القريب
كلمة (قريب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فاعل) من القرب، وهو خلاف...
التَّعْرِيفُ:
1 - التَّفْسِيقُ: مَصْدَرُ فَسَّقَ، يُقَال: فَسَّقَهُ إِذَا نَسَبَهُ إِلَى الْفِسْقِ، وَالْفِسْقُ - فِي الأَْصْل - الْخُرُوجُ، وَغَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْخُرُوجِ عَنِ الاِسْتِقَامَةِ وَالطَّاعَةِ، يُقَال: فَسَقَتِ الرُّطَبَةُ، أَيْ: خَرَجَتْ عَنْ قِشْرَتِهَا.
وَالْفِسْقُ هُوَ الْفُجُورُ وَالْخُرُوجُ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ وَالتَّرْكُ لأَِمْرِ اللَّهِ، وَالْعِصْيَانُ، وَفِي التَّنْزِيل {إِنَّهُ لَفِسْقٌ} أَيْ خُرُوجٌ عَنِ الْحَقِّ. (1)
وَقَال الْعَسْكَرِيُّ: الْفِسْقُ الْخُرُوجُ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ بِكَبِيرَةٍ، وَالْفُجُورُ الاِنْبِعَاثُ فِي الْمَعَاصِي وَالتَّوَسُّعُ فِيهَا. (2)
وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ لِهَذَا اللَّفْظِ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ. الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - التَّعْدِيل:
2 - مِنْ مَعَانِي التَّعْدِيل النِّسْبَةُ إِلَى الْعَدَالَةِ، يُقَال عَدَّلْتُ الشَّاهِدَ إِذَا نَسَبْتُهُ إِلَى الْعَدَالَةِ وَوَصَفْتُهُ بِهَا. وَالْعَدَالَةُ لُغَةً الاِسْتِقَامَةُ، وَفِي الشَّرِيعَةِ: عِبَارَةٌ عَنِ الاِسْتِقَامَةِ عَلَى طَرِيقِ الْحَقِّ بِاجْتِنَابِ مَا هُوَ مَحْظُورٌ فِي الدِّينِ فَالتَّعْدِيل ضِدُّ التَّفْسِيقِ. (3)
ب - التَّكْفِيرُ:
3 - مِنْ مَعَانِي التَّكْفِيرِ النِّسْبَةُ إِلَى الْكُفْرِ، وَالْكُفْرُ لُغَةً: التَّغْطِيَةُ وَالسَّتْرُ، يُقَال: فُلاَنٌ كَفَرَ النِّعْمَةَ إِذَا سَتَرَهَا وَلَمْ يَشْكُرْهَا، وَشَرْعًا هُوَ: تَكْذِيبُ النَّبِيِّ ﷺ فِي أَمْرٍ مِنَ الأُْمُورِ الْمَعْلُومَةِ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ (ر: كُفْرٌ)
وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّفْسِيقِ وَالتَّكْفِيرِ أَنَّ التَّفْسِيقَ أَعَمُّ مِنَ التَّكْفِيرِ بِهَذَا الْمَعْنَى. (4)
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
تَفْسِيقُ الْمَجْلُودِ فِي حَدِّ الْقَذْفِ:
4 - يُفَسَّقُ الْمَجْلُودُ فِي حَدِّ الْقَذْفِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (5) فَقَدْ تَعَلَّقَ بِالْقَذْفِ - إِذَا لَمْ يَأْتِ الْقَاذِفُ بِبَيِّنَةٍ - ثَلاَثَةُ أَحْكَامٍ: الْحَدُّ، وَرَدُّ الشَّهَادَةِ، وَالتَّفْسِيقُ، تَغْلِيظًا لِشَأْنِ الْقَذْفِ، وَقُوَّةً فِي الرَّدْعِ عَنْهُ. (6)
وَفِي قَبُول شَهَادَةِ الْفَاسِقِ بَعْدَ التَّوْبَةِ، وَشُرُوطِ تَوْبَتِهِ، تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحَاتِ (تَوْبَةٌ، شَهَادَةٌ، فِسْقٌ، وَقَذْفٌ) .
