الحفيظ
الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحفيظ) اسمٌ...
الحفاظ على قوة البدن، والإبقاء على الروح . ومن شواهده قول ابن قدامة في قدر ما يباح تناوله حالَ الضرورة : "وفي قدر ما يباح روايتان : إحداهما : قدر ما يسدّ رمقَه، اختارها الخرقي؛ لأنه يخرج بأكله عن كونه مضطراً، فتزول الإباحة بزواله . والثانية : له الشبع؛ لأنه طعام جاز له سدّ الرَّمَق منه، فجاز له الشبع، كالحلال ".
يَرِد مُصْطلَح (سَدّ الرَّمَقِ) في الفِقْهِ في كتاب الصَّيْدِ والذَّبائِحِ، باب: ما يَحِلُّ وما يَحْرُمُ مِن الحَيوانِ.
الحفاظ على قوة البدن، والإبقاء على الروح.
* طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية : (ص 332)
* شرح مختصر خليل للخرشي : (3/28)
* الـمجموع شرح الـمهذب : (10/53)
* الـمغني لابن قدامة : (13/330)
* معجم لغة الفقهاء : (ص 227)
* معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية : (2/257)
* الموسوعة الفقهية الكويتية : (24/282)
* الموسوعة الفقهية الكويتية : (23/148) -
.
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمُصْطَلَحُ مُرَكَّبٌ مِنْ كَلِمَتَيْنِ:
الأُْولَى: سَدٌّ، وَهُوَ إِغْلاَقُ الْخَلَل وَرَدْمُ الثَّلْمِ، وَمَعْنَى سَدَّدَهُ أَصْلَحَهُ. يُقَال: سَدَادٌ مِنْ عَوَزٍ وَسَدَادٌ مِنْ عَيْشٍ لِمَا تُسَدُّ بِهِ الْحَاجَةُ وَيُرْمَقُ بِهِ الْعَيْشُ.
وَالثَّانِيَةُ: الرَّمَقُ، وَهِيَ تُطْلَقُ عَلَى بَقِيَّةِ الرُّوحِ وَعَلَى الْقُوَّةِ.
وَسَدُّ الرَّمَقِ مَعْنَاهُ: الْحِفَاظُ عَلَى الْقُوَّةِ وَالإِْبْقَاءُ عَلَى الرُّوحِ (1) .
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
2 - أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُضْطَرِّ - وَهُوَ مَنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ عَدَمِ الأَْكْل مَوْتًا، أَوْ مَرَضًا مَخُوفًا، أَوْ زِيَادَتُهُ، أَوْ طُول مُدَّتِهِ، أَوْ خَافَ الاِنْقِطَاعَ عَنْ رُفْقَتِهِ، أَوْ ضَعُفَ عَنْ مَشْيٍ، أَوْ رُكُوبٍ، وَلَمْ يَجِدْ حَلاَلاً يَأْكُلُهُ - أَنْ يَأْكُل مِنْ لَحْمِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ، كَمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْكُل طَعَامَ الْغَيْرِ دُونَ إِذْنِهِ.
وَالأَْصْل فِي هَذَا قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِل بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ} (2) وقَوْله تَعَالَى: {قُل لاَ أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِل لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (3) .
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُبَاحُ لِلْمُضْطَرِّ أَنْ يَأْكُل مِنَ الْمَيْتَةِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ الأُْخْرَى الَّتِي ذَكَرَتْهَا الآْيَاتُ الْمَذْكُورَةُ مَا يَسُدُّ بِهِ رَمَقَهُ وَيَأْمَنُ مَعَهُ الْمَوْتَ بِجُوعٍ أَوْ عَطَشٍ، كَمَا أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَكْل مَا زَادَ عَلَى الشِّبَعِ لأَِنَّهُ تَوَسُّعٌ فِيمَا لَمْ يُبَحْ إِلاَّ لِلضَّرُورَةِ (4) . وَاخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ الشِّبَعِ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ، فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ. عِنْدَهُمْ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي الأَْظْهَرِ عِنْدَهُمْ، وَالْحَسَنُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلْمُضْطَرِّ الشِّبَعُ، بَل يَكْتَفِي بِمَا يَسُدُّ الرَّمَقَ بِحَيْثُ يَصِيرُ إِلَى حَالَةٍ لَوْ كَانَ عَلَيْهَا فِي الاِبْتِدَاءِ لَمَا جَازَ لَهُ أَكْل الْمَيْتَةِ وَنَحْوِهَا، لأَِنَّ الضَّرُورَةَ تَزُول بِهَذَا الْقَدْرِ، وَالتَّمَادِي فِي أَكْل الْحَرَامِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ مُمْتَنَعٌ.
