الولي
كلمة (الولي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (وَلِيَ)،...
الطَّوافُ: الدَّوَرانُ حَوْلَ الشَّيْءِ، يُقال: طافَ حَوْلَ الكَعْبَةِ وبِها، يَطُوفُ، طَوْفًا وطَوَفانًا: إذا دارَ حَوْلَها، والمَطافُ: مَكانُ الدَّوَرانِ.
طوف
الدَّوَرانُ حَوْلَ الكَعْبَةِ سَبْعَةَ أَشْواطٍ ابْتِدَاءً مِن الحجَرِ الأَسْوَدِ وانْتِهاءً إِلَيْهِ، بِنِيَّة العِبادَةِ.
الطَّوافُ: رُكْنٌ مِن أَرْكانِ الحَجِّ والعُمْرَةِ، وصِفتُه: دَورانُ الحاجِّ أو المُعْتَمِر حولَ الكَعبَةِ سَبْعَةَ أَشْواطِ، يَبْدَأُ كُلُّ شَوْطٍ مِن الحَجَرِ الأَسْوَدِ ويَنْتَهِي عِنْدَهُ، بحيث يَجْعَلُ الحاجُّ أو المُعْتَمِرُ الكَعْبَةَ عن يَسارِهِ، وهو في الحَجِّ ثلاثَةُ أَنْواعٍ: 1- طَوافُ القُدُومِ: وهو الطَّوافُ الذي يأتِي بِهِ الآفاقِيُّ أَوَّلَ ما يَدْخُلُ المَسْجِدَ الحَرامَ، وهو سُنَّةٌ. 2- طوافُ الإفاضَةِ: وهو الطَّوافُ الذي يَطُوفُهُ الحاجُّ بعد رَمْيِ جَمْرَةِ العَقَبَةِ، وهو رُكنٌ مِن الأركانِ. 3- طَوافُ الوَداعِ: وهو الطَّوافُ الذي يَطوفُهُ الحاجُّ قَبْلَ رَحِيلِهِ مِن مَكَّةَ، وهو واجِبٌ لِغيرِ الحائِضِ والنُّفَساءِ. وهو في العُمرة طوافٌ واحدٌ، ويُستَحَبُّ الطَّواف لِغيرِ الحاجِّ والمُعتَمِر في أيِّ وَقتٍ من ليلٍ أو نهارٍ.
الطَّوافُ: الدَّوَرانُ حَوْلَ الشَّيْءِ، يُقال: طافَ حَوْلَ الكَعْبَةِ وبِها، يَطُوفُ، طَوْفًا: إذا دارَ حَوْلَها.
* العين : (7/458)
* مقاييس اللغة : (3/432)
* المحكم والمحيط الأعظم : (9/242)
* النهاية في غريب الحديث والأثر : (3/143)
* لسان العرب : (9/225)
* المصباح المنير في غريب الشرح الكبير : (2/380)
* المطلع على ألفاظ المقنع : (ص 188)
* تحرير ألفاظ التنبيه : (ص 150)
* طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية : (ص 80)
* التوقيف على مهمات التعاريف : (ص 229)
* نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج : (3/281)
* كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم : (2/1140)
* القاموس الفقهي : (ص 235)
* معجم لغة الفقهاء : (ص 293) -
التَّعْرِيفُ:
1 - الطَّوَافُ لُغَةً: الدَّوَرَانُ حَوْل الشَّيْءِ، يُقَال: طَافَ حَوْل الْكَعْبَةِ وَبِهَا يَطُوفُ طَوْفًا وَطَوَفَانًا بِفَتْحَتَيْنِ، وَالْمَطَافُ: مَوْضِعُ الطَّوَافِ.
وَتَطَوَّفَ وَطَوَّفَ: بِمَعْنَى طَافَ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} (1) أَصْلُهُ يَتَطَوَّفُ، قُلِبَتِ التَّاءُ طَاءً ثُمَّ أُدْغِمَتْ (2) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: الطَّوَافُ: هُوَ الدَّوَرَانُ حَوْل الْبَيْتِ الْحَرَامِ.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
السَّعْيُ:
2 - السَّعْيُ فِي اللُّغَةِ: الْمَشْيُ، وَأَيْضًا الْقَصْدُ إِلَى الشَّيْءِ، وَالْعَدْوُ، وَالتَّصَرُّفُ فِي الأَْعْمَال (3) .
وَاصْطِلاَحًا: الْمَشْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ.
وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى السَّعْيِ الطَّوَافُ، وَالتَّطَوُّفُ، كَمَا سَبَقَ فِي الآْيَةِ: {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} .
أَنْوَاعُ الطَّوَافِ:
3 - يَتَنَوَّعُ الطَّوَافُ بِحَسَبِ سَبَبِ مَشْرُوعِيَّتِهِ إِلَى سَبْعَةِ أَنْوَاعٍ، وَهِيَ:
طَوَافُ الْقُدُومِ، طَوَافُ الزِّيَارَةِ، طَوَافُ الْوَدَاعِ، طَوَافُ الْعُمْرَةِ، طَوَافُ النَّذْرِ، طَوَافُ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، طَوَافُ التَّطَوُّعِ. كَذَا عَدَّهَا الْحَنَفِيَّةُ (4) وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ.
وَعَدَّهَا الشَّافِعِيَّةُ سِتَّةً: طَوَافُ الْقُدُومِ، طَوَافُ الرُّكْنِ، طَوَافُ الْوَدَاعِ، طَوَافُ مَا يَتَحَلَّل بِهِ فِي الْفَوَاتِ، طَوَافُ النَّذْرِ، طَوَافُ التَّطَوُّعِ (5) .
وَقَوْلُهُمْ " طَوَافُ الرُّكْنِ ": يَشْمَل طَوَافَ رُكْنِ الْحَجِّ وَرُكْنِ الْعُمْرَةِ، وَقَوْلُهُمْ: " طَوَافُ التَّطَوُّعِ " يَشْمَل تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ، أَيِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، لاِعْتِبَارِ أَنَّ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ بِالصَّلاَةِ تَنُوبُ عَنِ الطَّوَافِ.
وَاخْتَصَّ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ بِطَوَافِ مَا يَتَحَلَّل بِهِ فِي الْفَوَاتِ، فَإِنَّهُ يَدْخُل فِي الْعُمْرَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ؛ لأَِنَّ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ يَتَحَلَّل بِعُمْرَةٍ عِنْدَهُمْ (6) ، وَيَتَحَلَّل بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ وَحَلْقٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، حَتَّى لَوْ سَعَى بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ سَقَطَ عَنْهُ السَّعْيُ، وَلاَ يَنْقَلِبُ عَمَلُهُ هَذَا إِلَى عُمْرَةٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ (7) .
وَلِكُل نَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الأَْنْوَاعِ أَحْكَامُهُ عَلَى التَّفْصِيل التَّالِي:
أَوَّلاً: طَوَافُ الْقُدُومِ:
4 - وَيُسَمَّى طَوَافَ الْقَادِمِ، وَطَوَافَ الْوُرُودِ، وَطَوَافَ التَّحِيَّةِ؛ لأَِنَّهُ شُرِعَ لِلْقَادِمِ وَالْوَارِدِ مِنْ غَيْرِ مَكَّةَ لِتَحِيَّةِ الْبَيْتِ، وَيُسَمَّى أَيْضًا طَوَافَ اللِّقَاءِ، وَأَوَّل عَهْدٍ بِالْبَيْتِ، وَطَوَافُ الْقُدُومِ سُنَّةٌ لِلآْفَاقِيِّ الْقَادِمِ إِلَى مَكَّةَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ تَحِيَّةٌ لِلْبَيْتِ الْعَتِيقِ، لِذَلِكَ يُسْتَحَبُّ الْبَدْءُ بِهِ دُونَ تَأْخِيرٍ.
وَسَوَّى الشَّافِعِيَّةُ بَيْنَ دَاخِلِي مَكَّةَ، الْمُحْرِمِ مِنْهُمْ وَغَيْرِ الْمُحْرِمِ فِي سُنِّيَّةِ طَوَافِ الْقُدُومِ، بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِمْ فِي جَوَازِ دُخُول الْحَرَمِ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ لِمَنْ قَصَدَهُ لِحَاجَةٍ غَيْرِ النُّسُكِ. وَلَمْ يُجِزْ غَيْرُهُمْ دُخُول الْحَرَمِ إِلاَّ بِنُسُكٍ: يُحْرِمُ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً، لِذَلِكَ كَانَ طَوَافُ الْقُدُومِ عِنْدَهُمْ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ خَاصَّةً؛ لأَِنَّ الْمُعْتَمِرَ يَبْدَأُ بِطَوَافِ الْعُمْرَةِ. وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ طَوَافَ الْقُدُومِ وَاجِبٌ، مَنْ تَرَكَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ. وَفِي بَيَانِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ طَوَافُ الْقُدُومِ، وَدَلِيل الْوُجُوبِ، وَكَيْفِيَّةِ طَوَافِ الْقُدُومِ وَوَقْتِهِ، وَمَنْ يَسْقُطُ عَنْهُ: تَفْصِيلٌ سَبَقَ فِي مُصْطَلَحِ: (حَجّ ف 88 وَمَا بَعْدَهَا) .
ثَانِيًا: طَوَافُ الإِْفَاضَةِ:
5 - طَوَافُ الإِْفَاضَةِ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا، لاَ يَتَحَلَّل الْحَاجُّ بِدُونِهِ التَّحَلُّل الأَْكْبَرَ، وَلاَ يَنُوبُ عَنْهُ شَيْءٌ أَلْبَتَّةَ، وَيُؤَدِّيهِ الْحَاجُّ بَعْدَ أَنْ يُفِيضَ مِنْ عَرَفَةَ، وَيَبِيتَ بِالْمُزْدَلِفَةِ، فَيَأْتِي مِنًى يَوْمَ الْعِيدِ، فَيَرْمِي وَيَنْحَرُ وَيَحْلِقُ، وَيَأْتِي مَكَّةَ، فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ طَوَافَ الإِْفَاضَةِ، وَيُسَمَّى أَيْضًا طَوَافَ الزِّيَارَةِ، وَيُسَمَّى طَوَافَ الْفَرْضِ، وَالرُّكْنِ؛ لأَِنَّهُ فَرْضٌ وَرُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ.
وَفِي فَرْضِيَّةِ طَوَافِ الإِْفَاضَةِ وَكَيْفِيَّتِهِ وَعَدَدِ أَشْوَاطِهِ، وَشُرُوطِهِ الْخَاصَّةِ بِهِ، وَوَقْتِهِ، وَمَايُسَنُّ فِيهِ، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى تَأْخِيرِهِ أَوْ تَرْكِهِ: فِي ذَلِكَ كُلِّهِ تَفْصِيلٌ سَبَقَ فِي مُصْطَلَحِ: (حَجّ مِنْ ف 52 إِلَى 55 وَف 124) .
ثَالِثًا: طَوَافُ الْوَدَاعِ:
6 - وَيُسَمَّى طَوَافَ الصَّدَرِ، وَطَوَافَ آخِرِ الْعَهْدِ.
وَهُوَ وَاجِبٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ (الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَهُوَ الأَْظْهَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ) وَمُسْتَحَبٌّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ.
وَاسْتَدَل الْجُمْهُورُ عَلَى وُجُوبِهِ بِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ ﵄ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ أَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ (8) ، إِلاَّ أَنَّهُ خَفَّفَ عَنِ الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ.
وَاسْتَدَل الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ، بِأَنَّهُ جَازَ لِلْحَائِضِ تَرْكُهُ دُونَ فِدَاءٍ، وَلَوْ وَجَبَ لَمْ يَجُزْ لِلْحَائِضِ تَرْكُهُ. وَفِي شُرُوطِ وُجُوبِهِ وَمَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ وَشُرُوطِ صِحَّتِهِ وَوَقْتِهِ تَفْصِيلٌ سَبَقَ فِي مُصْطَلَحِ: (حَجّ ف 70 إِلَى 74) .
رَابِعًا: طَوَافُ الْعُمْرَةِ:
7 - وَهُوَ رُكْنٌ فِيهَا، وَأَوَّل وَقْتِهِ بَعْدَ الإِْحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ، وَلاَ آخِرَ لَهُ. وَيُنْظَرُ التَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (عُمْرَة) .
خَامِسًا: طَوَافُ النَّذْرِ:
8 - وَهُوَ وَاجِبٌ، وَلاَ يَخْتَصُّ بِوَقْتٍ إِذَا لَمْ يُعَيِّنِ النَّاذِرُ فِي نَذْرِهِ لِلطَّوَافِ وَقْتًا.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (نَذْر) .
سَادِسًا: طَوَافُ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ:
9 - وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ لِكُل مَنْ دَخَل الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، إِلاَّ إِذَا كَانَ عَلَيْهِ طَوَافٌ آخَرُ، فَيَقُومُ مَقَامَهُ، كَالْمُعْتَمِرِ، فَإِنَّهُ يَطُوفُ طَوَافَ فَرْضِ الْعُمْرَةِ، وَيَنْدَرِجُ فِيهِ طَوَافُ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ، كَمَا ارْتَفَعَ بِهِ طَوَافُ الْقُدُومِ، وَهُوَ أَقْوَى مِنْ طَوَافِ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ، وَذَلِكَ لأَِنَّ تَحِيَّةَ هَذَا الْمَسْجِدِ الشَّرِيفِ هِيَ الطَّوَافُ إِلاَّ إِذَا كَانَ مَانِعٌ فَحِينَئِذٍ يُصَلِّي تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ (9) .
