المحيط
كلمة (المحيط) في اللغة اسم فاعل من الفعل أحاطَ ومضارعه يُحيط،...
السجود الذي يُؤَدَّى عند حصول خيرٍ شكرًا لله تَعَالَى، وهو سجدة واحدة كسجود الصلاة . ومن شواهده قول النووي : "قال الشافعي، والأصحاب : سجود الشكر سنة عند تجدد نعمة ظاهرة، واندفاع نقمة ظاهرة، سواء خصته النعمة، والنقمة، أو عمت المسلمين ."
سجدة واحدة كسجود الصلاة تُؤَدَّى شكرًا لله تَعَالَى.
. التَّعْرِيفُ:
1 - السُّجُودُ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، وَالشُّكْرُ لُغَةً: هُوَ الاِعْتِرَافُ بِالْمَعْرُوفِ الْمُسْدَى إِلَيْكَ، وَنَشْرُهُ، وَالثَّنَاءُ عَلَى فَاعِلِهِ، وَضِدُّهُ الْكُفْرَانُ، قَال تَعَالَى: {وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} (1) وَحَقِيقَةُ الشُّكْرِ: ظُهُورُ أَثَرِ النِّعْمَةِ عَلَى اللِّسَانِ وَالْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ، بِأَنْ يَكُونَ اللِّسَانُ مُقِرًّا بِالْمَعْرُوفِ مُثْنِيًا بِهِ، وَيَكُونُ الْقَلْبُ مُعْتَرِفًا بِالنِّعْمَةِ، وَتَكُونُ الْجَوَارِحُ مُسْتَعْمَلَةً فِيمَا يَرْضَاهُ الْمَشْكُورُ. (2)
وَالشُّكْرُ لِلَّهِ فِي الاِصْطِلاَحِ: صَرْفُ الْعَبْدِ النِّعَمَ الَّتِي أَنْعَمَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْهِ فِي طَاعَتِهِ. (3) وَسُجُودُ الشُّكْرِ شَرْعًا: هُوَ سَجْدَةٌ يَفْعَلُهَا الإِْنْسَانُ عِنْدَ هُجُومِ نِعْمَةٍ، أَوِ انْدِفَاعِ نِقْمَةٍ (4) .
مَشْرُوعِيَّةُ سُجُودِ الشُّكْرِ:
2 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مَشْرُوعِيَّةِ السُّجُودِ لِلشُّكْرِ، فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَهُوَ قَوْل ابْنِ حَبِيبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَعَزَاهُ ابْنُ الْقَصَّارِ إِلَى مَالِكٍ وَصَحَّحَهُ الْبُنَانِيُّ إِلَى أَنَّهُ مَشْرُوعٌ. لِمَا وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إِذَا أَتَاهُ أَمْرُ سُرُورٍ - أَوْ: بُشِّرَ بِهِ - خَرَّ سَاجِدًا شَاكِرًا لِلَّهِ. (5) وَسَجَدَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ ﵁ حِينَ فَتَحَ الْيَمَامَةَ حِينَ جَاءَهُ خَبَرُ قَتْل مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ.
وَسَجَدَ عَلِيٌّ ﵁ حِينَ وَجَدَ ذَا الثُّدَيَّةِ بَيْنَ قَتْلَى الْخَوَارِجِ، وَرُوِيَ السُّجُودُ لِلشُّكْرِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ.
وَرَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ﵁ أَنَّ جِبْرِيل قَال لِلنَّبِيِّ ﷺ: يَقُول اللَّهُ تَعَالَى: مَنْ صَلَّى عَلَيْكَ صَلَّيْتُ عَلَيْهِ، وَمَنْ سَلَّمَ عَلَيْكَ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَسَجَدَ النَّبِيُّ ﷺ شُكْرًا لِلَّهِ. (6) وَذَكَرَ الْحَاكِمُ أَنَّهُ ﷺ سَجَدَ لِرُؤْيَةِ زَمِنٍ، وَأُخْرَى لِرُؤْيَةِ قَرَدٍ، وَأُخْرَى لِرُؤْيَةِ نُغَاشِيٍّ. (7) قَال الْحَجَّاوِيُّ: النُّغَاشِيُّ قِيل: هُوَ نَاقِصُ الْخِلْقَةِ، وَقِيل: هُوَ الْمُبْتَلَى، وَقِيل: مُخْتَلِطُ الْعَقْل. وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ فِي سَجْدَةِ (8) : سَجَدَهَا دَاوُدُ تَوْبَةً، وَأَسْجُدُهَا شُكْرًا، (9) وَبِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ﵁ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ " لَمَّا بُشِّرَ بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ خَرَّ سَاجِدًا (10) .
