الباطن
هو اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (الباطنيَّةِ)؛ أي إنه...
التَّعْرِيفُ:
1 - مِنْ مَعَانِي الْفُتُوَّةِ فِي اللُّغَةِ: الْحُرِّيَّةُ وَالْكَرَمُ، (1) قَال الْجَوْهَرِيُّ: الْفَتَى السَّخِيُّ الْكَرِيمُ، يُقَال هُوَ فَتًى بَيِّنُ الْفُتُوَّةِ. (2)
وَجَاءَ فِي الْمُعْجَمِ الْوَسِيطِ: الْفُتُوَّةُ: الشَّبَابُ بَيْنَ طَوْرَيِ الْمُرَاهَقَةِ وَالرُّجُولَةِ وَالنَّجْدَةِ، وَمَسْلَكٌ أَوْ نِظَامٌ يُنَمِّي خُلُقَ الشُّجَاعَةِ وَالنَّجْدَةِ فِي الْفَتَى. (3)
وَفِي الاِصْطِلاَحِ عَرَّفَهَا ابْنُ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ بِأَنَّهَا اسْتِعْمَال الأَْخْلاَقِ الْكَرِيمَةِ مَعَ الْخَلْقِ. (4)
وَقِيل: الْفُتُوَّةُ اجْتِنَابُ الْمَحَارِمِ وَاسْتِعْجَال الْمَكَارِمِ، قَال الْقُرْطُبِيُّ: وَهَذَا الْقَوْل حَسَنٌ جِدًّا، لأَِنَّهُ يَعُمُّ بِالْمَعْنَى جَمِيعَ مَا قِيل فِي الْفُتُوَّةِ (5) . الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْمُرُوءَةُ:
2 - الْمُرُوءَةُ هِيَ: اسْتِعْمَال مَا يُجَمِّل الْعَبْدَ وَيُزَيِّنُهُ وَتَرْكُ مَا يُدَنِّسُهُ وَيَشِينُهُ (6) .
قَال ابْنُ الْقَيِّمِ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْفُتُوَّةِ وَالْمُرُوءَةِ أَنَّ الْمُرُوءَةَ أَعَمُّ مِنْهَا.
فَالْفُتُوَّةُ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْمُرُوءَةِ (7) .
ب - الشَّجَاعَةُ:
3 - حَقِيقَةُ الشَّجَاعَةِ: ثَبَاتُ الْجَأْشِ وَذَهَابُ الرُّعْبِ وَزَوَال هَيْبَةِ الْخَصْمِ أَوِ اسْتِصْغَارُهُ عِنْدَ لِقَائِهِ، وَلاَ بُدَّ أَنْ يَتَقَدَّمَ هَذَا رَأْيٌ ثَاقِبٌ، وَنَظَرٌ صَائِبٌ، وَحِيلَةٌ فِي التَّدْبِيرِ، وَخِدَاعٌ فِي الْمُمَارَسَةِ، فَقَدْ قَال ﷺ: الْحَرْبُ خُدْعَةٌ (8) .
وَالْفُتُوَّةُ مَسْلَكٌ يُؤَدِّي إِلَى الشَّجَاعَةِ.
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
4 - الْفُتُوَّةُ - كَمَا قَال ابْنُ الْقَيِّمِ - اسْتِعْمَال الأَْخْلاَقِ الْكَرِيمَةِ مَعَ الْخَلْقِ، (9) وَالْخُلُقُ الْحَسَنُ صِفَةُ الْمُرْسَلِينَ، وَأَفْضَل أَعْمَال الصِّدِّيقِينَ وَهُوَ عَلَى التَّحْقِيقِ شَطْرُ الدِّينِ، وَثَمَرَةُ مُجَاهَدَةِ الْمُتَّقِينَ، وَرِيَاضَةُ الْمُتَعَبِّدِينَ (10) ، فَقَدْ قَال اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ وَحَبِيبِهِ مُثْنِيًا عَلَيْهِ وَمُظْهِرًا نِعْمَتَهُ لَدَيْهِ: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (11) وَقَال ﷺ إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُِتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَْخْلاَقِ (12) . وَقَدْ أَتَمَّ النَّبِيُّ ﷺ مَكَارِمَ الأَْخْلاَقِ وَحَثَّ عَلَى الرُّسُوخِ فِيهَا (13) . وَقَال: اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ.
