النصير
كلمة (النصير) في اللغة (فعيل) بمعنى (فاعل) أي الناصر، ومعناه العون...
بسط الشيء، ونشره، وتوسيعه، وهو ضد الضِّيق . ومن أمثلته التوسعة في الإنفاق على العيال في الأعياد، ونحوها . قوله تعالى : ﱫﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﱪ الأعراف :٣٢ .
بسط الشيء، ونشره، وتوسيعه، وهو ضد التضِّييق.
التَّعْرِيفُ:
1 - التَّوْسِعَةُ وَالتَّوْسِيعُ: لُغَةً: مَصْدَرُ وَسَّعَ الشَّيْءَ أَيْ جَعَلَهُ وَاسِعًا، وَهِيَ ضِدُّ التَّضْيِيقِ، وَوَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الرِّزْقِ أَغْنَاهُ (1) .
وَالتَّوْسِعَةُ فِي الرِّزْقِ أَوِ النَّفَقَةِ وَالْبَسْطِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَفِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ، وَالْبَسْطَةُ: السِّعَةُ، وَبَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ: كَثَّرَهُ وَوَسَّعَهُ، وَ {كُل الْبَسْطِ (2) } كِنَايَةٌ عَنِ الإِْسْرَافِ وَالتَّبْذِيرِ (3) .
وَالتَّوْسِعَةُ غَيْرُ الإِْسْرَافِ،
وَلاَ يَخْرُجُ مَعْنَاهُ الاِصْطِلاَحِيُّ عَنْ ذَلِكَ.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الإِْسْرَافُ وَالتَّبْذِيرُ:
2 - الإِْسْرَافُ فِي اللُّغَةِ: التَّبْذِيرُ وَالإِْغْفَال وَالْخَطَأُ، وَقَال إِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ: مَا جَاوَزْتَ بِهِ أَمْرَ اللَّهِ فَهُوَ سَرَفٌ وَإِسْرَافٌ. وَفِي مَعْنَى التَّبْذِيرِ قَال الشَّافِعِيُّ ﵁: التَّبْذِيرُ: إِنْفَاقُ الْمَال فِي غَيْرِ حَقِّهِ. وَلاَ تَبْذِيرَ فِي عَمَل الْخَيْرِ، وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُورِ (4) .
وَقَال السُّدِّيُّ: {وَلاَ تُسْرِفُوا} وَلاَ تُعْطُوا أَمْوَالَكُمْ فَتَقْعُدُوا فُقَرَاءَ. فَالتَّوْسِعَةُ غَيْرُ الإِْسْرَافِ؛ لأَِنَّ التَّوْسِعَةَ مَحْمُودَةٌ لِعَدَمِ تَجَاوُزِ الْحَدِّ الشَّرْعِيِّ فِي قَدْرِ الإِْنْفَاقِ.
ب - الْقَصْدُ وَالاِقْتِصَادُ:
3 - مِنْ مَعَانِي الْقَصْدِ وَالاِقْتِصَادِ التَّوَسُّطُ بَيْنَ الإِْسْرَافِ وَبَيْنَ التَّقْتِيرِ (5) ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ النَّفَقَةُ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ.
ج - التَّقْتِيرُ وَالإِْقْتَارُ:
4 - التَّقْتِيرُ وَالإِْقْتَارُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الإِْنْفَاقُ أَقَل مِنَ الْحَاجَةِ. قَال تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (6) } .
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
5 - التَّوْسِعَةُ فِي إِنْفَاقِ الْمُسْلِمِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى عِيَالِهِ سُنَّةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُل مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ (7) } وَلِقَوْلِهِ ﷺ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ (8) وَلِقَوْلِهِ ﷺ: فَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَنْعَمَ عَلَى عَبْدٍ أَحَبَّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِ (9) .
وَيُشْتَرَطُ فِيهَا أَنْ تَكُونَ فِي غَيْرِ سَرَفٍ وَلاَ مَخِيلَةٍ. لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (10) } وَلِقَوْلِهِ ﷺ: كُلُوا وَاشْرَبُوا وَالْبَسُوا وَتَصَدَّقُوا فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلاَ مَخِيلَةٍ (11) .
وَيُشْتَرَطُ فِي التَّوْسِعَةِ فِي الصَّدَقَةِ أَنْ تَكُونَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى. لِمَا رُوِيَ عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فَقُلْتُ يَا رَسُول اللَّهِ: إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﷺ فَقَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكِ فَهُوَ خَيْرٌ لَك (12) . وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُول وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى (13) .
الأَْوْقَاتُ الَّتِي يَتَأَكَّدُ فِيهَا التَّوْسِعَةُ:
أ - التَّوْسِعَةُ فِي الْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَةِ:
6 - تَتَأَكَّدُ مَشْرُوعِيَّةُ التَّوْسِعَةِ عَلَى الْعِيَال فِي أَيَّامِ الأَْعْيَادِ بِأَنْوَاعِ مَا يَحْصُل بِهِ لَهُمْ بَسْطُ النَّفْسِ وَتَرْوِيحُ الْبَدَنِ مِنْ كَلَفِ الْعِبَادَةِ، كَمَا أَنَّ إِظْهَارَ السُّرُورِ فِي الأَْعْيَادِ شِعَارُ هَذَا الدِّينِ، وَاللَّعِبُ وَالزَّفْنُ فِي أَيَّامِ الْعِيدَيْنِ مُبَاحٌ، فِي الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ، إِذَا كَانَ عَلَى النَّحْوِ الْوَارِدِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ ﵂ فِي لَعِبِ الْحَبَشَةِ بِالسِّلاَحِ.
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَنَظَّفَ الْمَرْءُ وَيَلْبَسَ أَحْسَنَ مَا يَجِدُ وَيَتَطَيَّبَ وَيَتَسَوَّكَ (14) .
وَذَلِكَ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ دَخَل عَلَيَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِغِنَاءِ بُعَاثٍ فَاضْطَجَعَ عَلَى الْفِرَاشِ وَحَوَّل وَجْهَهُ، وَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَانْتَهَرَنِي وَقَال. مِزْمَارَةُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ فَأَقْبَل عَلَيْهِ رَسُول اللَّهِ ﷺ فَقَال: دَعْهُمَا. فَلَمَّا غَفَل غَمَزْتُهُمَا فَخَرَجَتَا (15) . وَفِي رِوَايَةِ هِشَامٍ يَا أَبَا بَكْرٍ إِنَّ لِكُل قَوْمٍ عِيدًا وَهَذَا عِيدُنَا، وَكَانَ يَوْمَ عِيدٍ يَلْعَبُ فِيهِ السُّودَانُ بِالدَّرَقِ وَالْحِرَابِ، فَإِمَّا سَأَلْتُ النَّبِيَّ ﷺ وَإِمَّا قَال: تَشْتَهِينَ تَنْظُرِينَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَأَقَامَنِي وَرَاءَهُ خَدِّي عَلَى خَدِّهِ وَهُوَ يَقُول: دُونَكُمْ يَا بَنِي أَرْفِدَةَ حَتَّى إِذَا مَلِلْتُ قَال: حَسْبُكِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَال: فَاذْهَبِي (16) .
