الغفور
كلمة (غفور) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعول) نحو: شَكور، رؤوف،...
(الخَلَّاقُ) في اللغة: صيغةُ مبالغة على وزن (فَعَّال)، مشتقٌّ من الفعل (خلَقَ - يخلُقُ)، ومعناه: الخالقُ خَلْقًا من بعدِ خَلْقٍ. انظر: "المنهاج في شعب الإيمان" للحَلِيمي (1 /193).
و(الخَلْقُ) له معنيان:
الأول: هو الإنشاءُ والإبراز من العدمِ إلى الوجود. انظر: "دفع الإيهام" للشنقيطي (ص18)، وهذا لا يكونُ إلا لله؛ ومنه قوله تعالى: ﴿يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَٰتِكُمْ خَلْقٗا مِّنۢ بَعْدِ خَلْقٖ﴾ [الزمر: 6].
والثاني: هو التقديرُ، ويكون للهِ ولغيره؛ كأن يقالَ: خلَق الأديمَ - وهو جِلْدُ الأنعام وغيرِها - أي: قدَّره لِما يريد قبل قَطْعِه، وقاسَه؛ ومنه: قولُه تعالى على لسانِ عيسى عليه السلام: ﴿أَنِّيٓ أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ اْلطِّينِ كَهَيْـَٔةِ اْلطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرَۢا بِإِذْنِ اْللَّهِۖ﴾ [آل عمران: 49]. انظر للاستزادة: "لسان العرب" لابن منظور (10 /85).
هو اسمٌ من أسماءِ الله الحسنى؛ معناه: أن اللهَ تعالى هو المُبدِع للخَلْقِ، والمُخترِع له على غيرِ مثالٍ سبَقَ؛ قال تعالى: ﴿هَلْ مِنْ خَٰلِقٍ غَيْرُ اْللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ اْلسَّمَآءِ وَاْلْأَرْضِۚ﴾ [فاطر: 3]؛ قال ابنُ تيمية: «الخَلْقُ: هو وصفٌ ذاتيٌّ فعلي، وهو إبداعُ الكائنات من العدم». "مجموع الفتاوى" (6 /357)؛ هذا على المعنى الأول المختصِّ بالله سبحانه.
والمعنى الثاني - وهو التقدير - ثابتٌ للهِ سبحانه، مع صحةِ إطلاقه على مَن سِواه؛ قال الزَّجاج: «فـ(الخَلْقُ) في اسمِ الله تعالى: هو ابتداءُ تقدير النَّشْء؛ فاللهُ خالِقُها ومُنشِئها، وهو مُتمِّمُها ومُدبِّرُها؛ ﴿فَتَبَارَكَ اْللَّهُ أَحْسَنُ اْلْخَٰلِقِينَ﴾ [المؤمنون: 14]». "تفسير أسماء الله الحسنى" (ص36-37).
ما دلت عليه اللغةُ يدل على ما اصطُلِح عليه، وكِلا المعنيَينِ المذكورين في أصل اللغة ثابتٌ للهِ سبحانه وتعالى.
يدلُّ اسمُ الله (الخَلَّاقُ) على إثباتِ صفة (الخَلْقِ) لله تعالى.
يظهر من خلال المعنى اللُّغَويِّ: أن (الخالقَ) اسمُ فاعلٍ من (الخَلْقِ)، أما (الخَلَّاق) فهو صيغةُ مبالغة منه، فيكون (الخالقُ): مَن يقوم بفعلِ الإنشاء من العدم، فيدل الاسمُ على مجرَّدِ إثبات هذه الصفةِ لله تعالى على وجهِ الكمال، أما (الخَلَّاق) فيدل على ذلك بالإضافةِ إلى مبالَغةٍ وزيادة في المعنى؛ كمًّا ونوعًا؛ لأن اللهَ تعالى كثيرُ الخَلْقِ بالقَدْرِ الذي يشاء متى شاء؛ كما قال تعالى: ﴿أَوَلَيْسَ اْلَّذِي خَلَقَ اْلسَّمَٰوَٰتِ وَاْلْأَرْضَ بِقَٰدِرٍ عَلَىٰٓ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمۚ بَلَىٰ وَهُوَ اْلْخَلَّٰقُ اْلْعَلِيمُ﴾ [يس: 81]، وهو الذي أتقَنَ خَلْقَه وأبدَعَه إتقانًا وإبداعًا لا يكونانِ مِن غيره؛ كما قال تعالى: ﴿اْلَّذِيٓ أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُۥۖ﴾ [السجدة: 7]، وكما قال سبحانه: ﴿صُنْعَ اْللَّهِ اْلَّذِيٓ أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍۚ﴾ [النمل: 88].