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ عَلَى الْمَشْهُورِ عَنْهُ، وَالنَّخَعِيُّ عَلَى مَا حَكَاهُ عَنْهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إِلَى أَنَّ السُّجُودَ لِلشُّكْرِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ.
قَال الْبُنَانِيُّ: وَجْهُ الْمَشْهُورِ عَنْ مَالِكٍ عَمَل أَهْل الْمَدِينَةِ، وَذَلِكَ لِمَا فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّهُ قِيل لِمَالِكٍ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ سَجَدَ فِي فَتْحِ الْيَمَامَةِ شُكْرًا، قَال: مَا سَمِعْتُ ذَلِكَ، وَأَرَى أَنَّهُمْ كَذَبُوا عَلَى أَبِي بَكْرٍ، وَقَدْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ ﷺ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ فَمَا سَمِعْتُ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ سَجَدَ. (11)
وَاحْتَجَّ ابْنُ الْمُنْذِرِ لأَِصْحَابِ هَذَا الْقَوْل بِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ شَكَا إِلَيْهِ رَجُلٌ الْقَحْطَ وَهُوَ يَخْطُبُ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَدَعَا، فَسُقُوا فِي الْحَال وَدَامَ الْمَطَرُ إِلَى الْجُمُعَةِ الأُْخْرَى، فَقَال رَجُلٌ: يَا رَسُول اللَّهِ، تَهَدَّمَتِ الْبُيُوتُ وَتَقَطَّعَتِ السُّبُل فَادْعُ اللَّهَ يَرْفَعْهُ عَنَّا، فَدَعَا فَرَفَعَهُ فِي الْحَال (12) قَال: فَلَمْ يَسْجُدِ النَّبِيُّ ﷺ لِتَجَدُّدِ نِعْمَةِ الْمَطَرِ أَوَّلاً، وَلاَ لِرَفْعِ نِقْمَتِهِ آخِرًا.
وَاحْتَجَّ أَيْضًا بِأَنَّ الإِْنْسَانَ لاَ يَخْلُو مِنْ نِعْمَةٍ، فَإِنْ كَلَّفَهُ لَزِمَ الْحَرَجُ. (13)
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
3 - مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي حُكْمِ سُجُودِ الشُّكْرِ عِنْدَ وُجُودِ سَبَبِهِ أَنَّهُ سُنَّةٌ، لِمَا وَرَدَ مِنَ الأَْحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَفْعَلُهُ.
وَقَدْ أَفَادَ الزَّرْقَانِيُّ - عَلَى الْقَوْل بِمَشْرُوعِيَّتِهِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ - أَنَّهُ عَلَى هَذَا الْقَوْل غَيْرُ مَطْلُوبٍ، أَيْ لَيْسَ مُسْتَحَبًّا، وَلَكِنَّهُ جَائِزٌ فَقَطْ.
وَمَشْهُورُ مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ سُجُودَ الشُّكْرِ مَكْرُوهٌ، وَهُوَ نَصُّ مَالِكٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا عِنْدَهُ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ.
وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ الْكَرَاهَةُ، إِلاَّ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِمَا يَدُل عَلَى أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ، فَعِبَارَةُ الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: سَجْدَةُ الشُّكْرِ لاَ عِبْرَةَ بِهَا، وَهِيَ مَكْرُوهَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لاَ يُثَابُ عَلَيْهَا، وَتَرْكُهَا أَوْلَى. (14) . أَسْبَابُ سُجُودِ الشُّكْرِ:
4 - يُشْرَعُ سُجُودُ الشُّكْرِ عِنْدَ مَنْ قَال بِهِ لِطُرُوءِ نِعْمَةٍ ظَاهِرَةٍ، كَأَنْ رَزَقَهُ اللَّهُ وَلَدًا بَعْدَ الْيَأْسِ، أَوْ لاِنْدِفَاعِ نِقْمَةٍ كَأَنْ شُفِيَ لَهُ مَرِيضٌ، أَوْ وَجَدَ ضَالَّةً، أَوْ نَجَا هُوَ أَوْ مَالُهُ مِنْ غَرَقٍ أَوْ حَرِيقٍ. أَوْ لِرُؤْيَةِ مُبْتَلًى أَوْ عَاصٍ أَيْ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى سَلاَمَتِهِ هُوَ مِنْ مِثْل ذَلِكَ الْبَلاَءِ وَتِلْكَ الْمَعْصِيَةِ.
وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ يُسَنُّ السُّجُودُ سَوَاءٌ كَانَتِ النِّعْمَةُ الْحَاصِلَةُ أَوِ النِّقْمَةُ الْمُنْدَفِعَةُ خَاصَّةً بِهِ أَوْ بِنَحْوِ وَلَدِهِ، أَوْ عَامَّةً لِلْمُسْلِمِينَ، كَالنَّصْرِ عَلَى الأَْعْدَاءِ، أَوْ زَوَال طَاعُونٍ وَنَحْوِهِ.
وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: يَسْجُدُ لِنِعْمَةٍ عَامَّةٍ وَلاَ يَسْجُدُ لِنِعْمَةٍ خَاصَّةٍ، قَدَّمَهُ ابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. (15)
ثُمَّ إِنَّهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: لاَ يُشْرَعُ السُّجُودُ لاِسْتِمْرَارِ النِّعَمِ لأَِنَّهَا لاَ تَنْقَطِعُ. (16) وَلأَِنَّ الْعُقَلاَءَ يُهَنِّئُونَ بِالسَّلاَمَةِ مِنَ الأَْمْرِ الْعَارِضِ وَلاَ يَفْعَلُونَهُ كُل سَاعَةٍ. (17)
قَال الرَّمْلِيُّ: وَتَفُوتُ سَجْدَةُ الشُّكْرِ بِطُول الْفَصْل بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَبَبِهَا (18) . شُرُوطُ سُجُودِ الشُّكْرِ:
5 - صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ سُجُودَ الشُّكْرِ يُشْتَرَطُ لَهُ مَا يُشْتَرَطُ لِلصَّلاَةِ، أَيْ مِنَ الطَّهَارَةِ، وَاسْتِقْبَال الْقِبْلَةِ، وَسِتْرِ الْعَوْرَةِ، وَاجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ.
وَعَلَى هَذَا فَمَنْ كَانَ فَاقِدَ الطَّهُورَيْنِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْجُدَ لِلشُّكْرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّرْقَاوِيُّ.
وَعَلَى الْقَوْل بِجَوَازِ سُجُودِ الشُّكْرِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَفْتَقِرُ إِلَى طَهَارَةٍ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَاخْتَارَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ عَدَمَ افْتِقَارِهِ إِلَى ذَلِكَ، قَال الْحَطَّابُ: لأَِنَّ سِرَّ الْمَعْنَى الَّذِي يُؤْتَى بِالسُّجُودِ لأَِجْلِهِ يَزُول لَوْ تَرَاخَى حَتَّى يَتَطَهَّرَ. وَاخْتَارَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ الطَّهَارَةُ لِسُجُودِ الشُّكْرِ. (19)
كَيْفِيَّةُ سُجُودِ الشُّكْرِ:
