الجبار
الجَبْرُ في اللغة عكسُ الكسرِ، وهو التسويةُ، والإجبار القهر،...
الاحتياط، والتبيُّن عند تحمُّل الأحاديث، وأدائها، والحكم عليها . وشاهده قول الإمام السخاوي : "الاختلاف واقع بين الأئمة في قبول رواية مبتدع معروف بالتحرز من الكذب، وبالتثبت في الأخذ، والأداء، مع باقي شروط القبول "
التحري، والتأكد من صحة الخبر قبل قبوله، أو نشره.
التَّعْرِيفُ:
1 - التَّثَبُّتُ لُغَةً: هُوَ التَّأَنِّي فِي الأَْمْرِ وَالرَّأْيِ. (1)
وَاصْطِلاَحًا: تَفْرِيغُ الْوُسْعِ وَالْجَهْدِ لِمَعْرِفَةِ حَقِيقَةِ الْحَال الْمُرَادِ.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
التَّحَرِّي:
2 - التَّحَرِّي لُغَةً: الْقَصْدُ وَالطَّلَبُ. وَاصْطِلاَحًا: طَلَبُ الشَّيْءِ بِغَالِبِ الرَّأْيِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْوُقُوفِ عَلَى الْحَقِيقَةِ (2) .
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
لِلتَّثَبُّتِ أَحْكَامٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا:
أ - التَّثَبُّتُ مِنِ اسْتِقْبَال الْقِبْلَةِ فِي الصَّلاَةِ:
3 - لاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الصَّلاَةِ اسْتِقْبَال الْقِبْلَةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَوَل وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} (3) (أَيْ جِهَتَهُ) وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ أَحْوَالٌ لاَ يُشْتَرَطُ فِيهَا الاِسْتِقْبَال، كَصَلاَةِ الْخَوْفِ، وَالْمَصْلُوبِ، وَالْغَرِيقِ، وَنَفْل السَّفَرِ الْمُبَاحِ وَغَيْرِهَا. (4) (ر: اسْتِقْبَال الْقِبْلَةِ) .
ب - التَّثَبُّتُ فِي شَهَادَةِ الشُّهُودِ:
4 - يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَتَثَبَّتَ فِي شَهَادَةِ الشُّهُودِ، وَذَلِكَ بِالسُّؤَال عَنْهُمْ سِرًّا أَوْ عَلاَنِيَةً، وَهَذَا إِذَا لَمْ يَعْلَمْ بِعَدَالَتِهِمْ؛ لأَِنَّ الْقَاضِيَ مَأْمُورٌ بِالتَّفَحُّصِ عَنِ الْعَدَالَةِ. (5) (ر: تَزْكِيَةٌ) .
ج - التَّثَبُّتُ مِنْ رُؤْيَةِ هِلاَل شَهْرِ رَمَضَانَ:
5 - يُسْتَحَبُّ التَّثَبُّتُ مِنْ رُؤْيَةِ هِلاَل شَهْرِ رَمَضَانَ لَيْلَةَ الثَّلاَثِينَ مِنْ شَعْبَانَ لِتَحْدِيدِ بَدْئِهِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ:
الأَْوَّل: رُؤْيَةُ هِلاَلِهِ، إِذَا كَانَتِ السَّمَاءُ خَالِيَةً مِمَّا يَمْنَعُ الرُّؤْيَةَ مِنْ غَيْمٍ أَوْ غُبَارٍ وَنَحْوِهِمَا.
الثَّانِي: إِكْمَال شَعْبَانَ ثَلاَثِينَ يَوْمًا، إِذَا كَانَتِ السَّمَاءُ غَيْرَ خَالِيَةٍ مِمَّا ذُكِرَ، لِقَوْلِهِ ﷺ: صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاَثِينَ (6) وَبِهَذَا أَخَذَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ، وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ (7) .
