البارئ
(البارئ): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (البَرْءِ)، وهو...
مساواة مخصوصة بين الزوجين، أو كون الزوج نظيراً للزوجة في دينها، ونسبها، وحسبها . ومن شواهده قولهم : " الشَّرْط الْخَامِس الْكَفَاءَة، وَأَصْلُ اعْتِبَارِهَا أَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنَ النِّكَاحِ السُّكُونُ، وَالْوُدُّ، وَالْمَحَبَّةُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : ﱫﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﱪ الرّوم :21 ، وَنَفْسُ الشَّرِيفَةِ ذَاتِ الْمَنْصِبِ لَا تَسْكُنُ لِلْخَسِيسِ، بَلْ ذَلِكَ سَبَبُ الْعَدَاوَةِ، وَالْفِتَنِ، وَالْبَغْضَاءِ، وَالْعَارِ عَلَى مَرِّ الْأَعْصَارِ "
الكَفاءَةُ: المُماثَلَةُ والمُساواةُ، يُقال: كافَأَ فُلانٌ فُلاناً، مُكافَأَةً، وهذا كِفاءُ هذا وكُفْؤُهُ، أيْ: مِثْلُهُ. وفُلانٌ كُفْءُ فُلانَةَ: إذا كان يَصْلُحُ بَعْلاً لَها. والكُفْءُ: المِثْلُ والمُساوِي والنَّظِيرُ. وتَأْتي بِمعنى المُقابَلَةِ بين الشَّيْئَيْنِ، فيُقال: كافَأَهُ، أيْ: قابَلَهُ وصارَ نَظِيراً لَهُ، وتَقول: كافَأْتُ الرَّجُلَ: إذا قابَلْتُهُ بِمِثْلِ فِعْلِهِ.
يُطْلَق مُصْطَلَحُ (كَفاءَة) في عِدَّةِ أَبْوابٍ مِن الفِقْهِ، منها: كتاب القِصاصِ، ويُراد بِه: مُساواةُ الجانِي لِلْمَجْنِي عليه؛ بِأن لا يَفْضُلَهُ بِإِسْلامٍ، أو أَمانٍ، أو حُرِّيَّةٍ، أو سِيادَةٍ، أو أَصْلِيَّةٍ - أي لا يكون أَصْلاً لِلْمَقْتُول وإن علا ذَكَراً كان أو أُنْثَى ولو كافِراً. ويُطلَق في كِتابِ الجِهادِ، باب: شُروط القِتالِ، ويُراد بِه: أن يَعْلَمَ الشَّخصُ الذي يَخْرُجُ لِلقِتالِ مِن نَفْسِهِ القُوَّةَ والشَّجاعَةَ، وأنَّهُ لن يَعْجِزَ عن مُقاوَمَة عدُوِّه. ويُطلَقُ في كِتابِ السَّبقِ والرَّمْيِ، باب: شُروط المُسابَقاتِ، ويُراد بِه: التَّساوِي بين الدّابَتَيْنِ المُتَسابِقَتَيْنِ في القُوَّةِ والسُّرْعَةِ.
كفأ
هي الأهليّة للقيام بعمل، وحسن التصرُّف فيه.
* العين : (5/414)
* مقاييس اللغة : (5/189)
* الفائق في غريب الحديث والأثر : (3/265)
* النهاية في غريب الحديث والأثر : (4/180)
* مختار الصحاح : (ص 270)
* لسان العرب : (1/139)
* تاج العروس : (1/390)
* تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشِّلْبِيِّ : (2/128)
* كشاف القناع عن متن الإقناع : (5/67)
* نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار : (6/147)
* الموسوعة الفقهية الكويتية : (34/266)
* رد المحتار على الدر المختار : (2/317)
* جواهر الإكليل : (1/288)
* مغني الـمحتاج فـي شرح الـمنهاج : (3/165)
* الـمغني لابن قدامة : (6/481)
* القاموس الفقهي : (ص 320)
* معجم لغة الفقهاء : (ص 142)
* الموسوعة الفقهية الكويتية : (34/266)
* مغني الـمحتاج فـي شرح الـمنهاج : (4/16)
* الأحكام السلطانية للماوردي : (ص 40)
* الـمغني لابن قدامة : (8/368) -
التَّعْرِيفُ:
1 - الْكَفَاءَةُ لُغَةً: الْمُمَاثَلَةُ وَالْمُسَاوَاةُ، يُقَال: كَافَأَ فُلاَنٌ فُلاَنًا مُكَافَأَةً وَكِفَاءً وَهَذَا كِفَاءُ هَذَا وَكُفْؤُهُ: أَيْ مِثْلُهُ، يَكُونُ هَذَا فِي كُل شَيْءٍ، وَفُلاَنٌ كُفْءُ فُلاَنَةَ: إِذَا كَانَ يَصْلُحُ بَعْلاً لَهَا، وَالْجَمْعُ أَكْفَاءٌ (1) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: يَخْتَلِفُ تَعْرِيفُ الْكَفَاءَةِ بِاخْتِلاَفِ مَوْطِنِ بَحْثِهَا: فِي الْقِصَاصِ، أَوِ الْمُبَارَزَةِ، أَوِ النِّكَاحِ.
فَفِي النِّكَاحِ: عَرَّفَهَا الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهَا مُسَاوَاةٌ مَخْصُوصَةٌ بَيْنَ الرَّجُل وَالْمَرْأَةِ (2) .
وَعَرَّفَهَا الْمَالِكِيَّةُ: بِأَنَّهَا الْمُمَاثَلَةُ وَالْمُقَارَبَةُ فِي التَّدَيُّنِ وَالْحَال، أَيِ السَّلاَمَةُ مِنَ الْعُيُوبِ الْمُوجِبَةِ لِلْخِيَارِ (3) .
وَعَرَّفَهَا الشَّافِعِيَّةُ: بِأَنَّهَا أَمْرٌ يُوجِبُ عَدَمُهُ عَارًا (4) . وَعَرَّفَهَا الْحَنَابِلَةُ: بِأَنَّهَا الْمُمَاثَلَةُ وَالْمُسَاوَاةُ فِي خَمْسَةِ أَشْيَاءَ (5)
أَمَّا فِي الْقِصَاصِ، فَقَدْ عَرَّفَهَا الشَّافِعِيَّةُ: بِأَنَّهَا مُسَاوَاةُ الْقَاتِل الْقَتِيل بِأَنْ لاَ يَفْضُلَهُ بِإِسْلاَمٍ أَوْ أَمَانٍ أَوْ حُرِّيَّةٍ أَوْ أَصْلِيَّةٍ أَوْ سِيَادَةٍ (6) .
وَفِي الْمُبَارَزَةِ عَرَّفَهَا الْحَنَابِلَةُ: بِأَنْ يَعْلَمَ الشَّخْصُ الَّذِي يَخْرُجُ لَهَا مِنْ نَفْسِهِ الْقُوَّةَ وَالشَّجَاعَةَ، وَأَنَّهُ لَنْ يَعْجِزَ عَنْ مُقَاوَمَةِ خَصْمِهِ (7) .
حُكْمُ الْكَفَاءَةِ فِي النِّكَاحِ:
2 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْحُكْمِ التَّكْلِيفِيِّ لاِعْتِبَارِ الْكَفَاءَةِ فِي النِّكَاحِ: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ اعْتِبَارُهَا فَيَجِبُ تَزْوِيجُ الْمَرْأَةِ مِنَ الأَْكْفَاءِ، وَيَحْرُمُ عَلَى وَلِيِّ الْمَرْأَةِ تَزْوِيجُهَا بِغَيْرِ كُفْءٍ.
وَذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الْكَفَاءَةَ تُعْتَبَرُ فِي جَانِبِ الرِّجَال لِلنِّسَاءِ، وَلاَ تُعْتَبَرُ فِي جَانِبِ النِّسَاءِ لِلرِّجَال؛ لأَِنَّ النُّصُوصَ وَرَدَتْ بِاعْتِبَارِهَا فِي جَانِبِ الرِّجَال خَاصَّةً، فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ لاَ مُكَافِئَ لَهُ، وَقَدْ تَزَوَّجَ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ، وَتَزَوَّجَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا، وَقَال: ثَلاَثَةٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ: الرَّجُل تَكُونُ لَهُ الأَْمَةُ فَيُعَلِّمُهَا فَيُحْسِنُ تَعْلِيمَهَا، وَيُؤَدِّبُهَا فَيُحْسِنُ تَأْدِيبَهَا، فَيَتَزَوَّجُهَا، فَلَهُ أَجْرَانِ (8) ؛ وَلأَِنَّ الْمَعْنَى الَّذِي شُرِعَتِ الْكَفَاءَةُ مِنْ أَجْلِهِ يُوجِبُ اخْتِصَاصَ اعْتِبَارِهَا بِجَانِبِ الرِّجَال؛ لأَِنَّ الْمَرْأَةَ هِيَ الَّتِي تَسْتَنْكِفُ لاَ الرَّجُل، فَهِيَ الْمُسْتَفْرَشَةُ، وَالزَّوْجُ هُوَ الْمُسْتَفْرِشُ، فَلاَ تَلْحَقُهُ الأَْنَفَةُ مِنْ قِبَلِهَا، إِذْ إِنَّ الشَّرِيفَةَ تَأْبَى أَنْ تَكُونَ فِرَاشًا لِلدَّنِيِّ، وَالزَّوْجُ الْمُسْتَفْرِشُ لاَ تَغِيظُهُ دَنَاءَةُ الْفِرَاشِ، وَكَذَلِكَ فَإِنَّ الْوَلَدَ يَشْرُفُ بِشَرَفِ أَبِيهِ لاَ بِأُمِّهِ (9) .
وَنُقِل عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ الْكَفَاءَةَ فِي جَانِبِ النِّسَاءِ مُعْتَبَرَةٌ (10) .
قَال الْكَمَال: مُقْتَضَى الأَْدِلَّةِ وُجُوبُ إِنْكَاحِ الأَْكْفَاءِ، وَهَذَا الْوُجُوبُ يَتَعَلَّقُ بِالأَْوْلِيَاءِ حَقًّا لَهَا، وَبِهَا حَقًّا لَهُمْ لَكِنْ إِنَّمَا تَتَحَقَّقُ الْمَعْصِيَةُ فِي حَقِّهِمْ إِذَا كَانَتْ صَغِيرَةً؛ لأَِنَّهَا إِذَا كَانَتْ كَبِيرَةً لاَ يَنْفُذُ عَلَيْهَا تَزْوِيجُهُمْ إِلاَّ بِرِضَاهَا، فَهِيَ تَارِكَةٌ لِحَقِّهَا، كَمَا إِذَا رَضِيَ الْوَلِيُّ بِتَرْكِ حَقِّهِ حَيْثُ يَنْفُذُ (11) . وَقَال الْحَنَابِلَةُ: يَحْرُمُ عَلَى وَلِيِّ الْمَرْأَةِ تَزْوِيجُهَا بِغَيْرِ كُفْءٍ بِغَيْرِ رِضَاهَا لأَِنَّهُ إِضْرَارٌ بِهَا وَإِدْخَالٌ لِلْعَارِ عَلَيْهَا، وَيَفْسُقُ الْوَلِيُّ بِتَزْوِيجِهَا بِغَيْرِ كُفْءٍ دُونَ رِضَاهَا، وَذَلِكَ إِنْ تَعَمَّدَهُ (12) .
وَاخْتَلَفَ الرَّأْيُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ:
فَقَال خَلِيلٌ: لِلْمَرْأَةِ وَلِلْوَلِيِّ تَرْكُهَا. . أَيِ الْكَفَاءَةِ.
وَقَال الدَّرْدِيرُ: لَهُمَا مَعًا تَرْكُهَا وَتَزْوِيجُهَا مِنْ فَاسِقٍ سِكِّيرٍ يُؤْمَنُ عَلَيْهَا مِنْهُ، وَإِلاَّ رَدَّهُ الإِْمَامُ وَإِنْ رَضِيَتْ، لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى؛ حِفْظًا لِلنُّفُوسِ وَكَذَا تَزْوِيجُهَا مِنْ مَعِيبٍ، لَكِنَّ السَّلاَمَةَ مِنَ الْعُيُوبِ حَقٌّ لِلْمَرْأَةِ فَقَطْ، وَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ فِيهِ كَلاَمٌ.
وَقَال الدُّسُوقِيُّ: حَاصِل مَا فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّ ظَاهِرَ مَا نَقَلَهُ الْحَطَّابُ وَغَيْرُهُ وَاسْتَظْهَرَهُ الشَّيْخُ ابْنُ رَحَّالٍ مَنْعُ تَزْوِيجِهَا مِنَ الْفَاسِقِ ابْتِدَاءً وَإِنْ كَانَ يُؤْمَنُ عَلَيْهَا مِنْهُ وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا وَلاَ لِلْوَلِيِّ الرِّضَا بِهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لأَِنَّ مُخَالَطَةَ الْفَاسِقِ مَمْنُوعَةٌ، وَهَجْرُهُ وَاجِبٌ شَرْعًا، فَكَيْفَ بِخُلْطَةِ النِّكَاحِ (13) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يُكْرَهُ التَّزْوِيجُ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ عِنْدَ الرِّضَا إِلاَّ لِمَصْلَحَةٍ.
وَقَال الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ: يُكْرَهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً التَّزْوِيجُ مِنْ فَاسِقٍ إِلاَّ رِيبَةً تَنْشَأُ مِنْ عَدَمِ تَزْوِيجِهَا لَهُ، كَأَنْ خِيفَ زِنَاهُ بِهَا لَوْ لَمْ يَنْكِحْهَا، أَوْ يُسَلِّطُ فَاجِرًا عَلَيْهَا (14) .
3 - وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ - كَذَلِكَ - فِي حُكْمِ الْكَفَاءَةِ مِنْ حَيْثُ اعْتِبَارُهَا فِي النِّكَاحِ أَوْ عَدَمُ اعْتِبَارِهَا، وَهَل هِيَ - فِي حَال اعْتِبَارِهَا - شَرْطٌ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ أَمْ فِي لُزُومِهِ:
فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَفِيَّةُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ الَّذِي شَهَرَهُ الْفَاكِهَانِيُّ، وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ أَكْثَرِ مُتَأَخِّرِي الْحَنَابِلَةِ وَالأَْصَحُّ كَمَا قَال فِي الْمُقْنِعِ وَالشَّرْحِ، إِلَى أَنَّ الْكَفَاءَةَ تُعْتَبَرُ لِلُزُومِ النِّكَاحِ لاَ لِصِحَّتِهِ غَالِبًا، فَيَصِحُّ النِّكَاحُ مَعَ فَقْدِهَا؛ لأَِنَّهَا حَقٌّ لِلْمَرْأَةِ وَلِلأَْوْلِيَاءِ، فَإِنْ رَضُوا بِإِسْقَاطِهَا فَلاَ اعْتِرَاضَ عَلَيْهِمْ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَابْنِ سِيرِينَ.
وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ زَوَّجَ بَنَاتِهِ وَلاَ أَحَدَ يُكَافِئُهُ، وَبِأَنَّهُ ﷺ أَمَرَ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ وَهِيَ قُرَشِيَّةٌ أَنْ تَنْكِحَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ مَوْلاَهُ، فَنَكَحَهَا بِأَمْرِهِ (15) ، وَزَوَّجَ ﷺ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ ابْنَةَ عَمَّتِهِ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ الأَْسَدِيَّةَ (16) ، وَبِأَنَّ أَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ تَبَنَّى سَالِمًا وَأَنْكَحَهُ ابْنَةَ أَخِيهِ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، وَهُوَ مَوْلَى لاِمْرَأَةٍ مِنَ الأَْنْصَارِ، وَبِأَنَّ الْكَفَاءَةَ لاَ تَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهَا حَقًّا لِلْمَرْأَةِ وَالأَْوْلِيَاءِ، فَلَمْ يُشْتَرَطْ وُجُودُهَا.
وَوَجْهُ اعْتِبَارِهَا عِنْدَهُمْ، أَنَّ انْتِظَامَ الْمَصَالِحِ يَكُونُ عَادَةً بَيْنَ الْمُتَكَافِئَيْنِ، وَالنِّكَاحُ شُرِعَ لاِنْتِظَامِهَا، وَلاَ تَنْتَظِمُ الْمَصَالِحُ بَيْنَ غَيْرِ الْمُتَكَافِئَيْنِ، فَالشَّرِيفَةُ تَأْبَى أَنْ تَكُونَ مُسْتَفْرَشَةً لِلْخَسِيسِ، وَتُعَيَّرُ بِذَلِكَ؛ وَلأَِنَّ النِّكَاحَ وُضِعَ لِتَأْسِيسِ الْقَرَابَاتِ الصِّهْرِيَّةِ، لِيَصِيرَ الْبَعِيدُ قَرِيبًا عَضُدًا وَسَاعِدًا، يَسُرُّهُ مَا يَسُرُّكَ، وَذَلِكَ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بِالْمُوَافَقَةِ وَالتَّقَارُبِ، وَلاَ مُقَارِبَةَ لِلنُّفُوسِ عِنْدَ مُبَاعَدَةِ الأَْنْسَابِ، وَالاِتِّصَافِ بِالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَعَقْدُهُ مَعَ غَيْرِ الْمُكَافِئِ قَرِيبُ الشَّبَهِ مِنْ عَقْدٍ لاَ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَقَاصِدُهُ (17) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ - فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ الْمُخْتَارَةِ لِلْفَتْوَى عِنْدَهُمْ - وَاللَّخْمِيُّ وَابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ فَرْحُونَ وَابْنُ سَلْمُونٍ - مِنَ الْمَالِكِيَّةِ - وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. . إِلَى أَنَّ الْكَفَاءَةَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ، قَال أَحْمَدُ: إِذَا تَزَوَّجَ الْمَوْلَى الْعَرَبِيَّةَ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَقَال فِي الرَّجُل يَشْرَبُ الشَّرَابَ: مَا هُوَ بِكُفْءٍ لَهَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَقَال: لَوْ كَانَ الْمُتَزَوِّجُ حَائِكًا فَرَّقْتُ بَيْنَهُمَا، لِقَوْل عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: لأََمْنَعَنَّ فُرُوجَ ذَوَاتِ الأَْحْسَابِ إِلاَّ مِنَ الأَْكْفَاءِ.
وَلِقَوْل سَلْمَانَ ﵁: ثِنْتَانِ فَضَلْتُمُونَا بِهَا يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ، لاَ نَنْكِحُ نِسَاءَكُمْ وَلاَ نَؤُمُّكُمْ، (18) وَلأَِنَّ التَّزَوُّجَ مَعَ فَقْدِ الْكَفَاءَةِ تَصَرُّفٌ فِي حَقِّ مَنْ يَحْدُثُ مِنَ الأَْوْلِيَاءِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ زَوَّجَهَا بِغَيْرِ إِذْنِهَا (19) .
وَذَهَبَ الْكَرْخِيُّ وَالْجَصَّاصُ وَهُوَ قَوْل سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ إِلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ الْكَفَاءَةِ، وَقَالُوا: إِنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي النِّكَاحِ أَصْلاً، وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: يَا بَنِي بَيَاضَةَ أَنْكِحُوا أَبَا هِنْدٍ وَأَنْكِحُوا إِلَيْهِ، قَال: وَكَانَ حَجَّامًا (20) ، أَمَرَهُمْ رَسُول اللَّهِ ﷺ بِالتَّزْوِيجِ عِنْدَ عَدَمِ الْكَفَاءَةِ وَلَوْ كَانَتْ مُعْتَبَرَةً لَمَا أَمَرَ، وَبِقَوْلِهِ ﷺ: لاَ فَضْل لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ وَلاَ لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلاَ لأَِحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلاَ أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلاَّ بِالتَّقْوَى (21) ، وَبِأَنَّ الْكَفَاءَةَ لَوْ كَانَتْ مُعْتَبَرَةً فِي الشَّرْعِ لَكَانَ أَوْلَى الأَْبْوَابِ بِالاِعْتِبَارِ بِهَا بَابُ الدِّمَاءِ؛ لأَِنَّهُ يُحْتَاطُ فِيهِ مَا لاَ يُحْتَاطُ فِي سَائِرِ الأَْبْوَابِ، وَمَعَ هَذَا لَمْ تُعْتَبَرْ، حَتَّى يُقْتَل الشَّرِيفُ بِالْوَضِيعِ، فَهَاهُنَا أَوْلَى، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَنَّهَا لَمْ تُعْتَبَرْ فِي جَانِبِ الْمَرْأَةِ، فَكَذَا فِي جَانِبِ الزَّوْجِ (22) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّ الْكَفَاءَةَ وَإِنْ كَانَتْ لاَ تُعْتَبَرُ لِصِحَّةِ النِّكَاحِ غَالِبًا بَل لِكَوْنِهَا حَقًّا لِلْوَلِيِّ وَالْمَرْأَةِ إِلاَّ أَنَّهَا قَدْ تُعْتَبَرُ لِلصِّحَّةِ كَمَا فِي التَّزْوِيجِ بِالإِْجْبَارِ (23) .
وَقْتُ اعْتِبَارِ الْكَفَاءَةِ:
4 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْكَفَاءَةَ تُعْتَبَرُ عِنْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ، فَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ عِنْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ مُسْتَوْفِيًا لِخِصَال الْكَفَاءَةِ ثُمَّ زَالَتْ هَذِهِ الْخِصَال أَوِ اخْتَلَّتْ، فَإِنَّ الْعَقْدَ لاَ يَبْطُل بِذَلِكَ. . وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ:
فَقَال الْحَنَفِيَّةُ: تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ، فَلاَ يَضُرُّ زَوَالُهَا بَعْدَهُ، فَلَوْ كَانَ وَقْتُهُ كُفُؤًا ثُمَّ زَالَتْ كَفَاءَتُهُ لَمْ يُفْسَخْ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ دَبَّاغًا فَصَارَ تَاجِرًا، فَإِنْ بَقِيَ عَارُهَا لَمْ يَكُنْ كُفُؤًا، وَإِنْ تَنَاسَى أَمْرُهَا لِتَقَادُمِ زَمَانِهَا كَانَ كُفُؤًا.
(24) وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: الْعِبْرَةُ فِي خِصَال الْكَفَاءَةِ بِحَالَةِ الْعَقْدِ، نَعَمْ إِنْ تَرَكَ الْحِرْفَةَ الدَّنِيئَةَ قَبْلَهُ لاَ يُؤَثِّرُ إِلاَّ إِنْ مَضَتْ سَنَةٌ - كَمَا أَطْلَقَهُ جَمْعٌ - وَهُوَ وَاضِحٌ إِنْ تَلَبَّسَ بِغَيْرِهَا، بِحَيْثُ زَال عَنْهُ اسْمُهَا وَلَمْ يُنْسَبْ إِلَيْهَا أَصْلاً، وَإِلاَّ فَلاَ بُدَّ مِنْ مُضِيِّ زَمَنٍ يَقْطَعُ نِسْبَتَهَا عَنْهُ، بِحَيْثُ لاَ يُعَيَّرُ بِهَا، وَقَدْ بَحَثَ ابْنُ الْعِمَادِ وَالزَّرْكَشِيُّ أَنَّ الْفَاسِقَ إِذَا تَابَ لاَ يُكَافِئُ الْعَفِيفَةَ، وَصَرَّحَ ابْنُ الْعِمَادِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِأَنَّ الزَّانِيَ الْمُحْصَنَ وَإِنْ تَابَ وَحَسُنَتْ تَوْبَتُهُ لاَ يَعُودُ كُفُؤًا، كَمَا لاَ تَعُودُ عِفَّتُهُ، وَبِأَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ لَيْسَ بِكُفْءٍ لِلرَّشِيدَةِ.
وَقَالُوا: إِنَّ طُرُوَّ الْحِرْفَةِ الدَّنِيئَةِ لاَ يُثْبِتُ الْخِيَارَ. وَهُوَ الأَْوْجَهُ؛ لأَِنَّ الْخِيَارَ فِي النِّكَاحِ بَعْدَ صِحَّتِهِ لاَ يُوجَدُ إِلاَّ بِالأَْسْبَابِ الْخَمْسَةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا فِي بَابِهِ، وَبِالْعِتْقِ تَحْتَ رَقِيقٍ (25) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: لَوْ زَالَتِ الْكَفَاءَةُ بَعْدَ الْعَقْدِ فَلِلزَّوْجَةِ فَقَطِ الْفَسْخُ دُونَ أَوْلِيَائِهَا، كَعِتْقِهَا تَحْتَ عَبْدٍ؛ وَلأَِنَّ حَقَّ الأَْوْلِيَاءِ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ لاَ فِي اسْتِدَامَتِهِ (26)
الْحَقُّ فِي الْكَفَاءَةِ:
5 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الْكَفَاءَةَ حَقٌّ لِلْمَرْأَةِ وَلِلأَْوْلِيَاءِ؛ لأَِنَّ لَهَا الْحَقَّ فِي أَنْ تَصُونَ نَفْسَهَا عَنْ ذُل الاِسْتِفْرَاشِ لِمَنْ لاَ يُسَاوِيهَا فِي خِصَال الْكَفَاءَةِ، فَكَانَ لَهَا حَقٌّ فِي الْكَفَاءَةِ أَمَّا الأَْوْلِيَاءُ فَإِنَّهُمْ يَتَفَاخَرُونَ بِعُلُوِّ نَسَبِ الْخَتَنِ، وَيَتَعَيَّرُونَ بِدَنَاءَةِ نَسَبِهِ، فَيَتَضَرَّرُونَ بِذَلِكَ، فَكَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْفَعُوا الضَّرَرَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ بِالاِعْتِرَاضِ عَلَى نِكَاحِ مَنْ لاَ تَتَوَافَرُ فِيهِ خِصَال الْكَفَاءَةِ فَاقْتَضَى ذَلِكَ تَقْرِيرَ الْحَقِّ لَهُمْ فِي الْكَفَاءَةِ.
وَلِلْفُقَهَاءِ فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ تَفْصِيلٌ:
قَال الشَّافِعِيَّةُ: الْكَفَاءَةُ حَقٌّ لِلْمَرْأَةِ وَالْوَلِيُّ وَاحِدًا كَانَ أَوْ جَمَاعَةً مُسْتَوِينَ فِي دَرَجَةٍ، فَلاَ بُدَّ مَعَ رِضَاهَا بِغَيْرِ الْكُفْءِ مِنْ رِضَا الأَْوْلِيَاءِ بِهِ، لاَ رِضَا أَحَدِهِمْ، فَإِنَّ رِضَا أَحَدِهِمْ لاَ يَكْفِي عَنْ رِضَا الْبَاقِينَ؛ لأَِنَّ لَهُمْ حَقًّا فِي الْكَفَاءَةِ فَاعْتُبِرَ رِضَاهُمْ بِتَرْكِهَا كَالْمَرْأَةِ، فَإِنْ تَفَاوَتَ الأَْوْلِيَاءُ، فَلِلْوَلِيِّ الأَْقْرَبِ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِغَيْرِ الْكُفْءِ بِرِضَاهَا، وَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ الأَْبْعَدِ الاِعْتِرَاضُ، فَلَوْ كَانَ الَّذِي يَلِي أَمْرَهَا السُّلْطَانُ، فَهَل لَهُ تَزْوِيجُهَا بِغَيْرِ الْكُفْءِ إِذَا طَلَبَتْهُ؟ قَال النَّوَوِيُّ: قَوْلاَنِ أَوْ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْمَنْعُ؛ لأَِنَّهُ كَالنَّائِبِ، فَلاَ يَتْرُكُ الْحَظَّ.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: الْكَفَاءَةُ حَقٌّ لِلْمَرْأَةِ وَالأَْوْلِيَاءِ كُلِّهِمْ، الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ، حَتَّى مَنْ يَحْدُثُ مِنْهُمْ بَعْدَ الْعَقْدِ؛ لِتَسَاوِيهِمْ فِي لُحُوقِ الْعَارِ بِفَقْدِ الْكَفَاءَةِ (27) .
