البحث

عبارات مقترحة:

المتين

كلمة (المتين) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل على وزن (فعيل) وهو...

العزيز

كلمة (عزيز) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) وهو من العزّة،...

الوكيل

كلمة (الوكيل) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (مفعول) أي:...

الْجِنُّ


من معجم المصطلحات الشرعية

أَجْسَامٌ عَاقِلَةٌ خَفِيَّةٌ تَغْلِبُ عَلَيْهِمُ النَّارِيَّةُ، أَوِ الْهَوَائِيَّةُ يتشكلون بِأَشْكَالٍ مُخْتَلِفَةٍ . ومن شواهده قوله تَعَالَى : ﱫﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﱪ الكهف :50.


انظر : الذخيرة للقرافي، 1/233، الإنصاف للمرداوي، 2/275، الكليات للكفوي، ص : 359.

من الموسوعة الكويتية

التَّعْرِيفُ:
1 - الْجِنُّ خِلاَفُ الإِْنْسِ، وَالْجَانُّ: الْوَاحِدُ مِنَ الْجِنِّ، يُقَال: جَنَّهُ اللَّيْل وَجَنَّ عَلَيْهِ وَأَجَنَّهُ: إِذَا سَتَرَهُ. وَكُل شَيْءٍ سُتِرَ عَنْكَ فَقَدْ جُنَّ عَنْكَ.
قَال ابْنُ مَنْظُورٍ: وَبِهِ سُمِّيَ الْجِنُّ لاِسْتِتَارِهِمْ وَاخْتِفَائِهِمْ عَنِ الأَْبْصَارِ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الْجَنِينُ لاِسْتِتَارِهِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ.
وَكَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّةِ يُسَمُّونَ الْمَلاَئِكَةَ جِنًّا لاِسْتِتَارِهِمْ عَنِ الْعُيُونِ. وَالْجِنُّ: أَجْسَامٌ نَارِيَّةٌ لَهَا قُوَّةُ التَّشَكُّل. قَال اللَّهُ تَعَالَى: {وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْل مِنْ نَارِ السَّمُومِ} (1) :.
قَال الْبَيْضَاوِيُّ: الْجِنُّ أَجْسَامٌ عَاقِلَةٌ خَفِيَّةٌ تَغْلِبُ عَلَيْهِمُ النَّارِيَّةُ أَوِ الْهَوَائِيَّةُ. وَقَال أَبُو عَلِيِّ بْنُ سِينَا: الْجِنُّ حَيَوَانٌ هَوَائِيٌّ يَتَشَكَّل بِأَشْكَالٍ مُخْتَلِفَةٍ. (2) وَلاَ يَخْرُجُ الاِصْطِلاَحُ الْفِقْهِيُّ عَنْ ذَلِكَ. الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الإِْنْسُ:
2 - الإِْنْسُ: جَمَاعَةُ النَّاسِ، وَالْجَمْعُ أُنَاسٌ، وَالإِْنْسُ: الْبَشَرُ. الْوَاحِدُ إِنْسِيٌّ وَأَنَسِيٌّ بِالتَّحْرِيكِ، وَهُمْ بَنُو آدَمَ. وَقَال فِي الْكُلِّيَّاتِ: " كُل مَا يُؤْنَسُ بِهِ فَهُوَ إِنْسٌ " (3) . وَالنِّسْبَةُ بَيْنَ الْجِنِّ وَالإِْنْسِ التَّضَادُّ.

ب - الشَّيَاطِينُ:
3 - الشَّيَاطِينُ جَمْعُ شَيْطَانٍ وَصِيغَتُهُ (فَيْعَال) مِنْ شَطَنَ إِذَا بَعُدَ أَيْ: بَعُدَ عَنِ الْخَيْرِ، أَوْ مِنَ الْحَبْل الطَّوِيل كَأَنَّهُ طَال فِي الشَّرِّ. وَهَذَا فِيمَنْ جَعَل النُّونَ أَصْلاً، وَقِيل: الشَّيْطَانُ فَعْلاَنٌ مِنْ شَاطَ يَشِيطُ إِذَا هَلَكَ وَاحْتَرَقَ، وَهَذَا فِيمَنْ جَعَل النُّونَ زَائِدَةً.
قَال الأَْزْهَرِيُّ: الأَْوَّل أَكْثَرُ.
وَهُوَ مِنْ حَيْثُ الْعُمُومُ: الْعَصِيُّ الأَْبِيُّ الْمُمْتَلِئُ شَرًّا وَمَكْرًا، أَوِ الْمُتَمَادِي فِي الطُّغْيَانِ الْمُمْتَدِّ إِلَى الْعِصْيَانِ. وَكُل عَاتٍ مُتَمَرِّدٍ مِنَ الْجِنِّ وَالإِْنْسِ وَالدَّوَابِّ شَيْطَانٌ. (4) فَبَيْنَ الْجِنِّ وَالشَّيْطَانِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ وَجْهِيٌّ.
4 - وَيُدْعَى مُتَمَرِّدُ الشَّيَاطِينِ (عِفْرِيتًا) .
وَالْعِفْرِيتُ: الْخَبِيثُ الْمُنْكَرُ الدَّاهِيَةُ، وَيُسَمَّى الْجِنُّ عِفْرِيتًا إِذَا بَلَغَ الْغَايَةَ فِي الْكُفْرِ وَالظُّلْمِ وَالتَّعَدِّي وَالْقُوَّةِ.
قَال أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الْجِنُّ عِنْدَ أَهْل الْكَلاَمِ وَاللِّسَانِ مُنَزَّلُونَ عَلَى مَرَاتِبَ. فَإِذَا ذَكَرُوا الْجِنَّ خَالِصًا قَالُوا: جِنِّيٌّ. فَإِنْ أَرَادُوا أَنَّهُ مِمَّنْ يَسْكُنُ مَعَ النَّاسِ قَالُوا: عَامِرٌ، وَالْجَمْعُ عُمَّارٌ. فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَعْرِضُ لِلصِّبْيَانِ قَالُوا أَرْوَاحٌ، فَإِنْ خَبُثَ وَتَعَزَّمَ فَهُوَ شَيْطَانٌ، فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ مَارِدٌ، فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ وَقَوِيَ أَمْرُهُ قَالُوا: عِفْرِيتٌ، وَالْجَمْعُ عَفَارِيتُ. (5)
وَكَبِيرُ الْجِنِّ: إِبْلِيسُ. قَال اللَّهُ تَعَالَى: {فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} (6) .

الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
لِلْجِنِّ أَحْكَامٌ عَامَّةٌ وَخَاصَّةٌ، وَفِيمَا يَلِي بَيَانُهَا:

أَوَّلاً - الأَْحْكَامُ الْعَامَّةُ:

وُجُودُ الْجِنِّ:
5 - ثَبَتَ وُجُودُ الْجِنِّ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَعَلَى ذَلِكَ انْعَقَدَ الإِْجْمَاعُ، فَمُنْكِرُ وُجُودِهِمْ كَافِرٌ لإِِنْكَارِهِ مَا عُلِمَ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ.

قُدْرَتُهُمْ عَلَى التَّشَكُّل فِي صُوَرٍ شَتَّى:
6 - قَال بَدْرُ الدِّينِ الشِّبْلِيُّ: لِلْجِنِّ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّطَوُّرِ وَالتَّشَكُّل فِي صُوَرِ الإِْنْسِ وَالْبَهَائِمِ، فَيَتَصَوَّرُونَ فِي صُوَرِ الْحَيَّاتِ، وَالْعَقَارِبِ، وَفِي صُوَرِ الإِْبِل، وَالْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ، وَالْخَيْل، وَالْبِغَال، وَالْحَمِيرِ، وَفِي صُوَرِ الطَّيْرِ، وَفِي صُوَرِ بَنِي آدَمَ، كَمَا أَتَى الشَّيْطَانُ قُرَيْشًا فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ بْنِ جُعْشُمٍ لَمَّا أَرَادُوا الْخُرُوجَ إِلَى بَدْرٍ. (7) قَال اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَال لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَال إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (8) وَكَمَا رُوِيَ أَنَّهُ تَصَوَّرَ فِي صُورَةِ شَيْخٍ نَجْدِيٍّ لَمَّا اجْتَمَعُوا بِدَارِ النَّدْوَةِ لِلتَّشَاوُرِ فِي أَمْرِ الرَّسُول ﷺ هَل يَقْتُلُونَهُ، أَوْ يَحْبِسُونَهُ، أَوْ يُخْرِجُونَهُ، (9) وَوَرَدَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يَرْفَعُهُ أَنَّ بِالْمَدِينَةِ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ قَدْ أَسْلَمُوا فَمَنْ رَأَى شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْعَوَامِرِ فَلْيُؤْذِنْهُ ثَلاَثًا فَإِنْ بَدَا لَهُ بَعْدُ فَلْيَقْتُلْهُ فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ (10) .
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: تَشَكُّلُهُمْ ثَابِتٌ بِالأَْحَادِيثِ، وَالآْثَارِ، وَالْحِكَايَاتِ الْكَثِيرَةِ. وَأَنْكَرَ قَوْمٌ قُدْرَةَ الْجِنِّ عَلَى ذَلِكَ. وَقَال الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى: لاَ قُدْرَةَ لِلشَّيَاطِينِ عَلَى تَغْيِيرِ خَلْقِهِمْ وَالاِنْتِقَال فِي الصُّوَرِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يُعَلِّمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى كَلِمَاتٍ وَضُرُوبًا مِنَ الأَْفْعَال إِذَا فَعَلَهُ وَتَكَلَّمَ بِهِ نَقَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ صُورَةٍ إِلَى صُورَةٍ.
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَال: إِنَّ أَحَدًا لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَغَيَّرَ عَنْ صُورَتِهِ الَّتِي خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا وَلَكِنَّ لَهُمْ سَحَرَةً كَسَحَرَتِكُمْ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَأْذَنُوا. (11) هَذَا وَمِنْ خَصَائِصِ الْجِنِّ أَنَّهُمْ يَرَوْنَ الإِْنْسَ وَلاَ يَرَاهُمُ الإِْنْسُ إِلاَّ نَادِرًا، قَال اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ} (12) .

