الحسيب
(الحَسِيب) اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على أن اللهَ يكفي...
مخالفة الراوي المقبول (العدل الضابط ) لرواية الثقات، أو الأوثق، في السند، أو في المتن ويُطلق على تفرد الراوي الثقة، أو الضعيف في رواية سند الحديث، أو متنه، مع ظهور خطئه للناقد، وعدم تحديد علته .
الشُّذُوذُ: الاِنْفِرادُ في كُلِّ شَيْءٍ، يُقالُ: شَذَّ يَشِذُّ شَذًّا وشُذوذًا أيْ انْفرَدَ عَن الجَماعَةِ، وكُلُّ شَيْءٍ مُنْفَرِدٍ فهو شاذٌّ، ويَأْتِي الشُّذُوذُ بِـمَعْنَى النُّدْرَةِ والقِلَّةِ، يُقالُ: شَذَّ الشَّيْءُ أيْ نَدَرَ عَنِ الغالِبِ وخَرَجَ عَنْهُ، ومِنْ مَعانِي الشُذُوذِ: الـمُخالَفَةُ والـمُفارَقَةُ.
يُطلَقُ مصطلَح (الشُّذُوذ) في علم أُصُولِ الفِقْهِ في باب: شُروط الفَتْوَى، ويُرادُ بِهِ: التَّفَرُّدُ بِقَوْلٍ مُـخالِفٍ لِلْحَقِّ، أو التَّفَرُّدُ بقَولٍ مُخالِفٍ للجمهور بِلا مُستَنَدٍ مِن نصٍّ، أو قِياسٍ، أو حُجَّةٍ مُعتَبَرةٍ. وقيل: هو الأخذُ بالقَول
شذذ
مُفارَقَةُ جَماعَةِ الْمُسْلِمينَ بالـخُرُوجِ عَنْ إِجْماعِ العُلماءِ وَمُـخَالَفَةِ الحَقِّ والصَّوابِ.
الشُذُوذُ لَهُ مَعْنًى عامٌ: وهو الخُروجُ عَنِ الـمَعْروفِ، ومُـخالفَةُ الصَّحِيحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.
الشُّذُوذُ: الاِنْفِرادُ في كُلِّ شَيْءٍ، ويَأْتِي بِـمَعْنَى النُّدْرَةِ والقِلَّةِ والـمُخالَفَةِ والـمُفارَقَةِ.
مخالفة الراوي المقبول (العدل الضابط) لرواية الثقات، أو الأوثق، في السند، أو في المتن.
* المحكم والمحيط الأعظم : (7/610)
* مشارق الأنوار : (2/246)
* لسان العرب : (3/494)
* مختار الصحاح : (ص:354)
* التعريفات الاعتقادية : (ص:202)
* المستصفى : (1/187). - النكت على كتاب ابن الصلاح : 2/653 - نخبة الفكر مع نزهة النظر : 35 - تدريب الراوي : 1/196 - تحرير علوم الحديث : 2/1019 - الشاذ والمنكر وزيادة الثقة : 82 - القول الشّاذ وأثره في الفتيا : 75 - الإحكام في أصول الأحكام : 5/82 - البحر المحيط : 3/560 -
التَّعْرِيفُ:
1 - الشُّذُوذُ فِي اللُّغَةِ مَصْدَرُ شَذَّ يَشِذُّ شُذُوذًا: إِذَا انْفَرَدَ عَنْ غَيْرِهِ.
وَالشَّاذُّ: الْمُنْفَرِدُ عَنْ غَيْرِهِ، أَوِ الْخَارِجُ عَنِ الْجَمَاعَةِ، وَمِنَ النَّاسِ خِلاَفُ السَّوِيِّ، وَعَنِ اللَّيْثِ: شَذَّ الرَّجُل: إِذَا انْفَرَدَ عَنْ أَصْحَابِهِ. وَكَذَا كُل شَيْءٍ مُنْفَرِدٍ فَهُوَ شَاذٌّ (1) .
