القهار
كلمة (القهّار) في اللغة صيغة مبالغة من القهر، ومعناه الإجبار،...
عَمَلٌ لِلَّذَّةِ لاَ يُرَاعَى فِيهِ دَاعِي الْحِكْمَةِ . ومن أمثلته لعب الصبيان، ومن شواهده قولهم : "قَالَ يَحْيَى، وَسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ : لاَ خَيْرَ فِى الشَّطْرَنْجِ . وَكَرِهَهَا، وَسَمِعْتُهُ يَكْرَهُ اللَّعِبَ بِهَا، وَبِغَيْرِهَا مِنَ الْبَاطِلِ، وَيَتْلُو هَذِهِ الآيَةَ : ﱫﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ ﰃ ﰄﱪ يونس :32 " الموطأ :1758.
اللَّهْوُ وَالتَّسْليَةُ، تَقولُ: لَعِبَ الصَّبِيُّ أيْ تَسَلَّى وقامَ بِما يُلْهِيهِ، واللَّاعِبُ: اللاَّهِي، وَيُطْلَقُ عَلَى كُلِّ مَا لَا نَفْعَ فِيهِ ولا فائِدَةَ، واللِّعْبَةُ: الهَيْئَةُ التي يكون عليها اللاَّعِبُ، واللُّعْبَةُ: كُلُّ ما يُلْعَبُ بِهِ كالشِّطْرَنْجِ ونَحْوِهِ، وَضِدُّ اللَّعِبِ: الجِدُّ، وَالجَمْعُ: أَلْعابٌ، وأَصْلُ اللَّعِبِ: المَيْلُ وعدَمُ الاسْتِقامَةِ، يُقال: لَعِبَ فُلانٌ يَلْعَبُ لَعِباً أيْ مَالَ، ومِن مَعانِيه أيضاً: العَبَثُ والهَزْلُ والباطِلُ والسُّخْرِيَّةُ.
يَذْكُرُ الفُقَهاءُ مُصْطَلَحَ (لَعِبٍ) فِي مَواضِعَ أُخْرَى مِنْهَا: كِتابُ الصِّيامِ فِي بَابِ صَوْمِ التَّطَوُّعِ عِنْدَ الكَلامِ عَنْ إِلْهاءِ الوَلَدِ بِالأَلْعابِ أَثناءَ صَوْمِهِ، وَكِتابُ النِّكاحِ فِي بَابِ عِشْرةِ النِّساءِ. وَيُعَرِّفُ عُلَماءُ النَّفْسِ اللَّعِبَ بِأَنَّهُ: (نَشاطٌ يَقومُ بِهِ الأَطْفالُ مِنْ أَجْلِ تَحْقِيقِ المُتْعَةِ وَالتَّسْلِيَةِ وَيَسْتِغُلُّهُ الكِبارُ عَادَةً لِيُسْهِمَ فِي تَنْمِيَةِ سُلُوكِهِمْ وَشَخْصِياتِهِمْ).
لعب
لعب جمع لعبة، واللعبة كل ما يُلْعَبُ به.
* معجم الفروق اللغوية : 275/1 - مقاييس اللغة : 253/5 - لسان العرب : 287/12 - لسان العرب : 287/12 - التعريفات للجرجاني : ص192 - المغرب في ترتيب المعرب : 301/1 - الـمغني لابن قدامة : 650/8 - بدائع الصنائع : 206/6 -
التَّعْرِيفُ:
1 - اللَّعِبُ - بِفَتْحِ اللاَّمِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ وَيَجُوزُ لِعْبٌ بِكَسْرِ اللاَّمِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ - فِي اللُّغَةِ: ضِدُّ الْجَدِّ، يُقَال: لِعْبُ فُلاَنٍ إِذَا كَانَ فَعَلَهُ غَيْرَ قَاصِدٍ بِهِ مَقْصِدًا صَحِيحًا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللاَّعِبِينَ} (1) ، وَلَعِبَ: عَمِل عَمَلاً لاَ يُجْدِي نَفْعًا، وَاللُّعْبَةُ: كُل مَا يُلْعَبُ بِهِ، وَهُوَ بِكَسْرِ اللاَّمِ اسْمٌ لِلْحَال وَالْهَيْئَةِ الَّتِي يَكُونُ اللاَّعِبُ عَلَيْهَا، وَبِالْفَتْحِ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ.
