الباطن
هو اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (الباطنيَّةِ)؛ أي إنه...
كل ما ينتفع به من عطاء دنيوي، وأخروي . ورد في قوله تعالى : ﭽﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﭼالمنافقون :10، وفي قوله صلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ: "لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى الله حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ؛ تَغْدُو خِمَاصًا، وتَرُوحُ بِطَانًا ". الترمذي :2324.
الرزق بِكَسْرِ الرِّاءِ: كُلُّ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ مَالٍ وَنَحْوِهِ، وَالجَمْعُ: أَرْزَاقٌ، وَالرَّزْقِ بِفَتْحِ الرَّاءِ: العَطَاءُ الدَّائِمُ، يُقَالُ: رَزَقَ يَرْزُقُ رَزْقًا أَيْ أَعْطَى وَوَهَبَ، وَالرَّازِقُ: المُعْطِي وَهُوَ اللهُ، وَكُلُّ مَا يَصِلُ إِلَى الجَوْفِ وَيُتَغَذَّى بِهِ فَهُوَ رِزْقٌ، وَمِنْ مَعانِي الرِّزْقِ أَيْضًا: الكَسْبُ، الهِبَةُ، الصَّدَقَةُ.
يَرِدُ مُصْطَلَحُ (الرِّزْقِ) أَيْضًا فِي بَابِ الإِمامَةِ فِي الصَّلاةِ، وَكِتابِ الإِجَارَةِ، وَكِتابِ القَضَاءِ فِي بَابِ حُقوقِ القَاضِي وَأَعوانِهِ، وَكِتابِ السِّياسَةِ الشَّرعيَّةِ فِي بَابِ وَاجِباتِ الإِمام. وَيُطْلَقُ فِي كِتابِ الأَطْعِمَةِ وَغَيْرِهِ بِمَعْنَى: (كُلُّ مَا يَصِلُ إِلَى العَبْدِ مِنْ مَنْفَعَةٍ حِسِيَّةٍ كَانَتْ أَوْ مَعْنَوِيَّةٍ)، وَيُقَسَّمُ إِلَى رِزْقٍ مَمْلوكٍ كَطَعامِ العَبْدِ وَشَرابِهِ وَمِنْهُ مَا خَاصٌّ وَمُشْتَرَكٌ، وَإِلَى رِزْقٍ مَوْعودٍ، وَأَيْضًا يَنْقَسِمُ إِلَى رِزْقٍ حَلاَلٍ وَإِلَى رِزْقٍ حَرامٍ.
رزق
مَا يُفْرَضُ فِي بَيْتِ الْمَال بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، وَالْكِفَايَةِ يوميًا، أو شهريًا لغير المقاتلين.
* معجم مقاييس اللغة : 2/388 - مختار الصحاح : ص121 - الكليات : 279/3 - المعجم الوسيط : 342/1 - مقاييس اللغة : 388/2 - المغرب في ترتيب المعرب : ص319 - الأحكام السلطانية للماوردي : ص205 - الـمغني لابن قدامة : 417/6 - الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) : 411/5 -
التَّعْرِيفُ:
1 - الرِّزْقُ لُغَةً الْعَطَاءُ دُنْيَوِيًّا كَانَ أَمْ أُخْرَوِيًّا، وَالرِّزْقُ أَيْضًا مَا يَصِل إِلَى الْجَوْفِ وَيُتَغَذَّى بِهِ، يُقَال: أَعْطَى السُّلْطَانُ رِزْقَ الْجُنْدِ، وَرُزِقْتُ عِلْمًا (1)
قَال الْجُرْجَانِيُّ: الرِّزْقُ اسْمٌ لِمَا يَسُوقُهُ اللَّهُ إِلَى الْحَيَوَانِ فَيَأْكُلُهُ، فَيَكُونُ مُتَنَاوِلاً لِلْحَلاَل وَالْحَرَامِ (2) .
وَالرِّزْقُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ هُوَ: مَا يُفْرَضُ فِي بَيْتِ الْمَال بِقَدْرِ الْحَاجَةِ وَالْكِفَايَةِ مُشَاهَرَةً أَوْ مُيَاوَمَةً (3) .