وَالشَّاذُّ فِي اصْطِلاَحِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ هُوَ مَا كَانَ مُقَابِلاً لِلْمَشْهُورِ أَوِ الرَّاجِحِ أَوِ الصَّحِيحِ، أَيْ أَنَّهُ الرَّأْيُ الْمَرْجُوحُ أَوِ الضَّعِيفُ أَوِ الْغَرِيبُ. جَاءَ فِي حَاشِيَةِ ابْنِ عَابِدِينَ: الأَْصَحُّ مُقَابِلٌ لِلصَّحِيحِ، وَالصَّحِيحُ مُقَابِلٌ لِلضَّعِيفِ، لَكِنْ فِي حَوَاشِي الأَْشْبَاهِ لِبِيرِيٍّ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ ذَلِكَ بِالْغَالِبِ؛ لأَِنَّا وَجَدْنَا مُقَابِل الأَْصَحِّ الرِّوَايَةَ الشَّاذَّةَ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ (2) .
وَفِي فَتْحِ الْعَلِيِّ الْمَالِكِ: خُرُوجُ الْمُقَلِّدِ مِنَ الْعَمَل بِالْمَشْهُورِ إِلَى الْعَمَل بِالشَّاذِّ الَّذِي فِيهِ رُخْصَةٌ مِنْ غَيْرِ تَتَبُّعٍ لِلرُّخَصِ، صَحِيحٌ عِنْدَ كُل مَنْ قَال بِعَدَمِ لُزُومِ تَقْلِيدٍ أَرْجَحَ (3) .
وَلَمْ نَجِدْ تَعْرِيفًا لَهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَلَمْ يُعَبِّرِ الْحَنَابِلَةُ فِيمَا نَعْلَمُ بِالشَّاذِّ، فَيَشْمَلُهُ كَلاَمُهُمْ عَنِ الضَّعِيفِ وَمَنْعُهُمُ الْعَمَل بِهِ دُونَ تَرْجِيحٍ.
قَال النَّوَوِيُّ: قَدْ يَجْزِمُ نَحْوُ عَشَرَةٍ مِنَ الْمُصَنِّفِينَ بِشَيْءٍ وَهُوَ شَاذٌّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الرَّاجِحِ فِي الْمَذْهَبِ وَمُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ (4) .
أَمَّا الشَّاذُّ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَقَال الشَّافِعِيُّ: هُوَ أَنْ يَرْوِيَ الثِّقَةُ حَدِيثًا يُخَالِفُ مَا رَوَى النَّاسُ، وَلَيْسَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَرْوِيَ مَا لَمْ يَرْوِ غَيْرُهُ، وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الْحِجَازِيِّينَ.
وَاَلَّذِي عَلَيْهِ حُفَّاظُ الْحَدِيثِ أَنَّ الشَّاذَّ مَا لَيْسَ لَهُ إِلاَّ إِسْنَادٌ وَاحِدٌ، يَشِذُّ بِهِ ثِقَةٌ أَوْ غَيْرُ ثِقَةٍ وَيُتَوَقَّفُ فِيمَا شَذَّ بِهِ الثِّقَةُ وَلاَ يُحْتَجُّ بِهِ وَيُرَدُّ مَا شَذَّ بِهِ غَيْرُ الثِّقَةِ (5) .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ.
مَا يَتَعَلَّقُ بِالشَّاذِّ مِنْ أَحْكَامٍ:
2 - الْعَمَل أَوِ الْفُتْيَا أَوِ الْقَضَاءُ بِالْقَوْل الشَّاذِّ يَخْتَلِفُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُجْتَهِدِ وَالْمُقَلِّدِ وَالْعَامِّيِّ.