6 - يُصَرِّحُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ سُجُودَ الشُّكْرِ تُعْتَبَرُ فِي صِفَاتِهِ صِفَاتُ سُجُودِ التِّلاَوَةِ خَارِجَ الصَّلاَةِ، (20) وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ لِلشُّكْرِ لِلَّهِ تَعَالَى يَسْتَقْبِل الْقِبْلَةَ وَيُكَبِّرُ وَيَسْجُدُ سَجْدَةً يَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى فِيهَا وَيُسَبِّحُهُ. ثُمَّ يُكَبِّرُ تَكْبِيرَةً أُخْرَى وَيَرْفَعُ رَأْسَهُ. قَال فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: كَمَا فِي سُجُودِ التِّلاَوَةِ، وَقَدْ قَال فِي سُجُودِ التِّلاَوَةِ: يُكَبِّرُ لِلسُّجُودِ وَلاَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ. وَإِذَا رَفَعَ مِنَ السُّجُودِ فَلاَ تَشَهُّدَ عَلَيْهِ وَلاَ سَلاَمَ. (21)
غَيْرَ أَنَّ فِي التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ مِنْ سُجُودِ الشُّكْرِ بَعْدَ الرَّفْعِ ثَلاَثَةَ أَقْوَالٍ أَصَحُّهَا: أَنَّهُ يُسَلِّمُ وَلاَ يَتَشَهَّدُ. (22)
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ اخْتِلاَفٌ فِي سُجُودِ التِّلاَوَةِ هَل يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ تَكْبِيرَتِهَا الأُْولَى أَمْ لاَ، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ جَرَيَانُ الْخِلاَفِ فِي مِثْل ذَلِكَ فِي سَجْدَةِ الشُّكْرِ، وَيُسَلِّمُ، وَلاَ تَشَهُّدَ عَلَيْهِ. (23)
وَصَرَّحُوا أَيْضًا بِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي سُجُودِ الشُّكْرِ السُّجُودُ عَلَى الأَْعْضَاءِ السَّبْعَةِ، وَأَنَّ ذَلِكَ رُكْنٌ فِيهِ، وَيَجِبُ فِيهِ التَّكْبِيرُ وَالتَّسْبِيحُ، إِلاَّ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَشَهُّدٌ وَلاَ جُلُوسَ لَهُ، وَأَنَّهُ تُجْزِئُ فِيهِ تَسْلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ. (24)
سُجُودُ الشُّكْرِ فِي الصَّلاَةِ:
7 - يُصَرِّحُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَسْجُدَ لِلشُّكْرِ وَهُوَ فِي الصَّلاَةِ، لأَِنَّ سَبَبَهَا خَارِجٌ عَنِ الصَّلاَةِ، فَإِنْ سَجَدَ فِي الصَّلاَةِ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ. قَالُوا: إِلاَّ أَنْ يَكُونَ جَاهِلاً أَوْ نَاسِيًا فَلاَ تَبْطُل، كَمَا لَوْ زَادَ فِي الصَّلاَةِ سَجْدَةً نِسْيَانًا. وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: لاَ بَأْسَ بِسُجُودِ الشُّكْرِ فِي الصَّلاَةِ. (25)
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي سَجْدَةِ سُورَةِ (26) فَقِيل: هِيَ لِلشُّكْرِ، وَهُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَال: (26) لَيْسَتْ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ، وَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَسْجُدُ فِيهَا (28) . وَرَوَى النَّسَائِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: سَجَدَهَا دَاوُدُ تَوْبَةً، وَنَسْجُدُهَا شُكْرًا. (29) وَقِيل: هِيَ لِلتِّلاَوَةِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ.
مِنْ أَجْل ذَلِكَ فَلَوْ سَجَدَ عِنْدَ سَجْدَةِ سُورَةِ (26) فِي الصَّلاَةِ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَهُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ مَا لَمْ يَكُنْ جَاهِلاً أَوْ نَاسِيًا.
أَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَلاَ تَبْطُل، وَقَدْ وَافَقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ لِلشُّكْرِ إِلاَّ أَنَّ لَهَا تَعَلُّقًا بِالصَّلاَةِ، فَهِيَ لَيْسَتْ لِمَحْضِ الشُّكْرِ، وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ كَمَا فِي الْمُغْنِي.
قَال الرَّمْلِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: إِنْ كَانَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلاً لاَ تَبْطُل صَلاَتُهُ، وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، وَالْعَالِمُ بِحُكْمِهَا لَوْ سَجَدَ إِمَامُهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ مُتَابَعَتُهُ بَل يَتَخَيَّرُ بَيْنَ انْتِظَارِهِ وَمُفَارَقَتِهِ، وَانْتِظَارُهُ أَفْضَل. (31)
سُجُودُ الشُّكْرِ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ:
8 - يُكْرَهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنْ يَسْجُدَ لِلشُّكْرِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُكْرَهُ فِيهِ النَّفْل. (32) وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ لاَ يَنْعَقِدُ فِي تِلْكَ الأَْوْقَاتِ تَطَوُّعٌ وَإِنْ كَانَ لَهُ سَبَبٌ كَسُجُودِ شُكْرٍ. (33) وَلاَ يَسْجُدُ لِلشُّكْرِ أَثْنَاءَ اسْتِمَاعِهِ لِخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ (34) .
إِظْهَارُ سُجُودِ الشُّكْرِ وَإِخْفَاؤُهُ:
9 - صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ مَنْ سَجَدَ لِنِعْمَةٍ أَوِ انْدِفَاعِ نِقْمَةٍ لاَ تَتَعَلَّقُ بِغَيْرِ السَّاجِدِ يُسْتَحَبُّ إِظْهَارُ السُّجُودِ، وَإِنْ سَجَدَ لِبَلِيَّةٍ فِي غَيْرِهِ وَصَاحِبُهَا غَيْرُ مَعْذُورٍ كَالْفَاسِقِ، يُظْهِرُ السُّجُودَ فَلَعَلَّهُ يَتُوبُ، وَإِنْ كَانَ مَعْذُورًا كَالزَّمِنِ وَنَحْوِهِ أَخْفَاهُ لِئَلاَّ يَتَأَذَّى بِهِ، وَعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ السُّجُودَ لِرُؤْيَةِ الْمُبْتَلَى إِنْ كَانَ مُبْتَلًى فِي دِينِهِ سَجَدَ بِحُضُورِهِ أَوْ بِغَيْرِ حُضُورِهِ، وَقَال: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي مِمَّا ابْتَلاَكَ بِهِ. وَإِنْ كَانَ الْبَلاَءُ فِي بَدَنِهِ سَجَدَ وَقَال ذَلِكَ، وَكَتَمَهُ عَنْهُ، وَيَسْأَل اللَّهَ الْعَافِيَةَ، وَقَدْ قَال إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَسْأَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ بِحَضْرَةِ الْمُبْتَلَى (35) .
__________
(1) سورة لقمان / 12.
(2) لسان العرب، ومدارج السالكين 2 / 244، والمجموع للنووي 1 / 74، ونهاية المحتاج 1 / 22 ط. مصطفى الحلبي، وتفسير القرطبي 1 / 133 ط. دار الكتب المصرية.
(3) نهاية المحتاج وحاشية الشبراملسي 1 / 22، وأسنى المطالب 1 / 3، وشرح مسلم الثبوت 1 / 47.
(4) شرح المنهاج وحاشية القليوبي وعميرة 1 / 208.
(5) حديث أبي بكرة: " أن النبي ﷺ كان إذا أتاه أمر سرور ". أخرجه أبو داود (3 / 216 - تحقيق عزت عبيد دعاس) والترمذي (4 / 145 - ط الحلبي) واللفظ لأبي داود، وقال الترمذي: حديث حسن غريب.
(6) حديث عبد الرحمن بن عوف: " أن جبريل قال للنبي ﷺ: يقول الله: من صلى عليك صليت عليه ". أخرجه أحمد (1 / 191 - ط الميمنية) ، وفي إسناده مقال، ولكن ذكر له ابن القيم طرقًا أخرى وشواهد يتقوى بها، في " جلاء الأفهام " (ص 62 - 65 - ط دار ابن كثير) .
(7) مقالة الحاكم في ذكر حالات سجود الشكر وردت في " المستدرك " (1 / 276 - ط دائرة المعارف العثمانية) . فحديث " سجوده عند رؤيته نغاشيًّا " أخرجه الدارقطني (1 / 410 - ط دار المحاسن) من حديث أبي جعفر مرسلا، والراوي عنه ضعيف كذلك. وحديث سجوده لرؤية الزمن: أخرجه البيهقي (2 / 371 - ط دائرة المعارف العثمانية) من حديث عرفجة مرسلا، كذا قال البيهقي. وأما ذكر سجوده لرؤية القرد فلم نهتد إليه.
