المحسن
كلمة (المحسن) في اللغة اسم فاعل من الإحسان، وهو إما بمعنى إحسان...
وأجمَعُ ما يقال في معنى الحفظ: هو ما ذكَره ابنُ فارس في مادة (حفظ)؛ حيث قال: «الحاء والفاء والظاء: أصلٌ واحد يدل على مراعاة الشيء. يقال: حَفِظتُ الشيء حفظًا. والغضبُ: الحفيظة؛ وذلك أن تلك الحالَ تدعو إلى مراعاة الشيء. يقال للغضب: الإحفاظ؛ يقال: أحفَظني: أي: أغضَبني. والتحفُّظ: قلَّةُ الغفلة. والحِفاظ: المحافظة على الأمور». "المقاييس" (2 /87).
ومنه: حراسةُ الشيء، ومراقبته. انظر: "الصحاح" للجوهري (3 /1172).
وورودُ الحفظ في القرآن وفي كلام الناس كثيرٌ.
هو اسمٌ من أسماء الله تبارك وتعالى، معناه اصطلاحًا: الصائنُ عبدَه عن أسباب الهلَكةِ في أمور دِينه ودُنْياه. انظر: "المنهاج" (1 /204).
وقال القُرْطُبي: «وهذا الاسم يكون من أوصافِ الذات، ومن أوصاف الفعل:
* فإذا كان من أوصافِ الذات، فيَرجِع إلى معنى (العليم)؛ لأنه يَحفَظ بعلمه جميعَ المعلومات، فلا يَغِيبُ عنه شيءٌ منها؛ كما يقال: فلانٌ يَحفَظ القرآن؛ أي: هو حاضرٌ في قلبه، وفي مقابلةِ هذا الحفظِ: النسيانُ؛ وعلى هذا خرج قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّٗا﴾ [مريم: 64]، وقوله: ﴿لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى﴾ [طه: 52].
* وإذا كان من صفات الفعل، فيَرجِع إلى حفظِه للوجود، وضدُّ هذا الحفظِ: الإهمالُ؛ وعلى هذا خرج قوله تعالى: (فَاللهُ خَيْرٌ حِفْظًا) و﴿حَافِظًا﴾ [يوسف: 64]». "الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى" (1 /309).
* الصَّوْنُ؛ وضدُّه: الإهمال.
* والحفظُ؛ وضدُّه: النِّسيان.
ورَد اسمُ الله (الحافظُ) في كتاب الله في ثلاثةِ مواضعَ؛ واحدٌ منها جاء بصيغة المفرد، واثنان بصيغة الجمع:
* فالذي بصيغة المفرد: قوله تعالى: ﴿فَاْللَّهُ خَيْرٌ حَٰفِظٗاۖ وَهُوَ أَرْحَمُ اْلرَّٰحِمِينَ﴾ [يوسف: 64]، قال البَغَويُّ: «قرأ حَمْزةُ والكِسائيُّ وحفصٌ: ﴿حَٰفِظٗاۖ﴾ بالألف على التفسير؛ (يعني: التمييز)؛ كما يقال: هو خيرٌ رجُلًا، وقرأ الآخَرون: (حِفْظًا) بغير ألِفٍ على المصدر؛ يعني: خيرُكم حفظًا؛ يقول: حِفْظُه خيرٌ من حفظِكم». "معالم التنزيل" (13 /256).
* واللذانِ بصيغة الجمع: قوله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا اْلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ﴾ [الحجر: 9]، وقوله تعالى: ﴿وَمِنَ اْلشَّيَٰطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُۥ وَيَعْمَلُونَ عَمَلٗا دُونَ ذَٰلِكَۖ وَكُنَّا لَهُمْ حَٰفِظِينَ﴾ [الأنبياء: 82].
* حديثِ عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «كنتُ خلفَ رسولِ اللهِ ﷺ يومًا، فقال: «يا غلامُ، إنِّي أُعلِّمُك كلماتٍ:
- احفَظِ اللهَ يَحفَظْك، احفَظِ اللهَ تَجِدْه تُجاهَك.
- إذا سألتَ فاسألِ اللهَ، وإذا استعَنْتَ فاستعِنْ باللهِ.