أَمَّا الْمُجْتَهِدُ: فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ لَهُ التَّقْلِيدُ فِي الْجُمْلَةِ. وَإِنَّمَا عَلَيْهِ النَّظَرُ فِي الأَْدِلَّةِ وَالتَّرْجِيحِ بَيْنَهَا، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْعَمَل فِي حَقِّ نَفْسِهِ أَوْ فِي الإِْفْتَاءِ وَالْقَضَاءِ (6) .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي: (اجْتِهَاد - تَقْلِيد - قَضَاء - فَتْوَى) .
3 - هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ، أَمَّا الْمُجْتَهِدُ فِي الْمَذْهَبِ فَعَلَيْهِ النَّظَرُ وَالاِجْتِهَادُ فِيمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ إِمَامُ الْمَذْهَبِ وَأَصْحَابُهُ فَيَعْمَل بِمَا يَرَاهُ أَرْجَحَ أَوْ أَصَحَّ فِي نَظَرِهِ لِقُوَّةِ دَلِيلِهِ، وَلَوْ كَانَ هَذَا الرَّأْيُ شَاذًّا مَرْجُوعًا عَنْهُ. وَمِنْ ذَلِكَ مَثَلاً أَنَّ لِلشَّافِعِيِّ قَوْلَيْنِ، الْقَدِيمَ وَالْجَدِيدَ، وَالْجَدِيدُ هُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْعَمَل؛ لأَِنَّ الْقَدِيمَ إِذَا خَالَفَهُ الْجَدِيدُ مَرْجُوعٌ عَنْهُ إِلاَّ مَا اسْتُثْنِيَ مِنَ الْقَدِيمِ. وَقَدْ أَفْتَى بَعْضُ فُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ بِالْقَدِيمِ فِي بَعْضِ الْمَسَائِل، فَلاَ يُعْتَبَرُ هَذَا مَذْهَبًا لِلشَّافِعِيِّ وَإِنَّمَا يُحْمَل عَلَى أَنَّ الَّذِينَ أَفْتَوْا بِالْقَدِيمِ أَدَّاهُمُ اجْتِهَادُهُمْ إِلَيْهِ لِظُهُورِ دَلِيلِهِ عِنْدَهُمْ، قَال أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلاَحِ: فَيَكُونُ اخْتِيَارُ أَحَدِهِمْ لِلْقَدِيمِ فِيهَا مِنْ قَبِيل اخْتِيَارِهِ مَذْهَبَ غَيْرِ الشَّافِعِيِّ إِذَا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إِلَيْهِ، فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ ذَا اجْتِهَادٍ اتُّبِعَ اجْتِهَادُهُ، وَإِنْ كَانَ اجْتِهَادًا مُقَيَّدًا مَشُوبًا بِتَقْلِيدٍ، نُقِل ذَلِكَ الشَّوْبُ مِنَ التَّقْلِيدِ عَنْ ذَلِكَ الإِْمَامِ، وَإِنْ أَفْتَى بَيَّنَ ذَلِكَ فِي فَتْوَاهُ، قَال النَّوَوِيُّ: مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلتَّخْرِيجِ وَالاِجْتِهَادِ فِي الْمَذْهَبِ يَلْزَمُهُ اتِّبَاعُ مَا اقْتَضَاهُ الدَّلِيل فِي الْعَمَل وَالْفُتْيَا، وَأَنْ يُبَيِّنَ فِي فَتْوَاهُ أَنَّ هَذَا رَأْيُهُ وَأَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ كَذَا وَهُوَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَدِيدِ (7) .
وَكَذَلِكَ كَانَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ يَأْخُذُونَ بِمَا قَوِيَ دَلِيلُهُ فِي نَظَرِهِمْ وَلَوْ كَانَ مَرْجُوعًا عَنْهُ، قَال أَبُو يُوسُفَ: مَا قُلْتُ قَوْلاً خَالَفْتُ فِيهِ أَبَا حَنِيفَةَ إِلاَّ قَوْلاً قَدْ كَانَ قَالَهُ، وَرُوِيَ عَنْ زُفَرَ أَنَّهُ قَال: مَا خَالَفْتُ أَبَا حَنِيفَةَ فِي شَيْءٍ إِلاَّ قَدْ قَالَهُ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ: فَهَذَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُمْ مَا سَلَكُوا طَرِيقَ الْخِلاَفِ بَل قَالُوا مَا قَالُوا عَنِ اجْتِهَادٍ وَرَأْيٍ (8) .
وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ عُلَيْشٌ: أَنَّ فَائِدَةَ تَدْوِينِ الأَْئِمَّةِ لِلأَْقْوَال الَّتِي رَجَعَ عَنْهَا إِمَامُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَذْهَبَ إِلَيْهَا الْمُجْتَهِدُ أَوْ مَنْ بَلَغَ رُتْبَةَ التَّرْجِيحِ، وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ لِغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ شُيُوخِ أَهْل الْمَذْهَبِ، وَفَعَلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي ثَلاَثَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا مِنَ الْكِتَابِ، وَتَلَقَّاهُ بِالْقَبُول أَشْهَبُ وَسَحْنُونٌ (9) .
4 - وَأَمَّا الْمُقَلِّدُ لِمَذْهَبٍ مِنَ الْمَذَاهِبِ، فَإِنَّ الأَْصْل الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ أَنَّ الْعَمَل أَوِ الإِْفْتَاءَ أَوِ الْقَضَاءَ إِنَّمَا يَكُونُ بِالْقَوْل الْمَشْهُورِ أَوِ الرَّاجِحِ أَوِ الصَّحِيحِ فِي الْمَذْهَبِ دُونَ الْقَوْل الشَّاذِّ (10) .
ذَكَرَ الشَّيْخُ عُلَيْشٌ الْخِلاَفَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُقَلِّدِ - وَهُوَ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ دَرَجَةَ الاِجْتِهَادِ - وَالْعَامِّيِّ هَل يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْتِزَامُ مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ أَوْ لاَ؟ وَهَل يَجُوزُ الْخُرُوجُ مِنْهُ أَوْ لاَ؟ وَهَل يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ الْمَفْضُول أَوْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْبَحْثُ عَنِ الأَْرْجَحِ عِلْمًا؟ قَال الشَّيْخُ عُلَيْشٌ بَعْدَ ذَلِكَ: إِذَا عَرَفْتَ هَذَا اسْتَبَانَ لَكَ أَنَّ خُرُوجَ الْمُقَلِّدِ مِنَ الْعَمَل بِالْمَشْهُورِ إِلَى الْعَمَل بِالشَّاذِّ الَّذِي فِيهِ رُخْصَةٌ مِنْ غَيْرِ تَتَبُّعٍ لِلرُّخَصِ صَحِيحٌ عِنْدَ كُل مَنْ قَال بِعَدَمِ لُزُومِ تَقْلِيدِ أَرْجَحَ (11) .
وَلِلْفُقَهَاءِ تَفْصِيلاَتٌ فِي ذَلِكَ، يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ (اجْتِهَاد وَتَقْلِيد) .
