الرفيق
كلمة (الرفيق) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) من الرفق، وهو...
التَّعْرِيفُ:
1 - الصَّفْقَةُ فِي اللُّغَةِ: اسْمُ الْمَرَّةِ مِنَ الصَّفْقِ وَهُوَ الضَّرْبُ بِالْيَدِ عَلَى يَدٍ أُخْرَى أَوْ عَلَى يَدِ آخَرَ عِنْدَ الْبَيْعِ أَوِ الْبَيْعَةِ. وَكَانَتْ الْعَرَبُ إِذَا وَجَبَ الْبَيْعُ ضَرَبَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ يَدَهُ عَلَى يَدِ صَاحِبِهِ، فَمِنْ هُنَا اسْتُعْمِلَتِ الصَّفْقَةُ بِمَعْنَى عَقْدِ الْبَيْعِ نَفْسِهِ، يُقَال: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي صَفْقَةِ يَمِينِكَ، وَمِنْهُ قَوْل عُمَرَ ﵁: الْبَيْعُ صَفْقَةٌ أَوْ خِيَارٌ، أَيْ بَيْعٌ بَاتٌّ أَوْ بَيْعٌ بِخِيَارٍ. هَذَا عَنِ الصَّفْقَةِ، أَمَّا التَّفْرِيقُ فَلاَ يَحْتَاجُ إِلَى التَّفْسِيرِ اللُّغَوِيِّ لأَِنَّ مَعْنَاهُ - أَوْ مَعَانِيَهُ - كُلَّهَا مُسْتَعْمَلَةٌ مَفْهُومَةٌ وَيَهُمُّنَا مِنْهَا الْمَعْنَى النَّاشِئُ عَنْ إِضَافَةِ لَفْظِ (تَفْرِيقٍ) إِلَى (الصَّفْقَةِ) وَهُوَ مُتَّحِدٌ مَعَ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ لِهَذَا الْمُرَكَّبِ الإِْضَافِيِّ. (1)
وَمَعْنَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي الاِصْطِلاَحِ أَنْ لاَ يَتَنَاوَل حُكْمُ الْعَقْدِ جَمِيعَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، أَوْ يَتَنَاوَلَهُ ثُمَّ يَنْحَسِرُ عَنْهُ. فَتَكُونُ الصَّفْقَةُ الْوَاحِدَةُ الْمُجْتَمِعَةُ قَدْ تَفَرَّقَتْ أَوْ تَبَعَّضَتْ أَوْ تَجَزَّأَتْ وَبِكُل هَذِهِ الْمُتَرَادِفَاتِ يُعَبِّرُ الْفُقَهَاءُ فَيُسَمُّونَهُ (تَفَرُّقَ الصَّفْقَةِ) أَوْ (تَبْعِيضَهَا) أَوْ (تَجَزُّؤَهَا) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - تَعَدُّدُ الصَّفْقَةِ:
2 - التَّفْرِيقُ لاَ يُتَصَوَّرُ إِلاَّ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ، وَتَمْيِيزُ الصَّفْقَةِ عَنِ الصَّفْقَتَيْنِ يَسْتَبْهِمُ أَحْيَانًا لاَ سِيَّمَا فِي حَال الْجَمْعِ بَيْنَ سِلْعَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، إِذْ لَيْسَ التَّعْوِيل عَلَى الصُّورَةِ الظَّاهِرَةِ، بَل عَلَى حَقِيقَةِ التَّعَدُّدِ بِالاِعْتِبَارِ الشَّرْعِيِّ، وَقَدِ اعْتَنَى الشَّافِعِيَّةُ بِبَيَانِ ضَابِطِ اتِّحَادِ الصَّفْقَةِ أَوْ تَعَدُّدِهَا (2)
فَالصَّفْقَةُ تَتَعَدَّدُ بِتَفْصِيل الثَّمَنِ عَلَى شَيْئَيْنِ بِيعَا مَعًا، عِنْدَ الإِْيجَابِ مِنَ الْمُبْتَدِئِ بِالْعَقْدِ، وَلاَ يُشْتَرَطُ أَنْ يَتَكَرَّرَ التَّفْصِيل فِي الْقَبُول، عَلَى الأَْصَحِّ، وَكَذَلِكَ تَتَعَدَّدُ الصَّفْقَةُ بِتَعَدُّدِ الْعَاقِدِ مُطْلَقًا، بَائِعًا كَانَ أَوْ مُشْتَرِيًا، وَمِثَال تَعَدُّدِهَا بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ قَوْل اثْنَيْنِ لِوَاحِدٍ: بِعْنَاكَ هَذَا بِكَذَا - وَالْمَبِيعُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا - فَقَبِل الْمُشْتَرِي فِيهِمَا، فَهُمَا صَفْقَتَانِ، وَلَهُ رَدُّ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا بِالْعَيْبِ مَثَلاً. وَمِثَال تَعَدُّدِهَا بِتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي أَنْ يَقُول لاِثْنَيْنِ: بِعْتُكُمَا هَذَا بِكَذَا. أَوْ يَقُول اثْنَانِ لِوَاحِدٍ: اشْتَرَيْنَا مِنْكَ هَذَا بِكَذَا (3) .
