السيد
كلمة (السيد) في اللغة صيغة مبالغة من السيادة أو السُّؤْدَد،...
الدعاء على صفة مخصوصة بطلب السقيا بالمطر عند طول انقطاعه . ومن شواهده عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّاسَ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ، هَلَكَ الْمَالُ، أَقْحَطْنَا يَا رَسُولَ اللهِ، وَهَلَكَ الْمَالُ فَاسْتَسْقِ لَنَا، فَقَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَاسْتَسْقَى - وَوَصَفَ حَمَّادٌ : بَسْطَ يَدَيْهِ حِيَالَ صَدْرِهِ، وَبَطْنُ كَفَّيْهِ مِمَّا يَلِي الْأَرْضَ - وَمَا فِي السَّمَاءِ قَزَعَةٌ، فَمَا انْصَرَفَ حَتَّى أَهَمَّتِ الشَّابَّ الْقَوِيَّ نَفْسُهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهِ، فَمُطِرْنَا إِلَى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ، تَهَدَّمَ الْبُنْيَانُ، وَانْقَطَعَ الرُّكْبَانُ، ادْعُ اللهَ أَنْ يَكْشِطَهَا عَنَّا، فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، وَقَالَ : " اللهُمَّ حَوَالَيْنَا، وَلَا عَلَيْنَا، فانجابت حتى كَانَتِ الْمَدِينَةُ كَأَنَّهَا فِي إِكْلِيلٍ ". أحمد :13867.
الدعاء على صفة مخصوصة بطلب السقيا بالمطر عند طول انقطاعه.
التَّعْرِيفُ:
1 - الاِسْتِسْقَاءُ لُغَةً: طَلَبُ السُّقْيَا، أَيْ طَلَبُ إِنْزَال الْغَيْثِ عَلَى الْبِلاَدِ وَالْعِبَادِ. وَالاِسْمُ: السُّقْيَا بِالضَّمِّ، وَاسْتَسْقَيْتُ فُلاَنًا: إِذَا طَلَبْتَ مِنْهُ أَنْ يَسْقِيَكَ (1) .
وَالْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ لِلاِسْتِسْقَاءِ هُوَ: طَلَبُ إِنْزَال الْمَطَرِ مِنَ اللَّهِ بِكَيْفِيَّةٍ مَخْصُوصَةٍ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ (2) .
صِفَتُهُ (حُكْمُهُ التَّكْلِيفِيُّ) :
2 - قَال الشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: الاِسْتِسْقَاءُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، سَوَاءٌ أَكَانَ بِالدُّعَاءِ وَالصَّلاَةِ أَمْ بِالدُّعَاءِ فَقَطْ، فَعَلَهُ رَسُول اللَّهِ ﷺ وَصَحَابَتُهُ وَالْمُسْلِمُونَ مِنْ بَعْدِهِمْ. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَقَال بِسُنِّيَّةِ الدُّعَاءِ فَقَطْ، وَبِجَوَازِ غَيْرِهِ (3) .
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ تَعْتَرِيهِ الأَْحْكَامُ الثَّلاَثَةُ التَّالِيَةُ:
الأَْوَّل: سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، إِذَا كَانَ لِلْمَحَل وَالْجَدْبِ، أَوْ لِلْحَاجَةِ إِلَى الشُّرْبِ لِشِفَاهِهِمْ، أَوْ لِدَوَابِّهِمْ وَمَوَاشِيهِمْ، سَوَاءٌ أَكَانُوا فِي حَضَرٍ، أَمْ سَفَرٍ فِي صَحْرَاءَ، أَوْ سَفِينَةٍ فِي بَحْرٍ مَالِحٍ.
