القابض
كلمة (القابض) في اللغة اسم فاعل من القَبْض، وهو أخذ الشيء، وهو ضد...
التَّعْرِيفُ:
1 - الْكُفْءُ فِي اللُّغَةِ: النَّظِيرُ وَالْمُسَاوِي، وَهَذَا كِفَاءُ هَذَا وَكَفِيئُهُ وَكُفْؤُهُ، أَيْ مِثْلُهُ، وَفُلاَنٌ كُفْءُ فُلاَنَةَ إِذَا كَانَ يَصْلُحُ لَهَا بَعْلاً، وَالْجَمْعُ أَكْفَاءٌ، وَفِي الْحَدِيثِ: الْمُؤْمِنُونَ تَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ (1) .
وَكُل شَيْءٍ سَاوَى شَيْئًا فَهُوَ مُكَافِئٌ لَهُ (2) .
وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ لِلَفْظِ الْكُفْءِ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (3) .
حُكْمُ تَزْوِيجِ الْمَرْأَةِ بِالْكُفْءِ:
2 - تَزْوِيجُ الْمَرْأَةِ بِالزَّوْجِ الْكُفْءِ أَمْرٌ وَاجِبٌ عَلَى الأَْوْلِيَاءِ الَّذِينَ لَهُمْ حَقُّ الإِْجْبَارِ وَذَلِكَ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ - الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ - لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: أَلاَ لاَ يُزَوِّجِ النِّسَاءَ إِلاَّ الأَْوْلِيَاءُ، وَلاَ يَزَوَّجْنَ إِلاَّ مِنَ الأَْكْفَاءِ (4) .
قَال الْكَمَال بْنُ الْهُمَامِ: لاَ يَخْفَى أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ قَوْل النَّبِيِّ ﷺ: لاَ يُزَوَّجْنَ إِلاَّ مِنَ الأَْكْفَاءِ أَنَّ الْخِطَابَ لِلأَْوْلِيَاءِ نَهْيًا لَهُمْ أَنْ يُزَوِّجُوهُنَّ إِلاَّ مِنَ الأَْكْفَاءِ.
ثُمَّ قَال الْكَمَال: وَمُقْتَضَى الأَْدِلَّةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا الْوُجُوبُ، أَعْنِي وُجُوبَ نِكَاحِ الأَْكْفَاءِ، ثُمَّ هَذَا الْوُجُوبُ يَتَعَلَّقُ بِالأَْوْلِيَاءِ حَقًّا لَهَا، وَيَتَعَلَّقُ بِهَا حَقًّا لِلأَْوْلِيَاءِ.
لَكِنْ إِنَّمَا تَتَحَقَّقُ الْمَعْصِيَةُ فِي حَقِّ الأَْوْلِيَاءِ إِذَا كَانَتْ صَغِيرَةً؛ لأَِنَّهَا إِذَا كَانَتْ كَبِيرَةً لاَ يَنْفُذُ عَلَيْهَا تَزْوِيجُهُمْ إِلاَّ بِرِضَاهَا فَتَكُونُ حِينَئِذٍ تَارِكَةً لِحَقِّهَا (5) .
وَالتَّفْصِيل فِي (كَفَاءَةٌ) .
حُكْمُ التَّزْوِيجِ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ:
3 - لاَ يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ غَيْرِ الْمُجْبِرِ تَزْوِيجُ مُوَلِّيَتِهِ بِغَيْرِ كُفْءٍ دُونَ رِضَاهَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ.
فَأَمَّا إِذَا زَوَّجَهَا بِغَيْرِ كُفْءٍ بِرِضَاهَا جَازَ النِّكَاحُ لأَِنَّ الْكَفَاءَةَ حَقُّ الْمَرْأَةِ وَالأَْوْلِيَاءِ، فَإِذَا اتَّفَقَتْ مَعَهُمْ عَلَى تَرْكِهَا جَازَ (6) .