انظر: الخالقورَد اسمُ الله (الخَلَّاق) في القرآن الكريم في موضعَينِ اثنين؛ وهما:
* قوله تعالى: ﴿أَوَلَيْسَ اْلَّذِي خَلَقَ اْلسَّمَٰوَٰتِ وَاْلْأَرْضَ بِقَٰدِرٍ عَلَىٰٓ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمۚ بَلَىٰ وَهُوَ اْلْخَلَّٰقُ اْلْعَلِيمُ﴾ [يس: 81].
* وقوله تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ اْلْخَلَّٰقُ اْلْعَلِيمُ﴾ [الحجر: 86].
واللهُ عز وجل لمَّا كان هو خالِقَ الخَلْقِ، كان هو الأعلَمَ بهم، فكان سبحانه المستأثِرَ بالحُكْمِ والأمر فيهم، ولابنِ عاشورٍ توجيهٌ لاقترانِ الاسمَينِ في هذه الآية يَربِطُه بالسياق؛ حيث يقول: «وجملةُ ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ اْلْخَلَّٰقُ اْلْعَلِيمُ﴾ [الحجر: 86] في موقعِ التعليل للأمر بالصَّفْحِ عنهم؛ أي: لأنَّ في الصَّفح عنهم مصلحةً لك ولهم يَعلَمُها ربُّك؛ فمصلحةُ النبيِّ ﷺ في الصَّفح: هي كمالُ أخلاقه، ومصلحتهم في الصَّفح: رجاءُ إيمانهم؛ فاللهُ ﴿اْلْخَلَّٰقُ﴾ لكم ولهم، ولنفسِك وأنفسِهم، ﴿اْلْعَلِيمُ﴾ بما يأتيه كلٌّ منكم». "التحرير والتنوير" (14 /78).
- ورَدتْ صفةُ (الخَلْقِ) التي يدل عليها اسمُ الله (الخَلَّاق) في سياقاتٍ متعددة؛ منها:
* عن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه، قال: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ ﷺ يقولُ: «قال اللهُ تعالى: ومَن أظلَمُ ممَّن ذهَبَ يخلُقُ كخَلْقي؟! فَلْيَخلُقوا ذرَّةً، أو لِيَخلُقوا حَبَّةً، أو لِيَخلُقوا شَعيرةً». أخرجه البخاري (5953)، ومسلم (2111).
* عن عائشةَ رضي الله عنها، قالت: «قَدِمَ رسولُ اللهِ ﷺ مِن سَفَرٍ، وقد ستَرْتُ بقِرَامٍ لي على سَهْوةٍ لي فيها تماثيلُ، فلمَّا رآه رسولُ اللهِ ﷺ، هتَكَه، وقال: «أشَدُّ الناسِ عذابًا عندَ اللهِ يومَ القيامةِ: الذين يُضاهُون بخَلْقِ اللهِ»». أخرجه البخاري (5954)، ومسلم (2107).
اسمُ الله (الخَلَّاقُ) يدل على صفةِ (الخَلْقِ)، وما من شيءٍ مما سِوى الله إلا وهو أثرٌ من آثارِ هذه الصفة، وما ثَمَّ إلا خالقٌ ومخلوق، والمخلوقُ يدل على خالقِه فِطْرةً وبداهة؛ إذ ما من أثرٍ إلا وله مؤثِّرٌ؛ كما اشتهَر في قولِ الأعرابي الذي سُئل: «كيف عرَفْتَ ربَّك؟»، فقال بفطرتِه السليمة: «البَعْرةُ تدلُّ على البعير، والأثرُ يدل على المَسِير؛ فسماءٌ ذاتُ أبراج، وأرضٌ ذاتُ فِجاج، وجبالٌ وبحار وأنهار؛ أفلا تدلُّ على السميعِ البصير؟ !». انظر: "ترجيح أساليب القرآن" لابن الوزير (ص83).
فهي حقيقةٌ فِطْرية بدَهية، تَتلخَّص في «افتقار الأثر إلى المؤثِّر»، وهي التي يُعبَّر عنها بدلالةِ الحدوثِ والإمكان في الذواتِ والصفات، و(الحادث): هو ما كان مسبوقًا بعدمٍ، و(الممكِن): هو ما كان قابًلا للوجود والعدم؛ فكلُّ حادثٍ ممكِنٍ يفتقر إلى واجبٍ بنفسه، مُحدِثٍ لا يكون هو مُحدَثًا؛ منعًا للتسلسل. "درء التعارض" لابن تيمية (3 /265).
الإيمانُ باسم الله (الخَلَّاق) يورِثُ العبدَ محاسنَ عظيمة، وفوائدَ جليلة؛ منها:
* الإيمانُ باسم الله (الخَلَّاق) إيمانٌ بأنه الذي لم يَزَلْ خالقًا: كيف شاء ومتى شاء، ولا يَزال؛ كما قال جل وعلا: ﴿قَالَ كَذَٰلِكِ اْللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُۚ﴾ [آل عمران: 47]، وكما قال: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُۗ﴾ [القصص: 68]، وهو إيمانٌ بأن اللهَ متفرِّدٌ بالخَلْقِ على كثرتِه، مُتقِنٌ له على وجهٍ لا يمكن لسِواه؛ وهذا كلُّه يوجب تعظيمَ الله عز وجل، وإكباره، وإجلاله.
