المجيد
كلمة (المجيد) في اللغة صيغة مبالغة من المجد، ومعناه لغةً: كرم...
الوقت الذي يخلو من الالتزامات، والأعمال التي يجب القيام بها . ومن شواهده قوله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : "نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ؛ الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ ." البخاري :6412
الوقت الذي يخلو من الالتزامات، والأعمال التي يجب القيام بها.
التَّعْرِيفُ:
1 - الْفَرَاغُ فِي اللُّغَةِ: الْخَلاَءُ، وَالْخُلُوُّ، يُقَال: فَرَغَ الْمَكَانُ يَفْرَغُ فَرَغًا، وَفَرَغَ يَفْرُغُ فُرُوغًا: إِذَا خَلاَ، وَالاِسْمُ الْفَرَاغُ (1) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ الْفِقْهِيِّ عَرَّفَهُ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ: النُّزُول عَنْ حَقٍّ مُجَرَّدٍ كَالْوَظِيفَةِ بِعِوَضٍ أَوْ بِدُونِهِ (2) .
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْفَرَاغِ:
2 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي صِحَّةِ الْفَرَاغِ - وَهُوَ أَنْ يَتَنَازَل صَاحِبُ وَظِيفَةٍ عَنْ وَظِيفَتِهِ لِغَيْرِهِ بِعِوَضٍ أَوْ بِدُونِهِ - فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى عَدَمِ صِحَّةِ الْفَرَاغِ، وَأَنَّهُ لاَ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ آثَارٌ شَرْعِيَّةٌ، وَعَلَيْهِ إِذَا عَزَل صَاحِبُ الْوَظِيفَةِ نَفْسَهُ وَفَرَغَ لِغَيْرِهِ عَنْ وَظِيفَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، فَإِنْ كَانَ الْمَنْزُول لَهُ غَيْرَ أَهْلٍ فَلاَ يَجُوزُ لِلْقَاضِي تَقْرِيرُهُ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ أَهْلاً لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ تَقْرِيرُهُ، وَلَهُ تَقْرِيرُ غَيْرِهِ فِيهَا؛ لأَِنَّ مُجَرَّدَ الْفَرَاغِ سَبَبٌ ضَعِيفٌ فَلاَ يُثْبِتُ لِلْمَفْرُوغِ لَهُ حَقًّا، إِلاَّ إِذَا انْضَمَّ إِلَيْهِ تَقْرِيرُ نَاظِرِ الْوَقْفِ، أَوِ الْقَاضِي، جَاءَ فِي تُحْفَةِ الْمُحْتَاجِ: وَلَوْ مَاتَ ذُو وَظِيفَةٍ، فَقَرَّرَ النَّاظِرُ آخَرَ، فَبَانَ أَنَّهُ نَزَل عَنْهَا لآِخَرَ، لَمْ يَقْدَحْ ذَلِكَ فِي التَّقْرِيرِ لأَِنَّ مُجَرَّدَ النُّزُول سَبَبٌ ضَعِيفٌ إِذْ لاَ بُدَّ مِنَ انْضِمَامِ تَقْرِيرِ النَّاظِرِ إِلَيْهِ، وَلَمْ يُوجَدْ فَقُدِّمَ الْمُقَرَّرُ، وَجَاءَ فِي حَاشِيَةِ ابْنِ عَابِدِينَ: وَقَدْ جَرَى الْعُرْفُ فِي مِصْرَ بِالْفَرَاغِ عَنِ الْوَظِيفَةِ بِالدَّرَاهِمِ، وَلاَ يَخْفَى مَا فِيهِ، وَيَنْبَغِي الإِْبْرَاءُ الْعَامُّ بَعْدَهُ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ ذَلِكَ، وَنَقَل ابْنُ نُجَيْمٍ عَنِ الْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ أَنَّهُ قَال لِتَعْلِيل عَدَمِ الْجَوَازِ: إِنَّهُ حَقٌّ مُجَرَّدٌ، لاَ يَجُوزُ الاِعْتِيَاضُ عَنْهُ، فَلاَ طَرِيقَ لِجَوَازِهِ (3) .