مَسْكَنُ الْجِنِّ وَمَأْكَلُهُمْ وَمَشْرَبُهُمْ:
7 - غَالِبُ مَا يَسْكُنُ الْجِنُّ فِي مَوَاضِعِ الْمَعَاصِي وَالنَّجَاسَاتِ، كَالْحَمَّامَاتِ، وَالْحُشُوشِ، وَالْمَزَابِل، وَالْقَمَّامِينَ. فَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ عَنْ رَسُول اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَال: إِنَّ هَذِهِ الْحُشُوشَ مُحْتَضَرَةٌ فَإِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْخَلاَءَ فَلْيَقُل اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ. وَالْمَحْضَرَةُ مَكَانُ حُضُورِ الْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ. (13) وَقَدْ جَاءَتِ الآْثَارُ بِالنَّهْيِ عَنِ الصَّلاَةِ فِي هَذِهِ الأَْمَاكِنِ.
8 - وَمِنْ أَزْوَادِ الْجِنِّ الْعِظَامُ. فَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْجِنَّ سَأَلُوا رَسُول اللَّهِ ﷺ الزَّادَ فَقَال: كُل عَظْمٍ يُذْكَرُ اسْمُ اللَّهِ يَقَعُ فِي أَيْدِيكُمْ أَوْفَرَ مَا كَانَ لَحْمًا، وَكُل بَعْرَةٍ أَوْ رَوْثَةٍ عَلَفٌ لِدَوَابِّكُمْ (14) . وَقَدْ نَهَى رَسُول اللَّهِ ﷺ أَنْ يُسْتَنْجَى بِالْعَظْمِ وَالرَّوْثِ وَقَال: إِنَّهُ زَادُ إِخْوَانِكُمْ مِنَ الْجِنِّ (15) . تَكْلِيفُ الْجِنِّ وَدُخُولُهُمْ فِي عُمُومِ بِعْثَةِ مُحَمَّدٍ ﷺ:
9 - اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْجِنَّ مُكَلَّفُونَ مُخَاطَبُونَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِْنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} (16) وقَوْله تَعَالَى: {قُل أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} (17) وقَوْله تَعَالَى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِْنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ. . .} إِلَى قَوْله تَعَالَى {فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} (18) إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآْيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى تَكْلِيفِهِمْ وَأَنَّهُمْ مَأْمُورُونَ مَنْهِيُّونَ. وَلِمَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ ذَمِّ الشَّيَاطِينِ وَلَعْنِهِمْ، وَالتَّحَرُّزِ مِنْ غَوَائِلِهِمْ وَشَرِّهِمْ، وَذِكْرِ مَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ، وَهَذِهِ لاَ تَكُونُ إِلاَّ لِمَنْ خَالَفَ الأَْمْرَ وَالنَّهْيَ، وَارْتَكَبَ الْكَبَائِرَ، وَهَتَكَ الْمَحَارِمَ، مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ أَنْ لاَ يَفْعَل ذَلِكَ، وَقُدْرَتِهِ عَلَى فِعْل خِلاَفِهِ.
قَال الْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ: لاَ نَعْلَمُ خِلاَفًا بَيْنَ أَهْل النَّظَرِ فِي أَنَّ الْجِنَّ مُكَلَّفُونَ. وَحُكِيَ عَنِ الْحَشَوِيَّةِ أَنَّهُمْ مُضْطَرُّونَ إِلَى أَفْعَالِهِمْ، وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا مُكَلَّفِينَ.
10 - وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى دُخُول الْجِنِّ فِي عُمُومِ بِعْثَةِ النَّبِيِّ ﷺ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرْسَل مُحَمَّدًا ﷺ إِلَى الْجِنِّ وَالإِْنْسِ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الأَْنْبِيَاءِ قَبْلِي (19) وَحَدِيثِ كَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى خَاصَّةِ قَوْمِهِ وَبُعِثْتُ أَنَا إِلَى الْجِنِّ وَالإِْنْسِ (20)
قَال ابْنُ عَقِيلٍ: وَالْجِنُّ دَاخِلُونَ فِي مُسَمَّى النَّاسِ لُغَةً. (21)
وَيَقُول الْفَيُّومِيُّ: يُطْلَقُ لَفْظُ النَّاسِ عَلَى الْجِنِّ وَالإِْنْسِ. قَال تَعَالَى: {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ} ثُمَّ فَسَّرَ النَّاسَ بِالْجِنِّ وَالإِْنْسِ فَقَال: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} (22) . ثَوَابُ الْجِنِّ عَلَى أَعْمَالِهِمْ:
11 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ الْجِنَّ يُثَابُونَ عَلَى الطَّاعَةِ وَيُعَاقَبُونَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} (23) وقَوْله تَعَالَى: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا} (24) وقَوْله تَعَالَى: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ} (25)
وَحَكَى ابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَال: لاَ ثَوَابَ لَهُمْ إِلاَّ النَّجَاةُ مِنَ النَّارِ لأَِنَّهُ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ فِيهِمْ {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} (26) وَالْمَغْفِرَةُ لاَ تَسْتَلْزِمُ الإِْثَابَةَ؛ لأَِنَّ الْمَغْفِرَةَ سَتْرٌ. وَرُوِيَ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ. قَال: ثَوَابُ الْجِنِّ أَنْ يُجَارُوا مِنَ النَّارِ، ثُمَّ يُقَال لَهُمْ: كُونُوا تُرَابًا، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ قَال: إِذَا دَخَل أَهْل الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأَهْل النَّارِ النَّارَ قَال اللَّهُ تَعَالَى: لِمُؤْمِنِي الْجِنِّ وَسَائِرِ الأُْمَمِ: (27) كُونُوا تُرَابًا، فَحِينَئِذٍ يَقُول الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا. (28)
ثُمَّ إِنَّ الْعُلَمَاءَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ كَافِرَ الْجِنِّ يُعَذَّبُ فِي الآْخِرَةِ، كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} (29) وقَوْله تَعَالَى: {وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ} (30)

