الأحد
كلمة (الأحد) في اللغة لها معنيانِ؛ أحدهما: أولُ العَدَد،...
مهاجمة العدو حين غفلتهم، وغالباً ما يكون هذا ليلاً .
مهاجمة العدو حين غفلتهم، وغالباً ما يكون هذا ليلاً.
التَّعْرِيفُ:
1 - التَّبْيِيتُ لُغَةً: مَصْدَرُ بَيَّتَ الأَْمْرَ إِذَا دَبَّرَهُ لَيْلاً، وَبَيَّتَ النِّيَّةَ عَلَى الأَْمْرِ: إِذَا عَزَمَ عَلَيْهِ لَيْلاً فَهِيَ مُبَيَّتَةٌ بِالْفَتْحِ. (1) وَبَيَّتَ الْعَدُوَّ: أَيْ دَاهَمَهُ لَيْلاً.
وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيزِ {إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْل} (2) وَفِي السِّيرَةِ: " هَذَا أَمْرٌ بُيِّتَ بِلَيْلٍ ".
وَالتَّبْيِيتُ فِي الاِصْطِلاَحِ بِمَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ، وَالْبَيَاتُ اسْمُ الْمَصْدَرِ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {أَفَأَمِنَ أَهْل الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ} (3) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الإِْغَارَةُ:
2 - يُطْلِقُ الْعَرَبُ الْبَيَاتَ أَوِ التَّبْيِيتَ عَلَى الإِْغَارَةِ عَلَى الْعَدُوِّ لَيْلاً. (4) وَفِي التَّنْزِيل: {قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاَللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} (5) فَالْفَرْقُ بَيْنَ تَبْيِيتِ الْعَدُوِّ وَبَيْنَ الإِْغَارَةِ عَلَيْهِ: أَنَّ الإِْغَارَةَ مُطْلَقَةٌ، إِذْ تَكُونُ لَيْلاً أَوْ نَهَارًا، أَمَّا التَّبْيِيتُ فَهُوَ فِي اللَّيْل.
ب - الْبَيْتُوتَةُ:
3 - الْبَيْتُوتَةُ: مَصْدَرُ بَاتَ، وَمَعْنَاهَا الْفِعْل بِاللَّيْل، فَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى أَعَمُّ مِنَ الْبَيَاتِ، وَيَنْدُرُ اسْتِعْمَالُهَا بِمَعْنَى النَّوْمِ لَيْلاً. وَيَسْتَعْمِلُهَا الْفُقَهَاءُ أَحْيَانًا فِي آثَارِ الْقَسْمِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ، وَبِهَذَا الْمَعْنَى يُخَالِفُ الْبَيَاتَ (6) .
حُكْمُ التَّبْيِيتِ:
أَوَّلاً: تَبْيِيتُ الْعَدُوِّ:
4 - تَبْيِيتُ الْعَدُوِّ جَائِزٌ لِمَنْ يَجُوزُ قِتَالُهُمْ، وَهُمُ الْكُفَّارُ الَّذِينَ بَلَغَتْهُمُ الدَّعْوَةُ وَرَفَضُوهَا، وَلَمْ يَقْبَلُوا دَفْعَ الْجِزْيَةِ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ عَقْدُ ذِمَّةٍ وَلاَ هُدْنَةٍ.
قَال أَحْمَدُ ﵀: لاَ بَأْسَ بِالْبَيَاتِ، وَهَل غَزْوُ الرُّومِ إِلاَّ الْبَيَاتُ؟ قَال: وَلاَ نَعْلَمُ أَحَدًا كَرِهَ تَبْيِيتَ الْعَدُوِّ.
وَعَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ قَال: سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ ﷺ يُسْأَل عَنْ أَهْل الدِّيَارِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ: نُبَيِّتُهُمْ فَنُصِيبُ مِنْ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ؟ فَقَال: هُمْ مِنْهُمْ (7) فَإِنْ قِيل: قَدْ نَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ قَتْل النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ. (8) قُلْنَا: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى التَّعَمُّدِ لِقَتْلِهِمْ. وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُمْكِنٌ بِحَمْل النَّهْيِ عَلَى التَّعَمُّدِ، وَالإِْبَاحَةِ عَلَى مَا عَدَاهُ. (9)
وَالْمَسْأَلَةُ فِيهَا تَفْرِيعَاتٌ فِيمَا إِذَا كَانَ مَعَ الْكُفَّارِ مُسْلِمٌ وَقُتِل، تُنْظَرُ فِي: (الْجِهَادِ وَالدِّيَاتِ) . (10)
فَإِنْ بَيَّتَ الإِْمَامُ أَوْ أَمِيرُ الْجَيْشِ قَبْل الدَّعْوَةِ أَثِمَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} . (11)
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ضَمَانِ مَنْ يُقْتَل مِنْهُمْ بِالتَّبْيِيتِ:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُضْمَنُ، لأَِنَّهُ لاَ إِيمَانَ لَهُ، وَلاَ أَمَانَ، فَلَمْ يُضْمَنْ.
وَذَهَبَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ يُضْمَنُ بِالدِّيَةِ وَالْكَفَّارَةِ، وَنُقِل ذَلِكَ عَنِ الشَّافِعِيِّ (12) .
