البحث

عبارات مقترحة:

الجميل

كلمة (الجميل) في اللغة صفة على وزن (فعيل) من الجمال وهو الحُسن،...

القدير

كلمة (القدير) في اللغة صيغة مبالغة من القدرة، أو من التقدير،...

القهار

كلمة (القهّار) في اللغة صيغة مبالغة من القهر، ومعناه الإجبار،...

صَفٌّ


من موسوعة المصطلحات الإسلامية

التعريف اللغوي

الصَّفُّ: السَّطْرُ المُسْتَقِيمُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وأَصْلُ الصَّفِّ والتَّصْفِيفِ: تَسْوِيَةُ الأَشْياءِ على خَطٍّ مُسْتَقِيمٍ، ثُمَّ أُطْلِقَ على الأشْياءِ الـمَصْفُوفَةِ، أيْ: الـمُتَساوِيَةُ والـمُسْتِقَيمَةُ، يُقالُ: صَفَّ الأَشْجارَ، يَصُفُّها، صفًّا، أيْ: جَعَلَها مُسْتَوِيَةً على خَطٍّ مُسْتَقِيمٍ، وصافَّ الجَيشُ عَدُوَّهُ: قاتَلَهُ صُفُوفًا وتَصافَّ القَوْمُ: وَقَفُوا صُفُوفًا مُتَقَابِلَةً، وجَمْعُ صَفٍّ: صُفُوفٌ.

إطلاقات المصطلح

يُطْلَقُ مُصْطلَح (صَفّ) في كِتابِ الجِهادِ، ويُرادُ بِهِ: مَجْموعةُ الـمُقاتِلِينَ إذا كانوا على خَطٍّ مُسْتَقيمٍ. ويُطْلَقُ ويُرادُ بِهِ: اسْمُ سُورَةٍ مِنْ سُوَرِ القُرآنِ الكَريمِ، وهي السُّورَةُ رَقْمُ (61) في تَرْتِيبِ الـمُصْحَفِ، مَدَنِيَّةٌ، عَدَدُ آياتِها أَرْبَعَ عَشْرَةَ آيَةٍ. ويُطْلَقُ بِـمَعْنىً مُعاصِرٍ ويُرادُ بِهِ: الطّائِفَةُ مِن الطُّلابِ في طَبَقَةٍ واحِدَةٍ وغُرْفَةٍ واحِدَةٍ مِن الـمَدْرَسَةِ.

جذر الكلمة

صفف

المراجع

* المفردات في غريب القرآن : (ص 282)
* المحكم والمحيط الأعظم : (8/272)
* لسان العرب : (9/194)
* تاج العروس : (24/27)
* المصباح المنير في غريب الشرح الكبير : (1/343)
* نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج : (2/187)
* حاشية ابن عابدين : (2/254)
* كشاف القناع عن متن الإقناع : (1/328)
* معجم لغة الفقهاء : (ص 274) -

