المنان
المنّان في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) من المَنّ وهو على...
-بِفَتْحِ الهَاءِ وَإِسْكَانِهَا-: الْمَاءُ الْجَارِي الْمُتَّسِعُ ثُمَّ أُطْلِقَ عَلىَ الأُخْدُوْدِ، وهو المَجْرى الْوَاسِعِ، وَأَصْلُ النَّهَرِ السَّعَةُ وَالفُسْحَةُ، وَسُمِّيَ النَّهْرُ نهرًا لِأَنَّهُ يَنْهَرُ الْأَرْضَ أَيْ يَشُقُّهَا في سَعَةٍ وَفُسْحَةٍ، يُقَالُ: اسْتَنْهَرَ النَّهْرُ، أَيْ: أَخَذَ لِمَجْرَاهُ مَوْضِعَاً مَكِيْنَاً. وَالـمَنْهَرُ: مَوْضِعُ النَّهْرِ يَحْتَفِرُهُ الماءُ. وَالْجَمْعُ أَنْهارٌ ونُهُرٌ ونُهُورٌ.
يَرِدُ إِطْلاقُ مُصْطَلَحِ النَّهَرِ في مَوَاطِنَ كَثِيْرَةٍ مِنْ كُتُبِ الفِقْهِ وَأَبْوَابِهِ؛ وَمِنْ ذَلِكَ: كِتَابُ الطَّهَارَةِ عِنْدَ الكَلامِ عَلَى أَنْوَاعِ المِيَاهِ، وَكِتَابِ إِحْيَاءِ المَوَاتِ عِنْدَ الكَلامِ عَلَى حُكْمِ إِحْيَاءِ حَرِيْمِ النَّهْرِ، وَكِتَابُ الصُّلْحِ عِنْدَ الكَلامِ عَلَى مَنْ صَالَحَ غَيْرَهُ بِمَالٍ لِيُجْرِيَ نَهْرًا فِي أَرْضِهِ، وَكِتَابُ الدَّعاوى وَالبَيِّنَاتِ عِنْدَ الكَلامِ عَلَى حُكْمِ رجلٍ ادعى في بُسْتَانٍ آخَرَ مَجْرَى مَاءٍ مَا في نَهَرٍ.
نهر
* الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) : (6/ 63)
* تحفة الحبيب على شرح الخطيب ( حاشية البجيرمي على الخطيب ) : (1/ 74)
* الكليات : (ص: 910)
* كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم : (2/ 1730)
* معجم لغة الفقهاء : (ص: 489)
* الموسوعة الفقهية الكويتية : (41/ 385)
* العين : (4/ 44)
* جمهرة اللغة : (2/ 807)
* تهذيب اللغة : (6/ 148)
* الصحاح : (2/ 840)
* مقاييس اللغة : (5/ 362)
* المغرب في ترتيب المعرب : (ص: 473)
* المصباح المنير في غريب الشرح الكبير : (2/ 627) -
التَّعْرِيفُ:
ا - النَّهْرُ فِي اللُّغَةِ: مَجْرَى الْمَاءِ الْعَذْبِ وَالْمَاءِ الْجَارِي الْمُتَّسِعِ، وَالْجَمْعُ نُهُرٌ بِضَمَّتَيْنِ وَأَنْهُرٌ، وَالنَّهَرُ - بِفَتْحَتَيْنِ - لُغَةٌ، وَالْجَمْعُ أَنْهَارٌ، ثُمَّ أُطْلِقَ النَّهْرُ عَلَى الأُْخْدُودِ مَجَازًا لِلْمُجَاوَرَةِ، فَيُقَال: جَرَى النَّهْرُ، وَجَفَّ النَّهْرُ، وَالأَْصْل جَرَى مَاءُ النَّهْرِ (1) .
وَفِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ النَّهْرُ: هُوَ الْمَجْرَى الْوَاسِعُ لِلْمَاءِ فَوْقَ السَّاقِيَةِ (2) ، فَهُوَ مَجْرًى كَبِيرٌ لاَ يَحْتَاجُ إِلَى الْكِرَى فِي كُل حِينٍ (3) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْبَحْرُ:
2 - الْبَحْرُ فِي اللُّغَةِ: الْمَاءُ الْكَثِيرُ، مِلْحًا كَانَ أَوْ عَذْبًا، وَهُوَ خِلاَفُ الْبَرِّ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لَعُمْقِهِ وَاتِّسَاعِهِ، وَقَدْ غَلَبَ عَلَى الْمِلْحِ حَتَّى قَل فِي الْعَذْبِ (4) .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (5) .
وَالْعَلاَقَةُ بَيْنَ الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ أَنَّ كِلَيْهِمَا مَكَانٌ وَاسِعٌ جَامِعٌ لِلْمَاءِ الْكَثِيرِ، إِلاَّ أَنَّ الْغَالِبَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ لِلْمَاءِ الْمَالِحِ، أَمَّا النَّهْرُ فَهُوَ لِلْمَاءِ الْعَذْبِ.
ب - الْبِئْرُ:
3 - الْبِئْرُ فِي اللُّغَةِ: الْقَلِيبُ، وَهُوَ مِنْ بَأَرَ، أَيْ حَفَرَ.
وَالْبِئْرُ: حُفْرَةٌ عَمِيقَةٌ يُسْتَخْرَجُ مِنْهَا الْمَاءُ أَوِ النِّفْطُ (6) .
وَاصْطِلاَحًا: نَقَل ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ النُّتَفِ:
أَنَّ الْبِئْرَ هِيَ الَّتِي لَهَا مَوَادٌّ مِنْ أَسْفَلِهَا، ثُمَّ قَال ابْنُ عَابِدِينَ: أَيْ لَهَا مِيَاهٌ تَمُدُّهَا وَتَنْبُعُ مِنْ أَسْفَلِهَا (7) .
وَالْعَلاَقَةُ بَيْنَ النَّهْرِ وَالْبِئْرِ أَنَّ كِلَيْهِمَا مَجْمَعٌ لِلْمَاءِ، إِلاَّ أَنَّ النَّهْرَ مَجْرًى وَاسِعٌ، وَالْبِئْرَ حُفْرَةٌ عَمِيقَةٌ. أَقْسَامُ النَّهْرِ:
4 - قَسَّمَ الْفُقَهَاءُ النَّهْرَ بِاعْتِبَارِ الْمِيَاهِ إِلَى قِسْمَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: نَهْرٌ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لأَِحَدٍ، أَوْ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِأَحَدٍ كَمَا عَبَّرَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ، وَذَلِكَ كَنَهْرِ النِّيل وَدِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ وَسَيْحُونَ وَجَيْحُونَ.
وَالثَّانِي: نَهْرٌ مَمْلُوكٌ لِشَخْصٍ أَوْ أَكْثَرَ (8) وَلِكُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ أَحْكَامٌ تَخُصُّهُ وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:
أَوَّلاً: النَّهْرُ الْعَامُّ (غَيْرُ الْمَمْلُوكِ) :
5 - النَّهْرُ غَيْرُ الْمَمْلُوكِ لأَِحَدٍ إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَظِيمًا كَالنِّيل وَالْفُرَاتِ لاَ يَتَأَتَّى تَزَاحُمُ النَّاسِ عَلَى مَائِهِ.
وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ نَهْرًا صَغِيرًا يَزْدَحِمُ النَّاسُ فِيهِ وَيَتَشَاحُّونَ فِي مَائِهِ (9) .
وَيَخْتَلِفُ حَقُّ الاِنْتِفَاعِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا يَلِي:
أ - النَّهْرُ الْعَظِيمُ وَحَقُّ الاِنْتِفَاعِ بِهِ:
6 - إِذَا كَانَ النَّهْرُ عَظِيمًا لاَ يَتَأَتَّى تَزَاحُمُ النَّاسِ فِيهِ، كَنَهْرِ النِّيل وَالْفُرَاتِ وَدِجْلَةَ، فَلِكُل إِنْسَانٍ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ فَيَشْرَبَ وَيَسْقِيَ دَوَابَّهُ مَتَى شَاءَ وَكَيْفَ شَاءَ، لأَِنَّهُ لاَ مِلْكَ لأَِحَدٍ فِي الْمَاءِ وَلاَ فِي رَقَبَةِ النَّهْرِ، وَلأَِنَّ الْمَاءَ مَوْجُودٌ بِإِيجَادِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَبْقَى عَلَى الإِْبَاحَةِ (10) وَقَدْ قَال النَّبِيُّ - ﷺ -: الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلاَثٍ: الْمَاءِ وَالْكَلإَِ وَالنَّارِ (11) .
وَلِكُل أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ أَنْ يَشُقَّ مِنْ هَذِهِ الأَْنْهَارِ نَهْرًا إِلَى أَرْضِهِ، بِأَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً بِإِذْنِ الإِْمَامِ، فَلَهُ أَنْ يَشُقَّ إِلَيْهَا نَهْرًا، وَلَيْسَ لِلإِْمَامِ وَلاَ لأَِحَدٍ مَنْعُهُ إِذَا لَمْ يَضُرَّ بِالنَّهْرِ، وَلَهُ أَنْ يَنْصِبَ عَلَيْهِ رَحًى وَدَالِيَةً وَسَانِيَةً إِذَا لَمْ يَضُرَّ بِالنَّهْرِ، لأَِنَّ هَذِهِ الأَْنْهَارَ لَمْ تَدْخُل تَحْتَ يَدِ أَحَدٍ فَلاَ يَثْبُتُ الاِخْتِصَاصُ بِهَا لأَِحَدٍ فَكَانَ النَّاسُ فِيهَا سَوَاءً، وَكُل وَاحِدٍ بِسَبِيلٍ مِنَ الاِنْتِفَاعِ، لَكِنْ بِشَرِيطَةِ عَدَمِ الضَّرَرِ بِالنَّهْرِ كَالاِنْتِفَاعِ بِطَرِيقِ الْعَامَّةِ.
فَإِنْ أَضَرَّ بِالنَّهْرِ أَوْ بِعَامَّةِ النَّاسِ كَأَنْ يُفِيضَ الْمَاءَ وَيُفْسِدَ حُقُوقَ النَّاسِ، أَوْ يَنْقَطِعَ الْمَاءُ عَنِ النَّهْرِ الأَْعْظَمِ أَوْ يَمْنَعَ جَرَيَانَ السُّفُنِ فَلِكُل وَاحِدٍ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ مُكَاتِبًا مَنْعُهُ، لأَِنَّهُ حَقٌّ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِبَاحَةُ التَّصَرُّفِ فِي حَقِّهِمْ مَشْرُوطَةٌ بِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ كَالتَّصَرُّفِ فِي الطَّرِيقِ الأَْعْظَمِ (12) .
وَقَدْ سُئِل أَبُو يُوسُفَ عَنْ نَهْرِ مَرْوَ وَهُوَ نَهْرٌ عَظِيمٌ أَحْيَا رَجُلٌ أَرْضًا كَانَتْ مَوَاتًا فَحَفَرَ لَهَا نَهْرًا فَوْقَ مَرْوَ مِنْ مَوْضِعٍ لَيْسَ يَمْلِكُهُ أَحَدٌ فَسَاقَ الْمَاءَ إِلَيْهَا مِنْ ذَلِكَ النَّهْرِ فَقَال أَبُو يُوسُفَ: إِنْ كَانَ يَدْخُل عَلَى أَهْل مَرْوَ ضَرَرٌ فِي مَائِهِمْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ لاَ يَضُرُّهُمْ فَلَهُ ذَلِكَ وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهُ، وَسُئِل أَيْضًا إِذَا كَانَ لِرَجُلٍ مِنْ هَذَا النَّهْرِ كُوًى مَعْرُوفَةٌ هَل لَهُ أَنْ يَزِيدَ فِيهَا؟ فَقَال: إِنْ زَادَ فِي مِلْكِهِ وَذَلِكَ لاَ يَضُرُّ بِأَهْل النَّهْرِ فَلَهُ ذَلِكَ (13) .
ب - النَّهْرُ الصَّغِيرُ وَحَقُّ الاِنْتِفَاعِ بِهِ:
7 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ كَانَ النَّهْرُ غَيْرُ الْمَمْلُوكِ صَغِيرًا يَتَزَاحَمُ النَّاسُ عَلَيْهِ وَيَتَشَاحُّونَ فِي مَائِهِ فَلِمَنْ فِي أَوَّل النَّهْرِ (أَيْ أَعْلاَهُ) أَنْ يَسْقِيَ أَرْضَهُ وَيَحْبِسَ الْمَاءَ إِلَى الْكَعْبِ، ثُمَّ يُرْسِل الْمَاءَ إِلَى الَّذِي يَلِيهِ، ثُمَّ مِنَ الثَّانِي إِلَى الثَّالِثِ، وَهَكَذَا إِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ سَقْيُ الأَْرَاضِي كُلِّهَا (14) .