- واعلَمْ أنَّ الأمَّةَ لو اجتمَعتْ على أن يَنفَعوك بشيءٍ لم يَنفَعوك إلا بشيءٍ قد كتَبَه اللهُ لك، ولو اجتمَعوا على أن يضُرُّوك بشيءٍ لم يضُرُّوك إلا بشيءٍ قد كتَبَه اللهُ عليك؛ رُفِعتِ الأقلامُ، وجَفَّتِ الصُّحُفُ»». أخرجه التِّرمذي (2516).
هو اسمٌ من أسمائه سبحانه مُجمَعٌ عليه؛ قال القُرْطُبي في كلامه عن اسمَيِ اللهِ (الحافظ) و(الحفيظ): «وكلاهما أجمعت عليه الأمَّةُ». "الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى" (1 /307).
اسمُ الله (الحافظُ) ثابتٌ لله جل وعلا بقياس الأَوْلى؛ فـ(الحفظُ) صفةُ كمالٍ، وخلافُه صفةُ نقصٍ، ومن المعلوم أن كلَّ كمالٍ لا نقصَ فيه يكون لبعضِ الموجودات المخلوقة المُحدَثة: فالربُّ الخالق هو أَوْلى به، وكلُّ نقصٍ أو عيب يجب أن يُنزَّهَ عنه بعضُ المخلوقات المُحدَثة: فالربُّ الخالق هو أَوْلى أن يُنزَّهَ عنه. انظر: "شرح الأصفهانية" لابن تيمية (ص74).
* دوامُ مراقبةِ الله عز وجل في كلِّ قول وعمل، وفي السرِّ والإعلان، والجلاء والخفاء، والخوفُ من اللهِ أن يراه على حالٍ لا تُرضِيه؛ ومن ذلك: أن يصُونَ العبدُ أعمالَه عما يُحبِطها ويُضيِّع ثوابَها؛ كالرياء، والنفاق.
* أن يُعظِّمَ العبدُ ربَّه ويقدُرَه حقَّ قَدْرِه؛ لأنه هو المستقِلُّ بخَلْقِ الوجود، وحِفْظِه من الزوال.
* أن يفعلَ العبدُ ما يستحِقُّ به حِفْظَ الله عز وجل؛ وهو توحيدُه، وفعلُ ما يُحِبُّه اللهُ ويرضاه، واجتنابُ ما يَكرَهه ويُسخِطه، وحفظُ حُرماتِ الله ودِينه وشرعه، وقولُ النبيِّ ﷺ لابن عباسٍ جامعٌ في هذا الباب: «احفَظِ اللهَ يَحفَظْك، احفَظِ اللهَ تَجِدْه تُجاهَك». أخرجه الترمذي (2516).
* من مظاهرِ حفظِ الله سبحانه وتعالى: أنه جعَل من ملائكته مَن وظيفتُه تسجيلُ أعمال العباد، وإحصاؤها عليهم؛ قال تعالى: ﴿مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٞ﴾ [ق: 18]، وقال النبيُّ ﷺ في الحديث الذي يرويه أبو هُرَيرةَ رضي الله عنه: «يَتعاقَبون فيكم ملائكةٌ بالليلِ، وملائكةٌ بالنهارِ، ويجتمِعون في صلاةِ الصُّبْحِ وصلاةِ العصرِ، ثم يعرُجُ الذين باتوا فيكم، فيَسألُهم اللهُ - وهو أعلَمُ بهم -: كيف ترَكْتم عبادي؟ فيقولون: ترَكْناهم وهم يُصَلُّون، وأتَيْناهم وهم يُصَلُّون». أخرجه البخاري (7486)، ومسلم (632).
قال ابنُ عباسٍ رضي الله عنهما: «وهؤلاء الملائكةُ يكتُبون كلَّ ما يتكلم به الناسُ مِن خيرٍ أو شرٍّ، حتى إنه ليكتُبُ قولَه: أكَلْتُ، شَرِبْتُ، ذهَبْتُ، جِئْتُ، رأيتُ، حتى إذا كان يومُ الخميسِ، عرَضَ قولَه وعمَلَه، فأقَرَّ منه ما كان فيه مِن خيرٍ أو شرٍّ، وألقَى سائرَه؛ وذلك قولُه تعالى: ﴿يَمْحُواْ اْللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُۖ وَعِندَهُۥٓ أُمُّ اْلْكِتَٰبِ﴾ [الرعد: 39]». انظر: "تفسير ابن كثير" (4 /224).
