البر
البِرُّ في اللغة معناه الإحسان، و(البَرُّ) صفةٌ منه، وهو اسمٌ من...
القبول للشيء، والمدح له، والثناء عليه .
الرِّضا: القَبُولُ والـمُوافَقَةُ، يُقال: رَضِيَ بِالبَيْعِ، يَرْضَى، رِضاً ورِضْواناً، أيْ: قَبِلَ ووافَقَ. ويأْتي بِمعنى الاِخْتِيارِ والاِنْتِقاءِ، يُقال: رَضِيَ بِهذا الطَّرِيقِ، أي: اخْتارَهُ. ومِن مَعانِيه: سُرورُ القَلْبِ وطِيبُ النَّفْسِ، وخِلافُه: السُّخْطُ والكَراهِيَةُ.
يُطْلَقُ مصطلَح (رِضا) في الفقه بِمعنى" قَصْد الفِعْلِ دون أن يُخالِطَهُ إِكْراهٌ " في عِدَّةِ مَواضِعَ، منها: كتاب الزَّكاةِ، باب: زَكاة بَهِيمَةِ الأَنْعامِ، وفي كتاب الحَجِّ، باب: شُروط الحَجِّ، وفي كتاب النِّكاحِ، باب: شُروط النِّكاحِ، وفي كتاب الصُّلْحِ، وكتاب الهِبَةِ، وفي كتاب القَضاءِ، باب: الدَّعاوَى والبَيِّناتِ، وغَيْر ذلك مِن الأبواب. ويُطْلَق في عِلْمِ العَقِيدَةِ، باب: تَوْحِيد الأَسْماءِ وَالصِّفاتِ، ويُراد به: صِفَةُ اللهِ الفِعْلِيَّةِ الـمُتَعَلِّقَةِ بِمَشِيئَتِهِ، ومَعنى رِضا اللهِ: مَحـَبَّةُ العَبْدِ وحُسْنُ التَّدْبِيرِ لَهُ. ويُطْلَق أيضاً في باب: الإِيمان بِالقَدَرِ، عند الكلام عن أَرْكانِ الإِيمانِ بِالقَدَرِ، وَيُراد به: طِيبُ النَّفْسِ وعَدَمُ كَراهَةِ ما جَرَى لَهُ مِن مُصِيبَةٍ.
رضي
قصد الفعل، أو قبوله دون أن يشوبه إكراه.
* معجم مقاييس اللغة : (2/402)
* المحكم والمحيط الأعظم : (8/243)
* مختار الصحاح : (ص 267)
* لسان العرب : (14/323)
* المصباح المنير في غريب الشرح الكبير : (1/229)
* مواهب الجليل في شرح مختصر خليل : (5/9)
* حاشية قليوبي وعميرة على شرح المحلي على المنهاج : (2/156)
* كشاف القناع عن متن الإقناع : (2/5)
* التوقيف على مهمات التعاريف : (ص 365)
* معجم لغة الفقهاء : (ص 267)
* معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية : (2/150)
* التعريفات للجرجاني : (ص 148)
* معجم مقاليد العلوم في الحدود والرسوم : (ص 209)
* التعريفات الاعتقادية : (ص 182) -
التَّعْرِيفُ:
1 - الرِّضَا لُغَةً: مَصْدَرُ رَضِيَ يَرْضَى رِضًا - بِكَسْرِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا، وَرِضْوَانًا - بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ. فَيُقَال: رَضِيتُ الشَّيْءَ، وَرَضِيتُ عَنْهُ، وَعَلَيْهِ، وَبِهِ (1) .
وَهُوَ بِمَعْنَى سُرُورِ الْقَلْبِ وَطِيبِ النَّفْسِ، وَضِدُّ السُّخْطِ وَالْكَرَاهِيَةِ.
وَالرِّضَاءُ - بِالْمَدِّ - اسْمُ مَصْدَرٍ عِنْدَ الأَْخْفَشِ، وَمَصْدَرُ رَاضَى بِمَعْنَى الْمُفَاعَلَةِ عِنْدَ غَيْرِهِ، فَيَكُونُ حِينَئِذٍ بِمَعْنَى الْمُرَاضَاةِ وَالْمُوَافَقَةِ.
وَالتَّرَاضِي: مَصْدَرُ تَرَاضَى. . .، وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْمُشَارَكَةِ، حَيْثُ قَال الْقُرْطُبِيُّ فِي قَوْله تَعَالَى: {إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ (2) } جَاءَتْ مِنَ التَّفَاعُل، إِذِ التِّجَارَةُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، أَيْ عَنْ رِضَا كُلٍّ مِنْهُمَا (3) .
2 - وَفِي الاِصْطِلاَحِ: عَرَّفَهُ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ: امْتِلاَءُ الاِخْتِيَارِ، أَيْ بُلُوغُهُ نِهَايَتَهُ، بِحَيْثُ يُفْضِي أَثَرُهُ إِلَى الظَّاهِرِ مِنْ ظُهُورِ الْبَشَاشَةِ فِي الْوَجْهِ، وَنَحْوِهَا، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى لَخَّصَهَا التَّفْتَازَانِيُّ، وَابْنُ عَابِدِينَ، وَالرَّهَاوِيُّ مِنْهُمْ، هِيَ أَنَّ الرِّضَا: إِيثَارُ الشَّيْءِ وَاسْتِحْسَانُهُ (4) . وَعَرَّفَهُ الْجُمْهُورُ بِأَنَّهُ قَصْدُ الْفِعْل دُونَ أَنْ يَشُوبَهُ إِكْرَاهٌ (5) .
فَعَلَى ضَوْءِ ذَلِكَ: إِنَّ الرِّضَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَخَصُّ مِنَ الرِّضَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ، فَمُجَرَّدُ الْقَصْدِ إِلَى تَحْقِيقِ أَثَرٍ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ يُسَمَّى الرِّضَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغِ الاِخْتِيَارُ غَايَتَهُ، وَلَمْ يَظْهَرِ السُّرُورُ، فِي حِينِ لاَ يُسَمَّى بِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِلاَّ إِذَا تَحَقَّقَ الاِسْتِحْسَانُ وَالتَّفْضِيل عَلَى أَقَل تَقْدِيرٍ.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الإِْرَادَةُ:
3 - الإِْرَادَةُ لُغَةً الْمَشِيئَةُ وَيَسْتَعْمِلُهَا الْفُقَهَاءُ بِمَعْنَى الْقَصْدِ إِلَى الشَّيْءِ وَالاِتِّجَاهِ إِلَيْهِ، وَقَدْ تَحْصُل الإِْرَادَةُ دُونَ الرِّضَا، وَيُنْظَرُ التَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (إِرَادَة (1)) .
ب - النِّيَّةُ:
4 - النِّيَّةُ لُغَةً: الْقَصْدُ وَعَزْمُ الْقَلْبِ، وَفِي الاِصْطِلاَحِ عَرَّفَهَا الْجُمْهُورُ بِأَنَّهَا عَقْدُ الْقَلْبِ عَلَى إِيجَادِ الْفِعْل جَزْمًا، وَعَرَّفَهَا الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهَا قَصْدُ الشَّيْءِ مُقْتَرِنًا بِفِعْلِهِ، فَالنِّيَّةُ مُرْتَبِطَةٌ بِالْعَمَل.