خِصَال الْكَفَاءَةِ:
6 - الْكَفَاءَةُ مُعْتَبَرَةٌ فِي النِّكَاحِ لِدَفْعِ الْعَارِ وَالضِّرَارِ، وَخِصَالُهَا - أَيِ الصِّفَاتُ الْمُعْتَبَرَةُ فِيهَا لِيُعْتَبَرَ فِي الزَّوْجِ مِثْلُهَا فِي الْجُمْلَةِ - هِيَ: الدِّينُ، وَالنَّسَبُ وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْحَسَبِ، وَالْحِرْفَةُ، وَالْحُرِّيَّةُ، وَالْمَال، وَالتَّنَقِّي مِنَ الْعُيُوبِ الْمُثْبِتَةِ لِلْخِيَارِ، لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى اعْتِبَارِهَا كُلِّهَا كَامِلَةً، بَل كَانَ لَهُمْ فِيهَا تَفْصِيلٌ وَخِلاَفٌ:
أ - الدِّينُ:
7 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ مِنْ خِصَال الْكَفَاءَةِ الدِّينَ، أَيِ الْمُمَاثَلَةُ وَالْمُقَارَبَةُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فِي التَّدَيُّنِ بِشَرَائِعِ الإِْسْلاَمِ، لاَ فِي مُجَرَّدِ أَصْل الإِْسْلاَمِ، وَلَهُمْ فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ تَفْصِيلٌ:
فَقَال أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ: لَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنَاتِ الصَّالِحِينَ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ فَاسِقٍ، كَانَ لِلأَْوْلِيَاءِ حَقُّ الاِعْتِرَاضِ؛ لأَِنَّ التَّفَاخُرَ بِالدِّينِ أَحَقُّ مِنَ التَّفَاخُرِ بِالنَّسَبِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالْمَال، وَالتَّعْيِيرُ بِالْفِسْقِ أَشَدُّ وُجُوهِ التَّعْيِيرِ وَقَال مُحَمَّدٌ: لاَ تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ فِي الدِّينِ؛ لأَِنَّ هَذَا مِنْ أُمُورِ الآْخِرَةِ، وَالْكَفَاءَةُ مِنْ أَحْكَامِ الدُّنْيَا، فَلاَ يَقْدَحُ فِيهَا الْفِسْقُ إِلاَّ إِذَا كَانَ شَيْئًا فَاحِشًا، بِأَنْ كَانَ الْفَاسِقُ مِمَّنْ يُسْخَرُ مِنْهُ وَيُضْحَكُ عَلَيْهِ وَيُصْفَعُ، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُهَابُ مِنْهُ، بِأَنْ كَانَ أَمِيرًا قَتَّالاً فَإِنَّهُ يَكُونُ كُفْئًا لأَِنَّ هَذَا الْفِسْقَ لاَ يُعَدُّ شَيْئًا فِي الْعَادَةِ، فَلاَ يَقْدَحُ فِي الْكَفَاءَةِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْفَاسِقَ إِنْ كَانَ مُعْلِنًا لاَ يَكُونُ كُفْئًا وَإِنْ كَانَ مُسْتَتِرًا يَكُونُ كُفْئًا (28) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: الْمُرَادُ بِالدِّينِ الإِْسْلاَمُ مَعَ السَّلاَمَةِ مِنَ الْفِسْقِ، وَلاَ تُشْتَرَطُ الْمُسَاوَاةُ فِي الصَّلاَحِ، فَإِنْ فُقِدَ الدِّينُ وَكَانَ الزَّوْجُ فَاسِقًا فَلَيْسَ بِكُفْءٍ (29) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: مِنْ خِصَال الْكَفَاءَةِ الدِّينُ وَالصَّلاَحُ وَالْكَفُّ عَمَّا لاَ يَحِل، وَالْفَاسِقُ لَيْسَ بِكُفْءٍ لِلْعَفِيفَةِ، وَغَيْرُ الْفَاسِقِ - عَدْلاً كَانَ أَوْ مَسْتُورًا - كُفْءٌ لَهَا، وَلاَ تُعْتَبَرُ الشُّهْرَةُ بِالصَّلاَحِ، فَغَيْرُ الْمَشْهُورِ بِالصَّلاَحِ كُفْءٌ لِلْمَشْهُورَةِ بِهِ، وَالْفَاسِقُ كُفْءٌ لِلْفَاسِقَةِ مُطْلَقًا إِلاَّ إِنْ زَادَ فِسْقُهُ أَوِ اخْتَلَفَ نَوْعُهُ كَمَا بَحَثَهُ الإِْسْنَوِيُّ، وَالْمُبْتَدِعُ لَيْسَ بِكُفْءٍ لِلْعَفِيفَةِ أَوِ السُّنِّيَّةِ (30) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: الدِّينُ مِمَّا يُعْتَبَرُ فِي الْكَفَاءَةِ، فَلاَ تُزَوَّجُ عَفِيفَةٌ عَنِ الزِّنَا بِفَاجِرٍ، أَيْ بِفَاسِقٍ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوِ اعْتِقَادٍ، قَال أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ: لاَ يُزَوِّجُ ابْنَتَهُ مِنْ حَرُورِيٍّ قَدْ مَرَقَ مِنَ الدِّينِ، وَلاَ مِنَ الرَّافِضِيِّ وَلاَ مِنَ الْقَدَرِيِّ، فَإِنْ كَانَ لاَ يَدْعُو فَلاَ بَأْسَ، وَلاَ تُزَوَّجُ امْرَأَةٌ عَدْلٌ بِفَاسِقٍ كَشَارِبِ خَمْرٍ، لأَِنَّهُ لَيْسَ بِكُفْءٍ، سَكِرَ مِنْهَا أَوْ لَمْ يَسْكَرْ، وَكَذَلِكَ مَنْ سَكِرَ مِنْ خَمْرٍ أَوْ غَيْرِهَا مِنَ الْمُسْكِرِ لَيْسَ بِكُفْءٍ، قَال إِسْحَاقُ إِذَا زَوَّجَ كَرِيمَتَهُ مِنْ فَاسِقٍ فَقَدْ قَطَعَ رَحِمَهُ (31) .
ب - النَّسَبُ:
8 - مِنَ الْخِصَال الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْكَفَاءَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ النَّسَبُ، وَعَبَّرَ عَنْهُ الْحَنَابِلَةُ بِالْمَنْصِبِ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِقَوْل عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: لأََمْنَعَنَّ فُرُوجَ ذَوَاتِ الأَْحْسَابِ إِلاَّ مِنَ الأَْكْفَاءِ، وَفِي رِوَايَةٍ قُلْتُ: وَمَا الأَْكْفَاءُ؟ قَال: فِي الأَْحْسَابِ (32) ؛ وَلأَِنَّ الْعَرَبَ يَعْتَمِدُونَ الْكَفَاءَةَ فِي النَّسَبِ وَيَتَفَاخَرُونَ بِرِفْعَةِ النَّسَبِ، وَيَأْنَفُونَ مِنْ نِكَاحِ الْمَوَالِي، وَيَرَوْنَ ذَلِكَ نَقْصًا وَعَارًا؛ وَلأَِنَّ الْعَرَبَ فَضَلَتِ الأُْمَمَ بِرَسُول اللَّهِ ﷺ.
وَالاِعْتِبَارُ فِي النَّسَبِ بِالآْبَاءِ؛ لأَِنَّ الْعَرَبَ تَفْتَخِرُ بِهِ فِيهِمْ دُونَ الأُْمَّهَاتِ، فَمَنِ انْتَسَبَتْ لِمَنْ تَشْرُفُ بِهِ لَمْ يُكَافِئْهَا مَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، فَالْعَجَمِيُّ أَبًا وَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ عَرَبِيَّةً لَيْسَ كُفْءَ عَرَبِيَّةٍ وَإِنْ كَانَتْ أُمُّهَا عَجَمِيَّةً؛ لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى اصْطَفَى الْعَرَبَ عَلَى غَيْرِهِمْ، وَمَيَّزَهُمْ عَنْهُمْ بِفَضَائِل جَمَّةٍ، كَمَا صَحَّتْ بِهِ الأَْحَادِيثُ (33) .
وَذَهَبَ مَالِكٌ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ إِلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ النَّسَبِ فِي الْكَفَاءَةِ، قِيل لِمَالِكٍ: إِنَّ بَعْضَ هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ فَرَّقُوا بَيْنَ عَرَبِيَّةٍ وَمَوْلًى، فَأَعْظَمَ ذَلِكَ إِعْظَامًا شَدِيدًا وَقَال: أَهْل الإِْسْلاَمِ كُلُّهُمْ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَكْفَاءٌ، لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى فِي التَّنْزِيل: {إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِل لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} ، (34) وَكَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يَقُول: لاَ تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ فِي النَّسَبِ؛ لأَِنَّ النَّاسَ سَوَاسِيَةٌ بِالْحَدِيثِ (35) ، قَال ﷺ: لاَ فَضْل لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلاَ لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلاَ لأَِحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلاَ أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلاَّ بِالتَّقْوَى (36) ، وَقَدْ تَأَيَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} ، (37) وَلِجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ الْقَائِلِينَ بِاعْتِبَارِ النَّسَبِ فِي الْكَفَاءَةِ بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى مَا سَبَقَ تَفْصِيلٌ:
قَال الْحَنَفِيَّةُ: قُرَيْشٌ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَكْفَاءٌ، وَالْعَرَبُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَكْفَاءٌ، وَالْمَوَالِي بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَكْفَاءٌ، لِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: قُرَيْشٌ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ، وَالْعَرَبُ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ، قَبِيلَةٌ بِقَبِيلَةٍ، وَرَجُلٌ بِرَجُلٍ، وَالْمَوَالِي بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ، قَبِيلَةٌ بِقَبِيلَةٍ، وَرَجُلٌ بِرَجُلٍ إِلاَّ حَائِكٌ أَوْ حَجَّامٌ (38) . وَقَالُوا: الْقُرَشِيُّ كُفْءٌ لِلْقُرَشِيَّةِ عَلَى اخْتِلاَفِ الْقَبِيلَةِ، وَلاَ يُعْتَبَرُ التَّفَاضُل فِيمَا بَيْنَ قُرَيْشٍ فِي الْكَفَاءَةِ، فَالْقُرَشِيُّ الَّذِي لَيْسَ بِهَاشِمِيٍّ كَالتَّيْمِيِّ وَالأُْمَوِيِّ، وَالْعَدَوِيُّ كُفْءٌ لِلْهَاشِمِيَّةِ لِقَوْلِهِ ﷺ: قُرَيْشٌ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ وَقُرَيْشٌ تَشْتَمِل عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَإِنْ كَانَ لِبَنِي هَاشِمٍ مِنَ الْفَضِيلَةِ مَا لَيْسَ لِسَائِرِ قُرَيْشٍ، لَكِنَّ الشَّرْعَ أَسْقَطَ اعْتِبَارَ تِلْكَ الْفَضِيلَةِ فِي بَابِ النِّكَاحِ مَا عَرَفْنَا ذَلِكَ بِفِعْل رَسُول اللَّهِ ﷺ وَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ ﵃ وَلأَِنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ زَوَّجَ ابْنَتَيْهِ مِنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَكَانَ أُمَوِيًّا لاَ هَاشِمِيًّا، وَزَوَّجَ عَلِيٌّ ﵁ ابْنَتَهُ مِنْ عُمَرَ ﵁ وَلَمْ يَكُنْ هَاشِمِيًّا بَل عَدَوِيًّا، فَدَل عَلَى أَنَّ الْكَفَاءَةَ فِي قُرَيْشٍ لاَ تَخْتَصُّ بِبَطْنٍ دُونَ بَطْنٍ.
وَاسْتَثْنَى مُحَمَّدٌ بَيْتَ الْخِلاَفَةِ، فَلَمْ يَجْعَل الْقُرَشِيَّ الَّذِي لَيْسَ بِهَاشِمِيٍّ كُفْئًا لَهُ، فَلَوْ تَزَوَّجَتْ قُرَشِيَّةٌ مِنْ أَوْلاَدِ الْخُلَفَاءِ قُرَشِيًّا لَيْسَ مِنْ أَوْلاَدِهِمْ، كَانَ لِلأَْوْلِيَاءِ حَقُّ الاِعْتِرَاضِ
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: الْعَرَبُ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ بِالنَّصِّ، وَلاَ تَكُونُ الْعَرَبُ كُفْئًا لِقُرَيْشٍ؛ لِفَضِيلَةِ قُرَيْشٍ عَلَى سَائِرِ الْعَرَبِوَلِذَلِكَ اخْتُصَّتِ الإِْمَامَةُ بِهِمْ، قَال النَّبِيُّ ﷺ: الأَْئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ (39) .
وَالْمَوَالِي بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ بِالنَّصِّ، وَلاَ تَكُونُ الْمَوَالِي أَكْفَاءً لِلْعَرَبِ، لِفَضْل الْعَرَبِ عَلَى الْعَجَمِ، وَمَوَالِي الْعَرَبِ أَكْفَاءٌ لِمَوَالِي قُرَيْشٍ، لِعُمُومِ قَوْلِهِ ﷺ: وَالْمَوَالِي بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ رَجُلٌ بِرَجُلٍ وَمُفَاخَرَةُ الْعَجَمِ بِالإِْسْلاَمِ لاَ بِالنَّسَبِ، فَمَنْ لَهُ أَبَوَانِ فِي الإِْسْلاَمِ فَصَاعِدًا فَهُوَ مِنَ الأَْكْفَاءِ لِمَنْ لَهُ آبَاءٌ فِيهِ، وَمَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ أَوْ لَهُ أَبٌ وَاحِدٌ فِي الإِْسْلاَمِ لاَ يَكُونُ كُفْئًا لِمَنْ لَهُ أَبَوَانِ فِي الإِْسْلاَمِ؛ لأَِنَّ تَمَامَ النَّسَبِ بِالأَْبِ وَالْجَدِّ، وَمَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ لاَ يَكُونُ كُفْئًا لِمَنْ لَهُ أَبٌ وَاحِدٌ فِي الإِْسْلاَمِ (40) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: غَيْرُ الْقُرَشِيِّ مِنَ الْعَرَبِ لَيْسَ كُفْءَ الْقُرَشِيَّةِ، لِخَبَرِ: قَدِّمُوا قُرَيْشًا وَلاَ تَقَدَّمُوهَا (41) وَلأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى اصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ، وَلَيْسَ غَيْرُ الْهَاشِمِيِّ وَالْمُطَّلِبِيِّ مِنْ قُرَيْشٍ كُفْئًا لِلْهَاشِمِيَّةِ أَوِ الْمُطَّلِبِيَّةِ، لِخَبَرِ: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيل، وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ (42) ، وَالْمُطَّلِبِيُّ كُفْءُ الْهَاشِمِيَّةِ وَعَكْسُهُ، لِحَدِيثِ: إِنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ (43) ، فَهُمَا مُتَكَافِئَانِ، وَمَحَلُّهُ إِذَا لَمْ تَكُنْ شَرِيفَةً، أَمَّا الشَّرِيفَةُ فَلاَ يُكَافِئُهَا إِلاَّ شَرِيفٌ، وَالشَّرَفُ مُخْتَصٌّ بِأَوْلاَدِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا وَعَنْ أَبَوَيْهِمَا. . نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ ظَهِيرَةَ، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا فِي الْحُرَّةِ، فَلَوْ نَكَحَ هَاشِمِيٌّ أَوْ مُطَّلِبِيٌّ أَمَةً فَأَتَتْ مِنْهُ بِبِنْتٍ فَهِيَ مَمْلُوكَةٌ لِمَالِكِ أُمِّهَا، فَلَهُ تَزْوِيجُهَا مِنْ رَقِيقٍ وَدَنِيءِ النَّسَبِ، لأَِنَّ وَصْمَةَ الرِّقِّ الثَّابِتِ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ أَلْغَتِ اعْتِبَارَ كُل كَمَالٍ مَعَهُ، مَعَ كَوْنِ الْحَقِّ فِي الْكَفَاءَةِ فِي النَّسَبِ لِسَيِّدِهَا لاَ لَهَا عَلَى مَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخَانِ.
