الرحيم
كلمة (الرحيم) في اللغة صيغة مبالغة من الرحمة على وزن (فعيل) وهي...
كلُّ خبرِ صدقٍ، وخير تتغير به بَشْرَةُ الوجه نحو الأحسن، والأجمل، ومنه قوله تعالى : ﭽﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯﭼالإسراء : 9، وقوله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "يَسِّرُوا، ولا تُعَسِّرُوا، وبَشِّرُوا، ولا تُنَفِّرُوا ". البخاري :69.
الـخَبَرُ الذي يُغَيِّرُ البَشَرَةَ سَواءً كان في السُّرُورِ أو في الـحُزْنِ، ولكِنَّها عِنْدَ الإِطْلاقِ تُسْتَعْمَلُ في الخيْرِ، فَيُقالُ: أَبْشَرْتُ الرَّجُلَ، وبَشَّرْتُهُ أيْ أَخْبَرْتَهُ بِأَمْرٍ سارٍّ، وسُمِّيَتْ بذلك مِنَ البِشْرِ وهو السُّرُورُ؛ لأَنَّها تُظْهِرُ طَلاقَةَ وَجْهِ الإِنْسانِ وفَرَحَهِ، وجَمْعُ البِشارَةِ: بِشاراتٍ وبَشائِرَ.
يُطْلَقُ مُصْطَلَحُ (بِشارَة) في الفِقْهِ في كِتابِ الصَّلاة، باب: مَكْروهات الصَّلاةِ، وفي كِتابِ الآدابِ عِنْدَ الكَلامِ على حُكْمِ البِشارَةِ، وما يُسْتَحَبُّ فِعْلُهُ لِمَنْ يُبَشَّرُ بِالفِعْلِ.
بشر
الخبر السار، والمفرح.
* تهذيب اللغة : 246/11 - الصحاح : 590/2 - لسان العرب : 60/4 - لسان العرب : 60/4 - تحرير ألفاظ التنبيه : 267/1 - التعريفات للجرجاني : ص45 -
التَّعْرِيفُ:
1 - الْبِشَارَةُ - بِكَسْرِ الْبَاءِ -: مَا يُبَشِّرُ بِهِ الإِْنْسَانُ غَيْرَهُ مِنْ أَمْرٍ، وَبِضَمِّ الْبَاءِ: مَا يُعْطَاهُ الْمُبَشِّرُ بِالأَْمْرِ، كَالْعِمَالَةِ لِلْعَامِل، قَال ابْنُ الأَْثِيرِ: الْبُشَارَةُ بِالضَّمِّ: مَا يُعْطَى الْبَشِيرُ، وَبِكَسْرِ الْبَاءِ: الاِسْمُ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ مِنَ الْبِشْرِ وَهُوَ السُّرُورُ؛ لأَِنَّهَا تُظْهِرُ طَلاَقَةَ وَجْهِ الإِْنْسَانِ. وَهُمْ يَتَبَاشَرُونَ بِذَلِكَ الأَْمْرِ أَيْ: يُبَشِّرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَالْبِشَارَةُ إِذَا أُطْلِقَتْ فَهِيَ لِلْبِشَارَةِ بِالْخَيْرِ، وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا مُقَيَّدَةً فِي الشَّرِّ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} . (1)
وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَالُهَا فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ عَنْ ذَلِكَ. (2) الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْخَبَرُ:
2 - الْخَبَرُ يَكُونُ مِنَ الْمُخْبِرِ الأَْوَّل وَمَنْ يَلِيهِ، وَالْبِشَارَةُ لاَ تَكُونُ إِلاَّ مِنَ الْمُخْبِرِ الأَْوَّل. (3) وَالْخَبَرُ يَكُونُ بِالصِّدْقِ وَالْكَذِبِ، سَارًّا كَانَ أَوْ غَيْرَ سَارٍّ، وَالْبِشَارَةُ تَخْتَصُّ بِالْخَبَرِ الصَّادِقِ السَّارِّ غَالِبًا (4) .
