الرحيم
كلمة (الرحيم) في اللغة صيغة مبالغة من الرحمة على وزن (فعيل) وهي...
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمُدَرِّسُ اسْمُ فَاعِلٍ: مِنْ فِعْل: دَرَّسَ - مُضَعَّفًا - يُقَال: دَرَّسَ يُدَرِّسُ تَدْرِيسًا: إِذَا عَلِمَ، وَالْمُدَرِّسُ: الْمُعَلِّمُ، وَالْكَثِيرُ الدَّرْسِ وَالتِّلاَوَةِ فِي الْكِتَابِ، وَيُقَال: دَرَسْتُ الْعِلْمَ: قَرَأْتُهُ، وَدَرَسْتُ الْكِتَابَ دَرْسًا أَيْ ذَلَّلْتُهُ بِكَثْرَةِ الْقِرَاءَةِ حَتَّى خَفَّ حِفْظُهُ عَلَيَّ.
وَدَرَسَتِ الرِّيحُ الأَْثَرَ وَالرَّسْمَ: مَحَتْهُ، وَيُقَال: دَرَسَ الشَّيْءُ وَالرَّسْمُ: عَفَا وَانْمَحَى، وَيُقَال: دَرَسَ النَّاقَةَ: رَاضَهَا حَتَّى انْقَادَتْ وَسَهُل قَوْدُهَا.
وَمِنْهُ تَسْمِيَةُ التَّعْلِيمِ تَدْرِيسًا وَالْمُعَلِّمُ مُدَرِّسًا، كَأَنَّ الْكِتَابَ يُعَانِدُ الطَّالِبَ فَيُذَلِّل لَهُ الْمُعَلِّمُ حَتَّى يَسْهُل حِفْظُهُ، كَأَنَّهُ رَاضَهُ (1) .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ. الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الْمُعِيدُ:
2 - الْمُعِيدُ: هُوَ الَّذِي يُعِيدُ لِلطَّلِبَةِ الدَّرْسَ الَّذِي قَرَءُوهُ عَلَى الْمُدَرِّسِ لِيَسْتَوْضِحُوهُ أَوْ يَتَفَهَّمُوا مَا أَشْكَل.
وَالصِّلَةُ بَيْنَهُمَا هِيَ أَنَّ الْمُعِيدَ عَلَيْهِ قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى سَمَاعِ الدَّرْسِ مِنْ تَفْهِيمِ الطَّلِبَةِ وَنَفْعِهِمْ وَعَمَل مَا يَقْتَضِيهِ لَفْظُ الإِْعَادَةِ (2) .
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمُدَرِّسِ:
وَظِيفَةُ الْمُدَرِّسِ:
3 - وَظِيفَةُ الْمُدَرِّسِ وَهِيَ التَّعْلِيمُ، مِنْ آكَدِ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ وَأَعْظَمِ الْعِبَادَاتِ، وَأُمُورِ الدِّينِ.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي (مُصْطَلِحِ: تَعَلُّمٌ وَتَعْلِيمٌ ف 5 وَمَا بَعْدَهَا) .