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ ﵄ قَال: وَجَدَ عُمَرُ حُلَّةً مِنْ إِسْتَبْرَقٍ تُبَاعُ فِي السُّوقِ فَأَخَذَهَا، فَأَتَى بِهَا رَسُول اللَّهِ ﷺ فَقَال: يَا رَسُول اللَّهِ ابْتَعْ هَذِهِ فَتَجَمَّل بِهَا لِلْعِيدِ وَالْوَفْدِ، فَقَال: إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ (17) . قَال فِي الْمُغْنِي: وَهَذَا يَدُل عَلَى أَنَّ التَّجَمُّل عِنْدَهُمْ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ كَانَ مَشْهُورًا (18) . وَقَال الشَّوْكَانِيُّ: وَوَجْهُ الاِسْتِدْلاَل بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّجَمُّل لِلْعِيدِ تَقْرِيرُهُ ﷺ لِعُمَرِ عَلَى أَصْل التَّجَمُّل لِلْعِيدِ وَقَصْرُ الإِْنْكَارِ عَلَى مَنْ لَبِسَ مِثْل تِلْكَ الْحُلَّةِ لِكَوْنِهَا كَانَتْ حَرِيرًا (19) .
وَعَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ ﵃ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَلْبَسُ بُرْدَ حِبَرَةً فِي كُل عِيدٍ (20) .
وَعَنْ عَائِشَة ﵂ قَالَتْ: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: مَا عَلَى أَحَدِكُمْ إِنْ وَجَدَ أَنْ يَتَّخِذَ ثَوْبَيْنِ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ سِوَى ثَوْبَيْ مِهْنَتِهِ (21) .
وَقَال مَالِكٌ: سَمِعْتُ أَهْل الْعِلْمِ يَسْتَحِبُّونَ الطِّيبَ وَالزِّينَةَ فِي كُل عِيدٍ، وَالإِْمَامُ بِذَلِكَ أَحَقُّ؛ لأَِنَّهُ الْمَنْظُورُ إِلَيْهِ مِنْ بَيْنِهِمْ إِلاَّ أَنَّ الْمُعْتَكِفَ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْخُرُوجُ فِي ثِيَابِ اعْتِكَافِهِ لِيَبْقَى عَلَيْهِ أَثَرُ الْعِبَادَةِ وَالنُّسُكِ. وَقَال أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ: طَاوُسٍ كَانَ يَأْمُرُ بِزِينَةِ الثِّيَابِ، وَعَطَاءٌ قَال: هُوَ يَوْمُ التَّخَشُّعِ وَاسْتَحْسَنَهُمَا جَمِيعًا، وَذُكِرَ اسْتِحْبَابُ خُرُوجِهِ فِي ثِيَابِ اعْتِكَافِهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ (22) .
وَمِنَ التَّوْسِعَةِ فِي الْعِيدَيْنِ، الأُْضْحِيَّةُ فِي عِيدِ الأَْضْحَى، وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ فِي عِيدِ الْفِطْرِ.
ب - التَّوْسِعَةُ فِي رَمَضَانَ:
7 - تُسْتَحَبُّ التَّوْسِعَةُ فِي رَمَضَانَ فِي غَيْرِ سَرَفٍ وَلاَ مَخِيلَةٍ؛ لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ قَال: كَانَ رَسُول اللَّهِ ﷺ أَجْوَد النَّاسِ بِالْخَيْرِ، وَكَانَ أَجْوَد مَا يَكُونُ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيل، وَكَانَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَامُ يَلْقَاهُ كُل لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ الْقُرْآنَ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ أَجْوَد بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ (23) .
وَعَنْ أَنَسٍ ﵁ قَال: قِيل يَا رَسُول اللَّهِ: فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَل؟ قَال: صَدَقَةُ رَمَضَانَ (24) . قَال فِي الْمَجْمُوعِ: قَال أَصْحَابُنَا: وَالْجُودُ وَالإِْفْضَال مُسْتَحَبٌّ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَفِي الْعَشْرِ الأَْوَاخِرِ أَفْضَل اقْتِدَاءً بِرَسُول اللَّهِ ﷺ وَبِالسَّلَفِ؛ وَلأَِنَّهُ شَهْرٌ شَرِيفٌ فَالْحَسَنَةُ فِيهِ أَفْضَل مِنْ غَيْرِهِ؛ وَلأَِنَّ النَّاسَ يَشْتَغِلُونَ فِيهِ بِصِيَامِهِمْ، وَزِيَادَةِ طَاعَتِهِمْ عَنِ الْمَكَاسِبِ، فَيَحْتَاجُونَ فِيهِ إِلَى الْمُوَاسَاةِ (25) .
ج - التَّوْسِعَةُ فِي عَاشُورَاءَ:
8 - قَال بَعْضُ الْفُقَهَاءِ تُسْتَحَبُّ التَّوْسِعَةُ عَلَى الْعِيَال وَالأَْهْل فِي عَاشُورَاءَ (26) ، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: مَنْ وَسَّعَ عَلَى أَهْلِهِ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَوْسَعَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَائِرَ سَنَتِهِ (27) .
وَقَال ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي كِتَابِهِ " اقْتِضَاءُ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ وَمُخَالَفةُ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ ": وَقَدْ رُوِيَ فِي التَّوْسِعَةِ عَلَى الْعِيَال آثَارٌ مَعْرُوفَةٌ: أَعْلَى مَا فِيهَا حَدِيثُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ عَنْ أَبِيهِ قَال: مَنْ وَسَّعَ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَائِرَ سَنَتِهِ (28) " وَهَذَا بَلاَغٌ مُنْقَطِعٌ لاَ يُعْرَفُ قَائِلُهُ، ثُمَّ قَال: وَتَوْسِيعُ النَّفَقَاتِ فِيهِ هُوَ مِنَ الْبِدَعِ الْمُحْدَثَةِ (29) .
د - التَّوْسِعَةُ فِي أَلْوَانِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ:
9 - أَحَل اللَّهُ الأَْكْل وَالشُّرْبَ مَا لَمْ يَكُنْ سَرَفًا أَوْ مَخِيلَةً، فَأَمَّا مَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إِلَيْهِ، وَهُوَ مَا سَدَّ الْجَوْعَةَ، وَسَكَّنَ الظَّمَأَ فَمَنْدُوبٌ إِلَيْهِ عَقْلاً وَشَرْعًا لِمَا فِيهِ مِنَ حِفْظِ النَّفْسِ وَحِرَاسَةِ الْحَوَاسِّ؛ وَلِذَلِكَ وَرَدَ الشَّرْعُ بِالنَّهْيِ عَنِ الْوِصَال لأَِنَّهُ يُضْعِفُ الْجَسَدَ، وَيُمِيتُ النَّفْسَ، وَيُضْعِفُ الْعِبَادَةَ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ مِنْهُ الشَّرْعُ وَيَدْفَعُهُ الْعَقْل، وَلَيْسَ لِمَنْ مَنَعَ نَفْسَهُ قَدْرَ الْحَاجَةِ حَظٌّ مِنْ بِرٍّ وَلاَ نَصِيبٌ مِنْ زُهْدٍ؛ لأَِنَّ مَا حَرَّمَهَا مِنْ فِعْل الطَّاعَةِ بِالْعَجْزِ وَالضَّعْفِ أَكْثَرُ ثَوَابًا وَأَعْظَمُ أَجْرًا. قَال اللَّهُ تَعَالَى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا (30) } .
