العزيز
كلمة (عزيز) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) وهو من العزّة،...
أدلته التي يكون النظر الصحيح فيه مفضياً إما إلى العلم بالحكم، أو إلى الظن به . ومن استعمالات الأصوليين للمصطلح، تعريفهم أصول الفقه بأنه طرق الفقه الإجمالية؛ لتشمل كل ما يستدل به على الأحكام من الأدلة المتفق عليها، أو القواعد المختلف فيها كَسَدِّ الذرائع، والاستصحاب، ونحوهما .
التَّعْرِيفُ:
1 - الطَّرِيقُ فِي اللُّغَةِ: السَّبِيل - يُذَكَّرُ، وَيُؤَنَّثُ. بِالتَّذْكِيرِ جَاءَ الْقُرْآنُ: {فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا} (1) ، وَيُقَال: الطَّرِيقُ الأَْعْظَمُ كَمَا يُقَال: كَمَا يُقَال الطَّرِيقُ الْعُظْمَى (2) .
وَفِي الإِْصْلاَحِ: لاَ يَخْرُجُ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، وَيُطْلَقُ عَلَى النَّافِذِ، وَغَيْرِ النَّافِذِ، وَالْوَاسِعِ وَالضَّيِّقِ، وَالْعَامِّ، وَالْخَاصِّ.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الشَّارِعُ:
2 - مِنْ مَعَانِي الشَّارِعِ: الطَّرِيقُ، قَال ابْنُ الرِّفْعَةِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: بَيْنَ الطَّرِيقِ وَالشَّارِعِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مُطْلَقٌ، فَالطَّرِيقُ عَامٌّ فِي الصَّحَارِيِ، وَالْبُنْيَانِ، وَالنَّافِذِ وَغَيْرِ النَّافِذِ، أَمَّا الشَّارِعُ فَهُوَ خَاصٌّ فِي الْبُنْيَانِ النَّافِذِ (3) .
ب - السِّكَّةُ:
3 - السِّكَّةُ هِيَ الطَّرِيقُ الْمُصْطَفَّةُ مِنَ النَّخِيل (4) . وَالطَّرِيقُ أَعَمُّ مِنَ السِّكَّةِ.
ج - الزُّقَاقُ:
4 - الزُّقَاقُ طَرِيقٌ ضَيِّقٌ دُونَ السِّكَّةِ، وَيَكُونُ نَافِذًا وَغَيْرَ نَافِذٍ (5) وَالطَّرِيقُ أَعَمُّ مِنَ الزُّقَاقِ.
د - الدَّرْبُ:
5 - الدَّرْبُ: بَابُ السِّكَّةِ الْوَاسِعُ، وَأَصْل الدَّرْبِ: الطَّرِيقُ الضَّيِّقُ فِي الْجَبَل، وَيُطْلَقُ عَلَى الْمَدْخَل الضَّيِّقِ (6) .
هـ - الْفِنَاءُ:
6 - الْفِنَاءُ فِي اللُّغَةِ: سِعَةٌ أَمَامَ الْبَيْتِ، وَقِيل: مَا امْتَدَّ مِنْ جَوَانِبِهِ، وَيُطْلِقُهُ فُقَهَاءُ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى مَا فَضَل مِنْ حَاجَةِ الْمَارَّةِ مِنْ طَرِيقٍ نَافِذٍ (7) .
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالطَّرِيقِ:
7 - الطَّرِيقُ قَدْ يَكُونُ عَامًّا، وَقَدْ يَكُونُ خَاصًّا: فَالطَّرِيقُ الْعَامُّ: مَا يَسْلُكُهُ قَوْمٌ غَيْرُ مَحْصُورِينَ، أَوْ مَا جُعِل طَرِيقًا عِنْدَ إِحْيَاءِ الْبَلَدِ، أَوْ قَبْلَهُ، أَوْ وَقَفَهُ مَالِكُ الأَْرْضِ لِيَكُونَ طَرِيقًا، وَلَوْ بِغَيْرِ إِحْيَاءٍ. وَإِنْ وُجِدَ سَبِيلٌ يَسْلُكُهُ النَّاسُ عَامَّةً، اعْتُمِدَ فِيهِ الظَّاهِرُ وَاعْتُبِرَ طَرِيقًا عَامًّا، وَلاَ يَبْحَثُ عَنْ أَصْلِهِ.
أَمَّا بِنْيَاتُ الطَّرِيقِ - وَهِيَ الْمَمَرَّاتُ الْخَفِيَّةُ الَّتِي يَعْرِفُهَا الْخَوَاصُّ - فَلاَ تَكُونُ بِذَلِكَ طَرِيقًا (8) .
قَدْرُ مِسَاحَةِ الطَّرِيقِ:
8 - إِنْ كَانَتِ الطَّرِيقُ مِنْ أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ يُسَبِّلُهَا مَالِكُهَا فَتَقْدِيرُ مِسَاحَةِ الطَّرِيقِ إِلَى اخْتِيَارِهِ، وَالأَْفْضَل تَوْسِيعُهُ، وَعِنْدَ الإِْحْيَاءِ: إِلَى مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْمُحْيُونَ، فَإِنْ تَنَازَعُوا جُعِل سَبْعَةَ أَذْرُعٍ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَال: قَضَى النَّبِيُّ إِذَا تَشَاجَرُوا فِي الطَّرِيقِ الْمِيتَاءِ بِسَبْعَةِ أَذْرُعٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ: إِذَا اخْتَلَفْتُمْ فِي الطَّرِيقِ جُعِل عَرْضُهُ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ (9) .
وَنَازَعَ فِي هَذَا التَّحْدِيدِ جَمْعٌ مِنْ مُتَأَخِّرِي الشَّافِعِيَّةِ، قَال الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِلأَْذْرَعِيِّ: تَابَعَ النَّوَوِيُّ فِي هَذَا التَّحْدِيدِ إِفْتَاءَ ابْنِ الصَّلاَحِ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ: اعْتِبَارُ قَدْرِ الْحَاجَةِ فِي قَدْرِ الطَّرِيقِ، زَادَ عَنْ سَبْعَةِ أَذْرُعٍ أَوْ نَقَصَ عَنْهَا، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ، لأَِنَّ ذَلِكَ كَانَ عُرْفَ أَهْل الْمَدِينَةِ، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ (10) .
