اسْتِحْسَانٌ
من الموسوعة الكويتية
التَّعْرِيفُ:
1 - الاِسْتِحْسَانُ فِي اللُّغَةِ: هُوَ عَدُّ الشَّيْءِ حَسَنًا (1) ، وَضِدُّهُ الاِسْتِقْبَاحُ. وَفِي عِلْمِ أُصُول الْفِقْهِ عَرَّفَهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّهُ: اسْمٌ لِدَلِيلٍ يُقَابِل الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ يَكُونُ بِالنَّصِّ أَوِ الإِْجْمَاعِ أَوِ الضَّرُورَةِ أَوِ الْقِيَاسِ الْخَفِيِّ.
كَمَا يُطْلَقُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ - فِي كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ وَالاِسْتِحْسَانِ - عَلَى اسْتِخْرَاجِ الْمَسَائِل الْحِسَانِ، فَهُوَ اسْتِفْعَالٌ بِمَعْنَى إِفْعَالٍ، كَاسْتِخْرَاجٍ بِمَعْنَى إِخْرَاجٍ. قَال النَّجْمُ النَّسَفِيُّ: فَكَأَنَّ الاِسْتِحْسَانَ هَاهُنَا إِحْسَانُ الْمَسَائِل، وَإِتْقَانُ الدَّلاَئِل (2) .
حُجِّيَّةُ الاِسْتِحْسَانِ عِنْدَ الأُْصُولِيِّينَ:
2 - اخْتَلَفَ الأُْصُولِيُّونَ فِي قَبُول الاِسْتِحْسَانِ، فَقَبِلَهُ الْحَنَفِيَّةُ، وَرَدَّهُ الشَّافِعِيَّةُ وَجُمْهُورُ الأُْصُولِيِّينَ.
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَقَدْ نَسَبَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْقَوْل بِهِ إِلَى مَالِكٍ، وَقَال بَعْضُهُمْ: الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ الْقَوْل بِالاِسْتِحْسَانِ لاَ عَلَى مَا سَبَقَ، بَل حَاصِلُهُ: اسْتِعْمَال مَصْلَحَةٍ جُزْئِيَّةٍ فِي مُقَابَلَةِ قِيَاسٍ كُلِّيٍّ، فَهُوَ يُقَدِّمُ الاِسْتِدْلاَل الْمُرْسَل عَلَى الْقِيَاسِ.
وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَقَدْ حُكِيَ عَنْهُمُ الْقَوْل بِهِ أَيْضًا.
وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْخِلاَفَ لَفْظِيٌّ؛ لأَِنَّ الاِسْتِحْسَانَ إِنْ كَانَ هُوَ الْقَوْل بِمَا يَسْتَحْسِنُهُ الإِْنْسَانُ وَيَشْتَهِيهِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَلاَ يَقُول بِهِ أَحَدٌ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْعُدُول عَنْ دَلِيلٍ إِلَى دَلِيلٍ أَقْوَى مِنْهُ، فَهَذَا مِمَّا لاَ يُنْكِرُهُ أَحَدٌ (3) .
أَقْسَامُ الاِسْتِحْسَانِ:
يَنْقَسِمُ الاِسْتِحْسَانُ بِحَسَبِ تَنَوُّعِ الدَّلِيل الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ إِلَى أَرْبَعَةِ أَنْوَاعٍ: أَوَّلاً - اسْتِحْسَانُ الأَْثَرِ أَوِ السُّنَّةِ:
3 - وَهُوَ أَنْ يَرِدَ فِي السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ حُكْمٌ لِمَسْأَلَةٍ مَا مُخَالِفٌ لِلْقَاعِدَةِ الْمَعْرُوفَةِ فِي الشَّرْعِ فِي أَمْثَالِهَا؛ لِحِكْمَةٍ يُرَاعِيهَا الشَّارِعُ، كَبَيْعِ السَّلَمِ، جَوَّزَتْهُ السُّنَّةُ نَظَرًا لِلْحَاجَةِ، عَلَى خِلاَفِ الأَْصْل فِي بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الإِْنْسَانِ وَهُوَ الْمَنْعُ.
ثَانِيًا - اسْتِحْسَانُ الإِْجْمَاعِ:
4 - وَهُوَ أَنْ يَنْعَقِدَ الإِْجْمَاعُ فِي أَمْرٍ عَلَى خِلاَفِ مُقْتَضَى الْقَاعِدَةِ، كَمَا فِي صِحَّةِ عَقْدِ الاِسْتِصْنَاعِ، فَهُوَ فِي الأَْصْل أَيْضًا بَيْعُ مَعْدُومٍ لاَ يَجُوزُ، وَإِنَّمَا جُوِّزَ بِالإِْجْمَاعِ اسْتِحْسَانًا لِلْحَاجَةِ الْعَامَّةِ إِلَيْهِ.