وَقِيل: الرِّزْقُ هُوَ مَا يُجْعَل لِفُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ إِذَا لَمْ يَكُونُوا مُقَاتِلِينَ (4) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْعَطَاءُ:
2 - الْعَطَاءُ لُغَةً اسْمٌ لِمَا يُعْطَى، وَالْجَمْعُ أَعْطِيَةٌ، وَجَمْعُ الْجَمْعِ أَعْطِيَاتٌ (5) .
وَالْعَطَاءُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ هُوَ مَا يُفْرَضُ فِي كُل سَنَةٍ لاَ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ بَل بِصَبْرِ الْمُعْطَى لَهُ وَغَنَائِهِ فِي أَمْرِ الدِّينِ.
وَقِيل فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الرِّزْقِ وَالْعَطِيَّةِ أَنَّ الْعَطِيَّةَ مَا يُفْرَضُ لِلْمُقَاتِل، وَالرِّزْقَ مَا يُجْعَل لِفُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ إِذَا لَمْ يَكُونُوا مُقَاتِلِينَ.
وَنَقَل ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الأَْتْقَانِيِّ أَنَّهُ نَظَرَ فِي هَذَا الْفَرْقِ (6) .
وَقَال الْحَلْوَانِيُّ: الْعَطَاءُ لِكُل سَنَةٍ أَوْ شَهْرٍ، وَالرِّزْقُ يَوْمًا بِيَوْمٍ (7) .
وَالْفُقَهَاءُ لاَ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الرِّزْقِ وَالْعَطَاءِ فِي غَالِبِ اسْتِعْمَالاَتِهِمْ.
قَال الْمَاوَرْدِيُّ وَأَبُو يَعْلَى: وَأَمَّا تَقْدِيرُ الْعَطَاءِ فَمُعْتَبَرٌ بِالْكِفَايَةِ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ بِهَا (8) .
قَال ابْنُ قُدَامَةَ: يَصْرِفُ (الإِْمَامُ) قَدْرَ حَاجَتِهِمْ - يَعْنِي أَهْل الْعَطَاءِ - وَكِفَايَتِهِمْ (9) .
قَال النَّوَوِيُّ: يُفَرِّقُ (الإِْمَامُ) الأَْرْزَاقَ فِي كُل عَامٍ مَرَّةً وَيَجْعَل لَهُ وَقْتًا مَعْلُومًا لاَ يَخْتَلِفُ، وَإِذَا رَأَى مَصْلَحَةً أَنْ يُفَرِّقَ مُشَاهَرَةً وَنَحْوَهَا فَعَل (10) .
كَمَا أَنَّ الْفُقَهَاءَ يُطْلِقُونَ الرِّزْقَ عَلَى مَا يُفْرَضُ مِنْ بَيْتِ الْمَال لِلْمُقَاتِلَةِ وَلِغَيْرِهِمْ، كَالْقُضَاةِ وَالْمُفْتِينَ وَالأَْئِمَّةِ وَالْمُؤَذِّنِينَ (11) .
أَخْذُ الرِّزْقِ لِلإِْعَانَةِ عَلَى الطَّاعَةِ:
3 - يَجُوزُ أَخْذُ الرِّزْقِ مِنْ بَيْتِ الْمَال عَلَى مَا يَتَعَدَّى نَفْعُهُ إِلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْمَصَالِحِ، كَالْقَضَاءِ وَالْفُتْيَا وَالأَْذَانِ وَالإِْمَامَةِ وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَتَدْرِيسِ الْعِلْمِ النَّافِعِ مِنَ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ، وَتَحَمُّل الشَّهَادَةِ وَأَدَائِهَا. كَمَا يُدْفَعُ مِنْهُ أَرْزَاقُ الْمُقَاتِلَةِ وَذَرَارِيِّهِمْ لأَِنَّ ذَلِكَ مِنَ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ (12) .
