الوهاب
كلمة (الوهاب) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) مشتق من الفعل...
التَّعْرِيفُ:
1 - الرُّكُوبُ لُغَةً: مَصْدَرُ رَكِبَ.
يُقَال: رَكِبَ الدَّابَّةَ يَرْكَبُهَا أَيْ عَلاَ عَلَيْهَا، وَكُل مَا عُلِيَ عَلَيْهِ فَقَدْ رُكِبَ. وَقِيل: هُوَ خَاصٌّ بِالإِْبِل (1) .
وَلاَ يَخْرُجُ الرُّكُوبُ فِي الاِصْطِلاَحِ عَنْ ذَلِكَ.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
أ - صَلاَةُ التَّطَوُّعِ رَاكِبًا:
2 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي إِبَاحَةِ صَلاَةِ التَّطَوُّعِ عَلَى الرَّاحِلَةِ، فِي السَّفَرِ الطَّوِيل - وَهُوَ مَا يَجُوزُ فِيهِ قَصْرُ الصَّلاَةِ - وَقَال ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ جَائِزٌ لِكُل مَنْ سَافَرَ سَفَرًا يَقْصُرُ فِيهِ الصَّلاَةَ أَنْ يَتَطَوَّعَ عَلَى دَابَّتِهِ حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ، أَمَّا السَّفَرُ الْقَصِيرُ وَهُوَ مَا لاَ يُبَاحُ فِيهِ الْقَصْرُ فَإِنَّهُ يُبَاحُ فِيهِ الصَّلاَةُ عَلَى الرَّاحِلَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ (2) وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ (3) } وَبِالصَّلاَةِ عَلَى الرَّاحِلَةِ فُسِّرَتِ الآْيَةُ، وَقَال ابْنُ عُمَرَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآْيَةُ فِي التَّطَوُّعِ خَاصَّةً، أَيْ حَيْثُ تَوَجَّهَ بِكَ بَعِيرُكَ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ قَال: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ﵄ يُصَلِّي فِي السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ أَيْنَمَا تَوَجَّهَتْ يُومِئُ، وَذَكَرَ عَبْدُ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَفْعَلُهُ (4) .
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَال: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُصَلِّي فِي السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ يُومِئُ إِيمَاءَ صَلاَةِ اللَّيْل إِلاَّ الْفَرَائِضَ وَيُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ (5) .
وَلِمُسْلِمٍ: غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَةَ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ قَصِيرِ السَّفَرِ وَطَوِيلِهِ؛ وَلأَِنَّ إِبَاحَةَ الصَّلاَةِ عَلَى الرَّاحِلَةِ تَخْفِيفٌ فِي التَّطَوُّعِ كَيْ لاَ يُؤَدِّيَ إِلَى قَطْعِهَا وَتَقْلِيلِهَا، وَهَذَا يَسْتَوِي فِيهِ الطَّوِيل وَالْقَصِيرُ. وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ سَفَرَ قَصْرٍ، أَمَّا إِنْ لَمْ يَكُنْ سَفَرَ قَصْرٍ فَلاَ يَتَنَفَّل عَلَى الدَّابَّةِ (6) . شُرُوطُ جَوَازِ التَّنَفُّل عَلَى الرَّاحِلَةِ:
3 - يُشْتَرَطُ لِجَوَازِ التَّنَفُّل عَلَى الرَّاحِلَةِ مَا يَأْتِي:
1 - تَرْكُ الأَْفْعَال الْكَثِيرَةِ بِلاَ عُذْرٍ كَالرَّكْضِ.
2 - دَوَامُ السَّفَرِ إِلَى انْتِهَاءِ الصَّلاَةِ.
فَلَوْ صَارَ مُقِيمًا فِي أَثْنَاءِ الصَّلاَةِ عَلَيْهَا وَجَبَ إِتْمَامُهَا عَلَى الأَْرْضِ مُسْتَقْبِلاً الْقِبْلَةَ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ.
وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُتِمَّ الصَّلاَةَ عَلَيْهَا (7) .
وَتَفْصِيلُهُ فِي الصَّلاَةِ، وَصَلاَةِ التَّطَوُّعِ.