دُخُول الْجِنِّ فِي بَدَنِ الإِْنْسَانِ:
12 - قَال أَبُو الْحَسَنِ الأَْشْعَرِيُّ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْجِنِّ، هَل يَدْخُلُونَ فِي النَّاسِ؟ عَلَى مَقَالَتَيْنِ: فَقَال قَائِلُونَ: مُحَالٌ أَنْ يَدْخُل الْجِنُّ فِي النَّاسِ. وَقَال قَائِلُونَ: يَجُوزُ أَنْ يَدْخُل الْجِنُّ فِي النَّاسِ، وَلِحَدِيثِ: اخْرُجْ عَدُوَّ اللَّهِ فَإِنِّي رَسُول اللَّهِ ﷺ (31) وَلأَِنَّ أَجْسَامَ الْجِنِّ أَجْسَامٌ رَقِيقَةٌ، فَلَيْسَ بِمُسْتَنْكَرٍ أَنْ يَدْخُلُوا فِي جَوْفِ الإِْنْسَانِ مِنْ خُرُوقِهِ، كَمَا يَدْخُل الْمَاءُ وَالطَّعَامُ فِي بَطْنِ الإِْنْسَانِ، وَهُوَ أَكْثَفُ مِنْ أَجْسَامِ الْجِنِّ، وَلاَ يُؤَدِّي ذَلِكَ إِلَى اجْتِمَاعِ الْجَوَاهِرِ فِي حَيِّزٍ وَاحِدٍ؛ لأَِنَّهَا لاَ تَجْتَمِعُ إِلاَّ عَلَى طَرِيقِ الْمُجَاوَرَةِ لاَ عَلَى سَبِيل الْحُلُول، وَإِنَّمَا تَدْخُل أَجْسَامَنَا كَمَا يَدْخُل الْجِسْمُ الرَّقِيقُ فِي الْمَظْرُوفِ. (32) رِوَايَةُ الْجِنِّ لِلْحَدِيثِ:
13 - تَجُوزُ رِوَايَةُ الْجِنِّ عَنِ الإِْنْسِ مَا سَمِعُوهُ مِنْهُمْ، أَوْ قُرِئَ عَلَيْهِمْ وَهُمْ يَسْمَعُونَ، سَوَاءٌ عَلِمَ الإِْنْسُ بِحُضُورِهِمْ أَمْ لاَ. لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُل أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ} (33) الآْيَاتِ، وَقَوْلُهُ: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ قَالُوا يَا قَوْمَنَا. . .} (34) فَإِذَا جَازَ أَنْ يُبَلِّغُوا الْقُرْآنَ جَازَ أَنْ يُبَلِّغُوا الْحَدِيثَ. وَكَذَا إِذَا أَجَازَ الشَّيْخُ مَنْ حَضَرَ أَوْ سَمِعَ دَخَلُوا فِي إِجَازَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ، كَمَا فِي نَظِيرِ ذَلِكَ مِنَ الإِْنْسِ. وَأَمَّا رِوَايَةُ الإِْنْسِ عَنْهُمْ: فَقَال السُّيُوطِيُّ: الظَّاهِرُ مَنْعُهَا، لِعَدَمِ حُصُول الثِّقَةِ بِعَدَالَتِهِمْ. (35)

الذَّبْحُ لِلْجِنِّ:
14 - مَا ذُبِحَ لِلْجِنِّ وَعَلَى اسْمِهِمْ فَلاَ يَحِل، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} إِلَى قَوْلِهِ {وَمَا أُهِّل لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ. . .} (36) قَال يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: قَال لِي وَهْبٌ: اسْتَنْبَطَ بَعْضُ الْخُلَفَاءِ عَيْنًا وَأَرَادَ إِجْرَاءَهَا وَذَبَحَ لِلْجِنِّ عَلَيْهَا لِئَلاَّ يُغَوِّرُوا مَاءَهَا فَأَطْعَمَ ذَلِكَ نَاسًا، فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ شِهَابٍ، فَقَال: أَمَّا إِنَّهُ قَدْ ذَبَحَ مَا لَمْ يَحِل لَهُ، وَأَطْعَمَ النَّاسَ مَا لاَ يَحِل لَهُمْ. (37) فَقَدْ نَهَى رَسُول اللَّهِ ﷺ عَنْ ذَبَائِحِ الْجِنِّ (38) .