وَإِنْ زَادَ عَلَى سَبْعَةِ أَذْرُعٍ، أَوْ عَنْ قَدْرِ الْحَاجَةِ لَمْ يُغَيَّرْ، لأَِنَّ الطُّرُقَ وَالأَْفْنِيَةَ كَالإِْحْبَاسِ لِلْمُسْلِمِينَ، فَلاَ يَجُوزُ لأَِحَدٍ أَنْ يَسْتَوْلِيَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا، أَوْ يَقْتَطِعَ مِنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ الطَّرِيقُ وَاسِعًا، لاَ يَتَضَرَّرُ الْمَارَّةُ بِالْجُزْءِ الْمُقْتَطَعِ مِنْهُ، لِمَا رُوِيَ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ الْحَارِثِ السُّلَمِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: مَنْ أَخَذَ مِنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ، شِبْرًا طَوَّقَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ (11) ، وَيُهْدَمُ إِنِ اسْتَوْلَى شَخْصٌ أَوِ اقْتَطَعَ مِنَ الطَّرِيقِ وَأَدْخَلَهُ فِي بِنَائِهِ (12) وَفِي قَوْلٍ لِلْمَالِكِيَّةِ: أَنَّهُ لاَ يُهْدَمُ عَلَيْهِ مَا اقْتَطَعَ مِنْهَا إِذَا كَانَ مِمَّا لاَ يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمَارَّةُ، وَلاَ يُضَيِّقُ عَلَى الْمَارَّةِ لِسِعَتِهِ (13) .
الاِنْتِفَاعُ بِالطَّرِيقِ النَّافِذَةِ:
9 - الطَّرِيقُ النَّافِذَةُ وَيُعَبَّرُ عَنْهَا بِـ " الشَّارِعِ " مِنَ الْمَرَافِقِ الْعَامَّةِ، لِلْجَمِيعِ الاِنْتِفَاعُ بِهَا بِمَا لاَ يَضُرُّ الآْخَرِينَ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، وَمَنْفَعَتُهَا الأَْصْلِيَّةُ: الْمُرُورُ فِيهَا، لأَِنَّهَا وُضِعَتْ لِذَلِكَ، فَيُبَاحُ لَهُمُ الاِنْتِفَاعُ بِمَا وُضِعَ لَهُ، وَهُوَ الْمُرُورُ بِلاَ خِلاَفٍ (14) ، وَكَذَلِكَ يُبَاحُ لِلْجَمِيعِ الاِنْتِفَاعُ بِغَيْرِ الْمُرُورِ مِمَّا لاَ يَضُرُّ الْمَارَّةَ، كَالْجُلُوسِ فِي الطَّرِيقِ الْوَاسِعَةِ لاِنْتِظَارِ رَفِيقٍ أَوْ سُؤَالٍ إِنْ لَمْ يَضُرَّ الْمَارَّةَ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنِ الإِْمَامُ بِذَلِكَ لاِتِّفَاقِ النَّاسِ فِي سَائِرِ الأَْزْمَانِ وَالأَْعْصَارِ عَلَى ذَلِكَ، وَهَذَا أَيْضًا مَحَل اتِّفَاقٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ (15) ، فَإِنْ ضَرَّ الْمَارَّةَ أَوْ ضَيَّقَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَجُزْ لِخَبَرِ: لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ (16) .
وَيَجُوزُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ الْجُلُوسُ فِي الطَّرِيقِ النَّافِذَةِ لِلْمُعَامَلَةِ كَالْبَيْعِ وَالصِّنَاعَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَإِنْ طَال عَهْدُهُ وَلَمْ يَأْذَنِ الإِْمَامُ، كَمَا لاَ يَحْتَاجُ فِي الإِْحْيَاءِ إِلَى إِذْنِهِ، لاِتِّفَاقِ النَّاسِ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ الأَْعْصَارِ (17) . وَلاَ يُزْعَجُ عَنِ الْمَوْضِعِ الَّذِي سَبَقَ إِلَيْهِ لِلْمُعَامَلَةِ، وَإِنْ طَال مُقَامُهُ فِيهِ، لِخَبَرِ: مَنْ سَبَقَ إِلَى مَا لَمْ يَسْبِقْهُ إِلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ لَهُ (18) ، وَلأَِنَّهُ أَحَدُ الْمُرْتَفِقِينَ، وَقَدْ ثَبَتَ لَهُ بِالْيَدِ فَصَارَ أَحَقَّ مِنْ غَيْرِهِ فِيهِ (19) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: يُشْتَرَطُ أَلاَّ يَطُول الْجُلُوسُ أَوِ الْبَيْعُ، فَإِنْ طَال أُخْرِجَ عَنْهُ. لأَِنَّهُ يَصِيرُ كَالْمُتَمَلِّكِ إِنْ طَال الْجُلُوسُ لِلْمُعَامَلَةِ، وَيَنْفَرِدُ بِنَفْعٍ يُسَاوِيهِ فِيهِ غَيْرُهُ (20) .
وَأَضَافَ الْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ الْجُلُوسُ فِي الطَّرِيقِ الْعَامِّ لاِسْتِرَاحَةٍ وَنَحْوِهَا كَالْحَدِيثِ، وَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ (21) .
وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِجَوَازِ الْجُلُوسِ فِي الطَّرِيقِ الْعَامِّ لِلاِسْتِرَاحَةِ، لِحَدِيثِ (22) الأَْمْرِ بِإِعْطَاءِ الطَّرِيقِ حَقَّهُ: مِنْ: غَضٍّ لِلْبَصَرِ، وَكَفٍّ لِلأَْذَى، وَرَدٍّ لِلسَّلاَمِ، وَأَمْرٍ بِمَعْرُوفٍ، وَنَهْيٍ عَنْ مُنْكَرٍ، مَا لَمْ يَضُرَّ الْمَارَّةَ، وَلَمْ يُضَيِّقْ عَلَيْهِمْ، وَإِلاَّ كُرِهَ (23) .
