المتعالي
كلمة المتعالي في اللغة اسم فاعل من الفعل (تعالى)، واسم الله...
مَا يَفْرِضُهُ الإمَامُ فِي بَيْتِ الْمَال لِلْمُسْتَحِقِّينَ، كالموظفين والجنود . ومن أمثلته يصرف العطاء من بيت المال لِلْمُسْتَحِقِّينَ، ويُعْطَوْن ما يكفيهم، ويكفي زوجاتِهم، وذراريهم . وذكروا أن عمرَ بن الخطاب -رَضِيَ اللهُ عَنْه - أولُ من فرض العطاء للجند، ولغيرهم، ودَوَّنه، وقدَّر مواقيته، وحدَّد مقاديره، ومستحقِّيه، وضبطَه، ونظَّمه بعد مشاورةِ الصحابة، حتى فرض لكل مولود في الإسلام أُعطية .
العَطاءُ: اسْمٌ لِما يُعْطى، مَأخُوذٌ مِنَ العَطْوِ، وهو التَّناوُلُ، يُقالُ: عَطَوْتُ الشَّيْءَ: إذا تَناوَلْتَهُ، وأُعْطِياتُ المُلُوكِ: هِباتُهُمْ، وأُعْطِياتُ الجُنْدُ: أرْزاقُهُمْ وما يُرَتَّبُ لهم مِن مالٍ، والجَمْعُ: عَطايا.
عطو
مَا يَفْرِضُهُ الإمَامُ فِي بَيْتِ الْمَال لِلْمُسْتَحِقِّينَ، كالموظفين والجنود.
* مقاييس اللغة : (4/353)
* العين : (2/208)
* المحكم والمحيط الأعظم : (2/310)
* مختار الصحاح : (ص 212)
* البحر الرائق شرح كنز الدقائق : (5/128)
* مغني الـمحتاج فـي شرح الـمنهاج : (4/154)
* كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم : (2/1186)
* معجم لغة الفقهاء : (ص 315)
* الموسوعة الفقهية الكويتية : (30/150)
* معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية : (2/511)
* لسان العرب : (15/69)
* المصباح المنير في غريب الشرح الكبير : (2/417) -
التَّعْرِيفُ
1 - الْعَطَاءُ - يُمَدُّ وَيُقْصَرُ - مَأْخُوذٌ مِنَ الْعَطْوِ: وَهُوَ التَّنَاوُل، يُقَال: عَطَوْتُ الشَّيْءَ أَعْطُو: تَنَاوَلْتُهُ، وَفِي الأَْثَرِ: أَرْبَى الرِّبَا عَطْوُ الرَّجُل عِرْضَ أَخِيهِ بِغَيْرِ حَقٍّ (1) أَيْ: تَنَاوُلُهُ بِالذَّمِّ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ: اسْمٌ لِمَا يُعْطَى بِهِ، وَالْجَمْعُ عَطَايَا، وَأَعْطِيَةٌ (2) . وَفِي الاِصْطِلاَحِ: اسْمٌ لِمَا يَفْرِضُهُ الإِْمَامُ فِي بَيْتِ الْمَال لِلْمُسْتَحِقِّينَ (3) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الرِّزْقُ:
2 - الرِّزْقُ: وَهُوَ بِالْكَسْرِ مَأْخُوذٌ مِنْ رَزَقَ بِالْفَتْحِ، وَهُوَ لُغَةً: مَا يُنْتَفَعُ بِهِ، وَالْجَمْعُ أَرْزَاقٌ. وَفِي الاِصْطِلاَحِ: الْعَطَاءُ، وَيَشْمَل مَا يَفْرِضُهُ الإِْمَامُ فِي بَيْتِ الْمَال لِلْمُسْتَحِقِّينَ، وَغَيْرَهُ مِنَ التَّبَرُّعَاتِ كَالْوَقْفِ وَالْهِبَةِ وَصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُدْفَعُ بِلاَ مُقَابِلٍ.
قَال الرَّاغِبُ: يُقَال لِلْعَطَاءِ الْجَارِي: رِزْقٌ، دِينِيًّا كَانَ أَمْ دُنْيَوِيًّا، وَلِلنَّصِيبِ، وَلِمَا يَصِل إِلَى الْجَوْفِ وَيُتَغَذَّى بِهِ. (4)
وَفَرَّقَ الْحَنَفِيَّةُ بَيْنَ الْعَطَاءِ وَالرِّزْقِ فَقَالُوا: الرِّزْقُ: مَا يُفْرَضُ لِلرَّجُل فِي بَيْتِ الْمَال بِقَدْرِ الْحَاجَةِ وَالْكِفَايَةِ، مُشَاهَرَةً أَوْ مُيَاوَمَةً، وَالْعَطَاءُ: مَا يُفْرَضُ لِلرَّجُل فِي كُل سَنَةٍ لاَ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ بَل بِصَبْرِهِ وَعَنَائِهِ فِي أَمْرِ الدِّينِ، وَفِي قَوْلٍ لَهُمْ: الْعَطَاءُ: مَا يُفْرَضُ لِلْمُقَاتِل، وَالرِّزْقُ: مَا يُجْعَل لِفُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِي بَيْتِ الْمَال وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مُقَاتِلِينَ (5) .