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي الزَّائِدِ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ: فَقِيل حَرَامٌ، وَقِيل مَكْرُوهٌ. قَال ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. فَإِنَّ قَدْرَ الشِّبَعِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الْبُلْدَانِ وَالأَْزْمَانِ وَالأَْسْنَانِ (الأَْعْمَارِ) وَالطُّعْمَانِ. ثُمَّ قِيل: فِي قِلَّةِ الأَْكْل مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ: مِنْهَا: أَنْ يَكُونَ الرَّجُل أَصَحّ جِسْمًا، وَأَجْوَد حِفْظًا، وَأَزْكَى فَهْمًا، وَأَقَل نَوْمًا، وَأَخَفّ نَفْسًا. وَالْكَثْرَةُ فِي الأَْكْل وَالشُّرْبِ تُثْقِل الْمَعِدَةَ، وَتُثْبِطُ الإِْنْسَانَ عَنْ خِدْمَةِ رَبِّهِ، وَالأَْخْذِ بِحَظِّهِ مِنْ نَوَافِل الْخَيْرِ. فَإِنْ تَعَدَّى ذَلِكَ إِلَى مَا فَوْقَهُ مِمَّا يَمْنَعُهُ مِنَ الْقِيَامِ بِالْوَاجِبِ عَلَيْهِ حَرُمَ عَلَيْهِ، وَكَانَ قَدْ أَسْرَفَ فِي مَطْعَمِهِ وَمَشْرَبِهِ، رَوَى أَسَدُ بْنُ مُوسَى مِنْ حَدِيثِ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ قَال: أَكَلْتُ ثَرِيدًا بِلَحْمٍ سَمِينٍ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ وَأَنَا أَتَجَشَّأُ، فَقَال: اُكْفُفْ عَلَيْكَ مِنْ جُشَائِكَ أَبَا جُحَيْفَةَ، فَإِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ شِبَعًا فِي الدُّنْيَا أَطْوَلُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جُوعًا (31) فَمَا أَكَل أَبُو جُحَيْفَةَ بِمِلْءِ بَطْنِهِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا، وَكَانَ إِذَا تَغَدَّى لاَ يَتَعَشَّى، وَإِذَا تَعَشَّى لاَ يَتَغَدَّى. وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَال: سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ ﷺ يَقُول: الْكَافِرُ يَأْكُل فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ وَالْمُؤْمِنُ يَأْكُل فِي مِعًى وَاحِدٍ (32) . وَالْمُرَادُ بِالْمُؤْمِنَ التَّامُّ الإِْيمَانُ لأَِنَّ مَنْ حَسُنَ إِسْلاَمُهُ وَكَمُل إِيمَانُهُ كَأَبِي جُحَيْفَةَ تَفَكَّرَ فِيمَا يَصِيرُ إِلَيْهِ مِنْ أَمْرِ الْمَوْتِ وَمَا بَعْدَهُ، فَيَمْنَعُهُ الْخَوْفُ وَالإِْشْفَاقُ مِنْ تِلْكَ الأَْهْوَال مِنِ اسْتِيفَاءِ شَهَوَاتِهِ (33) .
كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثٍ لأَِبِي أُمَامَةَ رَفَعَهُ مَنْ كَثُرَ تَفَكُّرُهُ قَل طَعْمُهُ، وَمَنْ قَل تَفَكُّرُهُ كَثُرَ طَعْمُهُ وَقَسَا قَلْبُهُ (34) .
وَقَال فِي الْفَتْحِ تَعْلِيقًا عَلَى حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: وَلاَ يَلْزَمُ مِنْ هَذَا اطِّرَادُهُ فِي حَقِّ كُل مُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ، فَقَدْ يَكُونُ فِي الْمُؤْمِنِينَ مَنْ يَأْكُل كَثِيرًا إِمَّا بِحَسَبِ الْعَادَةِ، وَإِمَّا لِعَرَضٍ يَعْرِضُ لَهُ مِنْ مَرَضٍ بَاطِنٍ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ.
10 - وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي تَرْكِ الطَّيِّبَاتِ وَالإِْعْرَاضِ عَنِ اللَّذَّاتِ، فَقَال قَوْمٌ: لَيْسَ ذَلِكَ مِنَ القُرُبَاتِ، وَالْفِعْل وَالتَّرْكُ يَسْتَوِي فِي الْمُبَاحَاتِ. قَال آخَرُونَ: لَيْسَ قُرْبَةً فِي ذَاتِهِ وَإِنَّمَا هُوَ سَبِيلٌ إِلَى الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا، وَقَصْرُ الأَْمَل فِيهَا، وَتَرْكُ التَّكَلُّفِ لأَِجْلِهَا، وَذَلِكَ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ، وَالْمَنْدُوبُ قُرْبَةٌ، وَنُقِل عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ﵁ قَوْلُهُ: لَوْ شِئْنَا لاَتَّخَذْنَا صِلاَءً، وَصَلاَئِقَ، وَصِنَابًا، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ ﷿ يَذُمُّ أَقْوَامًا فَقَال: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا (35) } .
وَيُرْوَى صَرَائِقُ بِالرَّاءِ وَهُمَا جَمِيعًا الْجَرَادِقُ، وَالصَّلاَئِقُ جَمْعُ صَلِيقَةٍ وَهِيَ اللَّحْمُ الْمَشْوِيُّ، وَالصِّلاَءُ بِكَسْرِ الصَّادِ وَالْمَدِّ الشِّوَاءُ، وَالصِّنَابُ الْخَرْدَل بِالزَّبِيبِ، وَفَرَّقَ آخَرُونَ بَيْنَ حُضُورِ ذَلِكَ كُلِّهِ بِكُلْفَةٍ وَبِغَيْرِ كُلْفَةٍ، قَال أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْفَضْل الْمَقْدِسِيُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ﷿، فَإِنَّهُ لَمْ يُنْقَل عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ امْتَنَعَ عَنْ طَعَامٍ مِنْ أَجْل طِيبِهِ قَطُّ بَل كَانَ يَأْكُل الْحَلْوَى وَالْعَسَل (36) ، وَالْبِطِّيخَ وَالرُّطَبَ، وَإِنَّمَا يَكْرَهُ التَّكَلُّفَ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّشَاغُل بِشَهَوَاتِ الدُّنْيَا عَنْ مُهِمَّاتِ الآْخِرَةِ (37) .
