الحق
كلمة (الحَقِّ) في اللغة تعني: الشيءَ الموجود حقيقةً.و(الحَقُّ)...
التَّعْرِيفُ:
1 - الْجِنَايَةُ فِي اللُّغَةِ الذَّنْبُ وَالْجُرْمُ. وَقَال الْحَصْكَفِيُّ: الْجِنَايَةُ شَرْعًا: اسْمٌ لِفِعْلٍ مُحَرَّمٍ حَل بِمَالٍ أَوْ نَفْسٍ، إِلاَّ أَنَّ الْفُقَهَاءَ خَصُّوا لَفْظَ الْجِنَايَةِ بِمَا حَل بِنَفْسٍ أَوْ أَطْرَافٍ، وَالْغَصْبَ وَالسَّرِقَةَ بِمَا حَل بِمَالٍ (1) .
وَالْجِنَايَةُ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ كُل فِعْلٍ مُحَرَّمٍ وَقَعَ عَلَى الأَْطْرَافِ أَوِ الأَْعْضَاءِ، سَوَاءٌ أَكَانَ بِالْقَطْعِ، أَمْ بِالْجَرْحِ، أَمْ بِإِزَالَةِ الْمَنَافِعِ.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
كُل جِنَايَةٍ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ عَمْدًا عُدْوَانًا مُحَرَّمَةٌ شَرْعًا.
الْحُكْمُ الْوَضْعِيُّ:
2 - يَخْتَلِفُ حُكْمُ الْجِنَايَةِ بِاخْتِلاَفِ كَوْنِهَا عَمْدًا أَوْ خَطَأً، فَإِذَا كَانَتْ عَمْدًا فَمُوجِبُهَا الْقِصَاصُ إِذَا تَوَفَّرَتْ فِيهَا شُرُوطٌ مُعَيَّنَةٌ يَأْتِي ذِكْرُهَا، وَالدَّلِيل عَلَى ذَلِكَ الْكِتَابُ، وَالسُّنَّةُ، وَالإِْجْمَاعُ، وَالْمَعْقُول.
أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَْنْفَ بِالأَْنْفِ وَالأُْذُنَ بِالأُْذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ (2) } ، وقَوْله تَعَالَى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْل مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ (3) } .
وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَمَا رَوَى أَنَسٌ ﵁ قَال: كَسَرَتِ الرُّبَيِّعُ، وَهِيَ عَمَّةُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ مِنَ الأَْنْصَارِ، فَطَلَبَ الْقَوْمُ الْقِصَاصَ، فَأَتَوْا النَّبِيَّ ﷺ فَأَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ بِالْقِصَاصِ، فَقَال أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ عَمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: لاَ: وَاللَّهِ لاَ تُكْسَرُ سِنُّهَا يَا رَسُول اللَّهِ، فَقَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: يَا أَنَسُ، كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ، فَرَضِيَ الْقَوْمُ وَقَبِلُوا الأَْرْشَ فَقَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأََبَرَّهُ (4) . وَأَمَّا الإِْجْمَاعُ: فَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَرَيَانِ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ إِذَا أَمْكَنَ.
وَأَمَّا الْمَعْقُول: فَلأَِنَّ مَا دُونَ النَّفْسِ كَالنَّفْسِ فِي الْحَاجَةِ إِلَى حِفْظِهِ؛ لأَِنَّهُ خُلِقَ وِقَايَةً لِلنَّفْسِ فَشُرِعَ الْجَزَاءُ صَوْنًا لَهُ.
وَإِذَا كَانَتِ الْجِنَايَةُ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ خَطَأً أَوْ عَمْدًا غَيْرَ مُسْتَجْمِعٍ لِسَائِرِ الشُّرُوطِ الْمُوجِبَةِ لِلْقِصَاصِ فَمُوجِبُهَا الدِّيَةُ، أَوِ الأَْرْشُ، أَوْ حُكُومَةُ عَدْلٍ، عَلَى حَسَبِ الأَْحْوَال (5) .
فَالْجِنَايَةُ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ قِسْمَانِ: الْجِنَايَةُ الْمُوجِبَةُ لِلْقِصَاصِ، وَالْجِنَايَةُ الْمُوجِبَةُ لِلدِّيَةِ وَغَيْرِهَا.
الْقِسْمُ الأَْوَّل: الْجِنَايَةُ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ الْمُوجِبَةُ لِلْقِصَاصِ:
3 - تَكُونُ الْجِنَايَةُ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ مُوجِبَةً لِلْقِصَاصِ إِذَا تَحَقَّقَتْ فِيهَا الشُّرُوطُ الآْتِيَةُ:
(5) أَنْ يَكُونَ الْفِعْل عَمْدًا:
4 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْعَمْدَ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ. وَاخْتَلَفُوا فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ:
فَذَهَبَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى مِنْ فُقَهَاءِ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ شِبْهُ عَمْدٍ، فَمَا كَانَ شِبْهَ عَمْدٍ فِي النَّفْسِ فَهُوَ عَمْدٌ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ؛ لأَِنَّ مَا دُونَ النَّفْسِ لاَ يُقْصَدُ إِتْلاَفُهُ بِآلَةٍ دُونَ آلَةٍ عَادَةً فَاسْتَوَتِ الآْلاَتُ كُلُّهَا فِي الدَّلاَلَةِ عَلَى الْقَصْدِ، فَكَانَ الْفِعْل عَمْدًا مَحْضًا.
وَيَشْتَرِطُ الْمَالِكِيَّةُ لِلْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ أَنْ يَكُونَ الْجُرْحُ نَاتِجًا عَنْ قَصْدِ الضَّرْبِ عَدَاوَةً، فَالْجُرْحُ النَّاتِجُ عَنِ اللَّعِبِ، أَوِ الأَْدَبِ لاَ قِصَاصَ فِيهِ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ كَمَا يُعْتَبَرُ فِي الْقَتْل أَنْ يَكُونَ عَمْدًا مَحْضًا، يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي الطَّرَفِ أَيْضًا، فَلاَ يَجِبُ الْقِصَاصُ بِالْجِرَاحَاتِ وَإِبَانَةِ الأَْطْرَافِ إِذَا كَانَتْ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ، وَمِنْ صُوَرِ شِبْهِ الْعَمْدِ أَنْ يَضْرِبَ رَأْسَهُ بِلَطْمَةٍ أَوْ حَجَرٍ لاَ يَشُجُّ غَالِبًا لِصِغَرِهِ، فَيَتَوَرَّمُ الْمَوْضِعُ وَيَتَّضِحُ الْعَظْمُ (7) .
وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ شِبْهَ الْعَمْدِ لاَ يُوجِبُ الْقِصَاصَ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ، وَهُوَ أَنْ يَقْصِدَ ضَرْبَهُ بِمَا لاَ يُفْضِي إِلَى ذَلِكَ غَالِبًا، مِثْل أَنْ يَضْرِبَهُ بِحَصَاةٍ لاَ تُوضِحُ مِثْلُهَا، فَلاَ يَجِبُ الْقِصَاصُ؛ لأَِنَّهُ شِبْهُ عَمْدٍ (8) . (9) أَنْ يَكُونَ الْفِعْل عُدْوَانًا:
5 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْعُدْوَانَ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ كَمَا هُوَ شَرْطٌ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى النَّفْسِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْجَانِي مُتَعَدِّيًا فِي فِعْلِهِ، فَلاَ يُقْتَصُّ مِنْهُ. كَأَنْ يَكُونَ الْجَانِي:
أ - غَيْرَ أَهْلٍ لِلْعُقُوبَةِ؛ لأَِنَّ الأَْهْلِيَّةَ هِيَ مَنَاطُ التَّكْلِيفِ، وَيُعْتَبَرُ الشَّخْصُ كَامِل الأَْهْلِيَّةِ بِالْعَقْل وَالْبُلُوغِ.
ب - إِذَا كَانَ ارْتِكَابُ الْفِعْل الضَّارِّ بِحَقٍّ أَوْ شُبْهَةٍ.
فَلاَ يُقْتَصُّ مِمَّنْ أَقَامَ الْحَدَّ، أَوْ نَفَّذَ التَّعْزِيرَ، سَوَاءٌ أَكَانَ قَتْلاً أَمْ قَطْعًا، وَلاَ مِنَ الطَّبِيبِ بِشُرُوطِهِ؛ لأَِنَّ الْغَرَضَ مِنْ فِعْل الطَّبِيبِ هُوَ شِفَاءُ الْمَرِيضِ لاَ الاِعْتِدَاءُ عَلَيْهِ، وَلاَ مِمَّنْ وَجَبَ عَلَيْهِ دَفْعُ الصَّائِل بِشُرُوطِهِ. وَلاَ مِمَّنِ ارْتَكَبَ الْجِنَايَةَ بِأَمْرٍ مِنَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، فَمَنْ قَال لآِخَرَ: اقْطَعْ يَدَيَّ وَلاَ شَيْءَ عَلَيْكَ، فَقَطَعَ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ مَعَ الإِْثْمِ عَلَيْهِمَا (10) .
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ إِنْ لَمْ يَسْتَمِرَّ الْمَقْطُوعُ عَلَى إِبْرَاءِ الْقَاطِعِ، بِأَنْ رَجَعَ عَنْهُ بَعْدَ الْقَطْعِ، أَمَّا إِنِ اسْتَمَرَّ عَلَى الإِْبْرَاءِ فَلَيْسَ عَلَى الْقَاطِعِ إِلاَّ الأَْدَبُ، وَقِيل: عَلَيْهِ الأَْدَبُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ اسْتِمْرَارِ الْمَقْطُوعِ عَلَى الإِْبْرَاءِ وَالرُّجُوعِ عَنْهُ (11) .
(12) كَوْنُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مُكَافِئًا لِلْجَانِي فِي الصِّفَاتِ الآْتِيَةِ عَلَى الْخِلاَفِ وَالتَّفْصِيل الآْتِيَيْنِ:
أ - التَّكَافُؤُ فِي النَّوْعِ (الذُّكُورَةُ وَالأُْنُوثَةُ) :
6 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ التَّكَافُؤُ بَيْنَ الْجَانِي وَالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فِي النَّوْعِ، فَيَجْرِي الْقِصَاصُ بَيْنَ الذُّكُورِ وَالإِْنَاثِ بِنَفْسِ أَحْكَامِ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ (13) .
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ وَالْمُعْتَمَدِ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُكَافِئَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ الْجَانِيَ فِي النَّوْعِ؛ لأَِنَّهُ يُشْتَرَطُ لِلتَّكَافُؤِ أَنْ يَكُونَ أَرْشُ كُلٍّ مِنَ الْجَانِي وَالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مُسَاوِيًا لِلآْخَرِ، فَيَجْرِي الْقِصَاصُ عِنْدَهُمْ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ إِذَا كَانَا ذَكَرَيْنِ أَوْ أُنْثَيَيْنِ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا ذَكَرًا وَالآْخَرُ أُنْثَى، فَلاَ قِصَاصَ؛ لأَِنَّ الْمُمَاثَلَةَ فِي الأُْرُوشُ شَرْطُ وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ. وَفِي الْوَاقِعَاتِ: لَوْ قَطَعَتِ الْمَرْأَةُ يَدَ رَجُلٍ كَانَ لَهُ الْقَوَدُ، إِذَا رَضِيَ بِالْقَوَدِ عَنِ الأَْرْشِ.
وَنَصَّ مُحَمَّدٌ عَلَى جَرَيَانِ الْقِصَاصِ بَيْنَ الرَّجُل وَالْمَرْأَةِ فِي الشِّجَاجِ الَّتِي يَجْرِي فِيهَا الْقِصَاصُ؛ لأَِنَّهُ لَيْسَ فِي الشِّجَاجِ تَفْوِيتُ مَنْفَعَةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ إِلْحَاقُ شَيْنٍ وَقَدِ اسْتَوَيَا فِيهِ، وَفِي الطَّرَفِ تَفْوِيتُ الْمَنْفَعَةِ، وَقَدِ اخْتَلَفَا فِيهِ (14) .
ب - التَّكَافُؤُ فِي الدِّينِ:
7 - اخْتَلَفَتْ آرَاءُ الْفُقَهَاءِ فِي اشْتِرَاطِ التَّكَافُؤِ فِي الدِّينِ:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَجْرِي الْقِصَاصُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ لِتَسَاوِيهِمَا فِي الأَْرْشِ، وَكَذَا بَيْنَ الْمُسْلِمَةِ وَالْكِتَابِيَّةِ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنَ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لاَ يُقْتَصُّ مِنَ الْكَافِرِ لِلْمُسْلِمِ؛ لأَِنَّ جِنَايَةَ النَّاقِصِ عَلَى الْكَامِل كَجِنَايَةِ ذِي يَدٍ شَلاَّءَ عَلَى صَحِيحَةٍ فِي الْجِرَاحِ، وَيَلْزَمُهُ لِلْكَامِل مَا فِيهِ مِنَ الدِّيَةِ، وَإِلاَّ فَحُكُومَةُ عَدْلٍ إِنْ بَرِئَ عَلَى شَيْنٍ، وَإِلاَّ فَلَيْسَ عَلَى الْجَانِي إِلاَّ الأَْدَبُ.
وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ فِي قِصَاصِ الطَّرَفِ التَّسَاوِي فِي الْبَدَل، فَيُقْطَعُ الذِّمِّيُّ بِالْمُسْلِمِ، وَلاَ عَكْسَ فِيهِ. وَكَذَلِكَ قَال الْحَنَابِلَةُ: مَنْ لاَ يُقْتَل بِقَتْلِهِ، لاَ يُقْتَصُّ مِنْهُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ لَهُ أَيْضًا كَالْمُسْلِمِ مَعَ الْكَافِرِ؛ لأَِنَّهُ لاَ تُؤْخَذُ نَفْسُهُ بِنَفْسِهِ، فَلاَ يُؤْخَذُ طَرَفُهُ بِطَرَفِهِ، وَلاَ يُجْرَحُ بِجُرْحِهِ كَالْمُسْلِمِ مَعَ الْمُسْتَأْمَنِ (15) . ج - التَّكَافُؤُ فِي الْعَدَدِ:
8 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ الْجَمَاعَةَ إِذَا اشْتَرَكُوا فِي جُرْحٍ مُوجِبٍ لِلْقِصَاصِ وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى جَمِيعِهِمْ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ شَاهِدَيْنِ شَهِدَا عِنْدَ عَلِيٍّ ﵁ عَلَى رَجُلٍ بِالسَّرِقَةِ فَقَطَعَ يَدَهُ، ثُمَّ جَاءَا بِآخَرَ، فَقَالاَ: هَذَا هُوَ السَّارِقُ وَأَخْطَأْنَا فِي الأَْوَّل فَرَدَّ شَهَادَتَهُمَا عَلَى الثَّانِي وَغَرَّمَهُمَا دِيَةَ الأَْوَّل وَقَال: لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكُمَا تَعَمَّدْتُمَا لَقَطَعْتُكُمَا. فَأَخْبَرَ أَنَّ الْقِصَاصَ عَلَى كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَوْ تَعَمَّدَ؛ وَلأَِنَّهُ أَحَدُ نَوْعَيِ الْقِصَاصِ، فَتُؤْخَذُ الْجَمَاعَةُ بِالْوَاحِدِ كَالأَْنْفُسِ.
هَذَا إِذَا لَمْ يَتَمَيَّزْ فِعْل كُل وَاحِدٍ، أَمَّا لَوْ تَمَيَّزَ: بِأَنْ قَطَعَ هَذَا مِنْ جَانِبٍ، وَهَذَا مِنْ جَانِبٍ حَتَّى الْتَقَتِ الْحَدِيدَتَانِ، أَوْ قَطَعَ أَحَدُهُمَا بَعْضَ الْيَدِ، وَأَبَانَهَا الآْخَرُ، فَلاَ قِصَاصَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ. وَيَلْزَمُ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكُومَةُ عَدْلٍ تَلِيقُ بِجِنَايَتِهِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَبْلُغَ مَجْمُوعُ الْحُكُومَتَيْنِ دِيَةَ الْيَدِ.
وَالأَْظْهَرُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ يُقْتَصُّ مِنَ الْكُل إِذَا كَانُوا ثَلاَثَةً: قَلَعَ أَحَدُهُمْ عَيْنَهُ، وَالآْخَرُ قَطَعَ يَدَهُ، وَالثَّالِثُ رِجْلَهُ وَلَمْ يُعْلَمْ مَنِ الَّذِي فَقَأَ الْعَيْنَوَقَطَعَ الرِّجْل أَوِ الْيَدَ، وَلاَ تَمَالُؤَ بَيْنَهُمُ، اقْتُصَّ مِنْ كُلٍّ بِفَقْءِ عَيْنِهِ، وَقَطْعِ يَدِهِ وَرِجْلِهِ، وَأَمَّا إِنْ تَمَيَّزَتْ جِنَايَةُ كُل وَاحِدٍ وَلاَ تَمَالُؤَ بَيْنَهُمْ، فَيُقْتَصُّ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمْ كَفِعْلِهِ بِالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (16) .
وَأَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي وَجْهٍ فَلاَ تُقْطَعُ الأَْيْدِي بِالْيَدِ، وَتَجِبُ الدِّيَةُ، كَالاِثْنَيْنِ إِذَا قَطَعَا يَدَ رَجُلٍ، أَوْ رِجْلَهُ، أَوْ أَذْهَبَا سَمْعَهُ أَوْ بَصَرَهُ، أَوْ قَلَعَا سِنًّا لَهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْجِنَايَاتِ الَّتِي عَلَى الْوَاحِدِ مِنْهُمَا فِيهَا الْقِصَاصُ لَوِ انْفَرَدَ بِهَا، فَلاَ قِصَاصَ عَلَيْهِمَا، بَل عَلَيْهِمَا الأَْرْشُ نِصْفَيْنِ، وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنِ اثْنَيْنِ فَعَلَيْهِمُ الأَْرْشُ عَلَى عَدَدِهِمْ بِالسَّوَاءِ، وَهَذَا؛ لأَِنَّ الْمُمَاثَلَةَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ مُعْتَبَرَةٌ، وَلاَ مُمَاثَلَةَ بَيْنَ الأَْيْدِي وَيَدٍ وَاحِدَةٍ لاَ فِي الذَّاتِ وَلاَ فِي الْمَنْفَعَةِ وَلاَ فِي الْفِعْل. وَبِهِ قَال الْحَسَنُ وَالزُّهْرِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ (17) .
(18) الْمُمَاثَلَةُ فِي الْمَحَل:
9 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ تَوَافُرُ التَّمَاثُل بَيْنَ مَحَل الْجِنَايَةِ، وَمَحَل الْقِصَاصِ، فَلاَ يُؤْخَذُ شَيْءٌ مِنَ الأَْصْل إِلاَّ بِمِثْلِهِ، فَلاَ تُؤْخَذُ الْيَدُ إِلاَّ بِالْيَدِ؛ لأَِنَّ غَيْرَ الْيَدِ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهَا، فَلَمْ يَكُنْ مِثْلاً لَهَا، إِذْ التَّجَانُسُ شَرْطٌ لِلْمُمَاثِلَةِ، وَكَذَا الرِّجْل، وَالإِْصْبَعُ، وَالْعَيْنُ، وَالأَْنْفُ وَنَحْوُهَا. وَكَذَا لاَ تُؤْخَذُ الأَْصَابِعُ إِلاَّ بِمِثْلِهَا، فَلاَ تُؤْخَذُ الإِْبْهَامُ إِلاَّ بِالإِْبْهَامِ، وَلاَ السَّبَّابَةُ إِلاَّ بِالسَّبَّابَةِ، وَهَكَذَا فِي الْبَاقِي؛ لأَِنَّ مَنَافِعَ الأَْصَابِعِ مُخْتَلِفَةٌ، فَكَانَتْ كَالأَْجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ.
وَكَذَلِكَ لاَ تُؤْخَذُ الْيَمِينُ بِالْيَسَارِ فِي كُل مَا انْقَسَمَ إِلَى يَمِينٍ وَيَسَارٍ، كَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ، وَالأُْذُنَيْنِ وَالْمَنْخِرَيْنِ وَغَيْرِهَا. وَكَذَلِكَ فِي الأَْسْنَانِ لاَ تُؤْخَذُ الثَّنِيَّةُ إِلاَّ بِالثَّنِيَّةِ لاِخْتِلاَفِ مَنَافِعِهَا، فَإِنَّ بَعْضَهَا قَوَاطِعُ، وَبَعْضَهَا ضَوَاحِكُ، وَاخْتِلاَفُ الْمَنْفَعَةِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ يُلْحِقُهُمَا بِجِنْسَيْنِ، وَلاَ مُمَاثَلَةَ عِنْدَ اخْتِلاَفِ الْجِنْسِ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الأَْعْلَى وَالأَْسْفَل مِنَ الأَْسْنَانِ لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَ الأَْعْلَى وَالأَْسْفَل، وَهُوَ الْحُكْمُ فِي كُل مَا انْقَسَمَ إِلَى أَعْلَى وَأَسْفَل (19) .
(20) الْمُمَاثَلَةُ فِي الْمَنْفَعَةِ:
10 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ أَنْ تَتَمَاثَل مَنَافِعُهَا عِنْدَ الْجَانِي وَعِنْدَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَإِذَا اتَّحَدَ الْجِنْسُ فِي الأَْطْرَافِ كَالْيَدِ وَالرِّجْل لَمْ يُؤَثِّرِ التَّفَاوُتُ فِي الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ، وَالطُّول وَالْقِصَرِ، وَالْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ، وَالضَّخَامَةِ وَالنَّحَافَةِ؛ لأَِنَّ الاِخْتِلاَفَ فِي الْحَجْمِ لاَ يُؤَثِّرُ فِي مَنَافِعِهَا. وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي بَعْضِ الأَْعْضَاءِ عَلَى تَفْصِيلٍ يَأْتِي عِنْدَ الْكَلاَمِ عَنْ أَنْوَاعِ الْجِنَايَةِ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ مِنَ الأَْعْضَاءِ وَالأَْطْرَافِ (21) .
إِمْكَانُ الاِسْتِيفَاءِ مِنْ غَيْرِ حَيْفٍ:
11 - يَتَحَقَّقُ هَذَا بِأَنْ يَكُونَ الْقَطْعُ مِنْ مَفْصِلٍ، فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ مَفْصِلٍ فَلاَ قِصَاصَ فِيهِ مِنْ مَوْضِعِ الْقَطْعِ بِغَيْرِ خِلاَفٍ، وَقَدْ رَوَى نَمِرُ بْنُ جَابِرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلاً ضَرَبَ عَلَى سَاعِدِهِ بِالسَّيْفِ فَقَطَعَهَا مِنْ غَيْرِ مَفْصِلٍ، فَاسْتَعْدَى عَلَيْهِ النَّبِيَّ ﷺ فَأَمَرَ لَهُ بِالدِّيَةِ، قَال: إِنِّي أُرِيدُ الْقِصَاصَ، قَال: خُذِ الدِّيَةَ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهَا (22) ، وَلَمْ يَقْضِ لَهُ بِالْقِصَاصِ (23) . وَهَذَا مَا لَمْ يَرْضَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِالْقَطْعِ مِنْ مَفْصِلٍ أَدْنَى مِنْ مَحَل الْجِنَايَةِ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْعَظْمِ. .
أَنْوَاعُ الْجِنَايَةِ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ:
(إِذَا كَانَتْ عَمْدًا) :
12 - الْجِنَايَةُ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ إِمَّا أَنْ تَكُونَ بِالْقَطْعِ وَالإِْبَانَةِ، أَوْ بِالْجُرْحِ الَّذِي يَشُقُّ، أَوْ بِإِزَالَةِ مَنْفَعَةٍ بِلاَ شَقٍّ وَلاَ إِبَانَةَ.
النَّوْعُ الأَْوَّل - أَنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ بِالْقَطْعِ وَالإِْبَانَةِ:
13 - يَجِبُ الْقِصَاصُ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الأَْعْضَاءِ وَالأَْطْرَافِ إِذَا أَدَّتْ إِلَى قَطْعِ الْعُضْوِ أَوِ الطَّرَفِ بِشُرُوطٍ مُعَيَّنَةٍ، وَفِيمَا يَلِي تَفْصِيل الْكَلاَمِ عَلَى كُلٍّ:
1 - الْجِنَايَةُ عَلَى الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ:
14 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ تُؤْخَذُ الْيَدُ بِالْيَدِ، وَالرِّجْل بِالرِّجْل، وَلاَ يُؤَثِّرُ التَّفَاوُتُ فِي الْحَجْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأَْوْصَافِ، فَتُؤْخَذُ الْيَدُ الصَّغِيرَةُ بِالْكَبِيرَةِ، وَالْقَوِيَّةُ بِالضَّعِيفَةِ، وَيَدُ الصَّانِعِ بِيَدِ الأَْخْرَقِ. وَلَكِنْ يُؤَثِّرُ الْكَمَال وَالصِّحَّةُ عَلَى الْوَجْهِ التَّالِي:
أ - الْكَمَال:
15 - اخْتَلَفَتْ آرَاءُ الْفُقَهَاءِ فِي قَطْعِ كَامِلَةِ الأَْصَابِعِ مِنْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ بِنَاقِصَةِ الأَْصَابِعِ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لاَتُؤْخَذُ كَامِلَةُ الأَْصَابِعِ بِنَاقِصَةِ الأَْصَابِعِ، لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ وَعَدَمِ الْمُسَاوَاةِ، فَلَوْ قَطَعَ مَنْ لَهُ خَمْسُ أَصَابِعَ، يَدَ مَنْ لَهُ أَقَل مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَجُزِ الْقِصَاصُ؛ لأَِنَّهَا فَوْقَ حَقِّهِ، وَلاَ ذَاتُ أَظْفَارٍ بِمَا لاَ أَظْفَارَ لَهَا؛ لِزِيَادَتِهَا عَلَى حَقِّهِ، وَلاَ بِنَاقِصَةِ الأَْظْفَارِ، سَوَاءٌ رَضِيَ الْجَانِي بِذَلِكَ أَمْ لاَ؛ لأَِنَّ الدِّمَاءَ لاَ تُسْتَبَاحُ بِالإِْبَاحَةِ. وَإِنْ كَانَتْ أَظْفَارُ الْمَقْطُوعَةِ مِنْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ خَضْرَاءَ أَوْ رَدِيئَةٍ أُخِذَتْ بِهَا السَّلِيمَةُ؛ لأَِنَّ ذَلِكَ عِلَّةٌ وَمَرَضٌ، وَالْمَرَضُ لاَ يَمْنَعُ الْقِصَاصَ.
ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ وَجْهٌ لَدَى الْحَنَابِلَةِ أَنَّ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَنْ يَقْطَعَ مِنْ أَصَابِعِ الْجَانِي بِعَدَدِ أَصَابِعِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ الْمَقْطُوعَةِ، أَوْ يَأْخُذَ دِيَتَهَا.
