الحكم
كلمة (الحَكَم) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فَعَل) كـ (بَطَل) وهي من...
هبة شيء كدار مدة حياة الموهوب له، أو الواهب، بشرط الاسترداد بعد موت الموهوب له . ومن أمثلته أن يقول الواهب للموهوب : "ملكتكَ داري مدة حياتك، فإن متَّ، فهي لي، أو لأولادك ." ومن شواهده الحديث الشريف : "الْعُمْرَى جَائِزَةٌ ." مسلم :1625.
هبة شيء مدة حياة الموهوب له، أو الواهب، بشرط الاسترداد بعد موت الموهوب له.
التَّعْرِيفُ:
1 - الْعُمْرَى لُغَةً: بِضَمِّ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَأَلِفٍ مَقْصُورَةٍ: مَا تَجْعَلُهُ لِلرَّجُل طُول عُمُرِكَ أَوْ عُمُرِهِ، وَقَال ثَعْلَبٌ: الْعُمْرَى: أَنْ يَدْفَعَ الرَّجُل إِلَى أَخِيهِ دَارًا فَيَقُول: هَذِهِ لَكَ عُمُرَكَ أَوْ عُمُرِي أَيُّنَا مَاتَ دُفِعَتِ الدَّارُ إِلَى أَهْلِهِ (1) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: عَرَّفَهَا الْحَنَفِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهَا جَعْل الْمَالِكِ شَيْئًا يَمْلِكُهُ لِشَخْصٍ آخَرَ عُمُرَ أَحَدِهِمَا (2) .
وَعَرَّفَهَا الْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ: بِأَنَّهَا جَعْل الْمَالِكِ شَيْئًا يَمْلِكُهُ لِشَخْصٍ آخَرَ عُمُرَ هَذَا الشَّخْصِ (3)
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الإِْعَارَةُ:
2 - الإِْعَارَةُ تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ مُؤَقَّتَةٍ بِلاَ عِوَضٍ (4) .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْعُمْرَى مُقَيَّدَةٌ بِالْعُمُرِ
ب - الْعَرِيَّةُ:
3 - أَنْ يَهَبَ لَهُ ثَمَرَ نَخْلَةٍ أَوْ ثَمَرَ شَجَرَةٍ دُونَ أَصْلِهَا
(5) فَالْعَرِيَّةُ تَنْفَرِدُ بِأَنَّهَا بِثَمَرٍ، وَأَمَّا الْعُمْرَى فَهِيَ بِثَمَرٍ وَبِغَيْرِهِ مُدَّةَ الْعُمُرِ.
ج - الْمِنْحَةُ:
4 - الْمِنْحَةُ أَنْ يُعْطِيَهُ شَاةً أَوْ بَقَرَةً أَوْ نَاقَةً يَحْلُبُهَا فِي أَيَّامِ اللَّبَنِ ثُمَّ تَعُودُ إِلَى رَبِّهَا
(6) فَالْمِنْحَةُ خَاصَّةٌ بِلَبَنِ شَاةٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَوْ نَاقَةٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعُمْرَى.
د - الرُّقْبَى:
5 - الرُّقْبَى فِي اللُّغَةِ مِنَ الْمُرَاقَبَةِ، يُقَال أَرْقَبْتُ زَيْدًا الدَّارَ إِرْقَابًا، وَالاِسْمُ الرُّقْبَى؛ لأَِنَّ كُل وَاحِدٍ مِنْ طَرَفَيْهَا يَرْقُبُ مَوْتَ صَاحِبِهِ لِتَبْقَى لَهُ.
