القدوس
كلمة (قُدُّوس) في اللغة صيغة مبالغة من القداسة، ومعناها في...
التَّعْرِيفُ:
1 - الْفَاتِحَةُ لُغَةً: مَا يُفْتَتَحُ بِهِ الشَّيْءُ. وَالْكِتَابُ مِنْ مَعَانِيهِ: الصُّحُفُ الْمَجْمُوعَةُ. وَالْفَاتِحَةُ فِي الاِصْطِلاَحِ هِيَ: أُمُّ الْكِتَابِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لأَِنَّهُ يُفْتَتَحُ بِهَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ لَفْظًا، وَتُفْتَتَحُ بِهَا الْكِتَابَةُ فِي الْمُصْحَفِ خَطًّا، وَتُفْتَتَحُ بِهَا الصَّلَوَاتُ. (1)
قَال النَّوَوِيُّ: لِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ عَشَرَةُ أَسْمَاءٍ، الصَّلاَةُ، وَسُورَةُ الْحَمْدِ، وَفَاتِحَةُ الْكِتَابِ، وَأُمُّ الْكِتَابِ، وَأُمُّ الْقُرْآنِ، وَالسَّبْعُ الْمَثَانِي، وَالشِّفَاءُ، وَالأَْسَاسُ، وَالْوَافِيَةُ، وَالْكَافِيَةُ. (2)
وَزَادَ الْقُرْطُبِيُّ فِي أَسْمَائِهَا: الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ، وَالرُّقْيَةَ، وَعَبَّرَ عَنِ السَّبْعِ الْمَثَانِي بِالْمَثَانِي فَقَطْ. (3) وَزَادَ السُّيُوطِيُّ مِنَ الأَْسْمَاءِ: فَاتِحَةَ الْقُرْآنِ، وَالْكَنْزَ، وَالنُّورَ، وَسُورَةَ الشُّكْرِ، وَسُورَةَ الْحَمْدِ الأُْولَى، وَسُورَةَ الْحَمْدِ الْقُصْرَى، وَالشَّافِيَةَ، وَسُورَةَ السُّؤَال، وَسُورَةَ الدُّعَاءِ، وَسُورَةَ تَعْلِيمِ الْمَسْأَلَةِ، وَسُورَةَ الْمُنَاجَاةِ، وَسُورَةَ التَّفْوِيضِ (4) .
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ:
أ - مَكَانُ نُزُول فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَعَدَدُ آيَاتِهَا:
2 - أَجْمَعَتِ الأُْمَّةُ عَلَى أَنَّ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ مِنَ الْقُرْآنِ، وَاخْتَلَفُوا أَهِيَ مَكِّيَّةٌ أَمْ مَدَنِيَّةٌ؟ فَقَال ابْنُ عَبَّاسٍ ﵄ وَقَتَادَةُ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَغَيْرُهُمْ: هِيَ مَكِّيَّةٌ، وَقَال أَبُو هُرَيْرَةَ ﵁ وَمُجَاهِدٌ وَعَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ وَالزُّهْرِيُّ وَغَيْرُهُمْ: هِيَ مَدَنِيَّةٌ، قَال الْقُرْطُبِيُّ: وَالأَْوَّل أَصَحُّ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} ، (5) وَسُورَةُ الْحِجْرِ مَكِّيَّةٌ بِإِجْمَاعٍ، وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ فَرْضَ الصَّلاَةِ كَانَ بِمَكَّةَ، وَمَا حُفِظَ أَنَّهُ كَانَ فِي الإِْسْلاَمِ قَطُّ صَلاَةٌ بِغَيْرِ " الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ "، يَدُل عَلَى هَذَا قَوْل النَّبِيِّ ﷺ لاَ صَلاَةَ إِلاَّ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ (6) وَهَذَا خَبَرٌ عَنِ الْحُكْمِ لاَ عَنْ الاِبْتِدَاءِ (7) .
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي كَوْنِ الْبَسْمَلَةِ آيَةً مِنَ الْفَاتِحَةِ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْبَسْمَلَةَ لَيْسَتْ بِآيَةٍ مِنَ الْفَاتِحَةِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا آيَةٌ مِنَ الْفَاتِحَةِ.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (بَسْمَلَة ف 5) .