ج - الْقَصْدُ:
5 - الْقَصْدُ لُغَةً: الاِعْتِزَامُ وَالتَّوَجُّهُ، وَالنُّهُوضُ نَحْوَ الشَّيْءِ، وَفِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ هُوَ الْعَزْمُ الْمُتَّجِهُ نَحْوَ إِنْشَاءِ فِعْلٍ (6) . د - الإِْذْنُ:
6 - الإِْذْنُ لُغَةً: هُوَ الإِْبَاحَةُ، وَإِطْلاَقُ الْفِعْل، وَالإِْرَادَةُ، حَيْثُ يُقَال: بِإِذْنِ اللَّهِ، أَيْ بِإِرَادَتِهِ، وَالْمُرَادُ بِهِ فِي إِطْلاَقِ الْفُقَهَاءِ: تَفْوِيضُ الأَْمْرِ إِلَى آخَرَ، فَيَقُولُونَ: صَبِيٌّ مَأْذُونٌ، أَوْ عَبْدٌ مَأْذُونٌ فِي التِّجَارَةِ، وَهُوَ تَعْبِيرٌ عَنِ الرِّضَا.
هـ - الإِْكْرَاهُ
7 - الإِْكْرَاهُ وَالإِْجْبَارُ، وَهُمَا مِنْ أَضْدَادِ " الرِّضَا " وَيُنْظَرُ التَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (إِكْرَاه) .
و الاِخْتِيَارُ:
8 - الاِخْتِيَارُ لُغَةً: الاِصْطِفَاءُ، وَالإِْيثَارُ، وَالتَّفْضِيل، وَفِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ عَرَّفَهُ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ " الْقَصْدُ إِلَى أَمْرٍ مُتَرَدِّدٍ بَيْنَ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ دَاخِلٍ فِي قُدْرَةِ الْفَاعِل بِتَرْجِيحِ أَحَدِ الأَْمْرَيْنِ عَلَى الآْخَرِ " وَلَخَّصَهُ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِمْ: الْقَصْدُ إِلَى الشَّيْءِ وَإِرَادَتُهُ " وَعَرَّفَهُ الْجُمْهُورُ " أَنَّهُ الْقَصْدُ إِلَى الْفِعْل وَتَفْضِيلُهُ عَلَى غَيْرِهِ (7) ". وَسَبَقَ التَّفْصِيل فِيهِ فِي مُصْطَلَحِ " اخْتِيَار (8) ".
حَقِيقَةُ الرِّضَا وَعَلاَقَتُهُ بِالاِخْتِيَارِ:
8 م - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الرِّضَا وَالاِخْتِيَارَ شَيْئَانِ مُخْتَلِفَانِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ وَالآْثَارُ، فِي حِينِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُمَا مُتَرَادِفَانِ (9) .
وَعَلَى ضَوْءِ مَا ذَكَرَهُ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ الرِّضَا أَخَصُّ مِنْ الاِخْتِيَارِ، قَسَّمُوا الاِخْتِيَارَ إِلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ يُوجَدُ الرِّضَا فِي أَحَدِهَا، وَيَنْعَدِمُ فِي قِسْمَيْنِ:
1 - اخْتِيَارٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ مَا يَكُونُ صَاحِبُهُ مُتَمَتِّعًا بِالأَْهْلِيَّةِ الْكَامِلَةِ دُونَ إِكْرَاهٍ مُلْجِئٍ (10) أَوْ كَمَا يَقُول الْبَزْدَوِيُّ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ الْبُخَارِيُّ: مَا يَكُونُ الْفَاعِل فِي قَصْدِهِ مُسْتَبِدًّا - أَيْ مُسْتَقِلًّا (11) ".
وَالاِخْتِيَارُ الصَّحِيحُ - عِنْدَهُمْ - يَتَحَقَّقُ حَتَّى وَإِنْ صَاحَبَهُ إِكْرَاهٌ مَا لَمْ يَكُنْ مُلْجِئًا، لَكِنَّ الرِّضَا يَتَحَقَّقُ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَيُّ نَوْعٍ مِنَ الإِْكْرَاهِ، وَأَمَّا إِذَا وُجِدَ إِكْرَاهٌ غَيْرُ مُلْجِئٍ، فَإِنَّ الاِخْتِيَارَ صَحِيحٌ، وَالرِّضَا فَاسِدٌ.
2 - اخْتِيَارٌ بَاطِلٌ وَهُوَ حِينَمَا يَكُونُ صَاحِبُهُ مَجْنُونًا، أَوْ صَبِيًّا غَيْرَ مُمَيِّزٍ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الرِّضَا مَعْدُومًا أَيْضًا.
3 - اخْتِيَارٌ فَاسِدٌ، وَهُوَ مَا إِذَا كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى إِرَادَةِ شَخْصٍ آخَرَ، أَيْ أَنْ يَتِمَّ فِي ظِل إِكْرَاهٍ مُلْجِئٍ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الرِّضَا مَعْدُومًا (12) .
فَالإِْكْرَاهُ فِي نَظَرِ الْحَنَفِيَّةِ لاَ يُنَافِي الاِخْتِيَارَ حَيْثُ قَدْ يَكُونُ صَحِيحًا مَعَ الإِْكْرَاهِ غَيْرِ الْمُلْجِئِ، وَيَكُونُ فَاسِدًا مَعَ الإِْكْرَاهِ الْمُلْجِئِ، وَلَكِنَّ الإِْكْرَاهَ بِقِسْمَيْهِ يُنَافِي الرِّضَا (13) .
9 - وَهَذِهِ الأَْقْسَامُ الثَّلاَثَةُ لَهَا عَلاَقَةٌ - كَقَاعِدَةٍ عَامَّةٍ - بِتَقْسِيمِهِمُ الْعُقُودَ إِلَى الصَّحِيحِ، وَالْبَاطِل، وَالْفَاسِدِ.
وَتَتَلَخَّصُ وِجْهَةُ نَظَرِ الْحَنَفِيَّةِ فِي هَذِهِ التَّفْرِقَةِ فِي أَنَّ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ لِكُلٍّ مِنْ الاِخْتِيَارِ وَالرِّضَا مُخْتَلِفٌ، فَالرِّضَا هُوَ ضِدُّ السَّخَطِ، وَسُرُورُ الْقَلْبِ وَارْتِيَاحُ النَّفْسِ بِحَيْثُ تَظْهَرُ آثَارُهُ عَلَى الْوَجْهِ، وَأَمَّا الاِخْتِيَارُ فَلاَ تُلاَحِظُ فِيهِ هَذِهِ الْمَعَانِيَ، بِالإِْضَافَةِ إِلَى أَنَّ الشَّرْعَ فَرَّقَ بَيْنَ التَّصَرُّفَاتِ، حَيْثُ اشْتَرَطَ الرِّضَا فِي الْعُقُودِ الْمَالِيَّةِ، فَقَال تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِل إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ (14) } فِي حِينِ لَمْ يَشْتَرِطِ الرِّضَا فِي بَعْضِ تَصَرُّفَاتٍ غَيْرِ مَالِيَّةٍ، مِثْل الطَّلاَقِ وَالنِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ، فَقَال النَّبِيُّ ﷺ: ثَلاَثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ، وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: الطَّلاَقُ، وَالنِّكَاحُ، وَالرَّجْعَةُ (15) وَمِنَ الْمَعْلُومِ بَدَاهَةً أَنَّ الرِّضَا بِآثَارِ الْعَقْدِ لاَ يَتَحَقَّقُ مَعَ الْهَزْل، مَعَ أَنَّهُ لاَ يُؤَثِّرُ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ، وَعَلَى ضَوْءِ ذَلِكَ قَسَّمُوا الْعُقُودَ فَجَعَلُوا بَعْضَهَا لاَ يَحْتَاجُ إِلَى الرِّضَا وَهِيَ الْعُقُودُ الَّتِي سَمَّوْهَا بِالْعُقُودِ غَيْرِ الْقَابِلَةِ لِلْفَسْخِ، وَهِيَ النِّكَاحُ، وَالطَّلاَقُ، وَالرَّجْعَةُ. وَاشْتَرَطُوا فِي بَعْضِهَا الرِّضَا، وَهِيَ الْعُقُودُ الْمَالِيَّةُ، ثُمَّ جَعَلُوا الاِخْتِيَارَ أَسَاسًا لِجَمِيعِ الْعُقُودِ (16) .