تَفْسِيقُ مُرْتَكِبِ الْكَبَائِرِ:
5 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي تَفْسِيقِ مُرْتَكِبِ الْكَبَائِرِ كَالزَّانِي، وَاللاَّئِطِ، وَالْقَاتِل، وَنَحْوِهِمْ، لأَِنَّ تَفْسِيقَ الْقَاذِفِ وَرَدَّ شَهَادَتِهِ ثَبَتَ بِنَصِّ الْقُرْآنِ فَيُقَاسُ عَلَيْهِ كُل مُرْتَكِبِ كَبِيرَةٍ. (7)
أَمَّا الصَّغَائِرُ فَلاَ يُفَسَّقُ بِهَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِْثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ} . (8) أَمَّا تَفْسِيرُ الْكَبِيرَةِ فَفِيهِ خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي (كَبَائِرُ، عَدَالَةٌ، فِسْقٌ، وَمَعْصِيَةٌ) .
تَفْسِيقُ أَهْل الْبِدَعِ:
6 - الْبِدَعُ إِمَّا عَمَلِيَّةٌ أَوِ اعْتِقَادِيَّةٌ، فَأَمَّا الْبِدَعُ الْعَمَلِيَّةُ، فَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَشُرَيْكٌ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو ثَوْرٍ تَفْسِيقَ أَهْلِهَا، وَعَدَمَ قَبُول شَهَادَتِهِمْ لأَِنَّ الاِبْتِدَاعَ فِسْقٌ مِنْ حَيْثُ الاِعْتِقَادُ، وَهُوَ شَرٌّ مِنَ الْفِسْقِ مِنْ حَيْثُ التَّعَاطِي، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ أَهْل الْبِدَعِ مُتَعَمِّدِينَ لِلْبِدْعَةِ أَوْ مُتَأَوِّلِينَ، لأَِنَّهُمْ لاَ يُعْذَرُونَ بِالتَّأَوُّل. (9)
أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فَيَقُولُونَ بِقَبُول شَهَادَةِ أَهْل الْبِدَعِ إِلاَّ الْخَطَّابِيَّةُ (10) فَإِنَّهُمْ لاَ تُقْبَل شَهَادَتُهُمْ، لأَِنَّهُمْ يَرَوْنَ إِبَاحَةَ الْكَذِبِ عَلَى خُصُومِهِمْ لِتَأْيِيدِ مَذْهَبِهِمْ.
أَمَّا الْبِدَعُ الاِعْتِقَادِيَّةُ غَيْرُ الْمُكَفِّرَةِ، فَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى تَفْسِيقِ أَهْلِهَا. إِلاَّ أَنَّهُمْ لاَ يَعْتَبِرُونَ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الْفِسْقِ مَانِعًا مِنْ قَبُول الشَّهَادَةِ، لأَِنَّ أَهْل الْبِدَعِ مَا أَوْقَعَهُمْ فِي الْبِدْعَةِ وَالْهَوَى إِلاَّ التَّعَمُّقُ وَالْغُلُوُّ فِي الدِّينِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُعَظِّمُ الذَّنْبَ حَتَّى يَجْعَلَهُ كُفْرًا، فَيَكُونُ مُمْتَنِعًا عَنِ الْكَذِبِ، فَصَارَ هَذَا كَمَنْ يَشْرَبُ الْمُثَلَّثَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، أَوْ يَأْكُل مَتْرُوكَ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا مِنَ الشَّافِعِيَّةِ مُعْتَقِدًا إِبَاحَتَهُ، فَإِنَّهُ لاَ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ كَذَا هَذَا، بِخِلاَفِ الْفِسْقِ مِنْ حَيْثُ التَّعَاطِي وَالأَْفْعَال حَيْثُ تُرَدُّ الشَّهَادَةُ بِهِ. (11)
أَمَّا الْبِدَعُ الْمُكَفِّرَةُ فَتُرَدُّ شَهَادَةُ أَهْلِهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَتَفْصِيل ذَلِكَ يُنْظَرُ فِي (أَهْل الأَْهْوَاءِ، بِدْعَةٌ، شَهَادَةٌ، عَدَالَةٌ، وَفِسْقٌ) .