قَال ابْنُ تَيْمِيَّةَ: أَمَّا مَا يُؤْخَذُ مِنْ بَيْتِ الْمَال فَلَيْسَ عِوَضًا وَأُجْرَةً بَل رِزْقٌ لِلإِْعَانَةِ عَلَى الطَّاعَةِ، وَأَخْذُ الرِّزْقِ عَلَى الْعَمَل لاَ يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ قُرْبَةً وَلاَ يَقْدَحُ فِي الإِْخْلاَصِ؛ لأَِنَّهُ لَوْ قَدَحَ مَا اسْتُحِقَّتِ الْغَنَائِمُ وَسَلَبُ الْقَاتِل (13) . وَلِلتَّفْصِيل ر: (بَيْتُ الْمَال ف 12 ج 8 ص 251) .
وَفِيمَا يَلِي بَعْضُ الأَْحْكَامِ الْمُتَّصِلَةِ بِالرِّزْقِ:
4 - أ - قَال الْقَرَافِيُّ: إِنَّ الأَْرْزَاقَ الَّتِي تُطْلَقُ لِلْقُضَاةِ وَالْعُمَّال وَالْوُلاَةِ يَجُوزُ فِيهَا الدَّفْعُ وَالْقَطْعُ وَالتَّقْلِيل وَالتَّكْثِيرُ وَالتَّغْيِيرُ؛ لأَِنَّ الأَْرْزَاقَ مِنْ بَابِ الْمَعْرُوفِ وَتُصْرَفُ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ، وَقَدْ تَعْرِضُ مَصْلَحَةٌ أَعْظَمُ مِنْ تِلْكَ الْمَصْلَحَةِ فَيَتَعَيَّنُ عَلَى الإِْمَامِ الصَّرْفُ فِيهَا (14) . فَقَدْ كَتَبَ أَبُو يُوسُفَ فِي رِسَالَتِهِ لأَِمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ هَارُونَ الرَّشِيدِ:
مَا يَجْرِي عَلَى الْقُضَاةِ وَالْوُلاَةِ مِنْ بَيْتِ مَال الْمُسْلِمِينَ مِنْ جِبَايَةِ الأَْرْضِ أَوْ مِنْ خَرَاجِ الأَْرْضِ وَالْجِزْيَةِ لأَِنَّهُمْ فِي عَمَل الْمُسْلِمِينَ فَيَجْرِي عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْتِ مَالِهِمْ وَيَجْرِي عَلَى كُل وَالِي مَدِينَةٍ وَقَاضِيهَا بِقَدْرِ مَا يَحْتَمِل، وَكُل رَجُلٍ تُصَيِّرُهُ فِي عَمَل الْمُسْلِمِينَ فَأَجْرِ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ مَالِهِمْ وَلاَ تُجْرِ عَلَى الْوُلاَةِ وَالْقُضَاةِ مِنْ مَال الصَّدَقَةِ شَيْئًا إِلاَّ وَالِيَ الصَّدَقَةِ فَإِنَّهُ يُجْرَى عَلَيْهِ مِنْهَا كَمَا قَال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا (15) } فَأَمَّا الزِّيَادَةُ فِي أَرْزَاقِ الْقُضَاةِ وَالْعُمَّال وَالْوُلاَةِ وَالنُّقْصَانُ مِمَّا يَجْرِي عَلَيْهِمْ فَذَلِكَ إِلَيْكَ، مَنْ رَأَيْتَ أَنْ تَزِيدَهُ فِي رِزْقِهِ مِنْهُمْ زِدْتَ، وَمَنْ رَأَيْتَ أَنْ تَحُطَّ رِزْقَهُ حَطَطْتَ، أَرْجُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُوَسِّعًا عَلَيْكَ (16) .
5 - ب - قَال الْقَرَافِيُّ: أَرْزَاقُ الْمَسَاجِدِ وَالْجَوَامِعِ يَجُوزُ أَنْ تُنْقَل عَنْ جِهَاتِهَا إِذَا تَعَطَّلَتْ أَوْ وُجِدَتْ جِهَةٌ هِيَ أَوْلَى بِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْجِهَةِ الأُْولَى؛ لأَِنَّ الأَْرْزَاقَ مَعْرُوفٌ يَتْبَعُ الْمَصَالِحَ فَكَيْفَمَا دَارَتْ دَارَ مَعَهَا (17) .