سَابِعًا: طَوَافُ التَّطَوُّعِ:
10 - وَمِنْهُ طَوَافُ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَزَمَنُهُ - كَمَا سَبَقَ - عِنْدَ الدُّخُول، أَمَّا طَوَافُ التَّطَوُّعِ غَيْرُ طَوَافِ التَّحِيَّةِ، فَلاَ يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ، وَيَجُوزُ فِي أَوْقَاتِ كَرَاهَةِ الصَّلاَةِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ. وَلاَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَطَوَّعَ وَيَكُونَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ سَائِرِ الْفُرُوضِ. وَيَصِحُّ مِنْ كُل مُسْلِمٍ عَاقِلٍ مُمَيِّزٍ - وَلَوْ مِنَ الصِّغَارِ - إِذَا كَانَ طَاهِرًا.
وَيَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ وَكَذَا فِي طَوَافِ الْقُدُومِ وَالتَّحِيَّةِ، أَيْ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (10) ، عَلَى الْخِلاَفِ فِي مَسْأَلَةِ لُزُومِ إِتْمَامِ النَّافِلَةِ بِالشُّرُوعِ فِيهَا.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (شُرُوع ف 5) .
أَحْكَامُ الطَّوَافِ الْعَامَّةِ:
ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ أُمُورًا لاَ بُدَّ مِنْهَا فِي الطَّوَافِ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ، لَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي عَدِّهَا رُكْنًا أَوْ وَاجِبًا أَوْ شَرْطًا عَلَى النَّحْوِ التَّالِي:
أَوَّلاً: حُصُول الطَّائِفِ حَوْل الْكَعْبَةِ الْعَدَدَ الْمَطْلُوبَ مِنَ الأَْشْوَاطِ:
11 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ عَلَى كُل طَائِفٍ أَنْ يَطُوفَ حَوْل الْكَعْبَةِ الْعَدَدَ الْمَطْلُوبَ مِنَ الأَْشْوَاطِ سَوَاءٌ كَانَ حُصُولُهُ هَذَا بِفِعْل نَفْسِهِ، أَوْ بِفِعْل غَيْرِهِ، بِأَنْ حَمَلَهُ الْغَيْرُ وَطَافَ بِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ قَادِرًا عَلَى الطَّوَافِ بِنَفْسِهِ فَأَمَرَ شَخْصًا أَنْ يَحْمِلَهُ فِي الطَّوَافِ أَوْ حَمَلَهُ الآْخَرُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، فَإِنَّ هَذَا كَافٍ فِي أَدَاءِ فَرْضِ الطَّوَافِ، وَسُقُوطِهِ عَنِ الذِّمَّةِ؛ لأَِنَّ الْفَرْضَ هُوَ حُصُول الطَّوَافِ حَوْل الْبَيْتِ، وَقَدْ حَصَل.
ثَانِيًا: عَدَدُ أَشْوَاطِ الطَّوَافِ:
12 - لاَ خِلاَفَ أَنَّ عَدَدَ أَشْوَاطِ الطَّوَافِ الْمَطْلُوبَةِ سَبْعَةٌ، لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا بَعْدَ ذَلِكَ فِي رُكْنِيَّةِ السَّبْعَةِ:
فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الرُّكْنَ سَبْعَةُ أَشْوَاطٍ لاَ يُجْزِئُ عَنِ الْفَرْضِ أَقَل مِنْهَا.
وَقَسَّمَ الْحَنَفِيَّةُ السَّبْعَةَ إِلَى رُكْنٍ وَوَاجِبٍ.
أَمَّا الْعَدَدُ الرُّكْنُ فَأَكْثَرُ هَذِهِ السَّبْعَةِ، وَأَمَّا الْوَاجِبُ فَهُوَ الأَْقَل الْبَاقِي بَعْدَ أَكْثَرِ الطَّوَافِ.
وَاسْتَدَل الْجُمْهُورُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (11) فَإِنَّ الآْيَةَ تُفِيدُ التَّكْثِيرَ، لأَِنَّهُ عَبَّرَ بِصِيغَةِ التَّفْعِيل، وَقَدْ جَاءَ فِعْلُهُ ﷺ مُبَيِّنًا الْقَدْرَ الَّذِي يَحْصُل بِهِ امْتِثَال قَوْلِهِ: {وَلْيَطَّوَّفُوا} وَهُوَ سَبْعَةُ أَشْوَاطٍ، فَتَكُونُ هِيَ الْفَرْضَ.
كَمَا اسْتَدَلُّوا بِأَنَّ مَقَادِيرَ الْعِبَادَاتِ لاَ تُعْرَفُ بِالرَّأْيِ وَالاِجْتِهَادِ، وَإِنَّمَا تُعْرَفُ بِالتَّوْقِيفِ، أَيِ التَّعْلِيمِ مِنَ الشَّارِعِ، وَالرَّسُول ﷺ طَافَ سَبْعًا، وَفِعْلُهُ هَذَا بَيَانٌ لِمَنَاسِكِ الْحَجِّ، كَمَا قَال: خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ. (12) .
فَالْفَرْضُ طَوَافُ سَبْعَةِ أَشْوَاطٍ وَلاَ يُعْتَدُّ بِمَا دُونَهَا (13) .
وَاسْتَدَل الْحَنَفِيَّةُ بِأَدِلَّةٍ، مِنْهَا:
(12) قَوْله تَعَالَى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} وَهَذَا أَمْرٌ مُطْلَقٌ عَنْ أَيِّ قَيْدٍ، وَالأَْمْرُ الْمُطْلَقُ يُوجِبُ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَلاَ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ، فَالزِّيَادَةُ عَلَى شَوْطٍ مِنَ الطَّوَافِ تَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ آخَرَ، وَالدَّلِيل قَائِمٌ عَلَى فَرْضِيَّةِ أَكْثَرِ السَّبْعِ، وَهُوَ الإِْجْمَاعُ، فَتَكُونُ فَرْضًا، وَلاَ إِجْمَاعَ عَلَى فَرْضِيَّةِ الْبَاقِي، فَلاَ يَكُونُ فَرْضًا بَل وَاجِبًا.
(13) أَنَّ الطَّائِفَ قَدْ أَتَى بِأَكْثَرِ السَّبْعِ، وَالأَْكْثَرُ يَقُومُ مَقَامَ الْكُل، فَكَأَنَّهُ أَدَّى الْكُل (16) .
وَقَال كَمَال الدِّينِ بْنُ الْهُمَامِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: الَّذِي نَدِينُ بِهِ أَنَّهُ لاَ يُجْزِئُ أَقَل مِنْ سَبْعٍ، وَلاَ يَجْبُرُ بَعْضَهُ بِشَيْءٍ (17) .
الشَّكُّ فِي عَدَدِ الأَْشْوَاطِ:
13 - لَوْ شَكَّ فِي عَدَدِ أَشْوَاطِ طَوَافِهِ وَهُوَ فِي الطَّوَافِ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ، وَهُوَ الأَْقَل عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) .
قَال ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُل مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْل الْعِلْمِ عَلَى ذَلِكَ (18) وَلأَِنَّهَا عِبَادَةٌ، فَمَتَى شَكَّ فِيهَا وَهُوَ فِيهَا بَنَى عَلَى الْيَقِينِ كَالصَّلاَةِ (19) .
وَأَجْرَى الْمَالِكِيَّةُ (20) ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمُسْتَنْكِحِ، فَقَالُوا: يَبْنِي الشَّاكُّ غَيْرُ " الْمُسْتَنْكِحِ (21) عَلَى الأَْقَل، وَالْمُرَادُ بِالشَّكِّ مُطْلَقُ التَّرَدُّدِ الشَّامِل لِلْوَهْمِ، أَمَّا الشَّاكُّ الْمُسْتَنْكِحُ فَيَبْنِي عَلَى الأَْكْثَرِ.
وَفَصَّل الْحَنَفِيَّةُ فِي الشَّكِّ فِي عَدَدِ الأَْشْوَاطِ بَيْنَ طَوَافِ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ وَغَيْرِهِ: أَمَّا طَوَافُ الْفَرْضِ كَالْعُمْرَةِ وَالزِّيَارَةِ وَالْوَاجِبِ كَالْوَدَاعِ فَقَالُوا: لَوْ شَكَّ فِي عَدَدِ الأَْشْوَاطِ فِيهِ أَعَادَهُ، وَلاَ يَبْنِي عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ، بِخِلاَفِ الصَّلاَةِ، وَلَعَل الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا كَثْرَةُ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَةِ وَنُدْرَةِ الطَّوَافِ.
أَمَّا غَيْرُ طَوَافِ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ وَهُوَ النَّفَل فَإِنَّهُ إِذَا شَكَّ فِيهِ يَتَحَرَّى، وَيَبْنِي عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ، وَيَبْنِي عَلَى الأَْقَل الْمُتَيَقَّنِ فِي أَصْلِهِ (22) .
أَمَّا إِذَا شَكَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الطَّوَافِ فَلاَ يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَسَوَّى الْمَالِكِيَّةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا إِذَا كَانَ فِي الطَّوَافِ، وَأَطْلَقَ الْحَنَفِيَّةُ عِبَارَاتِهِمْ فِي الشَّكِّ.
وَإِنْ أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ بِعَدَدِ طَوَافِهِ أُخِذَ بِهِ إِنْ كَانَ عَدْلاً عِنْدَ الأَْكْثَرِ، وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِشَرْطِ كَوْنِهِ مَعَهُ فِي الطَّوَافِ، وَلَمْ يَشْرِطْ ذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ (23) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: لَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ بِعَدَدٍ مَخْصُوصٍ مُخَالِفٍ لِمَا فِي ظَنِّهِ أَوْ عِلْمِهِ، يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِقَوْلِهِ احْتِيَاطًا فِيمَا فِيهِ الاِحْتِيَاطُ فَيُكَذِّبُ نَفْسَهُ، لاِحْتِمَال نِسْيَانِهِ وَيُصَدِّقُهُ؛ لأَِنَّهُ عَدْلٌ لاَ غَرَضَ لَهُ فِي خَبَرِهِ، وَلَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلاَنِ وَجَبَ الْعَمَل بِقَوْلِهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَشُكَّ؛ لأَِنَّ عِلْمَيْنِ خَيْرٌ مِنْ عِلْمٍ وَاحِدٍ، وَلأَِنَّ إِخْبَارَهُمَا بِمَنْزِلَةِ شَاهِدَيْنِ عَلَى إِنْكَارِهِ فِي فِعْلِهِ أَوْ إِقْرَارِهِ. وَاسْتَحَبَّ الشَّافِعِيَّةُ لَهُ الأَْخْذَ بِقَوْل الْعَدْل الْمُخَالِفِ لِعِلْمِهِ، خِلاَفًا لِلصَّلاَةِ.
ثَالِثًا: النِّيَّةُ:
14 - مُجَرَّدُ إِرَادَةِ الدَّوَرَانِ حَوْل الْكَعْبَةِ لاَ لِقَصْدِ شَيْءٍ آخَرَ يَكْفِي فِي هَذَا الشَّرْطِ، دُونَ تَعْيِينِهِ لِلْفَرْضِ أَوِ الْوُجُوبِ أَوِ السُّنَّةِ، وَلاَ تَعْيِينُ كَوْنِهِ لِلإِْفَاضَةِ أَوْ لِلصَّدَرِ أَوْ لِلْقُدُومِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ (24) فِي الرَّاجِحِ.
وَمَنْ قَامَ بِعَمَل الطَّوَافِ لِطَلَبِ غَرِيمٍ أَوْ فِرَارًا مِنْ ظَالِمٍ لاَ يُعْتَدُّ بِهِ مَا لَمْ يَنْوِ مَعَ عَمَلِهِ هَذَا الطَّوَافَ (25) وَفِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ: نِيَّةُ الْحَجِّ عِنْدَ الإِْحْرَامِ كَافِيَةٌ عَنْ نِيَّةِ الطَّوَافِ.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: لَوْ طَافَ طَوَافًا فِي وَقْتِهِ الَّذِي عَيَّنَ الشَّارِعُ وُقُوعَهُ فِيهِ وَقَعَ عَنْهُ، نَوَاهُ بِعَيْنِهِ أَوْ لاَ، أَوْ نَوَى طَوَافًا آخَرَ، فَلَوْ قَدِمَ مُعْتَمِرًا وَطَافَ بِأَيِّ نِيَّةٍ كَانَتْ مِنْ نِيَّاتِ الطَّوَافِ كَأَنْ نَوَاهُ تَطَوُّعًا يَقَعُ طَوَافُهُ عَنِ الْعُمْرَةِ، أَوْ قَدِمَ حَاجًّا وَطَافَ قَبْل يَوْمِ النَّحْرِ وَقَعَ عَنْ طَوَافِ الْقُدُومِ.
وَقَال الدُّسُوقِيُّ: إِنَّ نِيَّةَ الإِْحْرَامِ بِالْحَجِّ يَنْدَرِجُ فِيهَا الْوُقُوفُ كَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَتُطْلَبُ النِّيَّةُ مِنَ الْمَارِّ دُونَ غَيْرِهِ.