الأَْذْكَارُ الَّتِي يُعْتَصَمُ بِهَا مِنَ الشَّيَاطِينِ مَرَدَةِ الْجِنِّ وَيُسْتَدْفَعُ بِهَا شَرُّهُمْ:
15 - وَذَلِكَ فِي عَشَرَةِ حُرُوزٍ - كَمَا قَال صَاحِبُ الآْكَامِ -
أَحَدُهَا: الاِسْتِعَاذَةُ بِاللَّهِ مِنَ الْجِنِّ، قَال تَعَالَى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (39) ، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (40) وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَجُلَيْنِ اسْتَبَّا عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ حَتَّى احْمَرَّ وَجْهُ أَحَدِهِمَا فَقَال ﷺ: إِنِّي لأََعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (41) .
الثَّانِي: قِرَاءَةُ الْمُعَوِّذَتَيْنِ. فَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ﵁ قَال: كَانَ رَسُول اللَّهِ ﷺ يَتَعَوَّذُ مِنَ الْجَانِّ وَعَيْنِ الإِْنْسَانِ حَتَّى نَزَلَتِ الْمُعَوِّذَتَانِ فَلَمَّا نَزَلَتَا أَخَذَ بِهِمَا وَتَرَكَ مَا سِوَاهُمَا (42) .
الثَّالِثُ: قِرَاءَةُ آيَةِ الْكُرْسِيِّ. فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَال: وَكَّلَنِي رَسُول اللَّهِ ﷺ بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ فَأَتَانِي آتٍ، فَجَعَل يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ، فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ لأََرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُول اللَّهِ ﷺ. فَقَال: أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِنَّ. قُلْتُ: مَا هِيَ؟ قَال: إِذَا آوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ هَذِهِ الآْيَةَ: {اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} (43) . . . حَتَّى خَتَمَ الآْيَةَ فَإِنَّهُ لَنْ يَزَال عَلَيْكَ حَافِظٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلاَ يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ. فَقَال النَّبِيُّ ﷺ: مَا فَعَل أَسِيرُكَ اللَّيْلَةَ؟ قُلْتُ: يَا رَسُول اللَّهِ عَلَّمَنِي شَيْئًا زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَنْفَعُنِي بِهِ. قَال: وَمَا هُوَ؟ قَال: أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ إِذَا آوَيْتُ إِلَى فِرَاشِي، زَعَمَ أَنَّهُ لاَ يَقْرَبُنِي حَتَّى أُصْبِحَ، وَلاَ يَزَال عَلَيَّ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى حَافِظٌ. فَقَال النَّبِيُّ ﷺ: أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ، ذَاكَ الشَّيْطَانُ (44) .
الرَّابِعُ: قِرَاءَةُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، فَفِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: لاَ تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ (45) .
الْخَامِسُ: خَاتِمَةُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، فَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَْنْصَارِيِّ ﵁ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: مَنْ قَرَأَ الآْيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ (46) وَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ ﵁ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَال: إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ كِتَابًا قَبْل أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالأَْرْضَ بِأَلْفَيْ عَامٍ أَنْزَل مِنْهُ آيَتَيْنِ خَتَمَ بِهِمَا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، وَلاَ يُقْرَآنِ فِي دَارٍ ثَلاَثَ لَيَالٍ فَيَقَرُّ بِهَا شَيْطَانٌ (47) . السَّادِسُ: أَوَّل سُورَةِ حم الْمُؤْمِنِ (غَافِرٍ) - إِلَى قَوْلِهِ - {إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} (48) ، مَعَ آيَةِ الْكُرْسِيِّ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: مَنْ قَرَأَ حم الْمُؤْمِنِ إِلَى قَوْلِهِ: {إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} وَآيَةَ الْكُرْسِيِّ حِينَ يُصْبِحُ حُفِظَ بِهِمَا حَتَّى يُمْسِيَ، وَمَنْ قَرَأَهُمَا حِينَ يُمْسِي حُفِظَ بِهِمَا حَتَّى يُصْبِحَ (49) .