وَالأَْصْل فِي هَذَا مَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَْنْصَارِ خَاصَمَ الزُّبَيْرَ عِنْدَ النَّبِيِّ - ﷺ - فِي شِرَاجِ الْحَرَّةِ الَّتِي يَسْقُونَ بِهَا النَّخْل، فَقَال الأَْنْصَارِيُّ: سَرِّحِ الْمَاءَ يَمُرُّ، فَأَبَى عَلَيْهِ، فَاخْتَصَمَا عِنْدَ النَّبِيِّ - ﷺ -، فَقَال رَسُول اللَّهِ - ﷺ - لِلزُّبَيْرِ: اسْقِ يَا زُبَيْرُ، ثُمَّ أَرْسِل الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ، فَغَضِبَ الأَْنْصَارِيُّ فَقَال: أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ؟ فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُول اللَّهِ - ﷺ - ثُمَّ قَال: اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ احْبِسِ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَدْرِ، فَقَال الزُّبَيْرُ: وَاللَّهِ إِنِّي لأََحْسِبُ هَذِهِ الآْيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ " (15) } .
وَإِنَّمَا أَمَرَ النَّبِيُّ - ﷺ - الزُّبَيْرَ - ﵁ - أَنْ يَسْقِيَ ثُمَّ يُرْسِل الْمَاءَ تَسْهِيلاً عَلَى غَيْرِهِ، فَلَمَّا قَال الأَْنْصَارِيُّ مَا قَال اسْتَوْعَى النَّبِيُّ - ﷺ - لِلزُّبَيْرِ حَقَّهُ (16) .
وَقَدْ رَوَى عُبَادَةُ - ﵁ - أَنَّ النَّبِيَّ - ﷺ - قَضَى فِي شُرْبِ النَّخْل مِنَ السَّيْل أَنَّ الأَْعْلَى فَالأَْعْلَى يَشْرَبُ قَبْل الأَْسْفَل، وَيُتْرَكُ الْمَاءُ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، ثُمَّ يُرْسَل الْمَاءُ إِلَى الأَْسْفَل الَّذِي يَلِيهِ، حَتَّى تَنْقَضِيَ الْحَوَائِطُ أَوْ يَفْنَى الْمَاءُ (17) .
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ - ﷺ - قَضَى فِي سَيْلٍ مَهْزُورٍ وَمُذَيْنِبٍ، أَنَّ الأَْعْلَى يُرْسَل إِلَى الأَْسْفَل وَيُحْبَسُ قَدْرَ كَعْبَيْنِ (18) .
وَإِذَا سَقَى الأَْوَّل وَلَمْ يَفْضُل شَيْءٌ مِنَ الْمَاءِ، أَوْ سَقَى الثَّانِي وَلَمْ يَفْضُل شَيْءٌ، فَلاَ شَيْءَ لِمَنْ بَعْدَهُ، لأَِنَّهُ لَيْسَ لَهُ إِلاَّ مَا فَضَل، فَهُوَ كَالْعُصْبَةِ مَعَ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ فِي الْمِيرَاثِ (19) .
وَإِنْ كَانَ فِي أَرْضِ أَحَدِهِمَا انْخِفَاضٌ وَارْتِفَاعٌ، أَيْ كَانَ بَعْضُهَا مُرْتَفِعًا وَبَعْضُهَا مُنْخَفِضًا فَإِنَّهُ يَسْقِي كُل نَوْعٍ عَلَى حِدَةٍ لأَِنَّهُمَا لَوْ سَقَيَا مَعًا لَزَادَ الْمَاءُ فِي الأَْرْضِ الْمُنْخَفِضَةِ عَلَى الْقَدْرِ الْمُسْتَحَقِّ، وَطَرِيقَةُ ذَلِكَ أَنْ يَسْقِيَ الْمُنْخَفِضُ حَتَّى يَبْلُغَ الْكَعْبَيْنِ ثُمَّ يَسُدَّهُ ثُمَّ يَسْقِيَ الْمُرْتَفِعُ (20) .
وَإِذَا سَقَى الأَْعْلَى، ثُمَّ احْتَاجَ إِلَى سَقْيِ أَرْضِهِ مَرَّةً أُخْرَى قَبْل انْتِهَاءِ سَقْيِ الأَْرَاضِي كُلِّهَا فَقَدْ قَال الشَّافِعِيَّةُ: يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ إِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ سَقْيُ الأَْرَاضِي لِيَحْصُل التَّعَادُل (21) .
هَذَا هُوَ الأَْصْل فِي هَذَا وَهُوَ أَنْ يَبْدَأَ مَنْ فِي أَعْلاَ النَّهْرِ بِالسَّقْيِ فَيَسْقِيَ أَرْضَهُ وَيَحْبِسَ الْمَاءَ حَتَّى يَصِل إِلَى كَعْبِهِ ثُمَّ يُرْسِلَهُ إِلَى مَنْ يَلِيهِ، وَهَكَذَا كَمَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ، إِذَا كَانَ إِحْيَاؤُهُمْ مَعًا، أَوْ أَحْيَا الأَْعْلَى قَبْل غَيْرِهِ، أَوْ جَهِل الْحَال (22) .
8 - أَمَّا لَوْ كَانَ مَنْ فِي أَسْفَل النَّهْرِ هُوَ الَّذِي سَبَقَ بِالإِْحْيَاءِ فَهُوَ الْمُقَدَّمُ فِي السَّقْيِ، ثُمَّ مَنْ أَحْيَا بَعْدَهُ، وَهَكَذَا لأَِنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي السَّقْيِ هُوَ السَّبْقُ إِلَى الإِْحْيَاءِ لاَ إِلَى أَوَّل النَّهْرِ (23) .
بَل قَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ كَانَ الأَْسْفَل أَسْبَقَ إِحْيَاءً فَهُوَ الْمُقَدَّمُ، بَل لَهُ مَنْعُ مَنْ أَرَادَ إِحْيَاءَ أَقْرَبَ مِنْهُ إِلَى النَّهْرِ وَسَقْيَهُ مِنْهُ عِنْدَ الضِّيقِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلاَمُ الرَّوْضَةِ وَصَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ، لِئَلاَّ يُسْتَدَل بِقُرْبِهِ بَعْدُ عَلَى أَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ. ثُمَّ مَنْ وَلِيَهُ فِي الإِْحْيَاءِ وَهَكَذَا، وَلاَ عِبْرَةَ حِينَئِذٍ بِالْقُرْبِ مِنَ النَّهْرِ، وَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِالأَْعْلَى: الْمُحْيِي قَبْل الثَّانِي وَهَكَذَا، لاَ الأَْقْرَبُ إِلَى النَّهْرِ (24) .
وَقَيَّدَ سَحْنُونُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ مَحَل تَقْدِيمِ الأَْسْفَل السَّابِقِ فِي الإِْحْيَاءِ عَلَى الأَْعْلَى الْمُتَأَخِّرِ فِي الإِْحْيَاءِ إِذَا خِيفَ عَلَى زَرْعِ الأَْسْفَل الْهَلاَكُ بِتَقْدِيمِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ فِي السَّقْيِ، وَإِلاَّ قُدِّمَ الأَْعْلَى الْمُتَأَخِّرُ فِي الإِْحْيَاءِ عَلَى الأَْسْفَل، وَالَّذِي حَقَّقَهُ مُصْطَفَى الرِّمَاحِيُّ أَنَّ الأَْسْفَل يُقَدَّمُ إِذَا تَقَدَّمَ فِي الإِْحْيَاءِ وَلَوْ لَمْ يُخَفْ عَلَى زَرْعِهِ بِتَقْدِيمِ الأَْعْلَى (25) .
قَدْرُ مَا يُحْبَسُ مِنَ الْمَاءِ:
9 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْقَدْرِ الَّذِي يُحْبَسُ مِنَ الْمَاءِ قَبْل إِرْسَالِهِ إِلَى الآْخَرِ.
قَال عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ: نَظَرْنَا فِي قَوْل النَّبِيِّ - ﷺ -: " ثُمَّ احْبِسِ الْمَاءَ حَتَّى يَبْلُغَ الْجَدْرَ " فَكَانَ ذَلِكَ إِلَى الْكَعْبَيْنِ " (26) .
وَقَدْ ذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِيمَا يُحْبَسُ مِنَ الْمَاءِ وَجْهَيْنِ:
قَال: الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَحْبِسُهُ حَتَّى يَبْلُغَ الْكَعْبَيْنِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ يُرْجَعُ فِي قَدْرِ السَّقْيِ إِلَى الْعَادَةِ وَالْحَاجَةِ، وَقَدْ قَال الْمَاوَرْدِيُّ: لَيْسَ التَّقْدِيرُ بِالْكَعْبَيْنِ فِي كُل الأَْزْمَانِ وَالْبُلْدَانِ، لأَِنَّهُ مُقَدَّرٌ بِالْحَاجَةِ، وَالْحَاجَةُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الأَْرْضِ وَبِاخْتِلاَفِ مَا فِيهَا مِنْ زَرْعٍ وَشَجَرٍ، وَبِوَقْتِ الزِّرَاعَةِ وَبِوَقْتِ السَّقْيِ (27) .
وَفِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ عَلَى أَسْنَى الْمَطَالِبِ ذَكَرَ أَنَّ كَلاَمَ الْجُمْهُورِ الَّذِي ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ (وَهُوَ أَنْ يُحْبَسَ الْمَاءُ حَتَّى يَبْلُغَ الْكَعْبَيْنِ) مَحْمُولٌ عَلَى أَرْضٍ يَكْفِيهَا ذَلِكَ، أَمَّا الأَْرْضُ الَّتِي لاَ تَكْفِيهَا إِلاَّ زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ كَغَالِبِ مَزَارِعِ الْيَمَنِ فَتُسْقَى إِلَى حَدِّ كِفَايَتِهَا عَادَةً مَكَانًا وَزَمَانًا، وَقَدِ اخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ، قَال الأَْذْرُعِيُّ: وَهُوَ قَوِيٌّ، وَمِمَّنْ جَزَمَ بِهِ الْمُتَوَلِّيُّ.
10 - وَهَل الْمُرَادُ بِالْكَعْبَيْنِ اللَّذَيْنِ يُحْبَسُ الْمَاءُ إِلَيْهِمَا الأَْسْفَل مِنَ الْكَعْبَيْنِ أَوِ الأَْعْلَى كَمَا قَالُوا فِي آيَةِ الْوُضُوءِ؟ الظَّاهِرُ الأَْوَّل، وَالْمَرْجِعُ إِلَى الْقَدْرِ الْمُعْتَدِل أَوِ الْغَالِبِ، لأَِنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَرْتَفِعُ كَعْبُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْخَفِضُ وَيَدْنُو مِنْ أَسْفَل الرِّجْل وَالأَْقْرَبُ الأَْوَّل (28) .
وَقَال مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ وَهْبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: يَحْبِسُ الأَْعْلَى مِنَ الْمَاءِ مَا بَلَغَ الْكَعْبَ وَيُرْسِل مَا زَادَ عَلَيْهِ لِلَّذِي يَلِيهِ، قَال ابْنُ رُشْدٍ وَهُوَ الأَْظْهَرُ. وَقَال ابْنُ الْقَاسِمِ: يُرْسِل جَمِيعَ الْمَاءِ وَلاَ يَحْبِسُ شَيْئًا مِنْهُ (أَيْ بَعْدَ سَقْيِ أَرْضِهِ (2)) .
ثَانِيًا: النَّهْرُ الْخَاصُّ (الْمَمْلُوكُ) وَحَقُّ الاِنْتِفَاعِ
11 - إِذَا كَانَ النَّهْرُ مَمْلُوكًا لِشَخْصٍ، كَأَنْ شَقَّ شَخْصٌ لِنَفْسِهِ نَهْرًا مِنَ الأَْنْهَارِ غَيْرِ الْمَمْلُوكَةِ أَصْبَحَ مَالِكًا لَهُ وَكَانَ أَحَقَّ بِهِ لِسَقْيِ أَرْضِهِ وَدَوَابِّهِ، وَلَيْسَ لأَِحَدٍ مُزَاحَمَتُهُ أَوْ سَقْيُ أَرْضٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ زَرْعٍ مِنْهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ، لأَِنَّ الْحَقَّ لَهُ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إِذْنِهِ (29) .