وَقَرَّرَ الشَّافِعِيَّةُ: أَنَّ نِيَّةَ الطَّوَافِ شَرْطٌ إِنِ اسْتَقَل بِأَنْ لَمْ يَشْمَلْهُ نُسُكٌ، كَالطَّوَافِ الْمَنْذُورِ وَالْمُتَطَوَّعِ بِهِ، قَال ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَطَوَافُ الْوَدَاعِ لاَ بُدَّ لَهُ مِنْ نِيَّةٍ؛ لأَِنَّهُ يَقَعُ بَعْدَ التَّحَلُّل، لأَِنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْمَنَاسِكِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ، بِخِلاَفِ الطَّوَافِ الَّذِي يَشْمَلُهُ نُسُكٌ وَهُوَ طَوَافُ الرُّكْنِ لِلْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ وَطَوَافِ الْقُدُومِ فَلاَ يَحْتَاجُ ذَلِكَ إِلَى نِيَّةٍ فِي الأَْصَحِّ، لِشُمُول نِيَّةِ النُّسُكِ لَهُ، وَقَالُوا: مَا لَمْ يَصْرِفِ الطَّوَافَ إِلَى غَرَضٍ آخَرَ مِنْ طَلَبِ غَرِيمٍ أَوْ نَحْوِهِ (26) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: لاَ بُدَّ لِصِحَّةِ الطَّوَافِ مِنَ النِّيَّةِ لِحَدِيثِ إِنَّمَا الأَْعْمَال بِالنِّيَّاتِ (27) وَلأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ سَمَّاهُ صَلاَةً وَالصَّلاَةُ لاَ تَصِحُّ إِلاَّ بِالنِّيَّةِ اتِّفَاقًا، وَفِي طَوَافِ الإِْفَاضَةِ يُعَيِّنُ فِي نِيَّتِهِ هَذَا الطَّوَافَ (28) .
طَوَافُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ:
15 - لَوْ طَافَ بِالْمُغْمَى عَلَيْهِ رِفَاقُهُ مَحْمُولاً، أَجْزَأَ ذَلِكَ الطَّوَافُ الْوَاحِدُ عَنِ الْحَامِل وَالْمَحْمُول إِنْ نَوَاهُ الْحَامِل عَنْ نَفْسِهِ وَعَنِ الْمَحْمُول، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ عَقْدَ الرُّفْقَةِ مُتَضَمِّنٌ لِفِعْل هَذِهِ الْمَنْفَعَةِ، وَسَوَاءٌ اتَّفَقَ طَوَافُهُمَا بِأَنْ كَانَ لِعُمْرَتِهِمَا، أَوْ لِزِيَارَتِهِمَا، وَنَحْوِهِمَا، أَوِ اخْتَلَفَ طَوَافُهُمَا، فَيَكُونُ طَوَافُ الْحَامِل عَمَّا أَوْجَبَهُ إِحْرَامُهُ، وَطَوَافُ الْمَحْمُول كَذَلِكَ (29) .
وَانْظُرِ الْمَسْأَلَةَ فِي مُصْطَلَحِ: (إِحْرَام ف 137 - 143) .
طَوَافُ النَّائِمِ وَالْمَرِيضِ:
16 - لَوْ طَافَ أَحَدٌ بِمَرِيضٍ وَهُوَ نَائِمٌ مِنْ غَيْرِ إِغْمَاءٍ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: إِنْ كَانَ الطَّوَافُ بِأَمْرِهِ وَحَمَلُوهُ عَلَى فَوْرِهِ أَيْ سَاعَتِهِ عُرْفًا وَعَادَةً يَجُوزُ، وَإِلاَّ بِأَنْ طَافُوا بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِالطَّوَافِ بِهِ أَوْ فَعَلُوا لَكِنْ لاَ عَلَى فَوْرِهِ فَلاَ يُجْزِيهِ الطَّوَافُ. فَفَرَّقُوا فِي الْحُكْمِ بَيْنَ الْوُقُوفِ وَالطَّوَافِ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالنَّائِمِ فَاكْتَفُوا فِي الْمُغْمَى عَلَيْهِ بِعَقْدِ الرُّفْقَةِ، وَفِي الْمَرِيضِ النَّائِمِ اعْتَبَرُوا الأَْمْرَ الصَّرِيحَ لِقِيَامِ نِيَّتِهِمْ مَقَامَ نِيَّتِهِ؛ لأَِنَّ حَالَهُ أَقْرَبُ إِلَى الشُّعُورِ مِنْ حَال الْمُغْمَى عَلَيْهِ.
وَعِنْدَ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ يُنْتَظَرُ حَتَّى يُفِيقَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالنَّائِمُ وَيَسْتَوْفِي شُرُوطَ الطَّوَافِ الَّتِي مِنْهَا الطَّهَارَتَانِ (30) .
رَابِعًا: وُقُوعُ الطَّوَافِ فِي الْمَكَانِ الْخَاصِّ:
17 - مَكَانُ الطَّوَافِ هُوَ حَوْل الْكَعْبَةِ الْمُشَرَّفَةِ دَاخِل الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، قَرِيبًا مِنَ الْبَيْتِ أَوْ بَعِيدًا عَنْهُ، وَهَذَا شَرْطٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (31) .
فَلَوْ طَافَ مِنْ وَرَاءِ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَوْ مِنْ وَرَاءِ حَائِلٍ كَمِنْبَرٍ أَوْ غَيْرِهِ كَالأَْعْمِدَةِ، أَوْ عَلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ، لأَِنَّهُ قَدْ حَصَل حَوْل الْبَيْتِ، مَا دَامَ ضِمْنَ الْمَسْجِدِ، وَإِنْ وَسِعَ الْمَسْجِدُ، وَمَهْمَا تَوَسَّعَ مَا لَمْ يَبْلُغِ الْحِل عِنْدَ الْجُمْهُورِ (32)
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يَجُوزُ الطَّوَافُ بِسَقَائِفِ الْمَسْجِدِ، وَهِيَ مَحَلٌّ كَانَ بِهِ قِبَابٌ مَعْقُودَةٌ، وَمِنْ وَرَاءِ زَمْزَمَ وَقُبَّةِ الشَّرَابِ حِذَاءُ زَمْزَمَ، وَلاَ يَضُرُّ حَيْلُولَةُ الأُْسْطُوَانَاتِ وَزَمْزَمُ وَالْقُبَّةُ بَيْنَ الطَّائِفِ وَالْبَيْتِ بِسَبَبِ زَحْمَةٍ انْتَهَتْ إِلَيْهَا؛ لأَِنَّ الزِّحَامَ يُصَيِّرُ الْجَمِيعَ مُتَّصِلاً بِالْبَيْتِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ زَحْمَةٌ بَل طَافَ تَحْتَ السَّقَائِفِ اعْتِبَاطًا، أَوْ لِحَرٍّ، أَوْ لِبَرْدٍ، أَوْ مَطَرٍ أَعَادَ وُجُوبًا مَا دَامَ بِمَكَّةَ، وَلَمْ يَرْجِعْ لَهُ مِنْ بَلَدِهِ أَوْ مِمَّا يَتَعَذَّرُ مِنْهُ الرُّجُوعُ، وَعَلَيْهِ الدَّمُ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ الشَّدِيدَيْنِ كَالزَّحْمَةِ، كَمَا قَرَّرَ الدُّسُوقِيُّ، وَعَلَى هَذَا لَوْ طَافَ فِي السَّقَائِفِ لِزَحْمَةٍ ثُمَّ قَبْل كَمَالِهِ زَالَتْ الزَّحْمَةُ وَجَبَ إِكْمَالُهُ فِي الْمَحَل الْمُعْتَادِ، سَوَاءٌ كَانَ الْبَاقِي قَلِيلاً أَوْ كَثِيرًا، فَلَوْ كَمُل الْبَاقِي فِي السَّقَائِفِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُعِيدُ ذَلِكَ الَّذِي كَمَّلَهُ فِي السَّقَائِفِ (33) .
خَامِسًا: أَنْ يَكُونَ الطَّوَافُ حَوْل الْبَيْتِ كُلِّهِ:
18 - وَذَلِكَ يَشْمَل الشَّاذَرْوَانَ، وَهُوَ الْجُزْءُ السُّفْلِيُّ الْخَارِجُ عَنْ جِدَارِ الْبَيْتِ مُرْتَفِعًا عَلَى وَجْهِ الأَْرْضِ عَلَى الْقَوْل بِأَنَّهُ مِنَ الْكَعْبَةِ.
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ هَل هُوَ مِنَ الْكَعْبَةِ أَوْ لَيْسَ مِنَ الْكَعْبَةِ؟ فَقَال جَمَاعَةٌ: هُوَ مِنَ الْكَعْبَةِ تَرَكَتْهُ قُرَيْشٌ لِضِيقِ النَّفَقَةِ، وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: لَيْسَ مِنَ الْكَعْبَةِ وَعَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ (34) . سَادِسًا: أَنْ يَكُونَ الْحِجْرُ دَاخِلاً فِي طَوَافِهِ:
19 - الْحِجْرُ - بِكَسْرِ الْحَاءِ وَسُكُونِ الْجِيمِ - هُوَ الْمَوْضِعُ الْمُحَاطُ بِجِدَارٍ مُقَوَّسٍ تَحْتَ مِيزَابِ الْكَعْبَةِ، فِي الْجِهَةِ الشَّمَالِيَّةِ مِنَ الْكَعْبَةِ، وَيُسَمَّى الْحَطِيمَ أَيْضًا.
وَالْحِجْرُ هُوَ جُزْءٌ مِنَ الْبَيْتِ، تَرَكَتْهُ قُرَيْشٌ لِضِيقِ النَّفَقَةِ، وَأَحَاطَتْهُ بِالْجِدَارِ، وَقِيل: الَّذِي مِنْهَا سِتَّةُ أَذْرُعٍ أَوْ سَبْعَةُ أَذْرُعٍ، فَالنَّظَرُ فِي الْقَدْرِ الزَّائِدِ إِلَى طَوَافِ النَّبِيِّ ﷺ. مِنْ وَرَائِهِ، وَهُوَ مَا قَطَعَ بِهِ أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ (35) .
وَعَنْ عَائِشَةَ ﵂ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال لَهَا: أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ قَوْمَكِ لَمَّا بَنَوُا الْكَعْبَةَ اقْتَصَرُوا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ؟ فَقُلْتُ: يَا رَسُول اللَّهِ، أَلاَ تَرُدَّهَا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ؟ قَال: لَوْلاَ حِدْثَانُ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ لَفَعَلْتُ فَقَال عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ﵄: لَئِنْ كَانَتْ عَائِشَةُ ﵂ سَمِعَتْ هَذَا مِنْ رَسُول اللَّهِ ﷺ مَا أَرَى رَسُول اللَّهِ ﷺ تَرَكَ اسْتِلاَمَ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحِجْرَ إِلاَّ أَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يُتَمَّمْ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ (36) وَعَنْهَا قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُول اللَّهِ ﷺ عَنِ الْجَدْرِ (37) أَمِنْ الْبَيْتِ هُوَ؟ قَال: نَعَمْ (38) .
وَقَدْ ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَعَطَاءٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ: إِلَى أَنَّ الطَّوَافَ مِنْ وَرَاءِ الْحَطِيمِ فَرْضٌ، مَنْ تَرَكَهُ لَمْ يُعْتَدَّ بِطَوَافِهِ، حَتَّى لَوْ مَشَى عَلَى جِدَارِهِ لَمْ يُجْزِئْهُ، لأَِنَّهُ جُزْءٌ مِنَ الْكَعْبَةِ، كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ بِالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ دَاخِلاً فِي الطَّوَافِ.
وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِمُوَاظَبَةِ النَّبِيِّ ﷺ عَلَى الطَّوَافِ مِنْ وَرَاءِ الْحِجْرِ، وَفِعْلُهُ بَيَانٌ لِلْقُرْآنِ، فَيُلْتَحَقُ بِهِ، فَيَكُونُ فَرْضًا.
أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَقَالُوا: دُخُول الْحِجْرِ فِي الطَّوَافِ وَاجِبٌ لأَِنَّ كَوْنَهُ جُزْءًا مِنَ الْبَيْتِ ثَبَتَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَخَبَرُ الْوَاحِدِ يَثْبُتُ بِهِ الْوُجُوبُ عِنْدَهُمْ لاَ الْفَرْضُ (39) .
وَعَلَى ذَلِكَ فَمَنْ تَرَكَ الطَّوَافَ خَلْفَ الْحِجْرِ لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَلَمْ يُعْتَدَّ بِهِ؛ لأَِنَّهُ لَمْ يَطُفْ بِجَمِيعِ الْبَيْتِ. أَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ إِعَادَةُ الطَّوَافِ مَا دَامَ بِمَكَّةَ، فَإِنْ رَجَعَ إِلَى بَلَدِهِ بِغَيْرِ إِعَادَةٍ فَعَلَيْهِ هَدْيٌ يُرْسِلُهُ إِلَى مَكَّةَ، وَالأَْفْضَل عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِعَادَةُ كُل الطَّوَافِ لِيُؤَدِّيَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْحَسَنِ، وَلِلْخُرُوجِ مِنَ الْخِلاَفِ.