وَقِيل: اللَّعِبُ عَمَلٌ لِلَّذَّةِ لاَ يُرَاعَى فِيهِ دَاعِيَ الْحِكْمَةِ كَعَمَل الصَّبِيِّ، لأَِنَّهُ لاَ يَعْرِفُ الْحِكْمَةَ وَإِنَّمَا يَعْمَل لِلَّذَّةِ.
وَلاَ يَخْرُجُ مَعْنَاهُ الاِصْطِلاَحِيُّ عَنْ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ (2) . الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
اللَّهْوُ:
2 - اللَّهْوُ فِي اللُّغَةِ: السُّلْوَانُ، وَالتَّرْوِيحُ عَنِ النَّفْسِ بِمَا لاَ تَقْتَضِيهِ الْحِكْمَةُ، وَهُوَ أَيْضًا: مَا يَشْغَل الإِْنْسَانَ عَمَّا يَعْنِيهِ أَوْ يُهِمُّهُ مِنْ هَوًى وَطَرَبٍ وَنَحْوِهِمَا.
وَالْفَرَقُ بَيْنَ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ أَنَّهُ لاَ لَهْوَ إِلاَّ وَهُوَ لَعِبٌ، وَقَدْ يَكُونُ لَعِبٌ لَيْسَ بِلَهْوٍ، لأَِنَّ اللَّعِبَ يَكُونُ لِلتَّأْدِيبِ كَاللَّعِبِ بِالشِّطْرَنْجِ وَغَيْرِهِ، وَلاَ يُقَال لِذَلِكَ لَهْوٌ، وَإِنَّمَا اللَّهْوُ لَعِبٌ لاَ يُعْقِبُ نَفْعًا (3) .
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
3 - اللَّعِبُ مِنْهُ مَا هُوَ مُبَاحٌ وَمِنْهُ مَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ وَمِنْهُ مَا هُوَ مَكْرُوهٌ وَمِنْهُ مَا هُوَ مُحَرَّمٌ.
فَمِنَ اللَّعِبِ الْمُبَاحِ (4) الْمُسَابَقَةُ الْمَشْرُوعَةُ عَلَى الأَْقْدَامِ وَالسُّفُنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ فِي سَفَرٍ مَعَ عَائِشَةَ ﵂ فَسَابَقَتْهُ عَلَى رِجْلِهَا فَسَبَقَتْهُ قَالَتْ: فَلَمَّا حَمَلْتُ اللَّحْمَ سَابَقْتُهُ فَسَبَقَنِي فَقَال: هَذِهِ بِتِلْكَ السِّبْقَةِ (5) ". وَإِبَاحَةُ اللَّعِبِ إِنَّمَا يَكُونُ بِشَرْطِ أَنْ لاَ يَكُونَ فِيهِ دَنَاءَةٌ يَتَرَفَّعُ عَنْهَا ذَوُو الْمَرُوءَاتِ، وَبِشَرْطِ أَنْ لاَ يَتَضَمَّنَ ضَرَرًا فَإِنْ تَضَمَّنَ ضَرَرًا لإِِنْسَانٍ أَوْ حَيَوَانٍ كَالتَّحْرِيشِ بَيْنَ الدُّيُوكِ وَالْكِلاَبِ وَنِطَاحِ الْكِبَاشِ وَالتَّفَرُّجِ عَلَى هَذِهِ الأَْشْيَاءِ فَهَذَا حَرَامٌ، وَبِشَرْطِ أَنْ لاَ يَشْغَل عَنْ صَلاَةٍ أَوْ فَرْضٍ آخَرَ أَوْ عَنْ مُهِمَّاتٍ وَاجِبَةٍ فَإِنْ شَغَلَهُ عَنْ هَذِهِ الأُْمُورِ وَأَمْثَالِهَا حَرُمَ، وَبِشَرْطِ أَنْ لاَ يُخْرِجَهُ إِلَى الْحَلِفِ الْكَاذِبِ وَنَحْوِهِ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ (6)
وَمِنَ اللَّعِبِ الْمُبَاحِ الْمِزَاحُ وَالاِنْبِسَاطُ مَعَ الزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ لِيُعْطِيَ الزَّوْجَةَ وَالنَّفْسَ وَالْوَلَدَ حَقَّهُمْ (7) .