10 - وَلَمْ يَعْتَرِفِ الْجُمْهُورُ بِهَذَا التَّقْسِيمِ الثُّلاَثِيِّ لِلاِخْتِيَارِ، حَيْثُ هُوَ مَحْصُورٌ عِنْدَهُمْ فِي الصَّحِيحِ وَالْبَاطِل، كَمَا أَنَّ الإِْكْرَاهَ عِنْدَهُمْ يُنَافِي الاِخْتِيَارَ كَمَا يُنَافِي الرِّضَا، قَال الشَّاطِبِيُّ: فَالْعَمَل إِذَا تَعَلَّقَ بِهِ الْقَصْدُ تَعَلَّقَتْ بِهِ الأَْحْكَامُ التَّكْلِيفِيَّةُ، وَإِذَا عُرِّيَ عَنِ الْقَصْدِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ شَيْءٌ مِنْهَا. فَلَوْ فَرَضْنَا الْعَمَل مَعَ عَدَمِ الاِخْتِيَارِ كَالْمُلْجَأِ، وَالنَّائِمِ وَالْمَجْنُونِ. . فَلاَ يَتَعَلَّقُ بِأَفْعَالِهِمْ مُقْتَضَى الأَْدِلَّةِ، فَلَيْسَ هَذَا النَّمَطُ بِمَقْصُودٍ لِلشَّارِعِ، فَبَقِيَ مَا كَانَ مَفْعُولاً بِالاِخْتِيَارِ لاَ بُدَّ فِيهِ مِنْ قَصْدٍ ".
وَصَرَّحَ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ طَلاَقَ الْمُكْرَهِ لاَ يَقَعُ؛ لأَِنَّهُ سَاقِطُ الاِخْتِيَارِ، وَنَقَل ابْنُ النَّجَّارِ عَنْ أَحْمَدَ قَوْلَهُ: إِنَّ الإِْكْرَاهَ يُزِيل الاِخْتِيَارَ (17) ".
آثَارُ هَذَا الاِخْتِلاَفِ:
11 - لَمْ يَكُنْ هَذَا الْخِلاَفُ بَيْنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْجُمْهُورِ لَفْظِيًّا لاَ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الآْثَارُ، وَإِنَّمَا خِلاَفٌ مَعْنَوِيٌّ ثَبَتَ عَلَيْهِ آثَارٌ فِقْهِيَّةٌ تَظْهَرُ فِي تَصَرُّفَاتِ وَعُقُودِ الْهَازِل، وَالْمُكْرَهِ، وَالْمُخْطِئِ، وَالسَّكْرَانِ، وَمَنْ لَمْ يَفْهَمِ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعَ لِلإِْيجَابِ وَالْقَبُول، حَيْثُ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى صِحَّةِ الْعُقُودِ غَيْرِ الْمَالِيَّةِ مِنْ هَؤُلاَءِ، فَطَلاَقُ هَؤُلاَءِ، وَنِكَاحُهُمْ وَرَجْعَتُهُمْ وَنَحْوُهَا صَحِيحٌ - كَقَاعِدَةٍ عَامَّةٍ - اعْتِمَادًا عَلَى أَصْل الْقَصْدِ وَالاِخْتِيَارِ، وَوُجُودِ الْعِبَارَةِ الصَّادِرَةِ مِنْهُمْ، فَلَوْ أَرَادَ شَخْصٌ أَنْ يَقُول لِزَوْجَتِهِ: يَا عَالِمَةُ، فَسَبَقَ لِسَانُهُ فَقَال: أَنْتِ طَالِقٌ فَقَدْ وَقَعَ طَلاَقُهُ عِنْدَهُمْ، وَعَلَّل ذَلِكَ عَبْدُ الْعَزِيزِ الْبُخَارِيُّ الْحَنَفِيُّ بِقَوْلِهِ: اعْتِبَارًا بِأَنَّ الْقَصْدَ أَمْرٌ بَاطِنٌ لاَ يُوقَفُ عَلَيْهِ، فَلاَ يَتَعَلَّقُ بِوُجُودِهِ حَقِيقَةً، بَل يَتَعَلَّقُ بِالسَّبَبِ الظَّاهِرِ الدَّال عَلَيْهِ، وَهُوَ أَهْلِيَّةُ الْقَصْدِ بِالْعَقْدِ وَالْبُلُوغِ نَفْيًا لِلْحَرَجِ ". وَقَال فِي تَعْلِيل وُقُوعِ طَلاَقِ السَّكْرَانِ: إِنَّ السُّكْرَ وَإِنْ كَانَ يُعْدِمُ الْقَصْدَ الصَّحِيحَ، لَكِنَّهُ لاَ يُعْدِمُ الْعِبَارَةَ، وَيَقُول الْحَصْكَفِيُّ: وَلاَ يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِمَعْنَى الإِْيجَابِ وَالْقَبُول فِيمَا يَسْتَوِي فِيهِ الْجِدُّ وَالْهَزْل مِثْل الطَّلاَقِ وَالنِّكَاحِ، وَلَمْ يَحْتَجْ لِنِيَّةٍ، وَبِهِ يُفْتَى (18) ".
وَأَمَّا الْعُقُودُ الْمَالِيَّةُ - مِثْل الْبَيْعِ وَالإِْجَارَةِ - فَاشْتُرِطَ فِيهَا الاِخْتِيَارُ عِنْدَهُمْ لِلاِنْعِقَادِ، وَاشْتُرِطَ لِصِحَّتِهَا الرِّضَا، فَإِذَا تَحَقَّقَا فِي التَّصَرُّفِ كَانَ صَحِيحًا وَمُنْعَقِدًا - مَعَ تَوَفُّرِ الشُّرُوطِ الأُْخْرَى - وَإِذَا انْعَدَمَ الاِخْتِيَارُ انْعَدَمَ الْعَقْدُ وَأَصْبَحَ بَاطِلاً، وَأَمَّا إِذَا وُجِدَ الاِخْتِيَارُ وَانْعَدَمَ الرِّضَا فَإِنَّ الْعَقْدَ يَكُونُ فَاسِدًا.
وَأَمَّا الْجُمْهُورُ فَاشْتَرَطُوا وُجُودَ الرِّضَا - أَيْ الاِخْتِيَارِ - فِي جَمِيعِ الْعُقُودِ، إِلاَّ إِذَا دَل دَلِيلٌ خَاصٌّ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِهِ فِي عَقْدٍ خَاصٍّ، مِثْل الْهَزْل فِي الطَّلاَقِ وَالنِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ (19) .
12 - ثُمَّ إِنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ فَرَّقُوا بَيْنَ ثَلاَثَةِ أُمُورٍ:
1 - الْعِبَارَةِ الصَّادِرَةِ مِمَّنْ لَهُ الأَْهْلِيَّةُ، وَالْمَوْضُوعَةُ لِلدَّلاَلَةِ عَلَى تَرْتِيبِ الآْثَارِ، كَبِعْتُ، وَطَلَّقْتَ.