6 - ج - قَال الْقَرَافِيُّ أَيْضًا: الإِْقْطَاعَاتُ الَّتِي تُجْعَل لِلأُْمَرَاءِ وَالأَْجْنَادِ مِنَ الأَْرَاضِي الْخَرَاجِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الرِّبَاعِ هِيَ أَرْزَاقُ بَيْتِ الْمَال، وَلَيْسَتْ إِجَارَةً لَهُمْ، لِذَلِكَ لاَ يُشْتَرَطُ فِيهَا مِقْدَارٌ مِنَ الْعَمَل وَلاَ أَجَلٌ تَنْتَهِي إِلَيْهِ الإِْجَارَةُ، وَلَيْسَ الإِْقْطَاعُ مُقَدَّرًا كُل شَهْرٍ بِكَذَا، وَكُل سَنَةٍ بِكَذَا حَتَّى تَكُونَ إِجَارَةً، بَل هُوَ إِعَانَةٌ عَلَى الإِْطْلاَقِ، وَلَكِنْ لاَ يَجُوزُ تَنَاوُلُهُ إِلاَّ بِمَا قَالَهُ الإِْمَامُ مِنَ الشَّرْطِ مِنَ التَّهَيُّؤِ لِلْحَرْبِ، وَلِقَاءِ الأَْعْدَاءِ، وَالْمُنَاضَلَةِ عَلَى الدِّينِ، وَنُصْرَةِ كَلِمَةِ الإِْسْلاَمِ وَالْمُسْلِمِينَ، وَالاِسْتِعْدَادِ بِالسِّلاَحِ وَالأَْعْوَانِ عَلَى ذَلِكَ. فَمَنْ لَمْ يَفْعَل مَا شَرَطَهُ الإِْمَامُ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّنَاوُل؛ لأَِنَّ مَال بَيْتِ الْمَال لاَ يُسْتَحَقُّ إِلاَّ بِإِطْلاَقِ الإِْمَامِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ الَّذِي أَطْلَقَهُ (18) . 7 - د - وَقَال الْقَرَافِيُّ أَيْضًا: الْمَصْرُوفُ مِنَ الزَّكَاةِ لِلْمُجَاهِدِينَ لَيْسَ أُجْرَةً، بَل هُوَ رِزْقٌ خَاصٌّ مِنْ مَالٍ خَاصٍّ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الرِّزْقِ الْخَاصِّ وَبَيْنَ أَصْل الأَْرْزَاقِ هُوَ أَنَّ أَصْل الأَْرْزَاقِ يَصِحُّ أَنْ يَبْقَى فِي بَيْتِ الْمَال، وَهَذَا يَجِبُ صَرْفُهُ إِمَّا فِي جِهَةِ الْمُجَاهِدِينَ أَوْ غَيْرِهِمْ مِنَ الأَْصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ؛ لأَِنَّ جِهَةَ هَذَا الْمَال عَيَّنَهَا اللَّهُ ﷿ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ فَيَجِبُ عَلَى الإِْمَامِ إِخْرَاجُهَا فِيهَا إِلاَّ أَنْ يَمْنَعَ مَانِعٌ (19) .
8 - هـ - مَا يُصْرَفُ مِنْ جِهَةِ الْحُكَّامِ لِقَسَّامِ الْعَقَارِ بَيْنَ الْخُصُومِ، وَلِمُتَرْجِمِ الْكُتُبِ عِنْدَ الْقُضَاةِ وَلِكَاتِبِ الْقَاضِي، وَلأُِمَنَاءِ الْقَاضِي عَلَى الأَْيْتَامِ، وَلِلْخَرَّاصِ عَلَى خَرْصِ الأَْمْوَال الزَّكَوِيَّةِ مِنَ الدَّوَالِي أَوِ النَّخْل، وَلِسُعَاةِ الْمَوَاشِي وَالْعُمَّال عَلَى الزَّكَاةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْمَسَائِل رِزْقٌ يَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الأَْرْزَاقِ دُونَ أَحْكَامِ الإِْجَارَاتِ (20) .