إِذْنُ الإِْمَامِ فِي الاِرْتِفَاقِ بِالطَّرِيقِ:
10 - لاَ يُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ الْجُلُوسِ لِلْمُعَامَلَةِ فِي الطَّرِيقِ النَّافِذَةِ إِذْنُ الإِْمَامِ، وَلاَ يَجُوزُ لَهُ وَلاَ لأَِحَدٍ مِنَ الْوُلاَةِ أَخْذُ عِوَضٍ مِمَّنْ يَرْتَفِقُ بِالْجُلُوسِ فِيهِ لِلْمُعَامَلَةِ، وَلاَ أَنْ يَبِيعَ جُزْءًا مِنَ الطَّرِيقِ بِلاَ خِلاَفٍ، وَإِنْ فَضَل الْجُزْءُ الْمُبَاعُ عَنْ حَاجَةِ الطَّرِيقِ، لأَِنَّ الْبَيْعَ يَسْتَدْعِي تَقَدُّمَ الْمِلْكِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ، وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَجَازَ بَيْعُ الْمَوَاتِ وَلاَ قَائِل بِهِ، وَلأَِنَّ الطُّرُقَ كَالأَْحْبَاسِ لِلْمُسْلِمِينَ، فَلَيْسَ لأَِحَدٍ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهَا تَصَرُّفًا يُغَيِّرُ وَضْعَهَا (24) .
وَلِلإِْمَامِ أَنْ يَقْطَعَ بُقْعَةً مِنَ الطَّرِيقِ الْعَامِّ لِمَنْ يَجْلِسُ فِيهَا لِلْمُعَامَلَةِ ارْتِفَاقًا، لاَ تَمْلِيكًا، إِنْ لَمْ يَضُرَّ الْمُسْلِمِينَ، لأَِنَّ لَهُ نَظَرًا وَاجْتِهَادًا فِي الضَّرَرِ وَغَيْرِهِ، وَلاَ يَمْلِكُ الْمَقْطُوعُ لَهُ الْبُقْعَةَ، إِنَّمَا يَكُونُ أَحَقَّ بِالْجُلُوسِ فِيهَا كَالسَّابِقِ إِلَيْهَا (25) .
التَّزَاحُمُ فِي الاِرْتِفَاقِ:
11 - لِلْجَالِسِ فِي الطَّرِيقِ الْعَامِّ لِلْمُعَامَلَةِ تَظْلِيل مَوْضِعِ جُلُوسِهِ بِمَا لاَ ثَبَاتَ لَهُ مِنْ حَصِيرٍ، أَوْ عَبَاءَةٍ، أَوْ ثَوْبٍ، لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِذَلِكَ، وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يُزَاحِمَهُ فِي مَحَل جُلُوسِهِ بِحَيْثُ يَضُرُّهُ، وَيُضَيِّقُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْكَيْل وَالْوَزْنِ وَالأَْخْذِ وَالْعَطَاءِ، وَلاَ أَنْ يُزَاحِمَهُ فِي مَوْضِعِ أَمْتِعَتِهِ وَمَوْقِفِ مُعَامِلِيهِ، وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ الْوُقُوفَ بِقُرْبِهِ إِنْ كَانَ الْوُقُوفُ يَمْنَعُ رُؤْيَةَ بِضَاعَتِهِ، أَوْ وُصُول الْقَاصِدِينَ إِلَيْهِ، لأَِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ تَمَامِ الاِنْتِفَاعِ بِمَوْضِعِ اخْتِصَاصِهِ، وَلَيْسَ لَهُ الْمَنْعُ مِنَ الْجُلُوسِ بِقُرْبِهِ لِبَيْعِ مِثْل بِضَاعَتِهِ، إِنْ لَمْ يُزَاحِمْهُ فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِ مِنَ الْمَرَافِقِ الْمَذْكُورَةِ (26) .
وَمَنْ سَبَقَ إِلَى الْجُلُوسِ فِي مَوْضِعٍ مِنَ الطَّرِيقِ النَّافِذِ لِلْمُعَامَلَةِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ، كَمَا سَبَقَ، وَإِنْ سَبَقَ اثْنَانِ، وَتَنَازَعَا فِيهِ وَلَمْ يَسَعْهُمَا مَعًا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا، لاِنْتِفَاءِ الْمُرَجِّحِ (27) .
تَرْكُ صَاحِبِ الاِخْتِصَاصِ مَوْضِعًا اخْتَصَّ بِهِ:
12 - إِنْ تَرَكَ الْجَالِسُ مَوْضِعَ اخْتِصَاصِهِ، وَانْتَقَل إِلَى غَيْرِهِ أَوْ تَرَكَ الْحِرْفَةَ الَّتِي كَانَ يُزَاوِلُهَا فِيهِ بَطَل حَقُّهُ فِيهِ، سَوَاءٌ أَأَقْطَعُهُ الإِْمَامُ لَهُ، أَمْ سَبَقَ إِلَيْهِ بِلاَ إِقْطَاعٍ مِنَ الإِْمَامِ. وَإِنْ فَارَقَهُ لِيَعُودَ إِلَيْهِ لَمْ يَبْطُل حَقُّهُ إِلاَّ أَنْ يَطُول غِيَابُهُ عَنْهُ، لِحَدِيثِ: مَنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ (28) فَإِنْ طَال غِيَابُهُ عَنْهُ بِحَيْثُ يَنْقَطِعُ مُعَامِلُوهُ عَنْهُ وَيَأْلَفُونَ غَيْرَهُ يَبْطُل حَقُّهُ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ فَارَقَهُ لِعُذْرٍ أَوْ تَرَكَ مَتَاعَهُ فِيهِ أَوْ كَانَ بِإِقْطَاعِ الإِْمَامِ لَهُ إِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ (29) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنْ نَقَل مَتَاعَهُ عَنْ مَوْضِعِ اخْتِصَاصِهِ، بَطَل حَقُّهُ فِيهِ، وَإِنْ تَرَكَ مَتَاعَهُ فِيهِ، أَوْ أَجْلَسَ شَخْصًا فِيهِ لِيَحْفَظَ لَهُ الْمَكَانَ، لَمْ يَجُزْ لِغَيْرِهِ إِزَالَةُ مَتَاعِهِ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ قَامَ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ أَوْ وُضُوءٍ لَمْ يَبْطُل حَقُّهُ.