وَيَرَى بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: أَنَّ أَهْل الْكِتَابِ وَالْمَجُوسَ لاَ تَجِبُ دَعْوَتُهُمْ قَبْل الْقِتَال؛ لأَِنَّ الدَّعْوَةَ قَدْ بَلَغَتْهُمْ، وَلأَِنَّ كُتُبَهُمْ قَدْ بَشَّرَتْ بِالرِّسَالَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ. وَيُدْعَى عَبَدَةُ الأَْوْثَانِ قَبْل أَنْ يُحَارَبُوا (13) .
5 - أَمَّا مَنْ بَلَغَتْهُمُ الدَّعْوَةُ، فَتُسْتَحَبُّ الدَّعْوَةُ قَبْل التَّبْيِيتِ مُبَالَغَةً فِي الإِْنْذَارِ، وَلِيَعْلَمُوا أَنَّنَا نُقَاتِلُهُمْ عَلَى الدِّينِ لاَ عَلَى سَلْبِ الأَْمْوَال وَسَبْيِ الذَّرَارِيِّ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ: أَمَرَ عَلِيًّا حِينَ أَعْطَاهُ الرَّايَةَ يَوْمَ خَيْبَرَ وَبَعَثَهُ إِلَى قِتَالِهِمْ أَنْ يَدْعُوَهُمْ (14) ، وَهُمْ مِمَّنْ بَلَغَتْهُمُ الدَّعْوَةُ.
وَيَجُوزُ بَيَاتُهُمْ بِغَيْرِ دُعَاءٍ، لأَِنَّهُ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ أَغَارَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ لَيْلاً وَهُمْ غَافِلُونَ. (15) وَعَهِدَ إِلَى أُسَامَةَ أَنْ يُغِيرَ عَلَى أُبْنَى صَبَاحًا. (16) وَسُئِل عَنِ الْمُشْرِكِينَ يُبَيِّتُونَ، فَيُصَابُ مِنْ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ فَقَال: هُمْ مِنْهُمْ. (17) وَكَانُوا جَمِيعًا مِمَّنْ بَلَغَتْهُمُ الدَّعْوَةُ وَإِلاَّ لَمْ يُبَيِّتُوا لِلأَْدِلَّةِ السَّابِقَةِ. (18) .
ثَانِيًا: تَبْيِيتُ النِّيَّةِ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ:
6 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى وُجُوبِ تَبْيِيتِ النِّيَّةِ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ مَا بَيْنَ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي. وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ التَّبْيِيتُ، لَكِنْ تُجْزِئُ النِّيَّةُ نَهَارًا إِلَى الزَّوَال، وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي: (الصَّوْمُ، وَالنِّيَّةُ) . (19)
مَوَاطِنُ الْبَحْثِ:
7 - يَذْكُرُ الْفُقَهَاءُ التَّبْيِيتَ فِي كِتَابِ: (السِّيرَةُ، وَالْجِهَادُ) .
__________
(1) المصباح المنير مادة: " بيت ".
(2) سورة النساء / 108.
(3) سورة الأعراف / 97.
(4) المصباح المنير ولسان العرب مادة: " بيت " والقليوبي 2 / 256.
(5) سورة النمل / 49.
(6) المصباح المنير، والقليوبي 3 / 299.
(7) حديث الصعب بن جثامة: ": هم منهم " أخرجه البخاري (6 / 146 - الفتح - ط السلفية) ومسلم (3 / 1364 - ط الحلبي) .
(8) حديث: " نهى عن قتل النساء والذرية. . " أخرجه البخاري (6 / 148 - الفتح - ط السلفية) ، ومسلم (3 / 1364 - ط الحلبي) .
(9) المغني 8 / 449 مطبعة الرياض الحديثة.
(10) شرح روض الطالب 4 / 191 طبعة الميمنية - الناشر المكتبة الإسلامية سنة 1313 هـ.
(11) سورة الأنفال / 58.
(12) البحر الرائق 5 / 80، وابن عابدين 3 / 223، ومطالب أولي النهى شرح غاية المنتهى 2 / 507 - 508، وروضة الطالبين 10 / 239، ومغني المحتاج 4 / 223، والمغني لابن قدامة 10 / 386.
(13) المغني لابن قدامة 10 / 386.
(14) حديث: " أمر عليا يوم خيبر. . . " أخرجه البخاري (الفتح 7 / 476 - ط السلفية) .
(15) حديث: " أغار على بني المصطلق وهم غافلون. . . " أخرجه البخاري (الفتح 5 / 170 - ط السلفية) .
(16) حديث: " عهد إلى أسامة أن يغير على ابني صباحا " أخرجه ابن سعد في الطبقات (4 / 66 - ط دار صادر) . وإسناده صحيح.
(17) حديث: " هم منهم " سبق تخريجه ف / 4.
(18) البحر الرائق 5 / 81، وروضة الطالبين 10 / 239، والمغني لابن قدامة 10 / 386، ومغني المحتاج 4 / 323.
(19) البجيرمي على الخطيب 2 / 326، والأشباه والنظائر لابن نجيم ص 17، والاختيار 2 / 125، وجواهر الإكليل 1 / 148، وفتح الباري 1 / 9، ونيل الأوطار 4 / 270 والمسودة في أصول الفقه ص 79.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 124/ 10