وَمِنَ اللَّعِبِ الْمُسْتَحَبِّ الْمُنَاضَلَةُ عَلَى السِّهَامِ وَالرِّمَاحِ وَالْمَزَارِيقِ وَكُل نَافِعٍ فِي الْحَرْبِ لِقَوْل اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْل تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} (8) ، وَقَال النَّبِيُّ ﷺ فِي تَفْسِيرِ الْقُوَّةِ فِي الآْيَةِ: أَلاَ إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ (9) . وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (سِبَاقٌ ف 5 وَمَا بَعْدَهُ) .
وَمِنَ اللَّعِبِ الْمَكْرُوهِ اللَّعِبُ بِالطَّيْرِ وَالْحَمَامِ لأَِنَّهُ لاَ يَلِيقُ بِأَصْحَابِ الْمَرُوءَاتِ وَالإِْدْمَانُ عَلَيْهِ قَدْ يُؤَدِّي إِلَى إِهْمَال الْمَصَالِحِ وَيَشْغَل عَنِ الْعِبَادَاتِ وَالطَّاعَاتِ (10) .
وَمِنَ اللَّعِبِ الْمُحَرَّمِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ: كُل لُعْبَةٍ فِيهَا قِمَارٌ لأَِنَّهَا مِنَ الْمَيْسِرِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِاجْتِنَابِهِ (11) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَْنْصَابُ وَالأَْزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَل الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَل أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (12) .
اللَّعِبُ بِالنَّرْدِ وَالشِّطْرَنْجِ
أ - اللَّعِبُ بِالنَّرْدِ:
4 - اللَّعِبُ بِالنَّرْدِ مُحَرَّمٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَهُمْ وَالْحَنَابِلَةُ لِحَدِيثِ النَّبِيِّ ﷺ: مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِشِيرِ فَكَأَنَّمَا صَبَغَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَدَمِهِ (13) . وَمُقَابِل الصَّحِيحِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ اللَّعِبُ بِالنَّرْدِ كَمَا يُكْرَهُ الشِّطْرَنْجُ عِنْدَهُمْ (14) .
ب - اللَّعِبُ بِالشِّطْرَنْجِ:
5 - أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ اللَّعِبَ بِالشِّطْرَنْجِ حَرَامٌ إِذَا كَانَ عَلَى عِوَضٍ أَوْ تَضَمَّنَ تَرْكَ وَاجِبٍ مِثْل تَأْخِيرِ الصَّلاَةِ عَنْ وَقْتِهَا، وَكَذَلِكَ إِذَا تَضَمَّنَ كَذِبًا أَوْ ضَرَرًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ.
أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَقْوَالٍ:
الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْحَلِيمِيِّ وَالرُّويَانِيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ حُرْمَةُ اللَّعِبِ بِالشِّطْرَنْجِ مُطْلَقًا.
وَمِمَّنْ قَال بِالتَّحْرِيمِ: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ ﵃ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَالْقَاسِمُ وَسَالِمٌ وَعُرْوَةُ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ وَمَطَرٌ الْوَرَّاقُ، وَاسْتَدَلُّوا بِأَثَرِ عَلِيٍّ ﵁ أَنَّهُ مَرَّ بِقَوْمٍ يَلْعَبُونَ بِالشِّطْرَنْجِ فَقَال: مَا هَذِهِ التَّمَاثِيل الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ؟ لأََنْ يَمَسَّ جَمْرًا حَتَّى يُطْفَى خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَمَسَّهَا (15) .