وَلأَِنَّ الْحُقُوقَ الْمُجَرَّدَةَ لاَ تَحْتَمِل التَّمْلِيكَ، وَلاَ يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْهَا، وَإِتْلاَفُهَا لاَ يُوجِبُ الضَّمَانَ، وَعَلَى هَذَا لاَ يَجُوزُ الاِعْتِيَاضُ عَنِ الْوَظَائِفِ الْعَامَّةِ مِنْ إِمَامَةٍ وَخَطَابَةٍ، وَأَذَانٍ، وَفِرَاشَةٍ وَبِوَابَةٍ، وَعَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ؛ لأَِنَّ بَيْعَ الْحَقِّ الْمُجَرَّدِ لاَ يَجُوزُ، وَسُئِل صَاحِبُ الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ عَمَّا إِذَا قَرَّرَ السُّلْطَانُ رَجُلاً فِي وَظِيفَةٍ كَانَتْ لِرَجُلٍ فَرَغَ لِغَيْرِهِ عَنْهَا بِمَالٍ، أَجَابَ بِأَنَّهَا لِمَنْ قَرَّرَهُ السُّلْطَانُ، لاَ لِلْمَفْرُوغِ لَهُ، إِذِ الْفَرَاغُ لاَ يَمْنَعُ التَّقْرِيرَ سَوَاءٌ قُلْنَا بِصِحَّةِ الْمُتَنَازَعِ فِيهَا أَوْ بِعَدَمِهَا الْمُوَافِقِ لِلْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ كَمَا حَرَّرَهُ الْعَلاَّمَةُ الْمَقْدِسِيُّ وَأَفْتَى فِي الْخَيْرِيَّةِ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ فَرَغَ عَنِ الْوَظِيفَةِ بِمَالٍ فَلِلْمَفْرُوغِ لَهُ الرُّجُوعُ بِالْمَال لأَِنَّهُ اعْتِيَاضٌ عَنْ حَقٍّ مُجَرَّدٍ وَهُوَ لاَ يَجُوزُ، وَقَال: صَرَّحُوا بِهِ قَاطِبَةً، وَمَنْ أَفْتَى عَلَى خِلاَفِهِ فَقَدْ أَفْتَى بِخِلاَفِ الْمَذْهَبِ، لِبِنَائِهِ عَلَى اعْتِبَارِ الْعُرْفِ الْخَاصِّ، وَهُوَ خِلاَفُ الْمَذْهَبِ.
وَلَكِنْ أَفْتَى كَثِيرٌ بِاعْتِبَارِهِ وَعَلَيْهِ فَيُفْتَى بِجَوَازِ النُّزُول عَنِ الْوَظَائِفِ بِمَالٍ، وَقَال الْعَلاَّمَةُ الْعَيْنِيُّ فِي فَتَاوِيهِ: لَيْسَ لِلنُّزُول شَيْءٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّ الْعُلَمَاءَ وَالْحُكَّامَ مَشَوْا عَلَى ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ، وَاشْتَرَطُوا إِمْضَاءَ النَّاظِرِ لِئَلاَّ يَقَعَ فِيهِ نِزَاعٌ (4) .
وَمَا يُقَال فِي الْفَرَاغِ عَنِ الْوَظِيفَةِ، يُقَال مِثْلُهُ فِي الْفَرَاغِ عَنْ حَقِّ التَّصَرُّفِ فِي مِشَدِّ مَسْكَةِ الأَْرَاضِيِ - وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ كِرَابِ الأَْرْضِ، وَكَرْيِ أَنْهَارِهَا - سُمِّيَتْ مَسْكَةً، لأَِنَّ صَاحِبَهَا صَارَ لَهُ مَسْكَةٌ بِهَا بِحَيْثُ لاَ تُنْزَعُ مِنْ يَدِهِ بِسَبَبِهَا، وَتُسَمَّى أَيْضًا مِشَدَّ مَسْكَةٍ، لأَِنَّ الْمِشَدَّ مِنَ الشِّدَّةِ بِمَعْنَى الْقُوَّةِ، أَيْ قُوَّةُ التَّمَسُّكِ، وَكَذَا فِي فَرَاغِ الزَّعِيمِ عَنْ تَيْمَارِهِ، ثُمَّ إذَا فَرَغَ عَنْهُ لِغَيْرِهِ، وَلَمْ يُوَجِّهْهُ السُّلْطَانُ لِلْمَفْرُوغِ لَهُ، بَل أَبْقَاهُ عَلَى الْفَارِغِ، أَوْ وَجَّهَهُ لِغَيْرِهِمَا يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ الرُّجُوعُ لِلْمَفْرُوغِ لَهُ عَلَى الْفَارِغِ بِبَدَل الْفَرَاغِ؛ لأَِنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِدَفْعِهِ إِلاَّ بِمُقَابَلَةِ ثُبُوتِ ذَلِكَ الْحَقِّ لَهُ، لاَ بِمُجَرَّدِ الْفَرَاغِ، وَإِنْ حَصَل لِغَيْرِهِ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَبِهَذَا أَفْتَى فِي الإِْسْمَاعِيلِيَّةِ، وَالْحَامِدِيَّةِ، وَغَيْرِهِمَا، خِلاَفًا لِمَا أَفْتَى بَعْضُهُمْ مِنْ عَدَمِ الرُّجُوعِ، لأَِنَّ الْفَارِغَ فَعَل مَا فِي وُسْعِهِ وَقُدْرَتِهِ، إِذْ لاَ يَخْفَى أَنَّهُ غَيْرُ الْمَقْصُودِ مِنَ الطَّرَفَيْنِ، وَلاَ سِيَّمَا إِذَا أَبْقَى السُّلْطَانُ أَوِ الْقَاضِي التَّيْمَارَ أَوِ الْوَظِيفَةَ عَلَى الْفَارِغِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ اجْتِمَاعُ الْعِوَضَيْنِ فِي تَصَرُّفِهِ، وَهُوَ خِلاَفُ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ (5) .
__________
(1) المصباح المنير، ولسان العرب.
(2) ابن عابدين 3 / 386.
(3) ابن عابدين بتصرف 3 / 386، والفتاوى الخيرية 1 / 152، وتحفة المحتاج 6 / 261.
(4) حاشية ابن عابدين 3 / 386، 4 / 14 البحر الرائق 5 / 254 الفتاوى الخيرية 1 / 159.
(5) ابن عابدين 4 / 14 - 15.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 82/ 32
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".