قَال الْقُرْطُبِيُّ: وَقَدْ كَرِهَ بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ أَكْل الطَّيِّبَاتِ، وَاحْتَجَّ بِقَوْل عُمَرَ ﵁: إِيَّاكُمْ وَاللَّحْمَ، فَإِنَّ لَهُ ضَرَاوَةً كَضَرَاوَةِ الْخَمْرِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا مِنَ عُمَرَ قَوْلٌ خَرَجَ عَلَى مَنْ خُشِيَ مِنْهُ إِيثَارُ التَّنَعُّمِ فِي الدُّنْيَا وَالْمُدَاوَمَةُ عَلَى الشَّهَوَاتِ، وَشَقَاءُ النَّفْسِ مِنَ اللَّذَّاتِ، وَنِسْيَانُ الآْخِرَةِ، وَالإِْقْبَال عَلَى الدُّنْيَا؛ وَلِذَلِكَ كَانَ عُمَرُ يَكْتُبُ إِلَى عُمَّالِهِ: إِيَّاكُمْ وَالتَّنَعُّمَ وَزِيَّ أَهْل الْعَجَمِ، وَاخْشَوْشِنُوا، وَلَمْ يُرِدْ ﵁ تَحْرِيمَ شَيْءٍ أَحَلَّهُ اللَّهُ، وَلاَ تَحْظِيرَ مَا أَبَاحَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ اسْمُهُ، وَقَوْل اللَّهِ أَوْلَى مَا امْتَثَل وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِ: قَال تَعَالَى: {قُل مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ (38) } وَقَال ﵊: سَيِّدُ الإِْدَامِ فِي الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ اللَّحْمُ (39) وَقَدْ رَوَى هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَأْكُل الْبِطِّيخَ بِالرُّطَبِ وَيَقُول: نَكْسِرُ حَرَّ هَذَا بِبَرْدِ هَذَا، وَبَرْدَ هَذَا بِحَرِّ هَذَا (40) .
وَالطِّبِّيخُ لُغَةٌ فِي الْبِطِّيخِ. وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَال: أَرَادَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ أَنْ يَتَبَتَّل فَنَهَاهُ النَّبِيُّ ﷺ وَلَوْ أَجَازَ لَهُ ذَلِكَ لاَخْتَصَيْنَا (41) . قَال الْقُرْطُبِيُّ: قَال عُلَمَاؤُنَا: فِي قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَل اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (42) } وَمَا شَابَهَ هَذِهِ الآْيَةَ وَالأَْحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي مَعْنَاهَا رَدٌّ عَلَى غُلاَةِ الزَّاهِدِينَ، وَعَلَى أَهْل الْبَطَالَةِ مِنَ الْمُتَصَوِّفِينَ؛ إِذْ كُل فَرِيقٍ مِنْهُمْ قَدْ عَدَل عَنْ طَرِيقِهِ وَحَادَ عَنْ تَحْقِيقِهِ (43) ، قَال الطَّبَرِيُّ: لاَ يَجُوزُ لأَِحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ تَحْرِيمُ شَيْءٍ مِمَّا أَحَل اللَّهُ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ طَيِّبَاتِ الْمَطَاعِمِ وَالْمَلاَبِسِ وَالْمُنَاكَحِ إِذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ بِإِحْلاَل ذَلِكَ بِهَا بَعْضَ الْعَنَتِ وَالْمَشَقَّةِ؛ وَلِذَلِكَ رَدَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ التَّبَتُّل عَلَى ابْنِ مَظْعُونٍ (44) فَثَبَتَ أَنَّهُ لاَ فَضْل فِي تَرْكِ شَيْءٍ مِمَّا أَحَلَّهُ اللَّهُ لِعِبَادِهِ، وَأَنَّ الْفَضْل وَالْبِرَّ إِنَّمَا هُوَ فِي فِعْل مَا نَدَبَ عِبَادَهُ إِلَيْهِ، وَعَمِل بِهِ رَسُول اللَّهِ ﷺ وَسَنَّهُ لأُِمَّتِهِ وَاتَّبَعَهُ عَلَى مِنْهَاجِهِ الأَْئِمَّةُ الرَّاشِدُونَ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ تَبَيَّنَ خَطَأُ مَنْ آثَرَ لُبْسَ الشَّعْرِ وَالصُّوفِ عَلَى لِبَاسِ الْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ إِذَا قَدَرَ عَلَى لِبَاسِ ذَلِكَ مِنْ حِلِّهِ، وَآثَرَ أَكْل الْخَشِنِ مِنَ الطَّعَامِ وَتَرَكَ اللَّحْمَ وَغَيْرَهُ حَذَرًا مِنْ عَارِضِ الْحَاجَةِ إِلَى النِّسَاءِ.
قَال الطَّبَرِيُّ: فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ الْخَيْرَ فِي غَيْرِ الَّذِي قُلْنَا لِمَا فِي لِبَاسِ الْخَشِنِ وَأَكْلِهِ مِنَ الْمَشَقَّةِ عَلَى النَّفْسِ، وَصَرْفِ مَا فَضَل بَيْنَهُمَا مِنَ الْقِيمَةِ إِلَى أَهْل الْحَاجَةِ فَقَدْ ظَنَّ خَطَأً، وَذَلِكَ أَنَّ الأَْوْلَى بِالإِْنْسَانِ صَلاَحُ نَفْسِهِ وَعَوْنُهُ لَهَا عَلَى طَاعَةِ رَبِّهَا، وَلاَ شَيْءَ أَضَرُّ لِلْجِسْمِ مِنَ الْمَطَاعِمِ الرَّدِيئَةِ؛ لأَِنَّهَا مُفْسِدَةٌ لِعَقْلِهِ وَمُضْعِفَةٌ لأَِدَوَاتِهِ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ سَبَبًا إِلَى طَاعَتِهِ.
وَقَدْ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، فَقَال: لِي جَارٌ لاَ يَأْكُل الْفَالُوذَجَ فَقَال: وَلِمَ؟ قَال: لاَ يُؤَدِّي شُكْرَهُ، فَقَال الْحَسَنُ: أَفَيَشْرَبُ الْمَاءَ الْبَارِدَ؟ فَقَال: نَعَمْ، فَقَال: إِنَّ جَارَك جَاهِلٌ، فَإِنَّ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي الْمَاءِ الْبَارِدِ أَكْثَرُ مِنْ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِ فِي الْفَالُوذَجِ (45) .