اسْتِقْبَال الْقِبْلَةِ فِي صَلاَةِ التَّطَوُّعِ عَلَى الرَّاحِلَةِ:
4 - قَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِنْ أَمْكَنَ اسْتِقْبَال الْقِبْلَةِ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَإِتْمَامُ أَرْكَانِ الصَّلاَةِ كَرُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا لَزِمَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَلاَ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، لِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ كَانَ إِذَا سَافَرَ، فَأَرَادَ أَنْ يَتَطَوَّعَ اسْتَقْبَل بِنَاقَتِهِ الْقِبْلَةَ فَكَبَّرَ ثُمَّ صَلَّى حَيْثُ وَجَّهَهُ رِكَابُهُ (8) . وَيَخْتَصُّ وُجُوبُ الاِسْتِقْبَال بِتَكْبِيرَةِ الإِْحْرَامِ، فَلاَ يَجِبُ فِيمَا سِوَاهُ؛ لِوُقُوعِ أَوَّل الصَّلاَةِ بِالشَّرْطِ، ثُمَّ يُجْعَل مَا بَعْدَهُ تَابِعًا لَهُ (9) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ: لاَ يَلْزَمُهُ الاِسْتِقْبَال وَإِنْ أَمْكَنَهُ، وَلَوْ فِي تَكْبِيرَةِ الإِْحْرَامِ (10)
أَمَّا رَاكِبُ السَّفِينَةِ وَنَحْوِهَا كَالْعِمَارِيَّةِ وَهِيَ نَوْعٌ مِنَ السُّفُنِ يَدُورُ فِيهَا كَيْفَ يَشَاءُ، وَيَتَمَكَّنُ مِنَ الصَّلاَةِ إِلَى الْقِبْلَةِ، فَعَلَيْهِ اسْتِقْبَال الْقِبْلَةِ فِي صَلاَتِهِ (11) .
قِبْلَةُ الرَّاكِبِ وَجِهَتُهُ:
5 - قِبْلَةُ الْمُصَلِّي عَلَى الرَّاحِلَةِ حَيْثُ وَجَّهَتْهُ، فَإِنْ عَدَل عَنْهَا لاَ إِلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ فَسَدَتْ صَلاَتُهُ، لأَِنَّهُ تَرَكَ قِبْلَتَهُ عَمْدًا.
فَإِنْ عَدَل إِلَى الْقِبْلَةِ فَلاَ تَبْطُل صَلاَتُهُ، لأَِنَّهَا الأَْصْل، وَإِنَّمَا جَازَ تَرْكُهَا لِلْعُذْرِ (12) .
وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (اسْتِقْبَال) .
أَدَاءُ صَلاَةِ الْفَرْضِ رَاكِبًا:
6 - يَجُوزُ أَدَاءُ صَلاَةِ الْفَرْضِ رَاكِبًا فِي السَّفِينَةِ وَنَحْوِهَا كَالْمِحَفَّةِ وَالْعِمَارِيَّةِ مِمَّا يُمْكِنُ مَعَهُ اسْتِقْبَال الْقِبْلَةِ وَإِتْمَامُ أَرْكَانِهَا، وَاخْتَلَفُوا فِي الرَّاحِلَةِ: فَقَال الْجُمْهُورُ: لاَ يَجُوزُ أَدَاؤُهَا عَلَى دَابَّةٍ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ وَاقِفَةً أَمْ سَائِرَةً إِلاَّ لِعُذْرٍ كَخَوْفٍ (13) . فَإِنْ صَلَّى عَلَى رَاحِلَتِهِ لِعُذْرٍ لَمْ تَلْزَمْهُ الإِْعَادَةُ. وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ كَانَتْ وَاقِفَةً وَتَوَجَّهَ إِلَى الْقِبْلَةِ وَأَتَمَّ الْفَرْضَ جَازَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَعْقُولَةً، لاِسْتِقْرَارِهِ فِي نَفْسِهِ. أَمَّا إِنْ كَانَتْ سَائِرَةً، أَوْ لَمْ يَتَوَجَّهْ إِلَى الْقِبْلَةِ، أَوْ لَمْ يُتِمَّ أَرْكَانَهَا فَلاَ يَجُوزُ إِلاَّ لِعُذْرٍ؛ لأَِنَّ سَيْرَ الدَّابَّةِ مَنْسُوبٌ إِلَيْهِ، وَيُعِيدُ الصَّلاَةَ فِي حَالَةِ الْعُذْرِ (14) .