وَقَال ابْنُ أَبِي زَيْدٍ لاَ يَصِحُّ تَخْيِيرُ الْمُقَلِّدِ بَل يَتَعَيَّنُ الْقَوْل الرَّاجِحُ، فَإِنْ تَأَهَّل لِلتَّرْجِيحِ وَجَبَ الأَْرْجَحُ بِرُجْحَانِ الْقَائِل، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُصِيبَ فِي الاِجْتِهَادِيَّاتِ وَاحِدٌ، وَأَنَّ تَقْلِيدَ الْمَفْضُول مَعَ وُجُودِ الْفَاضِل مَمْنُوعٌ وَهَذَا الْقَوْل تُعَضِّدُهُ الْقَوَاعِدُ الأُْصُولِيَّةُ، وَعَلَيْهِ بَنَى حُجَّةُ الإِْسْلاَمِ الْغَزَالِيُّ وَالإِْمَامُ الْمَازِرِيُّ، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ وَالتَّحْقِيقُ، وَمَنْ سَلَكَ سَبِيلاً غَيْرَ ذَلِكَ فِي الْقَضَاءِ وَالْفُتْيَا، فَقَدِ اتَّبَعَ هَوَاهُ وَهَلَكَ فِي بُنَيَّاتِ الطَّرِيقِ، فَالْعَمَل بِالرَّاجِحِ مُتَعَيِّنٌ عِنْدَ كُل عَالِمٍ مُتَمَكِّنٍ، وَإِذَا اطَّلَعَ الْمُقَلِّدُ عَلَى خِلاَفٍ فِي مَسْأَلَةٍ تَخُصُّهُ وَفِيهَا قَوْلٌ رَاجِحٌ بِشُهْرَةٍ أَوْ عَمَلٍ، أَوْ غَيْرِهِمَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْعَمَل عَلَى الرَّاجِحِ وَلاَ يُفْتِي بِغَيْرِهِ إِلاَّ لِضَرُورَةٍ فَادِحَةٍ وَالْتِزَامِ مَفْسَدَةٍ وَاضِحَةٍ (12) .
وَقَال أَبُو إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيُّ: الْمُقَلِّدُ أَوِ الْمُفْتِي لاَ يَحِل لَهُ أَنْ يُفْتِيَ إِلاَّ بِالْمَشْهُورِ (13) .
وَقَال أَبُو الْفَضْل قَاسِمُ الْعُقْبَانِيُّ: إِنْ حَكَمَ الْقَاضِي بِالشَّاذِّ يُنْظَرُ فِي الْحُكْمِ الَّذِي عَدَل بِهِ عَنِ الْمَشْهُورِ إِلَى الشَّاذِّ، فَإِنْ حَكَمَ بِهِ لِمَظِنَّةِ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ نُقِضَ حُكْمُهُ، وَإِنْ حَكَمَ بِهِ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ الشَّاذُّ إِلاَّ أَنَّهُ تَرَجَّحَ عِنْدَهُ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْل النَّظَرِ مِمَّنْ يُدْرِكُ الرَّاجِحَ وَالْمَرْجُوحَ مَضَى حُكْمُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْعِلْمِ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ زُجِرَ عَنْ مُوَافَقَةِ مِثْل هَذَا، أَيْ وَلَمْ يَمْضِ حُكْمُهُ.
وَقَدْ كَانَ الْمَازِرِيُّ - وَهُوَ فِي طَبَقَةِ الْمُجْتَهِدِينَ - لاَ يَخْرُجُ عَنِ الْفَتْوَى بِالْمَشْهُورِ وَلاَ يَرْضَى حَمْل النَّاسِ عَلَى خِلاَفِهِ - لَكِنَّهُ أَفْتَى مَرَّةً بِالشَّاذِّ وَذَلِكَ فِي رِوَايَةِ الدَّاوُدِيِّ عَنْ مَالِكٍ مَعَ اعْتِرَافِهِ بِضَعْفِهَا وَشُذُوذِهَا فِي مَسْأَلَةِ اسْتِحْقَاقِ الأَْرْضِ مِنْ يَدِ الْغَاصِبِ بَعْدَ الزِّرَاعَةِ وَخُرُوجِ الإِْبَّانِ، وَخَالَفَ الْمَعْهُودَ مِنْ عَادَتِهِ مِنَ الْوُقُوفِ مَعَ الْمَشْهُورِ وَمَا عَلَيْهِ الْجَمَاعَةُ وَالْجُمْهُورُ لِلتَّشْدِيدِ عَلَى الظَّلَمَةِ وَالْمُتَعَدِّينَ مِنْ أَهْل الْبَغْيِ وَالْفَسَادِ، وَهُوَ مَأْلُوفٌ فِي الشَّرْعِ وَقَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ (14) .