أَمَّا الْوَاجِبُ فِي الإِْعَادَةِ: فَيُجْزِيهِ أَنْ يَأْخُذَ عَنْ يَمِينِهِ خَارِجَ الْحِجْرِ مُبْتَدِئًا مِنْ أَوَّل أَجْزَاءِ الْفُرْجَةِ أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ احْتِيَاطًا، وَيَطُوفَ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى آخِرِهِ، ثُمَّ يَدْخُل الْحِجْرَ مِنَ الْفُرْجَةِ الَّتِي وَصَل إِلَيْهَا وَيَخْرُجَ مِنَ الْجَانِبِ الآْخَرِ، أَوْ لاَ يَدْخُل الْحِجْرَ، بَل يَرْجِعُ وَيَبْتَدِئُ مِنْ أَوَّل الْحِجْرِ (40) .
سَابِعًا: ابْتِدَاءُ الطَّوَافِ مِنَ الْحَجَرِ الأَْسْوَدِ:
20 - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّ ابْتِدَاءَ الطَّوَافِ مِنَ الْحَجَرِ الأَْسْوَدِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الطَّوَافِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ، فَلاَ يُعْتَدُّ بِالشَّوْطِ الَّذِي بَدَأَهُ بَعْدَ الْحَجَرِ الأَْسْوَدِ.
وَاسْتَدَلُّوا بِمُوَاظَبَةِ النَّبِيِّ ﷺ وَجَعَلُوهَا دَلِيل الْفَرْضِيَّةِ؛ لأَِنَّهَا بَيَانٌ لإِِجْمَال الْقُرْآنِ.
وَلاَ بُدَّ عِنْدَهُمْ مِنْ مُحَاذَاةِ الْحَجَرِ الأَْسْوَدِ بِجَمِيعِ الْبَدَنِ؛ لأَِنَّ مَا وَجَبَ فِيهِ مُحَاذَاةُ الْبَيْتِ وَجَبَتْ مُحَاذَاتُهُ بِجَمِيعِ الْبَدَنِ، كَالاِسْتِقْبَال فِي الصَّلاَةِ (41) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ عَلَى الرَّاجِحِ فِي الْمَذْهَبَيْنِ إِلَى أَنَّ ابْتِدَاءَ الطَّوَافِ مِنَ الْحَجَرِ الأَْسْوَدِ وَاجِبٌ، لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ وَاظَبَ عَلَى ذَلِكَ، وَالْمُوَاظَبَةُ دَلِيل الْوُجُوبِ، لاَ سِيَّمَا وَقَدْ قَال ﷺ: خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ (42) فَيَلْزَمُ الدَّمُ بِتَرْكِ الْبِدَايَةِ مِنْهُ فِي طَوَافِ الرُّكْنِ (43) .
قَال الْمُحَقِّقُ الشَّيْخُ عَلِيٌّ الْقَارِئُ (44) : وَلَوْ قِيل: إِنَّهُ وَاجِبٌ لاَ يَبْعُدُ، لأَِنَّ الْمُوَاظَبَةَ مِنْ غَيْرِ تَرْكِ مَرَّةٍ دَلِيلُهُ، فَيَأْثَمُ بِهِ وَيُجْزِيهِ، وَلَوْ كَانَ فِي الآْيَةِ إِجْمَالٌ لَكَانَ شَرْطًا كَمَا قَال مُحَمَّدٌ، لَكِنَّهُ مُنْتَفٍ فِي حَقِّ الاِبْتِدَاءِ، فَيَكُونُ مُطْلَقُ التَّطَوُّفِ فَرْضًا، وَافْتِتَاحُهُ - أَيْ مِنَ الْحَجَرِ الأَْسْوَدِ - وَاجِبًا لِلْمُوَاظَبَةِ. . . وَهُوَ الأَْشْبَهُ وَالأَْعْدَل، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُعَوَّل.
ثَامِنًا: التَّيَامُنُ:
21 - التَّيَامُنُ: سَيْرُ الطَّائِفِ عَنْ يَمِينِ الْكَعْبَةِ، وَجَعْل يَسَارِهِ لِجَانِبِ الْكَعْبَةِ، وَهَذَا شَرْطٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَقَرَّرُوا أَنَّ الطَّوَافَ عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ بَاطِلٌ.
وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ جَعَل الْبَيْتَ فِي الطَّوَافِ عَلَى يَسَارِهِ (45) ، وَلأَِنَّهَا عِبَادَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْبَيْتِ فَيَجِبُ فِيهَا التَّرْتِيبُ كَالصَّلاَةِ.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: التَّيَامُنُ وَاجِبٌ فِي الطَّوَافِ، وَالطَّوَافُ عَلَى عَكْسِهِ صَحِيحٌ مَعَ الْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِيَّةِ، وَتَجِبُ إِعَادَتُهُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ، وَإِنْ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ مِنْ غَيْرِ إِعَادَةٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ.
وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّهُ هَيْئَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالطَّوَافِ، فَلاَ تَمْنَعُ صِحَّتَهُ، وَجَعَلُوا الآْيَةَ: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} دَلِيلاً عَلَى إِجْزَاءِ الطَّوَافِ وَصِحَّتِهِ عَلَى أَيِّ هَيْئَةٍ؛ لأَِنَّ الأَْمْرَ مُطْلَقٌ، فَيَتَأَدَّى الرُّكْنُ بِدُونِ تِلْكَ الْهَيْئَةِ، وَحَمَلُوا فِعْل النَّبِيِّ ﷺ عَلَى الْوُجُوبِ (46) .
تَاسِعًا: الطَّهَارَةُ مِنَ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ:
22 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى: أَنَّ الطَّهَارَةَ مِنَ الأَْحْدَاثِ وَمِنَ الأَْنْجَاسِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الطَّوَافِ، فَإِذَا طَافَ فَاقِدًا أَحَدَهَا فَطَوَافُهُ بَاطِلٌ لاَ يُعْتَدُّ بِهِ. وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: الطَّهَارَةُ مِنَ الْحَدَثِ وَمِنَ الْخَبَثِ وَاجِبٌ لِلطَّوَافِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى أَنَّ الطَّهَارَةَ مِنَ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ.
اسْتَدَل الْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَال: الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلاَةٌ فَأَقِلُّوا مِنَ الْكَلاَمِ (47) .
وَإِذَا كَانَ صَلاَةً وَالصَّلاَةُ لاَ تَجُوزُ بِدُونِ الطَّهَارَةِ مِنَ الأَْحْدَاثِ، فَكَذَلِكَ الطَّوَافُ لاَ بُدَّ فِيهِ مِنَ الطَّهَارَةِ.
وَاسْتَدَل الْحَنَفِيَّةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} .
وَوَجْهُ الاِسْتِدْلاَل بِهَا أَنَّ الأَْمْرَ بِالطَّوَافِ مُطْلَقٌ لَمْ يُقَيِّدْهُ الشَّارِعُ بِشَرْطِ الطَّهَارَةِ، وَهَذَا نَصٌّ قَطْعِيٌّ، وَالْحَدِيثُ خَبَرُ آحَادٍ وَيُفِيدُ غَلَبَةَ الظَّنِّ فَلاَ يُقَيِّدُ نَصَّ الْقُرْآنِ، لأَِنَّهُ دُونَ رُتْبَتِهِ، فَحَمَلْنَا الْحَدِيثَ عَلَى الْوُجُوبِ وَعَمِلْنَا بِهِ (48) . وَعَلَى ذَلِكَ: فَمَنْ طَافَ مُحْدِثًا فَطَوَافُهُ بَاطِلٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَعَلَيْهِ الْعَوْدُ لأَِدَائِهِ إِنْ كَانَ طَوَافًا وَاجِبًا، وَلاَ تَحِل لَهُ النِّسَاءُ إِنْ كَانَ طَوَافَ إِفَاضَةٍ حَتَّى يُؤَدِّيَهُ. أَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَهُوَ صَحِيحٌ لَكِنْ تَجِبُ إِعَادَتُهُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ، وَإِلاَّ وَجَبَ عَلَيْهِ الْفِدَاءُ.
وَمَنْ أَحْدَثَ فِي أَثْنَاءِ الطَّوَافِ يَذْهَبُ فَيَتَوَضَّأُ وَيُتَمِّمُ الأَْشْوَاطَ وَلاَ يُعِيدُهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ.
وَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ: أَنَّهُ يُعِيدُ الطَّوَافَ مِنْ أَوَّلِهِ، وَلاَ يَبْنِي عَلَى الأَْشْوَاطِ السَّابِقَةِ (49) ، وَذَلِكَ لأَِنَّ الْمُوَالاَةَ فِي أَشْوَاطِ الطَّوَافِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الطَّوَافِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ أَحْدَثَ عَمْدًا فَإِنَّهُ يَبْتَدِئُ الطَّوَافَ، لأَِنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطٌ لَهُ، وَإِنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: يَبْتَدِئُ أَيْضًا، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَتَوَضَّأُ وَيَبْنِي، قَال حَنْبَلٌ عَنْ أَحْمَدَ فِيمَنْ طَافَ ثَلاَثَةَ أَشْوَاطٍ أَوْ أَكْثَرَ، يَتَوَضَّأُ فَإِنْ شَاءَ بَنَى، وَإِنْ شَاءَ اسْتَأْنَفَ، قَال أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: يَبْنِي إِذَا لَمْ يُحْدِثْ حَدَثًا إِلاَّ الْوُضُوءَ، فَإِنْ عَمِل عَمَلاً غَيْرَ ذَلِكَ اسْتَقْبَل الطَّوَافَ، وَذَلِكَ لأَِنَّ الْمُوَالاَةَ تَسْقُطُ عِنْدَ الْعُذْرِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَهَذَا مَعْذُورٌ، فَجَازَ الْبِنَاءُ، وَإِنِ اشْتَغَل بِغَيْرِ الْوُضُوءِ فَقَدْ تَرَكَ الْمُوَالاَةَ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَلَزِمَهُ الاِبْتِدَاءُ إِذَا كَانَ الطَّوَافُ فَرْضًا، فَأَمَّا الْمَسْنُونُ فَلاَ تَجِبُ إِعَادَتُهُ كَالصَّلاَةِ الْمَسْنُونَةِ إِذَا بَطَلَتْ (50) .
عَاشِرًا: سَتْرُ الْعَوْرَةِ:
23 - ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الطَّوَافِ، وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: هُوَ وَاجِبٌ فِي الطَّوَافِ لَيْسَ شَرْطًا لِصِحَّتِهِ، وَذَلِكَ لأَِنَّ الطَّوَافَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ كَالصَّلاَةِ يَجِبُ فِيهِ سَتْرُ الْعَوْرَةِ لِقَوْلِهِ ﷺ: الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلاَةٌ (51) ، وَلِحَدِيثِ لاَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ (52) .
فَمَنْ أَخَل بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ الإِْخْلاَل الْمُفْسِدَ لِلصَّلاَةِ بِحَسَبِ الْمَذَاهِبِ، فَسَدَ طَوَافُهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ عَلَيْهِ الدَّمُ (53) .
حَادِيَ عَشَرَ: مُوَالاَةُ أَشْوَاطِ الطَّوَافِ:
24 - اشْتِرَاطُ الْمُوَالاَةِ بَيْنَ أَشْوَاطِ الطَّوَافِ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ سُنَّةٌ لِلاِتِّبَاعِ، لأَِنَّهُ ﷺ وَالَى فِي طَوَافِهِ، وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْمُوَالاَةَ وَاجِبَةٌ. وَدَلِيل شَرْطِ الْمُوَالاَةِ وَوُجُوبِهَا حَدِيثُ: الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلاَةٌ (54) فَيُشْتَرَطُ لَهُ الْمُوَالاَةُ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَدَلِيل السُّنِّيَّةِ فِعْل النَّبِيِّ ﷺ (55) .
ثَانِيَ عَشَرَ: الْمَشْيُ لِلْقَادِرِ عَلَيْهِ:
25 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ إِلَى أَنَّ الْمَشْيَ لِلْقَادِرِ عَلَيْهِ وَاجِبٌ مُطْلَقًا فِي أَيِّ طَوَافٍ، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَاجِبٌ فِي الطَّوَافِ الْوَاجِبِ، وَأَمَّا الطَّوَافُ غَيْرُ الْوَاجِبِ فَالْمَشْيُ فِيهِ سُنَّةٌ عِنْدَهُمْ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ إِلَى أَنَّ الْمَشْيَ فِي الطَّوَافِ سُنَّةٌ (56) .
فَلَوْ طَافَ رَاكِبًا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْمَشْيِ لَزِمَهُ دَمٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَذْهَبِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ لِتَرْكِهِ وَاجِبَ الْمَشْيِ، إِلاَّ إِذَا أَعَادَهُ مَاشِيًا، أَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالرِّوَايَةُ الأُْخْرَى عَنْ أَحْمَدَ فَيَجُوزُ طَوَافُهُ بِلاَ كَرَاهِيَةٍ.
أَمَّا إِذَا كَانَ عَاجِزًا عَنِ الْمَشْيِ وَطَافَ مَحْمُولاً فَلاَ فِدَاءَ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا وَلاَ إِثْمَ.
ثَالِثَ عَشَرَ: فِعْل طَوَافِ الإِْفَاضَةِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ:
26 - ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّ أَدَاءَ طَوَافِ الإِْفَاضَةِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَاجِبٌ فَلَوْ أَخَّرَهُ حَتَّى أَدَّاهُ بَعْدَهَا صَحَّ وَوَجَبَ عَلَيْهِ دَمٌ؛ جَزَاءَ تَأْخِيرِهِ عَنْهَا وَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ فِي الْمَذْهَبِ.
وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ بِالتَّأْخِيرِ شَيْءٌ إِلاَّ بِخُرُوجِ ذِي الْحِجَّةِ فَإِذَا خَرَجَ لَزِمَهُ دَمٌ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالصَّاحِبَانِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِالتَّأْخِيرِ. وَفِي تَفْصِيل ذَلِكَ يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (حَجّ ف 55) .
رَابِعَ عَشَرَ - رَكْعَتَا الطَّوَافِ بَعْدَ كُل سَبْعَةِ أَشْوَاطٍ:
27 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ بَعْدَ كُل طَوَافٍ فَرْضًا أَوْ نَفْلاً صَلاَةُ رَكْعَتَيْنِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَقَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَوَافَقَهُمُ الْمَالِكِيَّةُ فِي الطَّوَافِ الرُّكْنِ، أَوِ الْوَاجِبِ فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ (57) . وَاسْتَدَلُّوا بِمُوَاظَبَةِ النَّبِيِّ ﷺ وَبِمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ ﷺ تَقَدَّمَ إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ فَقَرَأَ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} فَجَعَل الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، فَكَانَ أَبِي يَقُول - وَلاَ أَعْلَمُهُ ذَكَرَهُ إِلاَّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ - كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ: {قُل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وَ {قُل يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} (58) .
وَهَذَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ صَلاَتَهُ بَعْدَ الطَّوَافِ امْتِثَالٌ لِهَذَا الأَْمْرِ، وَالأَْمْرُ لِلْوُجُوبِ، إِلاَّ أَنَّ اسْتِنْبَاطَ ذَلِكَ مِنَ الْحَدِيثِ ظَنِّيٌّ، وَذَلِكَ يُثْبِتُ الْوُجُوبَ الَّذِي هُوَ دُونَ الْفَرْضِ وَفَوْقَ السُّنَّةِ (59) .
وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ سُنَّةٌ.
وَاسْتَدَلُّوا بِمَا وَرَدَ مِنَ الأَْحَادِيثِ بِتَحْدِيدِ الصَّلاَةِ الْمُفْتَرَضَةِ بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَصَلاَةُ الطَّوَافِ - كَمَا قَال الشِّيرَازِيُّ - صَلاَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، فَلَمْ تَجِبْ بِالشَّرْعِ عَلَى الأَْعْيَانِ كَسَائِرِ النَّوَافِل. وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِذَا صَلَّى الْمَكْتُوبَةَ بَعْدَ طَوَافِهِ أَجْزَأَتْهُ عَنْ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ. وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فِي غَيْرِ طَوَافِ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ تَرَدُّدٌ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالسُّنِّيَّةِ، وَاسْتَظْهَرَ الْحَطَّابُ أَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ سُنَّةٌ كَمَا قَال الدُّسُوقِيُّ.
سُنَنُ الطَّوَافِ:
أ - الاِضْطِبَاعُ:
28 - هُوَ أَنْ يَجْعَل وَسَطَ الرِّدَاءِ تَحْتَ إِبِطِهِ الْيُمْنَى عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي الطَّوَافِ وَيَرُدُّ طَرَفَيْهِ عَلَى كَتِفِهِ الْيُسْرَى وَتَبْقَى كَتِفُهُ الْيُمْنَى مَكْشُوفَةً، وَاللَّفْظُ مَأْخُوذٌ مِنَ الضَّبُعِ وَهُوَ عَضُدُ الإِْنْسَانِ.
وَهُوَ سُنَّةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِلرِّجَال دُونَ النِّسَاءِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ: " أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ طَافَ مُضْطَبِعًا (60) ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄: أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابَهُ اعْتَمَرُوا مِنَ الْجِعْرَانَةِ فَرَمَلُوا بِالْبَيْتِ وَجَعَلُوا أَرْدِيَتَهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ قَدْ قَذَفُوهَا عَلَى عَوَاتِقِهِمُ الْيُسْرَى (61) . وَيُسَنُّ الاِضْطِبَاعُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي كُل طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ كَطَوَافِ الْقُدُومِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْعَى بَعْدَهُ، وَطَوَافِ الْعُمْرَةِ، وَطَوَافِ الزِّيَارَةِ إِنْ أَخَّرَ السَّعْيَ إِلَيْهِ، وَزَادَ الْحَنَفِيَّةُ طَوَافَ النَّفْل إِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْعَى بَعْدَهُ مَنْ لَمْ يُعَجِّل السَّعْيَ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ. وَقَال الْحَنَابِلَةُ: لاَ يُضْطَبَعُ فِي غَيْرِ طَوَافِ الْقُدُومِ.
وَالاِضْطِبَاعُ سُنَّةٌ فِي جَمِيعِ أَشْوَاطِ الطَّوَافِ، فَإِذَا فَرَغَ مِنَ الطَّوَافِ تَرَكَ الاِضْطِبَاعَ، حَتَّى أَنَّهُ تُكْرَهُ صَلاَةُ الطَّوَافِ مُضْطَبِعًا كَمَا صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ (62) .
(ر: اضْطِبَاع ف 4) .
ب - الرَّمَل:
29 - الرَّمَل هُوَ: إِسْرَاعُ الْمَشْيِ مَعَ تَقَارُبِ الْخُطَى وَهَزِّ الْكَتِفَيْنِ مِنْ غَيْرِ وَثْبٍ.
وَالرَّمَل سُنَّةٌ فِي كُل طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ، فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ قَال: قَدِمَ رَسُول اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابُهُ مَكَّةَ وَقَدْ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِب. فَقَال الْمُشْرِكُونَ: إِنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ غَدًا قَوْمٌ قَدْ وَهَنَتْهُمُ الْحُمَّى، وَلَقَوْا مِنْهَا شِدَّةً، فَجَلَسُوا مِمَّا يَلِي الْحِجْرَ، وَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يَرْمُلُوا ثَلاَثَةَ أَشْوَاطٍ، وَيَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ لِيَرَى الْمُشْرِكُونَ جَلَدَهُمْ، فَقَال الْمُشْرِكُونَ: هَؤُلاَءِ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّ الْحُمَّى قَدْ وَهَنَتْهُمْ، هَؤُلاَءِ أَجْلَدُ مِنْ كَذَا وَكَذَا (63) .
لَكِنَّ الرَّمَل ظَل سُنَّةً فِي الأَْشْوَاطِ الثَّلاَثَةِ الأُْولَى بِتَمَامِهَا، فَقَدْ فَعَلَهُ النَّبِيُّ ﷺ فِي حَجَّتِهِ، وَكَانَتْ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ وَدُخُول النَّاسِ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا، كَمَا سَبَقَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ: فَرَمَل ثَلاَثًا وَمَشَى أَرْبَعًا (64) .
وَسَارَ عَلَى ذَلِكَ الصَّحَابَةُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَالْخُلَفَاءُ مِنْ بَعْدِهِ ﷺ.
ثُمَّ الرَّمَل كَالاِضْطِبَاعِ سُنَّةٌ فِي حَقِّ الرِّجَال، أَمَّا النِّسَاءُ فَلاَ يُسَنُّ لَهُنَّ رَمَلٌ وَلاَ اضْطِبَاعٌ.
وَاسْتَثْنَى الْحَنَابِلَةُ مِنْ سُنِّيَّةِ الرَّمَل أَهْل مَكَّةِ وَمَنْ أَحْرَمَ مِنْهَا أَيْضًا، فَلاَ يُسَنُّ لَهُمُ الرَّمَل عِنْدَهُمْ.
ج - ابْتِدَاءُ الطَّوَافِ مِنْ جِهَةِ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ:
30 - يُسَنُّ أَنْ يُبْدَأَ الطَّوَافُ قَرِيبًا مِنَ الْحَجَرِ الأَْسْوَدِ مِنْ جِهَةِ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ، ثُمَّ يَسْتَقْبِل الْحَجَرَ مُهَلِّلاً رَافِعًا يَدَيْهِ، وَذَلِكَ لِيَتَحَقَّقَ ابْتِدَاءُ الطَّوَافِ مِنَ الْحَجَرِ الأَْسْوَدِ، وَهُوَ وَاجِبٌ.
لَكِنَّ الْمُرُورَ بِجَمِيعِ الْبَدَنِ عَلَى الْحَجَرِ الأَْسْوَدِ لَيْسَ وَاجِبًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ وَاجِبٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، لِذَلِكَ صَرَّحَ الْمُحَقِّقُونَ فِي الْمَذْهَبِ الْحَنَفِيِّ بِاسْتِحْبَابِ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ خُرُوجًا مِنَ الْخِلاَفِ، فَلَوْ اسْتَقْبَل الْحَجَرَ مُطْلَقًا وَنَوَى الطَّوَافَ كَفَى فِي حُصُول الْمَقْصُودِ الَّذِي هُوَ الاِبْتِدَاءُ مِنَ الْحَجَرِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ.
قَال الْحَطَّابُ: يَسْتَقْبِل الْحَجَرَ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ وَتَكُونُ يَدُهُ الْيُسْرَى مُحَاذِيَةً لِيَمِينِ الْحَجَرِ ثُمَّ يُقَبِّلُهُ وَيَمْشِي عَلَى جِهَةِ يَدِهِ الْيُمْنَى.
د - اسْتِقْبَال الْحَجَرِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الطَّوَافِ:
31 - اسْتِقْبَال الْحَجَرِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الطَّوَافِ، وَرَفْعُ الْيَدَيْنِ عِنْدَ التَّكْبِيرِ مُقَابَلَةَ الْحَجَرِ، نَصَّ عَلَى هَذِهِ السُّنَّةِ الْحَنَفِيَّةُ.
هـ - اسْتِلاَمُ الْحَجَرِ وَتَقْبِيلُهُ:
32 - اسْتِلاَمُ الْحَجَرِ وَتَقْبِيلُهُ فِي ابْتِدَاءِ الطَّوَافِ وَفِي كُل شَوْطٍ، وَبَعْدَ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ، ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ، لَكِنَّ الْمَالِكِيَّةَ قَيَّدُوا السُّنِّيَّةَ بِأَوَّل الطَّوَافِ وَجَعَلُوا ذَلِكَ مُسْتَحَبًّا فِي بَاقِيهِ، وَاسْتَحَبَّالْحَنَفِيَّةُ تَقْبِيل الْحَجَرِ.
وَصِفَةُ الاِسْتِلاَمِ: أَنْ يَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى الْحَجَرِ، وَيَضَعُ فَمَهُ بَيْنَ كَفَّيْهِ وَيُقَبِّلُهُ.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ ﵁ قَبَّل الْحَجَرَ وَقَال: إِنِّي لأََعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ، وَلَوْلاَ أَنِّي رَأَيْتُ رَسُول اللَّهِ ﷺ يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ (65) .
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَال: كَانَ رَسُول اللَّهِ ﷺ لاَ يَدَعُ أَنْ يَسْتَلِمَ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ وَالْحَجَرَ فِي كُل طَوْفَةٍ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ (66) .
و اسْتِلاَمُ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ:
33 - اسْتِلاَمُهُ يَكُونُ بِوَضْعِ الْيَدَيْنِ عَلَيْهِ، وَهُوَ الرُّكْنُ الْوَاقِعُ قِبَل رُكْنِ الْحَجَرِ الأَْسْوَدِ.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ قَال: مَا تَرَكْتُ اسْتِلاَمَ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ: الْيَمَانِيِّ وَالْحَجَرِ، مُذْ رَأَيْتُ رَسُول اللَّهِ ﷺ يَسْتَلِمُهُمَا، فِي شِدَّةٍ وَلاَ رَخَاءٍ (67) . وَالسُّنِّيَّةُ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ، وَقَوْل مُحَمَّدٍ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، لَكِنَّهُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ سُنَّةٌ فِي الشَّوْطِ الأَْوَّل مَنْدُوبٌ فِي غَيْرِهِ، وَقَال الشَّيْخَانِ: أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ: هُوَ مَنْدُوبٌ.
وَذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُقَبِّلُهُ وَلاَ يَسْجُدُ عَلَيْهِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُقَبِّل مَا اسْتَلَمَ بِهِ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ وَلاَ يُشِيرُ إِلَيْهِ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يُقَبِّل مَا اسْتَلَمَ بِهِ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ وَيُشِيرُ إِلَيْهِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنِ الْوُصُول إِلَيْهِ، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى فَمِهِ مِنْ غَيْرِ تَقْبِيلٍ.
أَمَّا غَيْرُ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ فَلاَ يُسَنُّ اسْتِلاَمُهُ، لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَسْتَلِمُ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ وَلاَ يَسْتَلِمُ غَيْرَهُمَا، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ﵄ قَال: لَمْ أَرَ النَّبِيَّ ﷺ يَسْتَلِمُ مِنَ الْبَيْتِ إِلاَّ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَّيْنِ (68) . وَقَدْ أَبْدَى الْعُلَمَاءُ لِذَلِكَ التَّفَاوُتِ بَيْنَ أَرْكَانِ الْبَيْتِ سَبَبًا وَضَّحَهُ الرَّمْلِيُّ فَقَال: وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلاَفِ الأَْرْكَانِ فِي هَذِهِ الأَْحْكَامِ: أَنَّ الرُّكْنَ الَّذِي فِيهِ الْحَجَرُ الأَْسْوَدُ فِيهِ فَضِيلَتَانِ: كَوْنُ الْحَجَرِ فِيهِ، وَكَوْنُهُ عَلَى قَوَاعِدِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ، وَالْيَمَانِيُّ فِيهِ فَضِيلَةٌ وَاحِدَةٌ: وَهِيَ كَوْنُهُ عَلَى قَوَاعِدِ أَبِينَا إِبْرَاهِيمَ، وَأَمَّا الشَّامِيَّانِ فَلَيْسَ لَهُمَا شَيْءٌ مِنَ الْفَضِيلَتَيْنِ (69) .