اتِّبَاعُ الْجِنَازَةِ رَاكِبًا:
7 - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي لِمُشَيِّعِ الْجِنَازَةِ أَنْ لاَ يَتْبَعَهَا رَاكِبًا إِلاَّ لِعُذْرٍ كَمَرَضٍ أَوْ ضَعْفٍ. فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ رَأَى أُنَاسًا رُكْبَانًا فِي جِنَازَةٍ فَقَال: أَلاَ تَسْتَحْيُونَ؟ إِنَّ مَلاَئِكَةَ اللَّهِ يَمْشُونَ عَلَى أَقْدَامِهِمْ، وَأَنْتُمْ عَلَى ظُهُورِ الدَّوَابِّ (15) . وَإِذَا اتَّبَعَهَا رَاكِبًا يَكُونُ خَلْفَ الْجِنَازَةِ. أَمَّا الرُّكُوبُ فِي الرُّجُوعِ فَلاَ بَأْسَ بِهِ (16) .
وَلاَ بَأْسَ بِاتِّبَاعِ الْجِنَازَةِ رَاكِبًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَلَكِنَّ الْمَشْيَ أَفْضَل مِنْهُ؛ لأَِنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى الْخُشُوعِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ الرَّاكِبُ الْجِنَازَةَ؛ لأَِنَّ ذَلِكَ لاَ يَخْلُو عَنْ إِضْرَارٍ بِالنَّاسِ (17) .
صَلاَةُ الْمُجَاهِدِ رَاكِبًا:
8 - يَجُوزُ لِلْمُجَاهِدِ أَنْ يُصَلِّيَ رَاكِبًا إِذَا الْتَحَمَ الْقِتَال وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ تَرْكِهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا (18) } .
وَالتَّفْصِيل فِي (صَلاَةِ الْخَوْفِ) .
الْحَجُّ رَاكِبًا:
9 - الْحَجُّ رَاكِبًا عَلَى الدَّوَابِّ، وَنَحْوِهَا أَفْضَل مِنَ الْحَجِّ مَاشِيًا، لأَِنَّ ذَلِكَ فِعْلُهُ ﷺ (19) ، وَلأَِنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى الشُّكْرِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ (20) ، وَلَمْ نَجِدْ لِلْحَنَابِلَةِ تَصْرِيحًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. الطَّوَافُ رَاكِبًا:
10 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي صِحَّةِ طَوَافِ الرَّاكِبِ إِذَا كَانَ لَهُ عُذْرٌ لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ ﵂، قَالَتْ: شَكَوْتُ إِلَى رَسُول اللَّهِ ﷺ أَنِّي أَشْتَكِي فَقَال: طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ (21) .
وَاخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ الطَّوَافِ رَاكِبًا بِلاَ عُذْرٍ فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ (22) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄: إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ طَافَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى بَعِيرٍ، يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ (23) . وَقَال جَابِر: طَافَ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ (24) ". وَلأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالطَّوَافِ مُطْلَقًا فَكَيْفَمَا أَتَى بِهِ أَجْزَأَهُ، وَلاَ يَجُوزُ تَقْيِيدُ الْمُطْلَقِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَأَحْمَدُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْهُ، إِلَى أَنَّ الْمَشْيَ فِي الطَّوَافِ مِنْ وَاجِبَاتِ الطَّوَافِ، فَإِنْ طَافَ رَاكِبًا بِلاَ عُذْرٍ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْمَشْيِ وَجَبَ عَلَيْهِ دَمٌ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ: بِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ بِمَنْزِلَةِ الصَّلاَةِ (25) . وَلأَِنَّ الطَّوَافَ عِبَادَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْبَيْتِ فَلَمْ يَجُزْ فِعْلُهَا رَاكِبًا لِغَيْرِ عُذْرٍ كَالصَّلاَةِ، وَلأَِنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِالطَّوَافِ بِقَوْلِهِ: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (26) ، وَالرَّاكِبُ لَيْسَ بِطَائِفٍ حَقِيقَةً، فَأَوْجَبَ ذَلِكَ نَقْصًا فِيهِ فَوَجَبَ جَبْرُهُ بِالدَّمِ، وَزَادَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنْ كَانَ بِمَكَّةَ فَعَلَيْهِ الإِْعَادَةُ، وَإِنْ عَادَ إِلَى بِلاَدِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ.