قَال الْحَسَنُ: يَأْكُل قَدْرَ مَا يُقِيمُهُ؛ لأَِنَّ الآْيَةَ دَلَّتْ عَلَى تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ وَنَحْوِهَا وَاسْتُثْنِيَ مَا اضْطُرَّ إِلَيْهِ، فَإِذَا انْدَفَعَتِ الضَّرُورَةُ لَمْ يَحِل لَهُ الأَْكْل؛ لأَِنَّهُ بَعْدَ سَدِّ الرَّمَقِ أَصْبَحَ كَمَا كَانَ قَبْل أَنْ يَضْطَرَّ فَلَمْ يُبَحْ لَهُ الأَْكْل؛ وَلأَِنَّ الضَّرُورَةَ تُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي رِوَايَةٍ وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: إِلَى جَوَازِ الشِّبَعِ لَهُ مِنْ لَحْمِ الْمَيْتَةِ وَنَحْوِهَا؛ لأَِنَّ الآْيَاتِ الَّتِي أَبَاحَتْ ذَلِكَ أَطْلَقَتْ وَلَمْ تُقَيِّدْهُ بِسَدِّ الرَّمَقِ، وَلأَِنَّ لَهُ تَنَاوُل قَلِيلِهِ فَجَازَ لَهُ الشِّبَعُ مِنْهُ.
وَفَرَّقَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بَيْنَ مَا إِذَا كَانَتِ الضَّرُورَةُ مُسْتَمِرَّةً كَأَنْ يَكُونَ بَعِيدًا عَنِ الْعُمْرَانِ وَخَافَ إِنْ تَرَكَ الشِّبَعَ أَنْ يَهْلَكَ فَيَجُوزُ لِهَذَا وَأَمْثَالِهِ الشِّبَعُ، لأَِنَّهُ إِذَا اقْتَصَرَ عَلَى سَدِّ الرَّمَقِ عَادَتِ الضَّرُورَةُ إِلَيْهِ عَنْ قُرْبٍ.
وَبَيْنَ مَا إِذَا كَانَتِ الضَّرُورَةُ مَرْجُوَّةَ الزَّوَال، كَأَنْ يَكُونَ فِي بَلَدٍ وَيَتَوَقَّعَ الْحُصُول عَلَى طَعَامٍحَلاَلٍ قَبْل عَوْدِ الضَّرُورَةِ، فَيَجِبُ عَلَى مَنْ هَذَا حَالُهُ الاِقْتِصَارُ عَلَى سَدِّ الرَّمَقِ، وَلاَ يَجُوزُ لَهُ الشِّبَعُ (1) .
وَهُنَاكَ مَسَائِل مِنْهَا: هَل يَجُوزُ لَهُ التَّزَوُّدُ مِنْ لَحْمِ الْمَيْتَةِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَأَمْثَالِهِمَا؟ وَهَل يَجُوزُ لَهُ أَكْل أَوْ شُرْبُ الْمُسْكِرَاتِ؟ وَهَل يَجُوزُ لَهُ أَكْل لَحْمِ آدَمِيٍّ؟
وَإِذَا وَجَدَ طَائِفَةً مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ كَلَحْمِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَمَال الْغَيْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَل يَتَخَيَّرُ بَيْنَهَا أَمْ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّرْتِيبُ؟ وَإِذَا وَجَبَ التَّرْتِيبُ فَمَاذَا يُقَدِّمُ؟ وَهَل هَذِهِ الرُّخْصَةُ خَاصَّةٌ بِالْمُسَافِرِ أَوِ الْمُقِيمِ الْمُضْطَرِّ أَيْضًا؟ وَهَل يَجُوزُ لِلْعَاصِي الْمُضْطَرِّ أَكْل مَا ذُكِرَ؟ وَمَا حُكْمُ أَكْل الْمُضْطَرِّ هَل يَجِبُ عَلَيْهِ أَمْ يُبَاحُ لَهُ؟ تَفَاصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (ضَرُورَةٍ) .
__________
(1) لسان العرب، المصباح المنير مادة: " سد " و " رمق "، والخرشي 3 / 28.
(2) سورة البقرة / 173.
(3) سورة الأنعام / 145.
(4) حاشية ابن عابدين 5 / 215، أحكام القرآن للجصاص 1 / 126، المجموع للإمام النووي 9 / 39، مغني المحتاج 4 / 306، الخرشي 3 / 28، القوانين الفقهية ص 178، روضة الطالبين 3 / 282، المغني لابن قدامة 8 / 595.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 282/ 24