5 - وَقَال السُّبْكِيُّ: إِذَا كَانَ لِلْحَاكِمِ أَهْلِيَّةُ التَّرْجِيحِ وَرَجَّحَ قَوْلاً مَنْقُولاً بِدَلِيلٍ جَيِّدٍ، جَازَ وَنَفَذَ حُكْمُهُ وَإِنْ كَانَ مَرْجُوحًا عِنْدَ أَكْثَرِ الأَْصْحَابِ مَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مَذْهَبِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِالشَّاذِّ الْغَرِيبِ فِي مَذْهَبِهِ - أَيْ عَلَى أَنَّهُ مِنَ الْمَذْهَبِ - وَإِنْ تَرَجَّحَ عِنْدَهُ، لأَِنَّهُ كَالْخَارِجِ عَنْ مَذْهَبِهِ، فَلَوْ حَكَمَ بِقَوْلٍ خَارِجٍ عَنْ مَذْهَبِهِ، وَقَدْ ظَهَرَ لَهُ رُجْحَانُهُ، فَإِنْ لَمْ يَشْرِطْ عَلَيْهِ الإِْمَامُ فِي التَّوْلِيَةِ الْتِزَامَ مَذْهَبٍ جَازَ، وَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ بِاللَّفْظِ أَوِ الْعُرْفِ لَمْ يَصِحَّ؛ لأَِنَّ التَّوْلِيَةَ لَمْ تَشْمَلْهُ (15) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: لاَ يَجُوزُ لِمَنِ انْتَسَبَ لِمَذْهَبِ إِمَامٍ مُعَيَّنٍ أَنْ يَتَخَيَّرَ فِي مَسْأَلَةٍ ذَاتِ قَوْلَيْنِ لإِِمَامِهِ أَوْ وَجْهَيْنِ لأَِحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَيُفْتِيَ أَوْ يَحْكُمَ بِحَسَبِ مَا يَخْتَارُهُ مِنْهُمَا، بَل عَلَيْهِ أَنْ يَنْظُرَ أَيَّهُمَا أَقْرَبُ مِنَ الأَْدِلَّةِ أَوْ قَوَاعِدِ مَذْهَبِهِ فَيَعْمَل بِهِ لِقُوَّتِهِ (1) .
__________
(1) لسان العرب والمعجم الوسيط والمصباح المنير.
(2) ابن عابدين 1 / 50.
(3) فتح العلي المالك 1 / 61 - 62، وينظر الخرشي 1 / 35 - 36، والعدوي عليه.
(4) المجموع للنووي 1 / 83.
(5) الباعث الحثيث ص 34 ط دار الفكر بيروت، والمجموع للنووي 1 / 101 تحقيق المطبعي.
(6) فتح القدير 7 / 301، 305، نشر دار الفكر بيروت، والزيلعي وحاشية الشلبي 4 / 189 - 190، وابن عابدين 4 / 329 - 330، ومنح الجليل 2 / 58، والتبصرة بهامش فتح العلي 1 / 56 - 57، والقوانين الفقهية / 292، والمجموع 1 / 76، ومغني المحتاج 4 / 396، والمغني 7 / 274 - 275، 9 / 52، 56، ومطالب أولي النهى 6 / 478، وكشاف القناع 6 / 315، والأشباه لابن نجيم ص 108.
(7) المجموع 1 / 113 - 114.
(8) ابن عابدين 1 / 46، 48، 52 - 53.
(9) فتح العلي المالك 1 / 65.
(10) ابن عابدين 1 / 51 - 52، 4 / 335.
(11) فتح العلي المالك 1 / 60 - 61 نشر دار المعرفة أو 1 / 51 - 52 الطبعة التجارية.
(12) فتح العلي 1 / 62 - 63 نشر دار المعرفة.
(13) فتح العلي 1 / 55 - 56، 64 - 65.
(14) فتح العلي المالك 1 / 64 - 65 ط مصطفى محمد.
(15) الأشباه للسيوطي ص 104 - 105 - ط دار الكتب العلمية.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 357/ 25