ز - الدُّعَاءُ:
34 - وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِيهِ غَيْرَ مَحْدُودٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ يُسَنُّ فِي أَوَّل الطَّوَافِ، وَفِي كُل طَوْفَةٍ الدُّعَاءُ بِالْمَأْثُورِ وَهُوَ: بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ إِيمَانًا بِكَ، وَتَصْدِيقًا بِكِتَابِكَ، وَوَفَاءً بِعَهْدِكَ، وَاتِّبَاعًا لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ ﷺ} (70) وَالدُّعَاءُ الْمَأْثُورُ فِي بَقِيَّةِ جَوَانِبِ الْبَيْتِ وَهُوَ مَنْدُوبٌ، وَمِنْهُ:
الدُّعَاءُ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْكَعْبَةِ:
35 - اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا الْبَيْتَ تَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا وَتَعْظِيمًا وَمَهَابَةً، وَزِدْ مَنْ شَرَّفَهُ وَكَرَّمَهُ مِمَّنْ حَجَّهُ وَاعْتَمَرَهُ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا وَبِرًّا (71) . " اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلاَمُ، وَمِنْكَ السَّلاَمُ، فَحَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلاَمِ ". (72)
دُعَاءُ افْتِتَاحِ الطَّوَافِ وَاسْتِلاَمِ الْحَجَرِ الأَْسْوَدِ أَوِ الْمُرُورِ بِهِ:
36 - بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ إِيمَانًا بِكَ، وَتَصْدِيقًا بِكِتَابِكَ، وَوَفَاءً بِعَهْدِكَ وَاتِّبَاعًا لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ ﷺ وَحُكْمُهُ كَمَا سَبَقَ (73) .
وَالْمَعْنَى: أَطُوفُ بِاسْمِ اللَّهِ، وَأَطُوفُ اللَّهُمَّ إِيمَانًا بِكَ.
الدُّعَاءُ فِي الأَْشْوَاطِ الثَّلاَثَةِ الأُْولَى:
37 - اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا، وَسَعْيًا مَشْكُورًا، وَذَنْبًا مَغْفُورًا، اللَّهُمَّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ وَأَنْتَ تُحْيِي بَعْدَمَا أَمَتَّ (74) . وَإِذَا كَانَ يُؤَدِّي عُمْرَةً دَعَا فَقَال: اجْعَلْهَا عُمْرَةً مَبْرُورَةً، وَإِنْ كَانَ طَوَافًا نَفْلاً دَعَا: اجْعَلْهُ طَوَافًا مَبْرُورًا أَيْ مَقْبُولاً وَسَعْيًا مَشْكُورًا (وَسَعْيُ الرَّجُل عَمَلُهُ) كَمَا قَال تَعَالَى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِْنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى} (75) .
الدُّعَاءُ فِي الأَْشْوَاطِ الأَْرْبَعَةِ الْبَاقِيَةِ:
38 - اللَّهُمَّ اغْفِرْ وَارْحَمْ، وَاعْفُ عَمَّا تَعْلَمُ، وَأَنْتَ الأَْعَزُّ الأَْكْرَمُ (76) .
الدُّعَاءُ عِنْدَ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ:
39 - " بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، وَالسَّلاَمُ عَلَى رَسُول اللَّهِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكُفْرِ وَالْفَقْرِ وَالذُّل، وَمَوَاقِفِ الْخِزْيِ فِي الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآْخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ " (77) .
الدُّعَاءُ بَيْنَ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ وَالْحَجَرِ الأَْسْوَدِ:
40 - رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآْخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (78) . رَبِّ قَنِّعْنِي بِمَا رَزَقْتَنِي، وَبَارِكْ لِي فِيهِ، وَاخْلُفْ عَلَى كُل غَائِبَةٍ لِي بِخَيْرٍ (79) .
الدُّعَاءُ بَعْدَ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ:
41 - اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ سَرِيرَتِي وَعَلاَنِيَتِي فَاقْبَل مَعْذِرَتِي، وَتَعْلَمُ حَاجَتِي فَأَعْطِنِي سُؤْلِي، وَتَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي ذَنْبِي، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ إِيمَانًا يُبَاشِرُ قَلْبِي، وَيَقِينًا صَادِقًا حَتَّى أَعْلَمَ أَنَّهُ لاَ يُصِيبُنِي إِلاَّ مَا كَتَبْتَ لِي، وَرِضًا بِمَا قَسَمْتَ (80) .
دُعَاءٌ لِعَامَّةِ الطَّوَافِ:
42 - اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَخَطَايَايَ، وَعَمْدِي، وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي، إِنَّكَ إِنْ لاَ تَغْفِرْ لِي تُهْلِكْنِي (81) .
اللَّهُمَّ الْبَيْتُ بَيْتُكَ، وَنَحْنُ عَبِيدُكَ، وَنَوَاصِينَا بِيَدِكَ، وَتَقَلُّبُنَا فِي قَبْضَتِكَ، فَإِنْ تُعَذِّبْنَا فَبِذُنُوبِنَا، وَإِنْ تَغْفِرْ لَنَا فَبِرَحْمَتِكَ، فَرَضْتَ حَجَّكَ لِمَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً، فَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا جَعَلْتَ لَنَا مِنَ السَّبِيل، اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا ثَوَابَ الشَّاكِرِينَ (82) .
دُعَاءُ الشُّرْبِ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ:
43 - اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا، وَرِزْقًا وَاسِعًا، وَعَمَلاً مُتَقَبَّلاً، وَشِفَاءً مِنْ كُل دَاءٍ (83) .
ح - الْقُرْبُ مِنَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ:
44 - الْقُرْبُ فِي الطَّوَافِ مِنَ الْبَيْتِ لِلرِّجَال وَالْبُعْدُ لِلنِّسَاءِ، وَعَدَّهُ الشَّافِعِيَّةُ سُنَّةً.
فَلَوْ فَاتَ الرَّمَل بِمُرَاعَاةِ الْقُرْبِ مِنَ الْبَيْتِ فَالرَّمَل مَعَ الْبُعْدِ أَوْلَى، إِلاَّ إِذَا كَانَ الزِّحَامُ شَدِيدًا أَوْ خَافَ صَدْمَ النِّسَاءِ لَوْ بَعُدَ عَنِ الْبَيْتِ، فَالْقُرْبُ حِينَئِذٍ مَعَ تَرْكِ الرَّمَل أَوْلَى (84) .
ط - حِفْظُ الْبَصَرِ عَنْ كُل مَا يَشْغَلُهُ:
45 - عَلَى الطَّائِفِ أَنْ يَحْفَظَ بَصَرَهُ، عَنْ كُل مَا يَشْغَلُهُ عَنِ الطَّوَافِ: لأَِنَّ الطَّوَافَ عِبَادَةٌ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الصَّلاَةِ؛ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتِمَّ فِيهِ التَّفَرُّغُ لأَِدَائِهِ.
ى - الإِْسْرَارُ بِالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ:
46 - الإِْسْرَارُ بِالأَْذْكَارِ وَالأَْدْعِيَةِ (85) مَطْلُوبٌ فِي الطَّوَافِ؛ لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمِيعٌ، حَتَّى لاَ يُؤْذِيَ غَيْرَهُ إِنْ جَهَرَ.
ك - الْتِزَامُ الْمُلْتَزَمَ:
47 - يُسْتَحَبُّ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ بَعْدَ طَوَافِ الْوَدَاعِ أَنْ يَلْتَزِمَ الطَّائِفُ الْمُلْتَزَمَ وَهُوَ الْجِدَارُ الَّذِي بَيْنَ الْحَجَرِ الأَْسْوَدِ وَبَابِ الْكَعْبَةِ الْمُشَرَّفَةِ، اقْتِدَاءً بِالرَّسُول ﷺ وَالْتِزَامُهُ أَنْ يُلْصِقَ صَدْرَهُ وَخَدَّهُ الأَْيْمَنَ، وَيَدَاهُ وَكَفَّاهُ مَبْسُوطَتَانِ قَائِمَتَانِ، وَهُوَ مُتَذَلِّلٌ مُسْتَجِيرٌ بِرَبِّ الْبَيْتِ، وَالْمُلْتَزَمُ مِنَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُسْتَجَابُ فِيهَا الدُّعَاءُ، وَيَدْعُو بِالْمَأْثُورِ مِنَ الدُّعَاءِ إِنْ حَفِظَهُ وَإِلاَّ فَبِمَا تَيَسَّرَ (86) .
ل - قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ:
48 - قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ مِنْ غَيْرِ رَفْعِ صَوْتٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ. وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ تَجُوزُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، وَالذِّكْرُ أَفْضَل عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ (87) .
أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَقَالُوا: مَأْثُورُ الدُّعَاءِ أَفْضَل مِنَ الْقِرَاءَةِ، وَهِيَ أَفْضَل مِنْ غَيْرِ مَأْثُورِهِ (88) .
اسْتَدَل الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ هَدْيَ النَّبِيِّ ﷺ هُوَ الأَْفْضَل، وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ فِي الطَّوَافِ قِرَاءَةُ قُرْآنٍ، بَل الذِّكْرُ، وَهُوَ الْمُتَوَارَثُ مِنَ السَّلَفِ وَالْمُجْمَعُ عَلَيْهِ فَكَانَ أَوْلَى (89) .
وَاسْتَدَل الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الدُّعَاءِ بِالْمَأْثُورِ فِي الطَّوَافِ عَلَى الْقِرَاءَةِ بِاتِّبَاعِ النَّبِيِّ ﷺ وَأَفْضَلِيَّةِ الْقُرْآنِ عَلَى غَيْرِ الْمَأْثُورِ فِي الطَّوَافِ، بِأَنَّ الْمَوْضِعَ مَوْضِعُ ذِكْرٍ، وَالْقُرْآنُ أَفْضَل الذِّكْرِ (90) .
وَاسْتَدَلُّوا بِالْحَدِيثِ الْقُدُسِيِّ: مَنْ شَغَلَهُ الْقُرْآنُ وَذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَل مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ، وَفَضْل كَلاَمِ اللَّهِ عَلَى سَائِرِ الْكَلاَمِ كَفَضْل اللَّهِ تَعَالَى عَلَى خَلْقِهِ (91) .
مُبَاحَاتُ الطَّوَافِ:
49 - أ - الْكَلاَمُ الْمُبَاحُ الَّذِي يُحْتَاجُ إِلَيْهِ. صَرَّحَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بِكَرَاهَةِ الْكَلاَمِ، لَكِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا لاَ حَاجَةَ إِلَيْهِ. وَلِذَلِكَ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّ الأَْفْضَل أَلاَّ يَتَكَلَّمَ (92) لِقَوْلِهِ ﷺ: الطَّوَافُ صَلاَةٌ فَأَقِلُّوا فِيهِ الْكَلاَمَ وَفِي رِوَايَةٍ: إِلاَّ أَنَّكُمْ تَتَكَلَّمُونَ فِيهِ فَمَنْ تَكَلَّمَ فَلاَ يَتَكَلَّمْ إِلاَّ بِخَيْرٍ (93) .
ب - السَّلاَمُ عَلَى مَنْ لاَ يَكُونُ مَشْغُولاً بِالذِّكْرِ (94) .
ج - الإِْفْتَاءُ وَالاِسْتِفْتَاءُ، وَنَحْوُهُ مِنْ تَعْلِيمِ جَاهِلٍ أَوْ أَمْرٍ بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهْيٍ عَنْ مُنْكَرٍ (95) .
د - الْخُرُوجُ مِنَ الطَّوَافِ لِحَاجَةٍ ضَرُورِيَّةٍ.
هـ - الشُّرْبُ، لِعَدَمِ إِخْلاَلِهِ بِالْمُوَالاَةِ لِقِلَّةِ زَمَانِهِ، بِخِلاَفِ الأَْكْل (96) .
و لُبْسُ نَعْلٍ أَوْ خُفٍّ إِذَا كَانَا طَاهِرَيْنِ.
مُحَرَّمَاتُ الطَّوَافِ:
50 - أ - تَرْكُ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الطَّوَافِ، وَحُكْمُهُ: أَنَّهُ لاَ يَتَحَلَّل التَّحَلُّل الأَْكْبَرَ إِلاَّ بِالْعَوْدِ وَأَدَائِهِ إِنْ كَانَ الطَّوَافُ فَرْضًا، أَوْ وَاجِبًا. ب - تَرْكُ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الطَّوَافِ، وَحُكْمُهُ: أَنَّ الطَّوَافَ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَيَجِبُ أَنْ يُعِيدَهُ إِنْ كَانَ فَرْضًا، أَوْ وَاجِبًا.
