القيوم
كلمةُ (القَيُّوم) في اللغة صيغةُ مبالغة من القِيام، على وزنِ...
الراحة، والسكون، والثبات، والاستقرار .
الراحة، والسكون، والثبات، والاستقرار.
التَّعْرِيفُ:
1 - الاِطْمِئْنَانُ فِي اللُّغَةِ: السُّكُونُ، يُقَال: اطْمَأَنَّ الْقَلْبُ: سَكَنَ وَلَمْ يَقْلَقْ، وَاطْمَأَنَّ فِي الْمَكَانِ: أَقَامَ بِهِ. وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ عَنْ هَذَيْنِ الإِْطْلاَقَيْنِ، فَإِنَّ الاِطْمِئْنَانَ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ بِمَعْنَى اسْتِقْرَارِ الأَْعْضَاءِ فِي أَمَاكِنِهَا عَنِ الْحَرَكَةِ (1) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْعِلْمُ:
2 - الْعِلْمُ هُوَ اعْتِقَادُ الشَّيْءِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ عَلَى سَبِيل الثِّقَةِ، أَمَّا الاِطْمِئْنَانُ فَهُوَ سُكُونُ النَّفْسِ إِلَى هَذَا الْعِلْمِ. وَعَلَى هَذَا فَقَدْ يُوجَدُ الْعِلْمُ وَلاَ يُوجَدُ الاِطْمِئْنَانُ.
ب - الْيَقِينُ:
3 - الْيَقِينُ: هُوَ سُكُونُ النَّفْسِ الْمُسْتَنِدِ إِلَى اعْتِقَادِ الشَّيْءِ بِأَنَّهُ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ إِلاَّ كَذَا. أَمَّا الاِطْمِئْنَانُ فَهُوَ سُكُونُ النَّفْسِ الْمُسْتَنِدِ إِلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ، وَعَلَى هَذَا فَإِنَّ الْيَقِينَ أَقْوَى مِنَ الاِطْمِئْنَانِ. (2)
اطْمِئْنَانُ النَّفْسِ:
4 - اطْمِئْنَانُ النَّفْسِ أَمْرٌ غَيْرُ مَقْدُورٍ لِلإِْنْسَانِ، لأَِنَّهُ مِنْ أَعْمَال الْقَلْبِ الَّتِي لاَ سُلْطَانَ لَهُ عَلَيْهَا، وَلَكِنْ يُطَالَبُ الإِْنْسَانُ بِتَحْصِيل أَسْبَابِهِ.
مَا يَحْصُل بِهِ الاِطْمِئْنَانُ:
5 - بِالاِسْتِقْرَاءِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الاِطْمِئْنَانَ يَحْصُل شَرْعًا بِمَا يَلِي:
أ - ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ {أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} . (3)
ب - الدَّلِيل: وَالدَّلِيل قَدْ يَكُونُ شَرْعِيًّا مِنْ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ، وَقَدْ يَكُونُ عَقْلِيًّا مِنْ قِيَاسٍ عَلَى عِلَّةٍ مُسْتَنْبَطَةٍ، أَوْ قَرِينَةٍ قَوِيَّةٍ مِنْ قَرَائِنِ الأَْحْوَال، وَقَدْ يَكُونُ خَبَرًا مِنْ مُخْبِرٍ صَادِقٍ. (4)
ج - اسْتِصْحَابُ الْحَال: وَمِنْ هُنَا قُبِلَتْ شَهَادَةُ مَسْتُورِ الْحَال، لأَِنَّ الأَْصْل فِي الْمُسْلِمِينَ الْعَدَالَةُ. (5) كَمَا هُوَ مُفَصَّلٌ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ.
د - مُضِيُّ مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ: إِذْ أَنَّ مُضِيَّ سَنَةٍ عَلَى الْعِنِّينِ دُونَ أَنْ يَسْتَطِيعَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ يُوجِدُ طُمَأْنِينَةً حُكْمِيَّةً بِعَجْزِهِ عَنِ الْمُعَاشَرَةِ عَجْزًا دَائِمًا. (6) وَمُضِيَّ مُدَّةِ الاِنْتِظَارِ فِي الْمَفْقُودِ - عِنْدَ مَنْ يَقُول بِهَا - يُوجِدُ طُمَأْنِينَةً حُكْمِيَّةً أَنَّهُ لَنْ يَعُودَ، (7) وَتَأْخِيرَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ فِي الْحُدُودِ يُوجِدُ طُمَأْنِينَةً حُكْمِيَّةً بِأَنَّ الشَّاهِدَ إِنَّمَا شَهِدَ عَنْ ضَغَنٍ (أَيْ حِقْدٍ) .
