أَوْلَوِيَّةٌ
من الموسوعة الكويتية
التَّعْرِيفُ
1 - الأَْوْلَوِيَّةُ لُغَةً: مَصْدَرٌ صِنَاعِيٌّ لِلأَْوَّل، أَيْ كَوْنُ الشَّيْءِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ. وَيُقَال: هُوَ أَوْلَى بِكَذَا: أَيْ أَحْرَى بِهِ وَأَجْدَرُ وَأَقْرَبُ وَأَحَقُّ، مُشْتَقٌّ مِنَ الْوَلِيِّ: وَهُوَ الْقُرْبُ. (1) وَقَدِ اسْتَعْمَل الأُْصُولِيُّونَ وَالْفُقَهَاءُ الأَْوْلَى بِمَعْنَى: الأَْحْرَى وَالأَْفْضَل، إِلاَّ أَنَّ أَفْعَل التَّفْضِيل هُنَا عَلَى غَيْرِ بَابِهِ، بِدَلِيل أَنَّ مُقَابِل الأَْوْلَى - وَهُوَ الْمُسَمَّى عِنْدَهُمْ بِخِلاَفِ الأَْوْلَى - لاَ فَضْل فِيهِ، بَل فِيهِ نَوْعُ كَرَاهَةٍ خَفِيفَةٍ.
كَمَا اسْتَعْمَل الْفُقَهَاءُ الأَْوْلَى أَيْضًا بِمَعْنَى الأَْحَقِّ، عَلَى غَيْرِ بَابِ أَفْعَل التَّفْضِيل أَيْضًا، بِمَعْنَى أَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لِلشَّيْءِ دُونَ غَيْرِهِ. (2)
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
أَوَّلاً:
2 - يُعَبِّرُ الأُْصُولِيُّونَ وَالْفُقَهَاءُ أَحْيَانًا عَنِ النَّدْبِ الْخَفِيفِ بِالأَْوْلَى، وَقَدْ يَقُولُونَ: إِنَّ الأَْمْرَ عَلَى سَبِيل الأَْوْلَوِيَّةِ. (3)
ثَانِيًا:
3 - الأَْمْرُ بِالشَّيْءِ يُفِيدُ النَّهْيَ عَنْ ضِدِّهِ فِي الْجُمْلَةِ، فَالأَْمْرُ بِفِعْل الْمَنْدُوبَاتِ يُسْتَفَادُ مِنْهُ النَّهْيُ عَنْ تَرْكِهَا، لَكِنْ لَمَّا كَانَ تَرْكُ الْمَنْدُوبِ لاَ يَسْتَوْجِبُ إِثْمًا، عَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ التَّرْكِ بِأَنَّهُ خِلاَفُ الأَْوْلَى.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ مَنِ ارْتَكَبَ خِلاَفَ الأَْوْلَى فَقَدْ أَسَاءَ. وَالإِْسَاءَةُ عِنْدَهُمْ دُونَ الْكَرَاهَةِ، أَوْ أَفْحَشُ، أَوْ أَنَّهَا وَسَطٌ بَيْنَ كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ وَالتَّحْرِيمِ. (4)
ثَالِثًا: الدَّلاَلَةُ وَالْفَحْوَى:
4 - مِنْ أَنْوَاعِ الدَّلاَلَةِ اللَّفْظِيَّةِ " الدَّلاَلَةُ وَالْفَحْوَى " وَهِيَ: ثُبُوتُ حُكْمِ الْمَنْطُوقِ لِلْمَسْكُوتِ لِفَهْمِ مَنَاطِ الْحُكْمِ بِاللُّغَةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلاَ تَقُل لَهُمَا أُفٍّ} (5)
وَيُفْهَمُ مِنْهُ تَحْرِيمُ الضَّرْبِ؛ لأَِجْل أَنَّ مَنَاطَ النَّهْيِ عَنْهُ هُوَ الإِْيذَاءُ، وَهَذَا مَفْهُومٌ لُغَةً، مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى نَظَرٍ وَاسْتِدْلاَلٍ، فَكَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ، وَمِنْ جُزْئِيَّاتِهِ الضَّرْبُ فَيَكُونُ مَنْهِيًّا عَنْهُ أَيْضًا، وَلاَ يَجِبُ فِي الدَّلاَلَةِ أَوْلَوِيَّةُ الْمَسْكُوتِ فِي تَحَقُّقِ الْمَنَاطِ فِيهِ.