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْعَطَاءِ:
أَوَّلاً: الْعَطَاءُ مِنْ بَيْتِ الْمَال:
يُصْرَفُ الْعَطَاءُ مِنْ بَيْتِ الْمَال لأَِصْنَافٍ:
1 - عَطَاءُ الْجُنْدِ:
ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَأَبُو يَعْلَى أَنَّ الإِْثْبَاتَ فِي الدِّيوَانِ مُعْتَبَرٌ بِثَلاَثَةِ شُرُوطٍ:
3 - الأَْوَّل: الْوَصْفُ الَّذِي يَجُوزُ بِهِ الإِْثْبَاتُ فِي الدِّيوَانِ، وَيُرَاعَى فِيهِ خَمْسَةُ أَوْصَافٍ:
الْوَصْفُ الأَْوَّل: الْبُلُوغُ؛ لأَِنَّ الصَّبِيَّ مِنْ جُمْلَةِ الذَّرَارِيِّ وَالأَْتْبَاعِ فَلَمْ يَجُزْ إِثْبَاتُهُ فِي دِيوَانِ الْجَيْشِ وَيَجْرِي فِي عَطَاءِ الذَّرَارِيِّ.
الْوَصْفُ الثَّانِي: الْحُرِّيَّةُ؛ لأَِنَّ الْمَمْلُوكَ لِسَيِّدِهِ، فَكَانَ دَاخِلاً فِي عَطَائِهِ. . وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَمَا أَخَذَ بِهِ الشَّافِعِيُّ، وَظَاهِرُ كَلاَمِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ، وَذَكَرَ حَدِيثَ عُمَرَ قَال: " مَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَحَدٌ إِلاَّ وَلَهُ فِي هَذَا الْمَال نَصِيبٌ إِلاَّ عَبْدًا مَمْلُوكًا (6) .
وَأَسْقَطَ أَبُو حَنِيفَةَ اعْتِبَارَ الْحُرِّيَّةِ، وَجَوَّزَ إِفْرَادَ الْعَبِيدِ بِالْعَطَاءِ فِي دِيوَانِ الْمُقَاتِلَةِ، وَهُوَ رَأْيُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ.
الْوَصْفُ الثَّالِثُ: الإِْسْلاَمُ، لِيَدْفَعَ عَنِ الْمِلَّةِ بِاعْتِقَادِهِ، وَيُوثَقُ بِنُصْحِهِ وَاجْتِهَادِهِ، فَإِنْ أُثْبِتَ ذِمِّيٌّ لَمْ يَجُزْ، وَإِنِ ارْتَدَّ مُسْلِمٌ سَقَطَ. . وَهَذَا قِيَاسُ قَوْل أَحْمَدَ؛ لأَِنَّهُ مَنَعَ أَنْ يُسْتَعَانَ بِالْكُفَّارِ فِي الْجِهَادِ.
الْوَصْفُ الرَّابِعُ: السَّلاَمَةُ مِنَ الآْفَاتِ الْمَانِعَةِ مِنَ الْقِتَال، فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ زَمِنًا وَلاَ أَعْمَى وَلاَ أَقْطَعَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَخْرَسَ أَوْ أَصَمَّ، فَأَمَّا الأَْعْرَجُ فَإِنْ كَانَ فَارِسًا أُثْبِتَ، وَإِنْ كَانَ رَاجِلاً لَمْ يُثْبَتْ.
الْوَصْفُ الْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ فِيهِ إِقْدَامٌ عَلَى الْحَرْبِ وَمَعْرِفَةٌ بِالْقِتَال، فَإِنْ ضَعُفَتْ قُوَّتُهُ عَنِ الإِْقْدَامِ أَوْ قَلَّتْ مَعْرِفَتُهُ بِالْقِتَال لَمْ يَجُزْ إِثْبَاتُهُ؛ لأَِنَّهُ مُرْصَدٌ لِمَا هُوَ عَاجِزٌ عَنْهُ.
فَإِذَا تَكَامَلَتْ هَذِهِ الأَْوْصَافُ فِي شَخْصٍ كَانَ إِثْبَاتُهُ فِي دِيوَانِ الْجَيْشِ مَوْقُوفًا عَلَى الطَّلَبِ وَالإِْيجَابِ، الطَّلَبِ مِنْهُ إِذَا تَجَرَّدَ عَنْ كُل عَمَلٍ، وَالإِْيجَابِ مِنْ وَلِيِّ الأَْمْرِ إِذَا دَعَتِ الْحَاجَةُ.
وَإِذَا أُثْبِتَ فِي الدِّيوَانِ مَشْهُورُ الاِسْمِ نَبِيهُ الْقَدْرِ لَمْ يَحْسُنْ أَنْ يُحَلَّى فِيهِ أَوْ يُنْعَتَ، فَإِنْ كَانَ مِنَ الْمَغْمُورِينَ فِي النَّاسِ حُلِّيَ وَنُعِتَ، لِئَلاَّ تَتَّفِقَ الأَْسْمَاءُ أَوْ يُدْعَى وَقْتَ الْعَطَاءِ، وَضُمَّ إِلَى نَقِيبٍ عَلَيْهِ أَوْ عَرِيفٍ لَهُ لِيَكُونَ مَأْخُوذًا بِدَرَكِهِ (7) .
الثَّانِي: السَّبَبُ الَّذِي يُعْتَبَرُ فِي التَّرْتِيبِ:
4 - إِذَا أُثْبِتَ الْمُسْتَحِقُّونَ فِي دِيوَانِ الْجَيْشِ اعْتُبِرَ فِي تَرْتِيبِهِمْ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا عَامٌّ، وَالآْخَرُ خَاصٌّ.