من الموسوعة الكويتية

التَّعْرِيفُ:
1 - الصَّفُّ فِي اللُّغَةِ: السَّطْرُ الْمُسْتَقِيمُ مِنْ كُل شَيْءٍ، وَالْقَوْمُ الْمُصْطَفُّونَ وَجَعْل الشَّيْءِ - كَالنَّاسِ وَالأَْشْجَارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ - عَلَى خَطٍّ مُسْتَوٍ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} (1) وَصَافَّ الْجَيْشُ عَدُوَّهُ: قَاتَلَهُ صُفُوفًا، وَتَصَافَّ الْقَوْمُ: وَقَفُوا صُفُوفًا مُتَقَابِلَةً (2) .
وَلاَ يَخْرُجُ مَعْنَاهُ الاِصْطِلاَحِيُّ عَنْ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ.
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالصَّفِّ:
أَوَّلاً: تَسْوِيَةُ الصَّفِّ فِي صَلاَةِ الْجَمَاعَةِ:
2 - ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَسْوِيَةُ الصُّفُوفِ فِي صَلاَةِ الْجَمَاعَةِ بِحَيْثُ لاَ يَتَقَدَّمُ بَعْضُ الْمُصَلِّينَ عَلَى الْبَعْضِ الآْخَرِ، وَيَعْتَدِل الْقَائِمُونَ فِي الصَّفِّ عَلَى سَمْتٍ وَاحِدٍ مَعَ التَّرَاصِّ، وَهُوَ تَلاَصُقُ الْمَنْكِبِ بِالْمَنْكِبِ، وَالْقَدَمِ بِالْقَدَمِ، وَالْكَعْبِ بِالْكَعْبِ حَتَّى لاَ يَكُونَ فِي الصَّفِّ خَلَلٌ وَلاَ فُرْجَةٌ، وَيُسْتَحَبُّ لِلإِْمَامِ أَنْ يَأْمُرَ بِذَلِكَ لِقَوْلِهِ ﷺ: سَوُّوا صُفُوفَكُمْ فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِ الصَّلاَةِ (3) وَفِي رِوَايَةٍ: فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلاَةِ (4) وَفِي رِوَايَةٍ: وَأَقِيمُوا الصَّفَّ فَإِنَّ إِقَامَةَ الصَّفِّ مِنْ حُسْنِ الصَّلاَةِ (5) وَلِمَا رَوَاهُ أَنَسٌ ﵁ قَال: أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَأَقْبَل عَلَيْنَا رَسُول اللَّهِ ﷺ بِوَجْهِهِ فَقَال: أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ، وَتَرَاصُّوا فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي (6) . وَفِي رِوَايَةٍ: وَكَانَ أَحَدُنَا يَلْزَقُ مَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِ صَاحِبِهِ وَقَدَمَهُ بِقَدَمِهِ (7)
وَذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ - مِنْهُمُ ابْنُ حَجَرٍ وَبَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ - إِلَى وُجُوبِ تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ لِقَوْلِهِ ﷺ: لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ (8) فَإِنَّ وُرُودَ هَذَا الْوَعِيدِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ التَّسْوِيَةِ، وَالتَّفْرِيطُ فِيهَا حَرَامٌ؛ وَلأَِمْرِهِ ﷺ بِذَلِكَ وَأَمْرُهُ لِلْوُجُوبِ مَا لَمْ يَصْرِفْهُ صَارِفٌ، وَلاَ صَارِفَ هُنَا.
قَال ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلاَنِيُّ: وَمَعَ الْقَوْل بِأَنَّ تَسْوِيَةَ الصَّفِّ وَاجِبَةٌ فَصَلاَةُ مَنْ خَالَفَ وَلَمْ يُسَوِّ صَحِيحَةٌ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ: أَنَّ أَنَسًا مَعَ إِنْكَارِهِ عَلَيْهِمْ لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِإِعَادَةِ الصَّلاَةِ (9) . 3 - وَمِنْ تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ إِكْمَال الصَّفِّ الأَْوَّل فَالأَْوَّل، وَأَنْ لاَ يُشْرَعَ فِي إِنْشَاءِ الصَّفِّ الثَّانِي إِلاَّ بَعْدَ كَمَال الأَْوَّل، وَهَكَذَا. وَهَذَا مَوْضِعُ اتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ لِقَوْلِهِ ﷺ: أَتِمُّوا الصَّفَّ الْمُقَدَّمَ ثُمَّ الَّذِي يَلِيَهُ، فَمَا كَانَ مِنْ نَقْصٍ فَلْيَكُنْ فِي الصَّفِّ الْمُؤَخَّرِ (10) وَقَوْلِهِ ﷺ: مَنْ وَصَل صَفًّا وَصَلَهُ اللَّهُ وَمَنْ قَطَعَ صَفًّا قَطَعَهُ اللَّهُ (11) .
