البر
البِرُّ في اللغة معناه الإحسان، و(البَرُّ) صفةٌ منه، وهو اسمٌ من...
ظهور ثبوت الحق للغير، واستحقاقه إياه . مثل رجوع المشتري على البائع بثمن ما اشتراه إذا تبين له أنه باعه ما لا يملك، وأن المبيع من استحقاق الغير .
على وزنِ "اسْتِفْعال" مِنَ الحَقِّ، ومَعناهُ: ثُبوتُ الشَّيءِ ووُجوبُهُ، والحَقُّ: الثّابِتُ الواجِبُ، ونَقِيْضُ: الباطِلِ، يُقال: حَقَّ الأَمْرُ، يَحِقُّ، ويَحُقُّ، حَقًّا: إِذا ثَبَتَ ووَجَبَ، واسْتَحَقَّ الشَّيءَ: اسْتَوْجَبَهُ وثَبَتَ له، واسْتَحَقَّهُ أيضًا: طَلَبَ مِنْهُ حَقَّهُ.
يَرِد مُصْطلَح (اِسْتِحْقاق) في مواطِنَ كثيرةٍ من الفقه، منها: كتاب الزَّكاة، باب: مصارف الزكاةِ، وفي كتاب البيوع، عند الكلام عن العُقود والمعاملات مِن بَيْعٍ وإِجارةٍ وشُفْعَةٍ، وغيرِ ذلك مِن الأبواب. ويَرِد في كتاب المواريثِ، وكتاب القضاءِ، عند الكلام عن طرُقِ الإِثْباتِ. ويَسْتَعْمِلُهُ النُّحاةُ أيضًا في باب: اللامات، عند الكلام عن مَعاني الحُروف.
حقق
ظهور ثبوت الحق للغير، واستحقاقه إياه.
* تهذيب اللغة : (1/414)
* المحكم والمحيط الأعظم : (2/272)
* البناية شرح الهداية : (8/305)
* حاشية ابن عابدين : (5/191)
* الكافي لابن عبدالبر : (2/882)
* الموسوعة الفقهية الكويتية : (3/219)
* التوقيف على مهمات التعاريف : (ص 47)
* معجم لغة الفقهاء : (ص 59)
* القاموس الفقهي : (ص 94) -
1 - الاِسْتِحْقَاقُ لُغَةً: إِمَّا ثُبُوتُ الْحَقِّ وَوُجُوبُهُ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا} (1) أَيْ: وَجَبَتْ عَلَيْهِمَا عُقُوبَةٌ، وَإِمَّا بِمَعْنَى طَلَبِ الْحَقِّ (2) .
وَاصْطِلاَحًا عَرَّفَهُ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ: ظُهُورُ كَوْنِ الشَّيْءِ حَقًّا وَاجِبًا لِلْغَيْرِ (3) . وَعَرَّفَهُ ابْنُ عَرَفَةَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ بِأَنَّهُ: رَفْعُ مِلْكِ شَيْءٍ بِثُبُوتِ مِلْكٍ قَبْلَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ (4) .
وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ يَسْتَعْمِلُونَهُ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ. وَلَمْ نَقِفْ لِلشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ عَلَى تَعْرِيفٍ لِلاِسْتِحْقَاقِ، وَلَكِنْ بِاسْتِقْرَاءِ كَلاَمِهِمْ وُجِدَ أَنَّهُمْ يَسْتَعْمِلُونَهُ بِالْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيِّ، وَلاَ يَخْرُجُونَ فِيهِ عَنِ الاِسْتِعْمَال اللُّغَوِيِّ (5) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
التَّمَلُّكُ:
2 - التَّمَلُّكُ ثُبُوتُ مِلْكِيَّةٍ جَدِيدَةٍ، إِمَّا بِانْتِقَالِهَا مِنْ مَالِكٍ إِلَى مَالِكٍ جَدِيدٍ، أَوْ بِالاِسْتِيلاَءِ عَلَى مُبَاحٍ، وَالاِسْتِحْقَاقُ إِخْرَاجُ الْمُسْتَحَقِّ مِنْ غَيْرِ الْمَالِكِ إِلَى الْمَالِكِ، فَالاِسْتِحْقَاقُ يَخْتَلِفُ عَنِ التَّمَلُّكِ؛ لأَِنَّ التَّمَلُّكَ يَحْتَاجُ إِلَى إِذْنِ الْمَالِكِ وَرِضَاهُ، أَوْ حُكْمِ حَاكِمٍ فِي خُرُوجِ الْمِلْكِيَّةِ، بِخِلاَفِ الاِسْتِحْقَاقِ فَإِنَّ الْمُسْتَحَقَّ يَعُودُ لِمَالِكِهِ وَلَوْ دُونَ رِضَا الْمُسْتَحَقِّ مِنْهُ.
حُكْمُ الاِسْتِحْقَاقِ:
3 - الأَْصْل فِي الاِسْتِحْقَاقِ (بِمَعْنَى الطَّلَبِ) الْجَوَازُ، وَقَدْ يَصِيرُ وَاجِبًا إِذَا تَيَسَّرَتْ أَسْبَابُهُ وَتَرَتَّبَ عَلَى عَدَمِ الْقِيَامِ بِهِ الْوُقُوعُ فِي الْحَرَامِ، نَصَّ عَلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ، وَقَوَاعِدُ الْمَذَاهِبِ الأُْخْرَى لاَ تَأْبَى ذَلِكَ (6) . إِثْبَاتُ الاِسْتِحْقَاقِ:
4 - يَثْبُتُ الاِسْتِحْقَاقُ بِالْبَيِّنَةِ عِنْدَ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ، وَالْبَيِّنَةُ تَخْتَلِفُ مِنْ حَقٍّ لآِخَرَ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ فِي الْحَقِّ الْوَاحِدِ. كَذَلِكَ يَثْبُتُ بِإِقْرَارِ الْمُشْتَرِي لِلْمُسْتَحِقِّ، أَوْ بِنُكُولِهِ عَنْ يَمِينِ نَفْيِ الْعِلْمِ بِالاِسْتِحْقَاقِ (7) .
هَذَا فِي الْجُمْلَةِ، وَتَفْصِيل ذَلِكَ يَذْكُرُهُ الْفُقَهَاءُ فِي الْبَيِّنَاتِ.
مَا يَظْهَرُ بِهِ الاِسْتِحْقَاقُ:
5 - ذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ سَبَبَ الاِسْتِحْقَاقِ (بِمَعْنَى ثُبُوتِ الْحَقِّ) قِيَامُ الْبَيِّنَةِ عَلَى عَيْنِ الشَّيْءِ الْمُسْتَحَقِّ أَنَّهُ مِلْكٌ لِلْمُدَّعِي، لاَ يَعْلَمُونَ خُرُوجَهُ، وَلاَ خُرُوجَ شَيْءٍ مِنْهُ عَنْ مِلْكِهِ حَتَّى الآْنِ، وَبَقِيَّةُ الْفُقَهَاءِ لاَ يُخَالِفُونَ فِي ذَلِكَ، فَالْبَيِّنَةُ سَبَبُ إِظْهَارِ الْوَاجِبِ لِغَيْرِ حَائِزِهِ، وَلاَ بُدَّ مِنْ إِقَامَتِهَا حَتَّى يَظْهَرَ الاِسْتِحْقَاقُ؛ لأَِنَّ الثُّبُوتَ كَانَ بِسَبَبٍ سَابِقٍ عَلَى الشَّهَادَةِ (8) .
وَأَمَّا سَبَبُ ادِّعَاءِ الْعَيْنِ الْمُسْتَحَقَّةِ فَهُوَ سَبَبُ تَمَلُّكِ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ مِنْ إِرْثٍ، أَوْ شِرَاءٍ، أَوْ وَصِيَّةٍ، أَوْ وَقْفٍ، أَوْ هِبَةٍ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِيَّةِ. وَهَل يُشْتَرَطُ فِي دَعْوَى الاِسْتِحْقَاقِ بَيَانُ سَبَبِهِ وَشُرُوطِهِ فِي كُل الدَّعَاوَى؟ أَمْ فِي بَعْضِهَا كَالْمَال وَالنِّكَاحِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؟ لِلْفُقَهَاءِ خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ. مَوْضِعُ اسْتِيفَائِهِ مُصْطَلَحُ (دَعْوى (3)) . مَوَانِعُ الاِسْتِحْقَاقِ:
6 - مَوَانِعُ الاِسْتِحْقَاقِ، كَمَا صَرَّحَ بِهَا الْمَالِكِيَّةُ نَوْعَانِ: فِعْلٌ، وَسُكُوتٌ.
فَالْفِعْل: مِثْل أَنْ يَشْتَرِيَ مَا ادَّعَاهُ مِنْ عِنْدِ حَائِزِهِ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ - يَشْهَدُهَا سِرًّا - قَبْل الشِّرَاءِ بِأَنِّي إِنَّمَا اشْتَرَيْتُهُ خَوْفَ أَنْ يَغِيبَ عَلَيَّ، فَإِذَا أَثْبَتَهُ رَجَعْتُ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ. وَلَوِ اشْتَرَاهُ وَهُوَ يَرَى أَنْ لاَ بَيِّنَةَ لَهُ، ثُمَّ وَجَدَ بَيِّنَةً، فَلَهُ الْمُطَالَبَةُ.
وَأَمَّا السُّكُوتُ: فَمِثْل أَنْ يَتْرُكَ الْمُطَالَبَةَ مِنْ غَيْرِ مَانِعٍ أَمَدِ الْحِيَازَةِ (9) .
وَبَقِيَّةُ الْفُقَهَاءِ لَمْ يُصَرِّحُوا بِذِكْرِ مَوَانِعِ الاِسْتِحْقَاقِ إِلاَّ أَنَّ قَوَاعِدَهُمْ لاَ تَأْبَى الْمَانِعَ الأَْوَّل (10) . وَهُوَ الْفِعْل، أَمَّا السُّكُوتُ مُدَّةَ أَمَدِ الْحِيَازَةِ وَكَوْنُهُ يُبْطِل الاِسْتِحْقَاقَ، فَلَمْ نَقِفْ عَلَى مَنْ صَرَّحَ بِهِ غَيْرُهُمْ سِوَى الْحَنَفِيَّةِ، عَلَى تَفْصِيلٍ عِنْدَهُمْ فِي مُدَّتِهِ، وَفِي الْحُقُوقِ الَّتِي تَسْقُطُ بِهِ وَاَلَّتِي لاَ تَسْقُطُ، وَيَتَعَرَّضُونَ لِذَلِكَ فِي بَابِ الدَّعْوَى (11) .
شُرُوطُ الْحُكْمِ بِالاِسْتِحْقَاقِ:
7 - عَدَّدَ الْمَالِكِيَّةُ لِلْحُكْمِ بِالاِسْتِحْقَاقِ ثَلاَثَةَ شُرُوطٍ، شَارَكَهُمْ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ فِي اثْنَيْنِ مِنْهَا:
الشَّرْطُ الأَْوَّل: الإِْعْذَارُ إِلَى الْحَائِزِ لِقَطْعِ حُجَّتِهِ، فَإِنِ ادَّعَى الْحَائِزُ مَا يَدْفَعُ بِهِ الدَّعْوَى أَجَّلَهُ الْقَاضِي بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ لِلإِْثْبَاتِ. وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ بِهَذَا الشَّرْطِ، وَأَشَارَ إِلَيْهِ غَيْرُهُمْ فِي الْبَيِّنَاتِ (12) .
الشَّرْطُ الثَّانِي: يَمِينُ الاِسْتِبْرَاءِ (وَتُسَمَّى أَيْضًا يَمِينَ الاِسْتِظْهَارِ) ، وَلِلْمَالِكِيَّةِ فِي لُزُومِهَا ثَلاَثَةُ آرَاءٍ أَشْهَرُهَا: أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْهَا فِي جَمِيعِ الأَْشْيَاءِ، قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ سَحْنُونٍ، وَهُوَ قَوْل أَبِي يُوسُفَ، وَالْمُفْتَى بِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ. وَكَيْفِيَّةُ الْحَلِفِ كَمَا فِي الْحَطَّابِ وَجَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَغَيْرِهِمَا: أَنْ يَحْلِفَ الْمُسْتَحِقُّ بِاَللَّهِ أَنَّهُ مَا بَاعَهُ، وَلاَ وَهَبَهُ، وَلاَ فَوَّتَهُ، وَلاَ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ حَتَّى الآْنِ (13) .
وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ الَّذِي تَفَرَّدَ الْمَالِكِيَّةُ بِالْقَوْل بِهِ هُوَ: الشَّهَادَةُ عَلَى الْعَيْنِ الْمُسْتَحَقَّةِ إِنْ أَمْكَنَ، وَهُوَ فِي الْمَنْقُول، وَإِلاَّ فَعَلَى الْحِيَازَةِ، وَهُوَ فِي الْعَقَارِ، وَكَيْفِيَّتُهَا أَنْ يَبْعَثَ الْقَاضِي عَدْلَيْنِ، وَقِيل: أَوْ عَدْلاً مَعَ الشُّهُودِ الَّذِينَ شَهِدُوا بِالْمِلْكِيَّةِ، فَإِنْ كَانَتْ دَارًا قَالُوا لَهُمَا مَثَلاً: هَذِهِ الدَّارُ هِيَ الَّتِي شَهِدْنَا فِيهَا عِنْدَ الْقَاضِي الشَّهَادَةَ الْمُقَيَّدَةَ أَعْلاَهُ (14) .