فَقَدْ قَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ مَنْ سَقَى أَرْضَهُ أَوْ زَرَعَهُ مِنْ نَهْرِ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ إِذْنٍ - سَوَاءٌ اضْطُرَّ إِلَى ذَلِكَ أَوْ لاَ - لاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَخَذَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ يُؤَدِّبْهُ السُّلْطَانُ بِالضَّرْبِ وَالْحَبْسِ إِنْ رَأَى ذَلِكَ (30) .
وَلَكِنْ لِلْغَيْرِ حَقُّ الشُّرْبِ لِنَفْسِهِ وَدَوَابِّهِ إِلاَّ إِذَا خِيفَ تَخْرِيبُ النَّهْرِ بِكَثْرَةِ الدَّوَابِّ.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: قَال الزَّيْلَعِيُّ: وَالشَّفَةُ إِذَا كَانَتْ تَأْتِي عَلَى الْمَاءِ كُلِّهِ بِأَنْ كَانَ جَدْوَلاً صَغِيرًا وَفِيمَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوَاشِي كَثْرَةٌ تَقْطَعُ الْمَاءَ، قَال بَعْضُهُمْ: لاَ يَمْنَعُ، وَقَال أَكْثَرُهُمْ: يَمْنَعُ لِلضَّرَرِ وَجُزِمَ بِالثَّانِي فِي الْمُلْتَقَى (31) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لَيْسَ لِمَالِكِ النَّهْرِ أَنْ يَمْنَعَ مَا لِلشُّرْبِ وَالاِسْتِعْمَال وَسَقْيِ الدَّوَابِّ وَلَوْ بِدَلْوٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ أَنَّهُ لاَ يُدْلِي أَحَدٌ فِيهِ دَلْوًا (32) . وَقَال ابْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ: الشُّرْبُ وَسَقْيُ الدَّوَابِّ مِنَ الْجَدَاوِل وَالأَْنْهَارِ الْمَمْلُوكَةِ إِذَا كَانَ السَّقْيُ لاَ يَضُرُّ بِمَالِكِهَا جَائِزٌ، إِقَامَةً لِلإِْذْنِ الْعُرْفِيِّ مَقَامَ اللَّفْظِيِّ، ثُمَّ قَال: لَوْ كَانَ النَّهْرُ لِمَنْ لاَ يُعْتَبَرُ إِذْنُهُ كَالْيَتِيمِ وَالأَْوْقَافِ الْعَامَّةِ فَعِنْدِي فِيهِ وَقْفَةٌ، وَالظَّاهِرُ الْجَوَازُ (33) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: لِكُل أَحَدٍ أَنْ يَسْتَقِيَ مِنَ الْمَاءِ الْجَارِي لِشُرْبِهِ وَغَسْلِهِ وَغَسْل ثِيَابِهِ وَيَنْتَفِعَ بِهِ فِي أَشْبَاهِ ذَلِكَ مِمَّا لاَ يُؤَثِّرُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ إِذْنِهِ إِذَا لَمْ يَدْخُل إِلَيْهِ فِي مَكَانٍ مَحُوطٍ عَلَيْهِ، وَلاَ يَحِل لِصَاحِبِهِ الْمَنْعُ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ - ﵁ - قَال: قَال رَسُول اللَّهِ - ﷺ -: ثَلاَثَةٌ لاَ يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: رَجُلٌ كَانَ لَهُ فَضْل مَاءٍ بِالطَّرِيقِ فَمَنَعَهُ مِنَ ابْنِ السَّبِيل. . . " (34) . وَعَنْ بُهَيْسَةَ عَنْ أَبِيهَا أَنَّهُ قَال: " يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا الشَّيْءُ الَّذِي لاَ يَحِل مَنْعُهُ؟ قَال: الْمَاءُ، قَال: يَا نَبِيَّ اللَّهِ: مَا الشَّيْءُ الَّذِي لاَ يَحِل مَنْعُهُ؟ قَال: الْمِلْحُ، قَال: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا الشَّيْءُ الَّذِي لاَ يَحِل مَنْعُهُ؟ قَال: أَنْ تَفْعَل الْخَيْرَ خَيْرٌ لَكَ (35) . فَأَمَّا مَا يُؤَثِّرُ فِي الْمَاءِ كَسَقْيِ الْمَاشِيَةِ الْكَثِيرَةِ وَنَحْوَ ذَلِكَ: فَإِنْ فَضَل الْمَاءُ عَنْ حَاجَةِ صَاحِبِهِ لَزِمَهُ بَذْلُهُ لِذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَفْضُل عَنْ حَاجَتِهِ لَمْ يَلْزَمْ بَذْلُهُ (36) .
ثَالِثًا: النَّهْرُ دَاخِل الْمِلْكِ:
12 - إِذَا كَانَ النَّهْرُ دَاخِل مِلْكِ رَجُلٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ غَيْرَهُ مِنَ الدُّخُول فِي أَرْضِهِ وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ فِي الْجُمْلَةِ (37) .
وَلِلْفُقَهَاءِ تَفْصِيلٌ فِي ذَلِكَ بَيَانُهُ كَالآْتِي:
قَال الْحَنَفِيَّةُ: الْمَاءُ الَّذِي يَكُونُ فِي الْحِيَاضِ وَالآْبَارِ وَالْعُيُونِ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لِصَاحِبِهِ بَل هُوَ مُبَاحٌ فِي نَفْسِهِ، سَوَاءٌ كَانَ فِي أَرْضٍ مُبَاحَةٍ أَوْ مَمْلُوكَةٍ، لَكِنْ لَهُ حَقٌّ خَاصٌّ فِيهِ، لأَِنَّ الْمَاءَ فِي الأَْصْل خُلِقَ مُبَاحًا لِحَدِيثِ: الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلاَثٍ (38) وَالشَّرِكَةُ الْعَامَّةُ تَقْتَضِي الإِْبَاحَةَ، فَلَوْ كَانَ النَّهْرُ فِي مِلْكِ رَجُلٍ فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ مَنْ يُرِيدُ مِنَ الشُّرْبِ لِنَفْسِهِ أَوْ مَاشِيَتِهِ مِنَ الدُّخُول فِي مِلْكِهِ، لأَِنَّ الدُّخُول إِلَى أَرْضِهِ إِضْرَارٌ بِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ الضَّرَرَ عَنْ نَفْسِهِ، وَهَذَا إِذَا كَانَ مَنْ يُرِيدُ الدُّخُول يَجِدُ مَاءً بِقُرْبِهِ فِي أَرْضٍ مُبَاحَةٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً بِقُرْبِهِ وَاضْطُرَّ لِلدُّخُول وَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ وَدَابَّتِهِ الْهَلاَكَ فَيُقَال لِصَاحِبِ النَّهْرِ: إِمَّا أَنْ تَأْذَنَ بِالدُّخُول لِيَأْخُذَ الْمَاءَ بِشَرْطِ أَنْ لاَ يَكْسِرَ ضَفَّةَ النَّهْرِ، وَإِمَّا أَنْ تُخْرِجَ الْمَاءَ إِلَيْهِ وَتُعْطِيَهُ بِنَفْسِكَ. فَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ وَمَنَعَهُ مِنَ الدُّخُول فَلَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُ بِالسِّلاَحِ لِيَأْخُذَ قَدْرَ مَا يَنْدَفِعُ بِهِ الْهَلاَكُ، وَالأَْصْل فِيهِ مَا رُوِيَ " أَنَّ قَوْمًا وَرَدُوا مَاءً فَسَأَلُوا أَهْلَهُ أَنْ يَدُلُّوهُمْ عَلَى الْبِئْرِ فَأَبَوْا، وَسَأَلُوهُمْ أَنْ يُعْطُوهُمْ دَلْوًا فَأَبَوْا، فَقَالُوا لَهُمْ: إِنَّ أَعْنَاقَنَا وَأَعْنَاقَ مَطَايَانَا كَادَتْ تُقْطَعُ فَأَبَوْا، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِسَيِّدِنَا عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - ﵁ - فَقَال: هَلاَّ وَضَعْتُمْ فِيهِمُ السِّلاَحَ " (39) . وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: مَا كَانَ مِنَ الْمَاءِ فِي أَرْضٍ مُتَمَلَّكَةٍ، سَوَاءٌ كَانَ مُسْتَنْبَطًا مِثْل بِئْرٍ يَحْفِرُهَا أَوْ عَيْنٍ يَسْتَخْرِجُهَا، أَوْ غَيْرَ مُسْتَنْبَطٍ غَدِيرًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ وَيَحِل لَهُ بِيعُهُ وَمَنْعُ النَّاسِ مِنْهُ إِلاَّ بِثَمَنٍ، إِلاَّ أَنْ يَرِدَ عَلَيْهِ قَوْمٌ لاَ ثَمَنَ مَعَهُمْ وَيَخَافُ عَلَيْهِمُ الْهَلاَكَ إِنْ مَنَعَهُمْ فَحَقَّ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يَمْنَعَهُمْ.
فَإِنْ مَنَعَهُمْ فَعَلَيْهِمْ مُجَاهَدَتُهُ، وَهَذَا قَوْل مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ.
وَقَال ابْنُ يُونُسَ: وَاجِبٌ عَلَى كُل مَنْ خَافَ عَلَى مُسْلِمٍ الْمَوْتَ أَنْ يُحْيِيَهُ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَيَجِبُ عَلَى أَصْحَابِ الْمِيَاهِ بَيْعُهَا مِنَ الْمُسَافِرِينَ بِمَا تُسَاوِي، وَلاَ يَشْتَطُّوا عَلَيْهِمْ فِي ثَمَنِهَا، وَإِنْ كَانَ الْمُسَافِرُونَ لاَ ثَمَنَ مَعَهُمْ وَجَبَتْ مُوَاسَاتُهُمْ لِلْخَوْفِ عَلَيْهِمْ وَلاَ يُتْبِعُوا بِالثَّمَنِ وَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ أَمْوَالٌ بِبَلَدِهِمْ، لأَِنَّهُمُ الْيَوْمَ أَبْنَاءُ سَبِيلٍ يَجُوزُ لَهُمْ أَخْذُ الزَّكَاةِ لِوُجُوبِ مُوَاسَاتِهِمْ (40) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: الْمِيَاهُ الْمُخْتَصَّةُ بِبَعْضِ النَّاسِ وَهِيَ مِيَاهُ الآْبَارِ وَالْقَنَوَاتِ، كَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي مِلْكِهِ أَوِ انْفَجَرَ فِيهِ عَيْنٌ مَلَكَهَا وَمَلَكَ مَاءَهَا فِي الأَْصَحِّ، إِذِ الْمَاءُ يُمْلَكُ، وَهُوَ نَمَاءُ مِلْكِهِ كَالثَّمَرَةِ وَاللَّبَنِ، لَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ بَذْل الْفَاضِل مِنْهُ عَنْ شُرْبِهِ لِشُرْبِ غَيْرِهِ مِنَ الآْدَمِيِّينَ وَعَنْ مَاشِيَتِهِ وَزَرْعِهِ لِمَاشِيَةِ غَيْرِهِ (41) .
وَفِي مُقَابِل الأَْصَحِّ: أَنَّهُ لاَ يَمْلِكُ الْمَاءَ، لِخَبَرِ: الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلاَثٍ وَسَوَاءٌ مَلَكَ الْمَاءَ عَلَى الصَّحِيحِ أَوْ لاَ، لاَ يَلْزَمُهُ بَذْل مَا فَضَل عَنْ حَاجَتِهِ لِزَرْعٍ وَشَجَرٍ، وَيَجِبُ بَذْل الْفَاضِل مِنْهُ عَنْ شُرْبِهِ لِشُرْبِ غَيْرِهِ مِنَ الآْدَمِيِّينَ وَالْفَاضِل عَنْ مَاشِيَتِهِ وَزَرْعِهِ لِمَاشِيَةِ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ بَذْلُهُ لِلْمَاشِيَةِ دُونَ الزَّرْعِ لِحُرْمَةِ الرُّوحِ، وَقِيل: يَجِبُ بَذْلُهُ لِلزَّرْعِ كَالْمَاشِيَةِ، وَقِيل: لاَ يَجِبُ لِلْمَاشِيَةِ كَالْمَاءِ الْمُحْرَزِ وَإِنَّمَا يَجِبُ الْبَذْل لِلْمَاشِيَةِ إِنْ كَانَ هُنَاكَ كَلأٌَ مُبَاحٌ وَلَمْ يَجِدْ مَاءً مَبْذُولاً لَهُ وَلَمْ يُحْرِزْهُ فِي إِنَاءٍ وَنَحْوِهُ، وَإِلاَّ فَلاَ يَجِبُ بَذْلُهُ. وَحَيْثُ وَجَبَ الْبَذْل لَمْ يَجُزْ أَخْذُ عِوَضٍ عَلَيْهِ فَإِنْ صَحَّ بَيْعُ الطَّعَامِ لِلْمُضْطَرِّ، لِصِحَّةِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ فَضْل الْمَاءِ.