أَمَّا غَيْرُ قُرَيْشٍ مِنَ الْعَرَبِ فَإِنَّ بَعْضَهُمْ أَكْفَاءُ بَعْضٍ. . نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ، وَقَال فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ إِنَّهُ مُقْتَضَى كَلاَمِ الأَْكْثَرِينَ.
وَقَالُوا: الأَْصَحُّ اعْتِبَارُ النَّسَبِ فِي الْعَجَمِ كَالْعَرَبِ قِيَاسًا عَلَيْهِمْ، فَالْفُرْسُ أَفْضَل مِنَ الْقِبْطِ، لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ ﷺ قَال: لَوْ كَانَ الدِّينُ عِنْدَ الثُّرَيَّا لَذَهَبَ بِهِ رَجُلٌ مِنْ فَارِسٍ (44) ،
وَبَنُو إِسْرَائِيل أَفْضَل مِنَ الْقِبْطِ، وَمُقَابِل الأَْصَحِّ: أَنَّهُ لاَ يُعْتَبَرُ النَّسَبُ فِي الْعَجَمِ؛ لأَِنَّهُمْ لاَ يَعْتَنُونَ بِحِفْظِ الأَْنْسَابِ وَلاَ يُدَوِّنُونَهَا بِخِلاَفِ الْعَرَبِ، وَالاِعْتِبَارُ فِي النَّسَبِ بِالأَْبِ، وَلاَ يُكَافِئُ مَنْ أَسْلَمَ أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُ أَجْدَادِهِ الأَْقْرَبِينَ أَقْدَمَ مِنْهُ فِي الإِْسْلاَمِ، فَمَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ لَيْسَ كُفْءَ مَنْ لَهَا أَبٌ أَوْ أَكْثَرُ فِي الإِْسْلاَمِ، وَمَنْ لَهُ أَبَوَانِ فِي الإِْسْلاَمِ لَيْسَ كُفْءَ مَنْ لَهَا ثَلاَثَةُ آبَاءٍ فِيهِ (45) .
وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ، فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ غَيْرَ قُرَيْشٍ مِنَ الْعَرَبِ لاَ يُكَافِئُهَا، وَغَيْرُ بَنِي هَاشِمٍ لاَ يُكَافِئُهُمْ، لِحَدِيثِ: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيل، وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، وَلأَِنَّ الْعَرَبَ فُضِّلَتْ عَلَى الأُْمَمِ بِرَسُول اللَّهِ ﷺ وَقُرَيْشٌ أَخَصُّ بِهِ مِنْ سَائِرِ الْعَرَبِ، وَبَنُو هَاشِمٍ أَخَصُّ بِهِ مِنْ قُرَيْشٍ، وَكَذَلِكَ قَال عُثْمَانُ وَجُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ: إِنَّ إِخْوَانَنَا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ لاَ نُنْكِرُ فَضْلَهُمْ عَلَيْنَا لِمَكَانِكَ الَّذِي وَضَعَكَ اللَّهُ بِهِ مِنْهُمْ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ الْعَرَبَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَكْفَاءٌ، وَالْعَجَمَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَكْفَاءٌ؛ لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ زَوَّجَ ابْنَتَيْهِ عُثْمَانَ، وَزَوَّجَ عَلِيٌّ عُمَرَ ابْنَتَهُ أُمَّ كُلْثُومٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ (46) .
وَالْكَفَاءَةُ فِي النَّسَبِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ (47) .
ج - الْحُرِّيَّةُ:
9 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، إِلَى أَنَّ الْحُرِّيَّةَ مِنْ خِصَال الْكَفَاءَةِ، فَلاَ يَكُونُ الْقِنُّ أَوِ الْمُبَعَّضُ أَوِ الْمُدَبَّرُ أَوِ الْمُكَاتَبُ كُفْئًا لِلْحُرَّةِ وَلَوْ عَتِيقَةً؛ لأَِنَّهَا تَتَعَيَّرُ بِهِ، إِذِ النَّقْصُ وَالشَّيْنُ بِالرِّقِّ فَوْقَ النَّقْصِ وَالشَّيْنِ بِدَنَاءَةِ النَّسَبِ؛ وَلأَِنَّهَا تَتَضَرَّرُ بِنِكَاحِهِ لأَِنَّهُ يُنْفِقُ نَفَقَةَ الْمُعْسِرِينَ، وَلاَ يُنْفِقُ عَلَى وَلَدِهِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي كَسْبِهِ، غَيْرُ مَالِكٍ لَهُ، مَشْغُولٌ عَنِ امْرَأَتِهِ بِحُقُوقِ سَيِّدِهِ، وَمِلْكُ السَّيِّدِ رَقَبَتَهُ يُشْبِهُ مِلْكَ الْبَهِيمَةِ.
وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَى عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ بَرِيرَةَ أُعْتِقَتْ فَخَيَّرَهَا رَسُول اللَّهِ ﷺ (48) ، وَلَوْ كَانَ زَوْجُهَا حُرًّا لَمْ يُخَيِّرْهَا (49) ، وَاخْتَلَفَ الْمَالِكِيَّةُ فِي كَفَاءَةِ الْعَبْدِ لِلْحُرَّةِ أَوْ عَدَمِهَا فِي تَأَوُّلَيْنِ.
فَأَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ نِكَاحَ الْعَبْدِ عَرَبِيَّةً، وَقَال عَبْدُ الْبَاقِي: إِنَّهُ الأَْحْسَنُ وَرَجَّحَ الدَّرْدِيرُ عَدَمَ كَفَاءَةِ الْعَبْدِ لِلْحُرَّةِ، وَقَال الدُّسُوقِيُّ: إِنَّهُ الْمَذْهَبُ (50) .
د - الْحِرْفَةُ:
10 - الْحِرْفَةُ مَا يُطْلَبُ بِهِ الرِّزْقُ مِنَ الصَّنَائِعِ وَغَيْرِهَا، وَالْحِرْفَةُ الدَّنِيئَةُ مَا دَلَّتْ مُلاَبَسَتُهَا عَلَى انْحِطَاطِ الْمُرُوءَةِ وَسُقُوطِ النَّفْسِ، كَمُلاَبَسَةِ الْقَاذُورَاتِ (51) .
وَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ - فِي الْمُفْتَى بِهِ وَهُوَ قَوْل أَبِي يُوسُفَ - وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - فِي الرِّوَايَةِ الْمُعْتَمَدَةِ عَنْ أَحْمَدَ - إِلَى اعْتِبَارِ الْحِرْفَةِ فِي الْكَفَاءَةِ فِي النِّكَاحِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللَّهُ فَضَّل بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ} ، أَيْ فِي سَبَبِهِ، فَبَعْضُهُمْ يَصِل إِلَيْهِ بِعِزٍّ وَرَاحَةٍ، وَبَعْضُهُمْ بِذُلٍّ وَمَشَقَّةٍ؛ وَلأَِنَّ النَّاسَ يَتَفَاخَرُونَ بِشَرَفِ الْحِرَفِ وَيَتَعَيَّرُونَ بِدَنَاءَتِهَا.
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّ الْحِرْفَةَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي الْكَفَاءَةِ فِي النِّكَاحِ؛ لأَِنَّهُ يُمْكِنُ الاِنْتِقَال وَالتَّحَوُّل عَنِ الْخَسِيسَةِ إِلَى النَّفِيسَةِ مِنْهَا، فَلَيْسَتْ وَصْفًا لاَزِمًا.
وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، حَيْثُ قَال: إِنَّهَا غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ فَاحِشَةً. .
كَحِرْفَةِ الْحَجَّامِ وَالْكَنَّاسِ وَالدَّبَّاغِ، فَلاَ يَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمْ كُفْءَ بِنْتِ الْعَطَّارِ وَالصَّيْرَفِيِّ وَالْجَوْهَرِيِّ.
وَوَفْقَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ لاَ يَكُونُ الرَّجُل صَاحِبُ الصِّنَاعَةِ أَوِ الْحِرْفَةِ الدَّنِيئَةِ أَوِ الْخَسِيسَةِ كُفْءَ بِنْتِ صَاحِبِ الصِّنَاعَةِ أَوِ الْحِرْفَةِ الرَّفِيعَةِ أَوِ الشَّرِيفَةِ. . لِمَا سَبَقَ، وَلِمَا ذَكَرَهُ الْحَنَابِلَةُ مِنْ أَنَّهُ نَقْصٌ فِي عُرْفِ النَّاسِ أَشْبَهَ نَقْصَ النَّسَبِ، وَلِمَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ: الْعَرَبُ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ وَفِي آخِرِهِ " إِلاَّ حَائِكٌ أَوْ حَجَّامٌ (52) "، قِيل لأَِحْمَدَ: كَيْفَ تَأْخُذُ بِهِ وَأَنْتَ تُضَعِّفُهُ؟ قَال: الْعَمَل عَلَيْهِ، يَعْنِي أَنَّهُ مُوَافِقٌ لأَِهْل الْعُرْفِ.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: تَثْبُتُ الْكَفَاءَةُ بَيْنَ الْحِرْفَتَيْنِ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ، كَالْبَزَّازِ مَعَ الْبَزَّازِ، وَالْحَائِكِ مَعَ الْحَائِكِ، وَتَثْبُتُ عِنْدَ اخْتِلاَفِ جِنْسِ الْحِرْفَةِ إِذَا كَانَ يُقَارِبُ بَعْضُهَا بَعْضًا، كَالْبَزَّازِ مَعَ الصَّائِغِ، وَالصَّائِغِ مَعَ الْعَطَّارِ، وَلاَ تَثْبُتُ فِيمَا لاَ مُقَارَبَةَ بَيْنَهُمَا، كَالْعَطَّارِ مَعَ الْبَيْطَارِ، وَالْبَزَّازِ مَعَ الْخَرَّازِ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: الاِعْتِبَارُ بِالْعُرْفِ الْعَامِّ لِبَلَدِ الزَّوْجَةِ لاَ لِبَلَدِ الْعَقْدِ؛ لأَِنَّ الْمَدَارَ عَلَى تَعْيِيرِهَا أَوْ عَدَمِهِ، وَذَلِكَ يُعْرَفُ بِالنِّسْبَةِ لِحِرَفِ بَلَدِهَا، أَيِ الَّتِي هِيَ بِهَا حَالَةَ الْعَقْدِ.
قَال الرَّمْلِيُّ: حِرْفَةُ الآْبَاءِ - كَحِرْفَةِ الزَّوْجِ - مُعْتَبَرَةٌ فِي الْكَفَاءَةِ، وَالأَْوْجَهُ أَنَّ كُل ذِي حِرْفَةٍ فِيهَا مُبَاشَرَةُ نَجَاسَةٍ لَيْسَ كُفْءَ الَّذِي حِرْفَتُهُ لاَ مُبَاشَرَةَ فِيهَا لِلنَّجَاسَةِ، وَأَنَّ بَقِيَّةَ الْحِرَفِ الَّتِي لَمْ يَذْكُرُوا فِيهَا تَفَاضُلاً مُتَسَاوِيَةٌ إِلاَّ إِنِ اطَّرَدَ الْعُرْفُ بِتَفَاوُتِهَا. . وَقَال: مَنْ لَهُ حِرْفَتَانِ: دَنِيَّةٌ وَرَفِيعَةٌ اعْتُبِرَ مَا اشْتُهِرَ بِهِ، وَإِلاَّ غَلَبَتِ الدَّنِيَّةُ، بَل لَوْ قِيل بِتَغْلِيبِهَا مُطْلَقًا لَمْ يَبْعُدْ؛ لأَِنَّهُ لاَ يَخْلُو عَنْ تَعْيِيرِهِ بِهَا. (53)
وَأَضَافَ الْقَلْيُوبِيُّ: لَوْ تَرَكَ حِرْفَةً لأَِرْفَعَ مِنْهَا أَوْ عَكْسِهِ، اعْتُبِرَ قَطْعُ نِسْبَتِهِ عَنِ الأُْولَى، وَلَيْسَ تَعَاطِي الْحِرْفَةِ الدَّنِيئَةِ لِتَوَاضُعٍ أَوْ كَسْرِ نَفْسٍ أَوْ لِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ مُضِرًّا فِي الْكَفَاءَةِ وَالْعِلْمِ - بِشَرْطِ عَدَمِ الْفِسْقِ - وَكَذَلِكَ الْقَضَاءُ أَرْفَعُ الْحِرَفِ كُلِّهَا، فَيُكَافِئَانِ سَائِرَ الْحِرَفِ، فَلَوْ جَاءَتِ امْرَأَةٌ لاَ يُعْرَفُ نَسَبُهَا إِلَى قَاضٍ لِيُزَوِّجَهَا، لاَ يُزَوِّجُهَا إِلاَّ مِنَ ابْنِ عَالِمٍ أَوْ قَاضٍ دُونَ غَيْرِهِمَا؛ لاِحْتِمَال شَرَفِهَا بِالنَّسَبِ إِلَى أَحَدِهِمَا.
وَالْمُرَادُ بِبِنْتِ الْعَالِمِ وَالْقَاضِي فِي ظَاهِرِ كَلاَمِهِمْ - كَمَا قَال الرَّمْلِيُّ - مَنْ فِي آبَائِهَا الْمَنْسُوبَةِ إِلَيْهِمْ أَحَدُهُمَا وَإِنْ عَلاَ؛ لأَِنَّ ذَلِكَ مِمَّا تَفْتَخِرُ بِهِ، وَبَحَثَ الأَْذْرَعِيُّ أَنَّ الْعِلْمَ مَعَ الْفِسْقِ لاَ أَثَرَ لَهُ، إِذْ لاَ فَخْرَ لَهُ حِينَئِذٍ فِي الْعُرْفِ فَضْلاً عَنِ الشَّرْعِ، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْقَضَاءِ فَقَال: إِنْ كَانَ الْقَاضِي أَهْلاً فَعَالِمٌ وَزِيَادَةٌ، أَوْ غَيْرَ أَهْلٍ فَفِي النَّظَرِ إِلَيْهِ نَظَرٌ.