فَإِنْ كَانَ بِمَكَّةَ أَعَادَهُ وَلاَ إِشْكَال، وَإِنْ سَافَرَ مِنْ مَكَّةَ، فَلاَ بُدَّ لَهُ مِنَ الرُّجُوعِ إِلَى مَكَّةَ وَإِعَادَتِهِ، كَمَا فِي تَرْكِ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الطَّوَافِ.
ج - تَرْكُ وَاجِبٍ مِنْ وَاجِبَاتِ الطَّوَافِ، وَهُوَ غَيْرُ مُجْزِئٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، مَكْرُوهٌ كَرَاهَةً تَحْرِيمِيَّةً عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ حَسَبَ اصْطِلاَحِهِمْ، وَيَلْزَمُهُ الإِْثْمُ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ (97) .
مَكْرُوهَاتُ الطَّوَافِ:
51 - نَصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى أُمُورٍ تُكْرَهُ فِي الطَّوَافِ، مِنْهَا:
أ - رَفْعُ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَالْقُرْآنِ بِمَا يُشَوِّشُ عَلَى الطَّائِفِينَ.
ب - الْكَلاَمُ غَيْرُ الْمُحْتَاجِ إِلَيْهِ، لِقَوْل ابْنِ عُمَرَ ﵄: أَقِلُّوا الْكَلاَمَ فَإِنَّمَا أَنْتُمْ فِي صَلاَةٍ.
ج - إِنْشَادُ شِعْرٍ لَيْسَ مِنْ قَبِيل الذِّكْرِ وَالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ.
د - تَرْكُ سُنَّةٍ مِنْ سُنَنِ الطَّوَافِ، حَسْبَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي كُل مَذْهَبٍ، كَتَرْكِ الرَّمَل فِي طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ، وَكَتَرْكِ اسْتِلاَمِ الْحَجَرِ الأَْسْوَدِ وَالإِْشَارَةِ إِلَيْهِ.
هـ - الْجَمْعُ بَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ طَوَافٍ كَامِلٍ مِنْ غَيْرِ صَلاَةٍ بَعْدَ كُل طَوَافٍ، إِلاَّ إِذَا وَقَعَتِ الصَّلاَةُ فِي وَقْتِ كَرَاهَةٍ فَيُؤَخِّرُهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
و الطَّوَافُ وَهُوَ يُدَافِعُ الْبَوْل أَوِ الْغَائِطَ، أَوْ وَهُوَ شَدِيدُ التَّوَقَانِ إِلَى الأَْكْل، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَشْغَلُهُ عَنِ الْحُضُورِ فِي الْعِبَادَةِ، كَمَا يُكْرَهُ فِي الصَّلاَةِ.
ز - الأَْكْل فِي الطَّوَافِ اتِّفَاقًا بَيْنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَكَذَا الشُّرْبُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَكَرَاهَةُ الشُّرْبِ أَخَفُّ عِنْدَهُمْ، قَال الشَّافِعِيُّ: لاَ بَأْسَ بِشُرْبِ الْمَاءِ فِي الطَّوَافِ وَلاَ أَكْرَهُهُ، بِمَعْنَى الْمَأْثَمِ، لَكِنِّي أُحِبُّ تَرْكَهُ؛ لأَِنَّ تَرْكَهُ أَحْسَنُ فِي الأَْدَبِ وَقَال الشَّافِعِيُّ فِي الإِْمْلاَءِ: رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ " أَنَّهُ شَرِبَ وَهُوَ يَطُوفُ (98) .
ح - وَضْعُ الطَّائِفِ يَدَهُ عَلَى فِيهِ، إِلاَّ أَنْ يَحْتَاجَ إِلَيْهِ مِثْل دَفْعِ التَّثَاؤُبِ.
ط - تَشْبِيكُ الأَْصَابِعِ أَوْ فَرْقَعَتُهَا، كَمَا يُكْرَهُ ذَلِكَ فِي الصَّلاَةِ (99) . كَيْفِيَّةُ الطَّوَافِ:
52 - إِذَا أَرَادَ شَخْصٌ الطَّوَافَ فَيَسْتَعِدُّ لِذَلِكَ بِتَطْهِيرِ بَدَنِهِ وَثِيَابِهِ مِنَ النَّجَاسَةِ، وَيَغْتَسِل إِنْ كَانَ جُنُبًا، وَيَتَوَضَّأُ وَيَضْبِطُ ثِيَابَ إِحْرَامِهِ حَتَّى يَأْمَنَ أَنْ تَنْكَشِفَ عَوْرَتُهُ فِي أَثْنَاءِ الطَّوَافِ وَزِحَامِهِ، وَإِذَا أَرَادَ أَدَاءَ طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ مِثْل طَوَافِ الْقُدُومِ فِي حَال تَقْدِيمِ السَّعْيِ إِلَيْهِ، وَطَوَافِ الزِّيَارَةِ إِذَا لَمْ يُقَدِّمِ السَّعْيَ عَلَيْهِ، وَطَوَافِ الْعُمْرَةِ، فَيُسَنُّ لَهُ فِي هَذِهِ الأَْطْوِفَةِ الاِضْطِبَاعُ فِي الأَْشْوَاطِ كُلِّهَا.
كَيْفِيَّةُ الاِضْطِبَاعِ:
53 - وَكَيْفِيَّةُ الاِضْطِبَاعِ: أَنْ يَجْعَل الطَّائِفُ وَسَطَ الرِّدَاءِ تَحْتَ إِبِطِهِ الْيُمْنَى، وَيَرُدُّ طَرَفَيْهِ عَلَى كَتِفِهِ الْيُسْرَى، وَيَتْرُكُ كَتِفَهُ الْيُمْنَى مَكْشُوفَةً. ثُمَّ يَتَّجِهُ إِلَى الْحَجَرِ الأَْسْوَدِ حَتَّى يَتَجَاوَزَهُ قَلِيلاً إِلَى جِهَةِ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ، وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إِنْ كَانَ مُحْرِمًا، يَنْوِي الطَّوَافَ الَّذِي يُرِيدُهُ، وَيَجْعَل يَسَارَهُ إِلَى الْبَيْتِ، ثُمَّ يَسْتَقْبِل الْحَجَرَ الأَْسْوَدَ وَيَسْتَلِمُهُ، بِأَنْ يَضَعَ عَلَيْهِ يَدَيْهِ وَيَضَعَ وَجْهَهُ بَيْنَ كَفَّيْهِ، وَيُقَبِّلَهُ ثَلاَثًا.
لَكِنْ إِذَا وَجَدَ الطَّائِفُ زِحَامًا فَيَجْتَنِبُ الإِْيذَاءَ، وَيَكْتَفِي بِالإِْشَارَةِ إِلَى الْحَجَرِ بِيَدَيْهِ؛ لأَِنَّ اسْتِلاَمَ الْحَجَرِ سُنَّةٌ، وَإِيذَاءُ النَّاسِ حَرَامٌيَجِبُ تَرْكُهُ، وَلاَ يَجُوزُ ارْتِكَابُ الْحَرَامِ لأَِجْل السُّنَّةِ، وَقَدْ قَال ﷺ لِعُمَرِ ﵁: يَا عُمَرُ، إِنَّكَ رَجُلٌ قَوِيٌّ، لاَ تُزَاحِمْ عَلَى الْحَجَرِ، فَتُؤْذِي الضَّعِيفَ، إِنْ وَجَدْتَ خَلْوَةً فَاسْتَلِمْهُ، وَإِلاَّ فَاسْتَقْبِلْهُ فَهَلِّل وَكَبِّرْ (100) .
وَكَيْفِيَّةُ الإِْشَارَةِ: أَنْ يَرْفَعَ الطَّائِفُ يَدَيْهِ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ، وَيَجْعَل بَاطِنَهُمَا نَحْوَ الْحَجَرِ الأَْسْوَدِ يُشِيرُ بِهِمَا إِلَيْهِ.
54 - وَيَرْمُل الطَّائِفُ فِي الأَْشْوَاطِ الثَّلاَثَةِ الأُْولَى إِنْ كَانَ سَيَسْعَى بَعْدَ الطَّوَافِ.
وَكَيْفِيَّةُ الرَّمَل: إِسْرَاعُ الْمَشْيِ مَعَ مُقَارَبَةِ الْخُطَى وَهَزِّ الْكَتِفَيْنِ مِنْ غَيْرِ وَثْبٍ، وَيَمْشِي بَقِيَّةَ الأَْشْوَاطِ، وَيَكُونُ فِي طَوَافِهِ عَلَى غَايَةِ الأَْدَبِ وَالْحُضُورِ وَالتَّعْظِيمِ، مَعَ غَضِّ الْبَصَرِ وَخَفْضِ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ، فَإِذَا وَصَل إِلَى الْحَطِيمِ وَهُوَ الْمَكَانُ الْمُحَاطُ بِجِدَارٍ دَائِرِيٍّ، جِهَةَ شِمَال الْكَعْبَةِ حَيْثُ الْمِيزَابُ فَيَجْعَل الْحَطِيمَ فِي ضِمْنِ طَوَافِهِ، وَلاَ يَدْخُل فِي دَاخِلِهِ، فَإِذَا وَصَل إِلَى الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ فَيَسْتَلِمُهُ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِ فَقَطْ، دُونَ سُجُودٍ وَلاَ تَقْبِيلٍ لَهُ وَلاَ لِيَدَيْهِ، حَتَّى يَصِل إِلَى الْحَجَرِ الأَْسْوَدِ، فَيَكُونُ بِذَلِكَ قَدْ أَدَّى شَوْطًا، فَيَسْتَلِمُ الْحَجَرَ وَيُقَبِّلُهُ، أَوْ يُشِيرُ إِلَيْهِ إِذَا كَانَ زِحَامٌ.
وَيُتَابِعُ الطَّوَافَ حَتَّى تَكْمُل سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ عِنْدَ الْحَجَرِ الأَْسْوَدِ فَيَسْتَلِمَهُ وَيُقَبِّلَهُ خِتَامًا لأَِشْوَاطِ الطَّوَافِ، أَوْ يُشِيرُ إِلَيْهِ إِذَا كَانَ هُنَاكَ زِحَامٌ، ثُمَّ يَتَّجِهُ نَحْوَ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَامُ فَيَجْعَلُهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ، وَيُصَلِّي رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ، وَلَكِنْ لَيْسَ هَذَا الْوَضْعُ شَرْطًا لِصِحَّتِهِمَا كَمَا يَتَوَهَّمُ الْعَامَّةُ، فَلاَ يُزَاحِمُ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ أَيْنَمَا تَيَسَّرَ، فَحَيْثُمَا أَدَّاهُمَا جَائِزٌ، لَكِنَّ الْحَرَمَ أَفْضَل، وَيَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الأُْولَى سُورَةَ {قُل يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وَفِي الثَّانِيَةِ {قُل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} اتِّبَاعًا لِفِعْلِهِ ﷺ، ثُمَّ يَدْعُو بَعْدَهُمَا بِمَا يُحِبُّ لَهُ وَلِمَنْ يُحِبُّ.
__________
(1) سورة البقرة: الآية: 158.
(2) مادة (طوف) في القاموس المحيط وشرحه تاج العروس، ومختار الصحاح، ولسان العرب، والمعجم الوسيط، وقواعد الفقه للبركتي، والمفردات في غريب القرآن.
(3) مادة (س. ع. ى) في المصادر السابقة.
(4) لباب المناسك للسندي وشرحه للقاري " المسلك المتقسط شرح المنسك المتوسط " مطبعة مصطفى محمد ص 96 - 97.
(5) نهاية المحتاج للزملي طبع بولاق 2 / 405، ومغني المحتاج للشربيني تصوير بيروت 1 / 485.
(6) الهداية بشرحها فتح القدير (طبع بولاق) 2 / 303، ومواهب الجليل شرح مختصر خليل للحطاب 2 / 200 - 201، وحاشية الدسوقي 2 / 30 وما بعدها، والمغني (مطبعة النار - الثالثة) 3 / 527 - 528.
(7) نهاية المحتاج 2 / 480، ومغني المحتاج 1 / 537.
(8) حديث: ابن عباس: " أن النبي ﷺ أمر الناس أن يكون آخر عهدهم. . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 3 / 585) ، ومسلم (2 / 963) .
(9) شرح اللباب ص 97.
(10) المرجع السابق 98.
(11) سورة الحج 29.
(12) حديث: " خذوا عني مناسككم ". أخرجه مسلم (2 / 943) ، والبيهقي (5 / 125) من حديث جابر بن عبد الله، واللفظ للبيهقي.
(13) نهاية المحتاج 2 / 409.
(14) حديث: " خذوا عني مناسككم ". أخرجه مسلم (2 / 943) ، والبيهقي (5 / 125) من حديث جابر بن عبد الله، واللفظ للبيهقي.
(15) نهاية المحتاج 2 / 409.
(16) بدائع الصنائع 2 / 132، والدر المختار وحاشيته 2 / 250.
(17) فتح القدير 2 / 247.
(18) المغني 3 / 378، وانظر المجموع 8 / 25.
(19) انظر المرجعين السابقين، ونهاية المحتاج 2 / 409، ومغني المحتاج 1 / 486 - 487.
(20) الشرح الكبير للدردير وحاشيته للدسوقي 2 / 33.
(21) المراد بالمستنكح في مصطلح المالكية هو من يأتيه الشك في كل يوم ولو مرة.
(22) المسلك المتقسط ص 113، ورد المحتار 2 / 230.
(23) المغني 3 / 378، ومغني المحتاج 1 / 486 - 487.
(24) المسلك المتقسط ص 99.