قَال الْقُرْطُبِيُّ: وَمَا شَهْوَةُ الأَْشْيَاءِ اللَّذَّةُ وَمُنَازَعَةُ النَّفْسِ إِلَى طَلَبِ الأَْنْوَاعِ الشَّهِيَّةِ، فَمَذَاهِبُ النَّاسِ فِي تَمْكِينِ النَّفْسِ مِنْهَا مُخْتَلِفَةٌ. فَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى صَرْفَ النَّفْسِ عَنْهَا وَقَهْرَهَا عَنِ اتِّبَاعِ شَهَوَاتِهَا أَحْرَى لِيُذِل قِيَادَهَا وَيَهُونَ عَلَيْهِ عِنَادُهَا، فَإِنَّهُ إِذَا أَعْطَاهَا الْمُرَادَ يَصِيرُ أَسِيرَ شَهَوَاتِهِ وَمُنْقَادًا بِانْقِيَادِهَا.
وَقَال آخَرُونَ: تَمْكِينُ النَّفْسِ مِنْ لَذَّاتِهَا أَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنِ ارْتِيَاحِهَا وَنَشَاطِهَا بِإِدْرَاكِ إِرَادَتِهَا. وَقَال آخَرُونَ: بَل التَّوَسُّطُ فِي ذَلِكَ أَوْلَى لأَِنَّ فِي عَطَائِهَا ذَلِكَ مَرَّةً وَمَنْعِهَا أُخْرَى جَمْعًا بَيْنَ الأَْمْرَيْنِ، وَذَلِكَ النِّصْفُ مِنْ غَيْرِ شَيْنٍ.
قَال جَابِرٌ: اشْتَهَى أَهْلِي لَحْمًا فَاشْتَرَيْتُهُ لَهُمْ، فَمَرَرْتُ بِعُمَرِ بْنِ الْخَطَّابِ ﵁ فَقَال مَا هَذَا يَا جَابِرُ؟ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَال: أَوَكُلَّمَا اشْتَهَى أَحَدُكُمْ شَيْئًا جَعَلَهُ فِي بَطْنِهِ؟ ، أَمَا يَخْشَى أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْل هَذِهِ الآْيَةِ: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا (46) } .
قَال ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَهَذَا عِتَابٌ مِنْهُ لَهُ عَلَى التَّوَسُّعِ بِابْتِيَاعِ اللَّحْمِ وَالْخُرُوجِ عَنْ جِلْفِ الْخُبْزِ وَالْمَاءِ، فَإِنَّ تَعَاطِيَ الطَّيِّبَاتِ مِنَ الْحَلاَل تَسْتَشْرِهُ لَهَا الطِّبَاعُ وَتَسْتَمْرِئُهَا الْعَادَةُ، فَإِذَا فَقَدَتْهَا اسْتَسْهَلَتْ فِي تَحْصِيلِهَا بِالشُّبُهَاتِ، حَتَّى تَقَعَ فِي الْحَرَامِ الْمَحْضِ بِغَلَبَةِ الْعَادَةِ، وَاسْتَشْرَاهِ الْهَوَى عَلَى النَّفْسِ الأَْمَّارَةِ بِالسُّوءِ، فَأَخَذَ عُمَرُ الأَْمْرَ مِنْ أَوَّلِهِ وَحَمَاهُ مِنِ ابْتِدَائِهِ كَمَا يَفْعَلُهُ مِثْلُهُ.
وَاَلَّذِي يَضْبِطُ هَذَا الْبَابَ وَيَحْفَظُ قَانُونَهُ أَنَّ عَلَى الْمَرْءِ أَنْ يَأْكُل مَا وَجَدَ طَيِّبًا كَانَ أَوْ قِفَارًا (أَيْ بِلاَ إِدَامٍ) ، وَلاَ يَتَكَلَّفُ الطَّيِّبَ وَيَتَّخِذُهُ عَادَةً، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَأْكُل الْحَلْوَى إِذَا قَدَرَ عَلَيْهَا وَيَشْرَبُ الْعَسَل إِذَا اتَّفَقَ لَهُ، وَيَأْكُل اللَّحْمَ إِذَا تَيَسَّرَ وَلاَ يَعْتَمِدُهُ أَصْلاً، وَلاَ يَجْعَلُهُ دَيْدَنًا، وَمَعِيشَةُ النَّبِيِّ ﷺ مَعْلُومَةٌ، وَطَرِيقَةُ الصَّحَابَةِ مَنْقُولَةٌ، فَأَمَّا الْيَوْمَ عِنْدَ اسْتِيلاَءِ الْحَرَامِ، وَفَسَادِ الْحُطَامِ، فَالْخَلاَصُ عَسِيرٌ، وَاَللَّهُ يَهَبُ الإِْخْلاَصَ، وَيُعِينُ عَلَى الْخَلاَصِ بِرَحْمَتِهِ. وَقِيل: فِي مَعْنَى قَوْله تَعَالَى: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ (47) } الآْيَةَ: وَاقِعٌ عَلَى تَرْكِ الشُّكْرِ لاَ عَلَى تَنَاوُل الطَّيِّبَاتِ الْمُحَلَّلَةِ، وَهُوَ حَسَنٌ، فَإِنَّ تَنَاوُل الطَّيِّبِ الْحَلاَل مَأْذُونٌ فِيهِ، فَإِذَا تَرَكَ الشُّكْرَ عَلَيْهِ، وَاسْتَعَانَ بِهِ عَلَى مَا لاَ يَحِل لَهُ فَقَدْ أَذْهَبَهُ (48) .
هـ - التَّوْسِعَةُ فِي اللِّبَاسِ:
11 - يُسْتَحَبُّ لُبْسُ الثَّوْبِ الْحَسَنِ، وَالنَّعْل الْحَسَنِ، وَتَخَيُّرُ اللِّبَاسِ الْجَمِيل؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ﵁ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: لاَ يَدْخُل الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَال ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ، فَقَال رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُل يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً، قَال: إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَال، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ (49) .
وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ (50) .