2 - قَصْدِ الْعِبَارَةِ دُونَ قَصْدِ الأَْثَرِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهَا، وَهُوَ الاِخْتِيَارُ.
3 - قَصْدِ الْعِبَارَةِ وَالأَْثَرِ، وَهُوَ الرِّضَا.
فَالأَْوَّل هُوَ رُكْنٌ فِي جَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ وَالْعُقُودِ، أَوْ شَرْطٌ لاِنْعِقَادِهَا، وَالثَّانِي شَرْطٌ لاِنْعِقَادِ الْعُقُودِ الْمَالِيَّةِ، وَلَيْسَ شَرْطًا لِلْعُقُودِ الَّتِي يَسْتَوِي فِيهَا الْجِدُّ وَالْهَزْل كَالطَّلاَقِ وَالنِّكَاحِ وَنَحْوِهِمَا، وَلِذَلِكَ يَقَعُ طَلاَقُ السَّكْرَانِ، وَالْمُكْرَهِ، وَالسَّاهِي عِنْدَهُمْ، وَالاِخْتِيَارُ بِهَذَا الْمَعْنَى لاَ يُنَافِي الإِْكْرَاهَ، بَل يَجْتَمِعُ مَعَهُ، وَلِذَلِكَ تَنْعَقِدُ عُقُودُ الْمُكْرَهِ الْمَالِيَّةُ، وَلَكِنَّهَا لاَ تَكُونُ صَحِيحَةً نَافِذَةَ الْعُقُودِ؛ لِكَوْنِهَا تَحْتَاجُ إِلَى شَرْطٍ آخَرَ وَهُوَ الرِّضَا. وَأَمَّا الثَّالِثُ فَهُوَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْعُقُودِ الْمَالِيَّةِ، وَلَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْعُقُودِ غَيْرِ الْمَالِيَّةِ إِطْلاَقًا.
وَأَمَّا جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ، فَجَعَلُوا الْعِبَارَةَ هِيَ الْوَسِيلَةَ، وَإِنَّمَا الأَْسَاسُ هُوَ الْقَصْدُ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالرِّضَا وَالاِخْتِيَارِ، سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ فِي الْعُقُودِ الْمَالِيَّةِ أَمْ غَيْرِ الْمَالِيَّةِ، يَقُول الشَّاطِبِيُّ: فَالْعَمَل إِذَا تَعَلَّقَ بِهِ الْقَصْدُ تَعَلَّقَتْ بِهِ الأَْحْكَامُ التَّكْلِيفِيَّةُ، وَإِذَا عُرِّيَ عَنِ الْقَصْدِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ شَيْءٌ مِنْهَا ". وَقَال الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ: مَدَارُ الْعُقُودِ عَلَى الْعُزُومِ وَالْقُصُودِ (20) ". وَيَقُول الْغَزَالِيُّ وَالنَّوَوِيُّ: الرُّكْنُ الثَّالِثُ - أَيْ مِنْ أَرْكَانِ الطَّلاَقِ - الْقَصْدُ إِلَى لَفْظِ الطَّلاَقِ وَمَعْنَاهُ (21) " وَلِذَلِكَ لاَ يَقَعُ عِنْدَهُمْ طَلاَقُ الْمُكْرَهِ وَالْمُخْطِئِ وَالسَّاهِي وَالْغَافِل وَنَحْوِهِمْ (22) .
وَأَمَّا الْخِلاَفُ فِيمَا بَيْنَ الْجُمْهُورِ فِي طَلاَقِ السَّكْرَانِ فَيَعُودُ فِي الْوَاقِعِ إِلَى مَدَى النَّظْرَةِ إِلَى عِقَابِهِ وَرَدْعِهِ، وَلِذَلِكَ لاَ يَقَعُ طَلاَقُهُ بِالإِْجْمَاعِ إِذَا كَانَ غَيْرَ مُتَعَدٍّ بِسُكْرِهِ، وَإِنَّمَا الْخِلاَفُ فِي السَّكْرَانِ بِتَعَدٍّ، حَيْثُ نَظَرَ الَّذِينَ أَوْقَعُوا طَلاَقَهُ إِلَى أَنَّ الْقَوْل بِهِ رَادِعٌ لَهُ عَنْ ذَلِكَ، أَوْ يُكَيَّفُ فِقْهِيًّا بِأَنَّ رِضَاهُ بِتَنَاوُل الْمُسْكِرِ الَّذِي يَعْلَمُ بِأَنَّ عَقْلَهُ سَيَغِيبُ بِهِ رِضًا بِالنَّتَائِجِ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ (23) .
وَكَمَا يُشْتَرَطُ فِي تَحَقُّقِ الرِّضَا قَصْدُ الْعِبَارَةِ - أَوِ التَّعْبِيرُ عَنْهُ - فَلاَ بُدَّ كَذَلِكَ مِنْ قَصْدِ الآْثَارِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَيْهِ، فَالْمُكْرَهُ مَثَلاً قَصَدَ الْعِبَارَةَ مِثْل بِعْتُ لَكِنَّهُ لَمْ يَقْصِدِ انْتِقَال الْمِلْكِيَّةِ، وَإِنَّمَا تَنْفِيذُ مَا هَدَّدَهُ الْمُكْرِهُ - بِكَسْرِ الرَّاءِ - وَكَذَلِكَ لاَ يَتَحَقَّقُ قَصْدُ الآْثَارِ إِلاَّ إِذَا كَانَ عَالِمًا بِهَا فِي الْجُمْلَةِ، فَلَوْ رَدَّدَ شَخْصٌ وَرَاءَ آخَرَ " بِعْتُ " أَوْ " قَبِلْتُ " وَلَمْ يَفْهَمْ مَعْنَاهُ، لَمْ يَتِمَّ الْقَصْدُ، يَقُول الْغَزَالِيُّ: وَلَكِنَّ شَرْطَهُ - أَيِ الْقَصْدَ - الإِْحَاطَةُ بِصِفَاتِ الْمَقْصُودِ ".
وَيَقُول ابْنُ الْقَيِّمِ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ - أَيِ الْعَاقِدُ - عَالِمًا بِمَعْنَاهَا - أَيِ الْعِبَارَةِ، وَلاَ مَقْصُودًا لَهُ لَمْ تَتَرَتَّبْ عَلَيْهَا أَحْكَامُهَا أَيْضًا، وَلاَ نِزَاعَ بَيْنَ أَئِمَّةِ الإِْسْلاَمِ فِي ذَلِكَ (24) ".
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
13 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ حِل أَمْوَال النَّاسِ مَنُوطٌ بِالرِّضَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِل إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ (25) } وَلِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: إِنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ (26) وَقَوْلِهِ: وَلاَ يَحِل لاِمْرِئٍ مِنْ مَال أَخِيهِ إِلاَّ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ (27) ، وَفِي رِوَايَةٍ: لاَ يَحِل مَال امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ بِطِيبِ نَفْسٍ (28) ، وَاخْتَلَفُوا فِي كَوْنِ الرِّضَا فِي التَّصَرُّفَاتِ شَرْطًا أَوْ لاَ؟ .