فَالتَّفْرِيقُ الْمُسْتَوْجِبُ خِيَارًا هُوَ مَا يَقَعُ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ أَيْ فِي صَفْقَةٍ لَمْ يَتَعَدَّدْ عَاقِدُهَا مِنْ بَائِعٍ أَوْ مُشْتَرٍ، وَلاَ فُصِّل فِيهَا الثَّمَنُ عَلَى الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ الْمُتَعَدِّدِ.
ب - الْبَيْعَتَانِ فِي بَيْعَةٍ:
3 - الْمُرَادُ بِالْبَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ: هُوَ جَمْعُ بَيْعَتَيْنِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، وَتَسْمِيَةُ ذَلِكَ الْعَقْدِ بَيْعَتَيْنِ بِاعْتِبَارِ تَعَدُّدِ الثَّمَنِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي صُورَتِهَا وَبَيَانُ أَحْكَامِهَا عَلَى أَقْوَالٍ تُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (بَيْعَتَانِ فِي بَيْعَةٍ) .
تَقْسِيمٌ وَأَحْكَامٌ مُوجَزَةٌ:
4 - تَعَرَّضَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ تَوَصُّلاً لِحَالَةِ هَلاَكِ بَعْضِ الْمَبِيعِ فَحَسْبُ، حِينَ عَدَّدُوا الْخِيَارَاتِ، فَلَمْ يُفْرِدُوهُ بِاسْمِ الْخِيَارِ بَل قَرَنُوا التَّفَرُّقَ بِتِلْكَ الْحَالَةِ. (4) ثُمَّ اسْتَعْرَضُوا أَحْكَامَ تَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ فِي رَدِّ الْمَعِيبِ بِاسْتِقْصَاءٍ دُونَ أَنْ يَجْعَلُوا مِنْهُ خِيَارًا، بَل رَأَوْهُ عَيْبًا يَلْزَمُ عَنْ رَدِّ بَعْضِ الْمَبِيعِ الْمَعِيبِ وَيَجِبُ حِمَايَةُ الْبَائِعِ مِنْ تَحَمُّلِهِ. (5) وَلَكِنَّ الْحَنَفِيَّةَ اخْتَلَفُوا بِحَالَةِ الاِسْتِحْقَاقِ وَتَنَاوَلُوا أَحْكَامَهُ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ.
وَقَدْ قَسَّمَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ تَعَدُّدَ الصَّفْقَةِ إِلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ: فِي الاِبْتِدَاءِ، أَوْ فِي الدَّوَامِ، أَوْ فِي اخْتِلاَفِ الأَْحْكَامِ. وَالَّذِي فِي الاِبْتِدَاءِ كُلُّهُ ذُو سَبَبٍ شَرْعِيٍّ، وَعَكْسُهُ الَّذِي فِي الدَّوَامِ فَسَبَبُهُ حِسِّيٌّ. وَالتَّقْسِيمُ بِحَسَبِ السَّبَبِ أَلْيَقُ لِقِيَامِ الْخِيَارَاتِ بِطَرِيقَيْنِ، إِرَادِيٍّ وَحُكْمِيٍّ وَلِكَثْرَةٍ تَسْمِيَةِ الْخِيَارَاتِ بِأَسْبَابِهَا. أَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ الَّذِي دَعَوْهُ " الاِخْتِلاَفَ فِي الأَْحْكَامِ " وَمَثَّلُوا لَهُ بِالْجَمْعِ بَيْنَ عَقْدَيْنِ: بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ، أَوْ إِجَارَةٍ وَسَلَمٍ، فَالْوَاقِعُ أَنَّهُ لَيْسَ قِسْمًا بِرَأْسِهِ بَل هُوَ تَقْسِيمٌ دَاخِلِيٌّ لِلتَّفْرِيقِ فِي الاِبْتِدَاءِ. وَلِذَا لَمْ يُبْرِزْهُ ابْنُ حَجَرٍ كَقِسْمٍ ثَالِثٍ بَل أَوْرَدَهُ بِصُورَةِ مَسَائِل، وَلَمْ يُدْرِكَ (الشَّرْوَانِيُّ) مُرَادَهُ فَنَبَّهَ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى أَنَّهُ ثَالِثُ الأَْقْسَامِ. (6)
ذَكَرَ الْحَنَابِلَةُ صُوَرًا ثَلاَثًا لِلصَّفْقَةِ بِالنَّظَرِ إِلَى وَحْدَةِ مُشْتَمَلاَتِهَا وَتَعَدُّدِهَا وَلاَ صِلَةَ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ بِالصُّورَةِ الأُْولَى، الَّتِي هِيَ بَيْعُ مَعْلُومٍ وَمَجْهُولٍ، أَمَّا الصُّورَتَانِ الأُْخْرَيَانِ فَهُمَا:
1 - بَيْعُ الْجَمِيعِ فِيمَا يَمْلِكُ بَعْضَهُ.