وَأَمَّا إِنْ كَانَ النُّقْصَانُ فِي طَرَفِ الْجَانِي، فَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ اقْتَصَّ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ أَرْشَ الصَّحِيحِ؛ لأَِنَّ حَقَّهُ فِي الْمِثْل هُوَ السَّلِيمُ، وَلاَ يُمْكِنُهُ اسْتِيفَاءُ حَقِّهِ مِنْ كُل وَجْهٍ مَعَ فَوَاتِ السَّلاَمَةِ، وَأَمْكَنَهُ مِنْ وَجْهٍ، وَلاَ سَبِيل إِلَى إِلْزَامِ الاِسْتِيفَاءِ حَتْمًا؛ لِمَا فِيهِ مِنْ إِلْزَامِ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ نَاقِصًا، وَهَذَا لاَ يَجُوزُ فَيُخَيَّرُ: إِنْ شَاءَ رَضِيَ بِقَدْرِ حَقِّهِ وَاسْتَوْفَاهُ نَاقِصًا، وَإِنْ شَاءَ عَدَل إِلَى بَدَل حَقِّهِ وَهُوَ كَمَال الأَْرْشِ، وَلَيْسَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَهُ، وَيُضَمِّنَهُ النُّقْصَانَ، خِلاَفًا لِلشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي وَجْهٍ.
وَفَرَّقَ الْمَالِكِيَّةُ بَيْنَ النُّقْصَانِ إِذَا كَانَ أُصْبُعًا،أَوْ أَكْثَرَ مِنْ أُصْبُعٍ فَقَالُوا: إِنْ نَقَصَتْ يَدُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوْ رِجْلُهُ أُصْبُعًا، فَالْقَوَدُ عَلَى الْجَانِي الْكَامِل الأَْصَابِعِ وَلاَ غَرَامَةَ عَلَيْهِ، حَتَّى وَلَوْ كَانَ الأُْصْبُعُ النَّاقِصُ إِبْهَامًا. وَإِنْ كَانَ النَّاقِصُ أَكْثَرَ مِنْ أُصْبُعٍ بِأَنْ نَقَصَتِ الْيَدُ أُصْبُعَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فَلاَ يُقْتَصُّ مِنَ الْكَامِلَةِ.
وَكَذَلِكَ تُقْطَعُ يَدُ أَوْ رِجْل الْجَانِي النَّاقِصَةُ أُصْبُعًا بِالْكَامِلَةِ بِلاَ غُرْمٍ عَلَيْهِ لأَِرْشِ الأُْصْبُعِ، إِذْ هُوَ نَقْصٌ لاَ يَمْنَعُ الْمُمَاثَلَةَ. وَلاَ خِيَارَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ.
وَيُخَيَّرُ إِنْ نَقَصَتْ يَدُ الْجَانِي أَوْ رِجْلُهُ أَكْثَر مِنْ أُصْبُعٍ فِي الْقِصَاصِ، وَأَخْذِ الدِّيَةِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتَصَّ وَيَأْخُذَ أَرْشَ النَّاقِصِ.
وَأَمَّا النَّاقِصَةُ بِالنَّاقِصَةِ، فَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ وَهُوَ مُقْتَضَى قَوَاعِدِ الْمَذَاهِبِ الأُْخْرَى، بِأَنَّهُ تُؤْخَذُ إِذَا تَسَاوَتَا فِيهِ، بِأَنْ يَكُونَ الْمَقْطُوعُ مِنْ يَدِ الْجَانِي كَالْمَقْطُوعِ مِنْ يَدِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ؛ لأَِنَّهُمَا تَسَاوَتَا فِي الذَّاتِ وَالصِّفَةِ، فَأَمَّا إِنِ اخْتَلَفَا فِي النَّقْصِ، بِأَنْ يَكُونَ الْمَقْطُوعُ مِنْ يَدِ أَحَدِهِمَا الإِْبْهَامَ، وَمِنَ الأُْخْرَى أُصْبُعَ غَيْرِهَا لَمْ يَجُزِ الْقِصَاصُ؛ لِعَدَمِ الْمُسَاوَاةِ (24) .
ب - الصِّحَّةُ:
16 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ تُقْطَعُ يَدٌ أَوْ رِجْلٌ صَحِيحَةٌ بِشَلاَّءَ وَإِنْ رَضِيَ الْجَانِي؛ لأَِنَّ الشَّلاَّءَ لاَ نَفْعَ فِيهَا سِوَى الْجَمَال، فَلاَ يُؤْخَذُ بِهَا مَا فِيهِ نَفْعٌ، وَالْوَاجِبُ فِي الطَّرَفِ الأَْشَل حُكُومَةُ عَدْلٍ.
وَاخْتَلَفُوا فِي قَطْعِ الشَّلاَّءِ بِالصَّحِيحَةِ، وَقَطْعِ الشَّلاَّءِ بِالشَّلاَّءِ عَلَى أَقْوَالٍ: فَفِي قَطْعِ الشَّلاَّءِ بِالصَّحِيحَةِ: يَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ أَخَذَهَا، فَذَلِكَ لَهُ، وَلاَ شَيْءَ لَهُ غَيْرُهَا، وَإِنْ شَاءَ عَفَا، وَأَخَذَ دِيَةَ يَدِهِ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي وَجْهٍ لاَ تُقْطَعُ يَدُ الْجَانِي إِذَا كَانَتْ شَلاَّءَ بِالْيَدِ الصَّحِيحَةِ؛ لأَِنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ بِالْقِصَاصِ فِيهَا. وَعَلَيْهِ الْعَقْل أَيِ الدِّيَةُ.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَهُوَ الْوَجْهُ الصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهَا تُقْطَعُ إِنْ قَال أَهْل الْخِبْرَةِ وَالْبَصَرِ، بِأَنَّهُ يَنْقَطِعُ الدَّمُ، وَلاَ تُقْطَعُ إِنْ قَالُوا: لاَ يَنْسَدُّ فَمُ الْعُرُوقِ بِالْحَسْمِ، وَلاَ يَنْقَطِعُ الدَّمُ، وَتَجِبُ دِيَةُ يَدِهِ.
وَفِي قَطْعِ الشَّلاَّءِ بِالشَّلاَّءِ: ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ فِي وَجْهٍ إِلَى أَنَّهُ لاَ تُقْطَعُ، لأَِنَّ الشَّلَل عِلَّةٌ، وَالْعِلَل يَخْتَلِفُ تَأْثِيرُهَا فِي الْبَدَنِ.
وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ وَهُوَ الصَّحِيحُ لَدَى الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُمَا إِنِ اسْتَوَيَا فِي الشَّلَل، أَوْ كَانَ شَلَل يَدِ الْقَاطِعِ أَكْثَرَ قُطِعَتْ بِهَا بِشَرْطِ أَنْ لاَ يُخَافَ نَزْفُالدَّمِ. وَإِنْ كَانَ الشَّلَل فِي يَدِ الْمَقْطُوعِ أَكْثَرَ لَمْ يُقْطَعْ بِهَا (25) .
وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ لاَ قِصَاصَ بَيْنَ الأَْشَلَّيْنِ، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الْمَقْطُوعَةُ يَدُهُ أَقَل شَلَلاً أَمْ أَكْثَرَهُمَا، أَمْ هُمَا سَوَاءٌ؛ لأَِنَّ بَعْضَ الشَّلَل فِي يَدَيْهِمَا يُوجِبُ اخْتِلاَفَ أَرْشَيْهِمَا، وَذَلِكَ يُعْرَفُ بِالْحَزْرِ وَالظَّنِّ، فَلاَ تُعْرَفُ الْمُمَاثَلَةُ.
وَقَال زُفَرُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: إِنْ كَانَا سَوَاءً فَفِيهِمَا الْقِصَاصُ، وَإِنْ كَانَتْ يَدُ الْمَقْطُوعَةِ يَدُهُ أَقَل شَلَلاً كَانَ بِالْخِيَارِ، وَإِنْ شَاءَ قَطَعَ يَدَ الْقَاطِعِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ أَرْشَ يَدِهِ شَلاَّءَ، وَإِنْ كَانَتْ يَدُ الْمَقْطُوعَةِ يَدُهُ أَكْثَرَ شَلَلاً، فَلاَ قِصَاصَ وَلَهُ أَرْشُ يَدِهِ (26) .
2 - الْجِنَايَةُ عَلَى الْعَيْنِ:
17 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى الْعَيْنِ بِالْقَلْعِ مُوجِبَةٌ لِلْقِصَاصِ؛ لِلآْيَةِ الْكَرِيمَةِ {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ. . .} ؛ وَلأَِنَّهَا تَنْتَهِي إِلَى مَفْصِلٍ فَجَرَى الْقِصَاصُ فِيهَا كَالْيَدِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَسْرُوقٌ، الْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، كَمَا رُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَلِيٍّ ﵁.
وَتُؤْخَذُ عَيْنُ الشَّابِّ بِعَيْنِ الشَّيْخِ، وَعَيْنُ الصَّغِيرِ، بِعَيْنِ الْكَبِيرِ؛ لأَِنَّ التَّفَاوُتَ فِي الصِّفَةِ لاَ يَمْنَعُ الْقِصَاصَ، لَكِنْ إِنْ كَانَ الْجَانِي قَدْ قَلَعَ عَيْنَهُ بِأُصْبُعِهِ لاَ يَجُوزُ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَنْ يَقْتَصَّ بِإِصْبَعِهِ؛ لأَِنَّهُ لاَ يُمْكِنُ الْمُمَاثَلَةُ فِيهِ (27) .
وَأَمَّا أَخْذُ الْعَيْنِ السَّلِيمَةِ بِالْمَرِيضَةِ، فَقَدْ ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ تُؤْخَذُ الْعَيْنُ السَّلِيمَةُ بِالضَّعِيفَةِ الإِْبْصَارِ (28) .
وَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ - فِي الأَْرْجَحِ - إِلَى أَنَّهُ لَوْ فَقَأَ شَخْصٌ عَيْنًا حَوْلاَءَ، وَكَانَ الْحَوَل لاَ يَضُرُّ بِبَصَرِهِ يُقْتَصُّ مِنْهُ، وَإِلاَّ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لاَ قِصَاصَ فِي الْعَيْنِ الْحَوْلاَءِ مُطْلَقًا. وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَوْ جَنَى عَلَى عَيْنٍ فِيهَا بَيَاضٌ يُبْصِرُ بِهَا، وَعَيْنُ الْجَانِي كَذَلِكَ فَلاَ قِصَاصَ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ فَقَأَ عَيْنَ رَجُلٍ، وَفِي عَيْنِ الْفَاقِئِ بَيَاضٌ يُنْقِصُهَا، فَلِلرَّجُل أَنْ يَفْقَأَ الْبَيْضَاءَ، أَوْ أَنْ يَأْخُذَ أَرْشَ عَيْنِهِ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لاَ تُؤْخَذُ الْعَيْنُ السَّلِيمَةُ بِالْحَدَقَةِ الْعَمْيَاءِ (29) . جِنَايَةُ الأَْعْوَرِ عَلَى صَحِيحِ الْعَيْنَيْنِ وَعَكْسُهَا:
18 - إِذَا قَلَعَ الأَْعْوَرُ الْعَيْنَ الْيُمْنَى لِصَحِيحِ الْعَيْنَيْنِ، وَيُسْرَى الْفَاقِئِ ذَاهِبَةٌ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ، وَيُتْرَكُ أَعْمَى، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَسْرُوقٌ وَالشَّعْبِيُّ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَابْنُ مُغَفَّلٍ، وَالثَّوْرِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ.
وَفَصَّل الْمَالِكِيَّةُ فَقَالُوا: إِنْ فَقَأَ أَعْوَرُ مِنْ سَالِمٍ مُمَاثَلَتَهُ فَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِالْخِيَارِ: إِنْ شَاءَ اقْتَصَّ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ دِيَةً كَامِلَةً، وَإِنْ فَقَأَ غَيْرَ مُمَاثَلَتِهِ فَنِصْفُ دِيَةٍ فَقَطْ فِي مَال الْجَانِي، وَلَيْسَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ؛ لاِنْعِدَامِ مَحَلِّهِ، وَإِنْ فَقَأَ الأَْعْوَرُ عَيْنَيِ السَّالِمِ عَمْدًا فَالْقِصَاصُ فِي الْمُمَاثِلَةِ لِعَيْنِهِ، وَنِصْفُ الدِّيَةِ فِي الْعَيْنِ الَّتِي لَيْسَ لَهُ مِثْلُهَا (30) .
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، إِنْ قَلَعَ الأَْعْوَرُ عَيْنَ صَحِيحٍ فَلاَ قَوَدَ، وَعَلَيْهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ؛ لأَِنَّهُ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ ﵄ وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمَا مُخَالِفٌ فِي عَصْرِهِمَا، فَصَارَ إِجْمَاعًا. وَلأَِنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ بِجَمِيعِ بَصَرِهِ، فَلَمْ يَجُزْ لَهُ الاِقْتِصَاصُ مِنْهُ بِجَمِيعِ بَصَرِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ ذَا عَيْنَيْنِ.
وَصَرَّحَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ كَالْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ بِأَنَّهُ إِنْ شَاءَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَخَذَ دِيَةً كَامِلَةً، وَإِنْ شَاءَ اقْتَصَّ، وَأَعْطَاهُ نِصْفَ دِيَةٍ. وَإِنْ قَلَعَ الأَْعْوَرُ عَيْنَيْ صَحِيحٍ فَقَدْ صَرَّحَ الْقَاضِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ بِأَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ اقْتَصَّ وَلاَ شَيْءَ لَهُ سِوَى ذَلِكَ؛ لأَِنَّهُ أَخَذَ جَمِيعَ بَصَرِهِ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ دِيَةً وَاحِدَةً وَهُوَ الصَّحِيحُ (31) ؛ لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ (32) .