الاِسْتِحْقَاقُ فِي الْبَيْعِ
عِلْمُ الْمُشْتَرِي بِاسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ:
8 - يَحْرُمُ شِرَاءُ الشَّيْءِ الْمُسْتَحَقِّ عِنْدَ الْعِلْمِ بِالاِسْتِحْقَاقِ، فَإِنْ حَصَل الْبَيْعُ مَعَ عِلْمِ الْمُشْتَرِي بِالاِسْتِحْقَاقِ، فَلِلْمُشْتَرِي الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ عِنْدَ الاِسْتِحْقَاقِ إِذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ، فَإِنْ ثَبَتَ بِإِقْرَارِ الْمُشْتَرِي أَوْ نُكُولِهِ عَنِ الْيَمِينِ بِالاِسْتِحْقَاقِ، فَإِنَّهُ لاَ يَرْجِعُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَهُوَ خِلاَفُ الْمَشْهُورِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ. وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ يَرْجِعُ (15) . وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلٌ يَرِدُ فِيمَا يَأْتِي.
اسْتِحْقَاقُ الْمَبِيعِ كُلِّهِ.
9 - إِذَا اسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ كُلُّهُ فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْبَيْعَ يَبْطُل، وَهُوَ قَوْل الْحَنَفِيَّةِ إِنْ كَانَ الاِسْتِحْقَاقُ مُبْطِلاً لِلْمِلْكِ، وَهُوَ الاِسْتِحْقَاقُ الَّذِي يَرِدُ عَلَى مَحَلٍّ لاَ يَقْبَل التَّمَلُّكَ. وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ فُرُوعِ مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ. فَإِنْ كَانَ الاِسْتِحْقَاقُ نَاقِلاً لِلْمِلْكِيَّةِ - وَهُوَ الَّذِي يَرِدُ عَلَى مَحَلٍّ قَابِلٍ لِلتَّمَلُّكِ - كَانَ الْعَقْدُ مَوْقُوفًا عَلَى إِجَازَةِ الْمُسْتَحِقِّ، فَإِنْ أَجَازَهُ نَفَذَ، وَإِنْ لَمْ يُجِزْهُ انْفَسَخَ، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَلَهُمْ فِي وَقْتِ الاِنْفِسَاخِ بِالاِسْتِحْقَاقِ ثَلاَثَةُ أَقْوَالٍ، الصَّحِيحُ مِنْهَا: أَنَّهُ لاَ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ مَا لَمْ يَرْجِعِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ، وَقِيل: يَنْفَسِخُ بِنَفْسِ الْقَضَاءِ، وَقِيل: إِذَا قَبَضَهُ الْمُسْتَحِقُّ (16) .
الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ:
10 - عِنْدَ الْفَسْخِ يَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ فِي رُجُوعِ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ وَعَدَمِهِ إِذَا بَطَل الْبَيْعُ بِالاِسْتِحْقَاقِ، وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ رَأْيَانِ:
الأَْوَّل: أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ أَثَبَتَ الاِسْتِحْقَاقُ بِالْبَيِّنَةِ أَمْ بِالإِْقْرَارِ أَمْ بِالنُّكُول، وَهُوَ قَوْل الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ أَيْضًا قَوْل الْحَنَفِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ إِنْ ثَبَتَ الاِسْتِحْقَاقُ بِالْبَيِّنَةِ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ لَمْ يَعْلَمِ الْمُشْتَرِي بِصِحَّةِ مِلْكِ الْبَائِعِ وَلاَ عَدَمِهِ يَرْجِعُ. وَكَذَلِكَ إِنْ عَلِمَ عَدَمَ مِلْكِ الْبَائِعِ عَلَى الْمَشْهُورِ نَظَرًا لِسَبْقِ ظُلْمِ الْبَائِعِ، لِبَيْعِهِ مَا لَيْسَ فِي مِلْكِهِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِالْحَمْل عَلَيْهِ (17) .
الثَّانِي: أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لاَ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ إِنْ أَقَرَّ الْمُشْتَرِي بِاسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ، أَوْ نَكَل عَنِ الْيَمِينِ، وَهُوَ قَوْل الْحَنَفِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَقَدْ عَلَّل الشَّافِعِيَّةُ ذَلِكَ بِتَقْصِيرِ الْمُشْتَرِي بِاعْتِرَافِهِ بِالاِسْتِحْقَاقِ مَعَ الشِّرَاءِ، أَوْ بِنُكُولِهِ.
وَهُوَ قَوْل ابْنِ الْقَاسِمِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، إِنْ أَقَرَّ الْمُشْتَرِي أَنَّ جَمِيعَ الْمَبِيعِ لِلْبَائِعِ، وَقَال أَشْهَبُ وَغَيْرُهُ: لاَ يَمْنَعُ إِقْرَارُهُ مِنَ الرُّجُوعِ (18) .
اسْتِحْقَاقُ بَعْضِ الْمَبِيعِ:
11 - يَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ كَذَلِكَ إِنْ حَصَل الاِسْتِحْقَاقُ فِي الْبَعْضِ دُونَ الْكُل حَسَبَ الأَْقْوَال التَّالِيَةِ:
أ - بُطْلاَنُ الْبَيْعِ فِي الْجَمِيعِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَبِيعُ قِيَمِيًّا أَمْ مِثْلِيًّا، وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَقَوْلٌ لِلشَّافِعِيَّةِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الأُْمِّ؛ لأَِنَّ الصَّفْقَةَ جَمَعَتْ شَيْئَيْنِ: حَرَامًا وَهُوَ الْمُسْتَحَقُّ، وَحَلاَلاً وَهُوَ الْبَاقِي، فَبَطَل بَيْعُ الْجَمِيعِ
وَهُوَ أَيْضًا قَوْل الْمَالِكِيَّةِ إِنِ اسْتَحَقَّ الأَْكْثَرَ (19) .
ب - تَخْيِيرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ رَدِّ الْمَبِيعِ بِالْفَسْخِ، وَبَيْنَ التَّمَسُّكِ بِالْبَاقِي وَالرُّجُوعِ بِحِصَّةِ الْقَدْرِ الْمُسْتَحَقِّ وَالثَّمَنِ. وَهُوَ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لِلْحَنَابِلَةِ.
وَالتَّخْيِيرُ أَيْضًا هُوَ قَوْل الْحَنَفِيَّةِ لَوِ اسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ قَبْل قَبْضِهِ، سَوَاءٌ أَوْرَثَ الاِسْتِحْقَاقُ فِي الْبَاقِي عَيْبًا أَمْ لاَ؛ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ قَبْل التَّمَامِ، وَكَذَا لَوِ اسْتُحِقَّ الْبَعْضُ بَعْدَ الْقَبْضِ وَأَوْرَثَ فِي الْبَاقِي عَيْبًا (20) .
ج - بُطْلاَنُ الْبَيْعِ فِي الْقَدْرِ الْمُسْتَحَقِّ وَصِحَّتُهُ فِي الْبَاقِي، وَهُوَ الْقَوْل الآْخَرُ لِلشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ أَيْضًا قَوْل الْحَنَفِيَّةِ إِنِ اسْتُحِقَّ الْبَعْضُ بَعْدَ قَبْضِ الْكُل، وَلَمْ يُحْدِثِ الاِسْتِحْقَاقُ عَيْبًا فِي الْبَاقِي، كَثَوْبَيْنِ اسْتُحِقَّ أَحَدُهُمَا، أَوْ كَيْلِيٍّ أَوْ وَزْنِيٍّ اسْتُحِقَّ بَعْضُهُ، وَكَذَا كُل مَا لاَ يَضُرُّ تَبْعِيضُهُ (21) .
وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَقَدْ فَرَّقُوا بَيْنَ الاِسْتِحْقَاقِ فِي الشَّائِعِ وَغَيْرِهِ، وَكَوْنِ الْمُسْتَحَقِّ الثُّلُثَ أَوْ أَقَل مِنَ الثُّلُثِ.
قَال الْبُنَانِيُّ: حَاصِل اسْتِحْقَاقِ الْبَعْضِ أَنْ تَقُول: لاَ يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ شَائِعًا أَوْ مُعَيَّنًا
فَإِنْ كَانَ شَائِعًا مِمَّا لاَ يَنْقَسِمُ، وَلَيْسَ مِنْ رُبَاعِ الْغَلَّةِ - أَيِ الْعَقَارَاتِ الْمُسْتَغَلَّةِ - خُيِّرَ الْمُشْتَرِي فِي التَّمَسُّكِ وَالرُّجُوعِ بِحِصَّةِ الْمُسْتَحَقِّ مِنَ الثَّمَنِ، وَفِي رَدِّهِ لِضَرَرِ الشَّرِكَةِ، سَوَاءٌ اسْتَحَقَّ الأَْقَل أَوِ الأَْكْثَرَ.
وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَنْقَسِمُ، أَوْ كَانَ مُتَّخِذًا لِغَلَّةٍ خُيِّرَ فِي اسْتِحْقَاقِ الثُّلُثِ، وَوَجَبَ التَّمَسُّكُ فِيمَا دُونَ الثُّلُثِ.
وَإِنِ اسْتُحِقَّ جُزْءٌ مُعَيَّنٌ، فَإِنْ كَانَ مُقَوَّمًا كَالْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ رَجَعَ بِحِصَّةِ الْبَعْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْقِيمَةِ لاَ بِالتَّسْمِيَةِ. وَإِنِ اسْتُحِقَّ وَجْهُ الصَّفْقَةِ تَعَيَّنَ رَدُّ الْبَاقِي، وَلاَ يَجُوزُ التَّمَسُّكُ بِالأَْقَل.
وَإِنْ كَانَ الْجُزْءُ الْمُعَيَّنُ مِثْلِيًّا، فَإِنِ اسْتَحَقَّ الأَْقَل رَجَعَ بِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ، وَإِنِ اسْتَحَقَّ الأَْكْثَرَ خُيِّرَ فِي التَّمَسُّكِ وَالرُّجُوعِ بِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ، وَفِي الرَّدِّ (22) .
12 - وَكَيْفِيَّةِ الرُّجُوعِ هِيَ: أَنْ يَنْظُرَ لِقِيمَةِ الْمَبِيعِ كُلِّهِ يَوْمَ اسْتِحْقَاقِهِ، فَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِمَا يَخُصُّهُ مِنَ الثَّمَنِ بِمِيزَانِ الْقِيمَةِ. مَثَلاً إِذَا قِيل: قِيمَةُ الْمَبِيعِ كُلِّهِ (1000) وَقِيمَةُ الْمُسْتَحَقِّ (200) وَقِيمَةُ الْبَاقِي (800) فَيَكُونُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِخُمُسِ الثَّمَنِ (23) .
اسْتِحْقَاقُ الثَّمَنِ:
13 - أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ - خِلاَفًا لِرِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - عَلَى بُطْلاَنِ الْبَيْعِ إِنِ اسْتُحِقَّ الثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ. قَال الْحَنَفِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ: يَرْجِعُ الْبَائِعُ بِعَيْنِ الْمَبِيعِ إِنْ كَانَ قَائِمًا، وَبِقِيمَتِهِ إِنْ كَانَ تَالِفًا، وَلاَ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْمُسْتَحَقِّ. غَيْرَ أَنَّ بَعْضَ الشَّافِعِيَّةِ قَيَّدَ التَّعْيِينَ بِكَوْنِهِ فِي الْعَقْدِ لاَ بَعْدَهُ.
فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فَلاَ يَفْسُدُ الْعَقْدُ بِاسْتِحْقَاقِهِ، وَيَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ إِنْ كَانَ مُقَوَّمًا، وَبِمِثْلِهِ إِنْ كَانَ مِثْلِيًّا، مَعَ مُلاَحَظَةِ خِلاَفِ الْفُقَهَاءِ فِيمَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ وَمَا لاَ يَتَعَيَّنُ بِهِ. (24)
زِيَادَةُ الْمَبِيعِ الْمُسْتَحَقِّ:
14 - زِيَادَةُ الْمَبِيعِ الْمُسْتَحَقِّ مَحَل خِلاَفٍ وَتَفْصِيلٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي:
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَتِ الزِّيَادَةُ مُنْفَصِلَةً مُتَوَلِّدَةً - كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرِ - وَثَبَتَ الاِسْتِحْقَاقُ بِالْبَيِّنَةِ فَهِيَ لِلْمُسْتَحِقِّ. وَاخْتُلِفَ هَل يَجِبُ الْقَضَاءُ بِالزِّيَادَةِ مَقْصُودًا أَوْ يُكْتَفَى بِالْقَضَاءِ بِالأَْصْل؟ عَلَى رَأْيَيْنِ.