ب - الْجُعْل:
3 - الْجُعْل لُغَةً: اسْمٌ لِمَا يَجْعَلُهُ الإِْنْسَانُ لِغَيْرِهِ عَلَى شَيْءٍ يَعْمَلُهُ. وَالْجُعْل اصْطِلاَحًا: عِوَضٌ مَعْلُومٌ مُلْتَزَمٌ بِهِ عَلَى عَمَلٍ مُعَيَّنٍ مَعْلُومٍ فِيهِ كُلْفَةٌ. (5)
وَالْبُشَارَةُ بِضَمِّ الْبَاءِ: مَا يُعْطَاهُ الْمُبَشِّرُ بِالأَْمْرِ، وَهِيَ بِهَذَا الْمَعْنَى تُشْبِهُ الْجُعْل، جَاءَ فِي نِهَايَةِ الْمُحْتَاجِ: لاَ بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْعَمَل فِي الْجَعَالَةِ فِيهِ كُلْفَةٌ أَوْ مُؤْنَةٌ، كَرَدِّ آبِقٍ، أَوْ إِخْبَارٍ فِيهِ غَرَضٌ وَالْمُخْبِرُ صَادِقٌ فِيهِ (6) .
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
4 - إِخْبَارُ النَّاسِ بِمَا يَسُرُّهُمْ أَمْرٌ مُسْتَحَبٌّ؛ لِمَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مِنَ الآْيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَْنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْل وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (7) وَمَا وَرَدَ كَذَلِكَ مِنْ أَحَادِيثَ، مِنْهَا حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ﵁ الْمُخَرَّجُ فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي قِصَّةِ تَوْبَتِهِ قَال: وَسَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ يَقُول بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ. أَبْشِرْ، فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا، وَانْطَلَقْتُ أَتَأَمَّمُ رَسُول اللَّهِ ﷺ يَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا يُهَنِّئُونَنِي بِالتَّوْبَةِ، وَيَقُولُونَ: لِتَهْنِكَ تَوْبَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْكَ، حَتَّى دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا رَسُول اللَّهِ ﷺ حَوْلَهُ النَّاسُ، فَقَامَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُهَرْوِل، حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّأَنِي، وَكَانَ كَعْبٌ لاَ يَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ، قَال كَعْبٌ: فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال - وَهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ -: أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ (8) .
وَفِي قِصَّةِ كَعْبٍ أَنَّهُ لَمَّا جَاءَهُ الْبَشِيرُ بِالتَّوْبَةِ، نَزَعَ لَهُ ثَوْبَيْهِ وَكَسَاهُمَا إِيَّاهُ نَظِيرَ بِشَارَتِهِ. وَنَقَل الأَْبِيُّ عَنِ الْقَاضِي عِيَاضٍ أَنَّهُ قَال: وَهَذَا يَدُل عَلَى جَوَازِ الْبِشَارَةِ وَالتَّهْنِئَةِ بِمَا يَسُرُّ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ، وَإِعْطَاءِ الْجُعْل لِلْمُبَشِّرِ (9) .
وَفِي حَدِيثِ كَعْبٍ مَشْرُوعِيَّةُ الاِسْتِبَاقِ إِلَى الْبِشَارَةِ بِالْخَيْرِ (10) .
وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ بُشِّرَ بِخَبَرٍ سَارٍّ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ تَعَالَى وَيُثْنِيَ عَلَيْهِ، لِمَا رُوِيَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، فِي مَقْتَل عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ﵁، فِي حَدِيثِ الشُّورَى الطَّوِيل: أَنَّ عُمَرَ ﵁ أَرْسَل ابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ إِلَى عَائِشَةَ ﵂ يَسْتَأْذِنُهَا أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ، فَلَمَّا أَقْبَل عَبْدُ اللَّهِ، قَال عُمَرُ: مَا لَدَيْكَ؟ قَال: الَّذِي تُحِبُّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَذِنَتْ. فَقَال: الْحَمْدُ لِلَّهِ، مَا كَانَ شَيْءٌ أَهَمَّ إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ (11) .