وَإِذَا فَقَأَ صَحِيحُ الْعَيْنَيْنِ الْعَيْنَ السَّالِمَةَ مِنْ عَيْنِ أَعْوَرَ:
فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ وَجْهٌ لَدَى الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ الْقَوَدَ بِأَخْذِ نَظِيرَتِهَا مِنْ صَحِيحِ الْعَيْنَيْنِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ، أَوْ أَخْذِ الدِّيَةِ كَامِلَةً؛ لأَِنَّ عَيْنَهُ بِمَنْزِلَةِ عَيْنَيْنِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ إِلَى أَنَّ لَهُ الْقِصَاصَ مِنْ مِثْلِهَا، وَيَأْخُذُ نِصْفَ الدِّيَةِ؛ لأَِنَّهُ ذَهَبَ بِجَمِيعِ بَصَرِهِ، وَأَذْهَبَ الضَّوْءَ الَّذِي بَدَلُهُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، وَقَدْ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ جَمِيعِ الضَّوْءِ، إِذْ لاَ يُمْكِنُ أَخْذُ عَيْنَيْنِ بِعَيْنٍ وَاحِدَةٍ، وَلاَ أَخْذُ يُمْنَى بِيُسْرَى، فَوَجَبَ الرُّجُوعُ بِبَدَل نِصْفِ الضَّوْءِ. قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَيُحْتَمَل أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إِلاَّ الْقِصَاصُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ أَوِ الْعَفْوُ عَلَى الدِّيَةِ كَمَا لَوْ قَطَعَ الأَْشَل يَدًا صَحِيحَةً، وَلِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} .
وَلَوْ قَلَعَ الأَْعْوَرُ عَيْنَ مِثْلِهِ فَفِيهِ الْقِصَاصُ بِغَيْرِ خِلاَفٍ؛ لِتَسَاوِيهِمَا مِنْ كُل وَجْهٍ، إِذَا كَانَتِ الْعَيْنُ مِثْل الْعَيْنِ فِي كَوْنِهَا يَمِينًا أَوْ يَسَارًا، وَإِنْ عَفَا إِلَى الدِّيَةِ فَلَهُ جَمِيعُهَا (33) .
19 - أَمَّا الأَْجْفَانُ، وَالأَْشْفَارُ، فَلاَ قِصَاصَ فِيهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، إِلاَّ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ قَالُوا بِالدِّيَةِ وَالْمَالِكِيَّةَ بِحُكُومَةِ عَدْلٍ (34) .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِيهَا الْقِصَاصُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ (35) } ، وَلأَِنَّهُ يُمْكِنُ الْقِصَاصُ فِيهِ لاِنْتِهَائِهِ إِلَى مَفْصِلٍ، وَيُؤْخَذُ جَفْنُ الْبَصِيرِ بِجَفْنِ الْبَصِيرِ وَالضَّرِيرِ، وَجَفْنُ الضَّرِيرِ بِكُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا لأَِنَّهُمَا تَسَاوَيَا فِي السَّلاَمَةِ مِنَ النَّقْصِ (36) .
3 - الْجِنَايَةُ عَلَى الأَْنْفِ:
20 - الْجِنَايَةُ عَلَى الْمَارِنِ - وَهُوَ مَا لاَنَ مِنَ الأَْنْفِ - مُوجِبٌ لِلْقِصَاصِ عِنْدَ الأَْئِمَّةِ الأَْرْبَعَةِ، لِلآْيَةِ الْكَرِيمَةِ: {وَالأَْنْفَ بِالأَْنْفِ (37) } ، وَلأَِنَّ اسْتِيفَاءَ الْمِثْل فِيهِ مُمْكِنٌ؛ لأَِنَّ لَهُ حَدًّا مَعْلُومًا وَهُوَ مَا لاَنَ مِنْهُ، وَإِنْ قَطَعَ الْمَارِنَ كُلَّهُ مَعَ قَصَبَةِ الأَْنْفِ، فَفِي الْمَارِنِ الْقِصَاصُ، وَفِي الْقَصَبَةِ حُكُومَةُ عَدْلٍ إِذْ لاَ قِصَاصَ فِي الْعَظْمِ وَلَكِنْ فِي الْمَارِنِ قِصَاصٌ (38) .
وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ يُؤْخَذُ الأَْنْفُ الْكَبِيرُ بِالصَّغِيرِ، وَالأَْقْنَى بِالأَْفْطَسِ، وَأَنْفُ صَحِيحِ الشَّمِّ بِالأَْخْشَمِ الَّذِي لاَ يَشُمُّ؛ لأَِنَّ ذَلِكَ لِعِلَّةٍ فِي الدِّمَاغِ، وَالأَْنْفُ صَحِيحٌ. وَكَذَلِكَ يُؤْخَذُ الصَّحِيحُ بِالْمَجْذُومِ مَا لَمْ يَسْقُطْ مِنْهُ شَيْءٌ، لأَِنَّ ذَلِكَ مَرَضٌ، فَإِنْ سَقَطَ مِنْهُ شَيْءٌ، يُقْطَعُ مِنْهُ مَا كَانَ بَقِيَ مِنَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إِنْ أَمْكَنَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَقَال الْحَنَابِلَةُ: الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِالْخِيَارِ: إِنْ شَاءَ قَطَعَ مِثْل مَا بَقِيَ مِنْهُ، أَوْ أَخَذَ أَرْشَ ذَلِكَ.
وَفَصَّل الْبَغَوِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ فَقَال: يُؤْخَذُ الأَْنْفُ السَّلِيمُ بِالْمَجْذُومِ إِنْ كَانَ فِي حَال الاِحْمِرَارِ، وَإِنِ اسْوَدَّ فَلاَ قِصَاصَ؛ لأَِنَّهُ دَخَل فِي حَدِّ الْبِلَى، وَإِنَّمَا تَجِبُ فِيهِ الْحُكُومَةُ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ كَانَ أَنْفُ الْقَاطِعِ أَصْغَرَ، خُيِّرَ الْمَقْطُوعُ أَنْفُهُ الْكَبِيرُ إِنْ شَاءَ قَطَعَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الأَْرْشَ، وَكَذَا إِذَا كَانَ قَاطِعُ الأَْنْفِ أَخْشَمَ، أَوْ أَصْرَمَ الأَْنْفِ، أَوْ بِأَنْفِهِ نُقْصَانٌ مِنْ شَيْءٍ أَصَابَهُ، فَإِنَّ الْمَقْطُوعَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْقَطْعِ وَبَيْنَ أَخْذِ دِيَةِ أَنْفِهِ.
وَيُؤْخَذُ الْمَنْخِرُ الأَْيْمَنُ بِالأَْيْمَنِ، وَالأَْيْسَرُ بِالأَْيْسَرِ، وَلاَ يُؤْخَذُ الْعَكْسُ، وَيُؤْخَذُ الْحَاجِزُ بِالْحَاجِزِ؛ لأَِنَّهُ يُمْكِنُ الْقِصَاصُ فِيهِ لاِنْتِهَائِهِ إِلَى حَدٍّ.
وَفِي قَطْعِ بَعْضِ الْمَارِنِ الْقِصَاصُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَقُدِّرَ ذَلِكَ بِالأَْجْزَاءِ دُونَ الْمِسَاحَةِ، وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: لاَ قِصَاصَ فِيهِ لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ الْمِثْل (39) .
4 - الْجِنَايَةُ عَلَى الأُْذُنِ:
21 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الأُْذُنَ تُؤْخَذُ بِالأُْذُنِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالأُْذُنَ بِالأُْذُنِ (40) } . وَلأَِنَّهَا تَنْتَهِي إِلَى حَدٍّ فَاصِلٍ، فَأَشْبَهَتِ الْيَدَ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ الْكَبِيرَةِ وَالصَّغِيرَةِ.
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ أُذُنِ السَّمِيعِ وَالأَْصَمِّ؛ لِتَسَاوِيهِمَا، فَإِنَّ ذَهَابَ السَّمْعِ نَقْصٌ فِي الرَّأْسِ؛ لأَِنَّهُ مَحَلُّهُ، وَلَيْسَ بِنَقْصٍ فِيهَا، كَمَا نَصَّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى أَخْذِ الأُْذُنِ الشَّلاَّءِ بِغَيْرِهَا، لِبَقَاءِ مَنْفَعَتِهَا بِجَمْعِ الصَّوْتِ.
فَإِنْ قُطِعَ بَعْضُهَا، فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يُقْتَصُّ فِي بَعْضِ الأُْذُنِ، وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ فِيهِ الْقِصَاصَ إِنْ كَانَ لَهُ حَدٌّ يُعْرَفُ وَتُمْكِنُ فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ، وَإِلاَّ سَقَطَ الْقِصَاصُ (41) .
وَتُؤْخَذُ الصَّحِيحَةُ بِالْمَثْقُوبَةِ؛ لأَِنَّ الثُّقْبَ لَيْسَ بِعَيْبٍ، وَإِنَّمَا يُفْعَل فِي الْعَادَةِ لِلْقُرْطِ وَالتَّزَيُّنِ بِهِ، فَإِنْ كَانَ الثُّقْبُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ، أَوْ كَانَتْ أُذُنُ الْقَاطِعِ مَخْرُومَةً، وَالْمَقْطُوعَةُ سَالِمَةً، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ قَطَعَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ نِصْفَ الدِّيَةِ، وَإِنْ كَانَتِ الْمَقْطُوعَةُ نَاقِصَةً كَانَتْ لَهُ حُكُومَةُ عَدْلٍ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ تُؤْخَذُ الْمَخْرُومَةُ بِالصَّحِيحَةِ، وَيُؤْخَذُ مِنَ الدِّيَةِ بِقَدْرِ مَا ذَهَبَ مِنَ الْمَخْرُومَةِ.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: تُؤْخَذُ الْمَخْرُومَةُ بِالصَّحِيحَةِ، وَلاَ تُؤْخَذُ الصَّحِيحَةُ بِهَا؛ لأَِنَّ الثُّقْبَ إِذَا انْخَرَمَ صَارَ نَقْصًا فِيهَا، وَالثُّقْبُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ عَيْبٌ.
أَمَّا الأُْذُنُ الْمُسْتَحْشِفَةُ (الْيَابِسَةُ) فَتُؤْخَذُ بِالصَّحِيحَةِ، وَكَذَلِكَ الصَّحِيحَةُ تُؤْخَذُ بِهَا فِي الأَْظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ؛ لأَِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا جَمْعُ الصَّوْتِ، وَحِفْظُ مَحَل السَّمْعِ وَالْجَمَال، وَهَذَا يَحْصُل بِهَا، كَحُصُولِهِ بِالصَّحِيحَةِ بِخِلاَفِ سَائِرِ الأَْعْضَاءِ. وَمُقَابِل الأَْظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ وَجْهٌ آخَرُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ لاَ تُؤْخَذُ الصَّحِيحَةُ بِالْمُسْتَحْشِفَةِ؛ لأَِنَّهَا نَاقِصَةٌ، فَتَكُونُ كَالْيَدِ الشَّلاَّءِ، وَسَائِرِ الأَْعْضَاءِ (42) .
5 - الْجِنَايَةُ عَلَى اللِّسَانِ:
22 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ وَالْحَنَابِلَةُ - وَهُوَ قَوْل أَبِي يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ - إِلَى أَنَّهُ يُؤْخَذُ اللِّسَانُ بِاللِّسَانِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ (43) } . وَلأَِنَّ لَهُ حَدًّا يَنْتَهِي إِلَيْهِ، فَاقْتُصَّ مِنْهُ كَالْعَيْنِ، وَلاَ يُؤْخَذُ لِسَانُ نَاطِقٍ بِلِسَانِ أَخْرَسَ؛ لأَِنَّهُ أَفْضَل مِنْهُ، وَيَجُوزُ الْعَكْسُ بِرِضَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَلاَ يَجُوزُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ (44) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ - مَا عَدَا أَبَا يُوسُفَ - إِلَى أَنَّهُ لاَ قِصَاصَ فِي اللِّسَانِ، وَلَوْ قُطِعَ مِنْ أَصْلِهِ، وَذَلِكَ لِعُسْرِ اسْتِقْصَاءِ اللِّسَانِ مِنْ أَصْلِهِ (45) . 6 - الْجِنَايَةُ عَلَى الشَّفَةِ:
23 - يَرَى الشَّافِعِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ وَالْحَنَابِلَةُ وُجُوبَ الْقِصَاصِ فِي الشَّفَةِ مُطْلَقًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ (46) } . وَلأَِنَّ لَهَا حَدًّا يَنْتَهِي إِلَيْهِ، يُمْكِنُ الْقِصَاصُ مِنْهُ، فَوَجَبَ كَالْيَدَيْنِ (47) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الشَّفَةِ إِذَا قَطَعَهَا جَمِيعًا؛ لِلْمُسَاوَاةِ، وَإِمْكَانِ اسْتِيفَاءِ الْمِثْل.
7 - الْجِنَايَةُ عَلَى السِّنِّ:
24 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى السِّنِّ إِذَا قُلِعَتْ.
وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى السِّنِّ إِذَا كُسِرَتْ؛ لِقَوْل اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ (48) } ، وَلأَِنَّ الرُّبَيِّعَ كَسَرَتْ سِنَّ جَارِيَةٍ فَأَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ بِالْقِصَاصِ كَمَا تَقَدَّمَ؛ وَلأَِنَّهُ يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْمِثْل فِيهِ، فَإِنْ قَلَعَتْ تُقْلَعُ، وَإِنْ كَسَرَتْ تُبْرَدُ بِقَدْرِهِ تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ، أَمَّا لَوْ كَانَتِ السِّنُّ بِحَالٍ لاَ يُمْكِنُ بَرْدُهَا فَلاَ قِصَاصَ فِيهَا وَتَجِبُ الدِّيَةُ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ ﵄. وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ قِصَاصَ فِي السِّنِّ إِذَا كَسَرَهَا، بِنَاءً عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي كَسْرِ الْعِظَامِ إِلاَّ إِذَا أَمْكَنَ فِيهَا الْقِصَاصُ فَإِنَّهُ يَجِبُ لأَِنَّ السِّنَّ عَظْمٌ مُشَاهَدٌ مِنْ أَكْثَرِ الْجَوَانِبِ وَلأَِهْل الصَّنْعَةِ آلاَتٌ قَطَّاعَةٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهَا فِي الضَّبْطِ فَلَمْ تَكُنْ كَسَائِرِ الْعِظَامِ.
وَلاَ اعْتِبَارَ بِالْكِبَرِ وَالصِّغَرِ، وَالطُّول وَالْقِصَرِ؛ لاِسْتِوَائِهِمَا فِي الْمَنْفَعَةِ، وَتُؤْخَذُ الثَّنِيَّةُ بِالثَّنِيَّةِ، وَالنَّابُ بِالنَّابِ، وَلاَ يُؤْخَذُ الأَْعْلَى بِالأَْسْفَل، وَلاَ الأَْسْفَل بِالأَْعْلَى، وَلاَ تُؤْخَذُ السِّنُّ الصَّحِيحَةُ بِالْمَكْسُورَةِ، وَتُؤْخَذُ الْمَكْسُورَةُ بِالصَّحِيحَةِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي السِّنِّ الزَّائِدَةِ إِذَا كَانَ لِلْجَانِي زَائِدَةٌ مِثْلُهَا.
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا إِلاَّ حُكُومَةُ عَدْلٍ (49) .
8 - الْجِنَايَةُ عَلَى ثَدْيِ الْمَرْأَةِ:
25 - صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ تُقْطَعُ حَلَمَةُ الْمَرْأَةِ بِحَلَمَةِ الْمَرْأَةِ؛ لأَِنَّ لَهَا حَدًّا مَعْلُومًا، فَيُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْمِثْل فِيهَا، وَلاَ قِصَاصَ فِي ثَدْيَيْهَا؛ لأَِنَّهُ لَيْسَ لَهُمَا مَفْصِلٌ مَعْلُومٌ، فَلاَ يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْمِثْل.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَال النَّوَوِيُّ: تُقْطَعُ حَلَمَةُ الْمَرْأَةِ بِحَلَمَةِ الْمَرْأَةِ، وَفِي " التَّتِمَّةِ " وَجْهٌ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَتَدَل الثَّدْيُ، فَلاَ قِصَاصَ؛ لاِتِّصَالِهَا بِلَحْمِ الصَّدْرِ، وَتَعَذُّرِ التَّمْيِيزِ، وَالصَّحِيحُ الأَْوَّل، قَال الْبَغَوِيُّ: وَلاَ قِصَاصَ فِي الثَّدْيِ؛ لأَِنَّهُ لاَ يُمْكِنُ الْمُمَاثَلَةُ، وَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهَا أَنْ تَقْتَصَّ فِي الْحَلَمَةِ، وَتَأْخُذَ حُكُومَةَ الثَّدْيِ، وَلَكَ أَنْ تَقُول. الْمُمَاثَلَةُ مُمْكِنَةٌ، فَإِنَّ الثَّدْيَ هَذَا الشَّاخِصَ، وَهُوَ أَقْرَبُ إِلَى الضَّبْطِ مِنَ الشَّفَتَيْنِ وَالأَْلْيَتَيْنِ وَنَحْوِهِمَا.
وَتُقْطَعُ حَلَمَةُ الرَّجُل بِحَلَمَةِ الرَّجُل إِنْ أَوْجَبْنَا فِيهَا الْحُكُومَةَ أَوِ الدِّيَةَ، وَتُقْطَعُ حَلَمَةُ الرَّجُل بِحَلَمَةِ الْمَرْأَةِ وَبِالْعَكْسِ، إِنْ أَوْجَبْنَا فِي حَلَمَةِ الرَّجُل الدِّيَةَ، فَإِنْ أَوْجَبْنَا الْحُكُومَةَ، لَمْ تُقْطَعْ حَلَمَتُهَا بِحَلَمَتِهِ وَإِنْ رَضِيَتْ، كَمَا لاَ تُقْطَعُ صَحِيحَةٌ بِشَلاَّءَ، وَتُقْطَعُ حَلَمَتُهُ بِحَلَمَتِهَا إِنْ رَضِيَتْ، كَمَا تُقْطَعُ الشَّلاَّءُ بِالصَّحِيحَةِ إِذَا رَضِيَ الْمُسْتَحِقُّ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ فِي قَطْعِ الثَّدْيَيْنِ الدِّيَةَ سَوَاءٌ أَبْطَل اللَّبَنَ، أَوْ فَسَدَ، أَمْ لاَ. وَفِي قَطْعِ حَلَمَتَيِ الثَّدْيَيْنِ الدِّيَةُ إِذَا بَطَل اللَّبَنُ أَوْ فَسَدَ.
وَزَادَ الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ فِي انْقِطَاعِ اللَّبَنِ أَوْ فَسَادِهِبِغَيْرِ قَطْعٍ لِلثَّدْيَيْنِ، أَوْ لِلْحَلَمَتَيْنِ الدِّيَةَ، فَإِنْ عَادَ اللَّبَنُ رُدَّتِ الدِّيَةُ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ فِي ثَدْيَيِ الْمَرْأَةِ الدِّيَةَ وَفِي الْوَاحِدِ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ كَالْجُمْهُورِ، وَأَنَّ فِي قَطْعِ حَلَمَتَيِ الثَّدْيَيْنِ الدِّيَةَ، وَلاَ قِصَاصَ فِيهِمَا (50) .
9 - الْجِنَايَةُ عَلَى الذَّكَرِ:
26 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْقِصَاصَ يَجْرِي فِي الذَّكَرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ (51) } ، وَلأَِنَّ لَهُ حَدًّا يَنْتَهِي إِلَيْهِ، وَيُمْكِنُ الْقِصَاصُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ حَيْفٍ، فَوَجَبَ فِيهِ الْقِصَاصُ كَالأَْنْفِ. وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ ذَكَرُ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَالشَّيْخِ وَالشَّابِّ وَالْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ، وَالْمَرِيضِ وَالصَّحِيحِ؛ لأَِنَّ مَا وَجَبَ فِيهِ الْقِصَاصُ مِنَ الأَْطْرَافِ لَمْ يَخْتَلِفْ بِهَذِهِ الْمَعَانِي، كَذَلِكَ الذَّكَرُ. وَيُؤْخَذُ الْمَخْتُونُ بِالأَْغْلَفِ وَعَكْسُهُ؛ لأَِنَّ الْغُلْفَةَ زِيَادَةٌ تُسْتَحَقُّ إِزَالَتُهَا فَهِيَ كَالْمَعْدُومَةِ. وَيُؤْخَذُ ذَكَرُ الْخَصِيِّ بِذَكَرِ الْخَصِيِّ، وَذَكَرُ الْعِنِّينِ بِمِثْلِهِ؛ لِحُصُول الْمُسَاوَاةِ.
أَمَّا ذَكَرُ فَحْلٍ بِذَكَرِ خَصِيٍّ أَوْ عِنِّينٍ فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَجُمْهُورِ الْحَنَابِلَةِ لاَ يُؤْخَذُ بِهِمَا؛ لأَِنَّهُ لاَ مَنْفَعَةَ فِيهِمَا؛ وَلأَِنَّ الْعِنِّينَ لاَ يَطَأُ، وَلاَ يُنْزِل، وَالْخَصِيَّ لاَ يُولَدُ لَهُ، وَلاَ يُنْزِل، وَلاَ يَكَادُ يَقْدِرُ عَلَى الْوَطْءِ فَهُمَا كَالأَْشَل؛ وَلأَِنَّ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَاقِصٌ، فَلاَ يُؤْخَذُ بِهِ الْكَامِل، كَالْيَدِ النَّاقِصَةِ بِالْكَامِلَةِ.
وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ وَجْهٌ لَدَى الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ يُؤْخَذُ غَيْرُهُمَا بِهِمَا؛ لأَِنَّهُمَا عُضْوَانِ صَحِيحَانِ، يَنْقَبِضَانِ، وَيَنْبَسِطَانِ (52) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ إِلَى أَنَّهُ لاَ قِصَاصَ فِي قَطْعِ ذَكَرٍ وَلَوْ مِنْ أَصْلِهِ؛ لأَِنَّهُ يَنْقَبِضُ وَيَنْبَسِطُ، وَجَزَمَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بِلُزُومِ الْقِصَاصِ فِي الذَّكَرِ إِذَا قُطِعَ مِنْ أَصْلِهِ، وَقَال فِي الْمُحِيطِ: قَال أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ قُطِعَ الذَّكَرُ مِنْ أَصْلِهِ، أَوْ مِنَ الْحَشَفَةِ، اقْتُصَّ مِنْهُ، إِذْ لَهُ حَدٌّ مَعْلُومٌ، وَنَسَبَ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ هَذَا الْقَوْل إِلَى أَبِي يُوسُفَ. وَفِي قَطْعِ كُل الْحَشَفَةِ قِصَاصٌ دُونَ خِلاَفٍ، وَلَوْ قَطَعَ بَعْضَهَا فَلاَ قِصَاصَ فِيهَا (53) .
27 - وَأَمَّا الأُْنْثَيَانِ فَعِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ يَجْرِي الْقِصَاصُ فِيهِمَا، لِلنَّصِّ وَالْمَعْنَى (54) .
فَإِنْ قَطَعَ إِحْدَاهُمَا - وَقَال أَهْل الْخِبْرَةِ إِنَّهُ مُمْكِنٌ أَخْذُهَا مَعَ سَلاَمَةِ الأُْخْرَى - جَازَ، وَتُؤْخَذُ الْيُمْنَى بِالْيُمْنَى، وَالْيُسْرَى بِالْيُسْرَى، وَإِلاَّ لَمْ تُؤْخَذْ، وَيَكُونُ فِيهَا نِصْفُ الدِّيَةِ.
وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَقَدْ صَرَّحَ الْكَاسَانِيُّ بِأَنَّهُ لاَ يَجِبُ فِيهِمَا الْقِصَاصُ؛ لأَِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ مَفْصِلٌ مَعْلُومٌ، فَلاَ يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْمِثْل (55) .
28 - وَفِي شُفْرَيِ الْمَرْأَةِ قِصَاصٌ فِي الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ، وَكَذَلِكَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِنْ بَدَا الْعَظْمُ؛ لأَِنَّ انْتِهَاءَهُمَا مَعْرُوفٌ، فَأَشْبَهَا الشَّفَتَيْنِ، وَجَفْنَيِ الْعَيْنِ. وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ لاَ قِصَاصَ فِيهِمَا؛ لأَِنَّ الشُّفْرَ لَحْمٌ لاَ مَفْصِل لَهُ يَنْتَهِي إِلَيْهِ كَلَحْمِ الْفَخِذَيْنِ (56) .
29 - وَأَمَّا الأَْلْيَتَانِ فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى الأَْصَحِّ عِنْدَهُمْ إِلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِيهِمَا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ (57) } ، وَلأَِنَّ لَهُمَا حَدًّا يَنْتَهِيَانِ إِلَيْهِ، فَجَرَى الْقِصَاصُ فِيهِمَا كَالذَّكَرِ وَالأُْنْثَيَيْنِ.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ قَوْل الْمُزَنِيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ لاَ قِصَاصَ فِيهِمَا؛ لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ الْمِثْل؛ وَلأَِنَّهُمَا لَحْمٌ مُتَّصِلٌ بِلَحْمٍ فَأَشْبَهَ لَحْمَ الْفَخِذِ (58) . وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (دِيَةٌ) .
10 - الْجِنَايَةُ عَلَى اللِّحْيَةِ وَشَعْرِ الرَّأْسِ وَالْحَاجِبِ:
30 - اتَّفَقَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي حَلْقِ هَذِهِ الشُّعُورِ الثَّلاَثَةِ أَوْ نَتْفِهَا، وَإِنْ لَمْ تَنْبُتْ؛ لأَِنَّ إِتْلاَفَهَا إِنَّمَا يَكُونُ بِالْجِنَايَةِ عَلَى مَحَلِّهَا، وَهُوَ غَيْرُ مَعْلُومِ الْمِقْدَارِ، فَلاَ تُمْكِنُ الْمُسَاوَاةُ فِيهَا، فَلاَ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِيهَا. وَلأَِنَّهَا لَيْسَتْ جِرَاحَاتٍ فَلاَ تَدْخُل فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ (59) } . وَذُكِرَ فِي النَّوَادِرِ مِنْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ وُجُوبُ الْقِصَاصِ إِذَا لَمْ تَنْبُتْ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ وُجُوبِ الدِّيَةِ أَوْ حُكُومَةِ عَدْلٍ، وَكَيْفِيَّةِ اسْتِيفَائِهَا (60) .
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (دِيَةٌ) .
11 - الْجِنَايَةُ عَلَى الْعَظْمِ:
31 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ قِصَاصَ فِي كَسْرِ الْعِظَامِ لِمَا رُوِيَ عَنْهُ ﷺ أَنَّهُ قَال: لاَ قِصَاصَ فِي عَظْمٍ (61) ، وَلِعَدَمِ الْوُثُوقِ بِالْمُمَاثَلَةِ؛ لأَِنَّهُ لاَ يُعْلَمُ مَوْضِعُهُ، فَلاَ يُؤْمَنُ فِيهِ التَّعَدِّي.
