الجواد
كلمة (الجواد) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فَعال) وهو الكريم...
إبطال الشيء، وإسقاطه . ومن أمثلته إلغاء العقد بين المتعاقدين، وإبطاله باتفاقهما
إبطال الشيء، وإسقاطه.
التَّعْرِيفُ:
1 - الإِْلْغَاءُ مَصْدَرُ أَلْغَيْتُ الشَّيْءَ، أَيْ: أَبْطَلْتُهُ، وَمِنْهُ الأَْثَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يُلْغِي طَلاَقَ الْمُكْرَهِ، أَيْ يُبْطِلُهُ (1) .
وَيُعَرِّفُهُ الأُْصُولِيُّونَ بِقَوْلِهِمْ: وُجُودُ الْحُكْمِ بِدُونِ الْوَصْفِ صُورَةً، وَحَاصِلُهُ عَدَمُ تَأْثِيرِ الْوَصْفِ أَيِ الْعِلَّةِ (2) .
وَيَأْتِي الإِْلْغَاءُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ بِمَعْنَى الإِْبْطَال وَالإِْسْقَاطِ وَالْفَسَادِ وَالْفَسْخِ، غَيْرَ أَنَّهُ لاَ بُدَّ فِي تَحَقُّقِ الإِْلْغَاءِ مِنْ قِيَامِ الْحَقِّ أَوِ الْمِلْكِ الَّذِي يُرَادُ إِلْغَاؤُهُ، إِذْ لاَ يَصِحُّ إِلْغَاءُ فِعْلٍ أَوْ شَيْءٍ لَمْ يُوجَدْ (3) .
وَيُطْلِقُهُ الأُْصُولِيُّونَ فِي تَقْسِيمِ الْمَصَالِحِ إِلَى مُعْتَبَرَةٍ، وَمُرْسَلَةٍ، وَمُلْغَاةٍ، وَيَقْصِدُونَ بِهَذِهِ الأَْخِيرَةِ مَا أَبْطَلَهُ الشَّرْعُ، كَإِلْغَاءِ مَا فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَالرِّبَا مِنْ مَصَالِحَ الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الإِْبْطَال:
2 - الإِْبْطَال فِي اللُّغَةِ: إِفْسَادُ الشَّيْءِ وَإِزَالَتُهُ حَقًّا كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ أَوْ بَاطِلاً (4) ، قَال اللَّهُ تَعَالَى: {لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِل الْبَاطِل} . (5)
وَشَرْعًا: الْحُكْمُ عَلَى الشَّيْءِ بِالْبُطْلاَنِ (6) ، وَيَأْتِي عَلَى أَلْسِنَةِ الْفُقَهَاءِ بِمَعْنَى الْفَسْخِ وَالإِْسْقَاطِ وَالنَّقْصِ وَالإِْلْغَاءِ.
وَهُوَ بِهَذَا يَكُونُ بِمَعْنَى الإِْلْغَاءِ، إِلاَّ أَنَّ الإِْبْطَال قَدْ يَقَعُ قَبْل وُجُودِ الشَّيْءِ، وَلاَ يَكُونُ الإِْلْغَاءُ إِلاَّ بَعْدَ وُجُودِ الشَّيْءِ أَوْ فِعْلِهِ.
ب - الإِْسْقَاطُ:
3 - مِنْ مَعَانِي الإِْسْقَاطِ لُغَةً: الإِْزَالَةُ (7) ، وَهُوَ فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ: إِزَالَةُ الْمِلْكِ أَوِ الْحَقِّ لاَ إِلَى مَالِكٍ أَوْ مُسْتَحِقٍّ، كَالطَّلاَقِ فَإِنَّهُ إِزَالَةُ مِلْكِ النِّكَاحِ، وَكَالْعِتْقِ فَإِنَّهُ إِزَالَةُ مِلْكِ الرَّقَبَةِ (8) .
وَعَلَى هَذَا يُوَافِقُ الإِْلْغَاءَ فِي كَوْنِهِ لاَ بُدَّ مِنْ قِيَامِ الْمِلْكِ وَالْحَقِّ الَّذِي يُرَادُ إِسْقَاطُهُ أَوْ إِلْغَاؤُهُ حَتَّى يَتَحَقَّقَ الإِْسْقَاطُ وَالإِْلْغَاءُ، فَيُقَال أَسْقَطَ عَنْهُ الرِّقَّ: أَلْغَاهُ، كَمَا أَنَّهُمَا يَكُونَانِ بِعِوَضٍ وَبِغَيْرِ عِوَضٍ. ج - الْفَسْخُ:
4 - الْفَسْخُ لُغَةً: النَّقْضُ، يُقَال فَسَخَ الشَّيْءَ يَفْسَخُهُ فَسْخًا فَانْفَسَخَ أَيْ: نَقَضَهُ فَانْتَقَضَ، وَتَفَاسَخَتِ الأَْقَاوِيل: تَنَاقَضَتْ، وَيُطْلَقُ اصْطِلاَحًا عَلَى حَل ارْتِبَاطِ الْعَقْدِ وَالتَّصَرُّفِ وَقَلْبِ كُل وَاحِدٍ مِنَ الْعِوَضَيْنِ لِصَاحِبِهِ، وَهُوَ بِهَذَا يَكُونُ فِيهِ مَعْنَى الإِْلْغَاءِ وَالإِْبْطَال (9) . وَقَدْ يُعَبِّرُ الْفُقَهَاءُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْوَاحِدَةِ تَارَةً بِالإِْلْغَاءِ وَالإِْبْطَال، وَتَارَةً بِالْفَسْخِ. غَيْرَ أَنَّ الْفَسْخَ غَالِبًا مَا يَكُونُ فِي الْعُقُودِ، وَيَقِل فِي الْعِبَادَاتِ، وَمِنْهُ: فَسْخُ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ، وَفَسْخُ نِيَّةِ الْفَرْضِ إِلَى النَّفْل، غَيْرَ أَنَّهُ يَكُونُ فِي الْعُقُودِ قَبْل تَمَامِهَا، وَعِنْدَ تَمَامِهَا بِشُرُوطٍ مِثْل خِيَارِ الشَّرْطِ وَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَخِيَارِ الْعَيْبِ وَالإِْقَالَةِ (10) .