(14) دَرَجَاتُ الْفُتُوَّةِ:
5 - مِنْ دَرَجَاتِ الْفُتُوَّةِ: تَرْكُ الْخُصُومَةِ، وَالتَّغَافُل عَنِ الزَّلَّةِ وَنِسْيَانُ الأَْذِيَّةِ. أَمَّا تَرْكُ الْخُصُومَةِ فَهُوَ: أَلاَّ يُخَاصِمَ بِلِسَانِهِ، وَلاَ يَنْوِيَ الْخُصُومَةَ بِقَلْبِهِ، وَلاَ يَخْطِرَهَا عَلَى بَالِهِ، هَذَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَأَمَّا فِي حَقِّ رَبِّهِ: فَالْفُتُوَّةُ أَنْ يُخَاصِمَ بِاللَّهِ وَفِي اللَّهِ، وَيُحَاكِمَ إِلَى اللَّهِ، وَأَمَّا التَّغَافُل عَنِ الزَّلَّةِ فَهُوَ أَنَّهُ إِذَا رَأَى مِنْ أَحَدٍ زَلَّةً أَظْهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَرَهَا، لِئَلاَّ يُعَرِّضَ صَاحِبَهَا لِلْوَحْشَةِ، وَيُرِيحَهُ مِنْ تَحَمُّل الْعُذْرِ.
وَأَمَّا نِسْيَانُ الأَْذِيَّةِ فَهُوَ بِأَنْ تَنْسَى أَذِيَّةَ مَنْ نَالَكَ بِأَذًى لِيَصْفُوَ قَلْبُكَ لَهُ وَلاَ تَسْتَوْحِشَ مِنْهُ.
قَال ابْنُ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ: وَهُنَا نِسْيَانٌ آخَرُ أَيْضًا وَهُوَ مِنَ الْفُتُوَّةِ، وَهُوَ نِسْيَانُ إِحْسَانِكَ إِلَى مَنْ أَحْسَنْتَ إِلَيْهِ حَتَّى كَأَنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ مِنْكَ، وَهَذَا النِّسْيَانُ أَكْمَل مِنَ الأَْوَّل. (15)
وَمِنْ دَرَجَاتِهَا كَذَلِكَ: أَنْ تُقَرِّبَ مَنْ يُقْصِيكَ، وَتُكْرِمَ مَنْ يُؤْذِيكَ، وَتَعْتَذِرَ إِلَى مَنْ يَجْنِي عَلَيْكَ، سَمَاحَةً لاَ كَظْمًا، وَمَوَدَّةً لاَ مُصَابَرَةً.
وَهَذِهِ الدَّرَجَةُ أَعْلَى مِمَّا قَبْلَهَا وَأَصْعَبُ، فَإِنَّ الأُْولَى تَتَضَمَّنُ تَرْكَ الْمُقَابَلَةِ وَالتَّغَافُل، وَهَذِهِ تَتَضَمَّنُ الإِْحْسَانَ إِلَى مَنْ أَسَاءَ إِلَيْكَ، وَمُعَامَلَتَهُ بِضِدِّ مَا عَامَلَكَ بِهِ، فَيَكُونُ الإِْحْسَانُ وَالإِْسَاءَةُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ خُطَّتَيْنِ: فَخُطَّتُكَ الإِْحْسَانُ، وَخُطَّتُهُ الإِْسَاءَةُ.
وَمَعْنَى الاِعْتِذَارِ إِلَى مَنْ يَجْنِي عَلَيْكَ أَنَّكَ تُنَزِّل نَفْسَكَ مَنْزِلَةَ الْجَانِي لاَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَالْجَانِي خَلِيقٌ بِالْعُذْرِ (16) .
وَلِلتَّفْصِيل (ر: مُرُوءَة) .
__________
(1) أساس البلاغة للزمخشري مادة (فتى) .
(2) لسان العرب.
(3) المعجم الوسيط.
(4) مدارج السالكين 2 / 340.
(5) تفسير القرطبي 10 / 364.
(6) مدارج السالكين 2 / 253.
(7) مدارج السالكين 2 / 340.
(8) المنهج المسلوك في سياسة الملوك ص265، 267.، وحديث: " الحرب خدعة " أخرجه البخاري (فتح الباري 6 / 158) من حديث جابر ابن عبد الله.
(9) مدارج السالكين 2 / 340.
(10) إحياء علوم الدين 2 / 47.
(11) سورة القلم / 4.
(12) حديث: " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ". أخرجه الحاكم (2 / 613) ، والبيهقي (10 / 192) من حديث أبي هريرة واللفظ للبيهقي، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي.، وانظر إحياء علوم الدين 2 / 48.
(13) الأدب المفرد للبخاري 1 / 371.
(14) حديث: " اتقِ الله حيثما كنت. . . " أخرجه الترمذي (4 / 355) من حديث أبي ذر وقال حديث حسن صحيح.، انظر تحفة الأحوذي 6 / 122، وتفسير القرطبي 18 / 228.
(15) مدارج السالكين 2 / 344، 345.
(16) مدارج السالكين 2 / 345، 346.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 51/ 32