الأحد
كلمة (الأحد) في اللغة لها معنيانِ؛ أحدهما: أولُ العَدَد،...
موضع سجود الإنسان من رأسه . ومن شواهده عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ " أُمِرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - أَنْ يَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْضَاءٍ، وَلاَ يَكُفَّ شَعَرًا، وَلاَ ثَوْبًا : الجَبْهَةِ، وَاليَدَيْنِ، وَالرُّكْبَتَيْنِ، وَالرِّجْلَيْنِ . " البخاري : 809.
موضع سجود الإنسان من رأسه.
التَّعْرِيفُ:
1 - الْجَبْهَةُ مِنَ الْوَجْهِ مَعْرُوفَةٌ هِيَ مُسْتَوَى مَا بَيْنَ الْحَاجِبَيْنِ إِلَى النَّاصِيَةِ، وَقَال الأَْصْمَعِيُّ: هِيَ مَوْضِعُ السُّجُودِ، وَالْجَمْعُ جِبَاهٌ (1) .
أَمَّا فِي الاِصْطِلاَحِ فَلَهَا إِطْلاَقَانِ: فَالْجَبْهَةُ مِنَ الْوَجْهِ الَّتِي يَجِبُ غَسْلُهَا فِي الْوُضُوءِ، عَرَّفَهَا الْفُقَهَاءُ فِي أَبْوَابِ الْوُضُوءِ بِأَنَّهَا مَا ارْتَفَعَ عَنِ الْحَاجِبَيْنِ إِلَى مَبْدَأِ الرَّأْسِ، وَهُوَ أَوَّل شَعْرِ الرَّأْسِ الْمُعْتَادِ، فَتَشْمَل الْجَبِينَيْنِ.
وَعَرَّفُوهَا فِي أَبْوَابِ الصَّلاَةِ بِأَنَّهَا مُسْتَدِيرُ مَا بَيْنَ الْحَاجِبَيْنِ، وَبِأَنَّهَا مَا اكْتَنَفَهُ الْجَبِينَانِ، وَبِهَذَا الْمَعْنَى لاَ تَشْمَل الْجَبِينَيْنِ (2) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْجَبِينُ:
2 - الْجَبِينُ فَوْقَ الصَّدْغِ، وَهُمَا جَبِينَانِ عَنْ يَمِينِ الْجَبْهَةِ وَعَنْ شِمَالِهَا فَإِذَا أَرَدْنَا بِالْجَبْهَةِ مُسْتَدِيرَ مَا بَيْنَ الْحَاجِبَيْنِ إِلَى النَّاصِيَةِ فَالْجَبِينُ وَالْجَبْهَةُ مُتَبَايِنَانِ، أَمَّا إِنْ أَرَدْنَا بِالْجَبْهَةِ مَا ارْتَفَعَ عَنِ الْحَاجِبَيْنِ إِلَى مَبْدَأِ الرَّأْسِ فَالْجَبِينُ جُزْءٌ مِنَ الْجَبْهَةِ (3) .
ب - النَّاصِيَةُ:
3 - النَّاصِيَةُ قِصَاصُ الشَّعْرِ مِنْ مُقَدَّمِ الرَّأْسِ، وَنُقِل عَنِ الأَْزْهَرِيِّ قَوْلُهُ: النَّاصِيَةُ عِنْدَ الْعَرَبِ مَنْبِتُ الشَّعْرِ فِي مُقَدَّمِ الرَّأْسِ لاَ الشَّعْرُ الَّذِي تُسَمِّيهِ الْعَامَّةُ النَّاصِيَةَ
وَقَدَّرَهَا الْحَنَفِيَّةُ بِرُبُعِ الرَّأْسِ، لأَِنَّهَا أَحَدُ جَوَانِبِهِ كَمَا عَلَّلَهُ الزَّيْلَعِيُّ.
وَعَلَى ذَلِكَ فَالنَّاصِيَةُ مُقَدَّمُ الرَّأْسِ ابْتِدَاءً مِنْ مَنْبِتِ الشَّعْرِ فَوْقَ الْجَبْهَةِ (4) .
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْجَبْهَةِ:
أَوَّلاً - غَسْل الْجَبْهَةِ فِي الْوُضُوءِ وَمَسْحُهَا فِي التَّيَمُّمِ:
4 - الْجَبْهَةُ جُزْءٌ مِنَ الْوَجْهِ، وَلِهَذَا يَجِبُ غَسْلُهَا فِي الْوُضُوءِ وَمَسْحُهَا فِي التَّيَمُّمِ، وَذَلِكَ بِنَصِّ الآْيَةِ الْكَرِيمَةِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ. . .} (5) .
وَيَدْخُل فِي غَسْل الْجَبْهَةِ أَسَارِيرُهَا، وَهِيَ خُطُوطُ الْجَبْهَةِ وَانْكِمَاشُهَا إِنْ لَمْ تَلْحَقْ بِهِ مَشَقَّةٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ (6) . وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (وُضُوءٌ، وَتَيَمُّمٌ) .
ثَانِيًا - وَضْعُ الْجَبْهَةِ عَلَى الأَْرْضِ فِي السُّجُودِ:
5 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالصَّاحِبَانِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ) إِلَى أَنَّ أَقَل السُّجُودِ وَضْعُ بَعْضِ جَبْهَةِ الْمُصَلِّي عَلَى مَا يُصَلَّى عَلَيْهِ مِنَ الأَْرْضِ، أَوْ غَيْرِهَا، فَتُفْرَضُ السَّجْدَةُ عَلَى أَيْسَرِ جُزْءٍ مِنَ الْجَبْهَةِ لِمَنْ كَانَ قَادِرًا، وَذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ، حَتَّى لَوْ تَرَكَ السُّجُودَ عَلَيْهَا حَال الاِخْتِيَارِ لاَ يَجْزِيهِ (7) ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - ﵄ - قَال: أَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يُسْجَدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْضَاءٍ: الْجَبْهَةِ، وَالْيَدَيْنِ، وَالرُّكْبَتَيْنِ، وَالرِّجْلَيْنِ
وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ: وَأَشَارَ بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ، وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ: وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ وَأَمَرَّهَا عَلَى أَنْفِهِ وَقَال: هَذَا وَاحِدٌ (8) . وَفِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلٌ وَخِلاَفٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (سُجُودٌ) .