وَعَلَيْهِ فَلاَ يَقِفُ فِي صَفٍّ وَأَمَامَهُ صَفٌّ آخَرُ نَاقِصٌ أَوْ فِيهِ فُرْجَةٌ، بَل يَشُقُّ الصُّفُوفَ لِسَدِّ الْخَلَل أَوِ الْفُرْجَةِ الْمَوْجُودَةِ فِي الصُّفُوفِ الَّتِي أَمَامَهُ؛ لِلأَْحَادِيثِ السَّابِقَةِ (12) .
فَإِذَا حَضَرَ مَعَ الإِْمَامِ رَجُلاَنِ أَوْ أَكْثَرُ، أَوْ رَجُلٌ وَصَبِيٌّ اصْطَفَّا خَلْفَهُ. وَلَوْ حَضَرَ مَعَهُ رَجُلاَنِ وَامْرَأَةٌ اصْطَفَّ الرَّجُلاَنِ خَلْفَهُ وَالْمَرْأَةُ خَلْفَهُمَا، وَلَوِ اجْتَمَعَ الرِّجَال وَالنِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ وَالصَّبِيَّاتُ الْمُرَاهِقَاتُ وَأَرَادُوا أَنْ يَصْطَفُّوا لِلْجَمَاعَةِ وَقَفَ الرِّجَال فِي صَفٍّ أَوْ صَفَّيْنِ أَوْ صُفُوفٍ مِمَّا يَلِي الإِْمَامَ، ثُمَّ الصِّبْيَانُ بَعْدَهُمْ، وَفِي وَجْهٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَقِفُ بَيْنَ كُل رَجُلَيْنِ صَبِيٌّ لِيَتَعَلَّمَ أَفْعَال الصَّلاَةِ.
ثُمَّ يَقِفُ النِّسَاءُ وَلاَ فَرْقَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ بَيْنَ الْكَبِيرَةِ وَالصَّبِيَّةِ الْمُرَاهِقَةِ.
أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فَيَرَوْنَ أَنَّ الصَّبِيَّاتِ الْمُرَاهِقَاتِ يَقِفْنَ وَرَاءَ النِّسَاءِ الْكَبِيرَاتِ. وَيَتَقَدَّمُ بِالنِّسْبَةِ لِهَؤُلاَءِ جَمِيعًا فِي الصُّفُوفِ الأُْوَل الأَْفْضَل فَالأَْفْضَل لِمَا رَوَاهُ أَبُو مَسْعُودٍ ﵁ قَال: كَانَ رَسُول اللَّهِ ﷺ: يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا فِي الصَّلاَةِ وَيَقُول: اسْتَوُوا وَلاَ تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ؛ لِيَلِيَنِّي مِنْكُمْ أُولُو الأَْحْلاَمِ وَالنُّهَى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ (13) .
وَلِمَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مَالِكٍ الأَْشْعَرِيِّ قَال: أَلاَ أُحَدِّثُكُمْ بِصَلاَةِ النَّبِيِّ ﷺ؟ قَال: فَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَصَفَّ الرِّجَال وَصَفَّ خَلْفَهُمُ الْغِلْمَانَ ثُمَّ صَلَّى بِهِمْ، فَذَكَرَ صَلاَتَهُ ثُمَّ قَال: هَكَذَا صَلاَةُ. قَال عَبْدُ الأَْعْلَى - رَاوِي الْحَدِيثِ -: لاَ أَحْسَبُهُ إِلاَّ قَال: صَلاَةُ أُمَّتِي (14) .
وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ مَعَ الإِْمَامِ إِلاَّ جَمْعٌ مِنَ النِّسَاءِ صَفَّهُنَّ خَلْفَهُ، وَكَذَا الاِثْنَتَانِ وَالْوَاحِدَةُ. وَمِنْ أَدَبِ الصَّفِّ أَنْ تُسَدَّ الْفُرَجُ وَالْخَلَل، وَأَنْ لاَ يُشْرَعَ فِي صَفٍّ حَتَّى يَتِمَّ الأَْوَّل، وَأَنْ يُفْسَحَ لِمَنْ يُرِيدُ دُخُول الصَّفِّ إِذَا كَانَتْ هُنَاكَ سِعَةٌ، وَيَقِفُ الإِْمَامُ وَسَطَ الصَّفِّ وَالْمُصَلُّونَ خَلْفَهُ (15) لِقَوْلِهِ ﷺ: وَسِّطُوا الإِْمَامَ وَسُدُّوا الْخَلَل (16) " وَمُقَابِل الإِْمَامِ أَفْضَل مِنَ الْجَوَانِبِ، وَجِهَةُ يَمِينِ الإِْمَامِ أَفْضَل مِنْ جِهَةِ يَسَارِهِ لِقَوْلِهِ ﷺ: إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى مَيَامِنِ الصُّفُوفِ (17) .