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الرِّضَا شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْعُقُودِ الَّتِي تَقْبَل الْفَسْخَ - وَهِيَ الْعُقُودُ الْمَالِيَّةُ مِنْ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ، وَنَحْوِهَا - أَيْ أَنَّهَا لاَ تَصِحُّ إِلاَّ مَعَ التَّرَاضِي، وَقَدْ تَنْعَقِدُ الْمَالِيَّةُ لَكِنَّهَا تَكُونُ فَاسِدَةً كَمَا فِي بَيْعِ الْمُكْرَهِ وَنَحْوِهِ، وَيَقُول الْمَرْغِينَانِيُّ:؛ لأَِنَّ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ هَذِهِ الْعُقُودِ التَّرَاضِيَ (29) " وَجَاءَ فِي التَّلْوِيحِ: أَنَّهُ - أَيِ الْبَيْعَ - يَعْتَمِدُ الْقَصْدَ تَصْحِيحًا لِلْكَلاَمِ، وَيَعْتَمِدُ الرِّضَا؛ لِكَوْنِهِ مِمَّا يَحْتَمِل الْفَسْخَ، بِخِلاَفِ الطَّلاَقِ " وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ أَصْل الْعُقُودِ الْمَالِيَّةِ تَنْعَقِدُ بِدُونِ الرِّضَا، لَكِنَّهَا لاَ تَكُونُ صَحِيحَةً، يَقُول أَمِيرُ بَادْشَاهْ الْحَنَفِيُّ: وَيَنْعَقِدُ بَيْعُ الْمُخْطِئِ نَظَرًا إِلَى أَصْل الاِخْتِيَارِ؛ لأَِنَّ الْكَلاَمَ صَدَرَ عَنْهُ بِاخْتِيَارِهِ، أَوْ بِإِقَامَةِ الْبُلُوغِ مَقَامَ الْقَصْدِ، لَكِنْ يَكُونُ فَاسِدًا غَيْرَ نَافِذٍ لِعَدَمِ الرِّضَا حَقِيقَةً (30) ".
وَأَمَّا الْعُقُودُ الَّتِي لاَ تَقْبَل الْفَسْخَ فِي نَظَرِهِمْ، فَالرِّضَا لَيْسَ شَرْطًا لِصِحَّتِهَا وَلاَ لَهُ أَثَرٌ فِيهَا، فَقَدْ ذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي تَصِحُّ مَعَ الإِْكْرَاهِ عِنْدَهُمْ، فَبَلَغَتْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ تَصَرُّفًا، مِنْهَا الطَّلاَقُ، وَالنِّكَاحُ، وَالْعَتَاقُ، وَالرَّجْعَةُ، وَالْحَلِفُ بِطَلاَقٍ وَعَتَاقٍ وَظِهَارٍ، وَالإِْيلاَءُ، وَقَبُول الْمَرْأَةِ الطَّلاَقَ عَلَى مَالٍ. . وَيَقُول ابْنُ الْهُمَامِ: وَيَقَعُ طَلاَقُ الْمُخْطِئِ؛ لأَِنَّ الْغَفْلَةَ عَنْ مَعْنَى اللَّفْظِ خَفِيٌّ، فَأُقِيمَ تَمْيِيزُ الْبُلُوغِ مَقَامَهُ "، وَعَلَّل عَبْدُ الْعَزِيزِ الْبُخَارِيُّ ذَلِكَ بِأَنَّ حَقِيقَةَ الْعَقْدِ تُعَلَّقُ بِالسَّبَبِ الظَّاهِرِ الدَّال عَلَيْهِ (31) .
وَأَمَّا جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ فَتَدُورُ عِبَارَاتُهُمْ بَيْنَ التَّصْرِيحِ بِأَنَّ الرِّضَا أَصْلٌ أَوْ أَسَاسٌ أَوْ شَرْطٌ لِلْعُقُودِ كُلِّهَا، فَعَلَى ضَوْءِ مَا صَرَّحُوا بِهِ إِذَا لَمْ يَتَحَقَّقِ الرِّضَا لاَ يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ، سَوَاءٌ أَكَانَ مَالِيًّا أَمْ غَيْرَ مَالِيٍّ، يَقُول الدُّسُوقِيُّ وَالْخَرَشِيُّ وَغَيْرُهُمَا: إِنَّ الْمَطْلُوبَ فِي انْعِقَادِ الْبَيْعِ مَا يَدُل عَلَى الرِّضَا، وَإِنَّ انْتِقَال الْمِلْكِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الرِّضَا " وَيَقُول الزَّنْجَانِيُّ الشَّافِعِيُّ: الأَْصْل الَّذِي تُبْنَى عَلَيْهِ الْعُقُودُ الْمَالِيَّةُ. . اتِّبَاعُ التَّرَاضِي. . ". وَيُصَرِّحُ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ التَّرَاضِيَ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الْعَقْدِ مَا لَمْ يُكْرَهْ بِحَقٍّ، كَالَّذِي يُكْرِهُهُ الْحَاكِمُ عَلَى بَيْعِ مَالِهِ لِوَفَاءِ دَيْنِهِ (32) .
14 - هَذَا، وَإِنَّ الرِّضَا أَمْرٌ خَفِيٌّ لاَ يُطَّلَعُ عَلَيْهِ؛ لأَِنَّهُ مَيْل النَّفْسِ فَأُنِيطَ الْحُكْمُ بِسَبَبٍ ظَاهِرٍ وَهُوَ الصِّيغَةُ الَّتِي هِيَ الإِْيجَابُ وَالْقَبُول، فَيَنْعَقِدُ الْعَقْدُ بِمَا يَدُل عَلَى الرِّضَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ إِشَارَةٍ (33) .
عُيُوبُ الرِّضَا:
14 م - إِنَّ " الرِّضَا " بِمَعْنَاهُ الاِصْطِلاَحِيِّ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ إِذَا وُجِدَ الْقَصْدُ إِلَى آثَارِ الْعَقْدِ، وَلَكِنَّهُ إِنَّمَا تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الآْثَارُ الشَّرْعِيَّةُ إِذَا سَلِمَ مِنْ كُل عَيْبٍ يُؤَثِّرُ فِيهِ، وَذَلِكَ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ إِذَا كَانَ " الرِّضَا " سَلِيمًا أَيْ بِأَنْ يَكُونَ حُرًّا طَلِيقًا لاَ يَشُوبُهُ ضَغْطٌ وَلاَ إِكْرَاهٌ، وَلاَ يَتَقَيَّدُ بِمَصْلَحَةِ أَحَدٍ كَرِضَا الْمَرِيضِ، أَوِ الدَّائِنِ الْمُفْلِسِ، وَأَنْ يَكُونَ وَاعِيًا فَلاَ يَحُول دُونَ إِدْرَاكِ الْحَقِيقَةِ جَهْلٌ، أَوْ تَدْلِيسٌ وَتَغْرِيرٌ، أَوِ اسْتِغْلاَلٌ، أَوْ غَلَطٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَعُوقُ إِدْرَاكَهُ.
فَمِنْ عُيُوبِ الرِّضَا الإِْكْرَاهُ وَالْجَهْل وَالْغَلَطُ، وَالتَّدْلِيسُ وَالتَّغْرِيرُ، وَالاِسْتِغْلاَل وَكَوْنُ الرِّضَا مُقَيَّدًا بِرِضَا شَخْصٍ آخَرَ، يَقُول الْغَزَالِيُّ وَالنَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا: وَيَخْتَل الْقَصْدُ بِخَمْسَةِ أَسْبَابٍ: سَبْقِ اللِّسَانِ، وَالْهَزْل، وَالْجَهْل، وَالإِْكْرَاهِ، وَاخْتِلاَل الْعَقْل ".