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ هِيَ أَنْ يَقُول الشَّخْصُ أَرْقَبْتُكَ الدَّارَ مَثَلاً أَوْ هِيَ لَكَ رُقْبَى مُدَّةَ حَيَاتِكَ عَلَى أَنَّكَ إِنْ مِتَّ قَبْلِي عَادَتْ إِلَيَّ وَإِنْ مِتُّ قَبْلَكَ فَهِيَ لَكَ وَلِعَقِبِكَ. وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: هِيَ أَنْ يَقُول الرَّجُل لِلآْخَرِ إِنْ مِتَّ قَبْلِي فَدَارُكَ لِي وَإِنْ مِتُّ قَبْلَكَ فَدَارِي لَكَ (7)
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
6 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجُمْلَةِ إِلَى جَوَازِ الْعُمْرَى لِقَوْلِهِ ﷺ: مِنْ أَعْمَرَ عُمْرَى فَهِيَ لِلَّذِي أَعْمَرَهَا حَيًّا وَمَيِّتًا وَلِعَقِبِهِ (8) وَلِقَوْلِهِ ﷺ: الْعُمْرَى جَائِزٌ لأَِهْلِهَا. (9)
وَالْعُمْرَى نَوْعٌ مِنَ الْهِبَةِ يَفْتَقِرُ إِلَى مَا يَفْتَقِرُ إِلَيْهِ سَائِرُ الْهِبَاتِ مِنَ الإِْيجَابِ وَالْقَبُول وَالْقَبْضِ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ ذَلِكَ (10) .
7 - وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي كَوْنِ الْعُمْرَى تَمْلِيكَ عَيْنٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ.
فَقَال الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِنَّهَا تَمْلِيكُ عَيْنٍ فِي الْحَال، وَتُنْقَل إِلَى الْمُعْمَرِ (11) لِمَا رَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ﵄ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: أَمْسِكُوا عَلَيْكُمْ أَمْوَالَكُمْ، وَلاَ تُفْسِدُوهَا، فَإِنَّهُ مَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى فَهِيَ لِلَّذِي أَعْمَرَهَا حَيًّا وَمَيِّتًا وَلِعَقِبِهِ (12) وَفِي لَفْظٍ: قَضَى النَّبِيُّ ﷺ بِالْعُمْرَى أَنَّهَا لِمَنْ وُهِبَتْ لَهُ. (13)
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَاللَّيْثُ: إِنَّهُ لَيْسَ لِلْمُعْمَرِ فِيهَا إِلاَّ الْمَنْفَعَةُ فَإِذَا مَاتَ عَادَتْ إِلَى الْمُعْمِرِ، لِمَا رَوَى يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ قَال: سَمِعْتُ مَكْحُولاً يَسْأَل الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَنِ الْعُمْرَى مَا يَقُول النَّاسُ فِيهَا؟ فَقَال الْقَاسِمُ: مَا أَدْرَكْتُ النَّاسَ إِلاَّ عَلَى شُرُوطِهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ وَمَا أَعْطَوْا.
وَقَال إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَرْبِيُّ عَنِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ: لَمْ يَخْتَلِفِ الْعَرَبُ فِي الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى وَالْمِنْحَةِ وَنَحْوِهَا أَنَّهَا عَلَى مِلْكِ أَرْبَابِهَا وَمَنَافِعُهَا لِمَنْ جُعِلَتْ لَهُ،؛ وَلأَِنَّ التَّمْلِيكَ لاَ يَتَأَقَّتُ كَمَا لَوْ بَاعَهُ إِلَى مُدَّةٍ فَإِذَا كَانَ لاَ يَتَأَقَّتُ حُمِل قَوْلُهُ عَلَى تَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ؛ لأَِنَّهُ يَصْلُحُ تَوْقِيتُهُ (14) . وَفَصَّل الشَّافِعِيَّةُ، فَقَالُوا: لِلْعُمْرَى ثَلاَثَةُ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: إِذَا قَال الرَّجُل: أَعَمَرْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ فَإِذَا مِتُّ فَهِيَ لِوَرَثَتِكَ أَوْ لِعَقِبِكَ فَيَصِحُّ وَهِيَ الْهِبَةُ بِعَيْنِهَا، فَإِذَا مَاتَ فَالدَّارُ لِوَرَثَتِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فَلِبَيْتِ الْمَال، وَلاَ تَعُودُ إِلَى الْوَاهِبِ بِحَالٍ.