2 - بَيْعُ الْمُتَقَوِّمِ مَعَ غَيْرِ مُتَقَوِّمٍ.
وَهَاتَانِ الصُّورَتَانِ أَحْكَامُهُمَا وَاحِدَةٌ مِنْ حَيْثُ ثُبُوتُ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي، وَلِذَا لُوحِظَ أَحْيَانًا جَمْعُهُمَا تَحْتَ عِنْوَانٍ وَاحِدٍ عِنْدَ غَيْرِ الْحَنَابِلَةِ، يُعَبَّرُ عَنْهُ أَحْيَانًا: (بِاشْتِمَال الصَّفْقَةِ عَلَى شَيْئَيْنِ مِمَّا لاَ يَنْقَسِمُ الثَّمَنُ عَلَيْهِمَا بِالإِْجْزَاءِ) .
وَالْمِثَالاَنِ الْمُهِمَّانِ هُمَا:
أ - بَيْعُ مِلْكِهِ وَمِلْكِ غَيْرِهِ.
ب - بَيْعُ خَلٍّ وَخَمْرٍ، وَنَحْوِهِمَا.
أَمَّا مَا لاَ يَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَيْهِ فَهُوَ بَاطِلٌ أَوْ مَوْقُوفٌ عَلَى إِجَازَةِ الْمَالِكِ، وَأَمَّا الْبَاقِي فَفِيهِ رِوَايَتَانِ لَدَى الْحَنَابِلَةِ وَقَوْلاَنِ لِلشَّافِعِيِّ، وَاخْتَلَفَ الشَّافِعِيَّةُ كَمْ يَلْزَمُ الْمُشْتَرِي مِنَ الثَّمَنِ إِنْ أَجَازَ الْعَقْدَ، أَصَحُّهُمَا حِصَّةُ الْمَمْلُوكِ فَقَطْ إِذَا وَزَّعَ الْقِيمَتَيْنِ وَأَثْبَتُوا لَهُ الْخِيَارَ إِنْ صَحَّحُوا الْعَقْدَ. وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ بِالصِّحَّةِ فِي مِلْكِهِ، وَالتَّوَقُّفِ فِي الْبَاقِي عَلَى الإِْجَازَةِ. (7) قَال ابْنُ قُدَامَةَ: " وَالْقَوْل بِالْفَسَادِ فِي هَذَا الْقِسْمِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَظْهَرُ. وَالْحُكْمُ فِي الرَّهْنِ وَالْهِبَةِ وَسَائِرِ الْعُقُودِ إِذَا جُمِعَتْ مَا يَجُوزُ وَمَا لاَ يَجُوزُ كَالْحُكْمِ فِي الْبَيْعِ، إِلاَّ أَنَّ الظَّاهِرَ فِيهَا الصِّحَّةُ، لأَِنَّهَا لَيْسَتْ عُقُودَ مُعَاوَضَةٍ، فَلاَ تُوجَدُ جَهَالَةُ الْعِوَضِ فِيهَا ". (8) ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْل بِالصِّحَّةِ، إِذَا كَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا بِالْحَال فَلاَ خِيَارَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالإِْمْسَاكِ. وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ خِيَارٌ لأَِنَّهُ رَضِيَ بِزَوَال مِلْكِهِ عَمَّا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِقِسْطِهِ.
وَجْهُ انْتِفَاءِ الْخِيَارِ فِي حَال الْعِلْمِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ دَخَل عَلَى بَصِيرَةٍ، أَمَّا فِي حَال الْجَهْل فَالسَّبَبُ لِلْخِيَارِ قَائِمٌ " لأَِنَّ الصَّفْقَةَ تَبَعَّضَتْ عَلَيْهِ " (9) .