أَمَّا إِذَا كَانَتِ الزِّيَادَةُ مُتَّصِلَةً غَيْرَ مُتَوَلِّدَةٍ - كَالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ - وَاسْتُحِقَّ الأَْصْل، فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ الْمُسْتَحِقُّ بَيْنَ أَخْذِ الزِّيَادَةِ بِقِيمَتِهَا مَقْلُوعَةً، وَبَيْنَ أَمْرِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ بِقَلْعِهَا مَعَ تَضْمِينِهِ نُقْصَانَ الأَْرْضِ. وَلِهَذَا الأَْخِيرِ الرُّجُوعُ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ.
وَإِذَا كَانَتِ الزِّيَادَةُ مُتَّصِلَةً مُتَوَلِّدَةً كَالسِّمَنِ فَاسْتُحِقَّ الأَْصْل فَهِيَ لِلْمُسْتَحِقِّ، وَجَاءَ فِي الْحَامِدِيَّةِ أَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْهُ يَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ بِمَا زَادَ، بِأَنْ تُقَوَّمَ قَبْل الزِّيَادَةِ وَبَعْدَهَا وَيَرْجِعُ بِالْفَرْقِ (وَلاَ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِمَا أَنْفَقَ (2)) . وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ غَلَّةَ الْمُسْتَحَقِّ مِنْ أُجْرَةٍ أَوِ اسْتِعْمَالٍ، أَوْ لَبَنٍ، أَوْ صُوفٍ، أَوْ ثَمَرَةٍ هِيَ لِلْمُسْتَحَقِّ مِنْهُ مِنْ يَوْمِ وَضَعَ يَدَهُ إِلَى يَوْمِ الْحُكْمِ. وَهَذَا فِي غَيْرِ الْغَصْبِ، فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ مَغْصُوبًا وَالْمُشْتَرِي مِنَ الْغَاصِبِ يَجْهَل ذَلِكَ، فَالزِّيَادَةُ لِلْمُسْتَحِقِّ (25) .
وَالْحَنَابِلَةُ كَالْحَنَفِيَّةِ فِي أَنَّ الزِّيَادَةَ لِلْمُسْتَحِقِّ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ مُتَّصِلَةً أَمْ مُنْفَصِلَةً، فَإِنْ أَحْدَثَ فِيهَا شَيْئًا كَأَنْ أَتْلَفَهَا أَوْ أَكَل الثَّمَرَةَ أُخِذَتْ مِنْهُ الْقِيمَةُ، وَإِنْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ فِعْل الْمُسْتَحَقِّ مِنْهُ فَإِنَّهُ لاَ يَغْرَمُ شَيْئًا، فَإِنْ رُدَّتِ الزِّيَادَةُ عَلَى الْمُسْتَحِقِّ، فَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ يَرُدُّ لَهُ النَّفَقَةَ أَوْ قِيمَةَ الْغِرَاسِ، إِنْ كَانَ قَدْ غَرَسَ أَوْ زَرَعَ، وَالْعِبْرَةُ فِي الْقِيمَةِ بِيَوْمِ الاِسْتِحْقَاقِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى أَنَّ الَّذِي يَدْفَعُ النَّفَقَةَ هُوَ الْمَالِكُ (الْمُسْتَحِقُّ) ، وَيَرْجِعُ بِهَا عَلَى مَنْ غَرَّ الْمَأْخُوذَ مِنْهُ. (26)
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الزِّيَادَةَ لِلْمَأْخُوذِ مِنْهُ، وَقَيَّدُوا ذَلِكَ بِمَا إِذَا أُخِذَتِ الْعَيْنُ الْمُسْتَحَقَّةُ بِبَيِّنَةٍ مُطْلَقَةٍ لَمْ تُصَرِّحْ بِتَارِيخِ الْمِلْكِ، وَلاَ يَرْجِعُ بِالنَّفَقَةِ عِنْدَهُمْ، لأَِنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ (27) .
وَفَصَّل الْمَالِكِيَّةُ فِي ذَلِكَ فَقَالُوا: إِنَّ الْغَلَّةَ لِلْمُسْتَحِقِّ مُطْلَقًا إِلاَّ كَانَتْ غَيْرَ ثَمَرَةٍ، أَوْ ثَمَرَةً غَيْرَ مُؤَبَّرَةٍ، (وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: إِنْ يَبِسَتْ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ: إِنْ جُذَّتْ) .
وَاخْتَلَفُوا فِي رُجُوعِ الْمُسْتَحَقِّ مِنْهُ بِمَا سَقَى وَعَالَجَ إِنْ كَانَ فِيهِ سَقْيٌ وَعِلاَجٌ، وَكَانَتِ الثَّمَرَةُ لَمْ تُؤَبَّرْ - كَاخْتِلاَفِهِمْ فِي الرُّجُوعِ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ عَلَى رَأْيَيْنِ (28) .
اسْتِحْقَاقُ الأَْرْضِ الْمُشْتَرَاةِ:
15 - إِذَا كَانَتِ الزِّيَادَةُ غَرْسًا أَوْ بِنَاءً، كَمَا لَوِ اشْتَرَى أَرْضًا فَبَنَى فِيهَا أَوْ غَرَسَ، فَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ، وَظَاهِرِ الشَّافِعِيَّةِ) عَلَى أَنَّ لِلْمُسْتَحِقِّ قَلْعَ الزَّرْعِ وَالْبِنَاءِ (29) .
وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِمَا غَرِمَ مِنْ ثَمَنٍ أَقْبَضَهُ، وَأُجْرَةِ الْبَانِي، وَثَمَنِ مُؤَنٍ مُسْتَهْلَكَةٍ، وَأَرْشِ نَقْصٍ بِقَلْعٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ لأَِنَّ الْبَائِعَ غَرَّ الْمُشْتَرِيَ بِبَيْعِهِ إِيَّاهَا، وَأَوْهَمَهُ أَنَّهَا مِلْكُهُ، وَكَانَ سَبَبًا فِي غِرَاسِهِ وَبِنَائِهِ وَانْتِفَاعِهِ فَرَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا غَرِمَهُ، قَال الْحَنَابِلَةُ: وَالْقِيمَةُ تُعْتَبَرُ بِيَوْمِ الاِسْتِحْقَاقِ (30) .
أَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ، وَلاَ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الشَّجَرَةِ، وَلاَ بِمَا ضَمِنَ مِنْ نُقْصَانِ الأَْرْضِ، هَذَا إِنِ اسْتُحِقَّتْ قَبْل ظُهُورِ الثَّمَرِ، فَإِنْ كَانَ الاِسْتِحْقَاقُ بَعْدَ ظُهُورِ الثَّمَرِ - بَلَغَ الْجُذَاذَ أَوْ لَمْ يَبْلُغْ - كَانَ لِلْمُسْتَحِقِّ قَلْعُ الشَّجَرِ أَيْضًا، فَإِنْ كَانَ بَائِعُ الأَْرْضِ حَاضِرًا كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْبَائِعِ بِقِيمَةِ الشَّجَرِ نَابِتًا فِي الأَْرْضِ، وَيُسَلِّمُ الشَّجَرَ قَائِمًا إِلَى الْبَائِعِ، وَلاَ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِقِيمَةِ الثَّمَرِ، وَيُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى قَطْعِ الثَّمَرِ بَلَغَ أَوْ لَمْ يَبْلُغْ. وَيُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى قَلْعِ الشَّجَرِ، وَإِنِ اخْتَارَ الْمُسْتَحِقُّ أَنْ يَدْفَعَ إِلَى الْمُشْتَرِي قِيمَةَ الشَّجَرِ مَقْلُوعًا وَيَمْسِكَ الشَّجَرَ، وَأَعْطَاهُ الْقِيمَةَ ثُمَّ ظَفِرَ الْمُشْتَرِي بِالْبَائِعِ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ، وَلاَ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الشَّجَرِ، وَلاَ يَكُونُ لِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْبَائِعِ وَلاَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِنُقْصَانٍ (31) .
وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَلَيْسَ لِلْمُسْتَحِقِّ عِنْدَهُمْ قَلْعُ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَالزَّرْعِ، وَقَال الدَّرْدِيرُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: إِنْ غَرَسَ ذُو الشُّبْهَةِ أَوْ بَنَى، وَطَالَبَهُ الْمُسْتَحِقُّ، قِيل لِلْمَالِكِ: أَعْطِهِ قِيمَتَهُ قَائِمًا مُنْفَرِدًا عَنِ الأَْرْضِ، فَإِنْ أَبَى الْمَالِكُ فَلِلْغَارِسِ أَوِ الْبَانِي دَفْعُ قِيمَةِ الأَْرْضِ بِغَيْرِ غَرْسٍ وَبِنَاءٍ، فَإِنْ أَبَى فَهُمَا شَرِيكَانِ بِالْقِيمَةِ، هَذَا بِقِيمَةِ أَرْضِهِ، وَهَذَا بِقِيمَةِ غَرْسِهِ أَوْ بِنَائِهِ، وَيُعْتَبَرُ التَّقْوِيمُ يَوْمَ الْحُكْمِ لاَ يَوْمَ الْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الأَْرْضُ الْمَوْقُوفَةُ، وَتَفْصِيلُهُ فِي مَوْطِنِهِ. وَقَدْ صَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ لِلْمُسْتَحِقِّ كِرَاءَ تِلْكَ السَّنَةِ، إِنْ كَانَتْ تُزْرَعُ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي السَّنَةِ، وَكَانَ الاِسْتِحْقَاقُ قَبْل فَوَاتِ وَقْتِ مَا تُرَادُ تِلْكَ الأَْرْضُ لِزِرَاعَتِهِ، فَلَوِ اسْتُحِقَّتْ بَعْدَ فَوَاتِ إِبَّانِ الزَّرْعِ فَلاَ شَيْءَ لِمُسْتَحِقِّهَا؛ لأَِنَّ الزَّارِعَ قَدِ اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ، وَالْغَلَّةُ لَهُ. (32)
وَغَرْسُ الْمُكْتَرِي، وَالْمَوْهُوبِ لَهُ، وَالْمُسْتَعِيرِ، كَغَرْسِ الْمُشْتَرِي عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي امْتِنَاعِ الْقَلْعِ. وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا كَانَ هُنَاكَ شُبْهَةٌ، كَأَنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا لَيْسَتْ لِلْبَائِعِ، أَوِ الْمُؤَجِّرِ وَنَحْوِهِمَا. وَقَدْ نَقَل ابْنُ رَجَبٍ مِثْل هَذَا فِي قَوَاعِدِهِ عَنْ أَحْمَدَ، وَقَال: لَمْ يَصِحَّ عَنْ أَحْمَدَ غَيْرُهُ (33) .
الاِسْتِحْقَاقُ فِي الصَّرْفِ:
16 - إِذَا اسْتُحِقَّ الْعِوَضَانِ فِي الصَّرْفِ (بَيْعِ النَّقْدِ بِالنَّقْدِ) أَوْ أَحَدُهُمَا، فَلِلْفُقَهَاءِ فِي بُطْلاَنِهِ وَعَدَمِهِ ثَلاَثَةُ آرَاءٍ: أ - بُطْلاَنُ الْعَقْدِ وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيَّةِ (34) ، وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ (35) ، وَهُوَ قَوْل الْمَالِكِيَّةِ أَيْضًا فِي الْمَصُوغِ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ أَكَانَ قَبْل التَّفَرُّقِ وَطُول الْمَجْلِسِ أَمْ بَعْدَهُ؛ لأَِنَّ الْمَصُوغَ يُرَادُ لِعَيْنِهِ فَغَيْرُهُ لاَ يَقُومُ مَقَامَهُ، وَفِي الْمَسْكُوكَيْنِ، أَوِ الْمَسْكُوكِ وَالْمَصُوغِ إِنْ اسْتُحِقَّ الْمَسْكُوكُ بَعْدَ افْتِرَاقِ الْمُتَصَارِفَيْنِ، أَوْ قَبْل أَنْ يَفْتَرِقَا وَلَكِنْ بَعْدَ طُول الْمَجْلِسِ طُولاً لاَ يَصِحُّ مَعَهُ الصَّرْفُ (36) ، وَمَعَ الْبُطْلاَنِ لاَ يَجُوزُ الْبَدَل، وَيَعْنِي بِالْمَسْكُوكِ مَا قَابَل الْمَصُوغَ، فَيَشْمَل التِّبْرَ وَالْمَصُوغَ الْمَكْسُورَ.
ب - صِحَّةُ الْعَقْدِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَهُوَ قَوْل الْمَالِكِيَّةِ أَيْضًا فِي الْمَسْكُوكِ إِنْ كَانَ الاِسْتِحْقَاقُ قَبْل التَّفَرُّقِ وَطُول الْمَجْلِسِ. وَلِلْعَاقِدِ إِعْطَاءُ بَدَل الْمُسْتَحَقِّ، وَهَل الإِْبْدَال عَلَى سَبِيل التَّرَاضِي أَوِ الإِْجْبَارِ؟ لَمْ أَجِدْ مَنْ صَرَّحَ بِالإِْجْبَارِ إِلاَّ مُتَأَخِّرِي الْمَالِكِيَّةِ فِي طَرِيقَةٍ مِنْ طَرِيقَتَيْنِ لَهُمْ، وَالأُْخْرَى بِالتَّرَاضِي (37) .
