العليم
كلمة (عليم) في اللغة صيغة مبالغة من الفعل (عَلِمَ يَعلَمُ) والعلم...
التَّعْرِيفُ
1 - الْمُدْمِنُ فِي اللُّغَةِ: اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَدْمَنَ، يُقَال: أَدْمَنَ الشَّرَابَ وَغَيْرَهُ: أَدَامَهُ وَلَمْ يُقْلِعْ عَنْهُ (1) .
قَال ابْنُ الأَْثِيرِ: مُدْمِنُ الْخَمْرِ هُوَ الَّذِي يُعَاقِرُ شُرْبَهَا وَيُلاَزِمُهُ وَلاَ يَنْفَكُّ عَنْهُ (2) .
وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ لِهَذَا اللَّفْظِ عَنْ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ (3) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الْمُصِرُّ:
2 - الْمُصِرُّ فِي اللُّغَةِ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَصَرَّ عَلَى الأَْمْرِ إِصْرَارًا: ثَبَتَ عَلَيْهِ وَلَزِمَهُ (4) ، وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَل الإِْصْرَارُ فِي الآْثَامِ، يُقَال: أَصَرَّ عَلَى الذَّنْبِ (5) .
وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ لِهَذَا اللَّفْظِ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (6) ، قَال الْقُرْطُبِيُّ: الإِْصْرَارُ هُوَ الْعَزْمُ بِالْقَلْبِ عَلَى الأَْمْرِ وَتَرْكُ الإِْقْلاَعِ عَنْهُ، وَقَال قَتَادَةُ: الإِْصْرَارُ: الثُّبُوتُ عَلَى الْمَعَاصِي (7) .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمُدْمِنِ وَالْمُصِرِّ أَنَّ بَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ.
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمُدْمِنِ:
شَهَادَةُ الْمُدْمِنِ عَلَى الصَّغَائِرِ:
3 - نَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى عَدَمِ قَبُول شَهَادَةِ مَنْ يُدْمِنُ عَلَى صَغِيرَةٍ، وَقَالُوا: إِنَّ مَنْ لَمْ يَرْتَكِبْ كَبِيرَةً وَأَدْمَنَ عَلَى الصَّغِيرَةِ لاَ يُعَدُّ مُجْتَنِبًا الْمَحَارِمَ (8) .
وَعَبَّرَ الْفُقَهَاءُ عَنِ الإِْدْمَانِ هُنَا بِلَفْظِ الإِْصْرَارِ (ر: إِصْرَارٌ ف 1 - 2) .
قَال الْغَزَالِيُّ: آحَادُ هَذِهِ الصَّغَائِرِ الَّتِي لاَ تُرَدُّ الشَّهَادَةُ بِهَا لَوْ وَاظَبَ عَلَيْهَا لأََثَّرَ فِي رَدِّ الشَّهَادَةِ، كَمَنِ اتَّخَذَ الْغِيبَةَ وَثَلْبَ النَّاسِ عَادَةً، وَكَذَلِكَ مُجَالَسَةُ الْفُجَّارِ وَمُصَادَقَتُهُمْ (9) .
شَهَادَةُ مُدْمِنِ الْخَمْرِ:
4 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ لاَ تُقْبَل شَهَادَةُ شَارِبِ الْخَمْرِ وَشَارِبِ كُل مُسْكِرٍ (10)
وَقَيَّدَ الْحَنَفِيَّةُ عَدَمَ قَبُول شَهَادَةِ شَارِبِ الْخَمْرِ بِمَا إِذَا أَرَادَ الإِْدْمَانَ فِي النِّيَّةِ، يَعْنِي يَشْرَبُ وَمِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يَشْرَبَ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا وَجَدَهُ، قَال السَّرَخْسِيُّ: وَيُشْتَرَطُ مَعَ الإِْدْمَانِ أَنْ يُظْهِرَ ذَلِكَ لِلنَّاسِ أَوْ يَخْرُجَ سَكْرَانَ فَيَسْخَرُ مِنْهُ الصِّبْيَانُ، حَتَّى إِنَّ شُرْبَ الْخَمْرِ فِي السِّرِّ لاَ يُسْقِطُ الْعَدَالَةَ (11) ، فَإِنَّ الْمُتَّهَمَ بِشُرْبِ الْخَمْرِ فِي بَيْتِهِ مَقْبُول الشَّهَادَةِ وَإِنْ كَانَ كَبِيرَةً (12) ، وَجَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ نَقْلاً عَنِ الْمُحِيطِ: قَال فِي الأَْصْل: وَلاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ مُدْمِنِ السُّكْرِ وَأَرَادَ بِهِ فِي سَائِرِ الأَْشْرِبَةِ (13) .