ثُمَّ الْخِيَارُ بَيْنَ الرَّدِّ، أَوِ الإِْمْسَاكِ بِلاَ أَرْشٍ، إِلاَّ إِذَا كَانَ التَّفْرِيقُ يُنْقِصُ الْقِسْمَ الْبَاقِيَ مِنَ الصَّفْقَةِ بِأَنْ تَقِل قِيمَتُهُ بِالْبَيْعِ مُنْفَرِدًا كَمِصْرَاعَيْ بَابٍ وَزَوْجَيْ خُفٍّ. (10)
وَأَحْيَانًا أُخْرَى بِاشْتِمَال الصَّفْقَةِ عَلَى شَيْئَيْنِ مِمَّا يَنْقَسِمُ الثَّمَنُ عَلَيْهِمَا بِالأَْجْزَاءِ، كَدَابَّةٍ مُشْتَرَكَةٍ، وَفِيهِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا الصِّحَّةُ فِي مِلْكِهِ فَقَطْ بِقِسْطِهِ مِنَ الثَّمَنِ وَالْفَسَادُ فِيمَا لاَ يَمْلِكُهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَقَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ. وَالثَّانِي - وَهُوَ قَوْلٌ آخَرُ لِلشَّافِعِيِّ - عَدَمُ الصِّحَّةِ فِيهِمَا. قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَالأَْوْلَى أَنَّهُ يَصِحُّ فِيمَا يَمْلِكُهُ. (11)
وَمُسْتَنَدُ فَسَادِ الصَّفْقَةِ كُلِّهَا: أَنَّهَا جَمَعَتْ حَلاَلاً وَحَرَامًا فَغَلَبَ التَّحْرِيمُ، لأَِنَّ الصَّفْقَةَ إِذَا لَمْ يُمْكِنْ تَصْحِيحُهَا فِي جَمِيعِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بَطَلَتْ فِي الْكُل.
وَمُسْتَنَدُ الصِّحَّةِ فِي الْجُزْءِ: أَنَّ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَهُ حُكْمٌ لَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا فَإِذَا جُمِعَ بَيْنَهُمَا ثَبَتَ لِكُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمُهُ، وَلأَِنَّ جَائِزَ الْعَقْدِ عَلَيْهِ مِنْهُمَا قَدْ صَدَرَ فِيهِ الْبَيْعُ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ بِشَرْطِهِ فَصَحَّ، وَالْبَيْعُ سَبَبٌ اقْتَضَى الْحُكْمَ فِي مَحَلَّيْنِ وَامْتَنَعَ حُكْمُهُ فِي أَحَدِهِمَا فَيَصِحُّ فِي الآْخَرِ (12) .
مُوجِبُ خِيَارَاتِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ:
5 - يَنْحَصِرُ اسْتِعْمَال الْخِيَارِ فِي الإِْجَازَةِ وَالْفَسْخِ، فَيُنْظَرُ اخْتِيَارُهُ، فَإِنِ اخْتَارَ الْفَسْخَ فَلاَ إِشْكَال فِي اسْتِرْدَادِهِ الثَّمَنَ كُلَّهُ، أَمَّا إِذَا اخْتَارَ إِمْضَاءَ الْعَقْدِ فِي الْبَاقِي فَكَمْ يَدْفَعُ؟ هَل كُل الثَّمَنِ - وَفِيهِ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيَّةِ - بِنَاءً عَلَى إِلْحَاقِ الطَّارِئِ بِالْمُقَارَنِ.
أَمْ يَلْزَمُهُ قِسْطُ الْبَاقِي مِنَ الثَّمَنِ - وَهُوَ الْقَوْل الثَّانِي لِلشَّافِعِيَّةِ وَالأَْصَحُّ عِنْدَهُمْ - لأَِنَّ الْعِوَضَ هُنَا قَدْ قَابَل الْمَبِيعَيْنِ (أَوْ جُمْلَةَ الْمَبِيعِ الْوَاحِدِ) مُقَابَلَةً صَحِيحَةً حَال الْعَقْدِ وَانْقَسَمَ الْعِوَضُ عَلَيْهِمَا فَلاَ يَتَغَيَّرُ بِهَلاَكِ بَعْضِهِ أَوِ اسْتِحْقَاقِهِ. (13)
وَيَنْشَأُ تَفَرُّقُ الصَّفْقَةِ الْمُسْتَوْجِبُ خِيَارًا - فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَْحْيَانِ - عَنْ خِيَارِ الْعَيْبِ، وَعِنْدَمَا يُؤْثِرُ الْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّ الْمَعِيبَ خَاصَّةً بِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ. لَكِنَّ الشَّارِعَ يَمْنَعُ ذَلِكَ تَفَادِيًا لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ.