تَفْسِيقُ مَنْ لَيْسَ فَاسِقًا:
7 - مَنْ فَسَّقَ مُسْلِمًا بِأَنْ قَذَفَهُ بِ (يَا فَاسِقُ) . وَهُوَ لَيْسَ بِفَاسِقٍ عُزِّرَ، وَهَذَا مَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ بَيْنَ أَهْل الْعِلْمِ.
أَمَّا لَوْ قَال لِفَاسِقٍ: يَا فَاسِقُ فَلاَ يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ. (12) التَّفَاصِيل فِي (سَبٌّ، وَفِسْقٌ) . مَوَاطِنُ الْبَحْثِ:
يَتَنَاوَل الْفُقَهَاءُ أَحْكَامَ التَّفْسِيقِ بِالتَّفْصِيل فِي أَبْوَابِ الشَّهَادَاتِ، وَحَدِّ الْقَذْفِ، وَالرِّدَّةِ، فَتُنْظَرُ فِيهَا، وَفِي مُصْطَلَحَاتِهَا الْخَاصَّةِ، وَكَذَلِكَ فِي مَبَاحِثِ (الإِْمَامَةِ: كُبْرَى أَوْ صُغْرَى) .
__________
(1) لسان العرب، والمصباح المنير، والقاموس المحيط مادة: " فسق "، والكليات لأبي البقاء3 / 349، 348، وحاشية الدسوقي 4 / 165.
(2) الفروق للعسكري ص 225.
(3) المصباح المنير مادة: " عدل "، والقاموس المحيط مادة: " فسق ". والتعريفات الفقهية للبركتي ص 374، والكليات لأبي البقاء3 / 253.
(4) المصباح المنير مادة " كفر "، وتهذيب الأسماء واللغات 4 / 116، والكليات لأبي البقاء 3 / 349، 4 / 112، والتعريفات الفقهية للبركتي ص 445.
(5) سورة النور / 4.
(6) إعلام الموقعين 1 / 122، ط دار الجيل، وأحكام القرآن للهراس4 / 271 ط دار الكتب الحديثة، والمغني لابن قدامة 9 / 197 ط الرياض، وأحكام القرآن لابن العربي 3 / 1324 ط عيسى الحلبي، والمنتقى 5 / 207 نشر دار الكتاب العربي، وأحكام القرآن للجصاص 3 / 271 نشر دار الكتاب العربي، وروضة الطالبين 11 / 299.
(7) روضة الطالبين11 / 225، والبناية شرح الهداية 7 / 176ط دار الفكر، ومطالب أولي النهى 6 / 612، وكشاف القناع6 / 419، 420، والمغني 9 / 165، والشرح الصغير 4 / 240.
(8) سورة النجم / 32.
(9) الشرح الصغير 4 / 240، وتبصرة الحكام لابن فرحون 2 / 25 ط دار الكتب العلمية، ومطالب أولي النهى 6 / 615 نشر المكتب الإسلامي، والمغني 9 / 165، 166، والبناية 7 / 181.
(10) الخطابية قوم من غلاة الروافض ينتسبون إلى أبي الخطاب محمد بن وهب الأجدع، يستجيزون أن يشهدوا للمدعي إذا حلف عندهم أنه محق، ويقولون: المسلم لا يحلف كاذبا. وقيل: إنهم يعتقدون أن من ادعى منهم شيئا على غيره يجب أن يشهد له بقية شيعته، فتمكنت التهمة في شهادتهم والزيلعي 4 / 223، وأسنى المطالب 4 / 353) .
(11) البناية7 / 181، 183، وابن عابدين 4 / 376، وأسنى المطالب 4 / 353، والمغني 9 / 181.
(12) الاختيار لتعليل المختار 4 / 96، والفتاوى الهندية 2 / 168، والمغني8 / 220 ط الرياض.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 99/ 13