فَأَمَّا الْعَامُّ: فَهُوَ تَرْتِيبُ الْقَبَائِل وَالأَْجْنَاسِ حَتَّى تَتَمَيَّزَ كُل قَبِيلَةٍ عَنْ غَيْرِهَا وَكُل جِنْسٍ عَمَّنْ خَالَفَهُ، لِتَكُونَ دَعْوَةُ الدِّيوَانِ عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ مَعْرُوفٍ بِالنَّسَبِ يَزُول بِهِ التَّنَازُعُ وَالتَّجَاذُبُ، فَإِنْ كَانُوا عَرَبًا تَرَتَّبَتْ قَبَائِلُهُمْ بِالْقُرْبَى مِنْ رَسُول اللَّهِ ﷺ كَمَا فَعَل عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ حِينَ دَوَّنَهُمْ، فَيَكُونُ بَنُو هَاشِمٍ قُطْبَ التَّرْتِيبِ، ثُمَّ مَنْ يَلِيهِمْ مِنْ أَقْرَبِ الأَْنْسَابِ إِلَيْهِمْ مِنْ قُرَيْشٍ، ثُمَّ الأَْنْصَارُ، ثُمَّ سَائِرُ الْعَرَبِ ثُمَّ الْعَجَمُ، وَإِنْ كَانُوا عَجَمًا لاَ يَجْتَمِعُونَ عَلَى نَسَبٍ فَالَّذِي يَجْمَعُهُمْ عِنْدَ فَقْدِ النَّسَبِ أَمْرَانِ: إِمَّا أَجْنَاسٌ، وَإِمَّا بِلاَدٌ، فَإِذَا تَمَيَّزُوا بِأَحَدِهِمَا وَكَانَ لَهُمْ سَابِقَةٌ فِي الإِْسْلاَمِ تَرَتَّبُوا عَلَيْهَا فِي الدِّيوَانِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ سَابِقَةٌ تَرَتَّبُوا بِالْقُرْبِ مِنْ وَلِيِّ الأَْمْرِ، فَإِنْ تَسَاوَوْا فَبِالسَّبْقِ إِلَى طَاعَتِهِ.
وَأَمَّا التَّرْتِيبُ الْخَاصُّ: فَهُوَ تَرْتِيبُ الْوَاحِدِ بَعْدَ الْوَاحِدِ، فَيُرَتَّبُ كُلٌّ مِنْهُمْ بِالسَّابِقَةِ فِي الإِْسْلاَمِ، فَإِنْ تَكَافَأُوا فَبِالدِّينِ، فَإِنْ تَقَارَبُوا فِيهِ فَبِالسِّنِّ، فَإِنْ تَقَارَبُوا فِيهِ فَبِالشَّجَاعَةِ، فَإِنْ تَقَارَبُوا فِيهَا فَوَلِيُّ الأَْمْرِ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُرَتِّبَهُمْ بِالْقُرْعَةِ أَوْ يُرَتِّبَهُمْ عَلَى رَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ. (8)
الثَّالِثُ: الْحَال الَّذِي يُقَدَّرُ بِهِ الْعَطَاءُ:
5 - تَقْدِيرُ الْعَطَاءِ لِمَنْ يُثْبَتُ فِي دِيوَانِ الْجُنْدِ مُعْتَبَرٌ بِالْكِفَايَةِ حَتَّى يُسْتَغْنَى بِهَا عَنِ الْتِمَاسِ مَادَّةٍ تَقْطَعُهُ عَنْ حِمَايَةِ الْبَيْضَةِ. وَالْكِفَايَةُ مُعْتَبَرَةٌ مِنْ ثَلاَثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: عَدَدُ مَنْ يَعُولُهُمْ مِنَ الذَّرَارِيِّ وَالزَّوْجَاتِ وَالْخَدَمِ وَغَيْرِهِمْ، فَيُزَادُ ذُو الْوَلَدِ وَالزَّوْجَاتِ مِنْ أَجْل وَلَدِهِ وَزَوْجَاتِهِ، وَيُزَادُ مَنْ لَهُ خَدَمٌ لِمَصْلَحَةِ الْحَرْبِ أَوْ لِلْخِدْمَةِ بِمَا يَلِيقُ بِمِثْلِهِ حَسْبَ مُؤْنَتِهِمْ فِي كِفَايَتِهِ. وَيُرَاعَى حَالُهُ فِي مُرُوءَتِهِ وَعَادَةِ الْبَلَدِ فِي الْمَطْعُومِ وَالْمُؤْنَةِ.
الثَّانِي: عَدَدُ مَا يَرْتَبِطُهُ مِنَ الْخَيْل وَالظَّهْرِ، فَيُزَادُ ذُو الْفَرَسِ مِنْ أَجْل فَرَسِهِ وَكَذَلِكَ ذُو الظَّهْرِ.
الثَّالِثُ: الْمَوْضِعُ الَّذِي يَحِلُّهُ فِي الْغَلاَءِ وَالرُّخْصِ؛ لأَِنَّ الْغَرَضَ الْكِفَايَةُ.
وَبِمُرَاعَاةِ هَذِهِ الأُْمُورِ الثَّلاَثَةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي بَيَانِ الْكِفَايَةِ تُقَدَّرُ النَّفَقَةُ، فَيَكُونُ مَا يُقَدَّرُ فِي عَطَائِهِ، ثُمَّ يُعْرَضُ حَالُهُ، فَإِنْ زَادَتْ رَوَاتِبُهُ الْمَاسَّةُ زِيدَ، وَإِنْ نَقَصَتْ نُقِصَ (9) .