(8) : سجدها داود توبة. . . " أخرجه النسائي (2 / 159 ط المكتبة التجارية) من حديث ابن عباس - ﵄ - وصححه ابن السكن. كذا في التلخيص لابن حجر (2 / 9 ط شركة الطباعة الفنية) .
(9) حديث ابن عباس: " قال رسول الله ﷺ في سجدة (ص) : سجدها داود توبة. . . " أخرجه النسائي (2 / 159 ط المكتبة التجارية) من حديث ابن عباس - ﵄ - وصححه ابن السكن. كذا في التلخيص لابن حجر (2 / 9 ط شركة الطباعة الفنية) .
(10) روضة الطالبين 1 / 324، دمشق، المكتب الإسلامي، والمغني لابن قدامة 1 / 627 ط 3 القاهرة، دار المنار، 1367 هـ، والدسوقي على الشرح الكبير 1 / 308 ط عيسى الحلبي، والزرقاني على خليل والبناني بهامشه 1 / 274، والفتاوى الهندية 1 / 135 ط بولاق، وكشاف القناع 1 / 449، 450 الرياض مكتبة النصر الحديثة. وحديث كعب بن مالك - ﵁ -. أخرجه البخاري (الفتح 8 / 115 - 116 - ط السلفية) ومسلم (4 / 2126 ط الحلبي) .
(11) البناني على الزرقاني 1 / 274
(12) حديث: " شكا إليه رجل القحط وهو يخطب. . . " أخرجه البخاري (الفتح 2 / 509 - ط السلفية) ، ومسلم (2 / 612 - 613 - ط الحلبي) من حديث أنس بن مالك.
(13) المجموع للنووي 4 / 70.
(14) روضة الطالبين للنووي 1 / 324، والمغني 1 / 628، كشاف القناع 1 / 449، والمطالب 1 / 589، الفتاوى الهندية 1 / 135.
(15) السراج الوهاج شرح المنهاج ص 63، والفروع لابن مفلح 1 / 504 ط 3، والفتاوى الهندية 1 / 136.
(16) المجموع شرح المهذب 4 / 68، وكشاف القناع 1 / 449، 450.
(17) مطالب أولي النهى 1 / 950.
(18) نهاية المحتاج 2 / 100.
(19) الزرقاني 1 / 274، وروضة الطالبين 1 / 324، والشرقاوي على التحرير 1 / 85 القاهرة، مصطفى الحلبي، ومطالب أولي النهى 153 و 585، والاختيارات للبعلي 60، والفروع 1 / 505.
(20) المجموع للنووي 4 / 68، وكشاف القناع 1 / 450.
(21) الفتاوى الهندية 1 / 135، 136، والمجموع للنووي 4 / 64.
(22) المجموع 4 / 68.
(23) كشاف القناع 1 / 450.
(24) مطالب أولي النهى 1 / 586، 590، 500.
(25) المجموع 4 / 68، وروضة الطالبين 1 / 325، ونهاية المحتاج 2 / 97، 90، والفروع 1 / 505.
(26)
(27)
(28) قول ابن عباس: " هي ليست من عزائم السجود ". أخرجه البخاري (الفتح 2 / 552 - ط السلفية) .
(29) حديث: " سجدها داود توبة ". أخرجه النسائي (2 / 159 - ط المكتبة التجارية) من حديث ابن عباس، وصححه ابن السكن كذا في التلخيص لابن حجر (2 / 9 - ط شركة الطباعة الفنية) .
(30)
(31) نهاية المحتاج 2 / 89، ومطالب أولي النهى 1 / 585، والمغني 9 / 628.
(32) الفتاوى الهندية 1 / 136.
(33) مطالب أولي النهى 1 / 594.
(34) حاشية الرملي على أسنى المطالب 1 / 259 نشر المكتبة الإسلامية.
(35) المجموع 4 / 68 وما بعدها، وكشاف القناع 1 / 450، ومطالب أولي النهى 1 / 590، والفروع 1 / 505.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 245/ 24