وَكِلاَ الْمَذْهَبَيْنِ (الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) لاَ يُجِيزُ إِطَالَةَ الْجُلُوسِ فِي الطَّرِيقِ الْعَامِّ لِلْمُعَامَلَةِ، فَإِنْ أَطَال أُزِيل عَنْهُ، لأَِنَّهُ يَصِيرُ كَالْمُتَمَلِّكِ، يَخْتَصُّ بِنَفْعٍ يُسَاوِيهِ فِيهِ غَيْرُهُ، وَحَدَّدَ الْمَالِكِيَّةُ طُول الْمُقَامِ بِيَوْمٍ كَامِلٍ (30) .
وَإِنْ جَلَسَ لاِسْتِرَاحَةٍ، أَوْ حَدِيثٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ بَطَل حَقُّهُ فِيهِ بِمُفَارَقَتِهِ، بِلاَ خِلاَفٍ (31) .
الاِنْتِفَاعُ فِي الطَّرِيقِ بِغَيْرِ الْمُرُورِ، وَالْجُلُوسِ لِلْمُعَامَلَةِ:
13 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى حُرْمَةِ التَّصَرُّفِ فِي الطَّرِيقِ النَّافِذَةِ وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِـ (الشَّارِعِ) بِمَا يَضُرُّ الْمَارَّةَ فِي مُرُورِهِمْ، لأَِنَّ الْحَقَّ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَيْسَ لأَِحَدٍ أَنْ يُضَارَّهُمْ فِي حَقِّهِمْ، وَيَمْتَنِعُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ بِنَاءُ دِكَّةٍ - وَهِيَ الَّتِي تُبْنَى لِلْجُلُوسِ عَلَيْهَا وَنَحْوِهَا - فِي الطَّرِيقِ النَّافِدَةِ وَغَرْسُ شَجَرَةٍ فِيهَا وَإِنِ اتَّسَعَ الطَّرِيقُ، وَأَذِنَ الإِْمَامُ، وَانْتَفَى الضَّرَرُ، وَبُنِيَتْ لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ لِمَنْعِهِمَا الطُّرُوقَ فِي مَحَلِّهِمَا، وَلأَِنَّهُ بِنَاءٌ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَقَدْ يُؤْذِي الْمَارَّةَ فِيمَا بَعْدُ، وَيُضَيِّقُ عَلَيْهِمْ، وَيَعْثِرُ بِهِ الْعَاثِرُ، فَلَمْ يَجُزْ، وَلأَِنَّهُ إِذَا طَال الزَّمَنُ أَشْبَهَ مَوْضِعُهُمَا الأَْمْلاَكَ الْخَاصَّةَ، وَانْقَطَعَ اسْتِحْقَاقُ الطُّرُوقِ (32) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: يَجُوزُ بِنَاءُ دِكَّةٍ، وَغَرْسُ أَشْجَارٍ فِي الطَّرِيقِ النَّافِذَةِ كَإِخْرَاجِ الْمَيَازِيبِ، وَالأَْجْنِحَةِ، إِنْ لَمْ يَضُرَّ الْمَارَّةَ، وَلَمْ يَمْنَعْ مِنَ الْمُرُورِ فِيهَا، فَإِنْ ضَرَّ الْمَارَّةَ أَوْ مَنَعَ لَمْ يَجُزْ إِحْدَاثُهَا، وَلِكُلٍّ مِنَ الْعَامَّةِ مِنْ أَهْل الْخُصُومَةِ مَنْعُهُ مِنْ إِحْدَاثِهَا ابْتِدَاءً، وَمُطَالَبَتُهُ بِنَقْضِهِ بَعْدَ الْبِنَاءِ، سَوَاءٌ أَضَرَّ أَمْ لَمْ يَضُرَّ، لأَِنَّ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمْ صَاحِبُ حَقٍّ بِالْمُرُورِ بِنَفْسِهِ وَبِدَوَابِّهِ، فَكَانَ لَهُ حَقُّ النَّقْضِ كَمَا فِي الْمِلْكِ الْمُشْتَرَكِ.
هَذَا إِذَا بَنَاهَا لِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِ إِذْنِ الإِْمَامِ، فَإِنْ بَنَاهَا لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ بِإِذْنِ الإِْمَامِ، وَإِنْ بَنَاهَا لِنَفْسِهِ لَمْ يُنْقَضْ، إِنْ لَمْ يَضُرَّ الْمَارَّةَ (33) .
وَإِنْ كَانَ يَضُرُّ الْعَامَّةَ لاَ يَجُوزُ إِحْدَاثُهُ، أَذِنَ الإِْمَامُ أَمْ لَمْ يَأْذَنْ (34) ، لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ (35) .
الاِرْتِفَاقُ فِي هَوَاءِ الطَّرِيقِ النَّافِذَةِ:
14 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْعَامَّةِ الاِنْتِفَاعُ فِي هَوَاءِ الطَّرِيقِ النَّافِذَةِ بِإِخْرَاجِ جَنَاحٍ إِلَيْهَا أَوْ رَوْشَنٍ أَوْ سَابَاطٍ، وَهُوَ سَقِيفَةٌ عَلَى حَائِطَيْنِ وَيَمُرُّ الطَّرِيقُ بَيْنَهُمَا، وَنَحْوُ ذَلِكَ كَالْمِيزَابِ، إِنْ رَفَعَهَا بِحَيْثُ يَمُرُّ تَحْتَهُ الْمَاشِي مُنْتَصِبًا، مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إِلَى طَأْطَأَةِ رَأْسِهِ، وَعَلَى رَأْسِهِ الْحُمُولَةُ الْمُعْتَادَةُ، وَلَمْ يَسُدَّ الضَّوْءَ عَنِ الطَّرِيقِ، وَإِنْ كَانَ الطَّرِيقُ مَمَرًّا لِلْقَوَافِل يُرْفَعُ الْمِيزَابُ وَالْجَنَاحُ وَنَحْوُهَا بِحَيْثُ يَمُرُّ تَحْتَهَا الْمَحْمَل عَلَى الْبَعِيرِ، وَالْمِظَلَّةُ فَوْقَ الْمَحْمَل، فَإِنْ أَخَل بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ هَدَمَهُ الْحَاكِمُ، وَلِكُلٍّ الْمُطَالَبَةُ بِإِزَالَتِهِ، لأَِنَّهُ إِزَالَةٌ لِلْمُنْكَرِ
(36) وَالأَْصْل فِي جَوَازِ إِخْرَاجِ الْجَنَاحِ إِلَى الطَّرِيقِ النَّافِذِ مَا صَحَّ مِنْ أَنَّهُ ﷺ: نَصَبَ بِيَدِهِ الشَّرِيفَةِ مِيزَابًا فِي دَارِ عَمِّهِ الْعَبَّاسِ إِلَى الطَّرِيقِ، وَكَانَ شَارِعًا إِلَى مَسْجِدِهِ (37) وَقِيسَ عَلَيْهِ الْجَنَاحُ وَنَحْوُهُ، وَلإِِطْبَاقِ النَّاسِ عَلَى فِعْل ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ إِنْكَارٍ.