ج - الْبُطْلاَنُ فِي الدَّرَاهِمِ الْمُعَيَّنَةِ، وَعَدَمِهِ فِي غَيْرِهَا قَبْل التَّفَرُّقِ وَطُول الْمَجْلِسِ، وَهُوَ قَوْل أَشْهَبَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ (38) .
اسْتِحْقَاقُ الْمَرْهُونِ:
17 - إِنِ اسْتُحِقَّ الْمَرْهُونُ الْمُعَيَّنُ كُلُّهُ بَطَل الرَّهْنُ اتِّفَاقًا، وَإِنِ اسْتُحِقَّ الْمَرْهُونُ الْمُعَيَّنُ قَبْل الْقَبْضِ خُيِّرَ الْمُرْتَهِنُ بَيْنَ فَسْخِ عَقْدِ الْمُدَايَنَةِ مِنْ بَيْعٍ وَنَحْوِهِ، وَبَيْنَ إِمْضَائِهِ مَعَ إِبْقَاءِ الدَّيْنِ بِلاَ رَهْنٍ (39) ، وَكَذَلِكَ يُخَيَّرُ الْمُرْتَهِنُ إِنْ كَانَ الاِسْتِحْقَاقُ بَعْدَ الْقَبْضِ وَغَرَّهُ. الرَّاهِنُ، فَإِنْ لَمْ يَغُرَّهُ بَقِيَ الدَّيْنُ بِلاَ رَهْنٍ، وَإِنْ كَانَ الْمَرْهُونُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَاسْتُحِقَّ بَعْدَ قَبْضِهِ أُجْبِرَ الرَّاهِنُ عَلَى الإِْتْيَانِ بِرَهْنٍ بَدَلَهُ عَلَى الْقَوْل الرَّاجِحِ، وَلاَ يُتَصَوَّرُ اسْتِحْقَاقُ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ قَبْل قَبْضِهِ (40) .
18 - لَوِ اسْتُحِقَّ بَعْضُ الْمَرْهُونِ فَفِي بُطْلاَنِ الرَّهْنِ وَبَقَائِهِ ثَلاَثَةُ آرَاءٍ:
أ - صِحَّةُ الرَّهْنِ، وَالْبَاقِي مِنَ الْمَرْهُونِ رَهْنُ جَمِيعِ الدَّيْنِ، وَهُوَ قَوْل الْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ (41) . ب - بُطْلاَنُ الرَّهْنِ، وَهُوَ قَوْل الْحَنَفِيَّةِ، إِنْ كَانَ الْبَاقِي مِمَّا لاَ يَجُوزُ رَهْنُهُ ابْتِدَاءً عِنْدَهُمْ، كَأَنْ كَانَ مُشَاعًا (42) .
ج - بُطْلاَنُ الرَّهْنِ بِحِصَّتِهِ، وَالْبَاقِي مِنَ الْمَرْهُونِ رَهْنٌ بِحِصَّتِهِ مِنَ الدَّيْنِ، وَهُوَ قَوْل ابْنِ شَعْبَانَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ قَوْل الْحَنَفِيَّةِ إِنْ كَانَ الْبَاقِي مِمَّا يَجُوزُ رَهْنُهُ ابْتِدَاءً (43) .
تَلَفُ الْمَرْهُونِ الْمُسْتَحَقِّ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ:
19 - لَوْ تَلِفَتِ الْعَيْنُ الْمَرْهُونَةُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، ثُمَّ اسْتُحِقَّتْ، فَلِلْعُلَمَاءِ فِيمَنْ يَضْمَنُ الْعَيْنَ التَّالِفَةَ الْمَرْهُونَةَ ثَلاَثَةُ آرَاءٍ:
أ - لِلْمُسْتَحِقِّ تَضْمِينُ الرَّاهِنِ أَوِ الْمُرْتَهِنِ؛ لأَِنَّ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَعَدٍّ، أَمَّا الرَّاهِنُ فَإِنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالتَّسْلِيمِ، وَأَمَّا الْمُرْتَهِنُ فَإِنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْقَبْضِ، وَاسْتِقْرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الرَّاهِنِ فَلاَ يَرْجِعُ عَلَى غَيْرِهِ لَوْ ضَمِنَ، فَإِنْ ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ رَجَعَ عَلَى الرَّاهِنِ بِمَا ضَمِنَ وَبِدَيْنِهِ، وَهُوَ قَوْل الْحَنَفِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، إِلاَّ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ اشْتَرَطُوا أَنْ يَكُونَ الْمُرْتَهِنُ جَاهِلاً، فَإِنْ كَانَ عَالِمًا فَالْقَرَارُ عَلَيْهِمَا (44) .
ب - لِلْمُسْتَحِقِّ تَضْمِينُ الرَّاهِنِ أَوِ الْمُرْتَهِنِ وَاسْتِقْرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، فَإِنْ ضَمِنَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ، وَهُوَ قَوْل الْحَنَابِلَةِ إِنْ عَلِمَ الْمُرْتَهِنُ بِالْغَصْبِ، وَإِنْ ضَمِنَ الرَّاهِنُ رَجَعَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْغَصْبِ حَتَّى تَلِفَ بِتَفْرِيطٍ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ؛ لأَِنَّ الضَّمَانَ يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ، فَإِنْ تَلِفَ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ فَفِيهِ ثَلاَثَةُ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ وَيَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَيْهِ؛ لأَِنَّ مَال غَيْرِهِ تَلِفَ تَحْتَ يَدِهِ الْعَادِيَةِ.
وَالثَّانِي: لاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ لأَِنَّهُ قَبَضَهُ عَلَى أَنَّهُ أَمَانَةٌ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ، فَلَمْ يَضْمَنْهُ كَالْوَدِيعَةِ، فَعَلَى هَذَا يَرْجِعُ الْمَالِكُ عَلَى الْغَاصِبِ لاَ غَيْرُهُ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ لِلْمَالِكِ تَضْمِينَ أَيِّهِمَا شَاءَ، وَيَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَى الْغَاصِبِ، فَإِنْ ضَمِنَ الْغَاصِبُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ، وَإِنْ ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ رَجَعَ عَلَى الْغَاصِبِ لأَِنَّهُ غَرَّهُ فَرَجَعَ عَلَيْهِ (45) .
ج - لِلْمُسْتَحِقِّ تَضْمِينُ الْمُرْتَهِنِ إِنْ حَدَثَ التَّلَفُ قَبْل ظُهُورِ الاِسْتِحْقَاقِ، فَإِنْ حَصَل الاِسْتِحْقَاقُ وَتَرَكَهَا الْمُسْتَحِقُّ تَحْتَ يَدِ الْمُرْتَهِنِ بِلاَ عُذْرٍ فَلاَ يَضْمَنُ، لأَِنَّ الْمَرْهُونَ خَرَجَ عَنِ الرَّهْنِيَّةِ بِالاِسْتِحْقَاقِ وَصَارَ الْمُرْتَهِنُ أَمِينًا فَلاَ يَضْمَنُ، وَهَذَا مَا صَرَّحَ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ (46) .
اسْتِحْقَاقُ الْمَرْهُونِ بَعْدَ بَيْعِ الْعَدْل لَهُ:
20 - إِذَا وُضِعَ الْمَرْهُونُ بِيَدِ عَدْلٍ، وَبَاعَهُ الْعَدْل بِرِضَا الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ، وَأَوْفَى الْمُرْتَهِنُ الثَّمَنَ، ثُمَّ اسْتَحَقَّ الْمَرْهُونُ الْمَبِيعَ، فَلِلْفُقَهَاءِ فِيمَنْ يَرْجِعُ وَعَلَى مَنْ يَرْجِعُ آرَاءٌ:
أ - رُجُوعُ الْمُسْتَحِقِّ عَلَى الْعَدْل أَوِ الرَّاهِنِ، وَهُوَ قَوْل الْحَنَفِيَّةِ إِنْ كَانَ الْمَبِيعُ هَالِكًا، فَإِنْ ضَمِنَ الرَّاهِنُ قِيمَتَهُ صَحَّ الْبَيْعُ وَالْقَبْضُ؛ لأَِنَّهُ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاعَ مِلْكَ نَفْسِهِ، وَإِنْ ضَمِنَ الْعَدْل كَانَ الْعَدْل بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الرَّاهِنِ بِالْقِيمَةِ؛ لأَِنَّهُ وَكِيلٌ مِنْ جِهَتِهِ عَامِلٌ لَهُ، فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا لَحِقَهُ مِنَ الْعُهْدَةِ، وَنَفَذَ الْبَيْعُ وَصَحَّ اقْتِضَاءُ الْمُرْتَهِنِ لِدَيْنِهِ، وَإِنْ شَاءَ الْعَدْل رَجَعَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ؛ لأَِنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَخَذَ الثَّمَنَ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَإِذَا رَجَعَ بَطَل اقْتِضَاءُ الْمُرْتَهِنِ دَيْنَهُ مِنْهُ، فَيَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِدَيْنِهِ (47) .
فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا أَخَذَهُ الْمُسْتَحِقُّ مِنَ الْمُشْتَرِي؛ لأَِنَّهُ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ، ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْعَدْل بِالثَّمَنِ، لأَِنَّهُ الْعَاقِدُ، فَتَتَعَلَّقُ بِهِ حُقُوقُ الْعَقْدِ لِصَيْرُورَتِهِ وَكِيلاً بَعْدَ الإِْذْنِ بِالْبَيْعِ، وَهَذَا مِنْ حُقُوقِهِ حَيْثُ وَجَبَ لَهُ بِالْبَيْعِ، وَإِنَّمَا أَدَّاهُ لِيَسْلَمَ لَهُ الْمَبِيعُ وَلَمْ يَسْلَمْ. ثُمَّ الْعَدْل بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الرَّاهِنِ بِالْقِيمَةِ؛ لأَِنَّهُ هُوَ الَّذِي أَدْخَلَهُ فِي هَذِهِ الْعُهْدَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَخْلِيصُهُ، وَإِذَا رَجَعَ عَلَيْهِ صَحَّ قَبْضُ الْمُرْتَهِنِ؛ لأَِنَّ الْمَقْبُوضَ سَلِمَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ؛ لأَِنَّهُ إِذَا انْتَقَضَ الْعَقْدُ بَطَل الثَّمَنُ، وَقَدْ قَبَضَ ثَمَنًا فَيَجِبُ نَقْضُ قَبْضِهِ ضَرُورَةً، وَإِذَا رَجَعَ عَلَيْهِ عَادَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ كَمَا كَانَ فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الرَّاهِنِ (48) .
ب - رُجُوعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الرَّاهِنِ؛ لأَِنَّ الْمَبِيعَ لَهُ، فَالْعُهْدَةُ عَلَيْهِ، وَلاَ يَرْجِعُ عَلَى الْعَدْل إِنْ عَلِمَ أَنَّهُ وَكِيلٌ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْمَال رَجَعَ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ (49) . ج - رُجُوعُ الْمُسْتَحِقِّ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِالثَّمَنِ وَإِجَازَةِ الْبَيْعِ، وَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلْمَالِكِيَّةِ، وَقَال ابْنُ الْقَاسِمِ، يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مُفْلِسًا فَيَرْجِعُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، وَرَأَى الْمَالِكِيَّةُ هَذَا عِنْدَ تَسْلِيمِ السُّلْطَانِ الثَّمَنَ لِلْمُرْتَهِنِ، إِذْ لَمْ يَظْهَرْ نَصٌّ صَرِيحٌ لَهُمْ فِي ضَمَانِ الْعَدْل غَيْرِ السُّلْطَانِ (50) .
د - تَخْيِيرُ الْمُشْتَرِي فِي الرُّجُوعِ عَلَى الْعَدْل، (مَا لَمْ يَكُنِ الْعَدْل حَاكِمًا أَوْ مَأْذُونًا مِنْ قِبَل الْحَاكِمِ) أَوِ الرَّاهِنِ، أَوِ الْمُرْتَهِنِ إِذَا كَانَ الْمُرْتَهِنُ قَدْ تَسَلَّمَ الثَّمَنَ، وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيَّةِ (51) .
اسْتِحْقَاقُ مَا بَاعَهُ الْمُفْلِسُ:
21 - الْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ لَوِ اسْتَحَقَّ مَا بَاعَهُ الْمُفْلِسُ قَبْل الْحَجْرِ فَالْمُشْتَرِي يُشَارِكُ الْغُرَمَاءَ مِنْ غَيْرِ نَقْصِ الْقِسْمَةِ، إِنْ كَانَ الثَّمَنُ تَالِفًا وَتَعَذَّرَ رَدُّهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ تَالِفٍ فَالْمُشْتَرِي أَوْلَى بِهِ.
وَإِنِ اسْتُحِقَّ شَيْءٌ بَعْدَ أَنْ بَاعَهُ الْحَاكِمُ قُدِّمَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ عَلَى بَاقِي الْغُرَمَاءِ، صَرَّحَ بِذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ، وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يُحَاصُّ الْغُرَمَاءُ (52) .
وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لاَ يُمْكِنُ تَصَوُّرُهَا عَلَى قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ إِذْ لاَ يَرَى جَوَازَ الْحَجْرِ بِالإِْفْلاَسِ، وَلَكِنْ يُمْكِنُ تَصَوُّرُهَا عَلَى قَوْل الصَّاحِبَيْنِ، إِذْ أَنَّهُمَا قَالاَ بِالْحَجْرِ عَلَى الْمُفْلِسِ بِشُرُوطِهِ، وَلَكِنْ لَمْ يَتَعَرَّضِ الْحَنَفِيَّةُ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالذَّاتِ تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِهِمَا فِيمَا اطَّلَعْنَا عَلَيْهِ.
الاِسْتِحْقَاقُ فِي الصُّلْحِ:
22 - يُفَرِّقُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الصُّلْحِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَنْ إِقْرَارٍ، أَوْ عَنْ إِنْكَارٍ، أَوْ سُكُوتٍ. فَإِنْ كَانَ الصُّلْحُ عَنْ إِقْرَارٍ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ عِنْدَهُمْ، بِالنِّسْبَةِ لِطَرَفَيِ الصُّلْحِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُ الاِسْتِحْقَاقِ فِي الْمَبِيعِ.
أَمَّا إِذَا كَانَ الصُّلْحُ عَنْ إِنْكَارٍ أَوْ سُكُوتٍ، فَهُوَ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي مُعَاوَضَةٌ، وَفِي حَقِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ افْتِدَاءٌ لِلْيَمِينِ وَقَطْعٌ لِلْخُصُومَةِ، وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ أَنَّهُ إِذَا اسْتَحَقَّ بَدَل الصُّلْحِ كُلَّهُ يَبْطُل الصُّلْحُ، وَيَعُودُ الْمُدَّعِي إِلَى الْخُصُومَةِ، وَإِذَا اسْتَحَقَّ بَعْضَهُ عَادَ الْمُدَّعِي لِلْخُصُومَةِ فِي ذَلِكَ الْبَعْضِ.
أَمَّا إِذَا اسْتَحَقَّ مَحَل النِّزَاعِ (الْمُصَالَحَ عِنْدَهُ) فَإِنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَرْجِعُ عَلَى الْمُدَّعِي بِكُل الْبَدَل أَوْ بَعْضِهِ؛ لأَِنَّ الْمُدَّعِيَ إِنَّمَا أَخَذَ الْبَدَل بِدُونِ وَجْهِ حَقٍّ فَلِصَاحِبِهِ اسْتِرْدَادُهُ (53) .
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِنْ كَانَ الصُّلْحُ عَنْ إِقْرَارٍ فَاسْتَحَقَّ بَدَل الصُّلْحِ رَجَعَ الْمُدَّعِي بِالْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ إِنْ كَانَتْ قَائِمَةً، فَإِنْ فَاتَتْ رَجَعَ بِعِوَضِهَا - وَهُوَ الْقِيمَةُ - إِنْ كَانَتْ قِيَمِيَّةً، وَالْمِثْل إِنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً. . . فَإِنْ كَانَ الصُّلْحُ عَنْ إِنْكَارٍ وَاسْتَحَقَّ بَدَل الصُّلْحِ رَجَعَ بِالْعِوَضِ مُطْلَقًا، وَلاَ يَرْجِعُ بِالْعَيْنِ وَلَوْ كَانَتْ قَائِمَةً.
أَمَّا إِنِ اسْتَحَقَّ الْمُصَالَحَ عَنْهُ وَهُوَ مَحَل النِّزَاعِ، فَإِنْ كَانَ الصُّلْحُ عَنْ إِنْكَارٍ رَجَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى الْمُدَّعِي بِمَا دَفَعَ لَهُ إِنْ كَانَ قَائِمًا، فَإِنْ فَاتَ رَجَعَ بِقِيمَتِهِ إِنْ كَانَ قِيَمِيًّا، وَبِمِثْلِهِ إِنْ كَانَ مِثْلِيًّا. وَإِنْ كَانَ الصُّلْحُ عَنْ إِقْرَارٍ لاَ يَرْجِعُ الْمُقِرُّ عَلَى الْمُدَّعِي بِشَيْءٍ لاِعْتِرَافِهِ أَنَّهُ مِلْكُهُ، وَأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ أَخَذَهُ مِنْهُ ظُلْمًا (54) .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لاَ صُلْحَ إِلاَّ مَعَ الإِْقْرَارِ، فَإِنِ اسْتَحَقَّ بَدَل الصُّلْحِ وَكَانَ مُعَيَّنًا بَطَل الصُّلْحُ، سَوَاءٌ اسْتَحَقَّ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ، وَإِنْ كَانَ بَدَل الصُّلْحِ غَيْرَ مُعَيَّنٍ، أَيْ مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ أَخَذَ الْمُدَّعِي بَدَلَهُ، وَلاَ يَنْفَسِخُ الصُّلْحُ (55) .
اسْتِحْقَاقُ عِوَضِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ:
23 - يَصِحُّ الصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ عَلَى مَالٍ، فَإِنِ اسْتَحَقَّ الْعِوَضَ فَلاَ يَبْطُل الصُّلْحُ، وَيَأْخُذُ الْمُسْتَحِقُّ عِوَضَ الْمُسْتَحَقِّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمَالِكِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَرْجِعُ إِلَى أَرْشِ الْجِنَايَةِ (56) .
ضَمَانُ الدَّرْكِ:
24 - مِنَ الْفُقَهَاءِ مَنْ قَال: إِنَّ ضَمَانَ الدَّرْكِ اسْتُعْمِل فِي ضَمَانِ الاِسْتِحْقَاقِ عُرْفًا، وَهُوَ أَنْ يَضْمَنَ الثَّمَنَ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ نَوْعًا مِنْ ضَمَانِ الْعُهْدَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَال: إِنَّ ضَمَانَ الدَّرْكِ هُوَ ضَمَانُ الْعُهْدَةِ (57) .
وَيَتَّفِقُ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ ضَمَانُ الثَّمَنِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ لِمَسِيسِ الْحَاجَةِ إِلَى ذَلِكَ، فِي نَحْوِ غَرِيبٍ لَوْ خَرَجَ مَبِيعُهُ أَوْ ثَمَنُهُ مُسْتَحَقًّا لَمْ يَظْفَرْ بِهِ. (58)
وَلِتَفْصِيل الْقَوْل فِي ضَمَانِ الدَّرْكِ (ر: ضَمَانُ الدَّرْكِ) .
الاِسْتِحْقَاقُ فِي الشُّفْعَةِ:
25 - يَتَّفِقُ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَوِ اسْتَحَقَّ الْمَشْفُوعَ بَطَلَتِ الشُّفْعَةُ، وَرَجَعَ الشَّفِيعُ بِالثَّمَنِ عَلَى مَنْ أَخَذَهُ مِنْهُ، وَقَرَارُ الضَّمَانِ (أَيْ نِهَايَتُهُ) عَلَى الْبَائِعِ (59) .
وَيَخْتَلِفُونَ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الثَّمَنِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ الأَْوَّل، وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ رَأْيَانِ:
أ - الأَْوَّل: بُطْلاَنُ الْبَيْعِ وَالشُّفْعَةِ، وَهُوَ قَوْل الْحَنَفِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ، وَقَوْل غَيْرِ الْمُقَدَّمِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِنْ كَانَ الثَّمَنُ مُعَيَّنًا؛ لأَِنَّ مَالِكَهُ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ، وَيَرْجِعُ الشَّفِيعُ بِمِثْل مَا دَفَعَ، وَهُوَ قَوْل الْمَالِكِيَّةِ إِنْ كَانَ الاِسْتِحْقَاقُ قَبْل الأَْخْذِ بِالشُّفْعَةِ حَيْثُ كَانَ الثَّمَنُ غَيْرَ نَقْدٍ (60) .
ب - وَالثَّانِي: صِحَّةُ الشُّفْعَةِ، وَهُوَ قَوْل الْمَالِكِيَّةِ الَّذِي هُوَ الْمَذْهَبُ إِنْ حَصَل الاِسْتِحْقَاقُ بَعْدَ الأَْخْذِ بِالشُّفْعَةِ، وَيَرْجِعُ الْبَائِعُ بِقِيمَةِ الشُّفْعَةِ لاَ بِقِيمَةِ الْمُسْتَحَقِّ، إِلاَّ إِنْ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ نَقْدًا مَسْكُوكًا فَيَرْجِعُ بِمِثْلِهِ.
أَمَّا إِنْ كَانَ الثَّمَنُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ وَالشُّفْعَةُ اتِّفَاقًا - كَأَنِ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ وَدَفَعَ عَمَّا فِيهَا فَخَرَجَ الْمَدْفُوعُ مُسْتَحَقًّا - وَأَبْدَل الثَّمَنَ بِمَا يَحِل مَحَلَّهُ فِي الأَْخْذِ بِالشُّفْعَةِ عِنْدَ صِحَّةِ الْبَيْعِ وَالشُّفْعَةِ (61) .
فَإِنِ اسْتَحَقَّ بَعْضَ الثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ بَطَل الْبَيْعُ فِيهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَصَحَّ فِي الْبَاقِي عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَفِيهِ خِلاَفٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ بِنَاءً عَلَى رِوَايَتَيْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ (62) .
وَإِنْ دَفَعَ الشَّفِيعُ بَدَلاً مُسْتَحَقًّا لَمْ تَبْطُل شُفْعَتُهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، زَادَ الشَّافِعِيَّةُ: وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ مُسْتَحَقٌّ، لأَِنَّهُ لَمْ يُقَصِّرْ فِي الطَّلَبِ وَالأَْخْذِ، سَوَاءٌ أَكَانَ بِمُعَيَّنٍ أَمْ لاَ، فَإِنْ كَانَ بِمُعَيَّنٍ احْتَاجَ إِلَى تَمَلُّكٍ جَدِيدٍ (63) .
الاِسْتِحْقَاقُ فِي الْمُسَاقَاةِ:
26 - الْحَنَفِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ الْمُسَاقَاةَ تَنْفَسِخُ بِاسْتِحْقَاقِ الأَْشْجَارِ، وَلاَ حَقَّ لِلْعَامِل فِي الثَّمَرَةِ حِينَئِذٍ؛ لأَِنَّهُ عَمِل فِيهَا بِغَيْرِ إِذْنِ الْمَالِكِ.
وَلِلْعَامِل عَلَى مَنْ تَعَاقَدَ مَعَهُ أُجْرَةُ الْمِثْل، غَيْرَ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ اشْتَرَطُوا لِوُجُوبِ الأُْجْرَةِ ظُهُورَ الثَّمَرِ، فَإِنْ لَمْ تَظْهَرِ الثِّمَارُ حَتَّى اسْتُحِقَّتِ الأَْشْجَارُ فَلاَ أُجْرَةَ، وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّ الأُْجْرَةَ تُسْتَحَقُّ فِي حَالَةِ جَهْلِهِ بِالاِسْتِحْقَاقِ؛ لأَِنَّ الَّذِي تَعَاقَدَ مَعَهُ غَرَّهُ، فَإِنْ عَلِمَ فَلاَ أُجْرَةَ لَهُ. (64)
وَلَوْ خَرَجَ الثَّمَرُ فِي الشَّجَرِ ثُمَّ اسْتُحِقَّتِ الأَْرْضُ، فَالْكُل لِلْمُسْتَحِقِّ (الأَْرْضُ وَالشَّجَرُ وَالثَّمَرُ) وَيَرْجِعُ الْعَامِل عَلَى مَنْ تَعَاقَدَ مَعَهُ بِأَجْرِ مِثْل عَمَلِهِ (65) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ الْمُسْتَحِقَّ مُخَيَّرٌ بَيْنَ إِبْقَاءِ الْعَامِل وَبَيْنَ فَسْخِ عَقْدِهِ، فَإِنْ فَسَخَ دَفَعَ لَهُ أَجْرَ عَمَلِهِ.
وَالْحُكْمُ فِي ضَمَانِ تَلَفِ الأَْشْجَارِ وَالثِّمَارِ - بَعْدَ الاِسْتِحْقَاقِ - يُرْجَعُ فِيهِ إِلَى بَابِ الضَّمَانِ.
الاِسْتِحْقَاقُ فِي الإِْجَارَةِ
اسْتِحْقَاقُ الْعَيْنِ الْمُكْتَرَاةِ:
27 - يَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الْعَيْنِ الْمُكْتَرَاةِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُول بِبُطْلاَنِ الإِْجَارَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُول بِتَوَقُّفِهَا عَلَى إِجَازَةِ الْمُسْتَحِقِّ، بِالأَْوَّل قَال الشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ، وَبِالثَّانِي قَال الْحَنَفِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ، وَهُوَ احْتِمَالٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، بِنَاءً عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ وَتَوَقُّفِهِ عَلَى إِجَازَةِ الْمَالِكِ (66)
كَذَلِكَ يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ يَسْتَحِقُّ الأُْجْرَةَ، وَلَهُمْ فِي هَذَا ثَلاَثَةُ آرَاءٍ:
أ - الأُْجْرَةُ لِلْعَاقِدِ، وَهُوَ قَوْل الْحَنَفِيَّةِ إِنْ كَانَتِ الإِْجَازَةُ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ، وَلاَ اعْتِبَارَ لِلإِْجَازَةِ حِينَئِذٍ (67) ، وَهُوَ قَوْل الْمَالِكِيَّةِ إِنْ كَانَ الاِسْتِحْقَاقُ بَعْدَ الأَْمَدِ (68) ، وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيَّةِ إِنْ كَانَتِ الْعَيْنُ الْمُكْتَرَاةُ غَيْرَ مَغْصُوبَةٍ؛ لأَِنَّهُ اسْتَحَقَّهَا بِالْمِلْكِ ظَاهِرًا (69) .