اسْتِحْقَاقُ الْمُدَرِّسِ غَلَّةَ الْوَقْفِ:
4 - قَال الْحَنَابِلَةُ: إِذَا وَقَفَ وَاقِفٌ شَيْئًا عَلَى الْمُشْتَغِلِينَ بِالْعِلْمِ اسْتَحَقَّ مَنِ اشْتَغَل بِهِ فَإِنْ تَرَكَ الاِشْتِغَال زَال اسْتِحْقَاقُهُ؛ فَإِنْ عَادَ إِلَى الاِشْتِغَال عَادَ اسْتِحْقَاقُهُ؛ لأَِنَّ الْحُكْمَ يَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ وُجُودًا وَعَدَمًا، وَإِنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ فِي الصَّرْفِ نَصَّبَ النَّاظِرَ لِلْمُسْتَحِقِّ كَالْمُدَرِّسِ وَالْمُعِيدِ وَالْمُتَفَقِّهَةِ أَيِ الطَّلِبَةِ بِالْمَدْرَسَةِ مَثَلاً فَلاَ إِشْكَال فِي تَوَقُّفِ الاِسْتِحْقَاقِ عَلَى نَصْبِ النَّاظِرِ لِلْمُدَرِّسِ وَنَحْوِهِ عَمَلاً بِالشَّرْطِ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطِ الْوَاقِفُ نَصْبَ النَّاظِرِ لِلْمُسْتَحِقِّ بَل قَال: وَيَصْرِفُ النَّاظِرُ إِلَى مُدَرِّسٍ أَوْ مُعِيدٍ أَوْ مُتَفَقِّهَةٍ بِالْمُدْرَسَةِ لَمْ يَتَوَقَّفِ الاِسْتِحْقَاقُ عَلَى نَصْبِ النَّاظِرِ وَلاَ الإِْمَامِ، بَل لَوِ انْتَصَبَ مُدَرِّسٌ أَوْ مُعِيدٌ بِالْمَدْرَسَةِ وَأَذْعَنَ لَهُ الطَّلِبَةُ بِالاِسْتِفَادَةِ وَتَأَهَّل لِذَلِكَ اسْتَحَقَّ وَلَمْ يَجُزْ مُنَازَعَتُهُ لِوُجُودِ الْوَصْفِ الْمَشْرُوطِ أَيِ التَّدْرِيسِ وَالإِْعَادَةِ، وَكَذَا لَوْ قَامَ طَالِبٌ بِالْمَدْرَسَةِ مُتَفَقِّهًا - وَلَوْ لَمْ يَنْصِبْهُ نَاصِبٌ - اسْتَحَقَّ لِوُجُودِ التَّفَقُّهِ (3) .
وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ الْمُدَرِّسَ فِي الْمَدْرَسَةِ مِنَ الشَّعَائِرِ كَالإِْمَامِ فِي الْمَسْجِدِ، وَالشَّعَائِرُ عِنْدَهُمْ (هِيَ: مَا لاَ تَنْتَظِمُ مَصْلَحَةَ الْوَقْفِ بِدُونِهِ) كَعَمَارَةِ الْوَقْفِ، وَالإِْمَامُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْمُدَرِّسُ فِي الْمَدْرَسَةِ، فَيُقَدَّمُ فِي صَرْفِ الْغَلَّةِ عَمَارَةُ الْوَقْفِ، ثُمَّ مَا هُوَ أَقْرَبُ إِلَى الْعَمَارَةِ وَأَعَمُّ لِلْمَصْلَحَةِ كَالإِْمَامِ فِي الْمَسْجِدِ وَالْمُدَرِّسِ فِي الْمَدْرَسَةِ، فَيُصْرَفُ إِلَيْهِمَا بِقَدْرِ كِفَايَتِهِمْ.
وَقَال صَاحِبُ الْبَحْرِ الرَّائِقِ: وَظَاهِرُهُ تَقْدِيمُ الإِْمَامِ وَالْمُدَرِّسِ عَلَى جَمِيعِ الْمُسْتَحِقِّينَ بِلاَ شَرْطٍ، وَالتَّسْوِيَةُ بِالْعَمَارَةِ يَقْتَضِي تَقْدِيمَهُمَا عِنْدَ شَرْطِ الْوَاقِفِ: أَنَّهُ إِذَا ضَاقَ رِيعُ الْوَقْفِ قُسِمَ عَلَيْهِمُ الرِّيعُ بِالْحِصَّةِ، وَإِنَّ هَذَا الشَّرْطَ لاَ يُعْتَبَرُ.
وَتَقْدِيمُ الْمُدَرِّسِ عَلَى سَائِرِ الْمُسْتَحِقِّينَ إِنَّمَا يَكُونُ بِشَرْطِ مُلاَزَمَتِهِ لِلْمَدْرَسَةِ لِلتَّدْرِيسِ الأَْيَّامَ الْمَشْرُوطَةَ فِي كُل أُسْبُوعٍ، لِهَذَا قَال: لِلْمَدْرَسَةِ، لأَِنَّهُ إِذَا غَابَ الْمُدَرِّسُ تَعَطَّلَتِ الْمَدْرَسَةُ مِنَ الشَّعَائِرِ، بِخِلاَفِ مُدَرِّسِ الْمَسْجِدِ فَإِنَّ الْمَسْجِدَ لاَ يَتَعَطَّل بِغَيْبَةِ الْمُدَرِّسِ (4) .