قَال الشَّوْكَانِيُّ: وَلاَ شَكَّ أَنَّ لُبْسَ مَا فِيهِ جَمَالٌ زَائِدٌ مِنَ الثِّيَابِ يَجْذِبُ بَعْضَ الطِّبَاعِ إِلَى الزَّهْوِ وَالْخُيَلاَءِ وَالْكِبْرِ، وَقَدْ كَانَ هَدْيُهُ ﷺ - كَمَا قَال الْحَافِظُ ابْنُ الْقَيِّمِ - أَنْ يَلْبَسَ مَا تَيَسَّرَ مِنَ اللِّبَاسِ، الصُّوفَ تَارَةً، وَالْقُطْنَ أُخْرَى، وَالْكَتَّانَ تَارَةً، وَلَبِسَ الْبُرُودَ الْيَمَانِيَّةَ، وَالْبُرُدَ الأَْخْضَرَ، وَلَبِسَ الْجُبَّةَ، وَالْقَبَاءَ، وَالْقَمِيصَ، إِلَى أَنْ قَال: فَاَلَّذِينَ يَمْتَنِعُونَ عَمَّا أَبَاحَ اللَّهُ مِنَ الْمَلاَبِسِ وَالْمَطَاعِمِ وَالْمُنَاكَحِ تَزَهُّدًا وَتَعَبُّدًا بِإِزَائِهِمْ طَائِفَةٌ قَابِلُوهُمْ فَلاَ يَلْبَسُونَ إِلاَّ أَشْرَفَ الثِّيَابِ، وَلَمْ يَأْكُلُوا إِلاَّ أَطْيَبَ وَأَلْيَنَ الطَّعَامِ، وَكِلاَ الطَّائِفَتَيْنِ هَدْيُهُ مُخَالِفٌ لِهَدْيِ النَّبِيِّ ﷺ؛ وَلِهَذَا قَال بَعْضُ السَّلَفِ: كَانُوا يَكْرَهُونَ الشُّهْرَتَيْنِ مِنَ الثِّيَابِ الْعَالِيَ وَالْمُنْخَفِضَ، وَفِي السُّنَنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ: مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ فِي الدُّنْيَا أَلْبَسَهُ اللَّهُ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ أَلْهَبَ فِيهِ النَّارَ (51) " وَهَذَا لأَِنَّهُ قَصَدَ بِهِ الاِخْتِيَال وَالْفَخْرَ فَعَاقَبَهُ اللَّهُ بِنَقِيضِ ذَلِكَ. إِلَى آخِرِ كَلاَمِهِ (52) .
وَقَال ابْنُ عَابِدِينَ: اعْلَمْ أَنَّ الْكِسْوَةَ فِيهَا فَرْضٌ: وَهُوَ مَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ وَيَدْفَعُ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ، وَالأَْوْلَى كَوْنُهُ مِنَ الْقُطْنِ، أَوِ الْكَتَّانِ، أَوِ الصُّوفِ عَلَى وِفَاقِ السُّنَّةِ بِأَنْ يَكُونَ ذَيْلُهُ لِنِصْفِ سَاقِهِ وَكُمُّهُ لِرُءُوسِ أَصَابِعِهِ، وَفَمُهُ قَدْرَ شِبْرٍ، كَمَا فِي " النُّتَفِ " بَيْنَ النَّفِيسِ وَالْخَسِيسِ إِذْ خَيْرُ الأُْمُورِ أَوْسَاطُهَا؛ وَلِلنَّهْيِ عَنِ الشُّهْرَتَيْنِ وَهُوَ مَا كَانَ فِي نِهَايَةِ النَّفَاسَةِ وَالْخَسَاسَةِ.
وَمُسْتَحَبٌّ: وَهُوَ الزَّائِدُ لأَِخْذِ الزِّينَةِ وَإِظْهَارِ نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى. قَال ﷺ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ (53) . وَمُبَاحٌ: وَهُوَ الثَّوْبُ الْجَمِيل لِلتَّزَيُّنِ فِي الأَْعْيَادِ وَالْجُمَعِ وَمَجَامِعِ النَّاسِ لاَ فِي جَمِيعِ الأَْوْقَاتِ لأَِنَّهُ صَلَفٌ وَخُيَلاَءُ، وَرُبَّمَا يَغِيظُ الْمُحْتَاجِينَ فَالتَّحَرُّزُ عَنْهُ أَوْلَى، وَمَكْرُوهٌ: وَهُوَ اللُّبْسُ لِلتَّكَبُّرِ. ثُمَّ قَال: وَفِي الْهِنْدِيَّةِ عَنِ السِّرَاجِيَّةِ: لُبْسُ الثِّيَابِ الْجَمِيلَةِ مُبَاحٌ إِذَا لَمْ يَتَكَبَّرْ، وَتَفْسِيرُهُ: أَنْ يَكُونَ مَعَهَا كَمَا كَانَ قَبْلَهَا (54) .
و التَّوسِعَةُ فِي بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ:
12 - حَضَّ الشَّارِعُ عَلَى بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ. قَال تَعَالَى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ (55) } قَال مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ: تُعْلَى وَتُبْنَى، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيل (56) } وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَال: سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ ﷺ يَقُول: مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ (57) وَفِي هَذَا الْمَعْنَى أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ تَحُضُّ عَلَى بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ.
ز - تَشْيِيدُ الْمَسَاجِدِ وَزَخْرَفَتُهَا:
13 - قَال الْبَغَوِيّ: التَّشْيِيدُ: رَفْعُ الْبِنَاءِ وَتَطْوِيلُهُ. وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} (58) وَهِيَ الَّتِي طُوِّل بِنَاؤُهَا، وَقِيل الْمُرَادُ بِالْبُرُوجِ الْمُشَيَّدَةِ، الْمُجَصَّصَةُ، وَالزَّخْرَفَةُ، الزِّينَةُ. (59)
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الزَّخْرَفَةِ، فَكَرِهَهَا قَوْمٌ، مِنْهُمُ الشَّافِعِيَّةُ، بَل قَال الأَْذْرَعِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يَحْرُمَ لِمَا فِيهِ مِنْ إِضَاعَةِ الْمَال لاَ سِيَّمَا إِنْ كَانَ مِنَ مَال الْمَسْجِدِ. وَأَبَاحَهَا آخَرُونَ، فَرَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ وَقَتَادَةَ كِلاَهُمَا عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَبَاهَى النَّاسُ فِي الْمَسَاجِدِ (60) وَقَال أَنَسٌ: يَتَبَاهُونَ بِهَا ثُمَّ لاَ يُعَمِّرُونَهَا إِلاَّ قَلِيلاً. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: مَا أُمِرْتُ بِتَشْيِيدِ الْمَسَاجِدِ قَال ابْنُ عَبَّاسٍ: لَتُزَخْرِفُنَّهَا كَمَا زَخْرَفَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى. (61)
وَقَال أَبُو سَعِيدٍ: كَانَ سَقْفُ الْمَسْجِدِ مِنْ جَرِيدِ النَّخْل، وَأَمَرَ عُمَرُ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَقَال: أَكِنَّ النَّاسَ مِنَ الْمَطَرِ، وَإِيَّاكَ أَنْ تُحَمِّرَ أَوْ تُصَفِّرَ فَتَفْتِنَ النَّاسَ.
قَال ابْنُ بِطَالٍ: كَأَنَّ عُمَرَ فَهِمَ ذَلِكَ مِنْ رَدِّ النَّبِيِّ ﷺ لِخَمِيصَةَ إِلَى أَبِي جَهْمٍ مِنْ أَجْل الأَْعْلاَمِ الَّتِي فِيهَا وَقَال: إِنَّهَا أَلْهَتْنِي عَنْ صَلاَتِي (62) .