ثِيَابُ مُدْمِنِ الْخَمْرِ مِنْ حَيْثُ الطَّهَارَةِ وَالنَّجَاسَةِ:
5 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى الْقَوْل الرَّاجِحِ الْمُخْتَارِ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ ثِيَابَ مُدْمِنِي الْخَمْرِ طَاهِرَةٌ وَلاَ تُكْرَهُ الصَّلاَةُ فِيهَا، لأَِنَّهُ - كَمَا قَال صَاحِبُ الْهِدَايَةِ - لَمْ يُكْرَهْ مِنْ ثِيَابِ أَهْل الذِّمَّةِ إِلاَّ السَّرَاوِيل مَعَ اسْتِحْلاَلِهِمُ الْخَمْرَ فَهَذَا أَوْلَى (14) ، وَقَال فِي الْفَتْحِ: قَال بَعْضُ الْمَشَايِخِ (مَشَايِخِ الْحَنَفِيَّةِ) : تُكْرَهُ الصَّلاَةُ فِي ثِيَابِ الْفَسَقَةِ لأَِنَّهُمْ لاَ يَتَّقُونَ الْخُمُورَ (15) ، وَقَال جَمَاعَاتٌ مِنَ الْخُرَاسَانِيِّينَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: بِنَجَاسَةِ ثِيَابِ مُدْمِنِي الْخَمْرِ وَالْقَصَّابِينَ وَشَبَهِهِمْ مِمَّنْ يُخَالِطُ النَّجَاسَةَ وَلاَ يَتَصَوَّنُ مِنْهَا (16) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: ثِيَابُ شَارِبِ الْخَمْرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لاَ تَجُوزُ الصَّلاَةُ فِيهَا عِنْدَ تَحَقُّقِ النَّجَاسَةِ أَوْ ظَنِّهَا، لاَ إِنْ شَكَّ فِي نَجَاسَتِهَا فَإِنَّهُ تَجُوزُ الصَّلاَةُ فِيهَا تَقْدِيمًا لِلأَْصْل عَلَى الْغَالِبِ (17) .
أَكْل الأَْفْيُونِ لِلْمُدْمِنِ عَلَيْهِ
6 - قَال ابْنُ عَابِدِينَ: سُئِل ابْنُ حَجَرٍ الْمَكِّيُّ عَمَّنِ ابْتُلِيَ بِأَكْل نَحْوِ الأَْفْيُونِ، وَصَارَ إِنْ لَمْ يَأْكُل مِنْهُ هَلَكَ، فَأَجَابَ: إِنْ عُلِمَ ذَلِكَ قَطْعًا حَل لَهُ، بَل وَجَبَ لاِضْطِرَارِهِ إِلَى إِبْقَاءِ رُوحِهِ كَالْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ التَّدْرِيجُ فِي تَنْقِيصِهِ شَيْئًا فَشَيْئًا حَتَّى يَزُول تَوَلُّعُ الْمَعِدَةِ بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَشْعُرَ، فَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ فَهُوَ آثِمٌ فَاسِقٌ، ثُمَّ نَقَل ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ قَوْلَهُ: وَقَوَاعِدُنَا لاَ تُخَالِفُهُ (18) .
__________
(1) المصباح المنير، والمعجم الوسيط.
(2) النهاية لابن الأثير 2 / 135.
(3) الفتاوى الهندية 3 / 466.
(4) المعجم الوسيط، والمصباح المنير.
(5) المعجم الوسيط.
(6) الفروق للقرافي 4 / 67 - 68.
(7) تفسير القرطبي 4 / 211.
(8) كشاف القناع 6 / 419، والتاج والإكليل 6 / 150، ومغني المحتاج 4 / 427، وحاشية ابن عابدين 4 / 377
(9) إحياء علوم الدين 4 / 32 ط. مصطفى الحلبي.
(10) العناية شرح الهداية 6 / 35، والشرح الصغير 4 / 240، مغني المحتاج 4 / 427، وكشاف القناع 6 / 420.
(11) الفتاوى الهندية 3 / 466، وشرح آداب القاضي للخصاف 3 / 34.
(12) العناية شرح الهداية 6 / 35.
(13) الفتاوى الهندية 3 / 466.
(14) المجموع 1 / 206، 264، ومطالب أولي النهى 1 / 58، وحاشية ابن عابدين 1 / 234.
(15) حاشية ابن عابدين 1 / 234.
(16) المجموع 1 / 206، 264.
(17) حاشية الدسوقي 1 / 61 ط دار الفكر.
(18) حاشية ابن عابدين 5 / 297.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 305/ 36