وَرَوَى مَالِكٌ بَلاَغًا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ ﵄ وَلِيَ مَال يَتِيمٍ فَوَجَدَهَا فِيهِ فَأَحْرَقَهَا. كَمَا اسْتَدَلُّوا بِالْقِيَاسِ عَلَى النَّرْدِ، بَل إِنَّ الشِّطْرَنْجَ شَرٌّ مِنَ النَّرْدِ فِي الصَّدِّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ وَهُوَ أَكْثَرُ إِيقَاعًا لِلْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ، لأَِنَّ لاَعِبَهَا يَحْتَاجُ إِلَى إِعْمَال فِكْرِهِ وَشَغْل خَاطِرِهِ أَكْثَرَ مِنَ النَّرْدِ، وَلأَِنَّ فِيهِمَا صَرْفُ الْعُمُرِ إِلَى مَا لاَ يُجْدِي، إِلاَّ أَنَّ النَّرْدَ آكَدُ فِي التَّحْرِيمِ لِوُرُودِ النَّصِّ بِتَحْرِيمِهِ وَلاِنْعِقَادِ الإِْجْمَاعِ عَلَى حُرْمَتِهِ مُطْلَقًا.
وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ اللَّعِبَ بِالشِّطْرَنْجِ مَكْرُوهٌ.
وَمَأْخَذُ الْكَرَاهَةِ أَنَّهُ مِنَ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ وَجَاءَ فِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عُمَيْرٍ ﵁ عَنْ رَسُول اللَّهِ ﷺ: كُل شَيْءٍ لَيْسَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ ﷿ فَهُوَ لَهْوٌ أَوْ سَهْوٌ إِلاَّ أَرْبَعَ خِصَالٍ: مَشْيُ الرَّجُل بَيْنَ الْغَرَضَيْنِ، وَتَأْدِيبُهُ فَرَسَهُ، وَمُلاَعَبَةُ أَهْلِهِ، وَتَعَلُّمُ السِّبَاحَةِ (16) "
. وَفِي حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيُّ ﵁ عَنِ الرَّسُول ﷺ قَال: لَيْسَ مِنَ اللَّهْوِ ثَلاَثَةٌ: تَأْدِيبُ الرَّجُل فَرَسَهُ، وَمُلاَعَبَتُهُ زَوْجَهُ، وَرَمْيُهُ بِنَبْلِهِ عَنْ قَوْسِهِ (17) .
وَقَيَّدَ الشَّافِعِيَّةُ قَوْلَهُمْ بِأَنْ يَكُونَ لَعِبُ الشِّطْرَنْجِ مَعَ مَنْ يَعْتَقِدُ حِلَّهُ وَإِلاَّ كَانَ حَرَامًا، لأَِنَّ فِيهِ إِعَانَةً عَلَى مَعْصِيَةٍ لاَ يُمْكِنُ الاِنْفِرَادُ بِهَا.
وَمَأْخَذُ الْكَرَاهَةِ كَذَلِكَ أَنَّهُ يُلْهِي عَنِ الذِّكْرِ وَالصَّلاَةِ فِي أَوْقَاتِهَا الْفَاضِلَةِ، وَقَدْ يَسْتَغْرِقُ لاَعِبُهُ فِي لَعِبِهِ حَتَّى يَشْغَلَهُ عَنْ مَصَالِحِهِ الأُْخْرَوِيَّةِ.
وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَقَوْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى إِبَاحَةِ اللَّعِبِ بِالشِّطْرَنْجِ لِمَا فِيهِ مِنْ شَحْذِ الْخَوَاطِرِ وَتَذْكِيَةِ الأَْفْهَامِ وَلأَِنَّ الأَْصْل الإِْبَاحَةُ وَلَمْ يَرِدْ بِتَحْرِيمِهِ نَصٌّ وَلاَ هُوَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، وَقَيَّدَ الْمَالِكِيَّةُ قَوْلَهُمْ بِالإِْبَاحَةِ بِأَلاَّ يَلْعَبَهُ مَعَ الأَْوْبَاشِ فِي الطَّرِيقِ بَل مَعَ نَظَائِرِهِ فِي الْخَلْوَةِ بِلاَ إِدْمَانٍ وَتَرْكِ مُهِمٍّ وَلَهْوٍ عَنْ عِبَادَةٍ.