* الإقرارُ بألوهية الله (الخَلَّاق)، وتقدُّمه على كلِّ شيء؛ قال ابن القيم مقرِّرًا ذلك: «فإنه سبحانه متقدِّم على كلِّ فردٍ من مخلوقاته تقدُّمًا لا أوَّلَ له؛ فلكلِّ مخلوقٍ أوَّلُ، و(الخالق) سبحانه لا أوَّلَ له؛ فهو وَحْده (الخالق)، وكلُّ ما سِواه مخلوقٌ، كائنٌ بعد أن لم يكُنْ». "شفاء العليل" (1 /405).
* مَن آمَن باسم الله (الخالق)، لَزِمه الإيمانُ بأسمائه الأخرى؛ لأن (الخَلْقَ) يدل على الصفاتِ الأخرى؛ كـ: (الحياة)، و(العلم)، و(القدرة)، و(الإرادة)؛ إذ لا يمكن أن يكونَ خالقًا مَن ليس بقادرٍ، ولا مريدٍ، ولا عالِمٍ بما خلَق، أو أنه ليس له فيما خلَق إرادةٌ وحِكْمة؛ قال ابن القيم: «مِن طرقِ إثبات الصفات: دلالةُ الصَّنعة عليها؛ فإن المخلوقَ يدل على وجودِ خالقه؛ على حياتِه، وعلى قُدْرتِه، وعلى عِلْمِه ومشيئته». "المدارج" (3 /330).
الحقُّ أن المظاهر الوجودية لاسم الله (الخَلَّاق) أكثَرُ من أن تُعَدَّ أو تُحصَر؛ فصفةُ (الخَلْقِ) التي يدل عليها هذا الاسمُ متعلِّقةٌ بجميع ما سِوى الله، ولكن نقول:
إن كلَّ شيء يُطلَق عليه اسمُ (مخلوق) هو بذاته مظهرٌ من مظاهرِ اسم الله (الخَلَّاق):
* فالسمواتُ والأرض وما فيهنَّ: مظاهرُ لاسم (الخَلَّاق).
* والحيوان والنبات والجمادات: مظاهرُ لاسم (الخَلَّاق).
* والكائناتُ الحية الدقيقة، والأجرام السماوية الكبرى: مظاهرُ لاسم (الخَلَّاق).
وليس العَدُّ والإحصاء لهذه المظاهرِ إلا في حدود البشر وتصوُّراتهم القاصرة؛ يقول سيد قطب في تفسير قوله تعالى: ﴿هُوَ اْللَّهُ اْلْخَٰلِقُ اْلْبَارِئُ اْلْمُصَوِّرُۖ﴾ [الحشر: 24]: «وتَوالي هذه الصفاتِ المترابطة اللطيفةِ الفروقِ يستجيش القلبَ لمتابعةِ عملية الخَلْقِ والإنشاء والإيجاد والإخراج مرحلةً مرحلة - حسَبَ التصوُّر الإنساني.
فأما في عالَمِ الحقيقة، فليست هناك مراحلُ ولا خطوات.
وما نَعرِفه عن مدلولِ هذه الصفات ليس هو حقيقتَها المُطلَقة؛ فهذه لا يَعرِفها إلا اللهُ.
إنما نحن نُدرِك شيئًا من آثارِها، هو الذي نَعرِفها به في حدودِ طاقاتنا الصغيرة!». "في ظلال القرآن" (ص3533) ط. دار الشروق.
«وقال أهلُ العلمِ: التخليقُ: فعلُ اللهِ، وأفاعيلُنا: مخلوقةٌ؛ لقوله تعالى: ﴿وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ اْجْهَرُواْ بِهِۦٓۖ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ اْلصُّدُورِ 13 أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ﴾ [الملك: 13-14]؛ يعني: السِّرَّ والجهرَ مِن القولِ.
ففعلُ الله: صفةُ الله، والمفعول : غيرُه من الخَلْقِ».
البُخاري "خلق أفعال العباد" (2 /300).
«هو المُبدِعُ المخترِع للخَلْقِ على غيرِ مثالٍ سبَقَ».
البَيْهَقِي "الاعتقاد" (ص50).
ابن قَيِّم الجَوْزِيَّة "نونية ابن القيم" (1 /686).
وَكَذَاكَ يَشْهَدُ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ الْـ
ـخَلَّاقُ بَاعِثُ هَذِهِ الأَبْدَانِ
«ومعناه: الذي صنَّف المُبدَعات، وجعَل لكلِّ صِنْفٍ منها قَدْرًا؛ فوُجِد فيها: الصغيرُ والكبير، والطويل والقصير، والإنسان والبهيم، والدابَّةُ والطائر، والحَيَوان والمَوَات».
الحَلِيمي "المنهاج في شعب الإيمان" (1 /193).