ثَالِثًا - تَقْبِيل الْجَبْهَةِ:
6 - صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ بِجَوَازِ تَقْبِيل الرَّجُل جَبْهَةَ الرَّجُل، وَوَجْهِهِ، وَرَأْسِهِ، إِذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْمَبَرَّةِ وَالإِْكْرَامِ، أَوِ الشَّفَقَةِ عِنْدَ اللِّقَاءِ وَالْوَدَاعِ، وَاحْتِرَامًا مَعَ أَمْنِ الشَّهْوَةِ (9) .
وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ عَانَقَ جَعْفَرًا حِينَ قَدِمَ مِنَ الْحَبَشَةِ وَقَبَّل بَيْنَ عَيْنَيْهِ (10) .
وَلِلتَّفْصِيل يُرَاجَعُ مُصْطَلَحُ: (تَقْبِيلٌ) .
رَابِعًا - شِجَاجُ الْجَبْهَةِ:
7 - ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ أَنْوَاعَ شِجَاجِ الْوَجْهِ وَالْجَبْهَةِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ فِي الْمُوضِحَةِ مِنْهَا قِصَاصًا إِذَا كَانَتْ عَمْدًا، وَالْمُوضِحَةُ هِيَ الْجَرْحُ الَّذِي يُظْهِرُ الْعَظْمَ بَعْدَ خَرْقِ الْجِلْدَةِ. وَإِنَّمَا شَرْعُ الْقِصَاصِ فِي الْمُوضِحَةِ هُوَ تَيْسِيرُ ضَبْطِهَا وَإِمْكَانُ الاِسْتِيفَاءِ فِيهَا دُونَ حَيْفٍ.
أَمَّا الأَْنْوَاعُ الأُْخْرَى مِنَ الشِّجَاجِ فَلاَ قِصَاصَ فِيهَا لِعُسْرِ ضَبْطِهَا وَصُعُوبَةِ اسْتِيفَاءِ مِثْلِهَا (11) .
وَإِذَا سَقَطَ الْقِصَاصُ بِسَبَبِ عُسْرِ ضَبْطِهَا فَفِيهَا الدِّيَةُ الْمُحَدَّدَةُ لَهَا شَرْعًا، وَإِلاَّ فَحُكُومَةُ عَدْلٍ (12) .
وَتَفْصِيل الْمَوْضُوعِ فِي مُصْطَلَحِ: (قِصَاصٌ - جِنَايَةٌ - دِيَاتٌ - حُكُومَةُ عَدْلٍ) .
مَوَاطِنُ الْبَحْثِ:
ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ أَحْكَامَ الْجَبْهَةِ فِي مَبَاحِثِ الْوُضُوءِ وَالسَّجْدَةِ، وَمَسَائِل النَّظَرِ وَالْمَسِّ، وَبَحْثِ الْقِصَاصِ وَالْجِنَايَاتِ وَنَحْوِهَا.
__________
(1) لسان العرب، والمصباح المنير والمغرب، مادة: (جبهة) .
(2) الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي (1 / 86، 240، وكفاية الطالب الرباني 1 / 210، وروضة الطالبين 1 / 255، وحاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ص 126.
(3) المصباح المنير ومختار الصحاح مادة: (جبن) ورضة الطالبين 1 / 255، والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 1 / 86، 240، وكفاية الطالب 1 / 210.
(4) المصباح المنير ولسان العرب مادة: (نصي) وتبين الحقائق 1 / 3، والبناية على الهداية 1 / 111، وفتح القدير 1 / 15.
(5) سورة المائدة / 6.
(6) الزرقاني 1 / 56.
(7) البدائع 1 / 105، 210، والإقناع 1 / 125، ونهاية المحتاج 1 / 489، وكفاية الطالب 1 / 210، 211، وروضة الطالبين 1 / 256، وكشاف القناع 1 / 371، وفتح الباري 2 / 296.
(8) حديث ابن عباس: أمر النبي ﷺ أن يسجد على سبعة أعضاء: الجبهة، واليدين، والركبتين، والرجلين. أخرجه البخاري (الفتح 2 / 295 - ط السلفية) والنسائي (2 / 210 - ط المكتبة التجارية) .
(9) ابن عابدين 5 / 245، 246، والبناية على الهداية 9 / 317، 318، 326 - 327، وجواهر الإكليل 1 / 20، والقليوبي 3 / 213، وكشاف القناع 5 / 16، والآداب الشرعية 2 / 270 - 279.
(10) حديث: " أن النبي ﷺ عانق جعفرا حين قدم من الحبشة وقبل بين عينيه ". أخرجه أبو داود (5 / 392 - تحقيق عزت عبيد دعاس) عن الشعبي به مرسلا، وإسناده ضعيف لإرساله.
(11) ابن عابدين 5 / 354، 372، 373، وقليوبي 4 / 113، 114، والمغني 7 / 703، 704.
(12) حكومة عدل: هي أن ينظر كم مقدار هذه الشجة من الموضحة فيجب بقدر ذلك من نصف عشر الدية (الدر المختار 5 / 373) .
الموسوعة الفقهية الكويتية: 104/ 15