وَقَدْ فَصَّل الْكَاسَانِيُّ الْحَالاَتِ الَّتِي يَنْشَأُ عَنِ الرَّدِّ لِلْمَعِيبِ فِيهَا تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ، وَبَيَّنَ أَنَّ حُكْمَهَا جَمِيعَهَا الْمَنْعُ بِاسْتِثْنَاءِ حَالَةٍ وَاحِدَةٍ هِيَ مَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ أَشْيَاءَ حَقِيقَةً وَتَقْدِيرًا فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ الْمَعِيبَ خَاصَّةً بِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِلاَّ زُفَرَ (14) . -
6 - وَلِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ صُوَرٌ مُخْتَلِفَةٌ، لَكِنَّ طَابَعَ الْخِيَارَاتِ يَبْرُزُ فِي صُورَتَيْنِ، هُمَا: صُورَةُ الاِسْتِحْقَاقِ الْجُزْئِيِّ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ (وَفِي حُكْمِهِ: انْفِسَاخُ الْعَقْدِ فِي أَحَدِ شَيْئَيْنِ قَبْل الْقَبْضِ) .
وَصُورَةُ الْهَلاَكِ الْجُزْئِيِّ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، (وَمِنْ صُوَرِهِ انْقِطَاعُ بَعْضِ الْمُسْلَمِ فِيهِ عِنْدَ مَحِل الأَْجَل) .
أَوَّلاً: خِيَارُ الاِسْتِحْقَاقِ الْجُزْئِيِّ:
7 - الاِسْتِحْقَاقُ (فِي عَقْدِ الْبَيْعِ) هُوَ ظُهُورُ كَوْنِ الْمَبِيعِ حَقًّا وَاجِبًا لِلْغَيْرِ، وَهُوَ اسْتِحْقَاقٌ كُلِّيٌّ أَوْ جُزْئِيٌّ.
فَالاِسْتِحْقَاقُ الْكُلِّيُّ (وَهُوَ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالْمَبِيعِ كُلِّهِ) يَجْعَل الْعَقْدَ مَوْقُوفًا عَلَى إِجَازَةِ الْمُسْتَحِقِّ، وَلاَ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِظُهُورِ الاِسْتِحْقَاقِ وَلاَ بِالْقَضَاءِ بِهِ، بَل يَظَل مَوْقُوفًا إِلَى أَنْ يَرْجِعَ الْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ، بِحَيْثُ لَوْ أَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ بَعْدَمَا قُضِيَ لَهُ، أَوْ بَعْدَمَا قَبَضَهُ قَبْل أَنْ يَرْجِعَ الْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهِ يَصِحُّ، عَلَى مَا حَقَّقَهُ ابْنُ الْهُمَامِ (15) .
أَمَّا الاِسْتِحْقَاقُ الْجُزْئِيُّ فَهُوَ مَا يَقَعُ عَلَى بَعْضِ الْمَبِيعِ، سَوَاءٌ ظَهَرَ الاِسْتِحْقَاقُ بَعْدَ الْقَبْضِ، أَوْ قَبْلَهُ، أَوْ بَعْدَ قَبْضِ بَعْضِهِ، وَلاَ فَرْقَ فِي كَوْنِ الْمُسْتَحَقِّ هُوَ الْجُزْءُ الْمَقْبُوضُ أَوْ غَيْرُهُ.
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الاِسْتِحْقَاقَ الْجُزْئِيَّ إِمَّا أَنْ يَظْهَرَ قَبْل الْقَبْضِ، وَإِمَّا بَعْدَهُ: فَإِذَا اسْتُحِقَّ بَعْضُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ قَبْل الْقَبْضِ - وَالْمُرَادُ قَبْضُ الْكُل، فَلاَ عِبْرَةَ بِقَبْضِ بَعْضِ الْمَبِيعِ فَهُوَ كَمَا لَوْ لَمْ يُقْبَضْ - فَحُكْمُ ذَلِكَ الْبَعْضِ الْمُسْتَحَقِّ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ، فَإِذَا لَمْ يُجِزِ الْمُسْتَحِقُّ فَلِلْمُشْتَرِي الرُّجُوعُ عَلَى الْبَائِعِ بِثَمَنِهِ، وَحِينَئِذٍ يَبْطُل الْعَقْدُ فِي ذَلِكَ الْبَعْضِ، أَمَّا الْبَاقِي فَلِلْمُشْتَرِي فِيهِ الْخِيَارُ: إِنْ شَاءَ رَضِيَ بِهِ بِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ. وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ، سَوَاءٌ كَانَ اسْتِحْقَاقُ مَا اسْتَحَقَّ يُوجِبُ الْعَيْبَ فِي الْبَاقِي أَوْ لاَ يُوجِبُ.