وَيُخَالِفُ الشِّطْرَنْجُ النَّرْدَ فِي أَمْرَيْنِ:
الأَْوَّل: أَنَّ الْمُعَوِّل فِي النَّرْدِ مَا يُخْرِجُهُ اللُّعْبَانُ فَهُوَ يَعْتَمِدُ عَلَى الْحَزْرِ وَالتَّخْمِينِ الْمُؤَدِّي إِلَى غَايَةٍ مِنَ السَّفَاهَةِ وَالْحُمْقِ فَأَشْبَهَ الأَْزْلاَمَ. وَالْمُعَوَّل فِي الشِّطْرَنْجِ عَلَى الْحِسَابِ الدَّقِيقِ وَالْفِكْرِ الصَّحِيحِ وَعَلَى الْحِذْقِ وَالتَّدْبِيرِ فَأَشْبَهَ الْمُسَابَقَةَ بِالسِّهَامِ.
الثَّانِي: أَنَّ فِي الشِّطْرَنْجِ تَدْبِيرَ الْحَرْبِ فَأَشْبَهَ اللَّعِبَ بِالْحِرَابِ وَالرَّمْيَ بِالنُّشَّابِ وَالْمُسَابَقَةَ بِالْخَيْل. وَنُقِل الْقَوْل بِالإِْبَاحَةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَابْنِهِ هِشَامٍ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَرَبِيعَةَ وَعَطَاءٍ (18) .
شَهَادَةُ اللاَّعِبِ بِالنَّرْدِ وَالشِّطْرَنْجِ
6 - مَنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ اللَّعِبُ بِالنَّرْدِ لَمْ تُقْبَل شَهَادَتُهُ سَوَاءٌ لَعِبَ بِهِ قِمَارًا أَوْ غَيْرَ قِمَارٍ.
قَال مَالِكٌ: مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ وَالشِّطْرَنْجِ فَلاَ أَرَى شَهَادَتَهُ طَائِلَةً، لأَِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَال: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَل} (19) وَهَذَا لَيْسَ مِنَ الْحَقِّ فَيَكُونُ مِنَ الضَّلاَل (20) . وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: مَنْ بَاشَرَ لَعِبَهَا وَلَوْ مَرَّةً لاَ تُقْبَل شَهَادَتُهُ. وَأَمَّا لاَعِبُ الشِّطْرَنْجِ فَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى رَدِّ شَهَادَتِهِ فِي الأَْحْوَال الَّتِي يَحْرُمُ لَعِبُهَا إِجْمَاعًا، وَذَلِكَ لِلإِْجْمَاعِ عَلَى فِسْقِهِ فِيهَا. وَفِيمَا عَدَا ذَلِكَ فَلِلْفُقَهَاءِ أَقْوَالٌ بِحَسَبِ أَقْوَالِهِمْ فِي إِبَاحَةِ الشِّطْرَنْجِ أَوْ تَحْرِيمِهِ. فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ شَهَادَةَ لاَعِبِ الشِّطْرَنْجِ لاَ تَسْقُطُ إِلاَّ عِنْدَ الإِْدْمَانِ عَلَيْهَا لأَِنَّ الْمُدْمِنَ لاَ يَخْلُو مِنَ الأَْيْمَانِ الْحَانِثَةِ وَالاِشْتِغَال عَنِ الْعِبَادَةِ. وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ تُرَدُّ شَهَادَةُ لاَعِبِ الشِّطْرَنْجِ إِلاَّ إِذَا اقْتَرَنَ بِقِمَارٍ أَوْ فُحْشٍ أَوْ إِخْرَاجِ صَلاَةٍ عَنْ وَقْتِهَا عَمْدًا وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ بِذَلِكَ الْمُقَارِنِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى عَدَمِ قَبُول شَهَادَةِ لاَعِبِ الشِّطْرَنْجِ مُطْلَقًا لِتَحْرِيمِهِ وَإِنْ عَرِيَ عَنِ الْقِمَارِ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ عِنْدَهُمْ بِأَنْ يَكُونَ لاَعِبُهُ غَيْرَ مُقَلِّدٍ فِي إِبَاحَتِهِ فَإِنْ قَلَّدَ مَنْ يَرَى حِلَّهُ لَمْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى رَدِّ شَهَادَةِ لاَعِبِ الشِّطْرَنْجِ بِوَاحِدٍ مِمَّا يَلِي: إِذَا كَانَ عَنْ قِمَارٍ أَوْ فَوَّتَ الصَّلاَةَ بِسَبَبِهِ أَوْ أَكْثَرَ مِنَ الْحَلِفِ عَلَيْهِ أَوِ اللَّعِبِ بِهِ عَلَى الطَّرِيقِ أَوْ ذَكَرَ عَلَيْهِ فِسْقًا.وَإِنَّمَا لَمْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُ مُطْلَقًا لِشُبْهَةِ الاِخْتِلاَفِ فِي إِبَاحَتِهِ (1) .