وَيُشْتَرَطُ فِي بَيْعِ الْمَاءِ التَّقْدِيرُ بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ لاَ بِرَيِّ الْمَاشِيَةِ وَالزَّرْعِ (42) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنَّهُ لاَ يَمْلِكُ الْمَاءَ لِحَدِيثِ: الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلاَثٍ، وَمَا فَضَل مِنْ مَائِهِ الَّذِي لَمْ يُحْرِزْهُ عَنْ حَاجَتِهِ وَحَاجَةِ عِيَالِهِ وَحَاشِيَتِهِ وَدِرْعِهِ يَجِبُ بَذْلُهُ لِبَهَائِمِ غَيْرِهِ وَزَرْعِهِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: لاَ تَمْنَعُوا فَضْل الْمَاءِ لِتَمْنَعُوا بِهِ فَضْل الْكَلإَِ (43) .
وَهَذَا مَا لَمْ يَجِدْ رَبُّ الْبَهَائِمِ أَوِ الزَّرْعِ مَاءً مُبَاحًا فَيَسْتَغْنِي بِهِ فَلاَ يَجِبُ الْبَذْل لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، وَكَذَا إِذَا كَانَ الْبَاذِل لِلْمَاءِ يَتَضَرَّرُ فَلاَ يَلْزَمُهُ الْبَذْل دَفْعًا لِلضَّرَرِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ طَالِبُ الْمَاءِ يُؤْذِي صَاحِبَهُ بِدُخُولِهِ فِي أَرْضِهِ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَمْنَعَهُ دَفْعًا لِلأَْذَى (44) .
رَابِعًا: النَّهْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ جَمَاعَةٍ وَحَقُّ الاِنْتِفَاعِ بِهِ:
13 - إِذَا كَانَ النَّهْرُ مَمْلُوكًا لأَِكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ فَلَيْسَ لأَِحَدٍ مِنَ الشُّرَكَاءِ فِي النَّهْرِ أَنْ يَشُقَّ مِنْهُ نَهْرًا أَوْ يَنْصِبَ عَلَيْهِ رَحًى أَوْ دَالِيَةً أَوْ جِسْرًا أَوْ قَنْطَرَةً أَوْ يُوَسِّعَ فَمَ النَّهْرِ أَوْ يَسُوقَ نَصِيبَهُ إِلَى أَرْضٍ لَهُ أُخْرَى إِلاَّ بِرِضَا شُرَكَائِهِ لأَِنَّهُمْ قَدْ يَتَضَرَّرُونَ بِذَلِكَ (45) .
وَلاَ يَجُوزُ لِغَيْرِ الشُّرَكَاءِ فِي النَّهْرِ أَنْ يَسْقِيَ أَرْضَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِمْ، فَقَدْ نَقَل ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الْخَانِيَّةِ أَنَّ النَّهْرَ إِذَا كَانَ خَاصًّا بِقَوْمٍ فَلَيْسَ لِغَيْرِهِمْ أَنْ يَسْقِيَ بُسْتَانَهُ أَوْ أَرْضَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِمْ، فَإِنْ أَذِنُوا إِلاَّ وَاحِدًا أَوْ كَانَ فِيهِمْ صَبِيٌّ أَوْ غَائِبٌ لاَ يَسَعُ الرَّجُل أَنْ يَسْقِيَ مِنْهُ أَرْضَهُ أَوْ زَرْعَهُ (46) .
وَفِي الأُْمِّ: لَوْ أَنَّ جَمَاعَةً كَانَ لَهُمْ مِيَاهٌ بِبَادِيَةٍ فَسَقَوْا مِنْهَا وَاسْتَقَوْا وَفَضَل مِنْهَا شَيْءٌ، فَجَاءَ مَنْ لاَ مَاءَ لَهُ يَطْلُبُ أَنْ يَشْرَبَ أَوْ يَسْقِيَ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ دُونَ وَاحِدٍ لَمْ يَجُزْ لِمَنْ مَعَهُ فَضْلٌ مِنَ الْمَاءِ - وَإِنْ قَل - مَنْعُهُ إِيَّاهُ إِنْ كَانَ فِي عَيْنٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ نَهْرٍ، لأَِنَّهُ فَضْل مَاءٍ يَزِيدُ وَيُسْتَخْلَفُ (47) .
كَيْفِيَّةُ قِسْمَةِ مَاءِ النَّهْرِ الْمُشْتَرَكِ:
14 - يَتَّفِقُ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ لِكُل وَاحِدٍ مِنَ الشُّرَكَاءِ فِي حَفْرِ النَّهْرِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِمَاءِ هَذَا النَّهْرِ فِي شُرْبِهِ وَسَقْيِ أَرْضِهِ، فَإِنْ تَرَاضَوْا فِيمَا بَيْنَهُمْ عَلَى كَيْفِيَّةٍ خَاصَّةٍ فِي الاِنْتِفَاعِ جَازَ ذَلِكَ لأَِنَّ الْحَقَّ لَهُمْ (48) . وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ يَجُوزُ أَنْ يَقْتَسِمَ الشُّرَكَاءُ مَاءَ النَّهْرِ بِالْمُهَايَأَةِ إِذَا تَرَاضَوْا عَلَى ذَلِكَ وَكَانَ حَقُّ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَعْلُومًا، مِثْل أَنْ يَجْعَلُوا لِكُل وَاحِدٍ مِنَ الشُّرَكَاءِ حِصَّةً يَوْمًا وَلَيْلَةً، أَوْ أَنْ يَجْعَلُوا لِوَاحِدٍ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إِلَى الزَّوَال، وَلِلآْخَرِ مِنَ الزَّوَال إِلَى الْغُرُوبِ وَنَحْوَ ذَلِكَ، أَوِ اقْتَسَمُوهُ بِالسَّاعَاتِ وَأَمْكَنَ ضَبْطُ ذَلِكَ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ جَازَ إِذَا تَرَاضَوْا بِهِ، لأَِنَّ الْحَقَّ لَهُمْ لاَ يَتَجَاوَزُهُمْ، أَوْ أَنْ يَسْقِيَ كُلٌّ مِنْهُمْ يَوْمًا، أَوْ بَعْضُهُمْ يَسْقِي يَوْمًا وَبَعْضُهُمْ يَسْقِي أَكْثَرَ بِحَسَبِ حِصَّتِهِ (49) ، وَيُسْتَأْنَسُ لِذَلِكَ بِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (50) } .
قَال الشَّافِعِيَّةُ: وَإِذَا اقْتَسَمُوا بِالْمُهَايَأَةِ جَازَ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمُ الرُّجُوعُ مَتَى شَاءَ عَلَى الصَّحِيحِ، فَإِنْ رَجَعَ وَقَدْ أَخَذَ نَوْبَتَهُ قَبْل أَنْ يَأْخُذَ الآْخَرُ نَوْبَتَهُ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ نَوْبَتِهِ مِنَ النَّهْرِ لِلْمُدَّةِ الَّتِي أَخَذَ نَوْبَتَهُ فِيهَا (51) .
وَقِيل: تَلْزَمُ الْمُهَايَأَةُ لِيَثِقَ كُل وَاحِدٍ بِالاِنْتِفَاعِ، وَقِيل: لاَ تَصِحُّ الْقِسْمَةُ بِالْمُهَايَأَةِ، لأَِنَّ الْمَاءَ يَقِل وَيَكْثُرُ، وَتَخْتَلِفُ فَائِدَةُ السَّقْيِ بِالأَْيَّامِ (52) .
15 - وَإِنْ تَشَاحَّ الشُّرَكَاءُ فِي قِسْمَةِ الْمَاءِ أَوْ ضَاقَ عَنْهُمْ قَسَمَهُ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمْ.
وَطَرِيقَةُ ذَلِكَ - كَمَا يَقُول الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - بِنَصْبِ نَحْوِ خَشَبَةٍ أَوْ حَجَرٍ فِي عُرْضِ النَّهْرِ مُسْتَوِيَةِ الطَّرَفَيْنِ وَالْوَسَطِ، مَوْضُوعَةٍ بِمُسْتَوٍ مِنَ الأَْرْضِ، وَفِيهَا ثُقُبٌ مُتَسَاوِيَةٌ أَوْ مُتَفَاوِتَةٌ عَلَى قَدْرِ الْحِصَصِ مِنَ النَّهْرِ، لأَِنَّهُ طَرِيقٌ فِي اسْتِيفَاءِ كُل وَاحِدٍ حِصَّتَهُ.
فَإِنْ كَانَتْ أَمْلاَكُهُمْ مُسْتَوِيَةً فَوَاضِحٌ.
وَإِنْ كَانَتْ أَمْلاَكُهُمْ مُخْتَلِفَةً قَسَّمَ الْمَاءَ عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ، فَلَوْ كَانَ لِوَاحِدٍ النِّصْفُ وَلآِخَرَ الثُّلْثُ وَلآِخَرَ السُّدْسُ فَإِنَّهُ يَجْعَل فِي الْخَشَبَةِ سِتَّ ثُقُبٍ، لِصَاحِبِ النِّصْفِ ثَلاَثَةُ ثُقُوبٍ تَصُبُّ فِي سَاقِيَتِهِ، وَلِصَاحِبِ الثُّلْثِ اثْنَانِ يَصُبَّانِ فِي سَاقِيَتِهِ، وَلِصَاحِبِ السُّدْسِ وَاحِدٌ يَصُبُّ فِي سَاقِيَتِهِ (53) .
وَإِنْ كَانَ لِوَاحِدٍ الْخُمُسَانِ، وَالْبَاقِي لاِثْنَيْنِ يَتَسَاوَيَانِ فِيهِ، جَعَل فِي الْخَشَبَةِ عَشَرَةَ ثُقُوبٍ، لِصَاحِبِ الْخَمْسِينَ أَرْبَعَةٌ تَصُبُّ فِي سَاقِيَتِهِ، وَلِكُل وَاحِدٍ مِنَ الآْخَرِينَ ثَلاَثَةٌ تَصُبُّ فِي سَاقِيَتِهِ. وَإِنْ كَانَ النَّهْرُ لِعَشَرَةٍ، لِخَمْسَةٍ مِنْهُمْ أَرَاضٍ قَرِيبَةٌ مِنْ أَوَّل النَّهْرِ، وَلِخَمْسَةٍ أَرَاضٍ بَعِيدَةٌ جَعَل لأَِصْحَابِ الأَْرْضِ الْقَرِيبَةِ خَمْسَةَ ثُقُوبٍ لِكُل وَاحِدٍ ثُقْبٌ، وَجَعَل لِلْبَاقِينَ خَمْسَةً تَجْرِي فِي النَّهْرِ حَتَّى تَصِل إِلَى أَرْضِهِمْ، ثُمَّ تُقَسَّمَ بَيْنَهُمْ قِسْمَةً أُخْرَى (54) .
وَمَا حَصَل لأَِحَدِهِمْ فِي سَاقِيَتِهِ تَصَرَّفَ فِيهِ بِمَا أَحَبَّ، فَكُل وَاحِدٍ يَصْنَعُ بِنَصِيبِهِ مَا شَاءَ (55) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا كَانَ نَهْرٌ بَيْنَ قَوْمٍ وَاخْتَصَمُوا فِي الشُّرْبِ كَانَ الشُّرْبُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَرَاضِيهِمْ، لأَِنَّ الْمَقْصُودَ الاِنْتِفَاعُ بِسَقْيِ الأَْرَاضِي فَيُتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ، فَإِنْ كَانَ الأَْعْلَى مِنْهُمْ لاَ يَشْرَبُ حَتَّى يَسْكَرَ النَّهْرُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ إِبْطَال حَقِّ الْبَاقِينَ وَلَكِنَّهُ يَشْرَبُ بِحِصَّتِهِ (56) .