وَمَنَعَ الْقِصَاصَ فِي الْعِظَامِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعَطَاءٌ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَالْحَكَمُ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ وَالثَّوْرِيُّ، إِلاَّ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ نَصُّوا عَلَى أَنَّ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَنْ يَقْطَعَ أَقْرَبَ مَفْصِلٍ إِلَى مَوْضِعِ الْكَسْرِ، وَيَأْخُذَ حُكُومَةً لِلْبَاقِي.
وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّهُ لاَ قِصَاصَ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَعْظُمُ خَطَرُهُ كَائِنًا مَا كَانَ، كَكَسْرِ عَظْمِ الصَّدْرِ، وَالرَّقَبَةِ، وَالظَّهْرِ، وَالْفَخِذِ، فَلاَ قِصَاصَ فِيهَا، وَفِيهَا حُكُومَةٌ (62) .
النَّوْعُ الثَّانِي:
الْجِرَاحُ:
الْجِنَايَةُ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ قَدْ لاَ تَكُونُ بِالْقَطْعِ وَالإِْبَانَةِ، بَل بِالْجُرْحِ، وَهُوَ نَوْعَانِ: الْجِرَاحُ الْوَاقِعَةُ عَلَى الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ، وَتُسَمَّى الشِّجَاجُ، وَالْجِرَاحُ الْوَاقِعَةُ عَلَى سَائِرِ الْبَدَنِ. أَوَّلاً - الشِّجَاجُ:
32 - الشِّجَاجُ أَقْسَامٌ: أَشْهَرُهَا مَا يَلِي:
1 - الْحَارِصَةُ: وَهِيَ الَّتِي تَشُقُّ الْجِلْدَ قَلِيلاً، نَحْوَ الْخَدْشِ، وَلاَ يَخْرُجُ الدَّمُ، وَتُسَمَّى الْحَرْصَةُ أَيْضًا.
2 - الدَّامِيَةُ: وَهِيَ الَّتِي تُدْمِي مَوْضِعَهَا مِنَ الشَّقِّ وَالْخَدْشِ، وَلاَ يَقْطُرُ مِنْهَا دَمٌ، هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَأَهْل اللُّغَةِ، وَتَأْتِي بَعْدَهَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ الدَّامِعَةُ وَهِيَ مَا يَسِيل مِنْهَا الدَّمُ، أَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَالدَّامِيَةُ مَا تُخْرِجُ الدَّمَ وَتُسِيلُهُ، وَتَأْتِي عِنْدَهُمْ بَعْدَ الدَّامِعَةِ، وَهِيَ: الَّتِي تُظْهِرُ الدَّمَ كَالدَّمْعِ وَلاَ تُسِيلُهُ.
وَالدَّامِيَةُ تُسَمَّى عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ الْبَازِلَةَ؛ لأَِنَّهَا تَبْزُل الْجِلْدَ أَيْ تَشُقُّهُ. وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ: (بَازِلَةٌ) .
3 - الْبَاضِعَةُ: وَهِيَ الَّتِي تُبْضِعُ اللَّحْمَ بَعْدَ الْجِلْدِ، أَيْ تَقْطَعُهُ، وَقِيل: الَّتِي تَقْطَعُ الْجِلْدَ (انْظُرْ مُصْطَلَحَ: بَاضِعَةٌ) .
4 - الْمُتَلاَحِمَةُ: وَهِيَ الَّتِي تَغُوصُ فِي اللَّحْمِ، وَلاَ تَبْلُغُ الْجِلْدَةَ بَيْنَ اللَّحْمِ وَالْعَظْمِ، وَتُسَمَّى اللاَّحِمَةُ أَيْضًا.
5 - السِّمْحَاقَ: وَهِيَ الَّتِي تَبْلُغُ الْجِلْدَةَ الَّتِي بَيْنَ اللَّحْمِ وَالْعَظْمِ، وَقَدْ تُسَمَّى هَذِهِ الشَّجَّةُ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ الْمِلْطَى، وَالْمِلْطَاةَ، وَاللاَّطِئَةَ.
6 - الْمُوضِحَةُ: وَهِيَ الَّتِي تَخْرِقُ السِّمْحَاقَ وَتُوضِحُ الْعَظْمَ.7 - الْهَاشِمَةُ: وَهِيَ الَّتِي تَهْشِمُ الْعَظْمَ أَيْ تَكْسِرُهُ سَوَاءٌ أَوْضَحَتْهُ أَمْ لاَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
8 - الْمُنَقِّلَةُ: بِتَشْدِيدِ الْقَافِ وَفَتْحِهَا، أَوْ كَسْرِهَا، وَهِيَ الَّتِي تَكْسِرُ الْعَظْمَ وَتَنْقُلُهُ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ سَوَاءٌ أَوْضَحَتْهُ وَهَشَّمَتْهُ أَمْ لاَ.
9 - الْمَأْمُومَةُ: وَهِيَ الَّتِي تَبْلُغُ أُمَّ الرَّأْسِ وَهِيَ خَرِيطَةُ الدِّمَاغِ الْمُحِيطَةُ بِهِ، وَيُقَال لَهَا الآْمَّةُ أَيْضًا (انْظُرْ مُصْطَلَحَ آمَّةٌ) .
10 - الدَّامِغَةُ: وَهِيَ الَّتِي تَخْرِقُ الْخَرِيطَةَ، وَتَصِل الدِّمَاغَ.
فَهَذِهِ الأَْقْسَامُ الْعَشَرَةُ هِيَ الْمَشْهُورَةُ، وَذُكِرَ فِيهَا أَلْفَاظٌ أُخْرَى تُؤَوَّل إِلَى هَذِهِ الأَْقْسَامِ.
وَتُتَصَوَّرُ جَمِيعُ هَذِهِ الشِّجَاجِ فِي الْجَبْهَةِ كَمَا تُتَصَوَّرُ فِي الرَّأْسِ، وَكَذَلِكَ تُتَصَوَّرُ مَا عَدَا الْمَأْمُومَةَ وَالدَّامِغَةَ فِي الْخَدِّ، وَفِي قَصَبَةِ الأَْنْفِ، وَاللَّحْيِ الأَْسْفَل.
وَالتَّسْمِيَاتُ السَّابِقُ ذِكْرُهَا تَكَادُ تَكُونُ مَحَل اتِّفَاقٍ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ، وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ خِلاَفٌ يَسِيرٌ فِي تَرْتِيبِهَا، فَمَرَدُّهُ الاِخْتِلاَفُ فِي تَحْدِيدِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (63) . 33 - وَأَمَّا حُكْمُ هَذِهِ الشِّجَاجِ فَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْقِصَاصَ وَاجِبٌ فِي الْمُوضِحَةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ (64) } وَلِتَيْسِيرِ ضَبْطِهَا وَاسْتِيفَاءِ مِثْلِهَا؛ لأَِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُنْهِيَ السِّكِّينَ إِلَى الْعَظْمِ فَتَتَحَقَّقُ الْمُسَاوَاةُ، وَقَدْ قَضَى ﵊ فِي الْمُوضِحَةِ بِالْقِصَاصِ (65) .
وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ فِي الْمُوضِحَةِ مَا لَهُ بَالٌ وَاتِّسَاعٌ، فَيُقْتَصُّ وَإِنْ ضَاقَ كَقَدْرِ مَغْرَزِ إِبْرَةٍ.
وَكَذَلِكَ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ قِصَاصَ فِيمَا فَوْقَ الْمُوضِحَةِ، وَهِيَ الْهَاشِمَةُ، وَالْمُنَقِّلَةُ، وَالآْمَّةُ؛ لأَِنَّهُ لاَ يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْمُسَاوَاةِ فِيمَا بَعْدَهَا؛ لأَِنَّ كَسْرَ الْعَظْمِ وَتَنَقُّلَهُ لاَ يُمْكِنُ الْمُسَاوَاةُ فِيهَا.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَهُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَهُمْ، وَالْمَالِكِيَّةُ - وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ الشَّافِعِيَّةِ فِي الْبَاضِعَةِ وَالْمُتَلاَحِمَةِ وَالسِّمْحَاقِ - إِلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِيمَا قَبْل الْمُوضِحَةِ أَيْضًا.
وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ (66) } وَلأَِنَّهُ يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْمُسَاوَاةِ فِيمَا قَبْلَهَا بِمَعْرِفَةِ قَدْرِ الْجِرَاحَةِ فَيُسْتَوْفَى مِنْهُ مِثْل مَا فَعَل.
وَاسْتَثْنَى الشُّرُنْبُلاَلِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ السِّمْحَاقَ فَلاَ يُقَادُ فِيهَا كَالْهَاشِمَةِ، وَالْمُنَقِّلَةِ.
وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ عَدَمَ وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي الْحَارِصَةِ مُطْلَقًا، وَفِي الْبَاضِعَةِ، وَالْمُتَلاَحِمَةِ، وَالسِّمْحَاقِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَالدَّامِيَةُ كَالْحَارِصَةِ عِنْدَهُمْ، وَقِيل كَالْبَاضِعَةِ.
وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَلاَ قِصَاصَ عِنْدَهُمْ فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ مُطْلَقًا،
وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَارِصَةَ، وَالدَّامِيَةَ، وَالدَّامِغَةَ؛ لأَِنَّ الْحَارِصَةَ وَالدَّامِيَةَ لاَ يَبْقَى لَهُمَا أَثَرٌ فِي الْعَادَةِ، وَالشَّجَّةُ الَّتِي لاَ يَبْقَى لَهَا أَثَرٌ، لاَ حُكْمَ لَهَا فِي الشَّرْعِ. وَالدَّامِغَةُ لاَ يَعِيشُ مَعَهَا عَادَةً، فَلاَ مَعْنَى لِبَيَانِ حُكْمِ الشَّجَّةِ (67) .
ثَانِيًا - الْجِرَاحَاتُ الْوَاقِعَةُ عَلَى سَائِرِ الْبَدَنِ:
34 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ قِصَاصَ فِي الْجَائِفَةِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: لاَ قَوَدَ فِي الْمَأْمُومَةِ، وَلاَ فِي الْجَائِفَةِ، وَلاَ فِي الْمُنَقِّلَةِ (&# x662 ;) . وَلأَِنَّهَا جِرَاحٌ لاَ تُؤْمَنُ الزِّيَادَةُ فِيهَا، فَلَمْ يَجِبْ فِيهَا قِصَاصٌ، كَكَسْرِ الْعِظَامِ.
وَالْجَائِفَةُ هِيَ الَّتِي تَصِل إِلَى الْجَوْفِ، وَالْمَوَاضِعُ الَّتِي تَنْفُذُ فِيهَا الْجِرَاحَةُ إِلَى الْجَوْفِ هِيَ الصَّدْرُ وَالظَّهْرُ، وَالْبَطْنُ، وَالْجَنْبَانِ، وَالدُّبُرُ، وَلاَ تَكُونُ فِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ، وَلاَ فِي الرَّقَبَةِ جَائِفَةٌ؛ لأَِنَّ الْجُرْحَ لاَ يَصِل إِلَى الْجَوْفِ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: أَنَّ مَا وَصَل مِنَ الرَّقَبَةِ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي لَوْ وَصَل إِلَيْهِ مِنَ الشَّرَابِ فِطْرُهُ، تَكُونُ جَائِفَةً؛ لأَِنَّهُ لاَ يُفْطِرُ إِلاَّ إِذَا وَصَل إِلَى الْجَوْفِ (68) .
أَمَّا غَيْرُ الْجَائِفَةِ فَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ مَا لاَ قِصَاصَ فِيهِ إِذَا كَانَ عَلَى الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ، لاَ قِصَاصَ فِيهِ إِذَا كَانَ عَلَى غَيْرِهِمَا، وَأَمَّا الْمُوضِحَةُ الَّتِي تُوضِحُ عَظْمَ الصَّدْرِ فَفِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِيهَا وَجْهَانِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: الأَْصَحُّ أَنَّهُ يَجِبُ، فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْجِرَاحَةِ عَلَى أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَتْ بِشَرْطِ أَنْ تَنْتَهِيَ إِلَى عَظْمٍ وَلاَ تَكْسِرَهُ (69) . وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْجِرَاحَاتِ الَّتِي فِي غَيْرِ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ لاَ قِصَاصَ فِيهَا، بَل فِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ إِذَا أَوْضَحَتِ الْعَظْمَ وَكَسَرَتْهُ، وَإِذَا بَقِيَ لَهَا أَثَرٌ، وَإِلاَّ فَلاَ شَيْءَ فِيهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَلْزَمُهُ قِيمَةُ مَا أَنْفَقَ إِلَى أَنْ يَبْرَأَ (70) .
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يُقْتَصُّ مِنْ جِرَاحِ الْجَسَدِ وَإِنْ كَانَتْ هَاشِمَةً، قَال ابْنُ الْحَاجِبِ: فِي جِرَاحِ الْجَسَدِ مِنَ الْهَاشِمَةِ وَغَيْرِهَا الْقَوَدُ، بِشَرْطِ أَنْ لاَ يَعْظُمَ الْخَطَرُ كَعَظْمِ الصَّدْرِ، وَالْعُنُقِ، وَالصُّلْبِ، وَالْفَخِذِ، وَيَكُونُ الْقِصَاصُ فِي الْجِرَاحِ بِالْمِسَاحَةِ طُولاً، وَعَرْضًا، وَعُمْقًا، إِنِ اتَّحَدَ الْمَحَل (71) .