9 - و - نَقَل الرَّحِيبَانِيُّ عَنِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ قَوْلَهُ: الأَْرْزَاقُ الَّتِي يُقَدِّرُهَا الْوَاقِفُونَ ثُمَّ يَتَغَيَّرُ نَقْدُ الْبَلَدِ فِيمَا بَعْدُ فَإِنَّهُ يُعْطَى الْمُسْتَحِقُّ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ مَا قِيمَتُهُ قِيمَةُ الْمَشْرُوطِ (21) . وَظَائِفُ الإِْمَامِ فِي الْقِسْمَةِ عَلَى أَهْل الْجِهَادِ مِنَ الْمُرْتَزِقَةِ (22) :
لِلإِْمَامِ فِي الْقِسْمَةِ عَلَى أَهْل الْجِهَادِ مِنَ الْمُرْتَزِقَةِ وَظَائِفُ:
10 - إِحْدَاهَا: يَضَعُ دِيوَانًا - وَهُوَ الدَّفْتَرُ الَّذِي يُثْبِتُ فِيهِ الأَْسْمَاءَ - فَيُحْصِي الْمُرْتَزِقَةَ بِأَسْمَائِهِمْ وَيُنَصِّبُ لِكُل قَبِيلَةٍ أَوْ عَدَدٍ يَرَاهُ عَرِيفًا لِيَعْرِضَ عَلَيْهِ أَحْوَالَهُمْ وَيَجْمَعَهُمْ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَيُثْبِتُ فِيهِ قَدْرَ أَرْزَاقِهِمْ (23) .
11 - الثَّانِيَةُ: يُعْطِي كُل شَخْصٍ قَدْرَ حَاجَتِهِ فَيَعْرِفُ حَالَهُ، وَعَدَدَ مَنْ فِي نَفَقَتِهِ، وَقَدْرَ نَفَقَتِهِمْ وَكِسْوَتِهِمْ وَسَائِرِ مُؤْنَتِهِمْ، وَيُرَاعِي الزَّمَانَ وَالْمَكَانَ وَمَا يَعْرِضُ مِنْ رُخْصٍ وَغَلاَءٍ، وَحَال الشَّخْصِ فِي مُرُوءَتِهِ وَضِدِّهَا، وَعَادَةَ الْبَلَدِ فِي الْمَطَاعِمِ، فَيَكْفِيهِ الْمُؤْنَاتِ لِيَتَفَرَّغَ لِلْجِهَادِ فَيُعْطِيهِ لأَِوْلاَدِهِ الَّذِينَ هُمْ فِي نَفَقَتِهِ أَطْفَالاً كَانُوا أَوْ كِبَارًا، وَكُلَّمَا زَادَتِ الْحَاجَةُ بِالْكِبَرِ زَادَ فِي حِصَّتِهِ (24) .
12 - الثَّالِثَةُ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَدِّمَ الإِْمَامُ فِي الإِْعْطَاءِ وَفِي إِثْبَاتِ الاِسْمِ فِي الدِّيوَانِ قُرَيْشًا عَلَى سَائِرِ النَّاسِ.
13 - الرَّابِعَةُ: لاَ يُثْبِتُ الإِْمَامُ فِي الدِّيوَانِ اسْمَ صَبِيٍّ وَلاَ مَجْنُونٍ وَلاَ امْرَأَةٍ، وَلاَ ضَعِيفٍ لاَ يَصْلُحُ لِلْغَزْوِ كَالأَْعْمَى وَالزَّمِنِ، وَإِنَّمَا هُمْ تَبَعٌ لِلْمُقَاتِل إِذَا كَانُوا فِي عِيَالِهِ يُعْطَى لَهُمْ كَمَا سَبَقَ، وَإِنَّمَا يُثْبِتُ فِي الدِّيوَانِ الرِّجَال الْمُكَلَّفِينَ الْمُسْتَعِدِّينَ لِلْغَزْوِ.