وَقِيل: إِنَّهُ تَنْبِيهٌ بِالأَْدْنَى عَلَى الأَْعْلَى فَتُشْتَرَطُ الأَْوْلَوِيَّةُ عَلَى هَذَا، وَيَخْرُجُ مَا فِيهِ مُسَاوَاةٌ، وَيُسَمَّى الأَْوَّل عِنْدَئِذٍ فَحْوَى الْخِطَابِ، كَمَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ (الْمَفْهُومُ الأَْوَّل) وَيُسَمَّى الثَّانِي (لَحْنُ الْخِطَابِ) . وَالْمَشْهُورُ أَنَّ فَحْوَى الْخِطَابِ وَلَحْنَ الْخِطَابِ مُتَرَادِفَانِ. (6)
رَابِعًا: قِيَاسُ الأَْوْلَى:
5 - مِنْ أَنْوَاعِ الْقِيَاسِ: الْقِيَاسُ الْجَلِيُّ، وَهُوَ: مَا قُطِعَ فِيهِ بِنَفْيِ الْفَارِقِ، أَوْ كَانَ تَأْثِيرُ الْفَارِقِ فِيهِ احْتِمَالاً ضَعِيفًا. فَالأَْوَّل كَقِيَاسِ الأَْمَةِ عَلَى الْعَبْدِ فِي تَقْوِيمِ حِصَّةِ الشَّرِيكِ عَلَى شَرِيكِهِ الْمُعْتَقِ الْمُوسِرِ وَعِتْقُهَا عَلَيْهِ. وَمِثَال مَا كَانَ فِيهِ تَأْثِيرُ الْفَارِقِ احْتِمَالاً ضَعِيفًا: قِيَاسُ الْعَمْيَاءِ عَلَى الْعَوْرَاءِ فِي الْمَنْعِ مِنَ التَّضْحِيَةِ، حَيْثُ إِنَّ الْعَمْيَاءَ تُرْشَدُ لِلْمَرْعَى الْحَسَنِ، بِخِلاَفِ الْعَوْرَاءِ، فَإِنَّهَا تُوكَل إِلَى بَصَرِهَا - وَهُوَ نَاقِصٌ - فَلاَ تَسْمَنُ، فَيَكُونُ الْعَوَرُ مَظِنَّةَ الْهُزَال. وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمَنْظُورَ إِلَيْهِ فِي عَدَمِ الإِْجْزَاءِ نَقْصُ الْجَمَال بِسَبَبِ نَقْصِ تَمَامِ الْخِلْقَةِ، لاَ نَقْصِ السِّمَنِ.
وَقِيل: الْجَلِيُّ: الْقِيَاسُ الأَْوَّل، كَقِيَاسِ الضَّرْبِ عَلَى التَّأْفِيفِ فِي التَّحْرِيمِ، وَعَلَى التَّعْرِيفِ الأَْوَّل يَصْدُقُ بِالأَْوْلَى كَالْمُسَاوِي. (7)
وَهُنَاكَ خِلاَفٌ فِي كَوْنِ قِيَاسِ الأَْوَّل مِنَ الْقِيَاسِ الأُْصُولِيِّ أَوِ اللُّغَوِيِّ، يُنْظَرُ فِي مَحَلِّهِ. (8) وَتَمَامُ الْكَلاَمِ عَلَى مَا سَبَقَ مَحَلُّهُ الْمُلْحَقُ الأُْصُولِيُّ. خَامِسًا:
6 - مِنَ الأَْلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَى الأَْوْلَوِيَّةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَحْيَانًا كَلِمَةُ (لاَ بَأْسَ) ، لَكِنِ الْغَالِبُ اسْتِعْمَالُهَا فِيمَا تَرْكُهُ أَوْلَى، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ تُسْتَعْمَل فِي الْمَنْدُوبِ أَحْيَانًا، فَإِنْ قَالُوا: لاَ بَأْسَ بِكَذَا دَل عَلَى أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ غَيْرُهُ غَالِبًا. (1)
مِنْ مَوَاطِنِ الْبَحْثِ:
7 - يَذْكُرُ الأُْصُولِيُّونَ مَبَاحِثَ الأَْوْلَوِيَّةِ وَالأَْوْلَى فِي مَبَاحِثِ الْحُكْمِ وَأَنْوَاعِهِ، وَفِي مَبَاحِثِ الدَّلاَلَةِ وَأَنْوَاعِ الْقِيَاسِ كَمَا تَقَدَّمَ. كَمَا يَذْكُرُهَا الْفُقَهَاءُ بِمُنَاسَبَةِ الْكَلاَمِ عَلَى صِيغَةِ " لاَ بَأْسَ " وَفِي مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ بِحَسَبِ الْمُنَاسَبَاتِ كَالأَْوْلَى بِالإِْمَامَةِ وَبِالصَّلاَةِ عَلَى الْمَيِّتِ وَالدَّفْنِ وَالذَّبْحِ فِي الْحَجِّ وَبِالْحَضَانَةِ وَتَرْبِيَةِ اللَّقِيطِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
__________
(1) التاج والمصباح ومفردات الراغب ونهاية ابن الأثير مادة: " ولي "، والبحر المحيط لأبي حيان 8 / 71.
(2) ابن عابدين 1 / 374 ط الأولى، والقليوبي 3 / 129، وشرح جمع الجوامع 1 / 81 ط مصطفى الحلبي، وفواتح الرحموت 1 / 409.
(3) شرح جمع الجوامع 1 / 81، وابن عابدين 1 / 374.
(4) ابن عابدين 1 / 375 و 381، والهداية 1 / 55، 187 ط الحلبي.
(5) سورة الإسراء / 23.
(6) فواتح الرحموت 1 / 409، وشرح جمع الجوامع 1 / 240، 241.
(7) شرح جمع الجوامع 2 / 340.
(8) شرح جمع الجوامع 1 / 241.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 194/ 7