النَّوْعُ الثَّالِثُ:
إِبْطَال الْمَنَافِعِ بِلاَ شَقٍّ وَلاَ إِبَانَةٍ:
35 - قَدْ يَتَرَتَّبُ عَلَى الاِعْتِدَاءِ بِالضَّرْبِ أَوِ الْجَرْحِ زَوَال مَنْفَعَةِ الْعُضْوِ مَعَ بَقَائِهِ قَائِمًا، كَمَنْ يَلْطِمُ شَخْصًا عَلَى وَجْهِهِ أَوْ يَجْرَحُهُ فِي رَأْسِهِ، فَيَنْشَأُ عَنْ ذَلِكَ ذَهَابُ الْبَصَرِ أَوْ السَّمْعِ، مَعَ بَقَاءِ الْعُضْوِ سَلِيمًا.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي ذَهَابِ مَنْفَعَةِ الْعُضْوِ فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يُقْتَصُّ فِي الْبَصَرِ وَالسَّمْعِ وَالشَّمِّ، وَكَذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْبَصَرِ وَالسَّمْعِ اتِّفَاقًا، وَفِي الْبَطْشِ وَالذَّوْقِ وَالشَّمِّ فِي الأَْصَحِّ عِنْدَهُمْ؛ لأَِنَّ لَهَا مَحَال مَضْبُوطَةً، وَلأَِهْل الْخِبْرَةِ طُرُقٌ فِي إِبْطَالِهَا. وَزَادَ الْمَالِكِيَّةُ غَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْمَعَانِي، فَإِنَّهُ يَجْرِي عِنْدَهُمُ الْقِصَاصُ فِي هَذِهِ الْمَعَانِي وَغَيْرِهَا (72) .
وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَلاَ يَجُوزُ عِنْدَهُمُ الْقِصَاصُ إِلاَّ فِي زَوَال الْبَصَرِ دُونَ سِوَاهُ؛ لأَِنَّ فِي ذَهَابِ الْبَصَرِ قِصَاصًا فِي الشَّرِيعَةِ، أَمَّا إِذَا أَدَّى الاِعْتِدَاءُ إِلَى ذَهَابِ الْعَقْل، أَوِ السَّمْعِ، أَوِ الْكَلاَمِ، أَوِ الشَّمِّ، أَوْ لُزُومِهِ، أَوِ الْجِمَاعِ، أَوْ مَاءِ الصُّلْبِ، أَوْ إِلَى شَلَل الْيَدِ أَوِ الرِّجْل، فَلاَ يَجِبُ الْقِصَاصُ (73) .
الْقِسْمُ الثَّانِي:
الْجِنَايَةُ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ الْمُوجِبَةُ لِلدِّيَةِ أَوْ غَيْرِهَا:
36 - إِذَا كَانَتِ الْجِنَايَةُ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ خَطَأً، أَوْ لَمْ تَتَوَفَّرْ فِيهَا الشُّرُوطُ الْمُوجِبَةُ لِلْقِصَاصِ فَتَجِبُ فِيهَا الدِّيَةُ، أَوْ حُكُومَةُ عَدْلٍ، عَلَى حَسَبِ الأَْحْوَال، وَهِيَ ثَلاَثَةُ أَنْوَاعٍ: لأَِنَّهَا لاَ تَخْلُوا إِمَّا أَنْ تَكُونَ بِالْقَطْعِ وَإِبَانَةِ الأَْطْرَافِ، أَوْ بِالْجُرْحِ، أَوْ بِإِزَالَةِ الْمَنَافِعِ. النَّوْعُ الأَْوَّل: إِبَانَةُ الأَْطْرَافِ:
37 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ كُل عُضْوٍ لَمْ يَخْلُقِ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَدَنِ الإِْنْسَانِ مِنْهُ إِلاَّ وَاحِدًا كَاللِّسَانِ وَالأَْنْفِ، وَالذَّكَرِ، وَالصُّلْبِ، وَغَيْرِهَا، فَفِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، وَالأَْصْل فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنْ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: فِي النَّفْسِ الدِّيَةُ، وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ، وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ، وَفِي الأَْنْفِ الدِّيَةُ، وَفِي الْمَارِنِ الدِّيَةُ (74) .
لأَِنَّ إِتْلاَفَ كُل عُضْوٍ مِنْ هَذِهِ الأَْعْضَاءِ كَإِذْهَابِ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ، وَإِذْهَابُ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ كَإِتْلاَفِ النَّفْسِ، فَإِتْلاَفُ كُل عُضْوٍ مِنْ هَذِهِ الأَْعْضَاءِ كَإِتْلاَفِ النَّفْسِ.
وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ الأَْنْفَ يَشْتَمِل عَلَى ثَلاَثَةِ أَشْيَاءَ: الْمَنْخِرَيْنِ، وَالْحَاجِزِ بَيْنَهُمَا، فَفِي الأَْنْفِ الدِّيَةُ، وَفِي كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثُهَا. وَبِهَذَا قَال إِسْحَاقُ وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
وَمَا خُلِقَ فِي الإِْنْسَانِ مِنْهُ شَيْئَانِ كَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ، وَالْعَيْنَيْنِ وَالأُْذُنَيْنِ، وَالْمَنْخِرَيْنِ، وَالشَّفَتَيْنِ، وَالأُْنْثَيَيْنِ، وَالثَّدْيَيْنِ، وَالأَْلْيَتَيْنِ وَغَيْرِهَا، فَفِيهِمَا الدِّيَةُ كَامِلَةً؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ كَتَبَ لِعَمْرِو بْنِ حَازِمٍ فِي كِتَابِهِ: وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي إِحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ، وَفِي الْيَدَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي إِحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ. . . (75)
وَلأَِنَّ فِي إِتْلاَفِهِمَا إِذْهَابَ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ، وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُ الدِّيَةِ؛ لأَِنَّ فِي إِتْلاَفِ إِحْدَاهُمَا إِذْهَابَ نِصْفِ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ.
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي عَيْنِ الأَْعْوَرِ: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ فِيهَا نِصْفَ الدِّيَةِ وَبِهِ قَال مَسْرُوقٌ وَعَبْدُ اللَّهُ بْنُ مُغَفَّلٍ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، لِقَوْلِهِ ﷺ: وَفِي الْعَيْنِ خَمْسُونَ مِنَ الإِْبِل (76) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ فِي إِتْلاَفِ عَيْنِ الأَْعْوَرِ دِيَةً كَامِلَةً وَبِهِ قَال الزُّهْرِيُّ، وَاللَّيْثُ، وَقَتَادَةُ، وَإِسْحَاقُ؛ لأَِنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَابْنَ عُمَرَ ﵃ قَضَوْا فِي عَيْنِ الأَْعْوَرِ بِالدِّيَةِ، وَلَمْ يُعْلَمْ لَهُمْ فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ فَيَكُونُ إِجْمَاعًا؛ وَلأَِنَّ قَلْعَ عَيْنِ الأَْعْوَرِ تَضْمَنَّ إِذْهَابَ الْبَصَرِ كُلِّهِ، فَوَجَبَتِ الدِّيَةُ كَمَا لَوْ أَذْهَبَهُ مِنَ الْعَيْنَيْنِ.
وَمَا خُلِقَ فِي الإِْنْسَانِ مِنْهُ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ فَفِيهَا الدِّيَةُ، وَفِي كُل وَاحِدٍ مِنْهَا رُبُعُ الدِّيَةِ، وَهُوَ أَجْفَانُ الْعَيْنَيْنِ وَأَهْدَابُهَا. وَمَا فِيهِ مِنْهُ عَشَرَةٌ فَفِيهَا الدِّيَةُ، وَفِي كُل وَاحِدٍ مِنْهَا عُشْرُهَا، فَفِي أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ الدِّيَةُ أَيْضًا، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ إِصْبَعٍ وَإِصْبَعٍ لِقَوْلِهِ ﷺ: فِي كُل إِصْبَعٍ عَشْرٌ مِنَ الإِْبِل (77) وَالأَْصَابِعُ كُلُّهَا سَوَاءٌ، فَالْخِنْصَرُ وَالإِْبْهَامُ سَوَاءٌ، وَفِي كُل سُلاَمَى مِنَ السُّلاَمِيَّاتِ الثَّلاَثِ ثُلُثُ دِيَةِ الأُْصْبُعِ مَا عَدَا الإِْبْهَامَ فَإِنَّهَا مَفْصِلاَنِ، وَفِي كُل مَفْصِلٍ نِصْفُ دِيَةِ الإِْصْبَعِ.
وَلَيْسَ فِي الْبَدَنِ شَيْءٌ مِنْ جِنْسٍ يَزِيدُ عَلَى الدِّيَةِ إِلاَّ الأَْسْنَانُ فَإِنَّ فِي كُل سِنٍّ خَمْسًا مِنَ الإِْبِل، أَيْ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ، وَالأَْصْل فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْهُ ﷺ أَنَّهُ قَال: فِي كُل سِنٍّ خَمْسٌ مِنَ الإِْبِل (78) وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ سِنٍّ وَسِنٍّ؛ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ (79) .
38 - وَأَمَّا إِزَالَةُ شَعْرِ الرَّأْسِ، وَاللِّحْيَةِ، وَالْحَاجِبَيْنِ إِذَا لَمْ يَنْبُتْ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ فِيهَا الدِّيَةَ، وَبِهِ قَال الثَّوْرِيُّ؛ لأَِنَّهُ أَذْهَبَ الْجَمَال عَلَى الْكَمَال، فَوَجَبَ فِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ كَأُذُنِ الأَْصَمِّ، وَأَنْفِ الأَْخْشَمِ. وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ أَنَّ فِيهِ حُكُومَةَ عَدْلٍ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ؛ لأَِنَّهُ إِتْلاَفُ جَمَالٍ مِنْ غَيْرِ مَنْفَعَةٍ، فَلَمْ تَجِبْ فِيهِ الدِّيَةُ كَالْيَدِ الشَّلاَّءِ، وَالْعَيْنِ الْقَائِمَةِ (80) . وَتَفْصِيل ذَلِكَ كُلِّهِ فِي مُصْطَلَحِ: (دِيَةٌ) .
النَّوْعُ الثَّانِي: الْجِرَاحُ:
39 - قَال ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْل الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ فِي الْمُوضِحَةِ إِذَا كَانَتْ فِي الْوَجْهِ أَوِ الرَّأْسِ خَمْسًا مِنَ الإِْبِل، سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ، وَلَيْسَ فِي جِرَاحَاتِ غَيْرِ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ فِي قَوْل أَكْثَرِ أَهْل الْعِلْمِ.
وَفِي الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ مِنَ الإِْبِل، وَفِي كُلٍّ مِنَ الْمَأْمُومَةِ وَالْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَالدَّلِيل عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ كِتَابُ النَّبِيِّ ﷺ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الْمَعْرُوفُ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِثْل ذَلِكَ.
وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ فِي الدَّامِغَةِ مَا فِي الْمَأْمُومَةِ؛ لأَِنَّهَا أَبْلَغُ مِنَ الْمَأْمُومَةِ، وَلاَ يَسْلَمُ صَاحِبُهَا فِي الْغَالِبِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بَيْنَ الشِّجَاجِ؛ لأَِنَّهُ لاَ يَعِيشُ مَعَهَا، وَلَيْسَ لَهَا حُكْمٌ.
وَأَمَّا الْهَاشِمَةُ: فَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مُوجِبِهَا: فَقَدَّرَهَا الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ بِعُشْرِ الدِّيَةِ، وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ: أَنَّ الْهَاشِمَةَ تُرَادِفُ الْمُنَقِّلَةَ.
وَقَدَّرَهَا الشَّافِعِيَّةُ - فِي الأَْصَحِّ - وَالْحَنَابِلَةُ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْل الْعِلْمِ بِعَشْرٍ مِنَ الإِْبِل إِنْ كَانَتْ مَعَ إِيضَاحٍ أَوِ احْتِيجَ إِلَيْهِ بِشَقٍّ لإِِخْرَاجِ عَظْمٍ أَوْ تَقْوِيمِهِ، فَإِنْ لَمْ تُوضِحْ فَخَمْسٌ مِنَ الإِْبِل وَقِيل: حُكُومَةٌ.
وَأَمَّا مَا قَبْل الْمُوضِحَةِ مِنَ الشِّجَاجِ وَهِيَ الْحَارِصَةُ وَالسِّمْحَاقُ وَمَا بَيْنَهُمَا فَفِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ؛ لأَِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ بِتَوْقِيفٍ، وَلاَ لَهُ قِيَاسٌ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إِلَى الْحُكُومَةِ (81) .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (دِيَاتٌ) .
النَّوْعُ الثَّالِثُ: إِبْطَال الْمَنَافِعِ:
40 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ تَجِبُ بِإِزَالَةِ الْعَقْل كَمَال الدِّيَةِ؛ لأَِنَّهُ أَكْبَرُ الْمَعَانِي قَدْرًا، وَأَعْظَمُ الْحَوَاسِّ نَفْعًا، وَبِإِبْطَال السَّمْعِ مِنَ الأُْذُنَيْنِ أَوِ الْبَصَرِ مِنِ الْعَيْنَيْنِ، أَوِ الشَّمِّ مِنَ الْمَنْخِرَيْنِ كَمَال الدِّيَةِ، وَبِإِبْطَال الْمَنْفَعَةِ مِنْ إِحْدَى الأُْذُنَيْنِ، أَوِ الْعَيْنَيْنِ، أَوِ الْمَنْخِرَيْنِ، نِصْفُ الدِّيَةِ، مِنْ إِحْدَاهَا.