فَضْل الصَّفِّ الأَْوَّل:
4 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ أَفْضَل صُفُوفِ الرِّجَال - سَوَاءٌ كَانُوا يُصَلُّونَ وَحْدَهُمْ أَوْ مَعَ غَيْرِهِمْ مِنَ الصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ - هُوَ الصَّفُّ الأَْوَّل، ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ، ثُمَّ الأَْقْرَبُ فَالأَْقْرَبُ، وَكَذَا أَفْضَل صُفُوفِ النِّسَاءِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُنَّ رِجَالٌ. أَمَّا النِّسَاءُ مَعَ الرِّجَال فَأَفْضَل صُفُوفِهِنَّ آخِرُهَا؛ لأَِنَّ ذَلِكَ أَلْيَقُ وَأَسْتَرُ لِقَوْلِهِ ﷺ: خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَال أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا (18) . وَقَوْلِهِ ﷺ: لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَْوَّل ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلاَّ أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاَسْتَهَمُوا (19) .
5 - قَال الْعُلَمَاءُ: مِنْ فَوَائِدِ الْحَثِّ عَلَى الصَّفِّ الأَْوَّل الْمُسَارَعَةُ إِلَى خَلاَصِ الذِّمَّةِ وَالسَّبْقُ لِدُخُول الْمَسْجِدِ؛ وَالْفِرَارُ مِنْ مُشَابَهَةِ الْمُنَافِقِينَ، وَالْقُرْبُ مِنَ الإِْمَامِ؛ وَاسْتِمَاعُ قِرَاءَتِهِ وَالتَّعَلُّمُ مِنْهُ وَالْفَتْحُ عَلَيْهِ وَالتَّبْلِيغُ عَنْهُ وَمُشَاهَدَةُ أَحْوَالِهِ، وَالسَّلاَمَةُ مِنَ اخْتِرَاقِ الْمَارَّةِ بَيْنَ يَدَيْهِ؛ وَسَلاَمَةُ الْبَال مِنْ رُؤْيَةِ مَنْ يَكُونُ أَمَامَهُ وَسَلاَمَةُ مَوْضِعِ سُجُودِهِ مِنْ أَذْيَال الْمُصَلِّينَ؛ وَالتَّعَرُّضُ لِصَلاَةِ اللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ، وَدُعَاءُ نَبِيِّهِ ﷺ وَغَيْرُ ذَلِكَ.
6 - وَلَكِنِ الْعُلَمَاءُ اخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ مِنَ الصَّفِّ الأَْوَّل فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الصَّفَّ الأَْوَّل الْمَمْدُوحَ الَّذِي وَرَدَتِ الأَْحَادِيثُ بِفَضْلِهِ هُوَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِي الإِْمَامَ سَوَاءٌ تَخَلَّلَهُ مِنْبَرٌ أَوْ مَقْصُورَةٌ أَوْ أَعْمِدَةٌ أَوْ نَحْوُهَا، وَسَوَاءٌ جَاءَ صَاحِبُهُ مُقَدَّمًا أَوْ مُؤَخَّرًا لِقَوْلِهِ ﷺ: لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ لَكَانَتْ قُرْعَةٌ (20) وَلِقَوْلِهِ ﷺ عِنْدَمَا رَأَى فِي أَصْحَابِهِ تَأَخُّرًا: تَقَدَّمُوا فَائْتَمُّوا بِي وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ، لاَ يَزَال قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللَّهُ (21) .
وَذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَمِنْهُمُ الْغَزَالِيُّ إِلَى أَنَّ الصَّفَّ الأَْوَّل الْفَاضِل هُوَ أَوَّل صَفٍّ تَامٍّ يَلِي الإِْمَامَ وَلاَ يَتَخَلَّلُهُ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ؛ لأَِنَّ مَا فِيهِ خَلَلٌ فَهُوَ نَاقِصٌ. قَال ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلاَنِيُّ: وَكَأَنَّ صَاحِبَ هَذَا الْقَوْل لَحَظَ أَنَّ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إِلَى الْكَامِل، وَاسْتَدَل أَصْحَابُ هَذَا الْقَوْل بِمَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ مَحْمُودٍ قَال: صَلَّيْنَا خَلْفَ أَمِيرٍ مِنَ الأُْمَرَاءِ فَاضْطَرَّنَا النَّاسُ فَصَلَّيْنَا بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ، فَلَمَّا صَلَّيْنَا قَال أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ كُنَّا نَتَّقِي هَذَا عَلَى عَهْدِ رَسُول اللَّهِ ﷺ (22) .
وَذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الآْخَرِينَ وَمِنْهُمْ بِشْرُ بْنُ الْحَارِثِ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّفِّ الأَْوَّل هُوَ مَنْ سَبَقَ إِلَى مَكَانِ الصَّلاَةِ وَجَاءَ أَوَّلاً وَإِنْ صَلَّى فِي آخِرِ الصُّفُوفِ، وَاحْتَجُّوا بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ مَنْ جَاءَ أَوَّل الْوَقْتِ وَلَمْ يَدْخُل فِي الصَّفِّ الأَْوَّل أَفْضَل مِمَّنْ جَاءَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَزَاحَمَ إِلَى الصَّفِّ الأَْوَّل. قَال ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلاَنِيُّ - أَيْضًا -: وَكَأَنَّ صَاحِبَ هَذَا الْقَوْل لاَحَظَ الْمَعْنَى فِي تَفْضِيل الصَّفِّ الأَْوَّل دُونَ مُرَاعَاةِ لَفْظِهِ (23) .