وَيُنْظَرُ التَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (طَوَاف) .
أَمَّا السَّعْيُ رَاكِبًا فَيُجْزِئُهُ لِعُذْرٍ، وَلِغَيْرِ عُذْرٍ بِالاِتِّفَاقِ (27) .
ضَمَانُ الرَّاكِبِ مَا تَجْنِيهِ الدَّابَّةُ:
11 - ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ إِلَى أَنَّ الرَّاكِبَ يَضْمَنُ مَا تُتْلِفُهُ الدَّابَّةُ بِيَدِهَا حَال رُكُوبِهِ مِنْ مَالٍ أَوْ نَفْسٍ.
وَاخْتَلَفُوا فِي ضَمَانِ مَا تَجْنِيهِ بِرِجْلِهَا، فَقَال الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ: إِنَّ الرَّاكِبَ لاَ يَضْمَنُ مَا جَنَتْهُ دَابَّتُهُ بِرِجْلِهَا؛ لأَِنَّهُ لاَ يُمْكِنُهُ حِفْظُ رِجْلِهَا عَنِ الْجِنَايَةِ فَلاَ يَضْمَنُهَا كَمَا لَوْ لَمْ تَكُنْ يَدُهُ عَلَيْهَا، وَقَال الشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ: يَضْمَنُ الرَّاكِبُ مَا تَجْنِيهِ الدَّابَّةُ فِي حَال رُكُوبِهِ مُطْلَقًا. سَوَاءٌ جَنَتْ بِيَدِهَا، أَمْ بِرِجْلِهَا، أَمْ بِرَأْسِهَا، لأَِنَّهَا فِي يَدِهِ، وَعَلَيْهِ تَعَهُّدُهَا وَحِفْظُهَا (28) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: لاَ يَضْمَنُ الرَّاكِبُ مَا تُعْطِبُهُ الدَّابَّةُ بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا أَوْ ذَنَبِهَا، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ فَعَلَهُ بِهَا (29) . وَالتَّفْصِيل فِي (ضَمَان، وَإِتْلاَف) .
مَا يَقُولُهُ الرَّاكِبُ إِذَا رَكِبَ دَابَّتَهُ:
12 - يُسَنُّ لِلرَّاكِبِ إِذَا اسْتَوَى عَلَى دَابَّتِهِ أَنْ يُكَبِّرَ ثَلاَثًا ثُمَّ يَقْرَأَ آيَةَ: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} (30) .
وَيَدْعُوَ بِالدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فَعَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ قَال: شَهِدْتُ عَلِيًّا ﵁ أُتِيَ بِدَابَّةٍ لِيَرْكَبَهَا، فَلَمَّا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الرِّكَابِ قَال: بِسْمِ اللَّهِ، فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى ظَهْرِهَا قَال: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} . ثُمَّ قَال: الْحَمْدُ لِلَّهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَال: اللَّهُ أَكْبَرُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَال: سُبْحَانَكَ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي، إِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ، ثُمَّ ضَحِكَ، فَقِيل: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ ضَحِكْتَ؟ قَال: رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ فَعَل مِثْل مَا فَعَلْتُ ثُمَّ ضَحِكَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُول اللَّهِ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ ضَحِكْتَ؟ قَال: إِنَّ رَبَّكَ سُبْحَانَهُ يَعْجَبُ مِنْ عَبْدِهِ إِذَا قَال: اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، يَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ غَيْرِي (31) .
وَإِذَا رَكِبَ لِلسَّفَرِ دَعَا بِمَا جَاءَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ كَانَ إِذَا اسْتَوَى عَلَى بَعِيرِهِ خَارِجًا إِلَى سَفَرٍ كَبَّرَ ثَلاَثًا ثُمَّ قَال: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى، وَمِنَ الْعَمَل مَا تَرْضَى، اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا، وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ، وَالْخَلِيفَةُ فِي الأَْهْل. اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ فِي الْمَال وَالأَْهْل (32) .
وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إِذَا رَكِبَ أَيَّ نَوْعٍ مِنْ وَسَائِل الرُّكُوبِ.