وَكَذَلِكَ بِإِبْطَال الصَّوْتِ، وَالذَّوْقِ، وَالْمَضْغِ، وَالإِْمْنَاءِ وَالإِْحْبَال، وَالْجِمَاعِ، وَالْبَطْشِ، وَالْمَشْيِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ.
وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ الْمَذَاقَ مُشْتَمِلٌ عَلَى خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: الْحَلاَوَةِ، وَالْمَرَارَةِ، وَالْحُمُوضَةِ، وَالْعُذُوبَةِ، وَالْمُلُوحَةِ، فَفِيهِ الدِّيَةُ، وَفِي أَحَدِ أَقْسَامِهَا خُمُسُهَا (82) . وَفِي شَرَائِطِ وُجُوبِ الدِّيَةِ وَكَيْفِيَّتِهَا خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ يُنْظَرُ مُصْطَلَحِ: (دِيَاتٌ) .
__________
(1) ابن عابدين 5 / 339 ط دار إحياء التراث العربي، والطحطاوي 1 / 519 ط دار المعرفة، والتعريفات للجرجاني مادة: (جناية) .
(2) سورة المائدة / 45
(3) سورة البقرة / 194.
(4) حديث: " أنس ﵁ قال: كسرت الربيع، وهي عمة أنس بن مالك، ثنية جارية من الأنصار، فطلب القوم القصاص، فأتوا النبي ﷺ فأمر. . . " أخرجه البخاري (الفتح 8 / 274 - ط السلفية) .
(5) البدائع 7 / 297، 311، 312، والمغني 7 / 702 - ط الرياض، وكشاف القناع 5 / 547 ط عالم الكتب.
(6) البدائع 7 / 297، 311، 312، والمغني 7 / 702 - ط الرياض، وكشاف القناع 5 / 547 ط عالم الكتب.
(7) البدائع 7 / 233 ط دار الكتاب العربي، وشرح الزرقاني 8 / 14 ط دار الفكر، والشرح الصغير 4 / 347، والقوانين الفقهية ص 344، وروضة الطالبين 9 / 178، وكشاف القناع 5 / 547.
(8) المغني 7 / 703، وكشاف القناع 5 / 547.
(9)
(10) البدائع 7 / 64، 177، 180، 234، وابن عابدين 5 / 83، 342، 376، وشرح الزرقاني 8 / 2، 4، 117، 118، وحاشية الدسوقي 4 / 237، 244، ونهاية المحتاج 7 / 267، 281، وكشاف القناع 5 / 518، 520، والمغني 8 / 326، 327، 332.
(11) حاشية الدسوقي 4 / 240.
(12)
(13) القوانين الفقهية ص 345، وروضة الطالبين 9 / 178، والمغني 7 / 679، 680.
(14) الاختيار 5 / 30 ط دار المعرفة، وابن عابدين 5 / 355، 356، والبدائع 7 / 302.
(15) ابن عابدين 5 / 356، والاختيار 5 / 30، وشرح الزرقاني 8 / 14، والشرح الصغير 4 / 348، وروضة الطالبين 9 / 178، والمغني 7 / 703.
(16) الشرح الصغير 4 / 349، وجواهر الإكليل 2 / 259، وروضة الطالبين 9 / 178، 179، والمغني 7 / 674، وكشاف القناع 5 / 559، 560.
(17) الاختيار 5 / 31، والمغني 7 / 674.
(18)
(19) الاختيار 5 / 30 وما بعدها، والبدائع 7 / 297، 298، وابن عابدين 5 / 355، والشرح الصغير 4 / 351، وحاشية الزرقاني 8 / 16، 18، وروضة الطالبين 9 / 188 وما بعدها، ط المكتب الإسلامي، والمغني 7 / 723 وما بعدها، وكشاف القناع 5 / 553.
(20)
(21) الاختيار 5 / 30، والبدائع 7 / 298، وشرح الزرقاني 8 / 15، 16، وروضة الطالبين 9 / 188، 0 189، والمغني 7 / 734، وكشاف القناع 5 / 556.
(22) حديث: " خذ الدية بارك الله لك فيها ". أخرجه ابن ماجه (2 / 880 ط الحلبي) من حديث جارية بن ظفرة. وقال البوصيري في الزوائد: " في إسناده دهثم بن قران اليماني، ضعفه أبو داود ".
(23) ابن عابدين 5 / 354، وشرح الزرقاني 8 / 18 و 19، ونهاية المحتاج 7 / 284، وروضة الطالبين 9 / 181، والمغني 7 / 707.
(24) البدائع 7 / 298، وروضة الطالبين 9 / 194، 202، وكشاف القناع 5 / 556، 557، والمغني 7 / 734، 735، وشرح الزرقاني 8 / 19.
(25) البدائع 7 / 298، وشرح الزرقاني 8 / 16، وروضة الطالبين 9 / 193، والمغني 7 / 735، وكشاف القناع 5 / 557.
(26) البدائع 7 / 303.
(27) الاختيار 5 / 31، وابن عابدين 5 / 354، والبدائع 7 / 296، 297، 307، 308، وشرح الزرقاني 8 / 5، وروضة الطالبين 9 / 197، والمغني 7 / 715، وما بعدها، وكشاف القناع 5 / 549.
(28) الزرقاني 8 / 19، وكشاف القناع 5 / 549، والمغني 7 / 715.
(29) ابن عابدين 5 / 354، وشرح الزرقاني 8 / 5، وروضة الطالبين 9 / 197، وكشاف القناع 5 / 549، والمغني 7 / 715.
(30) ابن عابدين 5 / 354، وشرح الزرقاني 8 / 20، والمغني 7 / 717 وما بعدها.
(31) المغني 7 / 718 وما بعدها.
(32) شرح الزرقاني 8 / 20، والشرح الصغير 4 / 352، 356، وجواهر الإكليل 2 / 261 وما بعدها، والمغني 7 / 718، 719. وحديث: " وفي العينين الدية " أخرجه النسائي (8 / 58 - ط المكتبة التجارية) من حديث عمرو بن حزم، وهو شطر من حديث طويل سيأتي الاستشهاد ببعضه، وقال ابن حجر في التلخيص (4 / 18 - ط شركة الطباعة الفنية) : " صحح الحديث بالكتاب المذكور جماعة من الأئمة ".
(33) البدائع 7 / 308، 314، والاختيار 5 / 38، والقوانين الفقهية / 345، والشرح الصغير 4 / 353، وشرح الزرقاني 8 / 41، وجواهر الإكليل 2 / 261 وما بعدها.
(34) المراجع السابقة
(35) سورة المائدة / 45.
(36) روضة الطالبين 9 / 179، والمغني 7 / 719، 720، وكشاف القناع 5 / 551.
(37) سورة المائدة / 45.
(38) ابن عابدين 5 / 354، والبدائع 7 / 308، وجواهر الإكليل 2 / 259، وروضة الطالبين 9 / 196، والمغني 7 / 712، ونهاية المحتاج 7 / 284، 285.
(39) ابن عابدين 5 / 354، والبدائع 7 / 308، ونهاية المحتاج 7 / 290، وروضة الطالبين 9 / 196، والمغني 7 / 712 - 713.
(40) سورة المائدة / 45
(41) ابن عابدين 5 / 354، والبدائع 7 / 308، وجواهر الإكليل 2 / 259، وروضة الطالبين 9 / 189، 196، والمغني 7 / 711 وكشاف القناع 5 / 549.
(42) روضة الطالبين 9 / 195، 196، وكشاف القناع 5 / 549، والمغني 7 / 711.
(43) سورة المائدة / 45.
(44) شرح الزرقاني 8 / 16، وجواهر الإكليل 2 / 259، وروضة الطالبين 9 / 197، وكشاف القناع 5 / 549، والمغني 7 / 723.
(45) ابن عابدين 5 / 357، والبدائع 7 / 308.
(46) سورة المائدة / 45.
(47) الاختيار 5 / 31، والبدائع 7 / 308، وابن عابدين 5 / 357، وروضة الطالبين 9 / 182، وكشاف القناع 5 / 549، 553، 557، والمغني 7 / 723.
(48) سورة المائدة / 45.
(49) ابن عابدين 5 / 354، 355، والاختيار 5 / 31، وشرح الزرقاني 8 / 20، والشرح الصغير 4 / 390، وروضة الطالبين 9 / 198، والمغني 7 / 722، ومغني المحتاج 4 / 35.
(50) البدائع 7 / 309، وروضة الطالبين 9 / 286، والدسوقي 4 / 273، والمغني 8 / 30.
(51) سورة المائدة / 45.
(52) روضة الطالبين 9 / 195، وكشاف القناع 5 / 552، والمغني 7 / 714.
(53) الاختيار 5 / 30، وابن عابدين 5 / 356، والبدائع 7 / 308.
(54) الشرح الصغير 4 / 354، 388، وشرح الزرقاني 8 / 17.
(55) البدائع 7 / 309.
(56) ابن عابدين 5 / 370، وشرح الزرقاني 8 / 17، والشرح الصغير 4 / 388، وروضة الطالبين 9 / 182، والمغني 7 / 714، 715، وكشاف القناع 5 / 547، 548، 552.
(57) سورة المائدة / 45.
(58) البدائع 7 / 299، والشرح الصغير 4 / 390، وروضة الطالبين 9 / 182، والمغني 7 / 715.
(59) سورة المائدة / 45.
(60) ابن عابدين 5 / 370، والبدائع 7 / 309، وجواهر الإكليل 2 / 260، وشرح الزرقاني 8 / 17، وروضة الطالبين 9 / 273، والمغني 8 / 11، وكشاف القناع 5 / 550.
(61) حديث: " لا قصاص في عظم " ذكره الزيلعي في نصب الراية (4 / 350 - ط المجلس العلمي) وقال: " غريب " يعني أنه لا أصل له مرفوعا إلى النبي ﷺ، وذكر في ذلك أحاديث موقوفة على عبد الله بن عمر وابن مسعود.
(62) البدائع 7 / 308، وشرح الزرقاني 8 / 17، وجواهر الإكليل 2 / 260، وروضة الطالبين 9 / 183، والمغني 7 / 710، 711، وكشاف القناع 5 / 548.
(63) الاختيار 5 / 41، 42، وابن عابدين 5 / 372، وشرح الزرقاني 8 / 34، وجواهر الإكليل 2 / 259، 260، والشرح الصغير 4 / 349، 350، 351، 352، وروضة الطالبين 9 / 179، 180، والمغني 7 / 703، 704، 709، 710، وكشاف القناع 5 / 558، 559.
(64) سورة المائدة / 45.
(65) حديث: " قضى في الموضحة بالقصاص " قال الزيلعي في نصب الراية (4 / 374 - ط المجلس العلمي بالهند) : " غريب " يعني أنه لم يجد له أصلا.
(66) سورة المائدة / 45.
(67) ابن عابدين 5 / 373، والاختيار 5 / 42، والشرح الصغير 4 / 349، وما بعدها، وشرح الزرقاني 8 / 34، وجواهر الإكليل 2 / 259، 260، والقوانين الفقهية / 344، وروضة الطالبين 9 / 180، 181، والمغني 7 / 710، وكشاف القناع 5 / 558.
(68) ابن عابدين 5 / 374، وجواهر الإكليل 2 / 259، وروضة الطالبين 9 / 181 وما بعدها، والمغني 7 / 709، 710.
(69) روضة الطالبين 9 / 181، والمغني 7 / 709، 710.
(70) ابن عابدين 5 / 374.
(71) جواهر الإكليل 2 / 259.
(72) شرح الزرقاني 8 / 17، وروضة الطالبين 9 / 186، وكشاف القناع 5 / 552، 553.
(73) البدائع 7 / 307، 309.
(74) حديث: " في النفس الدية، وفي اللسان الدية، وفي الذكر الدية، وفي الأنف الدية، وفي المارن الدية " يشهد لهذا المرسل حديث عمرو بن حزم المتقدم ذكره. ف / 18.
(75) حديث: " في العينين الدية، وفي إحداهما نصف الدية، وفي اليدين الدية وفي إحداهما نصف الدية " أخرجه النسائي (8 / 59 - ط المكتبة التجارية) من حديث عمرو بن حزم، وقد تقدم ف / 18.
(76) حديث: " في العين خمسون من الإبل " أخرجه النسائي (8 / 60 - ط المكتبة التجارية) من حديث عمرو بن حزم.
(77) حديث: " في كل إصبع عشر من الإبل " أخرجه النسائي (8 / 60 - ط المكتبة التجارية) من حديث عمرو بن حزم.
(78) حديث: " في كل سن خمسون من الإبل " أخرجه النسائي (8 / 60 - ط المكتبة التجارية) من حديث عمرو بن حزم.
(79) الاختيار 5 / 37 وما بعدها، وابن عابدين 5 / 369 وما بعدها، والبدائع 7 / 311 وما بعدها، وجواهر الإكليل 2 / 260 وما بعدها، وروضة الطالبين 9 / 271 وما بعدها، وكشاف القناع 6 / 34 وما بعدها، والمغني 8 / 1 وما بعدها.
(80) المراجع السابقة.
(81) الاختيار 5 / 41، 42 وما بعدها، وجواهر الإكليل 2 / 267، والقوانين الفقهية ص 344، والشرح الصغير 4 / 381 وما بعدها، وروضة الطالبين 9 / 263 وما بعدها، والمغني 8 / 42 وما بعدها، وكشاف القناع 6 / 51 - 56.
(82) الاختيار 5 / 43، وابن عابدين 5 / 319 وما بعدها، والبدائع 7 / 311 وما بعدها، والقوانين الفقهية ص 344، وجواهر الإكليل 2 / 267، وروضة الطالبين 9 / 289 وما بعدها، والمغني 8 / 37 وما بعدها.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 63/ 16
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".