الْفِرَارُ مِنَ الصَّفِّ فِي الْقِتَال مَعَ الْكُفَّارِ:
7 - اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى مَنْ لَزِمَهُ الْجِهَادُ - وَهُوَ الْمُسْلِمُ الذَّكَرُ الْحُرُّ الْمُكَلَّفُ الْمُسْتَطِيعُ - الاِنْصِرَافُ عَنِ الصَّفِّ عِنْدَ الْتِقَاءِ صُفُوفِ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ؛ وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ إِنْ ثَبَتَ قُتِل لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَْدْبَارَ} (24) الآْيَةَ؛ وَلأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ عَدَّ التَّوَلِّيَ يَوْمَ الزَّحْفِ مِنَ السَّبْعِ الْمُوبِقَاتِ (25) .
وَذَلِكَ بِشَرْطِ أَنْ لاَ يَزِيدَ عَدَدُ الْكُفَّارِ عَلَى مِثْلَيِ الْمُسْلِمِينَ؛ بِأَنْ كَانُوا مِثْلَهُمْ أَوْ أَقَل لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} (26) ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَنْضَمُّ إِلَيْهِمْ مُحَارِبًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} (27) فَإِنْ زَادَ عَدَدُ الْكُفَّارِ عَنْ مِثْلَيِ الْمُسْلِمِينَ جَازَ الاِنْصِرَافُ عَنِ الصَّفِّ (28) .