الثَّانِي: يَقْتَصِرُ عَلَى قَوْلِهِ: جَعَلْتُهَا لَكَ عُمُرَكَ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَا سِوَاهُ فَفِيهِ قَوْلاَنِ: أَظْهَرُهُمَا وَهُوَ الْجَدِيدُ: أَنَّهُ يَصِحُّ وَلَهُ حُكْمُ الْهِبَةِ، وَفِي الْقَدِيمِ: أَنَّهُ بَاطِلٌ.
الثَّالِثُ: أَنْ يَقُول جَعَلْتُهَا لَكَ عُمُرَكَ فَإِذَا مِتَّ عَادَتْ إِلَيَّ أَوْ إِلَى وَرَثَتِي إِنْ كُنْتُ مِتُّ، فَالأَْصَحُّ أَنَّ ذَلِكَ هِبَةُ إِلْغَاءٍ لِلشَّرْطِ الْفَاسِدِ، وَمُقَابِل الأَْصَحِّ بُطْلاَنُ الْعَقْدِ لِفَسَادِ الشَّرْطِ (15) .
وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ حَتَّى قَال الْبُهُوتِيُّ: فَتَصِحُّ الْهِبَةُ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ وَهِيَ أَمْثِلَةُ الْعُمْرَى، وَتَكُونُ الْعَيْنُ الْمَوْهُوبَةُ لِلْمُعْمَرِ وَلِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ إِنْ كَانُوا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَرَثَةٌ فَلِبَيْتِ الْمَال كَسَائِرِ الأَْمْوَال الْمُتَخَلِّفَةِ (16) .
__________
(1) لسان العرب، ومختار الصحاح، والمغرب في ترتيب المعرب، والمفردات في غريب القرآن.
(2) التعريفات، بدائع الصنائع 6 / 116، والمغني 5 / 686، وكشاف القناع 4 / 307.
(3) الشرح الصغير 4 / 160، والقوانين الفقهية ص245، وجواهر الإكليل 2 / 157، وروضة الطالبين 5 / 370، والإقناع 2 / 34.
(4) التعريفات وحاشية ابن عابدين 4 / 502، وشرح الزرقاني 7 / 102، والشرح الصغير 3 / 570.
(5) القوانين الفقهية ص245، والمغني 5 / 687.
(6) القوانين الفقهية ص245، والمغني 5 / 687.
(7) المصباح المنير، والهداية 3 / 222، والتعريفات ص111، والقوانين الفقهية ص245، ونهاية المحتاج 5 / 410، والمغني 6 / 686.
(8) حديث: " من أعمر عمري. . . ". أخرجه مسلم (3 / 1246 - 1247) من حديث جابر.
(9) حديث: " العمري جائزة لأهلها ". أخرجه الترمذي (3 / 623) من حديث سمرة. وأخرجه البخاري (فتح الباري 5 / 238) ومسلم (3 / 1248) بلفظ " العمري جائزة " ولمسلم " العمري ميراث لأهلها ".
(10) الاختيار 3 / 53 والبدائع 6 / 116، والقوانين الفقهية ص245، والشرح الصغير 4 / 160، والإقناع 2 / 34، ومغني المحتاج 3 / 309، والمغني 5 / 687، ونيل الأوطار 6 / 118.
(11) تبيين الحقائق 5 / 93، والبدائع 6 / 116، وبداية المجتهد 2 / 361 ط. مكتبة الكليات الأزهرية، ونهاية المحتاج 5 / 407، وروضة الطالبين 5 / 370، والمغني لابن قدامة 5 / 687 - 688.
(12) حديث: " أمسكوا عليكم أموالكم ". أخرجه مسلم (3 / 1246 - 1247) .
(13) حديث: " قضى النبي ﷺ بالعمري ". أخرجه البخاري (فتح الباري 5 / 238) ومسلم (3 / 1246) من حديث جابر، واللفظ للبخاري.
(14) مواهب الجليل 6 / 61، وجواهر الإكليل 2 / 34، وبداية المجتهد 2 / 361، والمغني 5 / 687.
(15) روضة الطالبين للنووي 5 / 370، ونهاية المحتاج 5 / 407.
(16) كشاف القناع 4 / 307.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 311/ 30