ب - إِنَّ الأُْجْرَةَ لِلْمُسْتَحِقِّ، وَهُوَ قَوْل الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ قَوْل الْحَنَفِيَّةِ إِنْ كَانَتِ الإِْجَازَةُ قَبْل اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ، وَكَذَا إِنْ كَانَتْ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ بَعْضِ الْمَنْفَعَةِ فِي قَوْل أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيَّةِ إِنْ كَانَتِ الْعَيْنُ الْمُؤَجَّرَةُ مَغْصُوبَةً وَيَجْهَل الْمُسْتَأْجِرُ الْغَصْبَ (70) .
وَيَرْجِعُ الْمَالِكُ عَلَى الْغَاصِبِ أَوِ الْمُسْتَأْجِرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ بِالْمَنْفَعَةِ الَّتِي اسْتَوْفَاهَا، وَالْقَرَارُ (أَيْ نِهَايَةُ الضَّمَانِ) عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ إِنْ كَانَ قَدِ اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَوْفِهَا فَقَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الْمُؤَجِّرِ الْغَارِّ (71) .
وَيَرْجِعُ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِمَا أَيْضًا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَالْقَرَارُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ (72) ، وَفِي الْمَوَاهِبِ السَّنِيَّةِ أَنَّ الأَْرْضَ الْمَوْقُوفَةَ الْمُسْتَحَقَّةَ إِنْ آجَرَهَا النَّاظِرُ وَأَخَذَ الأُْجْرَةَ وَسَلَّمَهَا لِلْمُسْتَحِقِّينَ، فَإِنَّ الْمَالِكَ يَرْجِعُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لاَ عَلَى النَّاظِرِ، وَرُجُوعُ الْمُسْتَأْجِرِ عَلَى مَنْ أَخَذَ دَرَاهِمَهُ (73) .
ج - أَجْرُ مَا مَضَى لِلْعَاقِدِ، وَمَا بَعْدَهُ لِلْمُسْتَحِقِّ، وَهُوَ قَوْل الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ قَوْل مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَيَتَصَدَّقُ الْعَاقِدُ عِنْدَهُ بِنَصِيبِهِ بَعْدَ ضَمَانِ النَّقْصِ (74) . وَالْمُرَادُ بِمَا مَضَى عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ مَا قَبْل الْحُكْمِ بِالاِسْتِحْقَاقِ (75) .
تَلَفُ الْعَيْنِ الْمُسْتَحَقَّةِ الْمُكْتَرَاةِ:
28 - لَوْ تَلِفَتِ الْعَيْنُ الْمُؤَجَّرَةُ أَوْ نَقَصَتْ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهَا مُسْتَحَقَّةٌ فَلِلْمُسْتَحِقِّ تَضْمِينُ الْمُسْتَأْجِرِ أَوِ الْمُؤَجِّرِ، وَالْقَرَارُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ، هَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ (76) .
وَالرُّجُوعُ يَكُونُ بِأَعْلَى قِيمَةٍ مِنْ يَوْمِ الْغَصْبِ إِلَى يَوْمِ التَّلَفِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ؛ لأَِنَّهَا مَغْصُوبَةٌ فِي الْحَال الَّتِي زَادَتْ فِيهَا قِيمَتُهَا، فَالزِّيَادَةُ لِمَالِكِهَا مَضْمُونَةٌ عَلَى الْغَاصِبِ (77) . وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يَرْجِعُ الْمُسْتَحِقُّ عَلَى الْمُكْتَرِي إِنْ كَانَ مُتَعَدِّيًا، وَلاَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ إِذَا لَمْ يَتَعَدَّ وَفَعَل مَا يَجُوزُ لَهُ، فَلَوِ اكْتَرَى دَارًا فَهَدَمَهَا، ثُمَّ ظَهَرَ مُسْتَحِقٌّ، فَلَهُ أَخْذُ النَّقْصِ إِنْ وَجَدَهُ وَقِيمَةُ الْهَدْمِ مِنَ الْهَادِمِ، أَيْ قِيمَةُ مَا أَفْسَدَ الْهَدْمُ مِنَ الْبِنَاءِ (78) .
اسْتِحْقَاقُ الأُْجْرَةِ:
29 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الأُْجْرَةَ لَوِ اسْتُحِقَّتْ فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مِثْلِيَّةً أَوْ عَيْنًا قِيَمِيَّةً، فَإِنْ كَانَتِ الأُْجْرَةُ عَيْنًا قِيَمِيَّةً وَاسْتُحِقَّتْ بَطَلَتِ الإِْجَارَةُ، وَتَجِبُ قِيمَةُ الْمَنْفَعَةِ (أَجْرُ الْمِثْل) لاَ قِيمَةُ الْبَدَل، وَإِنْ كَانَتِ الأُْجْرَةُ مِثْلِيَّةً لَمْ تَبْطُل الإِْجَارَةُ وَيَجِبُ الْمِثْل. فَلَوْ دَفَعَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ أُجْرَةً فَاسْتُحِقَّتْ يَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ عَشَرَةٌ مِثْلُهَا لاَ قِيمَةُ الْمَنْفَعَةِ (79) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنِ اسْتُحِقَّتِ الأُْجْرَةُ الْمُعَيَّنَةُ مِنْ يَدِ الْمُؤَجِّرِ، كَالدَّابَّةِ وَنَحْوِهَا، فَإِنْ كَانَ الاِسْتِحْقَاقُ قَبْل حَرْثِ الأَْرْضِ الْمُؤَجَّرَةِ أَوْ قَبْل زَرْعِهَا، فَإِنَّ الإِْجَارَةَ تَنْفَسِخُ مِنْ أَصْلِهَا، وَيَأْخُذُ الأَْرْضَ صَاحِبُهَا، وَإِنِ اسْتُحِقَّتْ بَعْدَ حَرْثِ الأَْرْضِ أَوْ زَرْعِهَا فَإِنَّ الإِْجَارَةَ بَيْنَ الْمُؤَجِّرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ لاَ تَنْفَسِخُ، وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ إِنْ أَخَذَ الْمُسْتَحِقُّ مَالَهُ مِنَ الْمُؤَجِّرِ، وَلَمْ يُجِزِ الإِْجَارَةَ، كَانَ لِلْمُؤَجِّرِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أُجْرَةُ الْمِثْل، وَتَبْقَى الأَْرْضُ لَهُ، كَمَا كَانَتْ أَوَّلاً.
وَإِنْ لَمْ يَأْخُذِ الْمُسْتَحِقُّ مَالَهُ مِنَ الْمُؤَجِّرِ وَأَبْقَاهُ لَهُ وَأَجَازَ الإِْجَارَةَ، فَإِنْ دَفَعَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أُجْرَةَ حَرْثِهِ كَانَ الْحَقُّ لَهُ فِي مَنْفَعَةِ الأَْرْضِ مُدَّةَ الإِْجَارَةِ، وَإِنْ أَبَى الْمُسْتَحِقُّ دَفْعَ أُجْرَةِ الْحَرْثِ قِيل لِلْمُسْتَأْجِرِ: ادْفَعْ لِلْمُسْتَحِقِّ أُجْرَةَ الأَْرْضِ، وَيَكُونُ لَكَ مَنْفَعَتُهَا، فَإِنْ دَفَعَ انْتَهَى الأَْمْرُ، وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ قِيل لَهُ: سَلِّمْ الأَْرْضَ لَهُ مَجَّانًا مُدَّةَ الإِْجَارَةِ بِلاَ مُقَابِلٍ عَنِ الْحَرْثِ.
أَمَّا إِذَا كَانَتِ الأُْجْرَةُ شَيْئًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ كَالنُّقُودِ وَالْمَكِيل وَالْمَوْزُونِ وَاسْتُحِقَّ، فَإِنَّ الإِْجَارَةَ لاَ تَنْفَسِخُ، سَوَاءٌ أَكَانَ الاِسْتِحْقَاقُ قَبْل الْحَرْثِ أَمْ بَعْدَهُ، وَذَلِكَ لِقِيَامِ عِوَضِهِ مَقَامَهُ (80) .
اسْتِحْقَاقُ الأَْرْضِ الَّتِي بِهَا غِرَاسٌ أَوْ بِنَاءٌ لِلْمُسْتَأْجِرِ:
30 - لَوِ اسْتُحِقَّتِ الأَْرْضُ الْمُؤَجَّرَةُ وَقَدْ غَرَسَ فِيهَا الْمُسْتَأْجِرُ، فَإِنَّ الْفُقَهَاءَ يَخْتَلِفُونَ فِي قَلْعِ الْغِرَاسِ، وَفِي إِبْقَائِهِ وَتَمَلُّكِهِ، وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ ثَلاَثَةُ آرَاءٍ:
أَحَدُهَا: لِلْمُسْتَحِقِّ قَلْعُ الْغِرَاسِ دُونَ مُقَابِلٍ. وَهُوَ قَوْل الْحَنَفِيَّةِ فِيمَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ. قَال الشَّافِعِيَّةُ: وَلَيْسَ لِلْمَالِكِ تَمَلُّكُ الْغِرَاسِ بِالْقِيمَةِ أَوِ الإِْبْقَاءُ لَهُ بِالأُْجْرَةِ؛ لِتَمَكُّنِ الْغَاصِبِ مِنَ الْقَلْعِ (81) .
وَيُغَرِّمُ الْمُسْتَأْجِرُ الْمُؤَجِّرَ قِيمَةَ الشَّجَرِ مَقْلُوعًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَرْجِعُ الْمُسْتَأْجِرُ بِالأَْرْشِ عَلَى الْغَاصِبِ لِشُرُوعِهِ فِي الْعَقْدِ عَلَى ظَنِّ السَّلاَمَةِ.
وَالثَّانِي: لِلْمُسْتَحِقِّ تَمَلُّكُ الْغِرَاسِ بِقِيمَتِهِ قَائِمًا، وَهُوَ قَوْل الْمَالِكِيَّةِ إِنْ فَسَخَ الْمُسْتَحِقُّ قَبْل مُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَلَيْسَ لَهُ قَلْعُ الْغِرَاسِ وَلاَ دَفْعُ قِيمَتِهِ مَقْلُوعًا، لأَِنَّ الْمُكْتَرِيَ غَرَسَ بِوَجْهِ شُبْهَةٍ، فَإِنْ أَبَى الْمُسْتَحِقُّ دَفْعَ قِيمَةِ الْغِرَاسِ قَائِمًا قِيل لِلْمُكْتَرِي: ادْفَعْ لَهُ قِيمَةَ الأَْرْضِ، فَإِنْ أَبَى كَانَا شَرِيكَيْنِ (82) : الْمُكْتَرِي بِقِيمَةِ غَرْسِهِ، وَالْمُسْتَحِقُّ بِقِيمَةِ أَرْضِهِ، فَإِنْ أَجَازَ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ يَدْفَعُ قِيمَةَ الْغِرَاسِ مَقْلُوعًا بَعْدَ طَرْحِ أَجْرِ الْقَلْعِ (83) .
الثَّالِثُ: تَمَلُّكُ الْمُسْتَحِقِّ لِلْغِرَاسِ بِمَا أَنْفَقَهُ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى الْغِرَاسِ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَالْمُتَوَجِّهُ عَلَى قَوْل الْقَاضِي وَمَنْ وَافَقَهُ أَنَّ غَرْسَهُ كَغَرْسِ الْغَاصِبِ، وَلَهُمْ قَوْلٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ الْغِرَاسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ، وَعَلَيْهِ الأُْجْرَةُ لِصَاحِبِ الأَْرْضِ، وَيَرْجِعُ عَلَى مَنْ آجَرَهُ (84) . وَالْبِنَاءُ كَالْغِرَاسِ عِنْدَ فُقَهَاءِ الْمَذَاهِبِ الأَْرْبَعَةِ (85)
اسْتِحْقَاقُ الْهِبَةِ بَعْدَ التَّلَفِ:
31 - لِلْعُلَمَاءِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الْهِبَةِ التَّالِفَةِ اتِّجَاهَانِ:
أ - تَخْيِيرُ الْمُسْتَحِقِّ بَيْنَ الرُّجُوعِ عَلَى الْوَاهِبِ أَوْ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ، أَمَّا عَلَى الْوَاهِبِ فَلأَِنَّهُ سَبَبُ إِتْلاَفِ مَالِهِ، وَأَمَّا عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ فَلأَِنَّهُ هُوَ الْمُسْتَهْلِكُ لَهُ، وَهُوَ قَوْل الْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ، غَيْرَ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ جَعَلُوا الرُّجُوعَ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الرُّجُوعِ عَلَى الْوَاهِبِ، وَيَكُونُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ مِنَ الْغَلَّةِ قِيمَةُ عَمَلِهِ وَعِلاَجِهِ.