وَلَخَّصَ الْمَاوَرْدِيُّ وَأَبُو يَعْلَى شَرْطَ إِثْبَاتِ الْجَيْشِ فِي الدِّيوَانِ فِي خَمْسَةِ أَوْصَافٍ وَهِيَ: الْبُلُوغُ، وَالْحُرِّيَّةُ، وَالإِْسْلاَمُ، وَالسَّلاَمَةُ مِنَ الآْفَاتِ الْمَانِعَةِ مِنَ الْقِتَال، وَالاِسْتِعْدَادُ لِلإِْقْدَامِ عَلَى الْحُرُوبِ (25) .
14 - الْخَامِسَةُ: يُفَرِّقُ الإِْمَامُ الأَْرْزَاقَ فِي كُل عَامٍ مَرَّةً وَيَجْعَل لَهُ وَقْتًا مَعْلُومًا لاَ يَخْتَلِفُ، وَإِذَا رَأَى مَصْلَحَةً أَنْ يُفَرِّقَ مُشَاهَرَةً وَنَحْوَهَا فَعَل (26) .
وَإِذَا تَأَخَّرَ الْعَطَاءُ عَنْهُمْ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِهِ وَكَانَ حَاصِلاً فِي بَيْتِ الْمَال كَانَ لَهُمُ الْمُطَالَبَةُ بِهِ كَالدُّيُونِ الْمُسْتَحَقَّةِ (27) .
وَمَنْ مَاتَ مِنَ الْمُرْتَزِقَةِ دَفَعَ إِلَى زَوْجَتِهِ وَأَوْلاَدِهِ الصِّغَارِ قَدْرَ كِفَايَتِهِمْ؛ لأَِنَّهُ لَوْ لَمْ تُعْطَ ذُرِّيَّتُهُ بَعْدَهُ لَمْ يُجَرِّدْ نَفْسَهُ لِلْقِتَال؛ لأَِنَّهُ يَخَافُ عَلَى ذُرِّيَّتِهِ الضَّيَاعَ، فَإِذَا عَلِمَ أَنَّهُمْ يُكْفَوْنَ بَعْدَ مَوْتِهِ سَهُل عَلَيْهِ ذَلِكَ. وَإِذَا بَلَغَ ذُكُورُ أَوْلاَدِهِمْ وَاخْتَارُوا أَنْ يَكُونُوا فِي الْمُقَاتِلَةِ فَرَضَ لَهُمُ الرِّزْقَ وَإِنْ لَمْ يَخْتَارُوا تُرِكُوا.
وَمَنْ بَلَغَ مِنْ أَوْلاَدِهِ وَهُوَ أَعْمَى أَوْ زَمِنٌ رُزِقَ كَمَا كَانَ يُرْزَقُ قَبْل الْبُلُوغِ، هَذَا فِي ذُكُورِ الأَْوْلاَدِ أَمَّا الإِْنَاثُ فَمُقْتَضَى مَا وَرَدَ فِي " الْوَسِيطِ " أَنَّهُنَّ يُرْزَقْنَ إِلَى أَنْ يَتَزَوَّجْنَ (28) .
الْقَوْل الضَّابِطُ فِيمَنْ يَرْعَاهُ الإِْمَامُ:
15 - مَنْ يَرْعَاهُ الإِْمَامُ بِمَا فِي يَدِهِ مِنَ الْمَال ثَلاَثَةُ أَصْنَافٍ:
صِنْفٌ مِنْهُمْ مُحْتَاجُونَ وَالإِْمَامُ يَبْغِي سَدَّ حَاجَاتِهِمْ وَهَؤُلاَءِ مُعْظَمُ مُسْتَحِقِّي الزَّكَوَاتِ فِي الآْيَةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى ذِكْرِ أَصْنَافِ الْمُسْتَحِقِّينَ. قَال اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ (29) . . .} الآْيَةَ. وَلِلْمَسَاكِينِ اسْتِحْقَاقٌ فِي خُمُسِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ كَمَا يُفَصِّلُهُ الْفُقَهَاءُ، وَهَؤُلاَءِ صِنْفٌ مِنَ الأَْصْنَافِ الثَّلاَثَةِ.