(25) المرجع السابق، وبدائع الصنائع للكاساني (طبع شركة المطبوعات العلمية) 2 / 128 وحاشية الهيثمي على الإيضاح ص 252، والفروع لابن مفلح الحنبلي (طبع عالم الكتب) 3 / 501، ومغني المحتاج (دار إحياء التراث - بيروت) 1 / 487، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير (طبع عيسى الحلبي) 2 / 37.
(26) البدائع 2 / 128 - 129، وشرح اللباب ص 98 و99، والدسوقي 2 / 37، والمهذب مع المجموع 8 / 16 و 18 و 21، والإيضاح ص 251 - 253، ونهاية المحتاج 2 / 409 و 414 و 416، ومغني المحتاج 1 / 487 و 292، والمغني 3 / 441 و 443 (مطبعة المنار - الثالثة) ، والفروع 3 / 499 - 501.
(27) حديث: " إنما الأعمال بالنيات ". أخرجه البخاري (فتح الباري 1 / 9) ومسلم (3 / 1515) من حديث عمر بن الخطاب.
(28) المغني 3 / 441، وكشاف القناع 2 / 485، 505.
(29) المسلك المتقسط ص 100.
(30) المسلك المتقسط ص 100 - 101.
(31) سورة الحج الآية: 29.
(32) المسلك المتقسط ص 101، والدر المختار وحاشيته 2 / 230، ومغني المحتاج 1 / 487، ونهاية المحتاج 2 / 409، والمغني 3 / 375، والفروع 3 / 500.
(33) الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي 2 / 33.
(34) الحطاب 3 / 70 - 71.
(35) المجموع 8 / 28، 29.
(36) حديث عائشة أن رسول الله ﷺ قال لها: " ألم ترى أن قومك لما بنوا الكعبة. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري 3 / 439) ومسلم (2 / 969) .
(37) الجدر: هو الحجر.
(38) حديث عائشة: سألت النبي ﷺ عن الجدر أمن البيت هو. أخرجه البخاري (فتح الباري 3 / 439) ومسلم (2 / 973) .
(39) بدائع الصنائع 2 / 131 و133 و 134، والمسلك المتقسط ص 104، ورد المحتار 2 / 219، وشرح المنهاج 2 / 105، ومغني المحتاج 1 / 486، ومواهب الجليل 3 / 71 - 75 وحاشية العدوي 1 / 466، والشرح الكبير 2 / 31، المغني 3 / 382 والفروع 3 / 499.
(40) المسلك المتقسط ص 104 وقارن بفتح القدير 2 / 151.
(41) المهذب 8 / 33، ونهاية المحتاج 2 / 407 وحاشية العدوي 1 / 466، وشرح الفاسي على الرسالة 1 / 352، والمغني 3 / 371 - 372، والفروع 3 / 497.
(42) حديث: " خذوا عني مناسككم ". أخرجه مسلم (2 / 943) من حديث جابر بلفظ " لتأخذوا مناسككم ".
(43) تنوير الأبصار والشرح والحاشية 2 / 203، وشرح الزرقاني 2 / 262، والشرح الكبير وحاشيته 2 / 30 - 31، ومواهب الجليل 3 / 64 - 65.
(44) المسلك المتقسط ص 98.
(45) حديث: " أن النبي ﷺ جعل البيت في الطواف على يساره ". أخرجه مسلم (2 / 893) من حديث جابر بلفظ أن رسول الله ﷺ لما قدم مكة أتى الحجر فاستلمه ثم مشى على يمينه فرمل ثلاثا ومشى أربعا.
(46) البدائع 2 / 130 - 131 والمسلك المتقسط ص 104 وحاشية العدوي 1 / 466، والشرح الكبير 2 / 31 ونهاية المحتاج 2 / 407، ومغني المحتاج 1 / 485.
(47) حديث ابن عباس: " الطواف بالبيت صلاة ". أخرجه النسائي (5 / 222) وصححه ابن حجر في التلخيص (1 / 130) .
(48) البدائع 2 / 129، والمسلك المتقسط ص 103، و108 وحاشية العدوي 1 / 456 - 466 والشرح الكبير 2 / 31 ونهاية المحتاج 2 / 405، 406، ومغني المحتاج 1 / 485، وحاشية اليجوري 1 / 532، والمغني 3 / 377، د والفروع 3 / 502.
(49) شرح الرسالة مع حاشية العدوي 1 / 466، لكن جزم خليل وأقره في الشرح الكبير 2 / 32 أنه يبنى إن رعف بعد غسل الدم بشرط ألا يتعد موضعا قريبا، كالصلاة وألا يبعد المكان جدا، وأن لا يطأ نجاسة، ونهاية المحتاج 3 / 271.
(50) المغني 3 / 396.
(51) حديث: " الطواف بالبيت صلاة " تقدم تخريجه فـ / 22.
(52) حديث: " لا يطوف بالبيت عريان ". أخرجه البخاري (فتح الباري 3 / 483) ومسلم (2 / 982) من حديث أبي هريرة.
(53) المراجع الفقهية السابقة.
(54) حديث: الطواف بالبيت تقدم تخريجه فـ / 22.
(55) الشرح الكبير 2 / 320 وشرح الرسالة مع حاشية العدوي 1 / 466 - 467، والمغني 3 / 395، والفروع 3 / 502، والمسلك المتقسط ص 108، ومغني المحتاج 1 / 492، وابن عابدين 2 / 168 - 169.
(56) البدائع 2 / 128، وحاشية العدوي 1 / 468، والشرح الكبير 2 / 40، وشرح المحلي على المنهاج 2 / 105، والمغني 3 / 397، والإنصاف 4 / 19، نهاية المحتاج 3 / 275.
(57) الهداية وشرحها فتح القدير 2 / 154، وحاشية العدوي 1 / 467، والشرح الكبير وحاشيته 2 / 41 - 42، وشرح المنهاج 2 / 109، ومغني المحتاج 1 / 492، والمغني 3 / 384، والفروع 3 / 503.
(58) حديث جابر " أنه ﷺ تقدم إلى مقام إبراهيم. . . ". أخرجه مسلم (2 / 888) .
(59) مغني المحتاج جـ1 / 492 القليوبي وعميرة جـ 2 / 109، المهذب مع المجموع جـ 8 / 56، المغني جـ 3 / 384.
(60) حديث يعلى بن أمية: " أن النبي ﷺ طاف مضطبعا ". أخرجه الترمذي (3 / 205) وقال: حديث حسن صحيح.
(61) حديث ابن عباس: " أن رسول الله ﷺ وأصحابه اعتمروا من الجعرانة ". أخرجه أبو داود (2 / 444) وصحح إسناده النووي في المجموع (8 / 19) .
(62) الفتاوى الهندية 1 / 222 - 225 والقليوبي 2 / 108، وكشاف القناع 2 / 477 - 478، والمغني 3 / 372، والمنتقي للباجي 2 / 28.
(63) حديث ابن عباس: " قدم رسول الله ﷺ وقد وهنتهم حمى يثرب. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 3 / 469 - 470) ومسلم 470 (2 / 923) واللفظ لمسلم.
(64) حديث جابر: " أن النبي ﷺ رمل ثلاثا ومشى أربعا ". أخرجه مسلم (2 / 887) .
(65) حديث ابن عمر أن عمر قبل الحجر. أخرجه البخاري (فتح الباري 3 / 471) ومسلم (2 / 925) واللفظ لمسلم.
(66) حديث ابن عمر: كان رسول الله ﷺ لا يدع أن يستلم الركن اليماني. أخرجه أبو داود (2 / 440 - 441) والنسائي (5 / 231) وقال المنذري في مختصر سنن أبي داود (2 / 375) : " في إسناده عبد العزيز بن أبي رواد وفيه مقال ".
(67) حديث ابن عمر: ما تركت استلام هذين الركنين. أخرجه مسلم (2 / 924) .
(68) حديث ابن عمر: لم أر النبي ﷺ يستلم من البيت إلا الركنين اليمانيين. أخرجه البخاري (فتح الباري 3 / 473) ومسلم (2 / 924) .
(69) انظر سنن الطواف في الهداية وشرحها 2 / 148 و 150 - 153، والمسلك المتقسط ص 108 ورد المحتار 2 / 227 و 229 - 232، وشرح الرسالة وحاشية العدوي 1 / 466 - 468، والشرح الكبير 2 / 40 - 41 وشرح المنهاج 2 / 104، 106 - 108، ونهاية المحتاج 2 / 407 - 415، ومغني المحتاج 1 / 487 - 493 والمغني 3 / 370 - 384، والفروع 3 / 495 - 504.
(70) حديث: " بسم الله والله أكبر. . . الخ ". أورده ابن حجر في التلخيص (2 / 247) وقال: " لم أجده هكذا " ثم عزاه مختصرا دون لفظة: " ووفاء بعهدك، واتباعا لسنة نبيك " إلى الأم للشافعي وهو فيه (2 / 170) من حديث ابن جريج قال: أنبئت أن بعض أصحاب النبي ﷺ
(71) دعاء: اللهم زد هذا البيت تشريفا. . . أخرجه الشافعي في المسند (1 / 339 - ترتيبه) عن ابن جريج أن رسول الله ﷺ كان إذا رأى البيت قال: الحديث به، وأعله ابن حجر بالإعضال كذا في الفتوحات الربانية لابن علان (4 / 370) .
(72) دعاء: اللهم أنت السلام ومنك السلام. ورد موقوفًا على سعيد بن المسيب، أخرجه عنه الشافعي في المسند (1 / 338) .
(73) حديث: بسم الله الله أكبر. . . سبق تخريجه فـ 34.
(74) حديث: اللهم اجعله حجًا مبرورًا. . . قال ابن حجر في التلخيص (2 / 250) لم أجده واستحبه الشافعي وأسنده عنه البيهقي في السند (5 / 84) .
(75) سورة النجم آية: 39.
(76) دعاء: اللهم اغفر وارحم. . . استحبه الشافعي، أسنده عنه البيهقي في السنن (5 / 84) .
(77) دعاء الركن اليماني: بسم الله، والله أكبر، والسلام على رسول الله. ورد عن علي بن أبي طالب، أخرجه عنه الأزرقي في أخبار مكة (1 / 242) .
(78) الدعاء بين الركن اليماني والحجر الأسود: ربنا آتنا في الدنيا حسنة. ورد مرفوعا من حديث عبد الله بن السائب، أخرجه عنه أبو داود (2 / 448 - 449) والحاكم (1 / 455) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
(79) دعاء: رب قنعني بما رزقتني. أخرجه الحاكم (1 / 455) من حديث ابن عباس مرفوعا، واستغربه ابن حجر كما في الفتوحات الربانية لابن علان (4 / 382) .
(80) دعاء: اللهم إنك تعلم سريرتي وعلانيتي. ورد من حديث دعاء آدم لما أهبطه الله إلى الأرض، أخرجه الطبراني في الأوسط كما في مجمع الزوائد (10 / 183) وقال: (فيه النضر بن طاهر وهو ضعيف) .
(81) دعاء: اللهم اغفر لي ذنوبي وخطاياي. ورد في حديث عبد الأعلى التيمي مرسلا، أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (3 / 453) وأشار البيهقي إلى إرساله.
(82) دعاء: اللهم البيت بيتك. . . أورده المتقي الهندي في كنز العمال (5 / 172 - 173) عزاه للديلمي وقال: (فيه عبد السلام بن الجنوب متروك) .
(83) دعاء: اللهم إني أسألك علما نافعًا. . . أخرجه الحاكم (1 / 473) من حديث ابن عباس موقوفًا عليه، وأشار الذهبي إلى تضعيف أحد رواته في الميزان (3 / 508) .
(84) مغني المحتاج 1 / 490 - 491.
(85) لباب المناسك ص 110، وانظر رد المحتار 2 / 227، والشرح الكبير 2 / 41، والمغني 3 / 354.
(86) شرح ابن عابدين 1 / 170 - 187، وروضة الطالبين 3 / 118، كشاف القناع 2 / 513.
(87) شرح اللباب ص 111 - 112، ورد المحتار 2 / 231، والمغني 3 / 378، والخرشي 2 / 326.
(88) مغني المحتاج 1 / 489.
(89) رد المحتار الموضع السابق.
(90) مغني المحتاج الموضع السابق.
(91) حديث: " من شغله القرآن وذكري عن مسألتي. . . " أخرجه الترمذي (5 / 184) من حديث أبي سعيد الخدري. وقال (حسن غريب) .
(92) بدائع الصنائع 2 / 131 وشرح اللباب ص 110 ونحوه في المغني لابن قدامة 3 / 378، انظر المجموع 8 / 52.
(93) حديث: الطواف صلاة. سبق فـ 22.
(94) شرح اللباب ص 111.
(95) المرجع السابق والمجموع 8 / 53.
(96) شرح الدر 2 / 231.
(97) المسلك المتقسط في المنسك المتوسط شرح لباب المناسك ص 112، مغني المحتاج 1 / 458، الخرشي 2 / 314.
(98) المجموع 8 / 53.
(99) شرح اللباب ص 112، المجموع 8 / 53.
(100) حديث: " يا عمر إنك رجل قوي لا تزاحم على الحجر. . . ". أخرجه أحمد (1 / 28) من حديث عمر بن الخطاب وأورده الهيثمي في المجمع (3 / 241) وقال: رواه أحمد، وفيه راو لم يسم.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 120/ 29
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".