وَالْجَاهِل - كَمَا أَضَافَ الرَّمْلِيُّ - لاَ يَكُونُ كُفْءَ عَالِمَةٍ؛ لأَِنَّ الْعِلْمَ إِذَا اعْتُبِرَ فِي آبَائِهَا فَلأََنْ يُعْتَبَرَ فِيهَا بِالأَْوْلَى، إِذْ أَقَل مَرَاتِبِ الْعِلْمِ أَنْ يَكُونَ كَالْحِرْفَةِ، وَصَاحِبُ الْحِرْفَةِ الدَّنِيئَةِ لاَ يُكَافِئُ صَاحِبَ الشَّرِيفَةِ (54) .
وَلاَ يَعْتَبِرُ الْمَالِكِيَّةُ الْحِرْفَةَ مِنْ خِصَال الْكَفَاءَةِ فِي النِّكَاحِ؛ إِذْ الْكَفَاءَةُ عِنْدَهُمْ فِي الدِّينِ وَالْحَال، وَأَمَّا الدِّينُ فَهُوَ الْمُمَاثَلَةُ أَوِ الْمُقَارَبَةُ فِي التَّدَيُّنِ بِشَرَائِعِ الإِْسْلاَمِ لاَ فِي مُجَرَّدِ أَصْل الإِْسْلاَمِ.
وَأَمَّا الْحَال فَهُوَ الْمُمَاثَلَةُ أَوِ الْمُقَارَبَةُ فِي السَّلاَمَةِ مِنَ الْعُيُوبِ الْمُوجِبَةِ لِلْخِيَارِ، لاَ الْحَسَبُ وَالنَّسَبُ (55) . هـ - الْيَسَارُ:
11 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اعْتِبَارِ الْيَسَارِ - وَيُعَبِّرُ عَنْهُ الْحَنَفِيَّةُ بِالْمَال - مِنْ خِصَال الْكَفَاءَةِ فِي النِّكَاحِ أَوْ عَدَمِ اعْتِبَارِهِ:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ - فِي الرِّوَايَةِ الْمُعْتَمَدَةِ - وَهُوَ مُقَابِل الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، إِلَى اعْتِبَارِهِ، فَلاَ يَكُونُ الْفَقِيرُ كُفْءَ الْغَنِيَّةِ؛ لأَِنَّ التَّفَاخُرَ بِالْمَال أَكْثَرُ مِنَ التَّفَاخُرِ بِغَيْرِهِ عَادَةً، وَلأَِنَّ لِلنِّكَاحِ تَعَلُّقًا لاَزِمًا بِالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ، وَلاَ تَعَلُّقَ لَهُ بِالنَّسَبِ وَالْحُرِّيَّةِ، فَلَمَّا اعْتُبِرَتِ الْكَفَاءَةُ ثَمَّةَ فَلأََنْ تُعْتَبَرَ هَاهُنَا أَوْلَى؛ وَلأَِنَّ عَلَى الْمُوسِرَةِ ضَرَرًا فِي إِعْسَارِ زَوْجِهَا لإِِخْلاَلِهِ بِنَفَقَتِهَا وَمُؤْنَةِ أَوْلاَدِهَا، وَلِهَذَا مَلَكَتِ الْفَسْخَ بِإِخْلاَلِهِ بِنَفَقَتِهَا وَمُؤْنَةِ أَوْلاَدِهَا عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ، وَلأَِنَّ ذَلِكَ مَعْدُودٌ نَقْصًا فِي عُرْفِ النَّاسِ، وَيَتَفَاضَلُونَ فِيهِ كَتَفَاضُلِهِمْ فِي النَّسَبِ وَأَبْلَغَ، فَكَانَ مِنْ شُرُوطِ الْكَفَاءَةِ كَالنَّسَبِ.
وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْيَسَارِ الْقُدْرَةُ عَلَى مَهْرِ مِثْل الزَّوْجَةِ وَالنَّفَقَةُ، وَلاَ تُعْتَبَرُ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ، حَتَّى إِنَّ الزَّوْجَ إِذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا وَنَفَقَتِهَا يَكُونُ كُفْئًا لَهَا وَإِنْ كَانَ لاَ يُسَاوِيهَا فِي الْمَال؛ لأَِنَّ الْقَدْرَ الْمُعْتَبَرَ مِنَ الْمَال فِي الْيَسَارِ هُوَ الَّذِي يُحْتَاجُ إِلَيْهِ، إِذْ إِنَّ مَنْ لاَ يَمْلِكُ مَهْرًا وَلاَ نَفَقَةً لاَ يَكُونُ كُفْئًا لأَِنَّ الْمَهْرَ بَدَل الْبُضْعِ فَلاَ بُدَّمِنْ إِيفَائِهِ، وَبِالنَّفَقَةِ قِوَامُ الاِزْدِوَاجِ وَدَوَامُهُ، فَلاَ بُدَّ مِنَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمَا، وَلأَِنَّ مَنْ لاَ قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ يُسْتَحْقَرُ وَيُسْتَهَانُ بِهِ فِي الْعَادَةِ، كَمَنْ لَهُ نَسَبٌ دَنِيءٌ، فَتَخْتَل بِهِ الْمَصَالِحُ كَمَا تَخْتَل عِنْدَ دَنَاءَةِ النَّسَبِ. وَالْمُرَادُ بِالْمَهْرِ قَدْرُ مَا تَعَارَفُوا تَعْجِيلَهُ؛ لأَِنَّ مَا وَرَاءَهُ مُؤَجَّلٌ عُرْفًا، قَال الْبَابَرْتِيُّ: لَيْسَ بِمُطَالَبٍ بِهِ فَلاَ يُسْقِطُ الْكَفَاءَةَ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ اعْتَبَرَ الْقُدْرَةَ عَلَى النَّفَقَةِ دُونَ الْمَهْرِ؛ لأَِنَّهُ تَجْرِي الْمُسَاهَلَةُ فِي الْمَهْرِ وَيُعَدُّ الْمَرْءُ قَادِرًا عَلَيْهِ بِيَسَارِ أَبِيهِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ تَسَاوِيَ الزَّوْجِ وَالْمَرْأَةِ فِي الْغِنَى شَرْطُ تَحَقُّقِ الْكَفَاءَةِ، حَتَّى إِنَّ الْفَائِقَةَ الْيَسَارِ لاَ يُكَافِئُهَا الْقَادِرُ عَلَى الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ؛ لأَِنَّ النَّاسَ يَتَفَاخَرُونَ بِالْغِنَى وَيَتَعَيَّرُونَ بِالْفَقْرِ.
وَقَال ابْنُ عَقِيلٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنْ لاَ يَتَقَدَّرَ الْمَال بِمِقْدَارِ مِلْكِ النِّصَابِ أَوْ غَيْرِهِ، بَل إِنْ كَانَ حَال أَبِيهَا مِمَّنْ لاَ يُزْرِي عَلَيْهَا بِتَزْوِيجِهَا بِالزَّوْجِ، بِأَنْ يَكُونَ مُوَازِيًا أَوْ مُسَاوِيًا لَهُ فِي الْمَال الَّذِي يَقْدِرُ بِهِ عَلَى نَفَقَةِ الْمُوسِرِينَ، بِحَيْثُ لاَ تَتَغَيَّرُ عَادَتُهَا عِنْدَ أَبِيهَا فِي بَيْتِهِ، فَذَلِكَ الْمُعْتَبَرُ.
وَالْقَائِلُونَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ فِي مُقَابِل الأَْصَحِّ اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ الْيَسَارِ الْمُعْتَبَرِ فِي الْكَفَاءَةِ،فَقِيل: يُعْتَبَرُ بِقَدْرِ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ، فَيَكُونُ بِهِمَا كُفْئًا لِصَاحِبَةِ الأُْلُوفِ، وَالأَْصَحُّ أَنَّهُ لاَ يَكْفِي ذَلِكَ؛ لأَِنَّ النَّاسَ أَصْنَافٌ: غَنِيٌّ وَفَقِيرٌ وَمُتَوَسِّطٌ، وَكُل صِنْفٍ أَكْفَاءٌ وَإِنِ اخْتَلَفَتِ الْمَرَاتِبُ.
وَالأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْيَسَارَ لاَ يُعْتَبَرُ فِي الْكَفَاءَةِ؛ لأَِنَّ الْمَال غَادٍ وَرَائِحٌ وَلاَ يَفْتَخِرُ بِهِ أَهْل الْمُرُوءَاتِ وَالْبَصَائِرِ، وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ عَدَمُ اعْتِبَارِ الْيَسَارِ؛ لأَِنَّ الْفَقْرَ شَرَفٌ فِي الدِّينِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْيَسَارِ مَا يُقْدَرُ بِهِ عَلَى النَّفَقَةِ وَالْمَهْرِ (56) .
و السَّلاَمَةُ مِنَ الْعُيُوبِ:
12 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ مِنَ الْحَنَابِلَةِ، إِلَى أَنَّ السَّلاَمَةَ مِنَ الْعُيُوبِ الْمُثْبِتَةِ لِخِيَارِ فَسْخِ النِّكَاحِ مِنْ خِصَال الْكَفَاءَةِ فِي النِّكَاحِ.
وَقَال ابْنُ رَاشِدٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: الْمُرَادُ أَنْ يُسَاوِيَهَا فِي الصِّحَّةِ، أَيْ يَكُونَ سَالِمًا مِنَ الْعُيُوبِ الْفَاحِشَةِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ كَلاَمِ ابْنِ بَشِيرٍ وَابْنِ شَاسٍ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الأَْصْحَابِ (57) .
وَفَصَّل الشَّافِعِيَّةُ فَقَالُوا: مِنَ الْخِصَال الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْكَفَاءَةِ السَّلاَمَةُ مِنَ الْعُيُوبِ الْمُثْبِتَةِ لِلْخِيَارِ، فَمَنْ بِهِ بَعْضُهَا كَالْجُنُونِ أَوِ الْجُذَامِ أَوِ الْبَرَصِ لاَ يَكُونُ كُفْئًا لِسَلِيمَةٍ عَنْهَا؛ لأَِنَّ النَّفْسَ تَعَافُ صُحْبَةَ مَنْ بِهِ ذَلِكَ، وَيَخْتَل بِهِ مَقْصُودُ النِّكَاحِ، وَلَوْ كَانَ بِهَا عَيْبٌ أَيْضًا، فَإِنِ اخْتَلَفَ الْعَيْبَانِ فَلاَ كَفَاءَةَ، وَإِنِ اخْتَلَفَا وَمَا بِهِ أَكْثَرُ فَكَذَلِكَ، وَكَذَا إِنْ تَسَاوَيَا أَوْ كَانَ مَا بِهَا أَكْثَرُ فِي الأَْصَحِّ؛ لأَِنَّ الإِْنْسَانَ يَعَافُ مِنْ غَيْرِهِ مَا لاَ يَعَافُ مِنْ نَفْسِهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مَجْبُوبًا وَهِيَ رَتْقَاءُ أَوْ قَرْنَاءُ.
وَاسْتَثْنَى الْبَغَوِيُّ وَالْخُوَارِزْمِيُّ الْعُنَّةَ لِعَدَمِ تَحَقُّقِهَا، فَلاَ نَظَرَ إِلَيْهَا فِي الْكَفَاءَةِ وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ الإِْسْنَوِيُّ وَابْنُ الْمُقْرِي، قَال الشَّيْخَانِ وَفِي تَعْلِيقِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا، وَإِطْلاَقُ الْجُمْهُورِ يُوَافِقُهُ، قَال الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَوَجَّهَ بِأَنَّ الأَْحْكَامَ تُبْنَى عَلَى الظَّاهِرِ وَلاَ تَتَوَقَّفُ عَلَى التَّحَقُّقِ.
وَأَلْحَقَ الرُّويَانِيُّ بِالْعُيُوبِ الْخَمْسَةِ الْعُيُوبَ الْمُنَفِّرَةَ، كَالْعَمَى وَالْقَطْعِ وَتَشَوُّهِ الصُّورَةِ، وَقَال: هِيَ تَمْنَعُ الْكَفَاءَةَ عِنْدِي، وَبِهِ قَال بَعْضُ الأَْصْحَابِ، وَهَذَا خِلاَفُ الْمَذْهَبِ.
وَاشْتِرَاطُ السَّلاَمَةِ مِنْ هَذِهِ الْعُيُوبِ هُوَ عَلَى عُمُومِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَرْأَةِ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْوَلِيِّ، فَيُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ الْجُنُونُ وَالْجُذَامُوَالْبَرَصُ، لاَ الْجَبُّ وَالْعُنَّةُ.
قَال الزَّرْكَشِيُّ وَالْهَرَوِيُّ: وَالتَّنَقِّي مِنَ الْعُيُوبِ إِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الزَّوْجَيْنِ خَاصَّةً دُونَ آبَائِهِمَا، فَابْنُ الأَْبْرَصِ كُفْءٌ لِمَنْ أَبُوهَا سَلِيمٌ. . . قَال الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: وَالأَْوْجَهُ وَالأَْقْرَبُ أَنَّهُ لَيْسَ كُفْئًا لَهَا لأَِنَّهَا تُعَيَّرُ بِهِ.
وَقَال الْقَاضِي: يُؤَثِّرُ فِي الزَّوْجِ كُل مَا يَكْسِرُ سُورَةَ التَّوَقَانِ (58) .