(38) وَقَال الْحَنَفِيَّةُ، لِكُلٍّ مِنْ أَهْل الْخُصُومَةِ مِنَ الْعَامَّةِ مَنْعُهُ مِنْ إِحْدَاثِ ذَلِكَ ابْتِدَاءً، وَمُطَالَبَتُهُ بِنَقْضِهِ بَعْدَ الْبِنَاءِ ضَرَّ أَمْ لَمْ يَضُرَّ.
(39) وَقَال الْحَنَابِلَةُ: لاَ يَجُوزُ إِخْرَاجُ شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ إِلَى طَرِيقٍ نَافِذَةٍ أَذِنَ الإِْمَامُ، أَوْ لَمْ يَأْذَنْ، ضَرَّ الْمَارَّةَ أَوْ لَمْ يَضُرَّ وَقَالُوا: لأَِنَّهُ بِنَاءٌ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ، بِغَيْرِ إِذْنِ مَالِكِهِ، فَلَمْ يَجُزْ كَبِنَاءِ الدِّكَّةِ، أَوْ بِنَائِهِ فِي دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ بِغَيْرِ إِذْنِ أَهْلِهِ، وَيُفَارِقُ الْمُرُورَ فِي الطَّرِيقِ، فَإِنَّهَا جُعِلَتْ لِذَلِكَ وَلاَ مَضَرَّةَ فِيهِ، وَالْجُلُوسُ لأَِنَّهُ لاَ يَدُومُ وَلاَ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، وَلاَ يَخْلُو الإِْخْرَاجُ إِلَى الطَّرِيقِ الْعَامِّ عَنْ مَضَرَّةٍ، فَإِنَّهُ يَظْلِمُ الطَّرِيقَ بِسَدِّ الضَّوْءِ عَنْهُ، وَرُبَّمَا سَقَطَ عَلَى الْمَارَّةِ، أَوْ سَقَطَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَقَدْ تَعْلُو الأَْرْضُ بِمُرُورِ الزَّمَنِ فَيَصْدِمُ رُءُوسَ النَّاسِ، وَيَمْنَعُ مُرُورَ الدَّوَابِّ بِالأَْحْمَال، وَمَا يُفْضِي إِلَى الضَّرَرِ فِي ثَانِي الْحَال يَجِبُ الْمَنْعُ مِنْهُ فِي ابْتِدَائِهِ، كَمَا لَوْ أَرَادَ بِنَاءَ حَائِطٍ مَائِلٍ إِلَى الطَّرِيقِ يَخْشَى وُقُوعَهُ عَلَى مَنْ يَمُرُّ فِيهَا.
وَقَال ابْنُ عَقِيلٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ يَجُوزُ ذَلِكَ بِإِذْنِ الإِْمَامِ، أَوْ نَائِبِهِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ، لأَِنَّ الإِْمَامَ، نَائِبٌ عَنِ الْمُسْلِمِينَ - وَفِي حُكْمِهِ نُوَّابُهُ - وَإِذْنُهُ كَإِذْنِ الْمُسْلِمِينَ.
وَلِمَا وَرَدَ أَنَّ عُمَرَ ﵁: اجْتَازَ عَلَى دَارِ الْعَبَّاسِ ﵄ وَقَدْ نَصَبَ مِيْزَابًا إِلَى الطَّرِيقِ فَقَلَعَهُ، فَقَال الْعَبَّاسُ: تَقْلَعُهُ وَقَدْ نَصَبَهُ رَسُول اللَّهِ ﷺ بِيَدِهِ؟ فَقَال: وَاللَّهِ لاَ تَنْصِبُهُ إِلاَّ عَلَى ظَهْرِي، فَانْحَنَى حَتَّى صَعِدَ عَلَى ظَهْرِهِ فَنَصَبَهُ، وَلأَِنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِهِ. (40) مَا تَوَلَّدَ مِنْ إِخْرَاجِ الْمِيزَابِ وَنَحْوِهِ إِلَى الطَّرِيقِ النَّافِذِ:
15 - قَال الشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ: إِنَّ مَا تَوَلَّدَ مِنْ إِخْرَاجِ مِيزَابٍ وَنَحْوِهِ: كَالْجَنَاحِ وَالسَّابَاطِ إِلَى الطَّرِيقِ النَّافِذِ مِنْ تَلَفِ مَالٍ، أَوْ مَوْتِ نَفْسٍ فَمَضْمُونٌ وَإِنْ جَازَ إِخْرَاجُهُ، وَأَذِنَ الإِْمَامُ وَلَمْ يَضُرَّ الْمَارَّةَ، وَتَنَاهَى فِي الاِحْتِيَاطِ، وَحَدَثَ مَا لَمْ يُتَوَقَّعْ، كَصَاعِقَةٍ، أَوْ رِيحٍ شَدِيدَةٍ، لأَِنَّ الاِرْتِفَاقَ بِالطَّرِيقِ الْعَامِّ مَشْرُوطٌ بِسَلاَمَةِ الْعَاقِبَةِ، وَمَا لَمْ تَسْلَمْ عَاقِبَتُهُ فَلَيْسَ بِمَأْذُونٍ فِيهِ، وَيَجِبُ بِهِ الضَّمَانُ، وَكَذَا إِنْ وَضَعَ تُرَابًا فِي الطَّرِيقِ لِتَطْيِينِ سَطْحِ مَنْزِلِهِ، فَزَل بِهِ إِنْسَانٌ فَمَاتَ، أَوْ بَهِيمَةٌ فَتَلِفَتْ يَضْمَنُ، لأَِنَّهُ تَسَبَّبَ فِي تَلَفِهِ، فَتَجِبُ دِيَةُ الْخَطَأِ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَقِيمَةُ الدَّابَّةِ فِي مَالِهِ. (41)