وَاحْتَجَّ مَنْ أَبَاحَ ذَلِكَ بِأَنَّ فِيهِ تَعْظِيمَ الْمَسَاجِدِ، وَاَللَّهُ أَمَرَ بِتَعْظِيمِهَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} (63) يَعْنِي تُعَظَّمَ، وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ بَنَى مَسْجِدَ النَّبِيِّ ﷺ بِالسَّاجِ وَحَسَّنَهُ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ نَقَشَ مَسْجِدَ النَّبِيِّ ﷺ وَبَالَغَ فِي عِمَارَتِهِ وَتَزْيِينِهِ، وَذَلِكَ فِي زَمَنِ وِلاَيَتِهِ عَلَى الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ قَبْل خِلاَفَتِهِ، وَذُكِرَ أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ أَنْفَقَ فِي عِمَارَةِ مَسْجِدِ دِمَشْقَ وَفِي تَزْيِينِهِ مِثْل خَرَاجِ الشَّامِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَرُوِيَ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُد عَلَيْهِمَا السَّلَامُ بَنَى مَسْجِدَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَبَالَغَ فِي تَزْيِينِهِ. (64)
قَال فِي الْفَتْحِ: وَأَوَّل مَنْ زَخْرَفَ الْمَسَاجِدَ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ فِي أَوَاخِرِ عَهْدِ الصَّحَابَةِ، وَسَكَتَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْل الْعِلْمِ عَنْ إِنْكَارِ ذَلِكَ خَوْفًا مِنَ الْفِتْنَةِ، وَرَخَّصَ فِي ذَلِكَ بَعْضُهُمْ وَهُوَ قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ إِذَا وَقَعَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيل التَّعْظِيمِ لِلْمَسَاجِدِ، وَلَمْ يَقَعِ الصَّرْفُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ بَيْتِ الْمَال، وَقَال ابْنُ الْمُنِيرِ: لَمَّا شَيَّدَ النَّاسُ بُيُوتَهُمْ وَزَخْرَفُوهَا نَاسَبَ أَنْ نَصْنَعَ ذَلِكَ بِالْمَسَاجِدِ صَوْنًا لَهَا عَنِ الاِسْتِهَانَةِ. (65)
ح - تَطْيِيبُ الْمَسَاجِدِ:
14 - تَطْيِيبُ الْمَسَاجِدِ مَشْرُوعٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. قَال الزَّرْكَشِيُّ: يُسْتَحَبُّ تَجْمِيرُ (66) الْمَسْجِدِ بِالْبَخُورِ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُجَمِّرِ يُجَمِّرُ الْمَسْجِدَ إِذَا قَعَدَ عُمَرُ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَأَنْكَرَ مَالِكٌ تَجْمِيرَ الْمَسَاجِدِ، وَاسْتَحَبَّ بَعْضُ السَّلَفِ تَخْلِيقَ (67) الْمَسَاجِدِ بِالزَّعْفَرَانِ وَالطِّيبِ، وَرُوِيَ عَنْهُ ﷺ فِعْلُهُ، وَقَال الشَّعْبِيُّ: هُوَ سُنَّةٌ، وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ لَمَّا بَنَى الْكَعْبَةَ طَلاَ حِيطَانَهَا بِالْمِسْكِ (68) .
ط - التَّوسِعَةُ فِي الْمَسْكَنِ:
15 - أَجَازَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ الْبِنَاءَ الرَّفِيعَ كَالْقُصُورِ وَنَحْوِهَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَْرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَال بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلاَءَ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَْرْضِ مُفْسِدِينَ} (69)
وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُل مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} (70) ذُكِرَ أَنَّ ابْنًا لِمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ بَنَى دَارًا وَأَنْفَقَ فِيهَا مَالاً كَثِيرًا، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ فَقَال: مَا أَرَى بَأْسًا أَنْ يَبْنِيَ الرَّجُل بِنَاءً يَنْفَعُهُ. وَرُوِيَ أَنَّهُ ﵊ قَال: إِذَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ أَحَبَّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِ (71) . وَمِنْ آثَارِ النِّعْمَةِ الْبِنَاءُ الْحَسَنُ وَالثِّيَابُ الْحَسَنَةُ. وَكَرِهَ ذَلِكَ آخَرُونَ مِنْهُمْ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَغَيْرُهُ. (72)
__________
(1) القاموس مادة: " وسع ".
(2) سورة الإسراء / 29.
(3) المصباح المنير.
(4) القرطبي 10 / 247، 248 ط كتاب الشعب.
(5) لسان العرب.
(6) سورة الفرقان / 67.
(7) سورة الأعراف / 32.
(8) حديث: " إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده " أخرجه الترمذي (5 / 124 - ط مصطفى الحلبي) وقال: هذا حديث حسن.
(9) حديث: " فإن الله إذا أنعم على عبد أحب أن يرى أثر نعمته عليه " أخرجه أحمد (3 / 473 - 474 ط المكتب الإسلامي) ، والترمذي (5 / 124 ط مصطفى الحلبي) بنحوه وقال: هذا حديث حسن.
(10) سورة الأعراف / 31.
(11) حديث: " كلوا واشربوا وألبسوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة " أخرجه أحمد في المسند (10 / 222 ط دار المعارف وصحح إسناده أحمد شاكر) .
(12) حديث: " أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك " أخرجه البخاري (3 / 294 ط السلفية) .
(13) حديث: " اليد العليا خير. . . . " أخرجه البخاري (3 / 294 ط السلفية) .
(14) فتح الباري 5 / 116، والمحلي 5 / 92، والمغني 2 / 370، والأم 1 / 206.
(15) حديث: " دعهما " فلما غفل غمزتهما فخرجتا. وفي رواية هشام " يا أبا بكر إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا " الرواية الأولى أخرجها البخاري (2 / 440 ط السلفية) والرواية الثانية أخرجها البخاري كذلك في (2 / 445 ط السلفية) ، وأخرجها مسلم (2 / 607، 608، 609 ط عيسى الحلبي) .
(16) فتح الباري 5 / 114 والحديث: " دونكم يا بني أرفده " أخرجه البخاري (2 / 440 ط السلفية) ومسلم (2 / 409 ط عيسى الحلبي) .
(17) حديث: " إنما هذه لباس من لا خلاق له " أخرجه البخاري (2 / 439 ط السلفيتة) .
(18) المغني 2 / 370.
(19) نيل الأوطار 3 / 284.
(20) حديث: " كان يلبس برد حبرة في كل عيد " أخرجه الشافعي في كتابه الأم (1 / 233 ط دار المعرفة) ومن طريقه البيهقي (3 / 280 ط دار المعرفة) ورواه علي بن الحسين مرسلا (انظر جامع التحصيل (ص: 294 ط الدار العربية) .
(21) حديث: " ما على أحدكم إن وجد أن يتخذ ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي مهنته " أخرجه أبو داود (1 / 650 ط عزت عبيد دعاس) وابن ماجه (1 / 348 ط عيسى الحلبي) ، وابن حبان (4 / 194 ط دار الكتب العلمية) وقال البوصيري: هذا إسناده صحيح رجاله ثقات، الزوائد (1 / 131 ط الدار العربية) وهو من حديث عائشة.
(22) المغني 3 / 370.
(23) حديث: " كان رسول الله ﷺ أجود الناس بالخير وكان أجود. . . . " أخرجه البخاري (1 / 30 ط السلفية) .