الصَّفُّ فِي صَلاَةِ الْجِنَازَةِ:
8 - قَال الْفُقَهَاءُ: يُسْتَحَبُّ تَسْوِيَةُ الصَّفِّ فِي الصَّلاَةِ عَلَى الْجِنَازَةِ؛ لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَخَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى فَصَفَّ بِهِمْ وَكَبَّرَ أَرْبَعًا (29) . وَوَرَدَ أَنَّ أَبَا بَكَّارٍ الْحَكَمَ بْنَ فَرُّوخَ قَال: صَلَّى بِنَا أَبُو الْمَلِيحِ عَلَى جِنَازَةٍ فَظَنَنَّا أَنَّهُ قَدْ كَبَّرَ فَأَقْبَل عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَال: أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ وَلْتَحْسُنْ شَفَاعَتُكُمْ (30) .
كَمَا يُسْتَحَبُّ أَنْ لاَ تَنْقُصَ الصُّفُوفُ عَنْ ثَلاَثَةٍ لِقَوْلِهِ ﷺ: مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ ثَلاَثَةُ صُفُوفٍ فَقَدْ أَوْجَبَ (31) وَقَوْلِهِ ﷺ: مَا مِنْ مَيِّتٍ يُصَلَّى عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَبْلُغُونَ مِائَةً كُلُّهُمْ يَشْفَعُونَ لَهُ إِلاَّ شُفِّعُوا فِيهِ (32) .
فَإِنْ كَانَ وَرَاءَ الإِْمَامِ أَرْبَعَةٌ جَعَلَهُمْ صَفَّيْنِ فِي كُل صَفٍّ رَجُلَيْنِ، وَإِذَا كَانُوا سَبْعَةً أَقَامُوا ثَلاَثَةَ صُفُوفٍ يَتَقَدَّمُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ إِمَامًا وَثَلاَثَةٌ بَعْدَهُ وَاثْنَانِ بَعْدَهُمْ وَوَاحِدٌ بَعْدَهُمَا؛ لِمَا رُوِيَ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فَكَانُوا سَبْعَةً فَجَعَل الصَّفَّ الأَْوَّل ثَلاَثَةً وَالثَّانِيَ اثْنَيْنِ وَالثَّالِثَ وَاحِدًا (33) . إِلاَّ أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ كَرِهَ أَنْ يَكُونَ الْوَاحِدُ صَفًّا، كَمَا كَرِهُوا إِذَا كَانُوا ثَلاَثَةً أَنْ يُجْعَلُوا ثَلاَثَةَ صُفُوفٍ بِحَيْثُ يَكُونُ كُل صَفٍّ رَجُلاً وَاحِدًا (34) .
أَمَّا مَسْأَلَةُ صَفِّ الْمَوْتَى إِذَا اجْتَمَعُوا فَيُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (جَنَائِزُ) .
__________
(1) سورة الصف / 4.
(2) لسان العرب، المصباح المنير، والمعجم الوسيط مادة (صف) .
(3) حديث: " سووا صفوفكم، فإن تسوية الصف من تمام الصلاة " أخرجه مسلم من حديث أنس بن مالك ﵁ مرفوعا (1 / 324ط. عيسي الحلبي) .
(4) ورواية: " فإن تسوية الصفوف من إتمام الصلاة " أخرجه مسلم من حديث أنس بن مالك ﵁ (فتح الباري 2 / 209ط. السلفية) .
(5) ورواية: " أقيموا الصف فإن إقامة الصف من حسن الصلاة " أخرجه البخاري (فتح الباري 2 / 209ط. السلفية) ومسلم (صحيح مسلم 1 / 324ط. الحلبي) من حديث أبي هريرة ﵁ مرفوعا.
(6) حديث: " أقيمت الصلاة فأقبل علينا رسول الله ﷺ بواجهة فقال: أقيموا صفوفكم وتراصوا فإني أراكم من وراء ظهري " أخرجه البخاري (فتح الباري 2 / 208ط. السلفية) ، وجامع الأصول (5 / 607 نشر مكتبة الحلواني) .