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: هَذَا إِذَا لَمْ يَأْذَنِ الإِْمَامُ، فَإِنْ أَذِنَ الإِْمَامُ بِإِخْرَاجِ الْمِيزَابِ وَنَحْوِهِ إِلَى الطَّرِيقِ الْعَامِّ فَلاَ ضَمَانَ، لأَِنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي إِخْرَاجِ الْجَنَاحِ حِينَئِذٍ، لأَِنَّ لِلإِْمَامِ وِلاَيَةً عَلَى الطَّرِيقِ لأَِنَّهُ نَائِبٌ عَنِ الْعَامَّةِ، فَكَانَ الْمُخْرِجُ كَمَنْ فَعَلَهُ فِي مِلْكِهِ. (42)
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ لاَ يَضْمَنُ شَيْئًا أَذِنَ الإِْمَامُ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ، جَاءَ فِي مَوَاهِبِ الْجَلِيل: قَال مَالِكٌ فِي جَنَاحٍ خَارِجٍ إِلَى الطَّرِيقِ فَسَقَطَ عَلَى رَجُلٍ فَمَاتَ. قَال مَالِكٌ: لاَ شَيْءَ عَلَى مَنْ بَنَاهُ. (43)
مَا يَجِبُ فِي الضَّمَانِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ:
16 - إِنْ كَانَ بَعْضُ الْجَنَاحِ فِي الْجِدَارِ، وَبَعْضُهُ خَارِجًا إِلَى الطَّرِيقِ فَسَقَطَ الْخَارِجُ وَحْدَهُ - كُلُّهُ، أَوْ بَعْضُهُ - فَأَتْلَفَ شَيْئًا فَعَلَى الْمُخْرِجِ ضَمَانُ مَا تَلِفَ بِهِ مِنْ نَفْسٍ، أَوْ مَالٍ، لأَِنَّهُ تَلِفَ بِمَا هُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ خَاصَّةً، سَوَاءٌ كَانَ الْمُخْرِجُ مَالِكَهُ أَوْ مُسْتَعِيرًا أَوْ مُسْتَأْجِرًا أَوْ غَاصِبًا، وَإِنْ سَقَطَ مَا فِي الدَّاخِل وَالْخَارِجِ، وَتَلِفَ بِهِ إِنْسَانٌ، أَوْ مَالٌ فَعَلَى صَاحِبِ الْجِدَارِ، نِصْفُ الدِّيَةِ، إِنْ كَانَ التَّالِفُ إِنْسَانًا، وَنِصْفُ قِيمَةِ الْمُتْلَفِ إِنْ كَانَ مَالاً، لأَِنَّ التَّلَفَ حَصَل بِسُقُوطِ مَا فِي دَاخِل الْجِدَارِ مِنَ الْجَنَاحِ، وَهُوَ غَيْرُ مَضْمُونٍ لأَِنَّهُ فِي مِلْكِهِ، وَالْمَشْرُوعُ إِلَى الطَّرِيقِ الْعَامِّ، وَهُوَ مَضْمُونٌ. (44)
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: يَضْمَنُ كُل الدِّيَةِ أَوِ الْقِيمَةَ فِي الْحَالَيْنِ، لأَِنَّهُ تَلِفَ بِمَا أَخْرَجَهُ إِلَى الطَّرِيقِ فَضَمِنَ، كَمَا لَوْ بَنَى حَائِطًا مَائِلاً إِلَى الطَّرِيقِ فَأَتْلَفَ شَيْئًا، وَلأَِنَّهُ إِخْرَاجٌ يَضْمَنُ بِهِ بَعْضَهُ فَيَضْمَنُ كُلَّهُ. (45) سُقُوطُ جِدَارٍ مَائِلٍ إِلَى طَرِيقٍ نَافِذٍ:
17 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا بَنَى فِي مِلْكِهِ جِدَارًا مَائِلاً إِلَى الطَّرِيقِ النَّافِذَةِ فَسَقَطَ فِيهِ فَتَلِفَ بِهِ شَيْءٌ ضَمِنَ، لأَِنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ بَنَاهُ فِي مِلْكِهِ مُسْتَوِيًا فَسَقَطَ بِغَيْرِ اسْتِهْدَامٍ وَلاَ مَيْلٍ، فَأَتْلَفَ شَيْئًا فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ بِلاَ خِلاَفٍ، لأَِنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ فِي بِنَائِهِ، وَلاَ حَصَل مِنْهُ تَفْرِيطٌ بِإِبْقَائِهِ، وَإِنْ مَال قَبْل وُقُوعِهِ إِلَى هَوَاءِ الطَّرِيقِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ نَقْضُهُ وَإِصْلاَحُهُ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ، لأَِنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ بِبِنَائِهِ، وَلاَ فَرَّطَ فِي تَرْكِهِ وَإِصْلاَحِهِ، لِعَجْزِهِ عَنْهُ، فَأَشْبَهَ كَمَا لَوْ سَقَطَ مِنْ غَيْرِ مَيْلٍ.