الثَّانِي: مَنْدُوبٌ، وَهُوَ الاِسْتِسْقَاءُ مِمَّنْ كَانَ فِي خِصْبٍ لِمَنْ كَانَ فِي مَحَلٍّ وَجَدْبٍ؛ لأَِنَّهُ مِنَ التَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى. وَلِمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَل الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى. (4) وَصَحَّ: دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لأَِخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ، عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ كُلَّمَا دَعَا لأَِخِيهِ بِخَيْرٍ قَال الْمَلَكُ الْمُوَكَّل بِهِ: آمِينَ وَلَك بِمِثْلٍ. (5) وَلَكِنَّ الأَْوْزَاعِيَّ وَالشَّافِعِيَّةَ قَيَّدُوهُ بِأَلاَّ يَكُونَ الْغَيْرُ صَاحِبَ بِدْعَةٍ أَوْ ضَلاَلَةٍ وَبَغْيٍ. وَإِلاَّ لَمْ يُسْتَحَبَّ زَجْرًا وَتَأْدِيبًا؛ وَلأَِنَّ الْعَامَّةَ تَظُنُّ بِالاِسْتِسْقَاءِ لَهُمْ حُسْنَ طَرِيقِهِمْ وَالرِّضَى بِهَا، وَفِيهَا مِنَ الْمَفَاسِدِ مَا فِيهَا (6) . مَعَ أَنَّهُمْ قَالُوا: لَوِ احْتَاجَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْل الذِّمَّةِ وَسَأَلُوا الْمُسْلِمِينَ الاِسْتِسْقَاءَ لَهُمْ فَهَل يَنْبَغِي إِجَابَتُهُمْ أَمْ لاَ؟
الأَْقْرَبُ: الاِسْتِسْقَاءُ لَهُمْ وَفَاءً بِذِمَّتِهِمْ. ثُمَّ عَلَّلُوا ذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ: وَلاَ يُتَوَهَّمُ مَعَ ذَلِكَ أَنَّا فَعَلْنَاهُ لِحُسْنِ حَالِهِمْ؛ لأَِنَّ كُفْرَهُمْ مُحَقَّقٌ مَعْلُومٌ. وَلَكِنْ تُحْمَل إِجَابَتُنَا لَهُمْ عَلَى الرَّحْمَةِ بِهِمْ، مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُمْ مِنْ ذَوِي الرُّوحِ، بِخِلاَفِ الْفَسَقَةِ وَالْمُبْتَدِعَةِ (7) .
الثَّالِثُ: مُبَاحٌ، وَهُوَ اسْتِسْقَاءُ مَنْ لَمْ يَكُونُوا فِي مَحَلٍّ، وَلاَ حَاجَةَ إِلَى الشُّرْبِ، وَقَدْ أَتَاهُمُ الْغَيْثُ، وَلَكِنْ لَوِ اقْتَصَرُوا عَلَيْهِ لَكَانَ دُونَ السِّعَةِ، فَلَهُمْ أَنْ يَسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ (8) . دَلِيل الْمَشْرُوعِيَّةِ:
3 - ثَبَتَتْ مَشْرُوعِيَّتُهُ بِالنَّصِّ وَالإِْجْمَاعِ، أَمَّا النَّصُّ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِل السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَكُمْ أَنْهَارًا} . (9)
كَمَا اسْتَدَل لَهُ بِعَمَل رَسُول اللَّهِ ﷺ وَخُلَفَائِهِ وَالْمُسْلِمِينَ مِنْ بَعْدِهِ، فَقَدْ وَرَدَتِ الأَْحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي اسْتِسْقَائِهِ ﷺ. رَوَى أَنَسٌ ﵁: أَنَّ النَّاسَ قَدْ قَحَطُوا فِي زَمَنِ رَسُول اللَّهِ ﷺ فَدَخَل رَجُلٌ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ وَرَسُول اللَّهِ ﷺ يَخْطُبُ. فَقَال: يَا رَسُول اللَّهِ هَلَكَتِ الْمَوَاشِي، وَخَشِينَا الْهَلاَكَ عَلَى أَنْفُسِنَا، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَسْقِيَنَا. فَرَفَعَ رَسُول اللَّهِ ﷺ يَدَيْهِ فَقَال: اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا هَنِيئًا مَرِيئًا غَدَقًا مُغْدِقًا عَاجِلاً غَيْرَ رَائِثٍ. قَال الرَّاوِي: مَا كَانَ فِي السَّمَاءِ قَزَعَةٌ، فَارْتَفَعَتِ السَّحَابُ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَا حَتَّى صَارَتْ رُكَامًا، ثُمَّ مَطَرَتْ سَبْعًا مِنَ الْجُمُعَةِ إِلَى الْجُمُعَةِ. ثُمَّ دَخَل ذَلِكَ الرَّجُل، وَالنَّبِيُّ ﷺ يَخْطُبُ، وَالسَّمَاءُ تَسْكُبُ، فَقَال: يَا رَسُول اللَّهِ تَهَدَّمَ الْبُنْيَانُ، وَانْقَطَعَتِ السُّبُل، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يُمْسِكَهُ، فَتَبَسَّمَ رَسُول اللَّهِ ﷺ لِمَلاَلَةِ بَنِي آدَمَ. قَال الرَّاوِي: وَاَللَّهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ خَضْرَاءَ. ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ، فَقَال: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الآْكَامِ وَالظِّرَابِ، وَبُطُونِ الأَْوْدِيَةِ، وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ. فَانْجَابَتِ السَّمَاءُ عَنِ الْمَدِينَةِ حَتَّى صَارَتْ حَوْلَهَا كَالإِْكْلِيل. (10)
وَاسْتَدَل أَبُو حَنِيفَةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَجَعَلَهُ أَصْلاً، وَقَال: إِنَّ السُّنَّةَ فِي الاِسْتِسْقَاءِ هِيَ الدُّعَاءُ فَقَطْ، مِنْ غَيْرِ صَلاَةٍ وَلاَ خُرُوجٍ.
وَاسْتَدَل الْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ: شَكَا النَّاسُ إِلَى رَسُول اللَّهِ ﷺ قُحُوطَ الْمَطَرِ، فَأَمَرَ بِمِنْبَرٍ فَوُضِعَ لَهُ فِي الْمُصَلَّى، وَوَعَدَ النَّاسَ يَوْمًا يَخْرُجُونَ فِيهِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَخَرَجَ رَسُول اللَّهِ ﷺ حِينَ بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ، فَقَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَكَبَّرَ وَحَمِدَ اللَّهَ ﷿ ثُمَّ قَال: إِنَّكُمْ شَكَوْتُمْ جَدْبَ دِيَارِكُمْ، وَاسْتِئْخَارَ الْمَطَرِ عَنْ إِبَّانِ زَمَانِهِ عَنْكُمْ، وَقَدْ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ﷿ أَنْ تَدْعُوَهُ، وَوَعَدَكُمْ أَنْ يَسْتَجِيبَ لَكُمْ. ثُمَّ قَال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَفْعَل مَا يُرِيدُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، أَنْتَ الْغَنِيُّ وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ، أَنْزِل عَلَيْنَا الْغَيْثَ، وَاجْعَل مَا أَنْزَلْتَ لَنَا قُوَّةً وَبَلاَغًا إِلَى حِينٍ. ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَلَمْ يَزَل فِي الرَّفْعِ حَتَّى بَدَا بَيَاضُ إِبِطَيْهِ، ثُمَّ حَوَّل إِلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ، وَقَلَبَ أَوْ حَوَّل رِدَاءَهُ وَهُوَ رَافِعٌ يَدَيْهِ، ثُمَّ أَقْبَل عَلَى النَّاسِ، وَنَزَل فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَأَنْشَأَ اللَّهُ سَحَابَةً فَرَعَدَتْ وَبَرَقَتْ ثُمَّ أَمْطَرَتْ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَمْ يَأْتِ مَسْجِدَهُ حَتَّى سَالَتِ السُّيُول، فَلَمَّا رَأَى سُرْعَتَهُمْ إِلَى الْكُنِّ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِزُهُ فَقَال: أَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُل شَيْءٍ قَدِيرٍ، وَأَنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ. (11) وَقَدِ اسْتَسْقَى عُمَرُ ﵁ بِالْعَبَّاسِ، وَقَال: اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا إِذَا قَحَطْنَا تَوَسَّلْنَا إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ فَتَسْقِينَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّل بِعَمِّ نَبِيِّكَ فَاسْقِنَا فَيُسْقَوْنَ (12) .