وَالْوَجْهُ فِي بُطْلاَنِ الْعَقْدِ فِي بَعْضِ السِّلْعَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ: التَّبَيُّنُ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ لَمْ يَكُنْ مِلْكَ الْبَائِعِ، وَلَمَّا لَمْ تُوجَدَ الإِْجَازَةُ مِنَ الْمَالِكِ - وَتَلاَهُ اسْتِرْجَاعُ الْمُشْتَرِي لِلثَّمَنِ - انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِي ذَلِكَ الْبَعْضِ.
أَمَّا ثُبُوتُ الْخِيَارِ فِي الْبَاقِي فَلِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي قَبْل التَّمَامِ، وَتَمَامُ الصَّفْقَةِ بَعْدَ الرِّضَا بِالْقَبْضِ - وَهُوَ لَمْ يَحْصُل - فَكَانَ ظُهُورُ الاِسْتِحْقَاقِ قَبْل الْقَبْضِ مُفَرِّقًا لِلصَّفْقَةِ قَبْل تَمَامِهَا فَلَهُ خِيَارُ الرَّدِّ. (16)
وَإِذَا ظَهَرَ الاِسْتِحْقَاقُ الْجُزْئِيُّ بَعْدَ الْقَبْضِ، كَانَ حُكْمُ الْجُزْءِ الْمُسْتَحَقِّ مُمَاثِلاً لِمَا سَبَقَ، وَأَمَّا الْبَاقِي فَيَفْتَرِقُ حُكْمُهُ بِحَسَبِ كَوْنِ الْمَبِيعِ يَتَعَيَّبُ بِالاِسْتِحْقَاقِ أَوْ لاَ.
فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ مِنَ الْقِيَمِيَّاتِ، وَكَانَ شَيْئًا وَاحِدًا حَقِيقَةً وَتَقْدِيرًا، كَالدَّارِ وَالْكَرْمِ وَالثَّوْبِ وَنَحْوِهَا، أَوْ كَانَ شَيْئَيْنِ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ وَهُوَ وَاحِدٌ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، كَمِصْرَاعَيِ الْبَابِ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّ اسْتِحْقَاقَ الْبَعْضِ يَقْتَضِي الْخِيَارَ فِي الْبَاقِي، لأَِنَّ الاِسْتِحْقَاقَ أَوْجَبَ عَيْبًا فِي الْبَاقِي، هُوَ عَيْبُ الشَّرِكَةِ فِي الأَْعْيَانِ.
أَمَّا إِنْ كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ شَيْئَيْنِ صُورَةً وَمَعْنًى كَالدَّارَيْنِ أَوْ الثَّوْبَيْنِ، أَوْ كَانَ مِنَ الْمَكِيلاَتِ أَوِ الْمَوْزُونَاتِ، كَصُبْرَةِ قَمْحٍ، أَوْ جُمْلَةِ وَزْنِيٍّ فَإِنَّ اسْتِحْقَاقَ الْبَعْضِ لاَ يُوجِبُ لِلْمُشْتَرِي خِيَارًا بَل يَلْزَمُهُ أَخْذُ الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ، لأَِنَّهُ لاَ ضَرَرَ فِي التَّبْعِيضِ. وَهُنَاكَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّ لَهُ الرَّدَّ، دَفْعًا لِضَرَرِ مُؤْنَةِ الْقِسْمَةِ. (17)
أَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، فَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ صُورَتَهَا فِي قَوْلِهِ: " إِنْسَانٌ اشْتَرَى مِنْ آخَرَ أَرْضًا مُشْتَمِلَةً عَلَى نَخْلٍ، ثُمَّ تَقَايَلاَ، ثُمَّ ادَّعَى الْبَائِعُ بُطْلاَنَ الإِْقَالَةِ، وَحَكَمَ لَهُ الْحَاكِمُ الشَّرْعِيُّ بِذَلِكَ بِشَرْطِهِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهَرَ أَنَّ مِنَ الأَْرْضِ الْمَذْكُورَةِ مَغْرَسَ نَخْلَةٍ مِنَ النَّخْل الْمَذْكُورِ مَمْلُوكًا لِغَيْرِ الْبَائِعِ حِينَ الْبَيْعِ.
فَهَل يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي حِينَئِذٍ بِهَا، وَإِذَا قُلْتُمْ نَعَمْ، فَهَل يَمْنَعُ خِيَارَهُ بِمِلْكِ الْبَائِعِ الْمَغْرَسُ الْمَذْكُورُ وَإِعْطَائِهَا لَهُ، أَوْ إِعْطَاءِ مُسْتَحِقِّهَا إِيَّاهَا لِلْمُشْتَرِي، أَوْ لاَ؟ " وَذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَتَخَيَّرُ بِذَلِكَ، لِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ.