وَقَال الْمَقْدِسِيُّ وَالرَّحِيبَانِيُّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: وَيَتَّجِهُ أَنَّهُ مِمَّا يَنْبَغِي اشْتِرَاطُهُ فِي الْكَفَاءَةِ فَقْدُ الْعُيُوبِ الْمُثْبِتَةِ لِخِيَارِ الْفَسْخِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ أَصْحَابُنَا، لَكِنْ عِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ وَأَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّهُ شَرْطٌ، قَال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَقَدْ أَوْمَأَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ: أَنَّهَا لاَ تُزَوَّجُ بِمَعِيبٍ وَإِنْ أَرَادَتْ، فَعَلَى هَذَا السَّلاَمَةُ مِنَ الْعُيُوبِ مِنْ جُمْلَةِ خِصَال الْكَفَاءَةِ (59) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ وَأَكْثَرُ الْحَنَابِلَةِ: لاَ تُعْتَبَرُ فِي الْكَفَاءَةِ السَّلاَمَةُ مِنَ الْعُيُوبِ (60) ، لَكِنَّ ابْنَ عَابِدِينَ نَقَل عَنِ الْفَتَاوَى الْحَامِدِيَّةِ، أَنَّ غَيْرَ الأَْبِ وَالْجَدِّ مِنَ الأَْوْلِيَاءِ لَوْ زَوَّجَ الصَّغِيرَةَ مِنْ عِنِّينٍ مَعْرُوفٍ لَمْ يَجُزْ؛ لأَِنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْجِمَاعِ شَرْطُ الْكَفَاءَةِ كَالْقُدْرَةِ عَلَى الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ، بَل أَوْلَى، وَنَقَل عَنْ الْبَحْرِ أَنَّ الْكَبِيرَةَ لَوْ زَوَّجَهَا الْوَكِيل غَنِيًّا مَجْبُوبًا جَازَ، وَإِنْ كَانَ لَهَا التَّفْرِيقُ بَعْدُ (61) .
تَقَابُل خِصَال الْكَفَاءَةِ:
13 - نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ بَعْضَ خِصَال الْكَفَاءَةِ لاَ يُقَابَل بِبَعْضٍ فِي الأَْصَحِّ، فَلاَ تُجْبَرُ نَقِيصَةٌ بِفَضِيلَةٍ، أَيْ لاَ تُزَوَّجُ عَفِيفَةٌ رَقِيقَةٌ بِفَاسِقٍ حُرٍّ، وَلاَ سَلِيمَةٌ مِنَ الْعُيُوبِ دَنِيئَةٌ بِمَعِيبٍ نَسِيبٍ. . لِمَا بِالزَّوْجِ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ مِنَ النَّقْصِ الْمَانِعِ مِنَ الْكَفَاءَةِ، وَلاَ يَنْجَبِرُ بِمَا فِيهِ مِنَ الْفَضِيلَةِ الزَّائِدَةِ عَلَيْهَا.
وَمُقَابِل الأَْصَحِّ عِنْدَهُمْ أَنَّ دَنَاءَةَ نَسَبِ الزَّوْجِ تَنْجَبِرُ بِعِفَّتِهِ الظَّاهِرَةِ، وَأَنَّ الأَْمَةَ الْعَرَبِيَّةَ يُقَابِلُهَا الْحُرُّ الْعَجَمِيُّ.
وَفَصَّل الإِْمَامُ فَقَال: السَّلاَمَةُ مِنَ الْعُيُوبِ لاَ تُقَابَل بِسَائِرِ فَضَائِل الزَّوْجِ، وَكَذَا الْحُرِّيَّةُ، وَكَذَا النَّسَبُ، وَفِي انْجِبَارِ دَنَاءَةِ نَسَبِهِ بِعِفَّتِهِ الظَّاهِرَةِ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا الْمَنْعُ، قَال: وَالتَّنَقِّي مِنَ الْحِرَفِ الدَّنِيَّةِ يُقَابِلُهُ الصَّلاَحُ وِفَاقًا، وَالصَّلاَحُ إِنِ اعْتَبَرْنَاهُ يُقَابَل بِكُل خَصْلَةٍ، وَالأَْمَةُ الْعَرَبِيَّةُ بِالْحُرِّ الْعَجَمِيِّ عَلَى هَذَا الْخِلاَفِ (62) .
وَذَكَرَ ابْنُ عَابِدِينَ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ الزَّوْجُ ذَا جَاهٍ كَالسُّلْطَانِ وَالْعَالِمِ وَلَمْ يَمْلِكْ إِلاَّ النَّفَقَةَ، قِيل: يَكُونُ كُفْئًا لأَِنَّ الْخَلَل يَنْجَبِرُ بِهِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا: الْفَقِيهُ الْعَجَمِيُّ كُفْءٌ لِلْعَرَبِيِّ الْجَاهِل، وَقَال: وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ شَرَفَ النَّسَبِ أَوِ الْعِلْمِ يَجْبُرُ نَقْصَ الْحِرْفَةِ، بَل يَفُوقُ سَائِرَ الْحَرْفِ (63) .
تَخَلُّفُ مَا لَمْ يُنَصَّ عَلَيْهِ فِي خِصَال الْكَفَاءَةِ:
14 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الصِّفَاتِ الَّتِي لاَ تُعْتَبَرُ فِي خِصَال الْكَفَاءَةِ الَّتِي سَبَقَ بَيَانُهَا لاَ تُؤَثِّرُ فِي الْكَفَاءَةِ، كَالْكَرَمِ وَعَكْسِهِ، وَاخْتِلاَفِ الْبَلَدِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، قَالُوا: لأَِنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ (64) ، وَقَدْ خَالَفَ بَعْضُهُمْ فِي اعْتِبَارِ ذَلِكَ كَمَا يَلِي:
أ - كَفَاءَةُ الدَّمِيمِ لِلْجَمِيلَةِ:
15 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْجَمَال لَيْسَ مِنَ الْخِصَال الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْكَفَاءَةِ لِلنِّكَاحِ، لَكِنَّ الرُّويَانِيَّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ اعْتَبَرَهُ مِنْ تِلْكَ الْخِصَال، وَمَعَ مُوَافَقَةِ الْحَنَفِيَّةِ لِجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: لَكِنَّ النَّصِيحَةَ أَنْ يُرَاعِيَ الأَْوْلِيَاءُ الْمُجَانَسَةَ فِي الْحُسْنِ وَالْجَمَال (65) .
ب - كَفَاءَةُ وَلَدِ الزِّنَا لِذَاتِ النَّسَبِ:
16 - نَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُمْ فِيهَا فَنَقَل الْبُهُوتِيُّ أَنَّهُ قَدْ قِيل إِنَّهُ كُفْءٌ لِذَاتِ نَسَبٍ، وَقَال ابْنُ قُدَامَةَ: يُحْتَمَل أَلاَّ يَكُونَ كُفْئًا لِذَاتِ نَسَبٍ، وَنَقَل الْبُهُوتِيُّ وَابْنُ قُدَامَةَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ ذُكِرَ لَهُ أَنَّ وَلَدَ الزِّنَا يَنْكِحُ وَيُنْكَحُ إِلَيْهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يُحِبَّ ذَلِكَ؛ لأَِنَّ الْمَرْأَةَ تُعَيَّرُ بِهِ هِيَ وَوَلِيُّهَا، وَيَتَعَدَّى ذَلِكَ إِلَى وَلَدِهَا، وَأَمَّا كَوْنُهُ لَيْسَ بِكُفْءٍ لِعَرَبِيَّةٍ فَلاَ إِشْكَال فِيهِ، لأَِنَّهُ أَدْنَى حَالاً مِنَ الْمَوَالِي (66) .
ج - كَفَاءَةُ الْجَاهِل لِلْعَالِمَةِ:
17 - ذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ، وَاخْتَلَفُوا فِيهَا، فَصُحِّحَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ كَوْنُ الرَّجُل الْجَاهِل كُفْئًا لِلْعَالِمَةِ، وَرَجَّحَ الرُّويَانِيُّ أَنَّهُ غَيْرُ كُفْءٍ لَهَا، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُمْ يَعْتَبِرُونَ الْعِلْمَ فِي الأَْبِ، فَاعْتِبَارُهُ فِي الْمَرْأَةِ نَفْسِهَا أَوْلَى، قَال الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ بَعْدَ أَنْ نَقَل مَا سَبَقَ: وَهَذَا مُتَعَيَّنٌ (67) .
د - كَفَاءَةُ الْقَصِيرِ لِغَيْرِ الْقَصِيرَةِ:
18 - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الطُّول أَوِ الْقِصَرَ لاَ يُعْتَبَرُ أَيٌّ مِنْهُمَا فِي الْكَفَاءَةِ لِلنِّكَاحِ؛ لأَِنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَهُوَ فَتْحٌ لِبَابٍ وَاسِعٍ، وَقَال الأَْذْرَعِيُّ: فِيمَا إِذَا أَفْرَطَ الْقِصَرُ فِي الرَّجُل نُظِرَ، وَيَنْبَغِي أَلاَّ يَجُوزَ لِلأَْبِ تَزْوِيجُ ابْنَتِهِ بِمَنْ هُوَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ مِمَّنْ تَتَعَيَّرُ بِهِ الْمَرْأَةُ. (68)
هـ - كَفَاءَةُ الشَّيْخِ لِلشَّابَّةِ:
19 - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الشَّيْخَ كُفْءٌ لِلشَّابَّةِ، لَكِنَّ الرُّويَانِيَّ ذَكَرَ أَنَّ الشَّيْخَ لاَ يَكُونُ كُفْئًا لِلشَّابَّةِ عَلَى الأَْصَحِّ، قَال النَّوَوِيُّ: الصَّحِيحُ خِلاَفُ مَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ، وَقَال الرَّمْلِيُّ: هُوَ ضَعِيفٌ لَكِنْ يَنْبَغِي مُرَاعَاتُهُ (69) .
و كَفَاءَةُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ لِلرَّشِيدَةِ:
20 - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ كُفْءٌ لِلرَّشِيدَةِ، وَقَال الزَّرْكَشِيُّ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لأَِنَّهَا تَتَعَيَّرُ غَالِبًا بِالْحَجْرِ عَلَى الزَّوْجِ، وَقَال الأَْنْصَارِيُّ: الأَْوْجَهُ أَنَّهُ غَيْرُ كُفْءٍ (70) .
مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى تَخَلُّفِ الْكَفَاءَةِ:
21 - إِذَا تَخَلَّفَتِ الْكَفَاءَةُ عِنْدَ مَنْ يَشْتَرِطُونَهَا لِصِحَّةِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ يَكُونُ بَاطِلاً أَوْ فَاسِدًا، أَمَّا مَنْ لاَ يَعْتَبِرُونَهَا لِصِحَّةِ النِّكَاحِ، وَيَرَوْنَهَا حَقًّا لِلْمَرْأَةِ وَالأَْوْلِيَاءِ فَإِنَّ تَخَلُّفَ الْكَفَاءَةِ لاَ يُبْطِل النِّكَاحَ عِنْدَهُمْ فِي الْجُمْلَةِ، بَل يَجْعَلُهُ عُرْضَةً لِلْفَسْخِ.
وَلِلْفُقَهَاءِ وَرَاءَ ذَلِكَ تَفْصِيلٌ:
قَال الْحَنَفِيَّةُ - عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ - إِذَا تَزَوَّجَتِ الْمَرْأَةُ غَيْرَ كُفْءٍ فَلِلْوَلِيِّ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا دَفْعًا لِلْعَارِ مَا لَمْ يَجِئْ مِنْهُ دَلاَلَةُ الرِّضَا، وَالتَّفْرِيقُ إِلَى الْقَاضِي؛ لأَِنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ، وَكُلٌّ مِنَ الْخَصْمَيْنِ يَتَشَبَّثُ بِدَلِيلٍ، فَلاَ يَنْقَطِعُ النِّزَاعُ إِلاَّ بِفَصْل الْقَاضِي، وَمَا لَمْ يُفَرِّقْ فَأَحْكَامُ النِّكَاحِ ثَابِتَةٌ، يَتَوَارَثَانِ بِهِ إِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْل الْقَضَاءِ، وَلاَ يَكُونُ الْفَسْخُ طَلاَقًا؛ لأَِنَّ الطَّلاَقَ تَصَرُّفٌ فِي النِّكَاحِ وَهَذَا فَسْخٌ لأَِصْل النِّكَاحِ؛ وَلأَِنَّ الْفَسْخَ إِنَّمَا يَكُونُ طَلاَقًا إِذَا فَعَلَهُ الْقَاضِي نِيَابَةً عَنِ الزَّوْجِ، وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ، وَلِهَذَا لاَ يَجِبُ لَهَا شَيْءٌ مِنَ الْمَهْرِ إِنْ كَانَ قَبْل الدُّخُول، وَإِنْ دَخَل بِهَا فَلَهَا الْمُسَمَّى، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَهَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ لِلدُّخُول فِي عَقْدٍ صَحِيحٍ، وَالْخَلْوَةُ الصَّحِيحَةُ عِنْدَهُمْ فِي هَذَا كَالدُّخُول.
وَقَالُوا: إِنْ قَبَضَ الْوَلِيُّ الْمَهْرَ أَوْ جَهَّزَ بِهِ أَوْ طَالَبَ بِالنَّفَقَةِ فَقَدْ رَضِيَ؛ لأَِنَّ ذَلِكَ تَقْرِيرٌ لِلنِّكَاحِ وَأَنَّهُ يَكُونُ رِضًا، كَمَا إِذَا زَوَّجَهَا فَمَكَّنَتِ الزَّوْجَ مِنْ نَفْسِهَا، وَإِنْ سَكَتَ لاَ يَكُونُ قَدْ رَضِيَ وَإِنْ طَالَتِ الْمُدَّةُ، مَا لَمْ تَلِدْ، فَلَيْسَ لَهُ حِينَئِذٍ التَّفْرِيقُ؛ لأَِنَّ السُّكُوتَ عَنِ الْحَقِّ الْمُتَأَكِّدِ لاَ يُبْطِلُهُ، لاِحْتِمَال تَأَخُّرِهِ إِلَى وَقْتٍيَخْتَارُ فِيهِ الْخُصُومَةَ، وَعَنْ شَيْخِ الإِْسْلاَمِ أَنَّ لَهُ التَّفْرِيقَ بَعْدَ الْوِلاَدَةِ أَيْضًا.
وَإِنْ رَضِيَ أَحَدُ الأَْوْلِيَاءِ فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ مِمَّنْ هُوَ فِي دَرَجَتِهِ أَوْ أَسْفَل مِنْهُ الاِعْتِرَاضُ، لأَِنَّ حَقَّ الأَْوْلِيَاءِ لاَ يَتَجَزَّأُ، وَهُوَ دَفْعُ الْعَارِ، فَجُعِل كُل وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَالْمُنْفَرِدِ؛ لأَِنَّهُ صَحَّ الإِْسْقَاطُ فِي حَقِّهِ، فَيَسْقُطُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ ضَرُورَةَ عَدَمِ التَّجَزُّؤِ، كَالْعَفْوِ عَنِ الْقِصَاصِ، بِخِلاَفِ مَا إِذَا رَضِيَتْ؛ لأَِنَّ حَقَّهَا غَيْرُ حَقِّهِمْ، إِذْ أَنَّ حَقَّهَا صِيَانَةُ نَفْسِهَا عَنْ ذُل الاِسْتِفْرَاشِ، وَحَقَّهُمْ دَفْعُ الْعَارِ، فَسُقُوطُ أَحَدِهِمَا لاَ يَقْتَضِي سُقُوطَ الآْخَرِ، وَقَال أَبُو يُوسُفَ: لِلْبَاقِينَ حَقُّ الاِعْتِرَاضِ؛ لأَِنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ لِجَمَاعَتِهِمْ، فَإِذَا رَضِيَ أَحَدُهُمْ فَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ وَبَقِيَ حَقُّ الآْخَرِينَ، وَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ الْمُعْتَرِضُ أَقْرَبَ مِنَ الْوَلِيِّ الَّذِي رَضِيَ فَلَهُ حَقُّ الاِعْتِرَاضِ.
وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - وَرِوَايَتُهُ هِيَ الْمُخْتَارَةُ لِلْفَتْوَى عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ - أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ كُفْءٍ لَمْ يَجُزْ وَلاَ يَصِحُّ الْعَقْدُ أَصْلاً، قَال السَّرَخْسِيُّ: وَهُوَ أَحْوَطُ، فَلَيْسَ كُل وَلِيٍّ يُحْسِنُ الْمُرَافَعَةَ إِلَى الْقَاضِي، وَلاَ كُل قَاضٍ يَعْدِل، فَكَانَ الأَْحْوَطُ سَدَّ هَذَا الْبَابِ، وَقَال فِي الْخَانِيَّةِ: هَذَا أَصَحُّ وَأَحْوَطُ.
وَقَدْ نَقَل الْكَمَال بْنُ الْهُمَامِ عَنْ أَبِي اللَّيْثِ: أَنَّ لِلْمَرْأَةِ الَّتِي زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ أَنْتَمْتَنِعَ عَنْ تَمْكِينِهِ مِنْ وَطْئِهَا؛ لأَِنَّ مِنْ حُجَّةِ الْمَرْأَةِ أَنْ تَقُول: إِنَّمَا تَزَوَّجْتُكَ عَلَى رَجَاءِ أَنْ يُجِيزَ الْوَلِيُّ، وَعَسَى أَنْ لاَ يَرْضَى، فَيُفَرِّقَ (71)
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ - كَمَا حَكَى الْبُنَانِيِّ إِذَا تَزَوَّجَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ فِي الدِّينِ، فَيَتَحَصَّل فِي الْعَقْدِ ثَلاَثَةُ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: لُزُومُ فَسْخِهِ لِفَسَادِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ بَشِيرٍ وَغَيْرِهِمَا.
الثَّانِي: أَنَّهُ نِكَاحٌ صَحِيحٌ، وَشَهَرَهُ الْفَاكِهَانِيُّ.
الثَّالِثُ: لأَِصْبَغَ: إِنْ كَانَ لاَ يُؤْمَنُ عَلَيْهَا مِنْهُ رَدَّهُ الإِْمَامُ وَإِنْ رَضِيَتْ بِهِ. وَقَال الْبُنَانِيُّ: وَظَاهِرُ كَلاَمِ الْحَطَّابِ أَنَّ الْقَوْل الأَْوَّل هُوَ الرَّاجِحُ.
وَنَقَل الْحَطَّابُ عَنِ ابْنِ فَرْحُونَ أَنَّهُ قَال فِي تَبْصِرَتِهِ: مِنَ الطَّلاَقِ الَّذِي يُوقِعُهُ الْحَاكِمُ بِغَيْرِ إِذْنِ الْمَرْأَةِ وَإِنْ كَرِهَتْ إِيقَاعَهُ نِكَاحُهَا الْفَاسِقَ، وَعَقَّبَ الْحَطَّابُ بِقَوْلِهِ: سَوَاءٌ كَانَ فَاسِقًا بِالْجَوَارِحِ أَوْ بِالاِعْتِقَادِ، وَظَاهِرُ كَلاَمِهِمْ أَنَّهُ يُفْسَخُ مُطْلَقًا بَعْدَ الدُّخُول وَقَبْلَهُ، ثُمَّ قَال: وَأَمَّا الْحَال - أَيْ تَخَلُّفُ الْكَفَاءَةِ بِسَبَبِ الْحَال وَلَيْسَ بِسَبَبِ الدِّينِ - فَلاَ إِشْكَال أَنَّ لِلْمَرْأَةِ وَوَلِيِّهَا إِسْقَاطَهُ (72) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ زَوَّجَ الْوَلِيُّ الْمُنْفَرِدُ الْمَرْأَةَ غَيْرَ كُفْءٍ بِرِضَاهَا، أَوْ زَوَّجَهَا بَعْضُ الأَْوْلِيَاءِ الْمُسْتَوِينَ غَيْرَ كُفْءٍ بِرِضَاهَا وَرِضَا الْبَاقِينَ مِمَّنْ فِي دَرَجَتِهِ، صَحَّ التَّزْوِيجُ؛ لأَِنَّ الْكَفَاءَةَ حَقُّهَا وَحَقُّ الأَْوْلِيَاءِ - كَمَا سَبَقَ - فَإِنْ رَضُوا بِإِسْقَاطِهَا فَلاَ اعْتِرَاضَ عَلَيْهِمْ.
وَلَوْ زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ الأَْقْرَبُ غَيْرَ كُفْءٍ بِرِضَاهَا فَلَيْسَ لِلأَْبْعَدِ الاِعْتِرَاضُ؛ إِذْ لاَ حَقَّ لَهُ الآْنَ فِي التَّزْوِيجِ.
وَلَوْ زَوَّجَهَا أَحَدُ الأَْوْلِيَاءِ الْمُسْتَوِينَ فِي الدَّرَجَةِ بِغَيْرِ الْكُفْءِ بِرِضَاهَا دُونَ رِضَاءِ بَاقِي الْمُسْتَوِينَ لَمْ يَصِحَّ التَّزْوِيجُ بِهِ؛ لأَِنَّ لَهُمْ حَقًّا فِي الْكَفَاءَةِ، فَاعْتُبِرَ رِضَاهُمْ - وَيُسْتَثْنَى مَا لَوْ زَوَّجَهَا بِمَنْ بِهِ جَبٌّ أَوْ عُنَّةٌ بِرِضَاهَا، فَإِنَّهُ يَصِحُّ - وَفِي قَوْلٍ: يَصِحُّ وَلَهُمُ الْفَسْخُ؛ لأَِنَّ النُّقْصَانَ يَقْتَضِي الْخِيَارَ لاَ الْبُطْلاَنَ، كَمَا لَوِ اشْتَرَى مَعِيبًا.
وَيَجْرِي الْقَوْلاَنِ فِي تَزْوِيجِ الأَْبِ أَوِ الْجَدِّ بِكْرًا صَغِيرَةً أَوْ بَالِغَةً بِغَيْرِ رِضَاهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ، وَفِي الأَْظْهَرِ: التَّزْوِيجُ بَاطِلٌ؛ لأَِنَّهُ عَلَى خِلاَفِ الْغِبْطَةِ؛ لأَِنَّ وَلِيَّ الْمَال لاَ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ بِغَيْرِ الْغِبْطَةِ، فَوَلِيُّ الْبُضْعِ أَوْلَى، وَفِي الآْخَرِ: يَصِحُّ، وَلِلْبَالِغَةِ الْخِيَارُ فِي الْحَال، وَلِلصَّغِيرَةِ إِذَا بَلَغَتْ، وَيَجْرِي الْخِلاَفُ فِي تَزْوِيجِ غَيْرِ الْمُجْبَرِ إِذَا أَذِنَتْ فِي التَّزْوِيجِ مُطْلَقًا.
وَلَوْ طَلَبَتْ مَنْ لاَ وَلِيَّ خَاصًّا لَهَا أَنْ يُزَوِّجَهَاالسُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ بِغَيْرِ كُفْءٍ فَفَعَل لَمْ يَصِحَّ تَزْوِيجُهُ فِي الأَْصَحِّ؛ لأَِنَّهُ نَائِبُ الْمُسْلِمِينَ وَلَهُمْ حَظٌّ فِي الْكَفَاءَةِ، وَالثَّانِي: يَصِحُّ كَالْوَلِيِّ الْخَاصِّ، وَصَحَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ.
وَلَوْ كَانَ لِلْمَرْأَةِ وَلِيٌّ خَاصٌّ، وَلَكِنْ زَوَّجَهَا السُّلْطَانُ لِغَيْبَتِهِ أَوْ عَضْلِهِ أَوْ إِحْرَامِهِ، فَلاَ تُزَوَّجُ إِلاَّ مِنْ كُفْءٍ قَطْعًا؛ لأَِنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُ فِي التَّصَرُّفِ، فَلاَ يَصِحُّ التَّزْوِيجُ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ مَعَ عَدَمِ إِذْنِهِ.
وَلَوْ كَانَ الْوَلِيُّ حَاضِرًا وَفِيهِ مَانِعٌ مِنْ فِسْقٍ وَنَحْوِهِ وَلَيْسَ بَعْدَهُ إِلاَّ السُّلْطَانُ، فَزَوَّجَ السُّلْطَانُ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ بِرِضَاهَا فَظَاهِرُ إِطْلاَقِهِمْ طَرْدُ الْوَجْهَيْنِ (73) .
ادِّعَاءُ الْمَرْأَةِ كَفَاءَةَ الْخَاطِبِ:
22 - وَإِذَا ادَّعَتِ الْمَرْأَةُ كَفَاءَةَ الْخَاطِبِ وَأَنْكَرَهَا الْوَلِيُّ رُفِعَ الأَْمْرُ إِلَى الْقَاضِي، فَإِنْ ثَبَتَتْ كَفَاءَتُهُ أَلْزَمَهُ تَزْوِيجَهَا، فَإِنِ امْتَنَعَ زَوَّجَهَا الْقَاضِي بِهِ، وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ كَفَاءَتُهُ فَلاَ يُلْزِمُهُ تَزْوِيجَهَا بِهِ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ الْمُقْرِي وَالأَْنْصَارِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ (74) .
تَزْوِيجُ مَنْ لاَ يُوجَدُ لَهَا كُفْءٌ:
23 - نَصَّ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ بِحَيْثُ لاَ يُوجَدُ لَهَا كُفْءٌ أَصْلاً جَازَ لِلْوَلِيِّ تَزْوِيجُهَا - لِلضَّرُورَةِ - بِغَيْرِ الْكُفْءِ (75) . قَال الْحَنَابِلَةُ: إِنْ تَزَوَّجَتِ الْمَرْأَةُ غَيْرَ كُفْءٍ، وَكَانَتِ الْكَفَاءَةُ مَعْدُومَةً حَال الْعَقْدِ، فَرَضِيَتِ الْمَرْأَةُ وَالأَْوْلِيَاءُ كُلُّهُمْ صَحَّ النِّكَاحُ عَلَى الْقَوْل بِأَنَّ الْكَفَاءَةَ لَيْسَتْ شَرْطًا فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بَعْضُهُمْ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ:
إِحْدَاهُمَا: أَنَّهُ بَاطِلٌ؛ لأَِنَّ الْكَفَاءَةَ حَقٌّ لِجَمِيعِهِمْ، وَالْعَاقِدُ مُتَصَرِّفٌ فِيهَا بِغَيْرِ رِضَاهُمْ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَتَصَرُّفِ الْفُضُولِيِّ.
وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهُ صَحِيحٌ، بِدَلِيل أَنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي رُفِعَتْ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِ كُفْئِهَا، خَيَّرَهَا النَّبِيُّ ﷺ وَلَمْ يُبْطِل النِّكَاحَ مِنْ أَصْلِهِ (76) ؛ وَلأَِنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ بِالإِْذْنِ، وَالنَّقْصُ الْمَوْجُودُ فِيهِ لاَ يَمْنَعُ صِحَّتَهُ، وَإِنَّمَا يُثْبِتُ خِيَارَ الْفَسْخِ، وَالْحَقُّ فِي الْخِيَارِ لِمَنْ لَمْ يَرْضَ بِالنِّكَاحِ مِنَ الْمَرْأَةِ وَالأَْوْلِيَاءِ كُلِّهِمْ، حَتَّى مَنْ يَحْدُثُ مِنْ عَصَبَتِهَا بَعْدَ الْعَقْدِ؛ لأَِنَّ الْعَارَ فِي تَزْوِيجِ مَنْ لَيْسَ بِكُفْءٍ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، وَهَذَا الْحَقُّ فِي الْفَسْخِ عَلَى الْفَوْرِ وَعَلَى التَّرَاخِي لأَِنَّهُ خِيَارٌ لِنَقْصٍ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَأَشْبَهَ خِيَارَ الْعَيْبِ، فَلاَ يَسْقُطُ الْخِيَارُ إِلاَّ بِإِسْقَاطِ الْعَصَبَةِ الأَْوْلِيَاءِ بِقَوْل مِثْل: أَسْقَطْنَا الْكَفَاءَةَ، أَوْ رَضِينَا بِهِ غَيْرَ كُفْءٍ، وَنَحْوِهِ، وَأَمَّا سُكُوتُهُمْ فَلَيْسَ رِضًا، وَخِيَارُ الزَّوْجَةِ يَسْقُطُ بِمَا يَدُل عَلَى رِضَاهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، كَأَنْ مَكَّنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا عَالِمَةً أَنَّهُ غَيْرُ كُفْءٍ.
وَيَمْلِكُ الْحَقَّ فِي خِيَارِ الْفَسْخِ لِفَقْدِ الْكَفَاءَةِ الأَْبْعَدُ مِنَ الأَْوْلِيَاءِ مَعَ رِضَا الأَْقْرَبِ مِنْهُمْ بِهِ، وَمَعَ رِضَا الزَّوْجَةِ؛ دَفْعًا لِمَا يَلْحَقُهُ مِنَ الْعَارِ، فَلَوْ زَوَّجَ الأَْبُ بِنْتَهُ بِغَيْرِ كُفْءٍ بِرِضَاهَا، فَلِلإِْخْوَةِ الْفَسْخُ؛ لأَِنَّ الْعَارَ فِي تَزْوِيجِ مَنْ لَيْسَ بِكُفْءٍ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ (77) .