وَاسْتَدَل الْفُقَهَاءُ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ زَوَّجَ بَنَاتِهِ، وَلاَ أَحَدَ يُكَافِئُهُ.
وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ وَهِيَ قُرَشِيَّةٌ بِنِكَاحِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَهُوَ مَوْلَى لِلنَّبِيِّ ﷺ (7) .
وَالتَّفْصِيل فِي (كَفَاءَةٌ) .
التَّزْوِيجُ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ بِرِضَا بَعْضِ الأَْوْلِيَاءِ:
4 - لَوْ كَانَ لِلْمَرْأَةِ أَكْثَرُ مِنْ وَلِيٍّ وَرَضِيَ أَحَدُهُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ بِتَزْوِيجِهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ بِرِضَاهَا دُونَ رِضَا الْبَاقِينَ.
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ النِّكَاحَ يَصِحُّ وَيَكُونُ لِمَنْ لَمْ يَرْضَ مِنَ الأَْوْلِيَاءِ حَقُّ الاِعْتِرَاضِ.
وَقَال بَعْضُهُمْ: إِنَّ النِّكَاحَ بَاطِلٌ؛ لأَِنَّ الْكَفَاءَةَ حَقٌّ لِلْجَمِيعِ (8) .
عَلَى تَفْصِيلٍ يُذْكَرُ فِي مُصْطَلَحِ (كَفَاءَةٌ) . امْتِنَاعُ الْوَلِيِّ مِنْ تَزْوِيجِ الْكُفْءِ:
5 - لَوْ طَلَبَتِ الْمَرْأَةُ مِنَ الْوَلِيِّ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ كُفْءٍ يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ تَزْوِيجُهَا مِنْهُ فَامْتَنَعَ يَصِيرُ عَاضِلاً، وَيَنُوبُ الْقَاضِي مَنَابَهُ فِي التَّزْوِيجِ، وَهَذَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ (9) ، قَال مَعْقِل بْنُ يَسَارٍ: زَوَّجْتُ أُخْتًا لِي مِنْ رَجُلٍ فَطَلَّقَهَا، حَتَّى إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا جَاءَ يَخْطُبُهَا، فَقُلْتُ لَهُ: زَوَّجْتُكَ وَأَفْرَشْتُكَ وَأَكْرَمْتُكَ فَطَلَّقْتَهَا ثُمَّ جِئْتَ تَخْطُبُهَا؛ لاَ وَاللَّهِ لاَ تَعُودُ إِلَيْكَ أَبَدًا، وَكَانَ رَجُلاً لاَ بَأْسَ بِهِ، وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تُرِيدُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ، فَأَنْزَل اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الآْيَةَ: {فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ} (10) فَقُلْتُ: الآْنَ أَفْعَل يَا رَسُول اللَّهِ، قَال: فَزَوَّجَهَا إِيَّاهُ (11) .
وَلَوْ رَغِبَتِ الْمَرْأَةُ فِي كُفْءٍ بِعَيْنِهِ وَأَرَادَ الْوَلِيُّ تَزْوِيجَهَا مِنْ كُفْءٍ غَيْرِهِ، فَقَدْ قَال الْمَالِكِيَّةُ: كُفْؤُهَا أَوْلَى أَيْ مُقَدَّمٌ إِنْ لَمْ تَكُنْ مُجْبَرَةً أَوْ كَانَتْ مُجْبَرَةً وَتَبَيَّنَ ضَرَرُهَا، فَيَأْمُرُهُ الْحَاكِمُ أَنْ يُزَوِّجَهَا مَنْ رَضِيَتْ بِهِ، ثُمَّ إِنِ امْتَنَعَ سَأَلَهُ عَنْ وَجْهِ امْتِنَاعِهِ، فَإِنْ رَآهُ صَوَابًا زَجَرَهَا وَرَدَّهَا إِلَيْهِ، وَإِلاَّ عُدَّ عَاضِلاً، وَزَوَّجَ الْحَاكِمُ الْمَرْأَةَ لِخَاطِبِهَا الَّذِي رَضِيَتْ بِهِ (12) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ عَيَّنَتِ الْمُجْبَرَةُ كُفْئًا، وَأَرَادَ الأَْبُ أَوِ الْجَدُّ كُفْئًا غَيْرَهُ فَلَهُ ذَلِكَ فِي الأَْصَحِّ، لأَِنَّهُ أَكْمَل نَظَرًا مِنْهَا.