وَلَوْ أَرَادَ مَالِكُ الْمَغْرَسِ (غَيْرُ الْبَائِعِ) هِبَتَهُ لِلْمُشْتَرِي لاَ يَسْقُطُ بِذَلِكَ خِيَارُهُ. وَهُوَ ظَاهِرٌ، أَمَّا الْخَفِيُّ فَهُوَ مَا إِذَا مَلَكَ الْبَائِعُ ذَلِكَ الْمَغْرَسَ، وَلَمَّا عُلِمَ ثُبُوتُ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي وَهَبَهُ لَهُ - أَوْ أَعْرَض عَنْهُ - فَهَذَا يَتَرَدَّدُ فِيهِ النَّظَرُ. وَعَلَى هَذَا دَلاَلاَتٌ مِنْ نُصُوصِ الْفُقَهَاءِ (18) . ثَانِيًا: خِيَارُ الْهَلاَكِ الْجُزْئِيِّ:
8 - فِي الْهَلاَكِ الْجُزْئِيِّ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، قَبْل الْقَبْضِ يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بَيْنَ الإِْمْضَاءِ وَالرَّدِّ، لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ.
وَهَذَا أَمْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ حَالاَتِ الْهَلاَكِ الْمُتَنَوِّعَةِ بِالنَّظَرِ إِلَى السَّبَبِ، ثُمَّ تَخْتَلِفُ كَيْفِيَّةُ الإِْمْضَاءِ (بَعْدَ اسْتِبْعَادِ حَالَةِ هَلاَكِهِ بِفِعْل أَجْنَبِيٍّ حَيْثُ يَسْتَوِي حُكْمُهَا وَحُكْمُ الْهَلاَكِ الْكُلِّيِّ مِنَ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الإِْمْضَاءِ وَتَضْمِينِ الْمُتَعَدِّي أَوِ الْفَسْخِ وَالتَّخْلِيَةِ بَيْنَ الأَْجْنَبِيِّ وَالْبَائِعِ) وَالتَّفَاوُتُ فِي الْحُكْمِ ذُو حَالَتَيْنِ: الْهَلاَكُ بِفِعْل الْبَائِعِ، وَفِيهَا يَسْقُطُ مِنَ الثَّمَنِ قَدْرُ النَّقْصِ، سَوَاءٌ كَانَ نَقْصَ قَدْرٍ، أَوْ نُقْصَانَ وَصْفٍ. وَالْهَلاَكُ بِسَبَبٍ سَمَاوِيٍّ، أَوْ بِفِعْل الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ حَيْثُ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ ذَلِكَ. فَمَعَ ثُبُوتِ الْخِيَارِ، يُطْرَحُ مِنَ الثَّمَنِ حِصَّةُ الْفَائِتِ إِنْ كَانَ النَّقْصُ فِي الْقَدْرِ. أَمَّا إِنْ كَانَ نُقْصَانَ وَصْفٍ فَلاَ يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنَ الثَّمَنِ " وَالْمُرَادُ بِالْوَصْفِ مَا يَدْخُل تَحْتَ الْبَيْعِ بِلاَ ذِكْرٍ كَالأَْشْجَارِ وَالْبِنَاءِ فِي الأَْرْضِ، وَالأَْطْرَافِ فِي الْحَيَوَانِ، وَالْجَوْدَةِ فِي الْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ " (19) .
أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا تَلِفَ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً، قَبْل الْقَبْضِ، يُفْسَخُ الْعَقْدُ فِي التَّالِفِ بِلاَ خِلاَفٍ.
أَمَّا فِي الْبَاقِي فَلَهُمْ فِيهِ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ عَلَى الْخِلاَفِ فِيمَنْ بَاعَ مِلْكَهُ وَمِلْكَ غَيْرِهِ؛ لأَِنَّ مَا يَحْدُثُ قَبْل الْقَبْضِ كَالْمَوْجُودِ فِي حَال الْعَقْدِ فِي إِبْطَال الْعَقْدِ، وَأَصَحُّهُمَا الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لاَ يَنْفَسِخُ لِعَدَمِ عِلَّتَيِ الْفَسَادِ هُنَاكَ.
فَإِذَا قِيل بِعَدَمِ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فِي الْفَسْخِ فِي الْبَاقِي، لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ، وَالأَْصَحُّ أَنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ إِلاَّ قِسْطُ الْبَاقِي، لأَِنَّ الْعِوَضَ هُنَا قَابَل الْمَبِيعَيْنِ مُقَابَلَةً صَحِيحَةً حَال الْعَقْدِ وَانْقَسَمَ الْعِوَضُ عَلَيْهِمَا فَلاَ يَتَغَيَّرُ بِهَلاَكِ بَعْضِهِ.