فَإِذَا وُجِدَ عَيْبٌ مِنْ هَذِهِ الْعُيُوبِ، أَوْ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى إِذَا لَمْ يَتَوَفَّرْ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ الرِّضَا فَإِنَّ الْعَقْدَ فِي بَعْضِ الأَْحْوَال يَكُونُ فَاسِدًا، أَوْ بَاطِلاً - عَلَى خِلاَفٍ فِيهِمَا بَيْنَ الْجُمْهُورِ وَالْحَنَفِيَّةِ - وَيَكُونُ فِي بَعْضِ الأَْحْوَال غَيْرَ لاَزِمٍ، أَيْ يَكُونُ لأَِحَدِ الْعَاقِدَيْنِ، أَوْ كِلَيْهِمَا حَقُّ الْخِيَارِ، وَمِنْ هُنَا فَإِنَّ هَذِهِ الْعُيُوبَ بَعْضَهَا يُؤَثِّرُ فِي الرِّضَا تَأْثِيرًا مُبَاشِرًا، فَيَكُونُ الْعَقْدُ الَّذِي تَمَّ فِي ظِلِّهِ فَاسِدًا أَوْ بَاطِلاً - كَمَا فِي الإِْكْرَاهِ، وَبَعْضَهَا يُؤَثِّرُ فِي إِلْزَامِيَّةِ الرِّضَا، فَيَكُونُ الْعَقْدُ الَّذِي تَمَّ فِي ظِلِّهِ غَيْرَ مُلْزِمٍ، بَل يَكُونُ لِعَاقِدٍ حَقُّ الْخِيَارِ، مِثْل التَّدْلِيسِ، وَالتَّغْرِيرِ، وَالاِسْتِغْلاَل وَنَحْوِهَا، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى فَإِنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ مِنْهَا مَا هُوَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الرِّضَا كَكَوْنِهِ لَمْ يَقَعْ تَحْتَ إِكْرَاهٍ، وَمِنْهَا مَا هُوَ شَرْطٌ لِلُزُومِهِ، كَكَوْنِهِ لَمْ يَشُبْهُ غَلَطٌ أَوِ اسْتِغْلاَلٌ، أَوْ تَدْلِيسٌ - عَلَى تَفْصِيلٍ كَبِيرٍ وَخِلاَفٍ (34) .
وَنُحِيل لأَِحْكَامِ هَذِهِ الْمَسَائِل إِلَى مُصْطَلَحَاتِهَا الْخَاصَّةِ فِي الْمَوْسُوعَةِ. وَسَائِل التَّعْبِيرِ عَنِ الرِّضَا:
15 - إِنَّ الرِّضَا فِي حَقِيقَتِهِ - كَمَا سَبَقَ - هُوَ الْقَصْدُ، وَهُوَ أَمْرٌ بَاطِنِيٌّ لَيْسَ لَنَا مِنْ سَبِيلٍ إِلَيْهِ إِلاَّ مِنْ خِلاَل وَسَائِل تُعَبِّرُ عَنْهُ، وَهِيَ اللَّفْظُ وَالْفِعْل - أَيِ الْبَذْل - وَالْكِتَابَةُ، وَالإِْشَارَةُ، وَالسُّكُوتُ فِي مَعْرِضِ الْبَيَانِ. يَقُول الْبَيْضَاوِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ ضَرُورَةَ وُجُودِ الرِّضَا حَقِيقَةً: لَكِنَّهُ لَمَّا خَفِيَ نِيطَ بِاللَّفْظِ الدَّال عَلَيْهِ صَرِيحًا (35) " وَيَقُول ابْنُ الْقَيِّمِ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَضَعَ الأَْلْفَاظَ بَيْنَ عِبَادِهِ تَعْرِيفًا وَدَلاَلَةً عَلَى مَا فِي نُفُوسِهِمْ، فَإِذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ مِنَ الآْخَرِ شَيْئًا عَرَّفَهُ بِمُرَادِهِ وَمَا فِي نَفْسِهِ بِلَفْظِهِ، وَرَتَّبَ عَلَى تِلْكَ الإِْرَادَاتِ وَالْمَقَاصِدِ أَحْكَامَهَا بِوَاسِطَةِ الأَْلْفَاظِ، وَلَمْ يُرَتِّبْ تِلْكَ الأَْحْكَامَ عَلَى مُجَرَّدِ مَا فِي النُّفُوسِ مِنْ غَيْرِ دَلاَلَةِ فِعْلٍ، أَوْ قَوْلٍ، وَلاَ عَلَى مُجَرَّدِ أَلْفَاظٍ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ بِهَا لَمْ يُرِدْ مَعَانِيَهَا وَلَمْ يُحِطْ بِهَا عِلْمًا، بَل تَجَاوَزَ لِلأُْمَّةِ عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَل، أَوْ تُكَلِّمْ بِهِ (36) . فَإِذَا اجْتَمَعَ الْقَصْدُ وَالدَّلاَلَةُ الْقَوْلِيَّةُ، أَوِ الْفِعْلِيَّةُ تَرَتَّبَ الْحُكْمُ، هَذِهِ قَاعِدَةُ الشَّرِيعَةِ، وَهِيَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ عَدْل اللَّهِ وَحِكْمَتِهِ وَرَحْمَتِهِ، فَإِنَّ خَوَاطِرَ الْقُلُوبِ وَإِرَادَةَ النُّفُوسِ لاَ تَدْخُل تَحْتَ الاِخْتِيَارِ (37) ".
وَسَنُوجِزُ الْقَوْل فِي دَلاَلَةِ هَذِهِ الْوَسَائِل:
16 - دَلاَلَةُ اللَّفْظِ عَلَى الرِّضَا، حَيْثُ هُوَ الْوَسِيلَةُ الأُْولَى وَالأَْفْضَل فِي التَّعْبِيرِ عَنِ الرِّضَا، وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْخِلاَفُ فِيهِ مُنْصَبًّا عَلَى بَعْضِ الصِّيَغِ، كَصِيَغِ الاِسْتِفْهَامِ، أَوِ الْكِنَايَةِ، أَوِ الْمُضَارِعِ، حَيْثُ وَقَفَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عِنْدَ مُلاَحَظَةِ نَوْعِيَّةِ الدَّلاَلَةِ اللُّغَوِيَّةِ، وَاشْتَرَطُوا أَنْ لاَ يَكُونَ فِيهَا احْتِمَالٌ، فِي حِينِ أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْفُقَهَاءِ - مِنْهُمُ الْمَالِكِيَّةُ - ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الْعُمْدَةَ فِي ذَلِكَ دَلاَلَةُ اللَّفْظِ عَلَى الْمَقْصُودِ، وَأَنَّ الْمَرْجِعَ فِي ذَلِكَ هُوَ الْعُرْفُ، كَمَا أَنَّ الْقَرِينَةَ أَيْضًا لَهَا دَوْرٌ فِي جَعْل اللَّفْظِ دَالًّا عَلَى الْمَقْصُودِ (38) . وَهُنَاكَ تَفْصِيلٌ وَاسِعٌ يُذْكَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (عَقْد) . 17 - دَلاَلَةُ الْفِعْل عَلَى الرِّضَا (الْبَذْل) أَيْ عَرْضُ الشَّخْصِ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فَيَأْخُذُهُ الآْخَرُ فَيَدْفَعُ قِيمَتَهُ، وَهَذَا مَا يُسَمَّى بِالْمُعَاطَاةِ، أَيْ مِنَ الطَّرَفَيْنِ، أَوِ الْقَوْل مِنْ أَحَدِهِمَا وَالْعَرْضِ مِنَ الآْخَرِ، أَيِ الإِْعْطَاءِ مِنْ أَحَدٍ دُونَ قَوْلٍ، وَالْجَانِبُ الثَّانِي يُعَبِّرُ عَنِ الرِّضَا بِالْقَوْل، أَوِ الْكِتَابَةِ، أَوْ نَحْوِهِمَا.