السَّابِعُ: " لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُل شَيْءٍ قَدِيرٌ " مِائَةَ مَرَّةٍ. فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: مَنْ قَال لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُل شَيْءٍ قَدِيرٌ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، كَانَتْ لَهُ عِدْل عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ أَفْضَل مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلاَّ أَحَدٌ عَمِل أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ (50) .
الثَّامِنُ: كَثْرَةُ ذِكْرِ اللَّهِ ﷿، فَعَنِ الْحَارِثِ الأَْشْعَرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ يَعْمَل بِهَا وَيَأْمُرَ بَنِي إِسْرَائِيل أَنْ يَعْمَلُوا بِهَا، وَإِنَّهُ كَادَ أَنْ يُبْطِئَ بِهَا فَقَال عِيسَى: إِنَّ اللَّهَ أَمَرَكَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ لِتَعْمَل بِهَا، وَتَأْمُرَ بَنِي إِسْرَائِيل أَنْ يَعْمَلُوا بِهَا، فَإِمَّا أَنْ تَأْمُرَهُمْ، وَإِمَّا أَنَا آمُرُهُمْ فَقَال يَحْيَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَخْشَى إِنْ سَبَقْتَنِي بِهَا أَنْ يُخْسَفَ بِي أَوْ أُعَذَّبَ. فَجَمَعَ النَّاسَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَامْتَلأََ الْمَسْجِدُ وَقَعَدُوا عَلَى الشُّرَفِ. فَقَال: إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ أَعْمَل بِهِنَّ وَآمُرَكُمْ أَنْ تَعْمَلُوا بِهِنَّ. أَوَّلُهُنَّ: أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَإِنَّ مَثَل مَنْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ كَمِثْل رَجُلٍ اشْتَرَى عَبْدًا مِنْ خَالِصِ مَالِهِ بِذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ، فَقَال: هَذِهِ دَارِي وَهَذَا عَمَلِي فَاعْمَل وَأَدِّ إِلَيَّ فَكَانَ يَعْمَل وَيُؤَدِّي إِلَى غَيْرِ سَيِّدِهِ، فَأَيُّكُمْ يَرْضَى أَنْ يَكُونَ عَبْدُهُ كَذَلِكَ؟ وَأَنَّ اللَّهَ أَمَرَكُمْ بِالصَّلاَةِ فَإِذَا صَلَّيْتُمْ فَلاَ تَلْتَفِتُوا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَنْصِبُ وَجْهَهُ بِوَجْهِ عَبْدِهِ فِي صَلاَتِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ، وَآمُرُكُمْ بِالصِّيَامِ فَإِنَّ مَثَل ذَلِكَ كَمِثْل رَجُلٍ فِي عِصَابَةٍ مَعَهُ صُرَّةٌ فِيهَا مِسْكٌ فَكُلُّهُمْ يُعْجَبُ أَوْ يُعْجِبُهُ رِيحُهَا، وَإِنَّ رِيحَ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، وَآمُرُكُمْ بِالصَّدَقَةِ فَإِنَّ مَثَل ذَلِكَكَمِثْل رَجُلٍ أَسَرَهُ الْعَدُوُّ فَأَوْثَقُوا يَدَهُ إِلَى عُنُقِهِ وَقَدَّمُوهُ لِيَضْرِبُوا عُنُقَهُ، فَقَال: أَنَا أَفْدِيهِ مِنْكُمْ بِالْقَلِيل وَالْكَثِيرِ فَفَدَى نَفْسَهُ مِنْهُمْ. وَآمُرُكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا اللَّهَ تَعَالَى، فَإِنَّ مَثَل ذَلِكَ كَمَثَل رَجُلٍ خَرَجَ الْعَدُوُّ فِي أَثَرِهِ سِرَاعًا حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى حِصْنٍ حَصِينٍ فَأَحْرَزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ، كَذَلِكَ الْعَبْدُ لاَ يُحْرِزُ نَفْسَهُ مِنَ الشَّيْطَانِ إِلاَّ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى. . . . (51) الْحَدِيثَ.
التَّاسِعُ الْوُضُوءُ: وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ مَا يُتَحَرَّزُ بِهِ لاَ سِيَّمَا عِنْدَ ثَوَرَانِ قُوَّةِ الْغَضَبِ وَالشَّهْوَةِ فَإِنَّهَا نَارٌ تَغْلِي فِي قَلْبِ ابْنِ آدَمَ، فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: أَلاَ وَإِنَّ الْغَضَبَ جَمْرَةٌ فِي قَلْبِ ابْنِ آدَمَ، أَمَا رَأَيْتُمْ إِلَى حُمْرَةِ عَيْنَيْهِ وَانْتِفَاخِ أَوْدَاجِهِ، فَمَنْ أَحَسَّ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَلْيَلْصَقْ بِالأَْرْضِ (52) وَقَال ﷺ: إِنَّ الْغَضَبَ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ مِنَ النَّارِ، وَإِنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالْمَاءِ، فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ (53) . الْعَاشِرُ: إِمْسَاكُ فُضُول النَّظَرِ وَالْكَلاَمِ وَالطَّعَامِ وَمُخَالَطَةِ النَّاسِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ إِنَّمَا يَتَسَلَّطُ عَلَى ابْنِ آدَمَ مِنْ هَذِهِ الأَْبْوَابِ الأَْرْبَعَةِ، (54) فَفِي مُسْنَدِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَال: النَّظْرَةُ سَهْمٌ مَسْمُومٌ مِنْ سِهَامِ إِبْلِيسَ، مَنْ تَرَكَهَا مِنْ مَخَافَتِي أَبْدَلْتُهُ إِيمَانًا يَجِدُ لَهُ حَلاَوَةً فِي قَلْبِهِ (55) .
وَزَادَ الإِْمَامُ النَّوَوِيُّ الأَْذَانَ، فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ سُهَيْل بْنِ أَبِي صَالِحٍ أَنَّهُ قَال: أَرْسَلَنِي أَبِي إِلَى بَنِي حَارِثَةَ وَمَعِي غُلاَمٌ لَنَا أَوْ صَاحِبٌ لَنَا، فَنَادَاهُ مُنَادٍ مِنْ حَائِطٍ بِاسْمِهِ، وَأَشْرَفَ الَّذِي مَعِي عَلَى الْحَائِطِ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لأَِبِي، فَقَال: لَوْ شَعَرْتَ أَنَّكَ تَلْقَى هَذَا لَمْ أُرْسِلْكَ، وَلَكِنْ إِذَا سَمِعْتَ صَوْتًا فَنَادِ بِالصَّلاَةِ. فَإِنِّي سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ ﵁ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُول اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَال: إِنَّ الشَّيْطَانَ إِذَا نُودِيَ بِالصَّلاَةِ وَلَّى وَلَهُ حُصَاصٌ (56) كَمَا أَنَّهُ نَصَّ عَلَى أَنَّ مُطْلَقَ الْقُرْآنِ يَعْصِمُ مِنَ الشَّيَاطِينِ. (57) قَال تَعَالَى: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآْخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا} (58) .
__________
(1) سورة الحجر / 27.
(2) لسان العرب ومختار الصحاح مادة: (جنن) ، والكليات فصل الجيم 2 / 169، وآكام المرجان ص 6، وحاشية العدوي على الخرشي 1 / 164، وتفسير البيضاوي 4 / 224 ط المكتبة التجارية الكبرى.
(3) لسان العرب مادة: (أنس) ، والكليات 1 / 316.
(4) لسان العرب مادة: (شطن) ، والكليات 3 / 55، 82.
(5) لسان العرب مادة: (عفر) ، والكليات فصل الشين 3 / 55، وآكام المرجان ص 8 ط دار الطباعة الحديثة.
(6) سورة الكهف / 50.
(7) حديث: " أتى الشيطان قريشا. . . " أخرجه ابن إسحاق كما في سيرة ابن هشام (1 / 612 ط الحلبي) .
(8) سورة الأنفال / 48.
(9) حديث: " تصور في صورة شيخ نجدي. . . " أخرجه ابن إسحاق كما في سيرة ابن هشام (1 / 480 - 481 ط الحلبي) .
(10) حديث: " إن بالمدينة نفرا من الجن قد أسلموا. . . " أخرجه مسلم (4 / 1757 - ط الحلبي) .
(11) الفتاوى الحديثة ص 48، وتحفة المحتاج 7 / 297، وحاشية ابن عابدين 2 / 259، ومقالات الإسلاميين 2 / 111 - 114 ط مكتبة النهضة المصرية، وآكام المرجان ص 18 وما بعدها.
(12) سورة الأعراف / 27.
(13) حديث: " إن هذه الحشوش محتضرة. . . " أخرجه أبو داود (1 / 17 - تحقيق عزت عبيد دعاس) والحاكم (1 / 187 - ط دائرة المعارف العثمانية) وصححه ووافقه الذهبي.
(14) حديث: " فعن عبد الله بن مسعود أنه قال: ليلة الجن أي ليلة التقاء الرسول ﷺ الجن أنهم سألوا رسول الله ﷺ عن الزاد فقال: " كل عظم يذكر اسم الله يقع في أيديكم أوفر ما كان لحما، وكل بعرة أو روثة علف لدوابكم " أخرجه الترمذي (
(15) حديث: " نهى أن يستنجى بالعظم والروث " أخرجه مسلم (1 / 224 - الحلبي) من حديث سلمان الفارسي. وانظر آكام المرجان 23 وما بعدها، 28 وما بعدها، حاشية الجمل 1 / 97، الفتاوى الحديثية 48، 50، وحاشية الطحطاوي ص 28.
(16) سورة الذاريات / 56.
(17) سورة الجن / 1 - 2.
(18) سورة الرحمن / 33 - 34.
(19) حديث: " أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي. . . ". أخرجه البخاري (الفتح 1 / 533 - ط السلفية) ومسلم (1 / 370 ط الحلبي) من حديث جابر بن عبد الله.
(20) حديث: " كان النبي يبعث إلى خاصة قومه، وبعثت أنا إلى الجن والإنس ". أخرجه البيهقي (2 / 433 - ط دائرة المعارف العثمانية، واستنكره الذهبي في الميزان (2 / 111 - ط الحلبي) .