تَدْرِيسُ الْمُدَرِّسِ فِي مَدْرَسَتَيْنِ:
5 - إِذَا كَانَ الْمُدَرِّسُ يُدَرِّسُ بَعْضَ النَّهَارِ فِي مَدْرَسَةٍ وَبَعْضَ النَّهَارِ فِي أُخْرَى، وَلاَ يَعْلَمُ شَرْطَ الْوَاقِفِ يَسْتَحِقُّ الْمُدَرِّسُ فِي الْمَدْرَسَتَيْنِ عَطَاءَهُ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ.
أَمَّا إِذَا كَانَ يُدَرِّسُ فِي بَعْضِ الأَْيَّامِ فِي هَذِهِ الْمَدْرَسَةِ وَبَعْضِهَا فِي أُخْرَى لاَ يَسْتَحِقُّ غَلَّتَيْهِمَا بِتَمَامِهَا، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِقَدْرِ عَمَلِهِ فِي كُل مَدْرَسَةٍ (5) .
اسْتِحْقَاقُ الْمُدَرِّسِ مَا رُتِّبَ لَهُ يَوْمَ الْبَطَالَةِ:
6 - قَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّهُ يَنْبَغِي إِلْحَاقُ الْمُدَرِّسِ بِالْقَاضِي فِي أَخْذِ مَا رُتِّبَ لَهُ يَوْمَ بَطَالَتِهِ وَاخْتَلَفُوا فِيهَا، وَإِنْ صَحَّ أَنَّهُ يَأْخُذُ لأَِنَّهَا لِلاِسْتِرَاحَةِ، وَفِي الْحَقِيقَةِ تَكُونُ لِلْمُطَالَعَةِ وَالتَّحْرِيرِ، وَفَصَّل الْبِيرِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ الْمَسْأَلَةَ: فَقَال إِنْ كَانَ الْوَاقِفُ قَدْ قَدَّرَ لِلْمُدَرِّسِ كُل يَوْمٍ دَرَّسَ فِيهِ مَبْلَغًا فَلَمْ يُدَرِّسْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالثُّلاَثَاءِ فَلاَ يَحِل لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمَبْلَغَ، وَيُصْرَفُ أَجْرُ هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ إِلَى مَصَارِفِ الْمَدْرَسَةِ مِنَ الْمَرَمَّةِ وَغَيْرِهَا، بِخِلاَفِ مَا إِذَا لَمْ يُقَدِّرْ لِكُل يَوْمٍ مَبْلَغًا فَإِنَّهُ يَحِل لَهُ الأَْخْذُ وَإِنْ لَمْ يُدَرِّسْ فِيهِمَا لِلْعُرْفِ، بِخِلاَفِ غَيْرِهِمَا مِنْ أَيَّامِ الأُْسْبُوعِ حَيْثُ لاَ يَحِل لَهُ أَخْذُ الأَْجْرِ عَنْ يَوْمٍ لَمْ يُدَرِّسْ فِيهِ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ قُدِّرَ لَهُ أَجْرٌ كُل يَوْمٍ أَوْ لاَ (6) .
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: هَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إِذَا قَدَّرَ لِكُل يَوْمٍ دَرَّسَ فِيهِ مَبْلَغًا، أَمَّا لَوْ قَال: يُعْطَى الْمُدَرِّسُ كُل يَوْمٍ كَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْطَى لِيَوْمِ الْبَطَالَةِ الْمُتَعَارَفَةِ.
وَقَال أَبُو اللَّيْثِ: وَمَنْ يَأْخُذُ الأَْجْرَ مِنْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ فِي يَوْمٍ لاَ دَرْسَ فِيهِ أَرْجُو أَنْ يَكُونَ جَائِزًا.
وَفِي الْحَاوِي: إِذَا كَانَ مُشْتَغِلاً بِالْكِتَابَةِ وَالتَّدْرِيسِ (7) .
وَإِنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ عَلَى الْمُدَرِّسِينَ حُضُورَ الدَّرْسِ فِي الْمَدْرَسَةِ أَيَّامًا مَعْلُومَةً فِي كُل أُسْبُوعٍ، فَإِنَّهُ لاَ يَسْتَحِقُّ الْعَطِيَّةَ إِلاَّ مَنْ بَاشَرَ التَّدْرِيسَ، خُصُوصًا إِذَا قَال الْوَاقِفُ: مَنْ غَابَ عَنِ الْمَدْرَسَةِ تُقْطَعُ عَطِيَّتُهُ، وَلاَ يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ صَرْفُهُ إِلَيْهِ أَيَّامَ غَيْبَتِهِ اتِّبَاعًا لِشَرْطِ الْوَاقِفِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ: إِنْ زَادَتْ غَيْبَتُهُ عَنْ مُدَّةٍ حَدَّدَهَا أَخْرَجَهُ النَّاظِرُ وَقَرَّرَ غَيْرَهُ: اتَّبَعَ شَرْطَهُ، فَإِنْ لَمْ يَعْزِلْهُ النَّاظِرُ وَبَاشَرَ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْعَطِيَّةَ (8) وَإِذَا لَمْ يُدَرِّسِ الْمُدَرِّسُ لِعَدَمِ وُجُودِ طَلَبَةٍ فِي الْمَدْرَسَةِ: إِنْ فَرَّغَ نَفْسَهُ لِلتَّدْرِيسِ بِأَنْ يَحْضُرَ الْمَدْرَسَةَ الْمُعَيَّنَةَ لِتَدْرِيسِهِ اسْتَحَقَّ الْعَطِيَّةَ (9) .
شُرُوطُ الْمُدَرِّسِ:
7 - يُشْتَرَطُ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمُدَرِّسِ فِي الْعَطِيَّةِ الشُّرُوطُ التَّالِيَةُ
أ - أَنْ يَكُونَ أَهْلاً لِلتَّدْرِيسِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَالِحًا لِلتَّدْرِيسِ فَلاَ يُعْطَى عَطِيَّةَ الْمُدَرِّسِ، وَلاَ يَحِل لَهُ تَنَاوُلُهَا، وَلاَ يَسْتَحِقُّ الْمُتَفَقِّهُونَ الْمُنْزِلُونَ فِي الْمَدْرَسَةِ الْعَطِيَّةَ؛ لأَِنَّ مَدْرَسَتَهُمْ شَاغِرَةٌ عَنِ الْمُدَرِّسِ، وَلاَ يَجُوزُ لِلسُّلْطَانِ تَنْصِيبُ مُدَرِّسٍ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلتَّدْرِيسِ وَلاَ يَصِحُّ تَنْصِيبُهُ، لأَِنَّ تَصَرُّفَ السُّلْطَانِ مُقَيَّدٌ بِالْمَصْلَحَةِ وَلاَ مَصْلَحَةَ فِي تَنْصِيبِ غَيْرِ الأَْهْل لِلتَّدْرِيسِ.
وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الأَْهْلِيَّةَ بِمَعْرِفَةِ مَنْطُوقِ الْكَلاَمِ وَمَفْهُومِهِ وَبِمَعْرِفَةِ الْمَفَاهِيمِ (10) .
ب - أَنْ تَكُونَ لَهُ سَابِقَةُ اشْتِغَالٍ عَلَى الْمَشَايِخِ بِحَيْثُ صَارَ يَعْرِفُ الاِصْطِلاَحَاتِ، وَيَقْدِرُ عَلَى أَخْذِ الْمَسَائِل مِنَ الْكُتُبِ.
ج - أَنْ تَكُونَ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى أَنْ يَسْأَل وَيُجِيبَ إِذَا سُئِل، وَيَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى سَابِقِ اشْتِغَالٍ بِالنَّحْوِ وَالصَّرْفِ بِحَيْثُ صَارَ يَعْرِفُ الْفَاعِل مِنَ الْمَفْعُول إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَبَادِئِ الْقَوَاعِدِ الْعَرَبِيَّةِ، وَإِذَا قَرَأَ لاَ يَلْحَنُ، وَإِذَا لَحِنَ قَارِئٌ بِحَضْرَتِهِ رَدَّ عَلَيْهِ (11) .
عَزْل الْمُدَرِّسِ:
8 - نَقَل ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الْبَحْرِ: اسْتُفِيدَ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ عَزْل النَّاظِرِ بِلاَ جُنْحَةٍ عَدَمُهَا لِصَاحِبِ وَظِيفَةٍ فِي وَقْفٍ بِغَيْرِ جُنْحَةٍ وَعَدَمِ أَهْلِيَّةٍ، وَاسْتَدَل عَلَى ذَلِكَ بِمَسْأَلَةِ غَيْبَةِ الْمُتَعَلِّمِ مِنْ أَنَّهُ لاَ يُؤْخَذُ حُجْرَتُهُ وَوَظِيفَتُهُ عَلَى حَالِهَا إِذَا كَانَتْ غَيْبَتُهُ لاَ تَزِيدُ عَلَى ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ، فَهَذَا مَعَ الْغَيْبَةِ فَكَيْفَ الْحَضْرَةُ وَالْمُبَاشَرَةُ.