وَإِنْ أَمْكَنَهُ نَقْضُهُ وَإِصْلاَحُهُ، فَلَمْ يَفْعَل فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَأَحْمَدُ إِلَى الضَّمَانِ بِشَرْطِ أَنْ يُطَالِبَ وَاحِدٌ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ أَهْل الْمَصْلَحَةِ فِي الْخُصُومَةِ بِالنَّقْضِ، وَيَشْهَدُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ حَاكِمٍ أَوْ جَمْعٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يَضْمَنُ لِتَقْصِيرِهِ وَإِنْ لَمْ يُطَالِبْ وَلَمْ يَشْهَدْ. (46)
إِلْقَاءُ شَيْءٍ فِي الطَّرِيقِ الْعَامِّ:
18 - لَوْ أَلْقَى قُمَامَاتٍ، أَوْ قُشُورَ بِطِّيخٍ وَرُمَّانٍ وَمَوْزٍ بِطَرِيقٍ نَافِذٍ فَمَضْمُونٌ، مَا لَمْ يَتَعَمَّدْ الْمَارُّ الْمَشْيَ عَلَيْهَا قَصْدًا، وَكَذَا إِنْ رَشَّ فِي الطَّرِيقِ مَاءً فَزَلَقَ بِهِ إِنْسَانٌ، أَوْ بَهِيمَةٌ، فَتَلِفَ يَضْمَنُ. (47) (ر: مُصْطَلَح: ضَمَان)
إِحْدَاثُ بِئْرٍ فِي طَرِيقٍ نَافِذٍ:
19 - لاَ يَجُوزُ لأَِحَدٍ أَنْ يَحْفِرَ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ النَّافِذِ لِنَفْسِهِ، سَوَاءٌ جَعَلَهَا لِمَاءِ الْمَطَرِ، أَوِ اسْتِخْرَاجِ مَاءٍ يَنْتَفِعُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ، لأَِنَّ الطَّرِيقَ مِلْكٌ لِلْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ، فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُحْدَثَ فِيهَا شَيْءٌ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ، وَإِذْنُ كُلِّهِمْ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ، وَإِنْ حَفَرَهَا وَتَرَتَّبَ عَلَى حَفْرِهَا ضَرَرٌ فَفِي ضَمَانِهِ تَفْصِيلٌ بَيْنَ مَا إِذَا كَانَ بِإِذْنِ الإِْمَامِ أَوْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ وَبَيْنَ مَا إِذَا كَانَ الْحَفْرُ لِمَصْلَحَةِ الْحَافِرِ أَوْ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ.
(ر: مُصْطَلَح: ضَمَان) .
ضَمَانُ الضَّرَرِ الْحَادِثِ مِنْ مُرُورِ الْبَهَائِمِ فِي الطَّرِيقِ الْعَامِّ:
20 - الْمُرُورُ فِي الطَّرِيقِ النَّافِذِ حَقٌّ لِجَمِيعِ النَّاسِ، لأَِنَّهُ وُضِعَ لِذَلِكَ، وَمُبَاحٌ لَهُمْ بِدَوَابِّهِمْ، بِشَرْطِ السَّلاَمَةِ فِيمَا يُمْكِنُ الاِحْتِرَازُ عَنْهُ، فَإِنْ تَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ ضَرَرٌ فَفِي ضَمَانِهِ تَفْصِيلٌ (يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: ضَمَان) الطَّرِيقُ غَيْرُ النَّافِذِ:
21 - الطَّرِيقُ غَيْرُ النَّافِذِ مِلْكٌ لأَِهْلِهِ، فَلاَ يَجُوزُ لِغَيْرِ أَهْلِهِ التَّصَرُّفُ فِيهِ إِلاَّ بِرِضَاهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ، لأَِنَّهُ مِلْكُهُمْ، فَأَشْبَهَ الدُّورَ.
وَأَهْلُهُ مَنْ لَهُمْ حَقُّ الْمُرُورِ فِيهِ إِلَى مِلْكِهِمْ مِنْ دَارٍ، أَوْ بِئْرٍ، أَوْ فُرْنٍ، أَوْ حَانُوتٍ، لاَ مَنْ لاَصَقَ جِدَارُهُ الدَّرْبَ مِنْ غَيْرِ نُفُوذِ بَابٍ فِيهِ، لأَِنَّ هَؤُلاَءِ هُمُ الْمُسْتَحِقُّونَ الاِرْتِفَاقَ فِيهِ. (48)
وَيَسْتَحِقُّ كُل وَاحِدٍ مِنْ أَهْل الطَّرِيقِ غَيْرِ النَّافِذِ الاِرْتِفَاقَ بِمَا بَيْنَ رَأْسِ الدَّرْبِ وَبَابِ دَارِهِ، لأَِنَّ ذَلِكَ هُوَ مَحَل تَرَدُّدِهِ، وَمُرُورِهِ، وَمَا عَدَاهُ هُوَ فِيهِ كَالأَْجْنَبِيِّ مِنَ الطَّرِيقِ، وَفِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيَّةِ: لِكُلٍّ مِنْ أَهْل الدَّرْبِ غَيْرِ النَّافِذِ الاِرْتِفَاقُ بِكُل الطَّرِيقِ، لأَِنَّهُمْ رُبَّمَا يَحْتَاجُونَ إِلَى التَّرَدُّدِ وَالاِنْتِفَاعِ بِهِ كُلِّهِ، لإِِلْقَاءِ الْقُمَامَاتِ فِيهِ عِنْدَ الإِْدْخَال وَالإِْخْرَاجِ.
أَمَّا الْبِنَاءُ فِيهِ وَإِخْرَاجُ رَوْشَنٍ، أَوْ جَنَاحٍ، أَوْ سَابَاطٍ، فَلاَ يَجُوزُ لأَِحَدٍ مِنْهُمْ، إِلاَّ بِرِضَا الْبَاقِينَ، كَسَائِرِ الأَْمْلاَكِ الْمُشْتَرَكَةِ، لأَِنَّهُ بِنَاءٌ فِي هَوَاءِ قَوْمِ مُعَيَّنِينَ فَلاَ يَجُوزُ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ.
وَفِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيَّةِ: يَجُوزُ لِبَعْضِ أَهْل الدَّرْبِ إِخْرَاجُ مَا ذُكِرَ إِلَى الطَّرِيقِ الْمَسْدُودِ بِغَيْرِ رِضَا الْبَاقِينَ إِنْ لَمْ يَضُرَّ، لأَِنَّ لِكُل وَاحِدٍ مِنْهُمُ الاِنْتِفَاعَ بِقَرَارِهِ فَيَجُوزُ الاِنْتِفَاعُ بِهَوَائِهِ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ.
قَال الزُّرْقَانِيُّ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَالأَْوَّل ضَعِيفٌ. (1)
__________
(1) سورة طه / 77.
(2) لسان العرب، والمصباح المنير.