6 - وَإِذَا اتَّفَقَ مُثْبَتُونَ فِي دِيوَانِ الْجُنْدِ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ الثَّلاَثَةِ وَتَفَاوَتُوا فِي غَيْرِهَا كَالسَّبْقِ إِلَى الإِْسْلاَمِ وَالْغَنَاءِ فِيهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْخِصَال. . فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ التَّفْضِيل بِسَبَبِ هَذَا التَّفَاوُتِ، تَبَعًا لاِخْتِلاَفِ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ:
فَقَدْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يَرَى التَّسْوِيَةَ فِي الْعَطَاءِ وَلاَ يَرَى التَّفْضِيل بِالسَّابِقَةِ، وَكَذَلِكَ كَانَ رَأْيُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي خِلاَفَتِهِ، وَبِهِ أَخَذَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَصَرَّحَ الشَّيْخُ زَكَرِيَّا الأَْنْصَارِيُّ بِأَنَّهُ لاَ يُزَادُ أَحَدٌ مِنْهُمْ - أَيْ مِنَ الْمُرْتَزِقَةِ - لِنَسَبٍ عَرِيقٍ أَوْ سَبْقِ الإِْسْلاَمِ وَالْهِجْرَةِ وَسَائِرِ الْخِصَال الْمَرْضِيَّةِ وَإِنِ اتَّسَعَ الْمَال، بَل يَسْتَوُونَ كَالإِْرْثِ وَالْغَنِيمَةِ؛ لأَِنَّهُمْ يُعْطَوْنَ بِسَبَبِ تَرَصُّدِهِمْ لِلْجِهَادِ وَكُلُّهُمْ مُتَرَصِّدُونَ لَهُ.
وَكَانَ رَأْيُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ التَّفْضِيل بِالسَّابِقَةِ فِي الإِْسْلاَمِ، وَكَذَلِكَ كَانَ رَأْيُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بَعْدَهُ، وَبِهِ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ (10) .
وَقَدْ نَاظَرَ عُمَرُ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - حِينَ سَوَّى بَيْنَ النَّاسِ فَقَال: أَتُسَوِّي بَيْنَ مَنْ هَاجَرَ الْهِجْرَتَيْنِ وَصَلَّى إِلَى الْقِبْلَتَيْنِ، وَبَيْنَ مَنْ أَسْلَمَ عَامَ الْفَتْحِ خَوْفَ السَّيْفِ؟ فَقَال لَهُ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا عَمِلُوا لِلَّهِ، وَإِنَّمَا أُجُورُهُمْ عَلَى اللَّهِ، وَإِنَّمَا الدُّنْيَا دَارُ بَلاَغٍ لِلرَّاكِبِ، فَقَال لَهُ عُمَرُ: لاَ أَجْعَل مَنْ قَاتَل رَسُول اللَّهِ ﷺ كَمَنْ قَاتَل مَعَهُ
وَلَمَّا وَضَعَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ الدِّيوَانَ فَضَّل بِالسَّابِقَةِ، فَفَرَضَ لِكُل وَاحِدٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الأَْوَّلِينَ خَمْسَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ فِي كُل سَنَةٍ (11) ، وَلِنَفْسِهِ مَعَهُمْ، وَأَلْحَقَ بِهِمُ الْعَبَّاسَ وَالْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ لِمَكَانِهِمْ مِنْ رَسُول اللَّهِ ﷺ وَفَرَضَ لِكُل مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الأَْنْصَارِ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ، وَلَمْ يُفَضِّل عَلَى أَهْل بَدْرٍ أَحَدًا إِلاَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ ﷺ وَفَرَضَ لِمَنْ هَاجَرَ قَبْل الْفَتْحِ ثَلاَثَةَ آلاَفٍ، وَلِمَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْفَتْحِ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ، وَفَرَضَ لِغِلْمَانٍ أَحْدَاثٍ مِنْ أَبْنَاءِ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَْنْصَارِ كَفَرَائِضِ مُسْلِمِي الْفَتْحِ.
وَفَرَضَ لِعُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَخْزُومِيِّ أَرْبَعَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ؛ لأَِنَّ أُمَّهُ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ ﷺ فَلَمَّا قَال لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ: لِمَ تُفَضِّل عُمَرَ عَلَيْنَا وَقَدْ هَاجَرَ آبَاؤُنَا وَشَهِدُوا بَدْرًا؟ قَال: أُفَضِّلُهُ لِمَكَانِهِ مِنْ رَسُول اللَّهِ ﷺ فَلْيَأْتِ الَّذِي يَسْتَعْتِبُ بِأُمٍّ مِثْل أُمِّ سَلَمَةَ أَعْتِبُهُ. وَفَرَضَ عُمَرُ ﵁ لأُِسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ﵄ أَرْبَعَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ، فَقَال لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ﵄: فَرَضْتَ لِي ثَلاَثَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ وَفَرَضْتَ لأُِسَامَةَ أَرْبَعَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ وَقَدْ شَهِدْتُ مَا لَمْ يَشْهَدْ أُسَامَةُ، فَقَال عُمَرُ: زِدْتُهُ لأَِنَّهُ كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُول اللَّهِ ﷺ مِنْكَ، وَكَانَ أَبُوهُ أَحَبَّ إِلَى رَسُول اللَّهِ ﷺ مِنْ أَبِيكَ.
ثُمَّ فَرَضَ لِلنَّاسِ عَلَى مَنَازِلِهِمْ وَقِرَاءَتِهِمْ لِلْقُرْآنِ وَجِهَادِهِمْ، وَفَرَضَ لأَِهْل الْيَمَنِ وَقَيْسٍ بِالشَّامِ وَالْعِرَاقِ لِكُل رَجُلٍ مِنْ أَلْفَيْنِ إِلَى أَلْفٍ إِلَى خَمْسِمِائَةٍ إِلَى ثَلاَثِمِائَةٍ (12) .