__________
(1) لسان العرب ومتن اللغة.
(2) ابن عابدين 1 / 470، ونهاية المحتاج 1 / 429، والمغني 1 / 434.
(3) سورة البقرة / 115.
(4) حديث: " كان يصلي في السفر على راحلته أينما توجهت يومئ ". أخرجه البخاري (الفتح 2 / 574 - ط السلفية) ، ومسلم (1 / 486 - ط الحلبي) من حديث ابن عمر.
(5) حديث: " كان النبي ﷺ يصلي في السفر على راحلته حيث توجهت ". أخرجه البخاري (الفتح 2 / 489 - ط السلفية) .
(6) ابن عابدين 1 / 470، ومواهب الجليل 1 / 509، ونهاية المحتاج 1 / 429، والمغني 1 / 434.
(7) ابن عابدين 1 / 470، نهاية المحتاج 1 / 433، ومواهب الجليل 1 / 509، المغني 1 / 438.
(8) حديث أنس: " كان إذا سافر فأراد أن يتطوع. . . " أخرجه أبو داود (2 / 21 - تحقيق عزت عبيد دعاس) ، وحسنه المنذري كما في مختصره لأبي داود (2 / 59 - نشر دار المعرفة) .
(9) نهاية المحتاج 1 / 430، والمغني 1 / 436.
(10) ابن عابدين 1 / 469، ومواهب الجليل 1 / 509.
(11) المصادر السابقة.
(12) المصادر السابقة.
(13) ابن عابدين 1 / 470، ومواهب الجليل 1 / 509، وكشاف القناع 1 / 304.
(14) الجمل على شرح المنهج 1 / 319، ونهاية المحتاج 1 / 434.
(15) حديث: " ألا تستحيون؟ إن ملائكة الله يمشون على أقدامهم ". أخرجه الترمذي (3 / 324 - ط الحلبي) من حديث ثوبان، ثم نقل عن البخاري أنه صحح وقفه.
(16) قليوبي 1 / 330، المغني 2 / 474 - 475، روضة الطالبين 2 / 116.
(17) بدائع الصنائع 1 / 315، وأسنى المطالب 1 / 134، ورد المحتار 1 / 469، والفروع 1 / 380.
(18) سورة البقرة / 239.
(19) حديث: " حجه ﷺ راكبًا ". أخرجه البخاري (الفتح 3 / 380 - ط السلفية) .
(20) مواهب الجليل 2 / 540، وابن عابدين 2 / 143، وأسنى المطالب 1 / 445.
(21) حديث: " طوفي من وراء الناس وأنت راكبة ". أخرجه البخاري (الفتح 3 / 480 - ط السلفية) ، ومسلم (2 / 927 - ط الحلبي) .
(22) قليوبي 2 / 105، نهاية المحتاج 2 / 283، وأسنى المطالب 1 / 480.
(23) حديث ابن عباس: " طاف في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن ". أخرجه البخاري (الفتح 3 / 472 - 473 - ط السلفية) ومسلم (2 / 926 - ط الحلبي)
(24) حديث: " طاف النبي ﷺ على راحلته بالبيت وبين الصفا والمروة " أخرجه مسلم (2 / 927 - ط الحلبي) .
(25) حديث: " الطواف بالبيت بمنزلة الصلاة ". أخرجه الحاكم (2 / 267 - ط دائرة المعارف العثمانية) من حديث ابن عباس. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
(26) سورة الحج / 29.
(27) بدائع الصنائع 2 / 128، والمغني 3 / 397، ومواهب الجليل 2 / 540.
(28) مغني المحتاج 4 / 204، وابن عابدين 5 / 386 - 387، والمغني لابن قدامة 8 / 338 - 339.
(29) حاشية الدسوقي 4 / 357 - 358.
(30) سورة الزخرف / 13 و14.
(31) حديث: " علي بن أبي طالب مع علي بن ربيعة. . . " أخرجه أبو داود (3 / 77 - تحقيق عزت عبيد دعاس) . والترمذي (5 / 501 - ط الحلبي) وقال: " حديث حسن صحيح ".
(32) حديث: " كان إذا استوى على بعيره خارجًا إلى سفر ". أخرجه مسلم (2 / 978 - ط الحلبي) من حديث عبد الله بن عمر.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 120/ 23