هَذَا إِذَا كَانَ الْمَقْبُوضُ بَاقِيًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ ثُمَّ تَلِفَ الآْخَرُ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَفِي الاِنْفِسَاخِ فِي الْمَقْبُوضِ خِلاَفٌ مُرَتَّبٌ عَلَى الصُّورَةِ السَّابِقَةِ، وَأَوْلَى بِعَدَمِ الاِنْفِسَاخِ لِتَلَفِهِ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي. وَإِذَا قِيل بِعَدَمِ الاِنْفِسَاخِ، فَهَل لَهُ الْفَسْخُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا نَعَمْ، وَيَرُدُّ قِيمَتَهُ وَيَسْتَرِدُّ الثَّمَنَ إِنْ كَانَ سَلَّمَهُ، وَأَصَحُّهُمَا لاَ، بَل عَلَيْهِ حِصَّتُهُ مِنَ الثَّمَنِ.
وَقَدْ عَلَّل الشَّافِعِيَّةُ حَجْبَ الْخِيَارِ عَنِ الْبَائِعِ بِأَنَّهُ لَمْ يَلْحَقْهُ نَقْصٌ فِيمَا يَخُصُّ مِلْكَهُ.
وَمِمَّا لَهُ حُكْمُ تَلَفِ بَعْضِ الصَّفْقَةِ، مَا لَوْ انْقَطَعَ بَعْضُ الْمُسْلَمِ فِيهِ عِنْدَ الْمَحَل، وَكَانَ الْبَاقِي مَقْبُوضًا أَوْ غَيْرَ مَقْبُوضٍ، قَال النَّوَوِيُّ: " فَإِذَا قُلْنَا: لَوِ انْقَطَعَ الْجَمِيعُ لَمْ يَنْفَسِخِ الْعَقْدُ كَانَالْمُسْلِمُ بِالْخِيَارِ: إِنْ شَاءَ فَسَخَ الْعَقْدَ فِي الْجَمِيعِ وَإِنْ شَاءَ أَجَازَهُ فِي الْجَمِيعِ. وَهَل لَهُ الْفَسْخُ فِي الْقَدْرِ الْمُنْقَطِعِ وَالإِْجَازَةُ فِي الْبَاقِي؟ فِيهِ قَوْلاَنِ (1) .
__________
(1) المصباح المنير، والمغرب للمطرزي، والقاموس، والمعجم الوسيط، مادة " صفق ".
(2) الاتحاد في الشيء، الانفراد، والاتحاد في الشيئين: الاجتماع ليصيرا شيئًا واحدًا.
(3) تحفة المحتاج بحاشية الشرواني 4 / 330 - 331، ومغني المحتاج 2 / 42، والوجيز 2 / 140، والمجموع شرح المهذب 9 / 432.
(4) رد المحتار 4 / 46، والأشباه والنظائر لابن نجيم ص208، والبحر الرائق 6 / 3.
(5) الفتاوى الهندية 3 / 83.
(6) مغني المحتاج 2 / 42، تحفة المحتاج وحاشية الشرواني 4 / 330، المجموع 9 / 432.
(7) المغني 4 / 212، مطالب أولي النهى 3 / 45، منتهى الإرادات 1 / 347، المهذب والمجموع 9 / 425.
(8) المغني 4 / 213، المجموع 9 / 383 قال النووي " فإن قلنا: الواجب الثمن فلا خيار للبائع لأنه لا ضرر عليه، فإن قلنا بالقسط فوجهان أصحهما لا خيار له ".
(9) المغني 4 / 214، المجموع 9 / 430 ط2.
(10) منتهى الإرادات 1 / 347، ومطالب أولي النهى 3 / 45.
(11) المهذب للشيرازي والمجموع 9 / 425، والمغني 4 / 212، ومطالب أولي النهى 3 / 45.
(12) المغني 4 / 212 - 213.
(13) المجموع شرح المهذب 9 / 386 - 387، المغني 4 / 331.
(14) البدائع 5 / 287، وبداية المجتهد 2 / 178 - 179.
(15) أحكام الاستحقاق (الكلي) يرجع إلى فتح القدير والعناية 5 / 304، 305، ورد المحتار 5 / 190 - 208 (ط2 الحلبي) .
(16) بدائع الصنائع 5 / 288، فتح القدير 5 / 176 - 177، رد المحتار 4 / 90، المبسوط 13 / 102، العناية شرح الهداية 5 / 176 - 177.
(17) بدائع الصنائع 5 / 289، فتح القدير 5 / 176.
(18) الفتاوى الكبرى 2 / 242 - 246.
(19) رد المحتار 4 / 46، بدائع الصنائع 5 / 239.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 57/ 20