وَالصِّنْفُ الثَّانِي: أَقْوَامٌ يَنْبَغِي لِلإِْمَامِ كِفَايَتُهُمْ وَيَدْرَأُ عَنْهُمْ بِالْمَال الْمُوَظَّفِ لَهُمْ حَاجَتَهُمْ، وَيَتْرُكُهُمْ مَكْفِيِّينَ لِيَكُونُوا مُتَجَرِّدِينَ لِمَا هُمْ بِصَدَدِهِ مِنْ مَهَامِّ الإِْسْلاَمِ وَهَؤُلاَءِ صِنْفَانِ: 16 - أَحَدُهُمَا: الْمُرْتَزِقَةُ وَهُمْ نَجْدَةُ الْمُسْلِمِينَ وَعُدَّتُهُمْ وَوَزَرُهُمْ وَشَوْكَتُهُمْ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَصْرِفَ إِلَيْهِمْ مَا يَرُمُّ خَلَّتَهُمْ وَيَسُدُّ حَاجَتَهُمْ وَيَسْتَعِفُّوا بِهِ عَنْ وُجُوهِ الْمَكَاسِبِ وَالْمَطَالِبِ، وَيَتَهَيَّئُوا لِمَا رُشِّحُوا لَهُ، وَتَكُونُ أَعْيُنُهُمْ مُمْتَدَّةً إِلَى أَنْ يُنْدَبُوا فَيَخِفُّوا عَلَى الْبِدَارِ، وَيُنْتَدَبُوا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَثَاقَلُوا وَيَتَشَاغَلُوا بِقَضَاءِ أَرَبٍ وَتَمْهِيدِ سَبَبٍ (30) . فَقَدْ وَرَدَ عَنِ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادٍ أَنَّهُ قَال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُول: مَنْ كَانَ لَنَا عَامِلاً فَلْيَكْتَسِبْ زَوْجَةً، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ خَادِمٌ فَلْيَكْتَسِبْ خَادِمًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَسْكَنٌ فَلْيَكْتَسِبْ مَسْكَنًا (31) .
وَفِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَال: مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَرَزَقْنَاهُ فَمَا أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ غُلُولٌ (32) .
17 - وَالصِّنْفُ الثَّانِي: الَّذِينَ انْتَصَبُوا لإِِقَامَةِ أَرْكَانِ الدِّينِ، وَانْقَطَعُوا بِسَبَبِ اشْتِغَالِهِمْ وَاسْتِقْلاَلِهِمْ بِهَا عَنِ التَّوَسُّل إِلَى مَا يُقِيمُ أَوَدَهُمْ وَيَسُدُّ خَلَّتَهُمْ، وَلَوْلاَ قِيَامُهُمْ بِمَا لاَبَسُوهُ لَتَعَطَّلَتْ أَرْكَانُ الإِْيمَانِ. فَعَلَى الإِْمَامِ أَنْ يَكْفِيَهُمْ مُؤَنَهُمْ حَتَّى يَسْتَرْسِلُوا فِيمَا تَصَدَّرُوا لَهُ بِفَرَاغِ جَنَانٍ، وَتَجَرُّدِ أَذْهَانٍ، وَهَؤُلاَءِ هُمُ الْقُضَاةُ وَالْحُكَّامُ وَالْقُسَّامُ وَالْمُفْتُونَ وَالْمُتَفَقِّهُونَ، وَكُل مَنْ يَقُومُ بِقَاعِدَةٍ مِنْ قَوَاعِدِ الدِّينِ يُلْهِيهِ قِيَامُهُ بِهَا عَمَّا فِيهِ سَدَادُهُ وَقِوَامُهُ.
فَأَمَّا الْمُرْتَزِقَةُ فَالْمَال الْمَخْصُوصُ بِهِمْ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ الْفَيْءِ، وَالصِّنْفُ الثَّانِي يُدِرُّ عَلَيْهِمْ كِفَايَتَهُمْ وَأَرْزَاقَهُمْ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ (ر: بَيْتُ الْمَال) .