الزِّيَادَةُ عَلَى الْكِفَايَةِ:
7 - إِذَا قُدِّرَ رِزْقُ مَنْ أُثْبِتَ فِي الدِّيوَانِ بِالْكِفَايَةِ هَل يَجُوزُ أَنْ يُزَادَ عَلَيْهَا؟
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ:
فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى جَوَازِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْكِفَايَةِ إِذَا اتَّسَعَ الْمَال لَهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلاَمِ أَحْمَدَ؛ لأَِنَّهُ قَال فِي رِوَايَةِ أَبِي النَّضْرِ الْعِجْلِيِّ: وَالْفَيْءُ بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ، فَقَدْ جَعَل لِلْغَنِيِّ حَقًّا فِي الزِّيَادَةِ، وَالْغَنِيُّ إِنَّمَا يَكُونُ فِيمَا فَضَل عَنْ حَاجَتِهِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الْكِفَايَةِ لاَ تَجُوزُ وَإِنِ اتَّسَعَ الْمَال؛ لأَِنَّ أَمْوَال بَيْتِ الْمَال لاَ تُوضَعُ إِلاَّ فِي الْحُقُوقِ اللاَّزِمَةِ (13)
وَقْتُ الْعَطَاءِ:
8 - وَيَكُونُ وَقْتُ الْعَطَاءِ لِلْمُثْبَتِينَ فِي دِيوَانِ الْجُنْدِ مَعْلُومًا يَتَوَقَّعُهُ الْجَيْشُ عِنْدَ الاِسْتِحْقَاقِ، وَهُوَ مُعْتَبَرٌ بِالْوَقْتِ الَّذِي تُسْتَوْفَى فِيهِ حُقُوقُ بَيْتِ الْمَال، فَإِنْ كَانَتْ تُسْتَوْفَى فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ مِنَ السَّنَةِ جُعِل الْعَطَاءُ فِي رَأْسِ كُل سَنَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ تُسْتَوْفَى فِي وَقْتَيْنِ جُعِل الْعَطَاءُ فِي كُل سَنَةٍ مَرَّتَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ تُسْتَوْفَى فِي كُل شَهْرٍ جُعِل الْعَطَاءُ فِي رَأْسِ كُل شَهْرٍ، لِيَكُونَ الْمَال مَصْرُوفًا إِلَى الْمُسْتَحِقِّينَ عِنْدَ حُصُولِهِ فَلاَ يُحْبَسُ عَنْهُمْ إِذَا اجْتَمَعَ وَلاَ يُطَالِبُونَ بِهِ إِذَا تَأَخَّرَ.
وَإِذَا تَأَخَّرَ الْعَطَاءُ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِهِ وَكَانَ حَاصِلاً فِي بَيْتِ الْمَال كَانَ لِلْمُسْتَحِقِّينَ الْمُطَالَبَةُ بِهِ كَالدُّيُونِ الْمُسْتَحَقَّةِ.
وَإِنْ أَعْوَزَ بَيْتُ الْمَال لِعَوَارِضَ أَبْطَلَتْ حُقُوقَهُ أَوْ أَخَّرَتْهَا كَانَتْ أَرْزَاقُهُمْ دَيْنًا عَلَى بَيْتِ الْمَال وَلَيْسَ لَهُمْ مُطَالَبَةُ وَلِيِّ الأَْمْرِ بِهِ كَمَا لَيْسَ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ مُطَالَبَةُ مَنْ أَعْسَرَ بِدَيْنِهِ (14) . مَا يَدْخُل فِي الْعَطَاءِ وَمَا لاَ يَدْخُل:
9 - إِذَا نَفَقَتْ دَابَّةُ أَحَدِ الْمُثْبَتِينَ فِي دِيوَانِ الْجُنْدِ فِي حَرْبٍ عُوِّضَ عَنْهَا، وَإِنْ نَفَقَتْ فِي غَيْرِ حَرْبٍ لَمْ يُعَوَّضْ.
وَإِذَا اسْتَهْلَكَ سِلاَحَهُ فِيهَا عُوِّضَ عَنْهُ إِنْ لَمْ يَدْخُل فِي تَقْدِيرِ عَطَائِهِ، وَلَمْ يُعَوَّضْ إِنْ دَخَل فِيهِ.
وَإِذَا جُرِّدَ لِسَفَرٍ أُعْطِيَ نَفَقَةَ سَفَرِهِ إِنْ لَمْ تَدْخُل فِي تَقْدِيرِ عَطَائِهِ، وَلَمْ يُعْطَ إِنْ دَخَلَتْ فِيهِ (15)
إِرْثُ الْعَطَاءِ:
10 - إِذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلْعَطَاءِ مِنْ دِيوَانِ الْجُنْدِ أَوْ قُتِل كَانَ مَا اسْتَحَقَّهُ مِنْ عَطَاءٍ مَوْرُوثًا عَنْهُ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ دَيْنٌ لِوَرَثَتِهِ فِي بَيْتِ الْمَال.
وَفَصَّل الشَّيْخُ زَكَرِيَّا الأَْنْصَارِيُّ الْقَوْل فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَال: وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ - أَيِ الْمُسْتَحِقِّينَ - بَعْدَ جَمْعِ الْمَال وَتَمَامِ الْحَوْل - إِنْ كَانَ الصَّرْفُ مُسَانَهَةً، وَفِي مَعْنَاهُ الشَّهْرُ إِنْ كَانَ مُشَاهَرَةً - فَنَصِيبُهُ لِوَارِثِهِ؛ لأَِنَّهُ حَقٌّ لاَزِمٌ لَهُ فَيَنْتَقِل لِوَارِثِهِ كَالدَّيْنِ وَلاَ يَسْقُطُ بِالإِْعْرَاضِ عَنْهُ كَالإِْرْثِ، وَمَنْ مَاتَ قَبْل تَمَامِ الْحَوْل وَبَعْدَ الْجَمْعِ لِلْمَال فَقِسْطُهُ لِوَارِثِهِ كَالأُْجْرَةِ فِي الإِْجَارَةِ، وَمَنْ مَاتَ بَعْدَ تَمَامِ الْحَوْل وَقَبْل جَمْعِ الْمَال فَلاَ شَيْءَ لِوَارِثِهِ إِذِ الْحَقُّ إِنَّمَا يَثْبُتُ بِجَمْعِ الْمَال، وَلاَ شَيْءَ لِلْوَارِثِ بِالأَْوْلَى إِذَا مَاتَ مُوَرِّثُهُ الْمُثْبَتُ فِي الدِّيوَانِ قَبْل تَمَامِ الْحَوْل وَقَبْل الْجَمْعِ.