__________
(1) سورة الأنبياء / 55.
(2) لسان العرب، والمصباح المنير، والمعجم الوسيط، والمفردات في غريب القرآن.
(3) المصادر السابقة، والفروق اللغوية ص210.
(4) مغني المحتاج 4 / 311، 428، والمغني 8 / 651 وما بعدها و9 / 170 وما بعدها، والقوانين الفقهية ص154، وبدائع الصنائع 6 / 206.
(5) حديث: " أن النبي ﷺ كان في سفر مع عائشة. . . ". أخرجه أبو داود (3 / 66) من حديث عائشة، وإسناده صحيح.
(6) بدائع الصنائع 6 / 269، وجواهر الإكليل 2 / 233، ومغني المحتاج 4 / 311، 428، 432، والمغني لابن قدامة 8 / 651 وما بعدها، 9 / 170، وما بعدها، والآداب الشرعية 3 / 357.
(7) المغني لابن قدامة 8 / 652، والآداب الشرعية 3 / 247، ومغني المحتاج 3 / 127، 4 / 311.
(8) سورة الأنفال / 60.
(9) حديث: " ألا إن القوة الرمي ". أخرجه مسلم (3 / 1522) من حديث عقبة بن عامر.
(10) بدائع الصنائع 6 / 269، والخرشي 7 / 177، وشرح الزرقاني 7 / 159، ومغني المحتاج 4 / 428، 432، والمغني 9 / 170، 172، 173، وكشاف القناع 6 / 423.
(11) بدائع الصنائع 6 / 269، والخرشي على خليل 7 / 177، ومغني المحتاج 4 / 428، والمغني 9 / 170.
(12) سورة المائدة / 90،91.
(13) حديث: " من لعب بالنردشير. . . ". أخرجه مسلم (4 / 1770) من حديث بريدة بن الحصيب.
(14) مغني المحتاج 4 / 428، والمغني لابن قدامة 9 / 170.
(15) أثر علي " أنه مر على قوم يلعبون الشطرنج. . . ". أخرجه البيهقي (10 / 212) .
(16) حديث جابر بن عمير: " كل شيء ليس من ذكر الله فهو لهو أو سهو. . . ". أخرجه الطبراني (2 / 193) وجود إسناده المنذري في الترغيب (2 / 243) .
(17) حديث: " ليس من اللهو ثلاثة. . . ". أخرجه الحاكم (2 / 95) وصححه ووافقه الذهبي.
(18) المغني 9 / 171، ومواهب الجليل 6 / 153، وحاشية ابن عابدين 5 / 252، والبناية 9 / 384، وروضة الطالبين 11 / 225. وحاشية الدسوقي 4 / 167، وكشاف القناع 6 / 423، ومطالب أولي النهى 3 / 702، ومجموع فتاوى ابن تيمية 4 / 260.
(19) سورة يونس / 32.
(20) المغني لابن قدامة 9 / 170 وما بعدها، والخرشي مع حاشية العدوي 7 / 177، وجواهر الإكليل 2 / 233.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 267/ 35