّرْبِ مَاءً آخَرَ فَلَهُ بَيْعُ الْمَاءِ، مُقَدَّرًا بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ، وَلاَ يَجُوزُ مُقَدَّرًا بِرَيِّ الْمَاشِيَةِ وَالزَّرْعِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ بَيْعُ الشِّرْبِ مُنْفَرِدًا بِأَنْ بَاعَ شِرْبَ يَوْمٍ أَوْ أَكْثَرَ لأَِنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ حَقِّ الشِّرْبِ وَالسَّقْيِ، وَالْحُقُوقُ لاَ تَحْتَمِل الإِْفْرَادَ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَلَوْ اشْتَرَى الشِّرْبَ بِدَارٍ وَقَبَضَهَا لَزِمَهُ رَدُّ الدَّارِ لأَِنَّهَا مَقْبُوضَةٌ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ، فَكَانَ وَاجِبَ الرَّدِّ كَسَائِرِ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ، وَلاَ شَيْءَ عَلَى الْبَائِعِ بِمَا انْتَفَعَ بِهِ مِنَ الشِّرْبِ، وَإِنْ بَاعَ الشِّرْبَ مَعَ الأَْرْضِ جَازَ تَبَعًا لِلأَْرْضِ؛ لِجَوَازِ كَوْنِ الشَّيْءِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ تَجْعَلْهُ التَّبَعِيَّةُ مَقْصُودًا بِذَاتِهِ، وَلاَ يَجُوزُ جَعْلُهُ أُجْرَةً لِدَارٍ، وَلاَ إجَارَتُهُ مُنْفَرِدًا لأَِنَّ الْحُقُوقَ لاَ تَحْتَمِل الإِْجَارَةَ كَمَا لاَ تَحْتَمِل الْبَيْعَ.وَإِنْ بَاعَ الأَْرْضَ وَلَمْ يَذْكُرِ الشِّرْبَ لَمْ يَدْخُل فِي الْبَيْعِ. وَإِنْ أَجَّرَهَا وَلَمْ يَذْكُرِ الشِّرْبَ لَمْ يَدْخُل قِيَاسًا وَيَدْخُل اسْتِحْسَانًا لِوُجُودِ الذِّكْرِ دَلاَلَةً؛ لأَِنَّ الإِْجَارَةَ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ بِعِوَضٍ وَلاَ يُمْكِنُ الاِنْتِفَاعُ بِالأَْرْضِ بِدُونِ الشِّرْبِ فَيَكُونُ مَذْكُورًا بِذِكْرِ الأَْرْضِ دَلاَلَةً بِخِلاَفِ الْبَيْعِ، لأَِنَّ الْبَيْعَ تَمْلِيكُ الْعَيْنِ، وَالْعَيْنُ تَحْتَمِل الْمِلْكَ بِدُونِ الْمَنْفَعَةِ، وَلاَ تَجُوزُ هِبَةُ الشِّرْبِ وَالتَّصَدُّقُ بِهِ؛ لأَِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ تَمْلِيكٌ وَالْحُقُوقُ الْمُفْرَدَةُ لاَ تَحْتَمِل التَّمْلِيكَ، وَلاَ يَجُوزُ الصُّلْحُ لأَِنَّ الصُّلْحَ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ وَلاَ يَصْلُحُ مَهْرًا وَلاَ بَدَل خُلْعٍ.
النِّزَاعُ فِي اسْتِحْقَاقِ الشِّرْبِ:
15 - قَال الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا وُجِدَتْ أَرْضٌ لَمْ يَكُنْ سَقْيُهَا مِنَ النَّهْرِ الْعَامِّ، وَوُجِدَتْ سَاقِيَةٌ لَهَا مِنَ النَّهْرِ، وَلَمْ يُوجَدْ لَهَا شِرْبٌ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ، حَكَمْنَا عِنْدَ التَّنَازُعِ بِأَنَّ لَهَا شِرْبًا مِنْهُ. وَلَوْ تَنَازَعَ الشُّرَكَاءُ فِي النَّهْرِ فِي قَدْرِ أَنْصِبَائِهِمْ يُجْعَل عَلَى قَدْرِ الأَْرْضِينَ لأَِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الشَّرِكَةَ بِحَسَبِ الْمِلْكِ.
__________
(1) سورة الشعراء / 155.
(2) لسان العرب، ابن عابدين 5 / 281، وبدائع الصنائع 6 / 188.
(3) المصادر السابقة.
(4) ابن عابدين 5 / 281.
(5) روضة الطالبين 5 / 304، نهاية المحتاج 6 / 351، البدائع 6 / 192، تبيين الحقائق 6 / 39، حاشية الدسوقي 4 / 74، شرح الزرقاني 7 / 72 - 73.
(6) حديث: " المسلمون شركاء في ثلاثة. . . ". أخرجه أبو داود (3 / 751 - تحقيق عزت عبيد دعاس) من حديث رجل من المهاجرين. وإسناده صحيح.
(7) حديث: " لا ضرر ولا ضرار ". أخرجه مالك في الموطأ (2 / 745 - ط الحلبي) من حديث يحيى المازني مرسلا. ولكن له طرق أخرى موصولة يتقوى بها، ذكرها ابن رجب في جامع العلوم والحكم (ص286 - 287 - ط الحلبي) .
(8) المصادر السابقة.
(9) روضة الطالبين 5 / 305، أسنى المطالب 3 / 454، المغني 5 / 583، حاشية الدسوقي 4 / 74، رد المحتار 5 / 282.
(10) المغني 5 / 583 والمصادر السابقة.
(11) حديث: " اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك ". أخرجه البخاري (الفتح 5 / 39 - ط السلفية) ومسلم (4 / 1829 - 1830 - ط الحلبي) .
(12) سورة النساء - 65.
(13) المغني 5 / 585.
(14) المغني 5 / 584 - 585، أسنى المطالب 2 / 454، روضة الطالبين 5 / 306.
(15) روضة الطالبين 5 / 306، المغني 5 / 585 أسنى المطالب 2 / 454، ابن عابدين 5 / 284.
(16) روضة الطالبين 5 / 306، أسنى المطالب 2 / 454 ابن عابدين 5 / 284.
(17) روضة الطالبين 5 / 307، أسنى المطالب 2 / 455، رد المحتار 5 / 282، بدائع الصنائع 6 / 189، المغني 5 / 587 - 589.
(18) روضة الطالبين 5 / 307، المغني 5 / 585 - 586، ابن عابدين 5 / 284 - 285، المصادر السابقة.
(19) أسنى المطالب 2 / 455، روضة الطالبين 5 / 307، المحلي على القيوبي 3 / 96 - 97، المغني 5 / 585، 586، ابن عابدين 5 / 285، بدائع الصنائع 6 / 190 - 191، تبيين الحقائق 6 / 42، القوانين الفقهية 331، حاشية الدسوقي 4 / 74.
(20) حديث: " الناس شركاء في ثلاث. . . ". تقدم تخريجه ف2.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 370/ 25