هـ - الْقُرْعَةُ: وَهِيَ عِنْدَ مَنْ يَقُول بِهَا تُوجِدُ طُمَأْنِينَةً حُكْمِيَّةً بِأَنَّهُ لَمْ يَحْدُثْ جَوْرٌ أَوْ هَوًى، لأَِنَّهَا لِتَطْيِيبِ الْقُلُوبِ، كَمَا فِي الْقِسْمَةِ وَنَحْوِهَا. (8)
الاِطْمِئْنَانُ الْحِسِّيُّ:
6 - يَكُونُ ذَلِكَ فِي الصَّلاَةِ: وَحْدَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْقِيَامِ - فَهُوَ سُكُونُ الْجَوَارِحِ وَاسْتِقْرَارُ كُل عُضْوٍ فِي مَحَلِّهِ - بِقَدْرِ تَسْبِيحَةٍ.
وَحُكْمُهُ الْوُجُوبُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَعِنْدَ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ سُنَّةٌ. (9) وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي كِتَابِ الصَّلاَةِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ.
وَالذَّبِيحَةُ لاَ يَجُوزُ تَقْطِيعُ أَوْصَالِهَا بَعْدَ ذَبْحِهَا حَتَّى تَسْكُنَ حَرَكَتُهَا، لأَِنَّ ذَلِكَ دَلِيل إِزْهَاقِ رُوحِهَا، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ الْفُقَهَاءُ فِي كِتَابِ الذَّبَائِحِ.
آثَارُ الاِطْمِئْنَانِ:
7 - يَتَرَتَّبُ عَلَى الاِطْمِئْنَانِ أَثَرَانِ: أَوَّلُهُمَا: وُقُوعُ الْعَمَل الْمَبْنِيِّ عَلَى الاِطْمِئْنَانِ صَحِيحًا فِي الشَّرْعِ. (10) فَمَنْ تَحَرَّى الأَْوَانِيَ الَّتِي بَعْضُهَا طَاهِرٌ وَبَعْضُهَا نَجِسٌ، فَاطْمَأَنَّ قَلْبُهُ إِلَى هَذَا الإِْنَاءِ مِنْهَا طَاهِرٌ، فَتَوَضَّأَ مِنْهُ، وَقَعَ وُضُوءُهُ صَحِيحًا، كَمَا فَصَّل ذَلِكَ الْفُقَهَاءُ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ.
ثَانِيهِمَا: أَنَّ مَا خَالَفَ هَذَا الاِطْمِئْنَانَ هُوَ هَدَرٌ وَلاَ قِيمَةَ لَهُ، وَكُل مَا بُنِيَ عَلَيْهِ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ بَاطِلٌ، فَمَنْ تَحَرَّى جِهَةَ الْقِبْلَةِ حَتَّى اطْمَأَنَّ قَلْبُهُ إِلَى جِهَةٍ مَا أَنَّ الْقِبْلَةَ نَحْوَهَا، فَصَلَّى إِلَى غَيْرِ هَذِهِ الْجِهَةِ فَصَلاَتُهُ بَاطِلَةٌ، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ الْفُقَهَاءُ فِي كِتَابِ الصَّلاَةِ.
وَإِذَا اطْمَأَنَّ قَلْبُ إِنْسَانٍ بِالإِْيمَانِ، ثُمَّ أُكْرِهَ عَلَى إِتْيَانِ مَا يُخَالِفُ هَذَا الإِْيمَانَ لاَ يَضُرُّهُ ذَلِكَ شَيْئًا.
قَال تَعَالَى: {مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِْيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} . (11)
قَال الْقُرْطُبِيُّ: أَجْمَعَ أَهْل الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ، حَتَّى خَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ الْقَتْل، أَنَّهُ لاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنْ كَفَرَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِْيمَانِ، وَلاَ تَبِينُ مِنْهُ زَوْجَتُهُ، وَلاَ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْكُفْرِ. (12)
__________
(1) لسان العرب، والقاموس المحيط، وأساس البلاغة، والمغرب في المواد " طمن، علم، يقن " ودستور العلماء 3 / 483 طبع مؤسسة الأعلمى ببيروت، والفرق في اللغة للعسكري ص 73، طبع دار الآفاق في بيروت.
(2) نفس المراجع.
(3) سورة الرعد / 28.
(4) الفتاوى الهندية 5 / 310، 313.
(5) حاشية قليوبي 3 / 220.
(6) المغني 2 / 168.
(7) المغني 7 / 488 وما بعدها.
(8) المغني 9 / 359، وفتح القدير 8 / 15، وفتاوى قاضيخان 3 / 155.
(9) المغني 1 / 500، ومراقي الفلاح ص 135 طبع المطبعة العثمانية.
(10) الفتاوى الهندية 5 / 383.
(11) سورة النحل / 106.
(12) تفسير القرطبي 10 / 183 طبعة دار الكتب المصرية، والمغني 8 / 145 طبعة المنار الثالثة، وفتح القدير 7 / 299 طبعة بولاق.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 167/ 5