وَخَالَفَ الْحَنَابِلَةُ فِي حَال الْغَيْمِ، فَأَوْجَبُوا اعْتِبَارَ شَعْبَانَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ، وَأَوْجَبُوا صِيَامَ يَوْمِ الثَّلاَثِينَ عَلَى أَنَّهُ مِنْ أَوَّل رَمَضَانَ، عَمَلاً بِلَفْظٍ آخَرَ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ وَهُوَ: لاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلاَل، وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ (8)
أَيِ: احْتَاطُوا لَهُ بِالصَّوْمِ. (9) (ر: أَهِلَّةٌ) .
د - التَّثَبُّتُ مِنْ كَلاَمِ الْفُسَّاقِ:
6 - يَجِبُ التَّثَبُّتُ مِمَّا يَأْتِي بِهِ الْفُسَّاقُ مِنْ أَنْبَاءٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} (10) وَقَدْ قُرِئَ فَتَثَبَّتُوا بَدَلاً مِنْ تَبَيَّنُوا وَالْمُرَادُ بِالتَّبَيُّنِ: التَّثَبُّتُ، قِيل: إِنَّ هَذِهِ الآْيَةَ نَزَلَتْ فِي الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ، وَسَبَبُ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ بَعَثَ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ مُصَدِّقًا إِلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ، فَلَمَّا أَبْصَرُوهُ أَقْبَلُوا نَحْوَهُ، فَهَابَهُمْ، فَرَجَعَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُمْ قَدِ ارْتَدُّوا عَنِ الإِْسْلاَمِ، فَبَعَثَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَتَثَبَّتَ وَلاَ يَعْجَل. فَانْطَلَقَ خَالِدٌ حَتَّى أَتَاهُمْ لَيْلاً، فَبَعَثَ عُيُونَهُ فَلَمَّا جَاءُوا أَخْبَرُوا خَالِدًا أَنَّهُمْ مُتَمَسِّكُونَ بِالإِْسْلاَمِ، وَسَمِعُوا أَذَانَهُمْ وَصَلاَتَهُمْ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا أَتَاهُمْ خَالِدٌ وَرَأَى صِحَّةَ مَا ذَكَرَ عُيُونُهُ، فَعَادَ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ فَأَخْبَرَهُ، فَنَزَلَتِ الآْيَةُ، (11) وَقَال النَّبِيُّ ﷺ: التَّأَنِّي مِنَ اللَّهِ، وَالْعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ. . (12)
__________
(1) لسان العرب والمصباح مادة: " ثبت ".
(2) قواعد الفقه للمجددي ص 220، والمبسوط 10 / 185، وشرح الطحطاوي على مراقي الفلاح ص 20.
(3) سورة البقرة / 144.
(4) البحر الرائق 1 / 299، والاختيار 1 / 46، ومواهب الجليل 1 / 507، وشرح الروض 1 / 133، والمغني 1 / 431، 432 ط الرياض.
(5) معين الحكام 4 / 104، 105، وقليوبي وعميرة 4 / 306، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 4 / 169 وما بعدها ط عيسى الحلبي بمصر.
(6) حديث: " صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته. . . " أخرجه البخاري (الفتح 4 / 119 - ط السلفية) .
(7) بدائع الصنائع 2 / 82 وما بعدها ط شركة المطبوعات العلمية بمصر، والخرشي على مختصر خليل 2 / 234، 235 ط دار صادر بيروت، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 509 وما بعدها، وشرح الروض 1 / 409 ط المكتبة الإسلامية.
(8) حديث: " لا تصوموا حتى تروا الهلال. . . " أخرجه البخاري (الفتح 4 / 119 - ط السلفية) ، ومسلم (2 / 759 - ط الحلبي) .
(9) المغني لابن قدامة 3 / 90 ط الرياض.
(10) سورة الحجرات / 6.
(11) حديث: سبب نزول آية} يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق. . . {. أخرجه ابن جرير (26 / 124 - ط الحلبي) وإسناده ضعيف لإرساله.
(12) تفسير القرطبي 16 / 311، 312 ط دار الكتب المصرية. وحديث: " التأني من الله والعجلة من الشيطان. . . ". رواه أبو يعلى وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح (فيض القدير للمناوي 3 / 278 - ط المكتبة التجارية) .
الموسوعة الفقهية الكويتية: 142/ 10