(24) حديث: " قيل: يا رسول الله: فأي الصدقة أفضل قال: " صدقة في رمضان ". أخرجه الترمذي (3 / 52 ط مصطفى الحلبي) وقال: هذا حديث غريب، وصدقة بن موسى ليس عندهم بذاك القوى.
(25) فتح الباري 8 / 251.
(26) الترغيب والترهيب الجزء 2 / 77، والمدخل لابن الحاج 1 / 283 وما بعدها.
(27) حديث: " أبي سعيد: من وسع على أهله في يوم عاشوراء أوسع الله عليه سائر سنته كلها ". أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (المنهاج في شعب الإيمان للحليمي 2 / 394 ط دار الفكر) قال الهيثمي ورواه الطبراني في الأوسط وفيه محمد بن إسماعيل الجعفري قال أبو حاتم منكر الحديث: المجمع 3 / 188 ط دار الكتاب العربي.
(28) حديث: عن عبد الله بن مسعود من وسع على أهله يوم عاشواء وسع الله عليه سائر سنته. قال الهيثمي (رواه الطبراني في الكبير وفيه الهيثم بن الشداخ وهو ضعيف جدا، المجمع 3 / 189 ط دار الكتاب العربي) .
(29) اقتضاء الطريق المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم ص300.
(30) سورة الأعراف / 31.
(31) حديث: " كف من جشائك فإن أكثر الناس في الدنيا شبعا أكثرها يوم القيامة جوعا " أخرجه الحاكم (4 / 121 ط دار الكتاب العربي) ، تكلم الذهبي في اثنين من رواته بأن أحدهما كذاب والآخر هالك.
(32) حديث: " الكافر يأكل في سبعة أمعاء والمؤمن يأكل في معي واحدة " أخرجه مسلم (3 / 1631 ط عيسى البابي) .
(33) القرطبي 7 / 194.
(34) حديث: " من كثر تفكره قل طعمه ومن قل تفكيره كثر طعمه وقسا قلبه " لم نعثر عليه في المصادر التي بين أيدينا من كتب الحديث.
(35) سورة الأحقاف / 20.
(36) حديث: " كان يحب الحلوى والعسل " أخرجه البخاري (فتح الباري 9 / 557 ط السلفية) .
(37) القرطبي 7 / 191 وما بعدها.
(38) سورة الأعراف / 32.
(39) الحديث: " سيد الأدام في الدنيا والآخرة اللحم " قال الهيثمي: (رواه الطبراني في الأوسط وفيه سعيد بن بليته القطان ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات وفي بعضهم كلام لا يضر. . . . ا. هـ. مجمع الزوائد 5 / 35 ط. دار الكتاب العربي) وله شاهد عن ابن ماجه (2 / 109 ط عيسى الحلبي) من حديث أبي الدرداء. وضعفه البوصيري في الزوائد (4 / 17 ط الدار العربية) .
(40) الحديث: " كان يأكل البطيخ بالرطب ويقول: نكسر حر هذا ببرد هذا وبرد هذا بحر هذا " أخرجه أبو داود (4 / 176 ط عزت عبيد الدعاس) ، والترمذي 4 / 280 ط مصطفى الحلبي) وحسنه. وكلاهما رواه من حديث عائشة.
(41) الحديث: " أراد عثمان بن مظعون أن يتبتل فنهاه النبي ﷺ، ولو أجاز له. . . " أخرجه الدارمي (2 / 133 ط دار الكتب العلمية) وأحمد (6 / 268 ط المكتب الإسلامي) مطولا واللفظ للأول، وقال الهيثمي (أسانيد أحمد رجالها ثقات المجمع 4 / 301 ط دار الكتاب العربي) .
(42) سورة المائدة / 87.
(43) القرطبي 6 / 259.
(44) حديث: " رد رسول الله ﷺ علي بن أبي مظعون " سبق تخريجه.
(45) القرطبي - سورة المائدة 6 / 259.
(46) سورة الأحقاف / 20.
(47) سورة الأحقاف 20
(48) القرطبي 16 / 202 - 203.
(49) الحديث: " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثال ذرة من كبر ". أخرجه مسلم (1 / 93 ط عيسى الحلبي) .
(50) الحديث: " إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده " سبق تخريجه ف / 5.
(51) الحديث: " من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة ثم ألهب فيه نارا " أخرجه أبو داود (4 / 314 ط عزت عبيد الدعاس) وابن ماجه (2 / 1192 ط عيسى الحلبي) وحسنه البوصيري في الزوائد (4 / 90 ط الدار العربية) .
(52) نيل الأوطار 2 / 112، وزاد المعاد 1 / 36، 37.
(53) الحديث: " إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده " سبق تخريجه ف / 5.
(54) حاشية ابن عابدين 6 / 351.
(55) سورة النور / 36.
(56) سورة البقرة / 127.
(57) الحديث: " من بنى لله مسجدا بنى الله له مثله في الجنة ". أخرجه مسلم (1 387 ط عيسى الحلبي) وابن ماجه (1 243 ط عيسى الحلبي) واللفظ لابن ماجه وهو من حديث عثمان بن عثمان.
(58) سورة النساء / 78
(59) المجموع 2 / 180، ونيل الأوطار جزء 2 / 150
(60) الحديث: " لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد " أخرجه أحمد (3 / 134 ط المكتب الإسلامي) وأبو داود (1 / 1361 ط عزت عبيد الدعاس وصححه السيوطي وأقره المناوي (فيض القدير 6 / 417 ط المكتبة التجارية)
(61) الحديث: " ما أمرت بتشييد المساجد " أخرجه أبو داود (1 / 310 ط عزت عبيد الدعاس) وابن حبان في صحيحه (3 / 70 ط دار الكتب العلمية، وحسنه عبد القادر الأرناؤوط (جامع الأصول 11 / 309 ط مكتبة دار البيان)
(62) حديث: " اذهبوا. . . . " رواه مسلم عن عائشة ولفظه قالت: " قام رسول الله ﷺ يصلي في قميصة ذات أعلام فنظر إلى علمها فلما قضى صلاته قال: اذهبوا بهذه الخميصة إلى أبي جهم بن حذيفة وائتوني بأنبجائية فإنها ألهتني آنفا في صلاتي "
(63) سورة النور / 36
(64) القرطبي 12 / 266 - 267
(65) فتح الباري الجزء 3 / 109، ونيل الأوطار 2 / 150
(66) تجمير المسجد / تبخيره بالطيب
(67) تطييبها بالخلوق
(68) أعلام الساجد بأحكام المساجد للزركشي ص338.
(69) سورة الأعراف / 74
(70) سورة الأعراف / 32
(71) الحديث: " إذا أنعم الله على عبد أحب أن يرى أثر نعمته عليه ". سبق تخريجه ف / 5
(72) تفسير القرطبي 7 / 239
الموسوعة الفقهية الكويتية: 164/ 14