وَمُقَابِل الأَْصَحِّ: يَلْزَمُهُ إِجَابَتُهَا إِعْفَافًا لَهَا، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ، أَمَّا غَيْرُ الْمُجْبَرَةِ فَالْمُعْتَبَرُ مَنْ عَيَّنَتْهُ جَزْمًا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلاَمُ الشَّيْخَيْنِ؛ لأَِنَّ أَصْل تَزْوِيجِهَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إِذْنِهَا (13) .
وَيَتَعَيَّنُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ تَزْوِيجُهَا مِنَ الَّذِي رَغِبَتْ فِيهِ إِذَا كَانَ كُفْئًا، قَال ابْنُ قُدَامَةَ: إِنْ رَغِبَتْ فِي كُفْءٍ بِعَيْنِهِ وَأَرَادَ تَزْوِيجَهَا لِغَيْرِهِ مِنْ أَكْفَائِهَا وَامْتَنَعَ مِنْ تَزْوِيجِهَا مِنَ الَّذِي أَرَادَتْهُ كَانَ عَاضِلاً لَهَا (14) .
__________
(1) حديث: " المؤمنون تكافأ دماؤهم. . . " أخرجه أبو داود (4 / 667 - 669) من حديث علي بن أبي طالب.
(2) لسان العرب، ومختار الصحاح، والمغرب.
(3) فتح القدير 3 / 185، والعناية بهامش الفتح 3 / 186، والتعريفات للجرجاني.
(4) حديث: " ألا لا يزوج النساء إلا الأولياء. . . " أخرجه البيهقي (7 / 133) من حديث جابر بن عبد الله وأشار إلى ضعفه.
(5) فتح القدير 3 / 185 - 186، والبدائع 2 / 317، وابن عابدين 2 / 304، والاختيار 3 / 97، والمهذب 2 / 39، ومغني المحتاج 3 / 149، والمغني 6 / 480، 487 - 489، وكشاف القناع 5 / 44، 67 - 68.
(6) مغني المحتاج 3 / 164، والمهذب 2 / 39، والمغني 6 / 480 - 481، وكشاف القناع 5 / 67، 68، وأسهل المدارك 2 / 76 - 77، وجواهر الإكليل 1 / 288، والبدائع 2 / 317 - 319، وحاشية ابن عابدين 2 / 305.
(7) حديث: " أمر النبي ﷺ فاطمة بنت قيس بنكاح أسامة بن زيد. . . " أخرجه مسلم (2 / 1114) من حديث فاطمة بنت قيس.
(8) البدائع 2 / 318، والفواكه الدواني 2 / 29، ومغني المحتاج 3 / 164، وكشاف القناع 5 / 67.
(9) البدائع 2 / 248 - 249، ومنح الجليل 2 / 26، وأسهل المدارك 2 / 76، والدسوقي 2 / 231، ومغني المحتاج 3 / 154، ونهاية المحتاج 6 / 231، والمغني 6 / 477 - 478.
(10) سورة البقرة / 232.
(11) المغني 6 / 477، وحديث: " معقل بن يسار زوجت أختًا لي. . " أخرجه البخاري (فتح الباري 9 / 183) .
(12) جواهر الإكليل 1 / 282، ومنح الجليل 2 / 26.
(13) مغني المحتاج 3 / 154، ونهاية المحتاج 6 / 231.
(14) المغني 6 / 478.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 264/ 34
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".