وَقَدْ ثَارَ الْخِلاَفُ فِي مَدَى دَلاَلَتِهِ عَلَى الرِّضَا عَلَى ثَلاَثَةِ آرَاءٍ مُوجَزُهَا:
الرَّأْيُ الأَْوَّل: عَدَمُ صَلاَحِيَةِ الْفِعْل (الْبَذْل) لِلتَّعْبِيرِ عَنِ الرِّضَا فِي الْعُقُودِ، هَذَا رَأْيُ الشَّافِعِيَّةِ فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ.
الرَّأْيُ الثَّانِي: صَلاَحِيَتُهُ لِلدَّلاَلَةِ عَلَى الرِّضَا، وَإِنْشَاءِ الْعَقْدِ بِهِ مُطْلَقًا، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ - مَا عَدَا الْكَرْخِيَّ - وَالْمَالِكِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ - مَا عَدَا الْقَاضِيَ - وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ مِنْهُمُ الْبَغَوِيُّ وَالنَّوَوِيُّ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ هَؤُلاَءِ قَيَّدُوا ذَلِكَ بِالْعُرْفِ.
الرَّأْيُ الثَّالِثُ: صَلاَحِيَتُهُ فِي الأَْشْيَاءِ الرَّخِيصَةِ، وَعَدَمُ صَلاَحِيَتِهِ فِي الْغَالِيَةِ وَالنَّفِيسَةِ، وَهَذَا رَأْيُ الْكَرْخِيِّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَابْنِ سُرَيْجٍ، وَالْغَزَالِيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى مِنَ الْحَنَابِلَةِ (39) . دَلاَلَةُ الْكِتَابَةِ عَلَى الرِّضَا:
18 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْكِتَابَ كَالْخِطَابِ فِي دَلاَلَتِهِ عَلَى الرِّضَا سَوَاءٌ أَكَانَ بَيْنَ الْحَاضِرِينَ أَمِ الْغَائِبِينَ، وَاسْتَثْنَوُا النِّكَاحَ.
وَذَهَبَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى عَدَمِ صَلاَحِيَةِ الْكِتَابَةِ لإِِنْشَاءِ الْعُقُودِ إِلاَّ لِلْعَاجِزِ عَنِ الْكَلاَمِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْكِتَابَ كَالْخِطَابِ فِيمَا بَيْنَ الْغَائِبِينَ دُونَ الْحَاضِرِينَ (40) .
دَلاَلَةُ الإِْشَارَةِ عَلَى الرِّضَا:
19 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ إِشَارَةَ الْعَاجِزِ عَنِ النُّطْقِ الْمَفْهُومَةَ هِيَ كَالْكَلاَمِ، وَكَذَلِكَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ إِشَارَةَ النَّاطِقِ لاَ تَصْلُحُ إِيجَابًا أَوْ قَبُولاً فِي النِّكَاحِ، وَإِنَّمَا الْخِلاَفُ فِي إِشَارَةِ النَّاطِقِ فِي غَيْرِ النِّكَاحِ فَهَل تُقْبَل دَلِيلاً عَلَيْهِ أَوْ لاَ؟ .
ذَهَبَ الْجُمْهُورُ - مِنْهُمُ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - إِلَى عَدَمِ صَلاَحِيَةِ الإِْشَارَةِ وَحْدَهَا لِلتَّعْبِيرِ عَنِ الرِّضَا بِالنِّسْبَةِ لِلنَّاطِقِ.
- وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الإِْشَارَةَ كَاللَّفْظِ فِي غَيْرِ النِّكَاحِ؛ لأَِنَّ الْعِبْرَةَ بِالرِّضَا فَمَا دَامَ قَدْ ظَهَرَ بِأَيَّةِ وَسِيلَةٍ فَلاَ بُدَّ أَنْ يُقْبَل، إِذْ لاَ دَلِيل عَلَى تَخْصِيصِ لَفْظٍ خَاصٍّ لَهُ (41) .
دَلاَلَةُ السُّكُوتِ عَلَى الرِّضَا:
20 - لاَ شَكَّ أَنَّ السُّكُوتَ السَّلْبِيَّ لاَ يَكُونُ دَلِيلاً عَلَى الرِّضَا أَوْ عَدَمِهِ، وَلِذَلِكَ تَقْضِي الْقَاعِدَةُ الْفِقْهِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ: " لاَ يُسْنَدُ لِسَاكِتٍ قَوْلٌ، وَلَكِنَّ السُّكُوتَ فِي مَعْرِضِ الْحَاجَةِ بَيَانٌ (42) " وَذَلِكَ إِذَا صَاحَبَتْهُ قَرَائِنُ وَظُرُوفٌ بِحَيْثُ خَلَعَتْ عَلَيْهِ ثَوْبَ الدَّلاَلَةِ عَلَى الرِّضَا.
وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ سُكُوتَ الْبِكْرِ دَلِيلٌ عَلَى الرِّضَا لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْوَارِدِ، حَيْثُ قَال النَّبِيُّ ﷺ: لاَ تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ، قَالُوا يَا رَسُول اللَّهِ: وَكَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَال: أَنْ تَسْكُتَ (43) وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ يَسْتَأْذِنُهَا أَبُوهَا فِي نَفْسِهَا، وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا (44) .
__________
(1) أصل ألف (الرضا) واو، وقيل: أصله ياء، بدليل قولهم في اسم المفعول (مرضي) ولذا تكتب (الرضا) بالألف، ويجوز كتابتها بالياء. لسان العرب، القاموس، المصباح مادة: " رضا ".
(2) سورة النساء / 29.
(3) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 5 / 153 ط. دار الكتب المصرية 1387 هـ.
(4) التلويح على التوضيح 2 / 195 ط. محمد علي صبيح بمصر، وحاشية ابن عابدين على الدر المختار ط. مصطفى الحلبي 4 / 507، وحاشية الرهاوي على شرح المنار ص 298، وتيسير التحرير لأمير باد شاه الحلبي 2 / 290.
(5) هذا التعريف وإن لم يصرحوا به لكنه يؤخذ من كتبهم بوضوح، يراجع لذلك: شرح الخرشي على مختصر خليل 5 / 9 ط الأميرية ببولاق، ومواهب الجليل للحطاب 5 / 9 ط. السعادة 1329، وفتاوى السيوطي، ضمن مجموعة رسائله - مخطوطة الأزهر رقم (131 فقه شافعي) ورقة (143) ، وحاشية عميرة على شرح المحلي على المنهاج 2 / 156 ط. عيسى الحلبي، وكشاف القناع 2 / 5 للبهوتي ط. الرياض
(6) القاموس المحيط، ولسان العرب، والمصباح المنير، مادة " قصد ". التمهيد للأسنوي ط. مؤسسة الرسالة ص 70، والمنثور في القواعد ط. وزارة الأوقاف الكويتية 2 / 36.
(7) رد المحتار على الدر المختار 4 / 507، وكشف الأسرار للبزدوي 4 / 383، وتيسير التحرير 2 / 290، مواهب الجليل / 25، وشرح الخرشي 5 / 9، وفتاوى السيوطي ورقة (13) ، وشرح الكوكب المنير 1 / 509.
(8) الموسوعة الفقهية 2 / 9.
(9) حاشية ابن عابدين 4 / 507، وكشف الأسرار 4 / 383، والمصادر الفقهية والأصولية السابقة.
(10) الإكراه الملجئ عند الحنفية هو ما يكون التهديد بإتلاف النفس أو العضو، أو الضرب الذي يفضي إلى تلف النفس، أو العضو، وغير الملجئ هو ما كان الإكراه بالحبس أو القيد، أو الضرب (بدائع الصنائع 7 / 175) .