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
5 - أَجَازَ الْعُلَمَاءُ إِلْغَاءَ التَّصَرُّفَاتِ وَالْعُقُودِ غَيْرِ اللاَّزِمَةِ مِنْ جَانِبِ الْعَاقِدَيْنِ، أَمَّا فِي الْعُقُودِ اللاَّزِمَةِ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ الإِْلْغَاءُ مِنَ الْجَانِبِ الآْخَرِ غَيْرِ الْمُلْتَزَمِ بِهِ كَالْوَصِيَّةِ.
وَأَمَّا فِي الْعُقُودِ وَالتَّصَرُّفَاتِ الْمُلْزَمَةِ فَلاَ يَرِدُ عَلَيْهَا الإِْلْغَاءُ بَعْدَ نَفَاذِهَا إِلاَّ بِرَضِا الْعَاقِدَيْنِ، كَمَا فِي الإِْقَالَةِ، أَوْ بِوُجُودِ سَبَبٍ مَانِعٍ مِنِ اسْتِمْرَارِ الْعَقْدِ كَظُهُورِ الرَّضَاعِ بَيْنَ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ، وَقَدْ يَكُونُ هُنَا الإِْلْغَاءُ بِمَعْنَى الْفَسْخِ.
الإِْلْغَاءُ فِي الشُّرُوطِ:
6 - تَنْقَسِمُ الشُّرُوطُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الإِْلْغَاءِ إِلَى أَقْسَامٍ:
مِنْهَا شُرُوطٌ يُلْغَى بِهَا الْعَقْدُ مُطْلَقًا، لِمُخَالَفَتِهَا نَصًّا مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ، كَمَا لَوْ أَقْرَضَ وَاشْتَرَطَ رِبًا عَلَى الْقَرْضِ. وَمِنْهَا شُرُوطٌ لاَغِيَةٌ وَلاَ تُبْطِل الْعَقْدَ، كَمَا إِذَا بَاعَ ثَوْبًا عَلَى أَلاَّ يَبِيعَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ لاَ يَهَبَهُ، جَازَ الْبَيْعُ وَيُلْغَى الشَّرْطُ كَمَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (11) .
وَشُرُوطٌ غَيْرُ لاَغِيَةٍ تَصِحُّ وَيَصِحُّ بِهَا الْعَقْدُ، لأَِنَّهَا تَوْثِيقٌ لِلْعَقْدِ، كَمَا إِذَا اشْتَرَطَ رَهْنًا أَوْ كَفِيلاً بِالْبَيْعِ (12) .
إِلْغَاءُ التَّصَرُّفَاتِ:
7 - تُلْغَى التَّصَرُّفَاتُ الَّتِي لاَ يُقِرُّهَا الشَّارِعُ، مِثْل رَهْنِ الْخَمْرِ وَبَيْعِ الْمَيْتَةِ وَنَذْرِ الْمَعْصِيَةِ، كَمَا تُلْغَى تَصَرُّفَاتُ عَدِيمِ الأَْهْلِيَّةِ كَالْمَجْنُونِ (13) وَالسَّفِيهِ، عَلَى تَفْصِيلٍ (ر: حَجْر) .
الإِْلْغَاءُ فِي الإِْقْرَارِ:
8 - وَذَلِكَ إِذَا كَذَّبَهُ الظَّاهِرُ، أَوْ كَذَّبَ الْمُقِرُّ نَفْسَهُ، أَوْ رَجَعَ فِيمَا يَحِقُّ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ وَهُوَ حُقُوقُ اللَّهِ. وَمِنْهَا الْحُدُودُ (14) ، وَتَفْصِيلُهُ فِي (الإِْقْرَار) .
إِلْغَاءُ الْفَارِقِ الْمُؤَثِّرِ بَيْنَ الأَْصْل وَالْفَرْعِ:
9 - وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ اتِّحَادَ الْحُكْمِ بَيْنَهُمَا (ر: إِلْغَاءُ الْفَارِقِ) . (15)
__________
(1) المصباح المنير ولسان العرب في المادة
(2) التهانوي 5 / 1311
(3) الشرح الصغير 2 / 382
(4) تاج العروس ولسان العرب ومفردات الراغب الأصفهاني في المادة
(5) سورة الأنفال / 8
(6) القليوبي 2 / 191، 3 / 176 ط الحلبي
(7) مختار الصحاح وتاج العروس مادة: (سقط)
(8) تكملة رد المحتار على الدر المختار 2 / 347، والفروق للقرافي 2 / 110
(9) لسان العرب في المادة، والفروق للقرافي 3 / 269، الأشباه والنظائر لابن نجيم 135، وقواعد ابن رجب ص 269 ط الخانجي، والقليوبي 2 / 275
(10) الأشباه والنظائر لابن نجيم ط الحلبي ص 135
(11) البدائع 5 / 170
(12) مغني المحتاج 2 / 52، 3 / 212، ومنتهى الإرادات 2 / 22، الخرشي 2 / 438
(13) الشرح الصغير 4 / 140
(14) قليوبي 3 / 4، 6
(15) جمع الجوامع 2 / 293
الموسوعة الفقهية الكويتية: 184/ 6