فَإِنْ رَجَعَ عَلَى الْوَاهِبِ فَلاَ شَيْءَ لَهُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ، صَرَّحَ بِذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ. وَإِنْ رَجَعَ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ رَجَعَ هَذَا عَلَى الْوَاهِبِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، ذَكَرَ ذَلِكَ صَاحِبُ كَشَّافِ الْقِنَاعِ قَوْلاً وَاحِدًا، وَشَهَّرَهُ ابْنُ رَجَبٍ لأَِنَّهُ دَخَل عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ ضَامِنٍ لِشَيْءٍ فَهُوَ مَغْرُورٌ. وَالْخِلاَفُ يَجْرِي كَذَلِكَ فِي رُجُوعِ الْمَوْهُوبِ لَهُ عَلَى الْوَاهِبِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَقِيل: لاَ يَرْجِعُ عَلَى الْوَاهِبِ؛ لأَِنَّ الْوَاهِبَ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ عِوَضًا فَيَرْجِعُ بِعِوَضِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ رَجُلٌ غَرَّهُ مِنْ أَمْرٍ قَدْ كَانَ لَهُ أَلاَّ يَقْبَلَهُ.
ب - الرُّجُوعُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ دُونَ الْوَاهِبِ، وَهُوَ قَوْل الْحَنَفِيَّةِ؛ لأَِنَّ الْهِبَةَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ وَالْوَاهِبُ غَيْرُ عَامِلٍ لَهُ، فَلاَ يَسْتَحِقُّ الْمَوْهُوبُ لَهُ السَّلاَمَةَ، وَلاَ يَثْبُتُ بِهِ الْغُرُورُ؛ وَلأَِنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ يَقْبِضُ لِنَفْسِهِ (86) .
اسْتِحْقَاقُ الْمُوصَى بِهِ:
32 - تَبْطُل الْوَصِيَّةُ بِاسْتِحْقَاقِ الْمُوصَى بِهِ، فَإِنِ اسْتُحِقَّ بَعْضُهُ بَقِيَتِ الْوَصِيَّةُ فِي الْبَاقِي، لأَِنَّهَا تَبْطُل بِخُرُوجِ الْمُوصَى بِهِ عَنْ مِلْكِ الْمُوصِي، وَبِالاِسْتِحْقَاقِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَوْصَى بِمَالٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ لَهُ، وَالْوَصِيَّةُ بِمَا لاَ يَمْلِكُ بَاطِلَةٌ (87) .
اسْتِحْقَاقُ الصَّدَاقِ:
33 - يَتَّفِقُ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ لاَ يَبْطُل بِاسْتِحْقَاقِ الصَّدَاقِ، لأَِنَّهُ لَيْسَ شَرْطًا لِصِحَّةِ النِّكَاحِ. لَكِنَّهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِيمَا يَجِبُ لِلزَّوْجَةِ عِنْدَ الاِسْتِحْقَاقِ، وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ اتِّجَاهَانِ:
الأَْوَّل: الرُّجُوعُ بِقِيمَةِ الْمُتَقَوِّمِ وَمِثْل الْمِثْلِيِّ وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيَّةِ، وَالْمَالِكِيَّةِ مَعَهُمْ فِي الْمِثْلِيِّ مُطْلَقًا، وَفِي الْمُتَقَوِّمِ إِنْ كَانَ مُعَيَّنًا، فَإِنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا مَوْصُوفًا رَجَعَتْ بِالْمِثْل (88) .
وَالثَّانِي: الرُّجُوعُ بِمَهْرِ الْمِثْل، وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيَّةِ (89) .
اسْتِحْقَاقُ الْعِوَضِ فِي الْخُلْعِ:
34 - اتَّفَقَ فُقَهَاءُ الْمَذَاهِبِ الْمَشْهُورَةِ عَلَى أَنَّ الْخُلْعَ لاَ يَبْطُل بِخُرُوجِ الْعِوَضِ مُسْتَحَقًّا (90) ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يَجِبُ لِلزَّوْجِ عِنْدَ الاِسْتِحْقَاقِ، وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ اتِّجَاهَانِ:
أَحَدُهُمَا: الرُّجُوعُ بِالْقِيمَةِ أَوْ بِالْمِثْل، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمَالِكِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ؛ لِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِ الْعِوَضِ مَعَ بَقَاءِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ تَسْلِيمَهُ، وَهُوَ الْخُلْعُ إِذْ هُوَ لاَ يَقْبَل النَّقْضَ بَعْدَ تَمَامِهِ (91) . إِلاَّ أَنَّ الْحَنَابِلَةَ قَالُوا بِالْقِيمَةِ إِنْ كَانَ الْعِوَضُ مُقَوَّمًا، وَبِالْمِثْل إِنْ كَانَ مِثْلِيًّا، وَقَال الْمَالِكِيَّةُ بِوُجُوبِ الْقِيمَةِ إِنْ كَانَ مُعَيَّنًا، فَإِنْ كَانَ مَوْصُوفًا فَفِيهِ الْمِثْل (92) .
وَالثَّانِي: بَيْنُونَةُ الْمَرْأَةِ بِمَهْرِ الْمِثْل، وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيَّةِ (93) ، لأَِنَّهُ الْمُرَادُ عِنْدَ فَسَادِ الْعِوَضِ.
اسْتِحْقَاقُ الأُْضْحِيَّةِ:
35 - الْحَنَفِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ الأُْضْحِيَّةَ الْمُسْتَحَقَّةَ لاَ تُجْزِئُ عَنِ الذَّابِحِ وَلاَ عَنِ الْمُسْتَحِقِّ، اسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ ضَمَّنَهُ الْمَالِكُ قِيمَتَهَا فَإِنَّهَا تُجْزِئُ عَنِ الذَّابِحِ.
وَفِي لُزُومِ الْبَدَل قَال الْحَنَفِيَّةُ، يَلْزَمُ كُلًّا مِنْهُمَا أَنْ يُضَحِّيَ عِنْدَ عَدَمِ الإِْجْزَاءِ، فَإِنْ فَاتَ وَقْتُ النَّحْرِ فَعَلَى الذَّابِحِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِقِيمَةِ شَاةٍ وَسَطٍ، وَقَال الْحَنَابِلَةُ يَلْزَمُهُ بَدَلُهَا إِنْ تَعَيَّنَتْ قَبْل الاِسْتِحْقَاقِ، وَكَانَتْ وَاجِبَةً قَبْل التَّعْيِينِ، كَأَنْ نَذَرَهَا لِلأُْضْحِيَّةِ، فَإِنْ كَانَ الاِسْتِحْقَاقُ قَبْل التَّعْيِينِ فَلاَ يَلْزَمُهُ بَدَلُهَا لِعَدَمِ صِحَّةِ التَّعْيِينِ حِينَئِذٍ (94) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: تَتَوَقَّفُ الأُْضْحِيَّةُ الْمُسْتَحَقَّةُ عَلَى إِجَازَةِ الْمُسْتَحِقِّ، فَإِنْ أَجَازَ الْبَيْعَ أَجْزَأَتْ قَطْعًا (95) .
اسْتِحْقَاقُ بَعْضِ الْمَقْسُومِ:
36 - لِلْفُقَهَاءِ فِي بُطْلاَنِ الْقِسْمَةِ وَبَقَائِهَا صَحِيحَةً - عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ بَعْضِ الْمَقْسُومِ - اتِّجَاهَاتٌ:
أ - أَوَّلُهَا: بَقَاءُ الْقِسْمَةِ صَحِيحَةً إِنْ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ بَعْضًا مُعَيَّنًا وَهُوَ قَوْل الْحَنَفِيَّةِ، سَوَاءٌ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ كَوْنُ الْجُزْءِ الْمُسْتَحَقِّ الْمُعَيَّنِ فِي نَصِيبِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَمْ فِي نَصِيبِ كُلٍّ مِنْهُمَا، فَإِنْ كَانَ فِي نَصِيبِ أَحَدِهِمَا رَجَعَ عَلَى شَرِيكِهِ بِحِصَّتِهِ مِنَ الْمُسْتَحِقِّ. وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ يَرَوْنَ بَقَاءَهَا صَحِيحَةً إِنْ كَانَ الاِسْتِحْقَاقُ فِي نَصِيبِ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ (96) .
ب - بُطْلاَنُ الْقِسْمَةِ وَهُوَ قَوْل الْحَنَفِيَّةِ إِنْ كَانَ الاِسْتِحْقَاقُ شَائِعًا فِي الْكُل، أَوْ شَائِعًا فِي أَحَدِ الأَْنْصِبَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَالْبُطْلاَنُ أَيْضًا قَوْل الشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ إِنْ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ بَعْضًا شَائِعًا؛ لأَِنَّ الْمُسْتَحَقَّ شَرِيكٌ لَهُمَا وَقَدِ اقْتَسَمَا مِنْ غَيْرِ حُضُورِهِ وَلاَ إِذْنِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ لَهُمَا شَرِيكٌ يُعَلِّمَانِهِ فَاقْتَسَمَا دُونَهُ، وَمِثْل الشَّائِعِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَيْضًا الْمُعَيَّنُ الْمُسْتَحَقُّ فِي نَصِيبِ أَحَدِهِمَا فَقَطْ أَوْ فِي نَصِيبِ أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِنَ الآْخَرِ؛ لأَِنَّهَا قِسْمَةٌ لَمْ تَعْدِل فِيهَا السِّهَامُ فَكَانَتْ بَاطِلَةً (97) .
ج - بُطْلاَنُ الْقِسْمَةِ فِي الْقَدْرِ الْمُسْتَحَقِّ إِنْ كَانَ شَائِعًا وَثُبُوتُ الْخِيَارِ فِي الْبَاقِي بَيْنَ إِنْفَاذِهِ الْقِسْمَةَ أَوْ إِلْغَائِهَا. وَهُوَ أَظْهَرُ الطَّرِيقَيْنِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ (98) .
د - التَّخْيِيرُ بَيْنَ التَّمَسُّكِ بِالْبَاقِي وَعَدَمِ الرُّجُوعِ بِشَيْءٍ، وَبَيْنَ رُجُوعِهِ فِيمَا بِيَدِ شَرِيكِهِ بِنِصْفِ قَدْرِ الْمُسْتَحَقِّ إِنْ كَانَ قَائِمًا، وَإِلاَّ فَبِنِصْفِ قِيمَتِهِ يَوْمَ قَبْضِهِ، وَهُوَ قَوْل الْمَالِكِيَّةِ إِنِ اسْتَحَقَّ النِّصْفَ أَوِ الثُّلُثَ، فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ الرُّبُعَ فَلاَ خِيَارَ لَهُ وَالْقِسْمَةُ بَاقِيَةٌ لاَ تُنْقَضُ، وَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ إِلاَّ بِنِصْفِ قِيمَةِ مَا اسْتَحَقَّ (1) .
هـ - التَّخْيِيرُ بَيْنَ إِبْقَاءِ الْقِسْمَةِ عَلَى حَالِهَا فَلاَ يَرْجِعُ بِشَيْءٍ وَبَيْنَ فَسْخِ الْقِسْمَةِ، وَهُوَ قَوْل الْمَالِكِيَّةِ إِنِ اسْتَحَقَّ الأَْكْثَرَ، وَهُوَ مَا زَادَ عَنِ النِّصْفِ (2)
و التَّخَيُّرُ بَيْنَ رَدِّ الْبَاقِي وَالاِقْتِسَامِ ثَانِيًا، وَبَيْنَ الإِْبْقَاءِ عَلَى الْقِسْمَةِ وَالرُّجُوعِ عَلَى الشَّرِيكِ بِقَدْرِ مَا اسْتَحَقَّ، وَهُوَ قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ إِنِ اسْتُحِقَّ جُزْءٌ شَائِعٌ مِنْ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا وَحْدَهُ، وَتُنْتَقَضُ الْقِسْمَةُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كَمَا تَقَدَّمَ (3) .
__________
(1) سورة المائدة 107
(2) المطلع على أبواب المقنع ص 275، ولسان العرب والمصباح مادة (حق) بتصرف
(3) ابن عابدين 4 / 191
(4) حاشية البناني 6 / 158، والشرح الصغير 2 / 266، والخرشي على خليل مع حاشية العدوي 6 / 150، 151 نشر دار صادر، والحطاب 5 / 294، 295 نشر ليبيا، وجواهر الإكليل 2 / 154 نشر دار صادر.
(5) قليوبي وعميرة 3 / 195، والمغني 4 / 597
(6) الحطاب 5 / 295، وحاشية البناني هامش الزرقاني على خليل 6 / 157، والشرح الصغير 3 / 613، والشرواني على التحفة 10 / 336، والمغني 9 / 82، والفتاوى الهندية 4 / 143
(7) الفتاوى الهندية 4 / 143، وشرح الروض 2 / 349، 350 ط الميمنية، وكشاف القناع 4 / 131 مطبعة أنصار السنة.