وَمَنْ مَاتَ مِنَ الْمُرْتَزِقَةِ دُفِعَ إِلَى زَوْجَتِهِ وَأَوْلاَدِهِ الصِّغَارِ قَدْرُ كِفَايَتِهِمْ حَتَّى تَنْكِحَ الزَّوْجَةُ وَيَسْتَقِل الأَْوْلاَدُ بِالْكَسْبِ (16)
2 - عَطَاءُ ذَوِي الْحَاجَةِ:
11 - يَفْرِضُ الإِْمَامُ كَذَلِكَ لِلأَْيْتَامِ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيل وَكُل مَنْ شَمَلَتْهُمْ آيَةُ: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْل الْقُرَى} (17) فَيَفْرِضُ لَهُمْ عَطَاءً وُجُوبًا فِي بَيْتِ الْمَال قَدْرَ كِفَايَتِهِمْ
3 - عَطَاءُ الْقَائِمِينَ بِالْمَصَالِحِ وَالْوَظَائِفِ الْعَامَّةِ:
12 - كُل مَنْ كَانَ عَمَلُهُ مَصْلَحَةً عَامَّةً لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ: قَاضٍ، وَمُفْتٍ، وَعَالِمٍ، وَمُعَلِّمِ قُرْآنٍ أَوْ عِلْمٍ شَرْعِيٍّ، وَمُؤَذِّنٍ، وَإِمَامٍ يُفْرَضُ لَهُمُ الْعَطَاءُ فِي بَيْتِ الْمَال؛ لِئَلاَّ يَتَعَطَّل مَنْ ذُكِرَ بِالاِكْتِسَابِ عَنِ الاِشْتِغَال بِهَذِهِ الأَْعْمَال وَالْعُلُومِ وَعَنْ تَنْفِيذِ الأَْحْكَامِ، وَعَنِ التَّعْلِيمِ وَالتَّعَلُّمِ فَيُرْزَقُونَ لِيَتَفَرَّغُوا لِذَلِكَ.
وَقَدْرُ الْمُعْطَى إِلَى رَأْيِ الإِْمَامِ بِالْمَصْلَحَةِ، وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ ضِيقِ الْمَال وَسَعَتِهِ (18) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (بَيْت الْمَال ف 12، 13) .
ثَانِيًا: الْعَطَاءُ الْمُنَجَّزُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ:
13 - الْعَطَاءُ الْمُنَجَّزُ كَالْهِبَةِ الْمَقْبُوضَةِ، وَالصَّدَقَةِ، وَالْوَقْفِ، وَالإِْبْرَاءِ مِنَ الدَّيْنِ، وَالْعَفْوِ عَنِ الْجِنَايَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْمَال، إِذَا كَانَتْ فِي الصِّحَّةِ فَهِيَ مِنْ رَأْسِ الْمَال، أَمَّا إِذَا كَانَ الْعَطَاءُ فِي الْمَرَضِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَهُوَ مِنَ الثُّلُثِ فِي قَوْل جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (19) لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: إِنَّ اللَّهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ عِنْدَ وَفَاتِكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ زِيَادَةً لَكُمْ فِي أَعْمَالِكُمْ (20) وَالْحَدِيثُ يَدُل بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَكْثَرُ مِنَ الثُّلُثِ؛ وَلأَِنَّ هَذِهِ الْحَال الظَّاهِرُ مِنْهَا الْمَوْتُ، فَكَانَ عَطِيَّةً فِي مَرَضِ الْمَوْتِ فِي حَقِّ وَرَثَتِهِ لاَ تَتَجَاوَزُ الثُّلُثَ كَالْوَصِيَّةِ (21) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (وَصِيَّة) .
14 - وَحُكْمُ الْعَطَايَا فِي مَرَضِ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ حُكْمُ الْوَصِيَّةِ فِي خَمْسَةِ أَشْيَاءَ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ يَقِفُ نُفُوذُهَا عَلَى خُرُوجِهَا مِنَ الثُّلُثِ، وَإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ.
الثَّانِي: أَنَّهَا لاَ تَصِحُّ لِوَارِثٍ إِلاَّ بِإِجَازَةِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ.
الثَّالِثُ: أَنَّ فَضِيلَتَهَا نَاقِصَةٌ عَنْ فَضِيلَةِ الصَّدَقَةِ فِي الصِّحَّةِ؛ لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ سُئِل عَنْ أَفْضَل الصَّدَقَةِ فَقَال: أَنْ تَصَّدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَأْمُل الْغِنَى وَتَخْشَى الْفَقْرَ، وَلاَ تُمْهِل حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ قُلْتَ: لِفُلاَنٍ كَذَا، وَلِفُلاَنٍ كَذَا، وَقَدْ كَانَ لِفُلاَنٍ. (22)
الرَّابِعُ: أَنَّهُ يُزَاحِمُ بِهَا الْوَصَايَا فِي الثُّلُثِ.