وَقَال ابْنُ نُجَيْمٍ - بَعْدَ ذِكْرِ حُكْمِ عَزْل الْوَاقِفِ النَّاظِرِ -: وَلَمْ أَرَ حُكْمَ عَزْل الْوَاقِفِ لِلْمُدَرِّسِ وَالإِْمَامِ اللَّذَيْنِ وَلاَّهُمَا وَلاَ يُمْكِنُ إِلْحَاقُهُ بِالنَّاظِرِ، لِتَعْلِيلِهِمْ لِصِحَّةِ عَزْلِهِ بِكَوْنِهِ وَكِيلاً عَنْهُ، وَلَيْسَ صَاحِبُ الْوَظِيفَةِ وَكِيلاً عَنِ الْوَاقِفِ، وَلاَ يُمْكِنُ مَنْعُهُ عَنِ الْعَزْل مُطْلَقًا، لِعَدَمِ الاِشْتِرَاطِ فِي أَصْل الإِْيقَافِ، لِكَوْنِهِمْ جَعَلُوا لَهُ نَصْبَ الإِْمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ بِلاَ شَرْطٍ (12) .
وَأَفْتَى السُّبْكِيُّ، وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْل النَّوَوِيِّ كَمَا قَال الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: بِأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْوَاقِفِ وَلِلنَّاظِرِ الَّذِي مِنْ جِهَتِهِ عَزْل الْمُدَرِّسِ وَنَحْوُهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا فِي الْوَقْفِ لِمَصْلَحَةٍ وَلِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ لأَِنَّهُ كَالْوَكِيل الْمَأْذُونِ لَهُ فِي إِسْكَانِ هَذِهِ الدَّارِ لِغَيْرِهِ، فَلَهُ أَنْ يُسْكِنَهَا مَنْ شَاءَ مِنَ الْفُقَرَاءِ، وَإِذَا سَكَنَهَا فَقِيرٌ مُدَّةً فَلَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ وَيُسْكِنَ غَيْرَهُ لِمَصْلَحَةٍ وَلِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ.
وَقَال الْبُلْقِيْنِيُّ: عَزْل النَّاظِرِ مِنْ غَيْرِ مُسَوِّغٍ لاَ يَنْفُذُ وَيَكُونُ قَادِحًا فِي نَظَرِهِ.
وَقَال الزَّرْكَشِيُّ فِي خَادِمِهِ: لاَ يَبْعُدُ أَنْ يَنْفُذَ وَإِنْ كَانَ عَزْلُهُ غَيْرَ جَائِزٍ، وَقَال فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمِنْهَاجِ فِي بَابِ الْقَضَاءِ: لاَ يَنْعَزِل أَصْحَابُ الْوَظَائِفِ الْخَاصَّةِ كَالإِْمَامَةِ وَالإِْقْرَاءِ وَالتَّصَوُّفِ وَالتَّدْرِيسِ وَالطَّلَبِ وَالنَّظَرِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ كَمَا أَفَتَى بِهِ كَثِيرٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمُ ابْنُ رَزِينٍ فَقَال: مَنْ تَوَلَّى تَدْرِيسًا لاَ يَجُوزُ عَزْلُهُ بِمِثْلِهِ وَلاَ بِدُونِهِ وَلاَ يَنْعَزِل بِذَلِكَ.
قَال الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ (13) .
__________
(1) لسان العرب، والمعجم الوسيط.
(2) تحفة المحتاج 6 / 290.
(3) كشاف القناع 4 / 275.
(4) البحر الرائق ومنحة الخالق على هامشه 5 / 230 - 231 - 333، وابن عابدين 3 / 376 وما بعده.
(5) المراجع السابقة.
(6) ابن عابدين 3 / 379 - 380.
(7) ابن عابدين 3 / 380.
(8) البحر الرائق 5 / 246.
(9) ابن عابدين 3 / 379 - 380.
(10) الأشباه لابن نجيم 125، 389.
(11) نفس المراجع السابقة.
(12) ابن عابدين 3 / 386، والأشباه لابن نجيم 196.
(13) مغني المحتاج 2 / 394 - 395.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 291/ 36
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".