فَإِنْ تَرَاضَوْا عَلَى أَنْ يَسْكُرَ (57) الأَْعْلَى النَّهْرَ حَتَّى يَشْرَبَ بِحِصَّتِهِ أَوِ اصْطَلَحُوا عَلَى أَنْ يَسْكُرَ كُلٌّ مِنْهُمْ فِي نَوْبَتِهِ جَازَ لأَِنَّ الْحَقَّ لَهُمْ، إِلاَّ أَنَّهُ إِذَا تَمَكَّنَ مِنْ ذَلِكَ بِلَوْحٍ فَلاَ يَسْكُرُ بِمَا يَنْكَبِسُ بِهِ النَّهْرُ كَالطِّينِ وَغَيْرِهِ، لِكَوْنِهِ إِضْرَارًا بِهِمْ بِمَنْعِ مَا فَضَل مِنَ السَّكْرِ عَنْهُمْ، إِلاَّ إِذَا رَضُوا بِذَلِكَ.
فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمُ الشُّرْبُ إِلاَّ بِالسَّكْرِ وَلَمْ يَصْطَلِحُوا عَلَى شَيْءٍ فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِأَهْل الأَْسْفَل حَتَّى يَرْوُوا، ثُمَّ بَعْدَهُ لأَِهْل الأَْعْلَى أَنْ يَسْكُرُوا.
وَهَذَا مَعْنَى قَوْل ابْنِ مَسْعُودٍ ﵁: " أَهْل أَسْفَل النَّهْرِ أُمَرَاءٌ عَلَى أَهْل أَعْلاَهُ حَتَّى يَرْوُوا ". لأَِنَّ لَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوا أَهْل الأَْعْلَى مِنَ السَّكْرِ، وَعَلَيْهِمْ طَاعَتُهُمْ فِي ذَلِكَ، وَمَنْ لَزِمَكَ طَاعَتُهُ فَهُوَ أَمِيرُكَ.
وَفِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: قَال شَيْخُ الإِْسْلاَمِ: وَاسْتَحْسَنَ مَشَايِخُ الأَْنَامِ قَسْمَ الإِْمَامِ بِالأَْيَّامِ، أَيْ إِذَا لَمْ يَصْطَلِحُوا وَلَمْ يَنْتَفِعُوا بِلاَ سَكْرٍ يَقْسِمُ الإِْمَامُ بَيْنَهُمْ بِالأَْيَّامِ فَيَسْكُرُ كُلٌّ فِي نَوْبَتِهِ.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: فِيهِ دَفْعُ الضَّرَرِ الْعَامِّ وَقَطْعُ التَّنَازُعِ وَالْخِصَامِ، إِذْ لاَ شَكَّ أَنَّ لِكُل شَرِيكٍ فِي هَذَا الْمَاءِ حَقًّا، فَتَخْصِيصُ أَهْل الأَْسْفَل بِهِ حِينَ قِلَّةِ الْمَاءِ فِيهِ ضَرَرٌ لأَِهْل الأَْعْلَى، كَذَا تَخْصِيصُ أَهْل الأَْعْلَى بِهِ فِيهِ ذَلِكَ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْكُل، فَلِذَا اسْتَحْسَنُوا مَا ذَكَرُوا وَارْتَضَوْهُ (58) . وَلَوْ كَانَتْ قِسْمَةُ الْمَاءِ وَقَعَتْ بِالْكِوَى - بِكَسْرِ الْكَافِ جَمْعُ كَوَّةٍ بِفَتْحِهَا: الثُّقْبُ - فَأَرَادَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ أَنْ يَقْسِمَ بِالأَْيَّامِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَلأَِنَّ الْقَدِيمَ يُتْرَكُ عَلَى قِدَمِهِ لِظُهُورِ الْحَقِّ فِيهِ (59) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنِ اجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ عَلَى إِجْرَاءِ الْمَاءِ بِأَرْضٍ مُبَاحَةٍ أَوْ أَرْضِهِمُ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَهُمْ أَوْ عَلَى حَفْرِ بِئْرٍ أَوْ عَيْنٍ قُسِّمَ الْمَاءُ بَيْنَهُمْ عَلَى حَسَبِ أَعْمَالِهِمْ بِقِلْدٍ (60) ، وَنَحْوِهِ مِمَّا يُتَوَصَّل بِهَا إِلَى إِعْطَاءِ كُل ذِي حَقٍّ حَقَّهُ.
قَال الدُّسُوقِيُّ: وَإِذَا قُسِّمَ الْمَاءُ بِالْقِلْدِ فَإِنَّهُ يُرَاعَى اخْتِلاَفُ كَثْرَةِ الْجَرْيِ وَقِلَّتِهِ، فَإِنَّ جَرْيَهُ عِنْدَ كَثْرَتِهِ أَقْوَى مِنْ جَرْيِهِ عِنْدَ قِلَّتِهِ، فَيُرْجَعُ فِي ذَلِكَ لأَِهْل الْمَعْرِفَةِ، وَإِنْ تَشَاحُّوا فِي التَّبْدِئَةِ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ، فَمَنْ خَرَجَ سَهْمُهُ بِالتَّقْدِيمِ قُدِّمَ (61) . مُؤْنَةُ كِرَى الأَْنْهَارِ (عِمَارَتُهَا وَإِصْلاَحُهَا) :
16 - الأَْنْهَارُ إِمَّا عَامَّةٌ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ لأَِحَدٍ أَوْ خَاصَّةٌ مَمْلُوكَةٌ لِشَخْصٍ أَوْ أَكْثَرَ.
وَيَخْتَلِفُ مَنْ يَتَحَمَّل كِرَى الأَْنْهَارِ وَإِصْلاَحَهَا بِاخْتِلاَفِ نَوْعِ النَّهْرِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَأْتِي:
أَوَّلاً: الأَْنْهَارُ الْعَامَّةُ:
17 - كَرْيُ (62) ، الأَْنْهَارِ الْعَامَّةِ كَالنِّيل وَدِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ يَكُونُ عَلَى السُّلْطَانِ مِنْ بَيْتِ مَال الْمُسْلِمِينَ، لأَِنَّ مَنْفَعَةَ الْكَرْيِ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ، فَتَكُونُ مُؤْنَتُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَال، لِقَوْل النَّبِيِّ - ﷺ -: الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ (63) .
وَتَكُونُ الْمُؤْنَةُ مِنْ مَال الْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ دُونَ الْعُشُورِ وَالصَّدَقَاتِ، لأَِنَّ الْعُشُورَ وَالصَّدَقَاتِ لِلْفُقَرَاءِ، وَالْخَرَاجَ وَالْجِزْيَةَ لِلنَّوَائِبِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَال شَيْءٌ يَكُونُ كَرْيُهُ عَلَى النَّاسِ، فَإِنِ امْتَنَعُوا أَجْبَرَ الإِْمَامُ النَّاسَ عَلَى كَرْيِهِ إِحْيَاءً لِمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ، إِذْ هُمْ لاَ يُقِيمُونَهَا بِأَنْفُسِهِمْ، قَال عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: " لَوْ تُرِكْتُمْ لَبِعْتُمْ أَوْلاَدَكُمْ " (64) .
إِلاَّ أَنَّ الإِْمَامَ يُخْرِجُ لِلْكَرْيِ مَنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الْعَمَل وَيُطِيقُهُ، وَيَجْعَل مُؤْنَتَهُ عَلَى الْمَيَاسِيرِ الَّذِينَ لاَ يُطِيقُونَهُ بِأَنْفُسِهِمْ، كَمَا يَفْعَل فِي تَجْهِيزِ الْجُيُوشِ، لأَِنَّهُ يُخْرِجُ مَنْ كَانَ يُطِيقُ الْقِتَال، وَيَجْعَل مُؤْنَتَهُ عَلَى الأَْغْنِيَاءِ، كَذَا هَاهُنَا.
وَلَوْ خِيفَ مِنْ هَذِهِ الأَْنْهَارِ الْغَرَقُ فَعَلَى السُّلْطَانِ إِصْلاَحُ مَسَنَاتِهَا مِنْ بَيْتِ الْمَال (65) .
ثَانِيًا: الأَْنْهَارُ الْمَمْلُوكَةُ:
18 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الأَْنْهَارَ الْمَمْلُوكَةَ يَكُونُ كَرْيُهَا وَإِصْلاَحُهَا وَعِمَارَتُهَا عَلَى مَنْ يَمْلِكُونَهَا، لأَِنَّ الْحَقَّ لَهُمْ وَالْمَنْفَعَةَ تَعُودُ عَلَيْهِمْ عَلَى الْخُصُوصِ وَالْخُلُوصِ (66) .
كَيْفِيَّةُ الْكَرْيِ وَالإِْصْلاَحِ:
19 - يَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ فِي كَيْفِيَّةِ كَرْيِ النَّهْرِ الْمُشْتَرَكِ وَإِصْلاَحِهِ عَلَى الْوَجْهِ الآْتِي:
عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَكُونُ كَرْيُ النَّهْرِ الْمُشْتَرَكِ وَإِصْلاَحُهُ عَلَى الشُّرَكَاءِ بِحَسَبِ مِلْكِهِمْ فِيهِ.
وَيُوَضِّحُ الْحَنَابِلَةُ الْكَيْفِيَّةَ الَّتِي يَتِمُّ بِهَا الإِْصْلاَحُ فَيَقُولُونَ: إِذَا كَانَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ فِي النَّهْرِ أَقْرَبَ إِلَى أَوَّلِهِ مِنْ بَعْضٍ اشْتَرَكَ الْكُل فِي كَرْيِهِ وَإِصْلاَحِهِ حَتَّى يَصِلُوا إِلَى الأَْوَّل، ثُمَّ إِذَا وَصَلُوا فَلاَ شَيْءَ عَلَى الأَْوَّل بَعْدَ ذَلِكَ لاِنْتِهَاءِ اسْتِحْقَاقِهِ، لأَِنَّهُ لاَ حَقَّ لَهُ فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ، وَيَشْتَرِكُ الْبَاقُونَ حَتَّى يَصِلُوا إِلَى الثَّانِي ثُمَّ لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ لِمَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ يَشْتَرِكُ مِنْ بَعْدِ الثَّانِي حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى الثَّالِثِ، ثُمَّ لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَهَكَذَا كُلَّمَا انْتَهَى الْعَمَل إِلَى مَوْضِعِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيمَا بَعْدَهُ شَيْءٌ لأَِنَّهُ لاَ مِلْكَ فِيمَا وَرَاءَ مَوْضِعِهِ.
فَإِنْ كَانَ يَفْضُل عَنْ جَمِيعِهِمْ مِنْهُ مَا يَحْتَاجُ إِلَى مَصْرَفٍ فَمُؤْنَتُهُ عَلَى جَمِيعِهِمْ، لاِشْتِرَاكِهِمْ فِي الْحَاجَةِ إِلَيْهِ لِلاِنْتِفَاعِ بِهِ، فَكَانَتْ مُؤْنَتُهُمْ عَلَيْهِ كَأَوَّلِهِ (67) .
وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ: مُؤْنَةُ كَرْيِ النَّهْرِ الْمُشْتَرَكِ عَلَيْهِمْ مِنْ أَعْلاَهُ فَإِذَا جَاوَزُوا أَرْضَ رَجُلٍ مِنْهُمْ بَرِئَ مِنْ مُؤْنَةِ الْكَرْيِ، وَيُوَضِّحُ ابْنُ عَابِدِينَ ذَلِكَ فَيَقُول: بَيَانُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الشُّرَكَاءُ فِي النَّهْرِ عَشَرَةً فَعَلَى كُلٍّ عُشْرُ الْمُؤْنَةِ فَإِذَا جَاوَزُوا أَرْضَ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَهِيَ عَلَى التِّسْعَةِ الْبَاقِينَ أَتْسَاعًا لِعَدَمِ نَفْعِ الأَْوَّل فِيمَا بَعْدَ أَرْضِهِ، وَهَكَذَا فَمَنْ فِي الآْخِرِ أَكْثَرُهُمْ غَرَامَةً لأَِنَّهُ لاَ يَنْتَفِعُ إِلاَّ إِذَا وَصَل الْكَرْيُ إِلَى أَرْضِهِ وَدُونَهُ فِي الْغَرَامَةِ مَنْ قَبْلَهُ إِلَى الأَْوَّل وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ (68) .