الْخَامِسُ: أَنَّ خُرُوجَهَا مِنَ الثُّلُثِ مُعْتَبَرٌ حَال الْمَوْتِ، لاَ قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ. وَيُفَارِقُ الْوَصِيَّةَ فِي أَشْيَاءَ:
أَحَدُهَا: أَنَّهَا لاَزِمَةٌ فِي حَقِّ الْمُعْطِي فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا وَإِنْ كَثُرَتْ؛ لأَِنَّ الْمَنْعَ عَنِ الزِّيَادَةِ مِنَ الثُّلُثِ إِنَّمَا كَانَ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ لاَ لِحَقِّهِ، فَلَمْ يَمْلِكْ إِجَازَتَهَا وَلاَ رَدَّهَا، وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي الْوَصِيَّةِ؛ لأَِنَّ التَّبَرُّعَ مَشْرُوطٌ بِالْمَوْتِ فَفِيمَا بَعْدَ الْمَوْتِ لَمْ يُوجَدِ التَّبَرُّعُ وَلاَ الْعَطِيَّةُ، بِخِلاَفِ الْعَطِيَّةِ فِي الْمَرَضِ فَإِنَّهُ قَدْ وُجِدَتِ الْعَطِيَّةُ مِنْهُ وَالْقَبُول وَالْقَبْضُ مِنَ الْمُعْطَى فَلَزِمَتْ كَالْوَصِيَّةِ إِذَا قُبِلَتْ بَعْدَ الْمَوْتِ.
الثَّانِي: أَنَّ قَبُولَهَا عَلَى الْفَوْرِ فِي حَال حَيَاةِ الْمُعْطِي، وَكَذَلِكَ رَدُّهَا، وَالْوَصَايَا لاَ حُكْمَ لِقَبُولِهَا وَلاَ رَدِّهَا إِلاَّ بَعْدَ الْمَوْتِ؛ لِمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ الْعَطِيَّةَ تَصَرُّفٌ فِي الْحَال، فَيُعْتَبَرُ شُرُوطُهُ وَقْتَ وُجُودِهِ، وَالْوَصِيَّةُ تَبَرُّعٌ بَعْدَ الْمَوْتِ فَيُعْتَبَرُ شُرُوطُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ.
الثَّالِثُ: أَنَّ الْعَطِيَّةَ تَفْتَقِرُ إِلَى شُرُوطِهَا الْمَشْرُوطَةِ لَهَا فِي الصِّحَّةِ: مِنَ الْعِلْمِ، وَكَوْنِهَا لاَ يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا عَلَى شَرْطٍ وَغَرَرٍ فِي غَيْرِ الْعِتْقِ، وَالْوَصِيَّةُ بِخِلاَفِهِ.
الرَّابِعُ: أَنَّهَا تُقَدَّمُ عَلَى الْوَصِيَّةِ، وَهَذَا قَوْل أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَبِهِ قَال أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَزُفَرُ إِلاَّ فِي الْعِتْقِ، فَإِنَّهُ حُكِيَ عَنْهُمْ تَقْدِيمُهُ؛ لأَِنَّ الْعِتْقَ يَتَعَلَّقُبِهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَيَسْرِي وَقْفُهُ، وَيَنْفُذُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ فَيَجِبُ تَقْدِيمُهُ، وَلِلْجُمْهُورِ أَنَّ الْعَطِيَّةَ لاَزِمَةٌ فِي حَقِّ الْمَرِيضِ فَقُدِّمَتْ عَلَى الْوَصِيَّةِ كَعَطِيَّةِ الصِّحَّةِ، وَكَمَا لَوْ تَسَاوَى الْحَقَّانِ (23) .
الْخَامِسُ: أَنَّ الْوَاهِبَ إِذَا مَاتَ قَبْل الْقَبْضِ لِلْهِبَةِ الْمُنَجَّزَةِ كَانَتِ الْخِيَرَةُ لِلْوَرَثَةِ إِنْ شَاءُوا قَبَضُوا وَإِنْ شَاءُوا مَنَعُوا، وَالْوَصِيَّةُ تَلْزَمُ بِالْقَبُول بَعْدَ الْمَوْتِ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ (24) .
أَمَّا مَا لَزِمَ الْمَرِيضَ فِي مَرَضِهِ مِنْ حَقٍّ لاَ يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ وَإِسْقَاطُهُ كَأَرْشِ الْجِنَايَةِ وَمَا عَاوَضَ بِثَمَنِ الْمِثْل، وَمَا يُتَغَابَنُ بِهِ زِيَادَةً مِنَ الثُّلُثِ فَهُوَ مِنْ صُلْبِ الْمَال، وَكَذَا إِنْ تَزَوَّجَ بِمَهْرِ الْمِثْل يُحْسَبُ مِنْ صُلْبِ الْمَال؛ لأَِنَّهُ صَرَفَ مَالَهُ فِي حَاجَةٍ فِي نَفْسِهِ فَيُقَدَّمُ بِذَلِكَ عَلَى وَارِثِهِ، وَإِنِ اشْتَرَى أَطْعِمَةً لاَ يَأْكُل مِنْهَا مِثْلُهُ جَازَ وَصَحَّ شِرَاؤُهُ؛ لأَِنَّهُ صَرَفَهُ فِي حَاجَتِهِ (25) .
16 - وَيُعْتَبَرُ فِي الْمَرِيضِ الَّذِي هَذِهِ أَحْكَامُهُ فِي الْعَطَاءِ شَرْطَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَتَّصِل بِمَرَضِهِ الْمَوْتُ، وَلَوْ شُفِيَ مِنْ مَرَضِهِ الَّذِي أَعْطَى فِيهِ ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ فَحُكْمُ عَطِيَّتِهِ حُكْمُ عَطِيَّةِ الصَّحِيحِ؛ لأَِنَّهُ لَيْسَ بِمَرَضِ الْمَوْتِ.
الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَخُوفًا، وَهُوَ مَا لاَ تَمْتَدُّ مَعَهُ الْحَيَاةُ عَادَةً فِي الأَْغْلَبِ الأَْعَمِّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَخُوفًا كَالصُّدَاعِ الْيَسِيرِ وَنَحْوِهِ فَحُكْمُ صَاحِبِهِ حُكْمُ الصَّحِيحِ؛ لأَِنَّهُ لاَ يُخَافُ مِنْهُ عَادَةً، وَإِنْ شَكَكْنَا فِي كَوْنِهِ مَخُوفًا لَمْ يَثْبُتْ إِلاَّ بِشَهَادَةِ طَبِيبَيْنِ عَدْلَيْنِ، أَمَّا الأَْمْرَاضُ الْمُمْتَدَّةُ كَالْجُذَامِ وَالسُّل فَإِنْ أَضْنَى صَاحِبَهُ عَلَى فِرَاشِهِ فَهِيَ مَخُوفَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبَ فِرَاشٍ بَل كَانَ يَذْهَبُ وَيَجِيءُ فَعَطَايَاهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَال، وَبِهِ يَقُول الْحَنَابِلَةُ وَالْحَنَفِيَّةُ، وَمَالِكٌ وَالأَْوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ قَالُوا: لأَِنَّهَا أَمْرَاضٌ مُزْمِنَةٌ لاَ قَاتِلَةٌ، وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّهُ لاَ يُخَافُ مِنْهُ الْمَوْتُ فَتُحْسَبُ عَطِيَّتُهُ مِنْ صُلْبِ الْمَال (26)
ثَالِثًا: عَطَاءُ الأَْوْلاَدِ:
17 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلأَْصْل وَإِنْ عَلاَ الْعَدْل فِيمَا يُعْطِيهِ أَوْلاَدَهُ، سَوَاءٌ كَانَتْ تِلْكَ الْعَطِيَّةُ هِبَةً أَمْ هَدِيَّةً أَمْ صَدَقَةً أَمْ وَقْفًا أَمْ تَبَرُّعًا آخَرَ (27) لِحَدِيثِ: { اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ (1)
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (تَسْوِيَة ف 11 وَ 12) .
__________
(1) حديث: " أربى الربا عطو الرجل عرض. . . ". أخرجه أبو داود (5 / 193) من حديث سعيد بن زيد بلفظ " إن من أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق " وذكره المنذري في الترغيب (3 / 340) وقال: رواه أحمد والبزار ورواة أحمد ثقات.
(2) لسان العرب، متن اللغة، المصباح المنير.
(3) ابن عابدين 5 / 411.
(4) لسان العرب، ابن عابدين 3 / 281.
(5) ابن عابدين 5 / 411.
(6) أثر عمر: " ما من المسلمين أحد إلا وله. . . ". أخرجه أحمد (1 / 42) ، وصحح إسناده أحمد شاكر في تحقيقه للمسند (1 / 281) .
(7) الأحكام السلطانية للماوردي ص203، 204، الأحكام السلطانية لأبي يعلى 240، 241، نهاية المحتاج 6 / 139، المغني 6 / 418.
(8) الأحكام السلطانية للماوردي 204 / 205، الأحكام السلطانية لأبي يعلى 241 - 242، المغني 6 / 417، نهاية المحتاج 6 / 139.
(9) الأحكام السلطانية للماوردي 205، الأحكام السلطانية لأبي يعلى 242، أسنى المطالب 3 / 89، المغني 6 / 417.
(10) أسنى المطالب 3 / 90، المغني 6 / 417 - 418، الأحكام السلطانية للماوردي 201، الأحكام السلطانية لأبي يعلى 238.
(11) أثر عمر: " أنه فرض للبدريين خمسة آلاف. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري 7 / 323) عن إسماعيل عن قيس قال: كان عطاء البدريين خمسة آلاف، خمسة آلاف وقال عمر: لأفضلنهم على من بعدهم.
(12) الأحكام السلطانية للماوردي 201 - 202، الأحكام السلطانية لأبي يعلى 238 - 239.
(13) الأحكام السلطانية للماوردي 205، الأحكام السلطانية لأبي يعلى 243.
(14) الأحكام السلطانية للماوردي 206، الأحكام السلطانية لأبي يعلى 243.
(15) الأحكام السلطانية للماوردي 206، الأحكام السلطانية لأبي يعلى 243.
(16) الأحكام السلطانية للماوردي 206، الأحكام السلطانية لأبي يعلى 243، أسنى المطالب 3 / 91، المغني 6 / 418.
(17) سورة الحشر / 7.
(18) ابن عابدين 3 / 281، مغني المحتاج 3 / 93، نهاية المحتاج 6 / 139، المغني 6 / 418.
(19) حاشية ابن عابدين 2 / 521، القليوبي على المحلى 3 / 162، المغني لابن قدامة 6 / 71 وما بعده.
(20) حديث: " إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم. . " أخرجه ابن ماجه (2 / 904) من حديث أبي هريرة، وأشار ابن حجر أن له طرقًا كلها ضعيفة لكن قد يقوى بعضها بعضًا. كما في بلوغ المرام (399) .
(21) ابن عابدين 2 / 521، القليوبي 3 / 162، والمغني 6 / 71 وما بعده.
(22) حديث: " أن تصدق وأنت صحيح شحيح. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري 5 / 373) ، ومسلم (2 / 716) من حديث أبي هريرة واللفظ لمسلم.
(23) ابن عابدين 5 / 435 وما بعده، شرح فتح القدير 9 / 389 وما بعده، القليوبي 3 / 162، المغني 6 / 71، 72.
(24) المصادر السابقة، وابن عابدين 5 / 435، القليوبي 3 / 162.
(25) المصادر السابقة، وابن عابدين 5 / 435، المغني 6 / 83 - 94.
(26) ابن عابدين 5 / 423، المغني 6 / 84.
(27) ابن عابدين 3 / 422، نهاية المحتاج 5 / 415، القليوبي على المحلي 3 / 112.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 150/ 30