(3) نهاية المحتاج 4 / 392، وأسنى المطالب 2 / 223.
(4) لسان العرب والمصباح المنير.
(5) لسان العرب والمصباح المنير.
(6) المصادر السابقة.
(7) لسان العرب والمصباح المنير، حاشية الدسوقي 3 / 368.
(8) نهاية المحتاج 4 / 396، وأسنى المطالب 2 / 220، وحاشية ابن عابدين 5 / 380.
(9) حديث أبي هريرة: " قضى النبي ﷺ إذا تشاجروا. . . ". أخرجه البخاري (5 / 118) ، ورواية مسلم (3 / 1232) .
(10) نهاية المحتاج 4 / 396، أسنى المطالب 2 / 220، كشاف القناع 3 / 188، مواهب الجليل 5 / 166، حاشية الزرقاني 6 / 64.
(11) حديث الحكم بن الحارث السلمي: " من أخذ من طريق المسلمين. . ". أخرجه الطبراني في الصغير (2 / 297) ، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (4 / 176) ، وقال: فيه محمد بن عقبة السدوسي، وثقه ابن حبان وضعفه أبو حاتم وتركه أبو زرعة.
(12) أسنى المطالب 3 / 220، وكشاف القناع 3 / 188، ومواهب الجليل 5 / 152 وما بعده، والمغني 4 / 552.
(13) ) مواهب الجليل 5 / 156.
(14) نهاية المحتاج 5 / 342، أسنى المطالب 2 / 449، كشاف القناع 4 / 168، ابن عابدين 5 / 380، فتح القدير 9 / 240، حاشية الدسوقي 3 / 368.
(15) المصادر السابقة.
(16) حديث: " لا ضرر ولا ضرار ". أخرجه مالك في الموطأ (2 / 745) من حديث عمرو المازني مرسلاً، ولكن له طرقًا أخرى موصولة يتقوى بها، ذكرها ابن رجب في جامع العلوم والحكم (ص 286 - 287) .
(17) نهاية المحتاج 5 / 342، أسنى المطالب 2 / 449، حاشية ابن عابدين 5 / 380.
(18) حديث: " من سبق إلى ما لم يسبقه إليه مسلم فهو له ". أخرجه أبو داود (3 / 453) ، من حديث أسمر بن مضرس، واستغربه المنذري في مختصر السنن (4 / 264) .
(19) نهاية المحتاج 5 / 342، أسنى المطالب 2 / 451، ابن عابدين 5 / 380.
(20) كشاف القناع 4 / 196، حاشية الدسوقي 3 / 368.
(21) حاشية الدسوقي 3 / 368.
(22) حديث: " الأمر بإعطاء الطريق حقها ". أخرجه البخاري (11 / 8) ، ومسلم (3 / 1675) ، من حديث أبي سعيد الخدري، ونصه أن النبي ﷺ قال: " إياكم والجلوس في الطرقات، فقالوا: يا رسول الله، ما لنا من مجالسنا بد، نتحدث فيها، فقال: فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه، قالوا: وما حق الطريق يا رسول ال
(23) أسنى المطالب 2 / 449، نهاية المحتاج 5 / 345.
(24) نهاية المحتاج 5 / 343، حاشية الجمل 3 / 570، أسنى المطالب 2 / 450، مواهب الجليل 5 / 156 وما بعده.
(25) المصادر السابقة، وكشاف القناع 4 / 196.
(26) المصادر السابقة، ومواهب الجليل 5 / 158.
(27) نهاية المحتاج 5 / 344، وأسنى المطالب 2 / 450، وكشاف القناع 4 / 196، ومواهب الجليل 5 / 158، وحاشية الدسوقي 3 / 368.
(28) حديث: " من قام من مجلسه. . . ". أخرجه مسلم (4 / 1715) من حديث أبي هريرة.
(29) نهاية المحتاج 5 / 341، أسنى المطالب 2 / 450، حاشية الجمل 3 / 570.
(30) كشاف القناع 4 / 166، حاشية الدسوقي 3 / 368.
(31) المصادر السابقة.
(32) أسنى المطالب 2 / 219، والمحلي على حاشية القليوبي 2 / 310، ونهاية المحتاج 5 / 397، والمغني لابن قدامة 4 / 552، وكشاف القناع 3 / 406، وحاشية الدسوقي 3 / 368.
(33) فتح القدير 9 / 240، وابن عابدين 5 / 380.
(34) رد المحتار على الدر المختار على حاشية ابن عابدين 5 / 380.
(35) حديث: " لا ضرر ولا ضرار ". تقدم ف 9.
(36) أسنى المطالب 2 / 219، وحاشية القليوبي 2 / 310، وحاشية الدسوقي 3 / 368، وفتح القدير 9 / 240.
(37) حديث: " نصب النبي ﷺ ميزابًا في دار عمه العباس ". أخرجه أحمد (1 / 210) ، من حديث عبيد الله بن عباس، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (4 / 206 - 207) ، وقال: رواه أحمد، ورجاله ثقات، إلا أن هشام بن سعد لم يسمع من عبيد الله.
(38) المصادر السابقة.
(39) حاشية ابن عابدين 5 / 380، فتح القدير 9 / 240.
(40) المغني لابن قدامة 4 / 551 - 552، كشاف القناع 3 / 406.
(41) نهاية المحتاج 7 / 356، مغني المحتاج 4 / 84 وما بعده، والمحلي على القليوبي 4 / 148، والمغني 7 / 830.
(42) حاشية ابن عابدين 5 / 380 - 381، فتح القدير 9 / 246.
(43) مواهب الجليل 5 / 173.
(44) مغني المحتاج 4 / 85.
(45) المغني 7 / 830.
(46) نهاية المحتاج 7 / 358، مغني المحتاج 4 / 186، ابن عابدين 5 / 384، وحاشية الدسوقي 4 / 356، ومواهب الجليل 6 / 321، والمغني 8 / 828.
(47) المصادر السابقة.
(48) نهاية المحتاج 4 / 398 وما بعدها، أسنى المطالب 2 / 221، كشاف القناع 3 / 410، حاشية ابن عابدين 5 / 382، حاشية الدسوقي 3 / 368، الزرقاني 6 / 65.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 345/ 28