(21) الفتاوى الحديثية 49، 51، وشرح روض الطالب 3 / 104، والفصل في الملل لابن حزم 5 / 12، وتفسير الرازي 30 / 153 ط عبد الرحمن محمد، ومقالات الإسلاميين 2 / 113، والأشباه والنظائر لابن نجيم 326، وآكام المرجان 36 وما بعدها، والفروع لابن مفلح 1 / 603، وكشاف القناع 1 / 470.
(22) سورة الناس / 6، وانظر المصباح المنير مادة: (نوس) .
(23) سورة الجن / 14 - 15.
(24) سورة الأنعام / 132.
(25) سورة الرحمن / 56.
(26) سورة الصف / 12.
(27) يقصد ما عدا الإنس ومنه قوله تعالى: (وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم. . . . .) الأنعام / 38.
(28) آكام المرجان ص 55.
(29) سورة الجن / 15.
(30) سورة محمد / 12.
(31) حديث: " اخرج عدو الله فإني رسول الله ﷺ ". أخرجه الحاكم (2 / 617 - ط دائرة المعارف العثمانية) والبيهقي في دلائل النبوة (6 / 20 - ط دار الكتب العلمية) من حديث يعلى بن مرة، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
(32) آكام المرجان 107 وما بعدها ط دار الطباعة الحديثة، مقالات الإسلاميين 2 / 108 ط مكتبة النهضة المصرية، وكشاف القناع 1 / 470، والفتاوى الحديثية ص 52، 53.
(33) سورة الجن / 1 وما بعدها.
(34) سورة الأحقاف / 29 وما بعدها.
(35) الأشباه والنظائر للسيوطي ص 283، والأشباه والنظائر لابن نجيم 329، وآكام المرجان ص 80، 81 ط دار الطباعة الحديثة، والفتاوى الحديثية ص 15 - ط مطبعة التقدم العلمية بمصر.
(36) سورة المائدة / 3.
(37) آكام المرجان 78 وما بعدها، والأشباه والنظائر لابن نجيم 329، والفروع 1 / 609، 610.
(38) حديث: " نهى عن ذبائح الجن ". أخرجه البيهقي (9 / 314 - ط دائرة المعارف العثمانية) عن الزهري به مرسلا، وإسناده ضعيف لإرساله.
(39) سورة فصلت / 36.
(40) سورة الأعراف / 200.
(41) حديث: " إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد " أخرجه البخاري (الفتح 10 / 518 - ط السلفية) ومسلم (4 / 2015 - ط الحلبي) عن سليمان بن صرد.
(42) حديث: " كان يتعوذ من الجان وعين الإنسان ". أخرجه الترمذي (4 / 395 - ط الحلبي) وحسنه.
(43) سورة البقرة / 255.
(44) حديث: " ما فعل أسيرك الليلة ". أخرجه البخاري (الفتح 4 / 487، 6 / 335 - ط السلفية) .
(45) حديث: " لا تجعلوا بيوتكم مقابر. إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة ". أخرجه مسلم (1 / 539 - ط الحلبي) .
(46) حديث: " من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة. . . ". أخرجه البخاري (الفتح 9 / 55 - ط السلفية) .
(47) حديث: " إن الله كتب كتابا قبل أن يخلق السماوات والأرض ". أخرجه الترمذي (5 / 160 - ط الحلبي) والحاكم (2 / 260 - ط دائرة المعارف العثمانية) وصححه ووافقه الذهبي.
(48) سورة غافر / 1 - 2.
(49) حديث: " من قرأ حم المؤمن ". أخرجه الترمذي (5 / 158 - ط الحلبي) وقال: هذا حديث غريب، وقد تكلم بعض أهل العلم في عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي مليكة المليكي من قبل حفظه.
(50) حديث: " من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له. . ". أخرجه البخاري (الفتح 11 / 201 - ط السلفية) ومسلم (4 / 2071 - ط الحلبي) .
(51) حديث: " إن الله أمر يحيى بن زكريا. . . ". أخرجه الترمذي (5 / 148 - 149 - ط الحلبي) من حديث الحارث الأشعري وقال: (حسن صحيح) .
(52) حديث: " ألا وإن الغضب جمرة في قلب ابن آدم. . . . " أخرجه الترمذي (4 / 484 - ط الحلبي) من حديث أبي سعيد الخدري. وأعله المباركفوري بضعف أحد رواته في تحفة الأحوذي (6 / 432 - ط السلفية) .
(53) حديث: " إن الغضب من الشيطان ". أخرجه أبو داود (5 / 141 - تحقيق عزت عبيد دعاس) وفي إسناده جهالة.
(54) آكام المرجان 95 وما بعدها ط دار الطباعة الحديثة.
(55) حديث: " النظرة سهم مسموم من سهام إبليس، من تركها من مخافتي أبدلته إيمانا يجد له حلاوته في قلبه ". ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (8 / 63 - ط القدسي) وقال: رواه الطبراني، وفيه عبد الله بن إسحاق الواسطي، وهو ضعيف.
(56) حديث: " إن الشيطان إذا نودي بالصلاة ولى وله حصاص " أخرجه مسلم (1 / 291 - ط الحلبي) .
(57) الأذكار للنووي 114، 115 ط مصطفى الحلبي.
(58) سورة الإسراء / 45.

الموسوعة الفقهية الكويتية: 89/ 16