(7) ورواية: " وكان أحدنا يلزق منكبه بمكنب صاحبه وقدمه بقدمه " أخرجه البخاري من حديث أنس ﵁ (فتح الباري 2 / 211ط. السلفية) .
(8) حديث: " لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم ". أخرجه البخاري (فتح الباري 2 / 206 - 207 ط. السلفية) ومسلم 1 / 324 ط. عيسي الحلبي) من حديث نعمان بن بشير ﵄.
(9) مغني المحتاج 1 / 248، البدائع 1 / 159، كشاف القناع 1 / 328، سبل السلام 2 / 47، دليل الفالحين 2 / 563، نيل الأوطار 3 / 212، الفواكه الدواني 1 / 246، فتح الباري 2 / 206.
(10) حديث: " أتموا الصف المقدم ثم الذي يليه فما كان من نقص فليكن في الصف المؤخر ". أخرجه أبو داود (سنن أبي داود 1 / 435 ط إستانبول) والنسائي (سنن النسائي 2 / 93 نشر مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب) من حديث أنس ﵁ مرفوعا، وإسناده صحيح (شرح السنة للبغوي بتحقيق الأرناؤوط 3 / 374) .
(11) حديث: " من وصل صفا وصله الله ومن قطع صفا قطعه الله " أخرجه أبو داود (سنن أبو داود 1 / 433 ط. إستانبول) والنسائي (2 / 93 نشر مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب) من حديث عبد الله بن عمر ﵄. وإسناده حسن (جامع الأصول 5 / 609 - 610 نشر مكتب الحلواني) .
(12) المصادر السابقة
(13) حديث: " كان رسول الله ﷺ يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول: استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم ليليني منكم أولوا الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ". أخرجه مسلم من حديث أبي مسعود ﵁ (صحيح مسلم 1 / 323 ط. عيسي الحلبي)
(14) حديث أبي مالك الأشعري ﵁ قال: " ألا أحدثكم بصلاة النبي صلي الله عليه وسلم: قال: فأقام الصلاة وصف الرجال، وصف خلفهم الغلمان، ثم صلى بهم فذكر صلاته ثم قال: هكذا الصلاة، قال عبد الأعلى - راوي الحديث - لا أحسبه إلا قال: صلاة أمتي " أخرجه أبو
(15) المصادر السابقة.
(16) حديث: " وسطوا الأمام وسدوا الخلل " أخرجه أبو داود (سنن أبو داود 1 / 439 ط. إستانبول) من حديث أبي هريرة ﵁، وسكت عنه أبو داود والمنذري (مختصر سنن أبو داود للمنذري 1 / 336 نشر دار المعرفة) قال في المهذب: سنده لين قال المناوي: / وأصله قول عبد الحق: ليس إسناده بقوي ولا مشهور. قال ابن القطان: لم يبين علته، وهي أن فيه يحيى بن بشير بن خلاد وأمه وهما مجهولان. فيض القدير 6 / 3462 نشر المكتبة التجارية) .
(17) حديث: " إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف " أخرجه أبو داود (سنن أبي داود 1 / 437 ط إستانبول) وابن ماجة (سنن ابن ماجة 1 / 321 ط عيسي الحلبي) من حديث عائشة ﵂ مرفوعا وحسنه الحافظ ابن حجر (فتح الباري 2 / 213 ط. السلفية، وجامع الأصول في أحاديث الرسول بتحقيق الأرناؤوط 5 / 615) .