تَخَلُّفُ الْكَفَاءَةِ فِيمَنْ رَضِيَ بِهِ الأَْوْلِيَاءُ فِي نِكَاحٍ سَابِقٍ:
24 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْوَلِيَّ لَوْ زَوَّجَ الْمَرْأَةَ بِإِذْنِهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ فَطَلَّقَهَا، ثُمَّ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ ثَانِيًا، كَانَ لِذَلِكَ الْوَلِيِّ التَّفْرِيقُ، وَلاَ يَكُونُ الرِّضَا بِالأَْوَّل رِضًا بِالثَّانِي؛ لأَِنَّ الإِْنْسَانَ لاَ يَبْعُدُ رُجُوعُهُ عَنْ خُلَّةٍ دَنِيئَةٍ، وَكَذَا لَوْ زَوَّجَهَا هُوَ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ فَطَلَّقَهَا فَتَزَوَّجَتْ آخَرَ غَيْرَ كُفْءٍ، وَلَوْ تَزَوَّجَتْهُ ثَانِيًا فِي الْعِدَّةِ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا لَزِمَهُ مَهْرٌ ثَانٍ، وَاسْتَأْنَفَتِ الْعِدَّةَ، وَإِنْ كَانَ قَبْل الدُّخُول فِي الثَّانِي. (78)
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: لَيْسَ لِوَلِيٍّ رَضِيَ بِتَزْوِيجِ وَلِيَّتِهِ غَيْرَ كُفْءٍ وَزَوَّجَهُ إِيَّاهَا، فَطَلَّقَهَا طَلاَقًا بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا، امْتِنَاعٌ مِنْ تَزْوِيجِهَا لَهُ
ثَانِيًا - إِنْ رَضِيَتْ بِهِ - بِلاَ عَيْبٍ حَادِثٍ مُقْتَضٍ لِلاِمْتِنَاعِ، لِسُقُوطِ حَقِّهِ فِي الْكَفَاءَةِ، حَيْثُ رَضِيَ بِهِ أَوَّلاً، فَإِنِ امْتَنَعَ عُدَّ عَاضِلاً، وَلَهُ الاِمْتِنَاعُ بِعَيْبٍ حَادِثٍ (79) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ رَضِيَ الأَْوْلِيَاءُ بِتَزْوِيجِهَا بِغَيْرِ كُفْءٍ، ثُمَّ خَالَعَهَا الزَّوْجُ، ثُمَّ زَوَّجَهَا أَحَدُ الأَْوْلِيَاءِ بِهِ بِرِضَاهَا دُونَ رِضَا الْبَاقِينَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ، كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلاَمِ الرَّوْضَةِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي؛ لِرِضَاهُمْ بِهِ أَوَّلاً، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ صَاحِبُ الأَْنْوَارِ، وَفِي مَعْنَى الْمُخْتَلِعِ: الْفَاسِخُ وَالْمُطَلِّقُ رَجْعِيًّا إِذَا أَعَادَ زَوْجَتَهُ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ، وَالْمُطَلِّقُ قَبْل الدُّخُول (80) .
تَكَلُّمُ الأُْمِّ إِنْ تَخَلَّفَتْ كَفَاءَةُ زَوْجِ ابْنَتِهَا:
25 - نَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى مَسْأَلَةِ تَكَلُّمِ أُمِّ الزَّوْجَةِ فِي رَدِّ تَزْوِيجِ الأَْبِ ابْنَتَهُمَا الْمُوسِرَةَ الْمَرْغُوبَ فِيهَا مِنْ رَجُلٍ فَقِيرٍ، فَفِي الْمُدَوَّنَةِ: أَتَتِ امْرَأَةٌ مُطَلَّقَةٌ إِلَى مَالِكٍ فَقَالَتْ لَهُ: إِنَّ لِي ابْنَةً فِي حِجْرِي مُوسِرَةً مَرْغُوبًا فِيهَا، فَأَرَادَ أَبُوهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنَ ابْنِ أَخٍ لَهُ فَقِيرٍ، وَفِي الْمُهِمَّاتِ: مُعْدَمٌ لاَ مَال لَهُ، أَفَتَرَى لِي فِي ذَلِكَ تَكَلُّمًا؟ قَال: نَعَمْ، إِنِّي لأََرَى لَكَ تَكَلُّمًا، وَرُوِيَتْ الْمُدَوَّنَةُ أَيْضًا بِالنَّفْيِ، أَيْ نَعَمْ، لاَ أَرَى لَكَ تَكَلُّمًا.
قَال ابْنُ الْقَاسِمِ: لاَ أَرَى لَهَا تَكَلُّمًا، وَأَرَاهُ مَاضِيًا، إِلاَّ لِضَرَرٍ بَيِّنٍ فَلَهَا التَّكَلُّمُ.
قَال خَلِيلٌ وَالأَْبِيُّ وَغَيْرُهُمَا: هَل قَوْل ابْنِ الْقَاسِمِ وِفَاقٌ لِقَوْل مَالِكٍ بِحَمْل رِوَايَةِ الإِْثْبَاتِ عَلَى ثُبُوتِ الضَّرَرِ، وَرِوَايَةِ النَّفْيِ عَلَى عَدَمِهِ، أَوْ خِلاَفٌ بِحَمْل كَلاَمِ مَالِكٍ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَهُوَ إِطْلاَقُ الْكَلاَمِ عَلَى رِوَايَةِ الإِْثْبَاتِ، وَإِطْلاَقُ عَدَمِهِ عَلَى رِوَايَةِ النَّفْيِ؟ فِيهِ تَأْوِيلاَنِ: التَّوْفِيقُ لأَِبِي عِمْرَانَ وَابْنِ مُحْرِزٍ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَالْخِلاَفُ لاِبْنِ حَبِيبٍ (81) .
__________
(1) القاموس المحيط، ولسان العرب.
(2) الدر المختار 2 / 317.
(3) التاج والإكليل 3 / 460، وجواهر الإكليل 1 / 288.
(4) مغني المحتاج 3 / 165.
(5) كشاف القناع 5 / 67 - 68.
(6) مغني المحتاج 4 / 16.
(7) المغني 8 / 368.
(8) حديث: " ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين. . . " أخرجه البخاري (6 / 145) ، ومسلم (1 / 135) من حديث أبي موسى، واللفظ للبخاري.
(9) بدائع الصنائع 2 / 320، ورد المحتار 2 / 317، والمغني 6 / 487.
(10) بدائع الصنائع 2 / 320، ورد المحتار 2 / 317.
(11) فتح القدير 2 / 418.
(12) كشاف القناع 5 / 68، ومطالب أولي النهى 5 / 84.
(13) حاشية الدسوقي 2 / 249.
(14) حاشية القليوبي 3 / 233، وحاشية الجمل على شرح المنهج 4 / 164.
(15) حديث: " أنه ﷺ أمر فاطمة بنت قيس أن تنكح أسامة بن زيد " أخرجه مسلم (2 / 1119) .
(16) حديث: " أنه ﷺ زوج زيد بن حارثة ابنة عمته زينب. . . ". أخرجه ابن جرير في تفسيره (22 / 11) .
(17) رد المحتار 2 / 318، وبدائع الصنائع 2 / 317، وفتح القدير 2 / 418، وحاشية الدسوقي 2 / 249، ومغني المحتاج 3 / 164، وروضة الطالبين 7 / 84، وكشاف القناع 5 / 67، والمغني 6 / 480 - 481.
(18) أثر عمر: " لأمنعن خروج ذوات الأحساب. . . " أخرجه عبد الرزاق (6 / 152) ، والبيهقي (7 / 133) . وأثر سلمان: " ثنتان فضلتمونا بها يا معشر العرب. . . " أخرجه البيهقي في سننه (7 / 134) .
(19) رد المحتار 2 / 318، وحاشية الدسوقي 2 / 249، والمغني 6 / 480.
(20) حديث أبي هريرة: " يا بني بياضة. . . ". أخرجه أبو داود (2 / 579 - 580) ، والحاكم (2 / 164) ، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
(21) حديث: " لا فضل لعربي على أعجمي. . . ". أخرجه أحمد (5 / 411) ، وقال الهيثمي في المجمع (3 / 266) : ورجاله رجال الصحيح.
(22) بدائع الصنائع 2 / 317، وفتح القدير 2 / 418.
(23) حاشية الجمل 4 / 163.
(24) الدر المختار، ورد المحتار عليه 2 / 322 - 323.
(25) نهاية المحتاج 6 / 250 - 251.
(26) مطالب أولي النهى 5 / 84، والمغني 6 / 481.
(27) الاختيار 3 / 100، والدر المختار، ورد المحتار عليه 2 / 317، ومواهب الجليل 3 / 460، وروضة الطالبين 7 / 84، وأسنى المطالب 3 / 139، وكشاف القناع 5 / 67.
(28) بدائع الصنائع 2 / 320، والمغني لابن قدامة 6 / 482.
(29) مواهب الجليل 3 / 460.
(30) روضة الطالبين 7 / 81 ونهاية المحتاج 6 / 253 ومغني المحتاج 3 / 166.
(31) مطالب أولي النهى 5 / 85.
(32) أثر عمر. أورده ابن قدامة في المغني (6 / 483) وقال: رواه أبو بكر عبد العزيز بإسناده.
(33) بدائع الصنائع 2 / 319، ونهاية المحتاج 6 / 252، ومطالب أولي النهى 5 / 85، والمغني 6 / 483.
(34) سورة الحجرات الآية (13) .
(35) المدونة الكبرى 3 / 163، وشرح العناية بهامش فتح القدير 2 / 419.
(36) حديث: " لا فضل لعربي على أعجمي. . . ". تقدم في الفقرة (3) .
(37) سورة الحجرات الآية (13) .
(38) حديث: " قريش بعضهم أكفاء لبعض. . . ". أخرجه الحاكم دون ذكر قريش، كذا في نصب الراية للزيلعي (3 / 197) ونقل عن ابن عبد الهادي أنه أعل إسناده بالانقطاع، وقوله: " قريش بعضها لبعض أكفاء " أورده ابن أبي حاتم في علل الحديث (1 / 424) ونقل عن أبيه أنه قال: هذ
(39) حديث: " الأئمة من قريش " أخرجه أحمد (3 / 129) من حديث أنس بن مالك، وقال الهيثمي في المجمع (5 / 192) : رجاله ثقات.
(40) بدائع الصنائع 2 / 319، وفتح القدير وشرح العناية 2 / 420 - 421.
(41) حديث: " قدموا قريشًا ولا تقدموها ". أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (10 / 25) وقال: رواه الطبراني، وفيه أبو معشر، وحديثه حسن، وبقية رجاله رجال الصحيح.
(42) حديث: " إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل. . . ". أخرجه مسلم (4 / 1782) من حديث واثلة بن الأسقع.
(43) حديث: " إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد " أخرجه البخاري (فتح الباري 7 / 484) من حديث جبير بن مطعم.
(44) حديث: " لو كان الدين عند الثريا. . . " أخرجه مسلم (4 / 1972) من حديث أبي هريرة.
(45) مغني المحتاج 3 / 166، ونهاية المحتاج 6 / 252، والجمل 4 / 166.
(46) المغني 4 / 166.
(47) جواهر الإكليل 6 / 483.
(48) حديث عائشة: " أن بريرة أعتقت فخيرها رسول الله ﷺ. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 9 / 138) ، ومسلم (3 / 1143) .
(49) بدائع الصنائع 2 / 319، والمبسوط 5 / 24 - 25، ونهاية المحتاج 6 / 251، ومغني المحتاج 3 / 165، والمغني 6 / 484، ومطالب أولي النهى 5 / 85.
(50) جواهر الإكليل 1 / 288، والتاج والإكليل بهامش مواهب الجليل 3 / 461 - 462، وحاشية الدسوقي 2 / 250.
(51) نهاية المحتاج 6 / 353، ومغني المحتاج 3 / 166.
(52) حديث: " العرب بعضهم أكفاء لبعض. . . " تقدم تخريجه ف (8) .
(53) بدائع الصنائع 2 / 320، والاختيار 3 / 99، وفتح القدير 2 / 424، ونهاية المحتاج 6 / 353، ومغني المحتاج 3 / 166، والمغني 6 / 485، ومطالب أولي النهى 5 / 186.
(54) حاشية القليوبي 3 / 236، ونهاية المحتاج 6 / 254.
(55) جواهر الإكليل 1 / 288.
(56) بدائع الصنائع 2 / 319 - 320، والهداية وشروحها فتح القدير، والعناية 2 / 423، وحاشية القليوبي 3 / 236، وروضة الطالبين 7 / 82، ومطالب أولي النهى 5 / 86، والمغني 6 / 484.
(57) مواهب الجليل 3 / 460، والشرح الكبير 2 / 249.
(58) شرح المنهاج، وحاشية القليوبي 3 / 234، ومغني المحتاج 3 / 165، ونهاية المحتاج 6 / 251.
(59) مطالب أولي النهى 5 / 86.
(60) رد المحتار 2 / 324، والمغني 6 / 485.
(61) رد المحتار 2 / 324. وترى اللجنة أن عامة الصفات المعتبرة في الكفاءة بحسب ما تقدم لدى الفقهاء مناط اعتبارها العرف، وقد عبر الفقهاء بما تقدم انطلاقًا من عرفهم، فإذا تغير العرف تغيرت صفات الكفاءة.
(62) شرح المنهاج للمحلي 3 / 236، ومغني المحتاج 3 / 168، وروضة الطالبين 7 / 83.
(63) رد المحتار 2 / 321 - 322.
(64) الدر المختار ورد المحتار 2 / 324، ومغني المحتاج 3 / 167، ومطالب أولي النهى 5 / 136.
(65) رد المحتار 2 / 324، ومغني المحتاج 3 / 167.
(66) كشاف القناع 5 / 68، والمغني 6 / 486.
(67) مغني المحتاج 3 / 167.
(68) مغني المحتاج 3 / 167، وروضة الطالبين 7 / 83.
(69) نهاية المحتاج 6 / 251.
(70) أسنى المطالب 3 / 138.
(71) الاختيار 3 / 100، وفتح القدير 2 / 419.
(72) شرح الزرقاني وبهامشه حاشية البناني 3 / 202، ومواهب الجليل 3 / 461، والدسوقي على الشرح الكبير 2 / 249.
(73) مغني المحتاج 3 / 164 - 165.
(74) أسنى المطالب 3 / 140.
(75) أسنى المطالب 3 / 137.
(76) حديث: " أن المرأة رفعت إلى النبي ﷺ أن أباها زوجها. . . " أخرجه النسائي (6 / 87) من حديث عائشة.
(77) المغني 6 / 481، وكشاف القناع 5 / 67، ومطالب أولي النهى 5 / 84.
(78) فتح القدير 2 / 419.
(79) جواهر الإكليل 1 / 288.
(80) مغني المحتاج 3 / 164، وأسنى المطالب 3 / 139.
(81) جواهر الإكليل 1 / 288.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 266/ 34
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".