ثَالِثًا - اسْتِحْسَانُ الضَّرُورَةِ:
5 - وَهُوَ أَنْ يُخَالِفَ الْمُجْتَهِدُ حُكْمَ الْقَاعِدَةِ نَظَرًا إِلَى ضَرُورَةٍ مُوجِبَةٍ مِنْ جَلْبِ مَصْلَحَةٍ أَوْ دَفْعِ مَفْسَدَةٍ، وَذَلِكَ عِنْدَمَا يَكُونُ اطِّرَادُ الْحُكْمِ الْقِيَاسِيِّ مُؤَدِّيًا إِلَى حَرَجٍ فِي بَعْضِ الْمَسَائِل، كَتَطْهِيرِ الآْبَارِ وَالْحِيَاضِ؛ لأَِنَّ الْقِيَاسَ إِلاَّ تَطْهُرَ إِلاَّ بِجَرَيَانِ الْمَاءِ عَلَيْهَا، وَفِيهِ حَرَجٌ شَدِيدٌ.
رَابِعًا - الاِسْتِحْسَانُ الْقِيَاسِيُّ:
6 - وَهُوَ أَنْ يَعْدِل عَنْ حُكْمِ الْقِيَاسِ الظَّاهِرِ الْمُتَبَادَرِ إِلَى حُكْمٍ مُخَالِفٍ بِقِيَاسٍ آخَرَ هُوَ أَدَقُّ وَأَخْفَى مِنَ الْقِيَاسِ الأَْوَّل، لَكِنَّهُ أَقْوَى حُجَّةً وَأَسَدُّ نَظَرًا. فَهُوَ عَلَى الْحَقِيقَةِ قِيَاسٌ سُمِّيَ اسْتِحْسَانًا أَيْ قِيَاسًا مُسْتَحْسَنًا لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا. وَذَلِكَ كَالْحُكْمِ عَلَى سُؤْرِ سِبَاعِ الطَّيْرِ، فَالْقِيَاسُ نَجَاسَةُ سُؤْرِهَا قِيَاسًا عَلَى نَجَاسَةِ سُؤْرِ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ كَالأَْسَدِ وَالنَّمِرِ؛ لأَِنَّ السُّؤْرَ مُعْتَبَرٌ بِاللَّحْمِ، وَلَحْمُهَا نَجِسٌ.وَالاِسْتِحْسَانُ طَهَارَةُ سُؤْرِهَا قِيَاسًا عَلَى طَهَارَةِ سُؤْرِ الآْدَمِيِّ، فَإِنَّ مَا يَتَّصِل بِالْمَاءِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا طَاهِرٌ. وَإِنَّمَا رَجَحَ الْقِيَاسُ الثَّانِي لِضَعْفِ الْمُؤَثِّرِ فِي الْحُكْمِ فِي الْقِيَاسِ الأَْوَّل، وَهُوَ مُخَالَطَةُ اللُّعَابِ النَّجِسِ لِلْمَاءِ فِي سُؤْرِ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ، فَإِنَّهُ مُنْتَفٍ فِي سِبَاعِ الطَّيْرِ إِذْ تَشْرَبُ بِمِنْقَارِهَا، وَهُوَ عَظْمٌ طَاهِرٌ جَافٌّ لاَ لُعَابَ فِيهِ، فَانْتَفَتْ عِلَّةُ النَّجَاسَةِ فَكَانَ سُؤْرُهَا طَاهِرًا كَسُؤْرِ الآْدَمِيِّ، لَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ؛ لأَِنَّهَا لاَ تَحْتَرِزُ عَنِ الْمَيْتَةِ فَكَانَتْ كَالدَّجَاجَةِ الْمِخْلاَةِ (1) .
وَلِبَيَانِ أَقْسَامِ الاِسْتِحْسَانِ الأُْخْرَى مِنْ حَيْثُ قُوَّتُهُ وَتَرْجِيحُهُ عَلَى الْقِيَاسِ وَبَقِيَّةُ مَبَاحِثِهِ يُنْظَرُ الْمُلْحَقُ الأُْصُولِيُّ.
__________
(1) تاج العروس (حسن) .
(2) إفاضة الأنوار بحاشية نسمات الأسحار ص 155 ط الأولى، وطلبة الطلبة ص 89 ط الأولى. ورد المحتار 5 / 213 ط الأولى.
(3) إرشاد الفحول ص 240 ط مصطفى الحلبي، والبحر المحيط للزركشي مخطوطة باريس، الورقة: (334 / ب) ، والمستصفى 1 / 274 ط بولاق، وشرح العضد لمختصر ابن الحاج 2 / 288 ط الأولى
الموسوعة الفقهية الكويتية: 218/ 3