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْبِشَارَةَ تَتَحَقَّقُ مِنَ الْمُخْبِرِ الأَْوَّل مُنْفَرِدًا أَوْ مَعَ غَيْرِهِ، فَإِذَا قَال رَجُلٌ: مَنْ بَشَّرَنِي مِنْ عَبِيدِي بِكَذَا فَهُوَ حُرٌّ، فَبَشَّرَهُ وَاحِدٌ مِنْ عَبِيدِهِ فَأَكْثَرُ، فَإِنَّ أَوَّلَهُمْ يَكُونُ حُرًّا. (12) وَأَوْرَدَ الْفُقَهَاءُ أَمْثِلَةً أُخْرَى فِي مَوَاطِنَ مُتَعَدِّدَةٍ. (13)
وَيَدُل عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ أَنَّهُ ﵊ مَرَّ بِابْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَقَال ﵊ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضًّا طَرِيًّا كَمَا نَزَل فَلْيَقْرَأْ بِقِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ، فَابْتَدَرَ إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ ﵄ بِالْبِشَارَةِ، فَسَبَقَ أَبُو بَكْرٍ عُمَرُ، فَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقُول: بَشَّرَنِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَخْبَرَنِي عُمَرُ ﵃ أَجْمَعِينَ. (14)
وَالْبُشَارَةُ مُسْتَحَبَّةٌ كَالْهِبَةِ إِذَا قُصِدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى. (15)
مَوَاطِنُ الْبَحْثِ:
5 - وَرَدَ فِي الْكِتَابِ الْكَرِيمِ ذِكْرُ الْبِشَارَةِ، وَوَرَدَ فِي السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ بَيَانُ بَعْضِ أَحْكَامِ الْبِشَارَةِ وَمَا يُسْتَحَبُّ فِعْلُهُ لِمَنْ يُبَشَّرُ بِأَمْرٍ، وَيَرِدُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فِي الأَْيْمَانِ. كَمَا وَرَدَ فِي كُتُبِ الآْدَابِ الشَّرْعِيَّةِ حُكْمُ الْبِشَارَةِ، وَمَا يُسْتَحَبُّ فِعْلُهُ لِمَنْ يُبَشَّرُ بِأَمْرٍ.
__________
(1) سورة آل عمران / 21.
(2) لسان العرب وتاج العروس والمصباح المنير مادة " بشر "، والبدائع 3 / 54 ط أولى سنة 1327 هـ، وحاشية ابن عابدين 3 / 112 ط بيروت، وكشاف القناع 5 / 314 ط مكتبة النصر الحديثة بالرياض، والمهذب 2 / 98 ط دار المعرفة. بيروت، وتفسير القرطبي 1 / 238 ط دار الكتاب المصرية سنة 1354 هـ - 1935م، وطلبة الطلبة ص 59.
(3) تفسير الفخر الرازي 2 / 146 ط المكتبة البهية المصرية.
(4) المهذب 2 / 98 ط دار المعرفة بيروت. والمصباح المنير في المادة.
(5) شرح المنهاج 5 / 462 ط المكتبة الإسلامية بالرياض.
(6) نهاية المحتاج 5 / 469 ط المكتبة الإسلامية بالرياض.
(7) سورة البقرة / 25.
(8) الفتوحات الربانية 6 / 316 - 317 ط المكتبة الإسلامية. وحديث كعب بن مالك أخرجه البخاري (الفتح 8 / 113 - 116 ط السلفية) ومسلم (4 / 2120 - 2128 - ط الحلبي) .
(9) صحيح مسلم مع شرح الأبي 7 / 174 ط مطبعة السعادة بمصر.
(10) فتح الباري 8 / 124 ط السلفية.
(11) الفتوحات الربانية 6 / 166 ط المكتبة الإسلامية. وحديث عمرو بن ميمون في قصة مقتل عمر بن الخطاب. أخرجه البخاري (الفتح 7 / 61 - ط السلفية) .
(12) تفسير القرطبي في قوله تعالى: {وبشر الذين آمنوا} 1 / 238 ط دار الكتب المصرية 1354 هـ، وتفسير الفخر الرازي 2 / 146 ط المكتبة البهية المصرية.
(13) حاشية ابن عابدين 3 / 112، 113 ط بيروت، والمهذب 2 / 98 ط دار المعرفة - بيروت، وكشاف القناع 3 / 314 ط مكتبة النصر الحديثة بالرياض.
(14) حاشية ابن عابدين 3 / 112 ط بيروت. وحديث: " من أحب أن يقرأ القرآن غضا طريا. . . " أخرجه أحمد (1 / 7 - ط الميمنية) والحاكم (3 / 318 - ط دائرة المعارف العثمانية) وصححه ووافقه الذهبي.
(15) كشاف القناع 4 / 298 - 299 ط مكتبة النصر الحديثة بالرياض.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 93/ 8