وَوَجْهُ قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّ الْكَرْيَ مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ، وَالْمِلْكُ فِي الأَْعْلَى مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْكُل مِنْ فُوَّهَةِ النَّهْرِ إِلَى مَشْرَبِ أَوَّلِهِمْ، فَكَانَتْ مُؤْنَتُهُ عَلَى الْكُل، فَأَمَّا بَعْدَهُ فَلاَ مِلْكَ لِصَاحِبِ الأَْعْلَى فِيهِ إِنَّمَا لَهُ حَقٌّ، وَهُوَ حَقُّ تَسْيِيل الْمَاءِ فِيهِ، فَكَانَتْ مُؤْنَتُهُ عَلَى صَاحِبِ الْمِلْكِ لاَ عَلَى صَاحِبِ الْحَقِّ، وَلِهَذَا كَانَتْ مُؤْنَةُ الْكَرْيِ عَلَى أَصْحَابِ النَّهْرِ (69) .
وَقَال أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الأَْصَحِّ: الْكَرْيُ عَلَى جَمِيعِ الشُّرَكَاءِ مِنْ أَوَّل النَّهْرِ إِلَى آخِرِهِ لاِشْتِرَاكِهِمْ وَانْتِفَاعِهِمْ بِهِ، وَقَال الصَّاحِبَانِ بِحِصَصِ الشُّرْبِ وَالأَْرَضِينَ كَمَا يَسْتَوُونَ فِي اسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ لأَِنَّ لِصَاحِبِ الأَْعْلَى حَقًّا فِي الأَْسْفَل لاِحْتِيَاجِهِ إِلَى تَسْيِيل مَا فَضَل مِنَ الْمَاءِ فِيهِ (70) .
20 - قَال الْحَنَفِيَّةُ: وَلَيْسَ عَلَى أَهْل الشَّفَةِ مِنَ الْكَرْيِ شَيْءٌ، لأَِنَّ الْكَرْيَ مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ وَلاَ مِلْكَ لأَِهْل الشَّفَةِ فِي رَقَبَةِ النَّهْرِ، بَل لَهُمْ حَقُّ شُرْبِ الْمَاءِ وَالسَّقْيِ لِلدَّوَابِّ فَقَطْ، وَلأَِنَّهُمْ لاَ يُحْصُونَ، لأَِنَّهُمْ أَهْل الدُّنْيَا جَمِيعًا (71) .
امْتِنَاعُ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ عَنِ الْكَرْيِ وَالإِْصْلاَحِ:
21 - يَتَّفِقُ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَا يَحْتَاجُهُ النَّهْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ جَمَاعَةٍ مِنْ كَرْيٍ وَإِصْلاَحٍ وَعِمَارَةٍ يَكُونُ عَلَى جَمِيعِ الشُّرَكَاءِ فِيهِ. لَكِنَّهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي حُكْمِ مَا إِذَا امْتَنَعَ حَدُّ الشُّرَكَاءِ عَنِ الْمُشَارَكَةِ فِي الْكَرْيِ وَالإِْصْلاَحِ.
وَعَلَى الْجُمْلَةِ فَإِنَّ الْحُكْمَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّ الآْبِيَ يُجْبَرُ عَلَى الْمُشَارَكَةِ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الْجَدِيدِ لاَ يُجْبَرُ الآْبِي وَلِكُل مَذْهَبٍ تَفْصِيلٌ خَاصٌّ يَخْتَلِفُ عَنْ غَيْرِهِ وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:
22 - قَسَّمَ الْحَنَفِيَّةُ النَّهْرَ الْمَمْلُوكَ إِلَى قِسْمَيْنِ: عَامٍّ، وَخَاصٍّ.
وَالْفَاصِل بَيْنَهُمَا أَنَّ مَا تُسْتَحَقُّ بِهِ الشُّفْعَةُ خَاصٌّ، وَمَا لاَ تُسْتَحَقُّ بِهِ الشُّفْعَةُ عَامٌّ. وَاخْتُلِفَ فِي تَحْدِيدِ ذَلِكَ، فَقِيل: الْخَاصُّ مَا كَانَ لِعَشَرَةٍ فَمَا دُونَهَا، أَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَرْيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَقِيل: إِنْ كَانَ النَّهْرُ لِمَا دُونَ الأَْرْبَعِينَ فَهُوَ خَاصٌّ، وَإِنْ كَانَ لأَِرْبَعِينَ فَهُوَ نَهْرٌ عَامٌّ، وَجَعَل بَعْضُهُمُ الْحَدَّ الْفَاصِل فِي الْمِائَةِ، وَبَعْضُهُمْ فِي الأَْلْفِ وَغَيْرُ ذَلِكَ عَامٌّ، وَأَصَحُّ مَا قِيل فِيهِ: أَنَّهُ يُفَوَّضُ إِلَى رَأْيِ الْمُجْتَهِدِ فَيَخْتَارُ مِنَ الأَْقَاوِيل أَيَّ قَوْلٍ شَاءَ، وَقِيل: الْخَاصُّ مَا لاَ تَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ، وَمَا تَجْرِي فِيهِ فَهُوَ عَامٌّ.
قَال الإِْتْقَانِيُّ: وَلَكِنَّ أَحْسَنَ مَا قِيل فِيهِ: إِنْكَانَ النَّهْرُ لِدُونِ مِائَةٍ فَالشَّرِكَةُ خَاصَّةٌ وَإِلاَّ فَعَامَّةٌ (72) .
23 - وَعَلَى ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ النَّهْرُ عَامًّا وَأَبَى بَعْضُ الشُّرَكَاءِ مِنَ الْكَرْيِ، فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْكَرْيِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ الْعَامِّ وَهُوَ ضَرَرُ بَقِيَّةِ الشُّرَكَاءِ، وَضَرَرُ الآْبِي خَاصٌّ وَيُقَابِلُهُ عِوَضٌ فَلاَ يُعَارَضُ بِهِ.
وَإِذَا أَرَادَ الشُّرَكَاءُ فِي النَّهْرِ الْعَامِّ أَنْ يُحَصِّنُوهُ خِيفَةَ الاِنْبِثَاقِ وَفِيهِ ضَرَرٌ عَامٌّ كَغَرَقِ الأَْرَاضِي وَفَسَادِ الطُّرُقِ يُجْبَرُ الآْبِي، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ عَامٌّ فَلاَ يُجْبَرُ الآْبِي لأَِنَّهُ مَوْهُومٌ، بِخِلاَفِ الْكَرْيِ فَإِنَّهُ مَعْلُومٌ.
24 - أَمَّا النَّهْرُ الْخَاصُّ فَقَدِ اخْتَلَفَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ فِي إِجْبَارِ الْمُمْتَنِعِ عَنِ الْكِرَى.
فَإِنْ كَانَ الْمُمْتَنِعُ بَعْضَ الشُّرَكَاءِ فَقَدْ جَاءَ فِي الْكِفَايَةِ: قِيل: يُجْبَرُ الآْبِي وَهُوَ قَوْل أَبِي بَكْرٍ الإِْسْكَافِ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ: أُجْبِرَ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْخِزَانَةِ، وَقِيل: لاَ يُجْبَرُ وَهُوَ قَوْل أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْبَلْخِيِّ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ.
وَإِنْ كَانَ الْمُمْتَنِعُ كُل الشُّرَكَاءِ فِي النَّهْرِ وَاتَّفَقُوا عَلَى تَرْكِ الْكَرْيِ فَفِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لاَ يُجْبِرُهُمُ الإِْمَامُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا لَوِ امْتَنَعُوا عَنْ عِمَارَةِ أَرَاضِيهِمْ، وَقَال بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: يُجْبِرُهُمُ الإِْمَامُ عَلَى ذَلِكَ لِحَقِّ أَصْحَابِ الشَّفَةِ فِي النَّهْرِ (73)
25 - وَعَلَى الْقَوْل بِعَدَمِ جَبْرِ الآْبِي إِذَا أَبَى بَعْضُ الشُّرَكَاءِ مِنَ الْكَرْيِ وَقَامَ الْبَاقُونَ بِالْكَرْيِ، فَهَل يَرْجِعُونَ عَلَى الآْبِي بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ مُؤْنَةِ مَا أَنْفَقُوا؟ قَالُوا: إِنْ كَانَ بِأَمْرِ الْقَاضِي رَجَعُوا عَلَى الآْبِي.
نَقَل ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الذَّخِيرَةِ: أَنَّ الْقَاضِيَ إِذَا أَمَرَ الْبَاقِينَ بِكَرْيِ نَصِيبِ الآْبِي عَلَى أَنْ يَسْتَوْفُوا مُؤْنَةَ الْكَرْيِ مِنْ نَصِيبِهِ مِنَ الشُّرْبِ مِقْدَارَ مَا يَبْلُغُ قِيْمَةَ مَا أَنْفَقُوا عَلَيْهِ فَإِنَّهُمْ يَرْجِعُونَ عَلَى الآْبِي بِذَلِكَ.
وَإِنْ لَمْ يَرْفَعُوا الأَْمْرَ إِلَى الْقَاضِي، هَل يَرْجِعُونَ عَلَى الآْبِي بِقِسْطِهِ مِنَ النَّفَقَةِ وَيُمْنَعُ الآْبِي مِنْ شُرْبِهِ حَتَّى يُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ؟ قِيل: نَعَمْ، وَقِيل: لاَ.
وَذُكِرَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِل أَنَّ الأَْوَّل قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَمَثَلُهُ فِي التَّتَارَخَانِيَّةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لاَ تَرْجِيحَ لأَِحَدِ الْقَوْلَيْنِ لَكِنَّ مَفْهُومَ كَلاَمِ الدُّرِّ كَالْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ وَغَيْرِهِمَا تَرْجِيحُ عَدَمِ الرُّجُوعِ إِذَا كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي (74) .
26 - وَالأَْصْل عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ يُقْضَى عَلَى شَرِيكٍ فِيمَا لاَ يَنْقَسِمُ أَنْ يُعَمِّرَ مَعَ شَرِيكِهِ أَوْ يَبِيعَ مِنْهُ جَمِيعَ حِصَّتِهِ إِنْ أَبَى التَّعْمِيرَ.
لَكِنَّ الْمَالِكِيَّةَ اسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ الشُّرَكَاءَ فِي الْبِئْرِ أَوِ الْعَيْنِ أَوِ النَّهْرِ فَإِنَّ مَنْ أَبَى الْعِمَارَةَ مِنَ الشُّرَكَاءِ لاَ يُجْبَرُ عَلَى الْبَيْعِ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى الْبِئْرِ أَوِ الْعَيْنِ زَرْعٌ أَوْ شَجَرٌ فِيهِ ثَمَرٌ مُؤَبَّرٌ أَمْ لاَ، وَيُقَال لِلشَّرِيكِ: عَمِّرْ إِنْ شِئْتَ وَلَكَ مَا حَصَل مِنَ الْمَاءِ بِعِمَارَتِكَ، وَقَال الدُّسُوقِيُّ: هُوَ إِمَّا كُل الْمَاءِ إِنْ كَانَ التَّخْرِيبُ أَذْهَبَ كُل الْمَاءِ وَحَصَل الْمَاءُ بِالتَّعْمِيرِ، أَوْ مَا زَادَ مِنْهُ بِالْعِمَارَةِ، وَذَلِكَ إِلَى أَنْ تَسْتَوْفِيَ قَدْرَ مَا أَنْفَقْتَ، أَوْ إِلَى أَنْ يَأْتِيَكَ صَاحِبُكَ الآْبِي بِمَا يُصِيبُهُ مِنَ النَّفَقَةِ، وَهَذَا قَوْل ابْنِ الْقَاسِمِ.
وَقَال ابْنُ نَافِعٍ: يُجْبَرُ الشَّرِيكُ عَلَى الْبَيْعِ إِنْ أَبَى الْعِمَارَةَ إِنْ كَانَ عَلَى الْبِئْرِ أَوِ الْعَيْنِ زَرْعٌ أَوْ شَجَرٌ فِيهِ ثَمَرٌ مُؤَبَّرٌ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَرَجَّحَ قَوْل ابْنِ الْقَاسِمِ (75) .