(8) فَضْل فَاتِحَةِ الْكِتَابِ:
3 - وَرَدَ فِي فَضْل فَاتِحَةِ الْكِتَابِ عِدَّةُ أَحَادِيثَ، مِنْهَا: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أُنْزِلَتْ فِي التَّوْرَاةِ وَلاَ فِي الإِْنْجِيل وَلاَ فِي الزَّبُورِ وَلاَ فِي الْفُرْقَانِ مِثْلُهَا، وَإِنَّهَا سَبْعٌ مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُعْطِيتُهُ. (9)
وَعَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى ﵁ قَال: كُنْتُ أُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ فَقَال لِي رَسُول اللَّهِ ﷺ: أَلاَ أُعَلِّمُكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ قَبْل أَنْ تَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ؟ فَأَخَذَ بِيَدَيَّ، فَلَمَّا أَرَدْنَا أَنْ نَخْرُجَ قُلْتُ: يَا رَسُول اللَّهِ إِنَّكَ قُلْتَ لأَُعَلِّمَنَّكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ؟ قَال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ. (10)
قَال الْقُرْطُبِيُّ: فِي الْفَاتِحَةِ مِنَ الصِّفَاتِ مَا لَيْسَ فِي غَيْرِهَا، حَتَّى قِيل: إِنَّ جَمِيعَ الْقُرْآنِ فِيهَا، وَهِيَ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ كَلِمَةً، تَضَمَّنَتْ جَمِيعَ عُلُومِ الْقُرْآنِ، وَمِنْ شَرَفِهَا أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَسَمَهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِهِ.
وَالْفَاتِحَةُ تَضَمَّنَتِ التَّوْحِيدَ وَالْعِبَادَةَ وَالْوَعْظَ وَالتَّذْكِيرَ، وَلاَ يُسْتَبْعَدُ ذَلِكَ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى. (11)
ج - قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلاَةِ:
4 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلاَةِ.
فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِلَى أَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلاَةِ، (12) لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ. (13) وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ وَاجِبٌ مِنْ وَاجِبَاتِ الصَّلاَةِ وَلَيْسَتْ رُكْنًا (14) لِثُبُوتِهَا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الزَّائِدِ عَلَى قَوْله تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} . (15)
وَلِلتَّفْصِيل فِي حُكْمِ قِرَاءَتِهَا فِي الْفَرْضِ وَالنَّفْل لِلإِْمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَالْمُنْفَرِدِ، وَالْجَهْرِ وَالسِّرِّ يُرَاجَعُ مُصْطَلَحُ (صَلاَةٌ ف 19، 38) .
د - خَوَاصُّ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ:
5 - ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ مِنْ خَوَاصِّ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ الاِسْتِشْفَاءَ بِهَا، وَقَدْ عَقَدَ الْبُخَارِيُّ بَابًا فِي الرَّقْيِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَقَدْ ثَبَتَ الرَّقْيُ بِهَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ﵁ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ أَتَوْا عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ، فَلَمْ يَقْرُوهُمْ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ لُدِغَ سَيِّدُ أُولَئِكَ، فَقَالُوا: هَل مَعَكُمْ مِنْ دَوَاءٍ أَوْ رَاقٍ؟ فَقَالُوا: إِنَّكُمْ لَمْ تَقْرُونَا، وَلاَ نَفْعَل حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلاً، فَجَعَلُوا لَهُمْ قَطِيعًا مِنَ الشَّاءِ، فَجَعَل يَقْرَأُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَيَجْمَعُ بُزَاقَهُ وَيَتْفِل فَبَرَأَ، فَأَتَوْا بِالشَّاءِ فَقَالُوا: لاَ نَأْخُذُهُ حَتَّى نَسْأَل النَّبِيَّ ﷺ فَسَأَلُوهُ، فَضَحِكَ وَقَال: وَمَا أَدْرَاكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ؟ خُذُوهَا، وَاضْرِبُوا لِي بِسَهْمٍ. (16) قَال ابْنُ الْقَيِّمِ: إِذَا ثَبَتَ أَنَّ لِبَعْضِ الْكَلاَمِ خَوَاصَّ وَمَنَافِعَ، فَمَا الظَّنُّ بِكَلاَمِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، ثُمَّ بِالْفَاتِحَةِ الَّتِي لَمْ يَنْزِل فِي الْقُرْآنِ وَلاَ غَيْرِهِ مِنَ الْكُتُبِ مِثْلُهَا، لِتَضَمُّنِهَا جَمِيعَ مَعَانِي الْكِتَابِ؟ فَقَدِ اشْتَمَلَتْ عَلَى ذِكْرِ أُصُول أَسْمَاءِ اللَّهِ وَمَجَامِعِهَا، وَإِثْبَاتِ الْمَعَادِ، وَذِكْرِ التَّوْحِيدِ، وَالاِفْتِقَارِ إِلَى الرَّبِّ فِي طَلَبِ الإِْعَانَةِ بِهِ وَالْهِدَايَةِ مِنْهُ، وَذِكْرِ أَفْضَل الدُّعَاءِ، وَهُوَ طَلَبُ الْهِدَايَةِ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، الْمُتَضَمِّنِ كَمَال مَعْرِفَتِهِ وَتَوْحِيدِهِ، وَعِبَادَتِهِ بِفِعْل مَا أَمَرَ بِهِ، وَاجْتِنَابِ مَا نَهَى عَنْهُ، وَالاِسْتِقَامَةِ عَلَيْهِ، وَلِتَضَمُّنِهَا ذِكْرَ أَصْنَافِ الْخَلاَئِقِ، وَقِسْمَتَهُمْ إِلَى مُنْعَمٍ عَلَيْهِ لِمَعْرِفَتِهِ بِالْحَقِّ وَالْعَمَل بِهِ، وَمَغْضُوبٍ عَلَيْهِ لِعُدُولِهِ عَنِ الْحَقِّ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ، وَضَالٍّ لِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِ لَهُ، مَعَ مَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ إِثْبَاتِ الْقَدَرِ، وَالشَّرْعِ، وَالأَْسْمَاءِ، وَالْمَعَادِ، وَالتَّوْبَةِ، وَتَزْكِيَةِ النَّفْسِ، وَإِصْلاَحِ الْقَلْبِ، وَالرَّدِّ عَلَى جَمِيعِ أَهْل الْبِدَعِ، وَحَقِيقٌ بِسُورَةٍ هَذَا بَعْضُ شَأْنِهَا أَنْ يُسْتَشْفَى بِهَا مِنْ كُل دَاءٍ. (17)
__________
(1) لسان العرب، والمصباح المنير، وتفسير القرطبي 1 / 111 ط. دار الكتب المصرية 1952م.
(2) المجموع للنووي 3 / 331.
(3) تفسير القرطبي 1 / 111.
(4) الإتقان في علوم القرآن 1 / 52 ط مصطفى البابي الحلبي 1935م.
(5) سورة الحجر / 87.
(6) حديث: " لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب " أخرجه أبو عوانة (2 / 125) ، وأصله في البخاري (فتح الباري 2 / 237) .
(7) تفسير القرطبي 1 / 114، 115 ط. دار الكتب المصرية 1952م.
(8)
(9) حديث: " والذي نفسي بيده. . . . ". أخرجه الترمذي (5 / 155 - 156) وقال: حديث حسن صحيح.
(10) حديث أبي سعيد بن المعلى: " كنت أصلي في المسجد. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري 9 / 54) .
(11) تفسير القرطبي 1 / 110، 111 ط. دار الكتب المصرية 1952م، والإتقان في علوم القرآن 2 / 153 ط مصطفى البابي الحلبي 1935م.
(12) حاشية الدسوقي 1 / 236، ومغني المحتاج 1 / 156، وشرح روض الطالب 1 / 149، وكشاف القناع 1 / 386، ومطالب أولي النهى 1 / 494.
(13) حديث: " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ". أخرجه البخاري (فتح الباري 2 / 237) ، ومسلم (1 / 295) من حديث عبادة بن الصامت.
(14) حاشية ابن عابدين 1 / 306، وتبيين الحقائق 1 / 105.
(15) سورة المزمل / 20.
(16) حديث أبي سعيد الخدري " أن ناسًا من أصحاب النبي ﷺ أتوا على حي من أحياء العرب " أخرجه البخاري (فتح الباري 10 / 198) .
(17) فتح الباري 10 / 198 ط. مكتبة الرياض الحديثة، والإتقان في علوم القرآن 2 / 163 ط مصطفى الحلبي 1935م.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 7/ 32