(18) حديث: " خير صفوف الرجال أولها. . . " أخرجه مسلم. صحيح مسلم 1 / 326 - ط. عيسي الحلبي وشرح السنة للبغوي بتحقيق الأرناؤوط 3 / 371 نشر المكتب الإسلامي) من حديث أبي هريرة ﵁
(19) حديث: " لو يعلم الناس ما في. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 2 / 139 ط. السلفية) ومسلم 1 / 325 ط. عيسي الحلبي) - واللفظ له - ومالك في الموطأ (1 / 131 ط. عيسي الحلبي) .
(20) حديث: " لو يعلمون. . . . " أخرجه مسلم. 1 / 326 - ط. عيسي الحلبي 9 من حديث أبي هريرة ﵁ مرفوعا.
(21) حديث: " تقدموا فائتموا بي. . . " أخرجه مسلم (صحيح مسلم 1 / 325 - ط. عيسي الحلبي) من حديث أبي سعيد الخدري ﵁.
(22) حديث عبد الحميد بن محمود قال: " صلينا خلف أمير من الأمراء. . . " أخرجه أبو داود (سنن أبي داود 1 / 436 ط. إستانبول) والنسائي (سنن النسائي 2 / 94 نشر مكتبة المطبوعات الإسلامية) والترمذي 1 / 433 ط. دار الكتب العلمية) قال: حديث حسن صحيح. ورواه أيضا الحاكم من طريق سفيان الثوري وصححه هو الذهبي. المستدرك 1 / 210 نشر دار الكتاب العربي)
(23) المجموع للنووي 4 / 300، الفواكه الدواني 1 / 246، القوانين الفقهية ص 74، البدائع 1 / 159، دليل الفالحين 3 / 562، نيل الأوطار 3 / 215، مغني المحتاج 1 / 346، فتح الباري 2 / 208، شرح السنة للبغوي 3 / 370، كشف القناع 1 / 328، 487، والمغني 2 / 220 ط. الرياض
(24) سورة الأنفال / 15
(25) حديث التولي يوم الزحف. أخرجه البخاري. فتح الباري 12 / 181 ط. السلفية) ومسلم (1 / 92 ط. عيسي الحلبي) من حديث أبي هريرة ﵁ مرفوعا.
(26) سورة الأنفال / 66.
(27) سورة الأنفال / 16.
(28) ابن عابدين 3 / 221 جواهر الإكليل 1 / 254، مغني المحتاج 3 / 224، كشاف القناع 6 / 37.
(29) حديث: " أن النبي ﷺ نعى النجاشي " أخرجه البخاري. فتح الباري 3 / 116 ط. السلفية) ومسلم. 2 / 656 ط. عيسي الحلبي 9 من حديث أبي هريرة ﵁.
(30) أثر أبي بكار الحكم بن فروح. أخرجه النسائي (سنن النسائي 4 / 76 رقم 19993 نشر المكتبة الإسلامية بحلب) .
(31) حديث: " من صلى عليه ثلاث صفوف فقد أوجب " أخرجه الترمذي (سنن الترمذي 3 / 437 ط. دار الكتب العلمية) من حديث مالك بن هبيرة مرفوعا وقال: حديث مالك بن هبيرة حديث حسن.
(32) حديث: " ما من ميت يصلي عليه أمة. . . ". أخرجه مسلم (2 / 654 ط. عيسي الحلبي) من حديث عائشة ﵂ مرفوعا.
(33) حديث: " أن النبي ﷺ صلى على جنازة فكانوا سبعة " لم نعثر عليه فيما لدينا من مراجع السنن والآثار، أورده ابن قدامة في المغني، وعزاه إلى كتاب ابن عقيل نقلا عن عطاء بن أبي رباح وقال: لا أحسب هذا الحديث صحيحا. . المغني 2 / 493 ط. الرياض)
(34) الفتاوى الهندية 1 / 164، ومغني المحتاج 1 / 361، وكشاف القناع 1 / 111، والمغني لابن قدامة 2 / 492، 493

الموسوعة الفقهية الكويتية: 35/ 27