وَجَاءَ فِي مَوَاهِبِ الْجَلِيل: إِذَا احْتَاجَتْ بِئْرٌ أَوْ قَنَاةٌ بَيْنَ شُرَكَاءَ لِسَقْيِ أَرْضِهِمْ إِلَى الْكَنْسِ لِقِلَّةِ مَائِهَا فَأَرَادَ أَحَدُهُمُ الْكَنْسَ وَأَبَى الآْخَرُونَ. - وَفِي تَرْكِ الْكَنْسِ ضَرَرٌ عَلَى الْمَاءِ وَانْتِقَاصٌ، وَالْمَاءُ يَكْفِي أَوْ لاَ يَكْفِي إِلاَّ الَّذِينَ أَرَادُوا الْكَنْسَ خَاصَّةً - فَلِلَّذِينِ أَرَادُوا الْكَنْسَ أَنْ يَكْنِسُوا ثُمَّ يَكُونُوا أَوْلَى بِالَّذِي زَادَ فِي الْمَاءِ لِكَنْسِهِمْ دُونَ مَنْ لَمْ يَكْنِسْ حَتَّى يُؤَدُّوا حِصَّتَهُمْ مِنَ النَّفَقَةِ فَيَرْجِعُوا إِلَى أَخْذِ حِصَّتِهِمْ مِنْ جَمِيعِ الْمَاءِ (76)
27 - وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا امْتَنَعَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ عَنِ الْعِمَارَةِ فِي النَّهْرِ وَالْقَنَاةِ وَالْبِئْرِ فَفِي الْجَدِيدِ لاَ إِجْبَارَ عَلَيْهِ كَمَا لاَ يُجْبَرُ عَلَى زَرْعِ الأَْرْضِ الْمُشْتَرَكَةِ، وَلأَِنَّ الْمُمْتَنِعَ يَتَضَرَّرُ أَيْضًا بِتَكْلِيفِهِ الْعِمَارَةَ وَالضَّرَرُ لاَ يُزَال بِالضَّرَرِ.
وَفِي الْقَدِيمِ يُجْبَرُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ وَصِيَانَةً لِلأَْمْلاَكِ الْمُشْتَرَكَةِ عَنِ التَّعْطِيل.
وَقَال النَّوَوِيُّ: وَالأَْظْهَرُ عِنْدَ جُمْهُورِ الأَْصْحَابِ هُوَ الْجَدِيدُ.
وَصَحَّحَ صَاحِبُ الشَّامِل الْقَدِيمَ وَأَفْتَى بِهِ الشَّاشِيُّ.
وَقَال الْغَزَالِيُّ فِي الْفَتَاوَى: الأَْقْيَسُ أَنْ يُجْبَرَ الْمُمْتَنِعُ، وَقَال: وَالاِخْتِيَارُ إِنْ ظَهَرَ لِلْقَاضِي أَنَّ امْتِنَاعَهُ مَضَارَّةٌ أَجْبَرَهُ، وَإِنْ كَانَ لإِِعْسَارٍ أَوْ غَرَضٍ صَحِيحٍ أَوْ شَكَّ فِيهِ لَمْ يُجْبَرْ. وَلَوْ أَنْفَقَ الشَّرِيكُ عَلَى تَعْمِيرِ النَّهْرِ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُ الشَّرِيكِ الْمُمْتَنِعِ مِنَ الاِنْتِفَاعِ بِالْمَاءِ لِسَقْيِ الزَّرْعِ وَغَيْرِهِ، لَكِنْ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنَ الاِنْتِفَاعِ بِالدُّولاَبِ وَالْبَكَرَةِ وَالآْلاَتِ الَّتِي أَحْدَثَهَا (77) .
قَال النَّوَوِيُّ: وَإِذَا قُلْنَا بِالْقَدِيمِ - وَهُوَ إِجْبَارُ الْمُمْتَنِعِ - فَأَصَرَّ عَلَى الاِمْتِنَاعِ فَإِنَّ الْحَاكِمَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ اقْتَرَضَ عَلَيْهِ، أَوْ أُذِنَ لِلشَّرِيكِ فِي الإِْنْفَاقِ عَلَيْهِ لِيَرْجِعَ عَلَى الْمُمْتَنِعِ، فَلَوِ اسْتَقَل بِهِ الشَّرِيكُ فَلاَ رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَقِيل: قَوْلاَنِ: الْقَدِيمُ: نَعَمْ، وَالْجَدِيدُ: لاَ، وَقِيل: يَرْجِعُ فِي الْقَدِيمِ، وَفِي الْجَدِيدِ قَوْلاَنِ (78) .
28 - وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ مِنَ الشُّرَكَاءِ عَنِ الْعِمَارَةِ لِحَقِّ شُرَكَائِهِ (79) أَيْ يُجْبِرُهُ الْحَاكِمُ وَيَأْخُذُ مِنْ مَال الْمُمْتَنِعِ النَّقْدَ وَيُنْفِقُ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُمْتَنِعِ نَقْدٌ بَاعَ الْحَاكِمُ عَرْضَهُ وَأَنْفَقَ مِنْ ثَمَنِهِ مَعَ شَرِيكِهِ بِالْمُحَاصَّةِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمُمْتَنِعِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ عَلَى الْحَاكِمِ لِنَحْوِ تَغْيِيبِ مَالِهِ اقْتَرَضَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ لِيُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ كَنَفَقَةٍ نَحْوَ زَوْجَتِهِ، وَإِنْ عَمَّرَ الشَّرِيكُ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ أَوْ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ رَجَعَ عَلَى شَرِيكِهِ لِوُجُوبِهِ عَلَى الْمُنْفَقِ عَنْهُ (80) .
وَإِذَا أَرَادَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ أَنْ يُعَمِّرَ فَلَيْسَ لِلشُّرَكَاءِ مَنْعُهُ وَالْمَاءُ بَيْنَهُمْ عَلَى الشَّرِكَةِ، وَلاَ يَخْتَصُّ بِهِ الْمُعَمِّرُ لأَِنَّ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ مِلْكِهِمَا وَإِنَّمَا أَثَّرَ أَحَدُهُمَا فِي نَقْل الطِّينِ مِنْهُ وَلَيْسَ لَهُ فِيهِ عَيْنُ مَالٍ، وَرُجُوعُ الْمُعَمِّرِ بِمَا أَنْفَقَ عَلَى مَا سَبَقَ (81) .
حُكْمُ مَا انْحَسَرَ عَنْهُ الْمَاءُ:
29 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الأَْرْضِ الَّتِي يَنْكَشِفُ عَنْهَا مَاءُ النَّهْرِ هَل تَكُونُ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ تَكُونُ لِمَنْ يَلِي هَذِهِ الأَْرْضَ؟ فَعِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ تَكُونُ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَعِنْدَ غَيْرِهِمْ تَكُونُ لِمَنْ يَلِي الأَْرْضَ الَّتِي انْكَشَفَ عَنْهَا النَّهْرُ، وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ، وَلِكُل مَذْهَبٍ تَفْصِيلٌ خَاصٌّ وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:
فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: لَوْ جَزَرَ مَاءُ الأَْنْهَارِ الْعِظَامِ كَسَيْحُونَ وَدِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ عَنْ أَرْضٍ فَلَيْسَ لِمَنْ يَلِيهَا أَنْ يَضُمَّهَا إِلَى أَرْضِ نَفْسِهِ، لأَِنَّهُ يُحْتَمَل أَنْ يَعُودَ مَاؤُهَا إِلَى مَكَانِهِ وَلاَ يَجِدَ إِلَيْهِ سَبِيلاً فَيُحْمَل عَلَى جَانِبٍ آخَرَ فَيَضُرُّ، حَتَّى لَوْ أَمِنَ الْعَوْدَ، أَوْ كَانَ بِإِزَائِهَا مِنَ الْجَانِبِ الآْخَرِ أَرْضٌ مَوَاتٌ لاَ يَسْتَضِرُّ أَحَدٌ بِحَمْل الْمَاءِ عَلَيْهِ فَلَهُ ذَلِكَ، وَيُمَلَّكُهُ إِذَا أَحْيَاهُ بِإِذْنِ الإِْمَامِ أَوْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ عَلَى الاِخْتِلاَفِ فِي اشْتِرَاطِ إِذْنِ الإِْمَامِ فِي الإِْحْيَاءِ أَوْ عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ (82) .
وَاخْتَلَفَ فُقَهَاءُ الْمَالِكِيَّةِ فِي الْحُكْمِ، فَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ عُلَيْشٌ، وَقَدْ سُئِل عَنْ أَرْضٍ انْكَشَفَ عَنْهَا الْبَحْرُ هَل تَكُونُ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ لِمَنْ تَلِيهِ أَوْ لِمَنْ دَخَل الْبَحْرُ أَرْضَهُ؟ أَنَّهَا تَكُونُ لِمَنْ تَلِيهِ ثُمَّ قَال: وَذَلِكَ هُوَ قَوْل عِيسَى بْنِ دِينَارٍ وَعَلَيْهِ حَمْدِيسُ، وَبِهِ الْفَتْوَى وَالْقَضَاءُ، وَقَال سَحْنُونٌ وَأَصْبَغُ وَمُطَرِّفٌ: تَكُونُ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ كَمَا كَانَ الْبَحْرُ (83) .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: لَوِ انْحَسَرَ مَاءُ النَّهْرِ عَنْ جَانِبٍ مِنْهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ مِنْ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ الْعَامَّةِ، وَلَيْسَ لِلسُّلْطَانِ إِقْطَاعُهُ لأَِحَدٍ كَالنَّهْرِ وَحَرِيمِهِ.
وَلَوْ زَرَعَهُ أَحَدٌ لَزِمَهُ أُجْرَتُهُ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَيَسْقُطُ عَنْهُ قَدْرُ حِصَّتِهِ إِنْ كَانَ لَهُ حِصَّةٌ فِي مَال الْمَصَالِحِ.
نَعَمْ، لِلإِْمَامِ دَفْعُهُ لِمَنْ يَرْتَفِقُ بِهِ بِمَا لاَ يَضُرُّ الْمُسْلِمِينَ. وَمِثْلُهُ مَا يَنْحَسِرُ عَنْهُ الْمَاءُ مِنَ الْجَزَائِرِ فِي الْبَحْرِ، وَيَجُوزُ زَرْعُهُ وَنَحْوَهُ لِمَنْ لَمْ يَقْصِدْ إِحْيَاءَهُ، وَلاَ يَجُوزُ فِيهِ الْبِنَاءُ وَلاَ الْغِرَاسُ وَلاَ مَا يَضُرُّ الْمُسْلِمِينَ (84) .
وَفَرَّقَ الْحَنَابِلَةُ بَيْنَ أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ غَلَبَ عَلَيْهَا الْمَاءُ ثُمَّ نَضَبَ عَنْهَا وَبَيْنَ أَرْضٍ نَضَبَ عَنْهَا الْمَاءُ وَلَمْ تَكُنْ مَمْلُوكَةً لأَِحَدٍ.
جَاءَ فِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ: وَلاَ يُمْلَكُ بِإِحْيَاءِ مَا نَضَبَ أَيْ غَارَ عَنْهُ الْمَاءُ مِمَّا كَانَ مَمْلُوكًا وَغَلَبَ الْمَاءُ عَلَيْهِ ثُمَّ نَضَبَ الْمَاءُ عَنْهُ، بَل هُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ مُلاَّكِهِ قَبْل غَلَبَةِ الْمَاءِ عَلَيْهِ فَلَهُمْ أَخْذُهُ؛ لأَِنَّهَا لاَ تُزِيل مِلْكَهُمْ عَنْهُ.
أَمَّا مَا نَضَبَ عَنْهُ الْمَاءُ مِنَ الْجَزَائِرِ وَالرَّقَاقِ (85) مِمَّا لَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا فَلِكُل أَحَدٍ إِحْيَاؤُهُ بَعُدَتْ أَوْ قَرُبَتْ كَمَوَاتٍ، قَال الْحَارِثِيُّ: مَعَ عَدَمِ الضَّرَرِ وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَقَال فِي التَّنْقِيحِ: لاَ يُمْلَكُ بِالإِْحْيَاءِ، وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى، وَقَال أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْعَبَّاسِ بْنِ مُوسَى: إِذَا نَضَبَ الْمَاءُ مِنْ جَزِيرَةٍ إِلَى فِنَاءِ رَجُلٍ لَمْ يَبْنِ فِيهَا، لأَِنَّ فِيهَا ضَرَرًا، وَهُوَ أَنَّ الْمَاءَ يَرْجِعُ إِلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ، فَإِذَا وَجَدَهُ مَبْنِيًّا رَجَعَ إِلَى الْجَانِبِ الآْخَرِ فَأَضَرَّ بِأَهْلِهِ، وَلأَِنَّ الْجَزَائِرَ مَنْبَتُ الْكَلأَِ وَالْحَطَبِ فَجَرَتْ مَجْرَى الْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ (86) .