* ومن مظاهرِ حفظِ الله أيضًا: انتظامُ الكون واتساقُه منذ نشأته وحتى الآن، لم يَتغيَّرْ ولم يَتبدَّلْ ولم يختلِفْ؛ كما قال تعالى: ﴿اْلَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٖ طِبَاقٗاۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ اْلرَّحْمَٰنِ مِن تَفَٰوُتٖۖ فَاْرْجِعِ اْلْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٖ﴾ [الملك: 3]، ولو رفَع اللهُ حِفْظَه، وألغى صَوْنَه للسموات والأرض؛ لانهَدَّتْ واضمحَلَّتْ؛ قال تعالى: ﴿إِنَّ اْللَّهَ يُمْسِكُ اْلسَّمَٰوَٰتِ وَاْلْأَرْضَ أَن تَزُولَاۚ وَلَئِن زَالَتَآ إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٖ مِّنۢ بَعْدِهِۦٓۚ إِنَّهُۥ كَانَ حَلِيمًا غَفُورٗا﴾ [فاطر: 41]، ولولا رحمةُ الله بالناس، وحفظُه للوجود؛ لَأَذِنَ للسماء أن تقعَ على الأرض، لكنه قال: ﴿وَيُمْسِكُ اْلسَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى اْلْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِۦٓۚ إِنَّ اْللَّهَ بِاْلنَّاسِ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٞ﴾ [الحج: 65]؛ فله الحمدُ على حفظِه!
«مَن حَفِظَ للهِ جوارحَه حَفِظَ اللهُ عليه قلبَه، ومَن حَفِظَ لله حَقَّه حَفِظ اللهُ عليه حَظَّه، وفي حديثِ ابن عباسٍ: أن النبيَّ ﷺ قال: «يا بُنَيَّ، احفَظِ اللهَ يَحفَظْك، احفَظِ اللهَ تَجِدْه أمامَك»». القُرْطُبي "الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى" (1 /312).
«ثم تأمَّلْ في دِينك ودنياك:
أما الدِّين: فانظُرْ إلى الأكابرِ الذين زاغُوا بأدنى شبهةٍ: أما إبليسُ فانظر كم عبَد اللهَ، وكم أطاعه، ثم ضَلَّ بأدنى شبهةٍ! وانظُرْ إلى أكابرِ الطبيعيِّين، وحُذَّاق المهندِسين والمنجِّمين، كيف زاغوا بأخَسِّ شبهةٍ؛ حتى تَعرِفَ أنك إنما بَقِيتَ على الحقِّ بحفظِ الحقِّ وعنايته! وانظُرْ إلى الخليلِ عليه السلام - مع جلالة قَدْره - كيف قال: ﴿رَبِّ هَبْ لِي حُكْمٗا وَأَلْحِقْنِي بِاْلصَّٰلِحِينَ﴾[الشعراء: 83]، وقال: ﴿رَبَّنَا وَاْجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ﴾[البقرة: 128]، وقال الكليمُ عليه السلام: ﴿رَبِّ اْشْرَحْ لِي صَدْرِي﴾[طه: 25]، وقال تعالى لمُحمَّد ﷺ: ﴿وَلَوْلَآ أَن ثَبَّتْنَٰكَ﴾[الإسراء: 74]، وقال: ﴿وَاْللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ اْلنَّاسِۗ﴾[المائدة: 67]، وقال المؤمنون: ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا﴾[آل عمران: 8]».
الفَخْر الرَّازِي "لوامع البينات" (ص199).
«فـ(الحافظ) و(الحفيظ): مأخوذٌ من الحفظِ؛ وهو: الصيانة.ومعناه: الذي يَحفَظ عبادَه بالحفظ العام؛ فيُيسِّر لهم أقواتَهم، ويَقِيهم أسبابَ الهلاك والعطب، وكذلك يَحفَظ عليهم أعمالهم، ويُحصي أقوالهم.
ويَحفَظ أولياءَه بالحفظ الخاص؛ فيَعصِمهم من مواقَعة الذُّنوب، ويحرُسُهم من مكايدِ الشيطان، وعن كلِّ ما يضُرُّهم في دِينهم ودنياهم». محمد خليل هراس "شرح العقيدة الواسطية" (ص105).