(11) كشف الأسرار 4 / 382.
(12) المصادر السابقة.
(13) يقول أبو زيد الدبوسي في تقديم الأدلة / مخطوطة دار الكتب المصرية رقم 255 أصول الفقه ص 910: " المكره مختار لما فعله قاصدًا إياه؛ لأنه عرف الشرين فاختار أهونهما عليه عن علم وقصد، إلا أنه قصد فاسد؛ لأنه قصد لا عن رضا به، بل لدفع الشر عن نفسه "، وقال البزدوي في أصوله بهامش كشف الأسرار / 383: " الإكراه لا ينافي الاختيار، ولذلك كان مخاطبًا في عين ما أكره عليه ".
(14) سورة النساء / 29.
(15) حديث: " ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد: الطلاق والنكاح والرجعة " أخرجه أبو داود 3 / 644 - تحقيق عزت عبيد دعاس، والترمذي (3 / 481 - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة، وقال: " حديث حسن ".
(16) إعلام الموقعين 3 / 123 - 126
(17) الموافقات 2 / 327ط. دار أبي حرفة ببيروت، الوسيط مخطوطة دار الكتب المصرية (212 فقه شافعي) ، ورقة (117، 178) ، وحاشية عميرة 2 / 56، شرح الكوكب المنير 1 / 509.
(18) كشف الأسرار 4 / 384، وجامع الحقائق للخادمي ص (98) ،
(19) المصادر الفقهية والأصولية السابقة للفريقين.
(20) الموافقات 2 / 324، وقواعد الأحكام 2 / 150.
(21) الوسيط مخطوطة الدار رقم 312 فقه الشافعي ورقة 177، والروضة 8 / 53، وفتاوى ابن الصلاح الشهرزوري ط. الحضارة بالقاهرة ص 260
(22) المصادر السابقة، والمنتهى لابن الحاجب ص 32، والقوانين الفقهية ص 197، 199.
(23) القوانين الفقهية ص (196) ، والأم 5 / 235، والروضة للنووي 8 / 12، المغني لابن قدامة 7 / 114 - 116
(24) الوسيط 2 / 596ط. دار الاعتصام، إعلام الموقعين 2 / 121، وسبق أن بعض الحنفية يصححون عبارة من لم يفهم في النكاح والطلاق، حاشية ابن عابدين 3 / 15، إعلام الموقعين 2 / 121.
(25) سورة النساء / 29.
(26) حديث: إنما البيع عن تراض: أخرجه ابن ماجه (2 / 737 - ط الحلبي) من حديث أبي سعيد الخدري، وقال البوصيري: " هذا إسناد صحيح " مصباح الزجاجة (2 / 10 - ط. دار الجنان) .
(27) حديث: " لا يحل لامرئ من مال أخيه إلا ما طابت به نفسه " أخرجه أحمد (3 / 423 - ط الميمنية) من حديث عمر بن يثري، وأورده الهيثمي في المجمع (4 / 171 ط القدسي) وقال: " رواه أحمد وابنه في زياداته عليه، والطبرني في الكبير والأوسط، ورجال أحمد ثقات ".
(28) حديث: " لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس " أخرجه أحمد (5 / 72 - ط الميمنية) من حديث أبي حرة الرقاشي عن عمه مرفوعًا. وأورده الهيثمي في المجمع (4 / 172 - ط القدسي) وقال: " رواه أبو يعلى، وأبو حرة وثقه أبو داود وضعفه ابن معين ".
(29) الهداية - مع تكملة فتح القدير 7 / 293 - 294، والبحر الرائق 8 / 81.
(30) تيسير التحرير 2 / 306.
(31) خزانة الفقه، وعيون المسائل، بتحقيق صلاح الدين الناهي - ط. بغداد سنة 1966 (1 / 405 - 406) ، والتحرير مع شرحه تيسير التحرير 2 / 306، وكشف الأسرار 4 / 354، والتلويح 389، وشرح المنار ص 978، ومجامع الحقائق ص 298، والدر المختار 3 / 15.
(32) الشرح الكبير مع الدسوقي 3 / 2 - 3، وشرح الخرشي 5 / 4، وشرح تحفة الحكام للفاسي 1 / 278، تخريج الفروع ص (62) ، والروضة 8 / 53 - 62، وكشاف القناع 3 / 149 - 150
(33) مغني المحتاج 2 / 3، أسنى المطالب 2 / 3، الدسوقي 3 / 3.
(34) الوسيط، مخطوطة دار الكتب رقم 206 فقه شافعي جـ 3 ورقة (147) ، والروضة 8 / 53 - 62
(35) الغاية القصوى 1 / 457، روى مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان 1 / 116 أن النبي ﷺ قال: " إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت أنفسها ما لم تعمل به، أو تتكلم ".
(36) ورد ذلك من حديث أبي هريرة مرفوعًا: " إن الله تجاوز عن أمتي ما وسوست به صدورها ما لم تعمل أو تتكلم ". أخرجه البخاري (الفتح 5 / 160 - ط السلفية) ، وأخرجه مسلم بلفظ مقارب (1 / 116 - ط الحلبي) .
(37) إعلام الموقعين 3 / 105 - 106
(38) يراجع في تفصيل ذلك: فتح القدير 2 / 345، وحاشية ابن عابدين 3 / 15، والفتاوى الهندية 3 / 4، والشرح الكبير مع الدسوقي 3 / 3، وشرح المحلي مع حاشيتي القليوبي وعميرة 2 / 152، ونهاية المحتاج 3 / 376، وكشاف القناع 3 / 147، الإنصاف 5 / 353، والاختيارات الفقهية ص (121) ، والتعبير عن الإرادة للدكتور وحيد الدين سوار ط. النهضة المصرية، ومبدأ الرضا في العقود دراسة مقارنة ط. دار البشائر الإسلامية.
(39) فتح القدير 5 / 77، وبدائع الصنائع 6 / 2985، والدسوقي على الشرح الكبير 3 / 3، وشرح الخرشي 5 / 5، والمغني 3 / 561، والإنصاف 4 / 263، وفتح العزيز 8 / 99، والمجموع 9 / 162 - 163، مجمع الأنهر 2 / 5، والبحر الرائق 5 / 291، وإحياء علوم الدين 2 / 69، والغاية القصوى 1 / 457، والمحلى 9 / 294
(40) فتح القدير 5 / 79، والفتاوى الهندية 3 / 9، وابن عابدين 4 / 512، والروضة 8 / 39، والأشباه والنظائر للسيوطي ص 334
(41) بدائع الصنائع 4 / 814، وفتح القدير 3 / 42، وبلغة السالك 2 / 166، والمجموع 9 / 171، والأشباه للسيوطي ص 338، والمنثور للزركشي 1 / 4، والمغني 7 / 239، والشرح الصغير مع حاشية الصاوي 2 / 343، وشرح الخرشي 5 / 5.
(42) مسائل السكوت للعلامة إبراهيم بن عمر، مخطوطة الأوقاف برقم (3529) ، ورقة (1) والأشباه والنظائر للسيوطي ص (158) ، والمنثور 2 / 205.
(43) حديث: " لا تنكح البكر حتى تستأذن " أخرجه البخاري (الفتح 9 / 191 - ط السلفية) ، ومسلم (2 / 1036 - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة.
(44) حديث: " الثيب أحق بنفسها من وليها " أخرجه مسلم (2 / 1037 ط. الحلبي) .
الموسوعة الفقهية الكويتية: 227/ 22