وَقَال أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ: يُرْوَى عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ أَبَاحَ الْجَزَائِرَ يَعْنِي أَبَاحَ مَا يَنْبُتُ فِي الْجَزَائِرِ مِنَ النَّبَاتِ، قَال: إِذَا نَضَبَ الْفُرَاتُ عَنْ شَيْءٍ، ثُمَّ نَبَتَ فِيهِ نَبَاتٌ فَجَاءَ رَجُلٌ يَمْنَعُ النَّاسَ مِنْهُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مَا نَضَبَ عَنْهُ الْمَاءُ لاَ يَنْتَفِعُ بِهِ أَحَدٌ، فَعَمَرَهُ رَجُلٌ عِمَارَةً لاَ تَرُدُّ الْمَاءَ، مِثْل أَنْ يَجْعَلَهُ مَزْرَعَةً فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ؛ لأَِنَّهُ مُتَحَجِّرٌ لِمَا لَيْسَ لِمُسْلِمٍ فِيهِ حَقٌّ (87) .
وَلِلتَّفْصِيل انْظُرْ (إِحْيَاء ف 11) .
__________
(1) المصباح المنير، ولسان العرب، والقاموس المحيط، والمعجم الوسيط
(2) المعجم الوسيط، وقواعد الفقه للبركتي، وغريب القرآن للأصفهاني
(3) حاشية ابن عابدين 5 / 285
(4) لسان العرب، والمعجم الوسيط
(5) حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ص13
(6) لسان العرب، والمفردات في غريب القرآن، والمعجم الوسيط
(7) حاشية ابن عابدين 1 / 144
(8) تكملة فتح القدير 9 / 14، والمغني 5 / 583، وروضة الطالبين 5 / 304، 305، 307، وأسنى المطالب 2 / 454، 455، والدسوقي 4 / 74، وكشاف القناع 4 / 198، 199
(9) المغني 5 / 583، وأسنى المطالب 2 / 454
(10) البدائع 6 / 192، وتكملة فتح القدير 9 / 12 وأسنى المطالب 2 / 454، وحاشية الدسوقي 4 / 74 والخرشي 7 / 76، 77، وكشاف القناع 4 / 199، ومغني المحتاج 2 / 373،
(11) حديث: " المسلمون شركاء في ثلاث. . . ". أخرجه الطبراني في معجمه كما في نصب الراية (4 / 294 - ط المجلس العلمي) ، وحسن إسناده ابن حجر في التلخيص (3 / 153 - ط دار الكتب العلمية)
(12) البدائع 6 / 192، والدر المختار وحاشية ابن عابدين 5 / 282، وكشاف القناع 4 / 199، وروضة الطالبين 5 / 306، والدسوقي 4 / 74
(13) البدائع 6 / 192
(14) جواهر الإكليل 2 / 204، ومنح الجليل 4 / 30، وروضة الطالبين 5 / 305، ومغني المحتاج 2 / 373، والمهذب 1 / 435، والمغني 5 / 583، وكشاف القناع 4 / 98
(15) حديث عبد الله بن الزبير " أن رجلا من الأنصار خاصم. . . " أخرجه البخاري (الفتح 5 / 34 ط السلفية) ومسلم (4 / 1829 - 1830)
(16) المغني 5 / 584
(17) حديث عبادة: " أن النبي - ﷺ - قضى في شرب النخل من السيل. . . " أخرجه ابن ماجه (2 / 830 - ط الحلبي) ، وأعله ابن حجر في التلخيص (4 / 155 - ط العلمية) بالانقطاع في سنده
(18) حديث: " قضى في سيل مهزوز ومذنب. . . " أخرجه الحاكم (2 / 62 - ط دائرة المعارف العثمانية) من حديث عائشة، وقال ابن حجر في التلخيص (3 / 155 - ط العلمية) : أعله الدارقطني بالوقف
(19) كشاف القناع 4 / 198، والمغني 5 / 583، ومنح الجليل 4 / 30، ومغني المحتاج 2 / 377، والمهذب 1 / 435
(20) مغني المحتاج 2 / 374، والروضة 5 / 305، وكشاف القناع 4 / 198، والمغني 5 / 584، وجواهر الإكليل2 / 204
(21) روضة الطالبين 5 / 306، وكشاف القناع 4 / 199
(22) التاج والإكليل 6 / 17، ونهاية المحتاج 5 / 350، ومغني المحتاج 2 / 374، وكشاف القناع 4 / 199
(23) كشاف القناع 4 / 199
(24) نهاية المحتاج 5 / 355
(25) حاشية الدسوقي 4 / 74
(26) المغني 5 / 584
(27) روضة الطالبين 5 / 305
(28) حاشية الرملي على أسنى المطالب 2 / 454، تحفة المحتاج مع الحواشي 6 / 230
(29) الدر المختار وحاشية ابن عابدين 5 / 282، والأم 4 / 49، ومنح الجليل 4 / 25، 26، 29، وروضة الطالبين 5 / 307، والمغني 5 / 589، 590، وكشاف القناع 4 / 199
(30) حاشية ابن عابدين 5 / 282
(31) حاشية ابن عابدين 5 / 282
(32) الروضة 5 / 307، وأسنى المطالب شرح روض الطالب 2 / 455
(33) مغني المحتاج 2 / 375
(34) حديث أبي هريرة: " ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة. . . ". أخرجه البخاري (الفتح 5 / 34 - ط السلفية) ، ومسلم (5 / 34 - ط الحلبي) ، واللفظ للبخاري
(35) حديث بهيسة عن أبيها: " يا نبي الله، ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ . . . . . ". أخرجه أبو داود (3 / 750 - ط حمص) ، ونقل ابن حجر في التلخيص (3 / 154 - ط العلمية) عن عبد الحق وابن القطان أنهما أعلاه بجهالة بهيسة
(36) المغني 5 / 589، 590، وشرح منتهى الإرادات 2 / 467
(37) الدر المختار، وحاشية ابن عابدين 5 / 282، 283، والبدائع 6 / 189، والاختيار 3 / 71، ومنح الجليل 4 / 24، 25، وأسنى المطالب 2 / 455، ومغني المحتاج 2 / 375، وشرح منتهى الإرادات 2 / 461
(38) حديث: " المسلمون شركاء في ثلاث. . . " تقدم تخريجه ف 6
(39) الدر المختار، وحاشية ابن عابدين 5 / 282، 283، والبدائع 6 / 189، والآثار لأبي يوسف 2 / 199
(40) منح الجليل 4 / 24، 25
(41) أسنى المطالب 2 / 455
(42) مغني المحتاج 2 / 375، وأسنى المطالب 2 / 455، 456
(43) حديث: " لا تمنعوا فضل الماء. . . " أخرجه البخاري (الفتح 5 / 31 - ط السلفية) ، ومسلم (أمم 3 / 1198) ، واللفظ للبخاري
(44) شرح منتهى الإرادات 2 / 461
(45) الدر المختار وحاشية ابن عابدين 5 / 285، وروضة الطالبين 5 / 307، 308، وأسنى المطالب 2 / 455، وكشاف القناع 4 / 200
(46) حاشية ابن عابدين 5 / 282.
(47) الأم 4 / 49
(48) الدر المختار وحاشية ابن عابدين 5 / 285، والهداية 4 / 106، ومنح الجليل 4 / 31، وحاشية الدسوقي 4 / 74، وجواهر الإكليل 2 / 204، 205، وروضة الطالبين 5 / 307، 311، وأسنى المطالب 2 / 455، والمغني، 5 / 586، 588، وكشاف القناع 4 / 199
(49) مغني المحتاج 2 / 375، 376، وروضة الطالبين 5 / 307، 311، وأسنى المطالب 2 / 455، والمهذب 1 / 435، وكشاف القناع 4 / 200، والمغني 5 / 588.
(50) سورة الشعراء / 155
(51) مغني المحتاج 2 / 376، وأسنى المطالب 2 / 455.
(52) روضة الطالبين 5 / 311
(53) مغني المحتاج 2 / 375، وكشاف القناع 4 / 199، 200، والمغني 5 / 586.
(54) المغني 5 / 586
(55) الهداية 4 / 106
(56) كشاف القناع 4 / 200، ومغني المحتاج 2 / 375.
(57) سكرت النهر سكرا من باب قتل: سددته، والسكر بكسر السين ما يسد به (المصباح) .
(58) حاشية ابن عابدين 5 / 286.
(59) الدر المختار مع حاشية ابن عابدين 5 / 285، والهداية 4 / 107
(60) القلد هو القدر الذي يثقب ويملأ ماء (الدسوقي 4 / 74، 75) قال ابن دريد: هو الحظ من الماء، وقال ابن قتيبة: هو سقي الزرع وقت حاجته، وقال عليش: هو في استعمال الفقهاء: عبارة عن الآلة التي يتوصل بها لإعطاء كل ذي حظ من الماء حظه من غير نقص ولا زيادة.
(61) الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 4 / 74، 75
(62) كري النهر: حفره وإخراج طينه (لسان العرب) ، والكري تعبير الحنفية، ويعبر الشافعية بالعمارة، ويعبر الحنابلة بالإكراء والإصلاح.
(63) حديث: " الخراج بالضمان ". أخرجه أبو داود (3 / 780 - ط حمص) من حديث عائشة، وصححه ابن القطان كما في التلخيص لابن حجر (3 / 54 - ط العلمية)
(64) أثر عمر - رضي الله تعالى عنه - " لو تركتم لبعتم أولادكم ". قال العيني في البناية (9 / 472) : لم أقف عليه في الكتب المشهورة في كتب الحديث، وإنما ذكره أصحابنا في كتبهم ولم أدر من أين أخذوه.
(65) الهداية وتكملة فتح القدير 9 / 14، 15 - ط دار إحياء التراث العربي، والدر المختار وحاشية ابن عابدين 5 / 284، والبدائع 6 / 192، والروضة 5 / 306، وأسنى المطالب 2 / 454، 455.
(66) الدر المختار وحاشية ابن عابدين 5 / 284، والبدائع 6 / 192، والهداية وشروحها 9 / 15، 16، والدسوقي 3 / 365، والحطاب 5 / 144، وروضة الطالبين 5 / 308، وأسنى المطالب 2 / 455، وكشاف القناع 3 / 414، 415، و 4 / 200، ومطالب أولي النهى 4 / 20 4 / 205
(67) مطالب أولي النهى 3 / 364، 4 / 204، 205، والمغني 5 / 590، وكشاف القناع 3 / 415.
(68) الدر المختار وحاشية ابن عابدين عليه 5 / 284.
(69) البدائع 2 / 192.
(70) الدر المختار وحاشية ابن عابدين 5 / 284، والهداية 4 / 105، والبدائع 6 / 192، وروضة الطالبين 5 / 308، وأسنى المطالب 2 / 455.
(71) البدائع 6 / 191، 192، وابن عابدين 5 / 284.
(72) الكفاية على الهداية 9 / 15، وحاشية ابن عابدين 5 / 284.
(73) الدر المختار وحاشية ابن عابدين 5 / 284، والهداية وشروحها 9 / 15، والبناية في شرح الهداية 9 / 474.
(74) الدر المختار وحاشية ابن عابدين 5 / 284، والهداية وشروحها 9 / 15.
(75) الدسوقي 3 / 365، 509، والحطاب 5 / 144.
(76) الحطاب 5 / 144.
(77) روضة الطالبين 4 / 218، ومغني المحتاج 2 / 190.
(78) روضة الطالبين 4 / 217.
(79) كشاف القناع 3 / 415، ومطالب أولي النهى 3 / 364، وشرح منتهى الإرادات 2 / 272.
(80) كشاف القناع 3 / 414، ومطالب أولي النهى 3 / 363.
(81) كشاف القناع 3 / 415، ومطالب أولي النهى 3 / 364، وشرح منتهى الإرادات 4 / 272.
(82) بدائع الصنائع 6 / 192
(83) فتح العلى المالك 2 / 237.
(84) حاشية القليوبي 3 / 89.
(85) قال في الكشاف: الرقاق - بفتح الراء -: أرض لينة أو رمال يضل بعضها ببعض، وقال بعضهم: أرض مستوية لينة التراب تحتها صلابة، وفي لسان العرب: الرقاق - بالفتح -: الأرض السهلة المنبسطة المستوية اللينة التراب تحت صلابة، وقال الأصمعي: الرقاق: الأرض اللينة من غير رمل.
(86) كشاف القناع 4 / 188.
(87) المغني 5 / 576.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 385/ 41
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".