(8) حاشية البناني 6 / 157، ومعين الحكام ص 79، والبجيرمي على الخطيب 4 / 345
(9) الحطاب 5 / 296، والشرح الصغير 3 / 614 ط دار المعارف.
(10) الفتاوى الهندية 3 / 122، وأدب القضاء لابن أبي الدم ص 173، ومطالب أولي النهى 6 / 672
(11) ابن عابدين 4 / 342، 343
(12) البناني على الزرقاني 6 / 158، ومعين الحكام ص 74، وتبصرة الحكام المطبوع مع فتح العلي المالك 1 / 145
(13) جامع الفصولين 2 / 156، والحطاب 5 / 295
(14) الحطاب 5 / 295، وابن عابدين 4 / 423
(15) الفروق 3 / 242 ط الميمنية، والفتاوى الهندية 4 / 134، وجامع الفصولين 1 / 152، وشرح الروض 2 / 10، 349، وشرح منتهى الإرادات 2 / 413، 418 نشر مكتبة أنصار السنة المحمدية، والزرقاني على خليل 5 / 4، والفتاوى البزازية 5 / 433، 436، 5 / 440، والحطاب 5 / 307، والشرواني على التحفة 6 / 52 نشر دار صادر، والجمل على المنهج 3 / 508، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 3 / 470، 471
(16) الخرشي 6 / 156، والحطاب والتاج والإكليل 4 / 461 ط ليبيا، والمهذب 1 / 288 ط عيسى الحلبي، ومغني ابن قدامة 4 / 598 ط الرياض، وابن عابدين 4 / 191، 193، وشرح منتهى الإرادات 2 / 417، وقواعد ابن رجب ص 383
(17) المغني 4 / 598 وابن عابدين 4 / 194، وجامع الفصولين 2 / 151، ونهاية المحتاج 5 / 445 ط مصطفى الحلبي، وشرح الروض 2 / 349، 350، 4 / 413، ط الميمنية، والشرواني على التحفة 1 / 336، والمهذب 1 / 288، والزرقاني على خليل 5 / 4، والحطاب 5 / 307
(18) جامع الفصولين 2 / 151، وشرح الروض 2 / 349، 350، والزرقاني على خليل 5 / 4، والحطاب 5 / 307، والفتاوى البزازية 5 / 440
(19) الأم 3 / 222، والمجموع 10 / 367، 12 / 219، والجمل 3 / 94، والدسوقي 3 / 135 ط دار الفكر، والمغني 4 / 598، والإنصاف 6 / 290 ط أولى.
(20) ابن عابدين 4 / 201، والفتاوى البزازية 5 / 439
(21) ابن عابدين 4 / 201، وفتح القدير 5 / 543 ط بولاق، وفتح العزيز 10 / 367، والمجموع 12 / 219، والجمل 3 / 94
(22) البناني على الزرقاني 6 / 166
(23) الدسوقي على الشرح الكبير 3 / 469، والخرشي 6 / 159، والزرقاني 5 / 162، 6 / 166
(24) الخرشي 6 / 159، 160، وشرح الروض 2 / 242 ط الميمنية، والإنصاف 6 / 290، وابن عابدين 4 / 473، والقليوبي 2 / 336، وتبيين الحقائق 5 / 34 نشر دار المعرفة، وقواعد ابن رجب ص 383
(25) الشرح الصغير 3 / 618
(26) قواعد ابن رجب ص 148، 154، 168، 213
(27) الشرواني على التحفة 10 / 336، والقليوبي 2 / 181، وشرح الروض 2 / 340، 341
(28) الخرشي 5 / 129، 150، 6 / 147، وحاشية البناني هامش الزرقاني على خليل 5 / 152، والمقدمات على المدونة 2 / 261، 262 ط السعادة.
(29) فتح العزيز 10 / 368، والروضة 4 / 249، والفتاوى الهندية 4 / 144، وكشاف القناع 4 / 86، وقواعد ابن رجب: القاعدة السابعة والسبعون والثالثة والتسعون، وشرح منتهى الإرادات 2 / 417
(30) هذا التعليل يدل على أن المسألة مفروضة في الغصب (اللجنة) .
(31) الفتاوى الهندية 4 / 145 والخانية بهامشها 2 / 233
(32) الخرشي 6 / 152 نشر دار صادر.
(33) الدسوقي 3 / 466 نشر دار الفكر.
(34) المجموع 10 / 99 ط المنيرية.
(35) المغني 4 / 50، 51 ط الرياض.
(36) الحطاب 4 / 326، 327 ط ليبيا.
(37) حاشية الشرنبلالي 2 / 203 ط أحمد كامل 1330 هـ، والمغني 4 / 50، 51، والحطاب 4 / 327 وما بعدها.
(38) الحطاب 4 / 327
(39) فتح القدير 8 / 305 ط بولاق الأولى، والبدائع 6 / 141 ط الجمالية، والدسوقي 3 / 258 ط دار الفكر.
(40) الخرشي وحاشية العدوي 5 / 258 ط دار صادر، والشرواني على التحفة 5 / 64
(41) الأم 3 / 198، والدسوقي 3 / 258، ومنح الجيل 3 / 106، 107 ط ليبيا، ونيل المآرب ص 113 ط بولاق، ومنتهى الإرادات 1 / 405 ط دار العروبة.
(42) فتح القدير 8 / 205 ط بولاق، والعناية على الهداية بهامشه 8 / 224، والبدائع 6 / 151
(43) منح الجليل 3 / 70، وفتح القدير 8 / 205، والعناية على الهداية 8 / 224
(44) فتح القدير 8 / 223، 224، والبدائع 6 / 149، والشرواني على التحفة 3 / 290
(45) المغني 4 / 440 ط الرياض.
(46) الخرشي 5 / 241، واللجنة ترى أن ما صرح به المالكية لا ينبغي أن يكون محل خلاف
(47) الهداية بشرح فتح القدير 8 / 223، وابن عابدين 5 / 226
(48) المرجعان السابقان.
(49) مطالب أولي النهى 3 / 277، وكشاف القناع 3 / 287، والمغني مع الشرح الكبير 4 / 394
(50) الحطاب 5 / 309، 310
(51) الشرواني على التحفة 5 / 85، ونهاية المحتاج 4 / 270
(52) الزرقاني على خليل 5 / 274 والدسوقي 3 / 274 ط مصطفى الحلبي، وروضة الطالبين 4 / 144، وكشاف القناع 3 / 363 ط أنصار السنة المحمدية، وابن عابدين 5 / 92 ط بولاق الأولى، والسراج الوهاج ص 225 ط مصطفى الحلبي.
(53) رد المحتار 4 / 474، والاختيار 2 / 69، والمغني 4 / 546، والإنصاف 5 / 247، وكشاف القناع 3 / 333
(54) الزرقاني على خليل 6 / 9، والدسوقي 3 / 470
(55) شرح الروض 2 / 218، وروضة الطالبين 4 / 203
(56) الزرقاني على خليل 6 / 168، والدسوقي 3 / 471، والقواعد لابن رجب 4 / 2، ومطالب أولي النهى 3 / 188، وشرح الروض 4 / 45، والبحر الرائق 7 / 280
(57) فتح القدير 5 / 435، وابن عابدين 4 / 281، والقليوبي 2 / 325، والمغني 4 / 595، ومنح الجليل 3 / 249، والزرقاني على خليل 5 / 139
(58) المراجع السابقة، وحاشية أبو السعود على الكنز 2 / 8 ط أولى، والبحر الرائق 6 / 237 ط العلمية.
(59) ابن عابدين 4 / 202، 5 / 148، والمبسوط 14 / 129، وفتح القدير 8 / 344 ط دار إحياء التراث العربي، والزرقاني على خليل 6 / 189، والمهذب 1 / 390 ط مصطفى الحلبي، وكشاف القناع 4 / 189 ط أنصار السنة المحمدية، والإنصاف 6 / 290
(60) ابن عابدين 4 / 201، 202، والفتاوى البزازية 5 / 437، والزرقاني على خليل 6 / 191، والحطاب 5 / 326، والمدونة 5 / 423، والدسوقي 3 / 495
(61) الجمل على المنهج 3 / 508، وشرح الروض 2 / 350، 371، والمغني 5 / 338، 339
(62) شرح الروض 2 / 371، والإنصاف 6 / 290
(63) الجمل على المنهج 3 / 508، والكافي 2 / 882 نشر مكتبة الرياض.
(64) ابن عابدين 5 / 181، والفتاوى الهندية 5 / 256، 283، وشرح الروض 2 / 400، والقليوبي 3 / 66، والمغني 5 / 415، والفتاوى الهندية 5 / 283
(65) الزرقاني على خليل 6 / 244، والدسوقي 3 / 546 دار الفكر.
(66) الفتاوى الهندية 4 / 436، والحطاب مع التاج والإكليل 5 / 296، والجمل على المنهج 5 / 430، والشرواني على التحفة 10 / 336، والمجموع 9 / 261، والمغني 5 / 475، والإنصاف 6 / 34 ط أولى، والزوائد ص 490 ط السلفية.
(67) الفتاوى الهندية 4 / 436
(68) التاج والإكليل 5 / 296
(69) الشرواني على التحفة 10 / 336، والجمل على المنهج 5 / 430، والمجموع 9 / 261
(70) الإنصاف 6 / 174، 181، والفتاوى الهندية 4 / 436، وشرح الروض 2 / 341، 361
(71) الأم 3 / 257
(72) شرح منتهى الإرادات 2 / 413
(73) المواهب السنية هامش الأشباه والنظائر للسيوطي ص 355، 356 ط التجارية.
(74) الفتاوى الهندية 4 / 436، والتاج والإكليل 5 / 300
(75) الخرشي 6 / 154
(76) البحر الرائق 7 / 321، 324 ط العلمية، والأم 3 / 257، وشرح الروض 2 / 341، ومطالب أولي النهى 3 / 188، وكشاف القناع 4 / 86، والإنصاف 6 / 174، وقواعد ابن رجب ص 68، 154، وشرح منتهى الإرادات 2 / 413
(77) شرح الروض 2 / 361، وشرح منتهى الإرادات 2 / 413، والمغني 5 / 279 ط الرياض، والقليوبي 2 / 181
(78) التاج والإكليل 5 / 303
(79) الفتاوى البزازية 5 / 438، وجامع الفصولين 1 / 163
(80) حاشية الدسوقي 3 / 462، والخرشي 6 / 152
(81) الفتاوى البزازية 5 / 435، وشرح الروض 2 / 359
(82) الخرشي 6 / 155، والروضة 5 / 47، وحاشية القليوبي على المحلي 3 / 39
(83) المرجع السابق.
(84) قواعد ابن رجب ص 154
(85) التاج والإكليل 5 / 300، وشرح الروض 2 / 356، 361، والفتاوى البزازية 5 / 435، والخرشي 6 / 155، وقواعد ابن رجب ص 154
(86) الأم 3 / 257، والبحر الرائق 7 / 321 ط العلمية، والتاج والإكليل 5 / 291، والمدونة 5 / 361 نشر دار صادر، وكشاف القناع 4 / 84، وقواعد ابن رجب ص 216
(87) العناية على الهداية هامش تكملة فتح القدير 8 / 498، والشرح الكبير لابن أبي عمر 6 / 526، والمغني أعلاه 6 / 576 ط المنار الأولى، وجواهر الإكليل 2 / 318، 322
(88) ابن عابدين 2 / 350، وهامش جامع الفصولين 1 / 163، وفتح القدير 2 / 455 ط بولاق الأولى، والبدائع 5 / 378 المطبوعات العلمية، والزرقاني وعلى خليل 4 / 3، والخطاب 3 / 501، والمدونة 5 / 387 نشر دار صادر، والشرواني على التحفة 7 / 384، والجمل 3 / 98، والمغني 6 / 689 ط الرياض، ومطالب أولي النهى 3 / 188.
(89) الشرواني على التحفة 7 / 384. وشرح الروض 3 / 204، 205 ط الميمنية.
(90) فتح القدير 3 / 109، وجامع الفصولين 2 / 163، وشرح الروض 3 / 255، ومطالب أولي النهى 3 / 188
(91) فتح القدير 3 / 109، وجامع الفصولين 2 / 163
(92) الخرشي 3 / 16، والمغني 8 / 195، 202، وكشاف القناع 3 / 131، وقواعد ابن رجب ص 214
(93) شرح الروض 5 / 255
(94) البدائع 5 / 76، ونهاية المحتاج 8 / 136، وكشاف القناع 3 / 11، 12 ط مكتبة النصر.
(95) الزرقاني على خليل 3 / 43
(96) الهداية مع نتائج الأفكار والكفاية 8 / 374 ط دار (إحياء التراث العربي، وشرح الروض 4 / 334، والمهذب 2 / 310 ط مصطفى الحلبي، والمغني 9 / 128، وقواعد ابن رجب ص 414
(97) الهداية مع نتائج الأفكار والكفاية 8 / 374، وابن عابدين 5 / 168، 169، وشرح الروض 4 / 334، والقليوبي 4 / 318، والمهذب 2 / 310، والمغني 9 / 128، وقواعد ابن رجب ص 415
(98) شرح الروض 4 / 334
الموسوعة الفقهية الكويتية: 219/ 3
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".