18 - وَالصِّنْفُ الثَّالِثُ: قَوْمٌ تُصْرَفُ إِلَيْهِمْ طَائِفَةٌ مِنْ مَال بَيْتِ الْمَال عَلَى غِنَاهُمْ وَاسْتِظْهَارِهِمْ وَلاَ يُوقَفُ اسْتِحْقَاقُهُمْ عَلَى سَدِّ حَاجَةٍ وَلاَ عَلَى اسْتِيفَاءِ كِفَايَةٍ وَهُمْ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ، فَهَؤُلاَءِ يَسْتَحِقُّونَ سَهْمًا مِنْ خُمُسِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ حَاجَةٍ وَكِفَايَةٍ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ (1) . وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (آل ف 14 ج 1 ص 105) (وَخُمُس، وَغَنِيمَة، وَقَرَابَة) .
__________
(1) المفردات للراغب الأصفهاني.
(2) التعريفات للجرجاني.
(3) ابن عابدين 5 / 411.
(4) ابن عابدين 5 / 411، والكليات لأبي البقاء الكفوي 3 / 279، والمغرب ص 319
(5) المغرب ص 319
(6) ابن عابدين 5 / 411.
(7) الكليات 3 / 279.
(8) الأحكام السلطانية للماوردي ص 205، والأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 242
(9) المغني 6 / 417.
(10) روضة الطالبين 6 / 363.
(11) مطالب أولي النهى 3 / 641، وانظر الجوهرة النيرة 2 / 380.
(12) مطالب أولي النهى 3 / 641، والجوهرة النيرة 2 / 380، وابن عابدين 3 / 280 - 282، وجواهر الإكليل 1 / 260، وحاشية الجمل 5 / 336 - 337، وروضة الطالبين 1 / 205.
(13) مطالب أولي النهى 3 / 641.
(14) الفروق للقرافي 3 / 3، وتهذيب الفروق 3 / 4.
(15) سورة التوبة / 60.
(16) الخراج لأبي يوسف ص 186 - 187 نشر السلفية.
(17) الفروق 3 / 3 - 4
(18) الفروق 3 / 5.
(19) الفروق 3 / 7، وتهذيب الفروق 3 / 18.
(20) تهذيب الفروق 3 / 18.
(21) مطالب أولي النهى 4 / 376.
(22) المرتزقة هم: الذين لهم رزق معلوم في بيت المال.
(23) روضة الطالبين 6 / 359، وانظر الأحكام السلطانية للماوردي ص 205، وأبي يعلى ص 240، والمغني 6 / 417.
(24) روضة الطالبين 6 / 359، والأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 242، والماوردي ص 205
(25) روضة الطالبين 6 / 361 - 363، والأحكام السلطانية للماوردي 203 - 206، والأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 241 - 242، والمغني 6 / 417 - 418، ومجموعة فتاوى ابن تيمية 8 / 565، والزرقاني 3 / 127.
(26) روضة الطالبين 6 / 363، والأحكام السلطانية للماوردي ص 205 - 206، والأحكام السلطانية لأبي يعلى 243، والمغني 6 / 417.
(27) الأحكام السلطانية للماوردي ص 206، وأبي يعلى ص 243
(28) روضة الطالبين 6 / 363، والمغني 6 / 418، وابن عابدين 3 / 81
(29) سورة التوبة / 60.
(30) الغياثي لإمام الحرمين الجويني ص 244 - 247
(31) حديث: " من كان لنا عاملاً فليكتسب زوجة. . . . " أخرجه أبو داود (3 / 354 - تحقيق عزت عبيد دعاس) ، والحاكم (1 / 406 - ط دائرة المعارف العثمانية) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
(32) حديث: " من استعملناه على عمل فرزقناه. . . . " أخرجه أبو داود (3 / 353 - تحقيق عزت عبيد دعاس) ، والحاكم (1 / 406 - ط دائرة المعارف العثمانية) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 201/ 22