وَكَذَلِكَ رُوِيَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ اسْتَسْقَى بِيَزِيدَ بْنِ الأَْسْوَدِ. فَقَال: اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَسْقِي بِخَيْرِنَا وَأَفْضَلِنَا، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَسْقِي بِيَزِيدَ بْنِ الأَْسْوَدِ، يَا يَزِيدُ ارْفَعْ يَدَيْكَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى " فَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَرَفَعَ النَّاسُ أَيْدِيَهُمْ. فَثَارَتْ سَحَابَةٌ مِنَ الْغَرْبِ كَأَنَّهَا تُرْسٌ، وَهَبَّ لَهَا رِيحٌ، فَسُقُوا حَتَّى كَادَ النَّاسُ أَلاَّ يَبْلُغُوا مَنَازِلَهُمْ. (13)
حِكْمَةُ الْمَشْرُوعِيَّةِ:
4 - إِنَّ الإِْنْسَانَ إِذَا نَزَلَتْ بِهِ الْكَوَارِثُ، وَأَحْدَقَتْ بِهِ الْمَصَائِبُ فَبَعْضُهَا قَدْ يَسْتَطِيعُ إِزَالَتَهَا، وَبَعْضُهَا لاَ يَسْتَطِيعُ بِأَيِّ وَسِيلَةٍ مِنَ الْوَسَائِل، وَمِنْ أَكْبَرِ الْمَصَائِبِ وَالْكَوَارِثِ الْجَدْبُ الْمُسَبَّبُ عَنِ انْقِطَاعِ الْغَيْثِ، الَّذِي هُوَ حَيَاةُ كُل ذِي رَوْحٍ وَغِذَاؤُهُ، وَلاَ يَسْتَطِيعُ الإِْنْسَانُ إِنْزَالَهُ أَوِ الاِسْتِعَاضَةَ عَنْهُ، وَإِنَّمَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ وَيَسْتَطِيعُهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فَشَرَعَ الشَّارِعُ الْحَكِيمُ سُبْحَانَهُ الاِسْتِسْقَاءَ، طَلَبًا لِلرَّحْمَةِ وَالإِْغَاثَةِ بِإِنْزَال الْمَطَرِ الَّذِي هُوَ حَيَاةُ كُل شَيْءٍ مِمَّنْ يَمْلِكُ ذَلِكَ، وَيَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَهُوَ اللَّهُ جَل جَلاَلُهُ. أَسْبَابُ الاِسْتِسْقَاءِ:
5 - الاِسْتِسْقَاءُ يَكُونُ فِي أَرْبَعِ حَالاَتٍ:
الأُْولَى: لِلْمَحَل وَالْجَدْبِ، أَوْ لِلْحَاجَةِ إِلَى الشُّرْبِ لِشِفَاهِهِمْ، أَوْ دَوَابِّهِمْ وَمَوَاشِيهِمْ، سَوَاءٌ أَكَانُوا فِي حَضَرٍ، أَمْ سَفَرٍ فِي صَحْرَاءَ، أَمْ سَفِينَةٍ فِي بَحْرٍ مَالِحٍ. وَهُوَ مَحَل اتِّفَاقٍ.
الثَّانِيَةُ: اسْتِسْقَاءُ مَنْ لَمْ يَكُونُوا فِي مَحَلٍّ، وَلاَ حَاجَةَ إِلَى الشُّرْبِ، وَقَدْ أَتَاهُمُ الْغَيْثُ، وَلَكِنْ لَوِ اقْتَصَرُوا عَلَيْهِ لَكَانَ دُونَ السِّعَةِ، فَلَهُمْ أَنْ يَسْتَسْقُوا وَيَسْأَلُوا اللَّهَ الْمَزِيدَ مِنْ فَضْلِهِ. وَهُوَ رَأْيٌ لِلْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ (14) .
الثَّالِثَةُ: اسْتِسْقَاءُ مَنْ كَانَ فِي خِصْبٍ لِمَ كَانَ فِي مَحَلٍّ وَجَدْبٍ، أَوْ حَاجَةٍ إِلَى شُرْبٍ. قَال بِهِ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ (15) .
الرَّابِعَةُ: إِذَا اسْتَسْقَوْا وَلَمْ يُسْقُوا. اتَّفَقَتِ الْمَذَاهِبُ الأَْرْبَعَةُ: الْحَنَفِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى تَكْرَارِ الاِسْتِسْقَاءِ، وَالإِْلْحَاحِ فِي الدُّعَاءِ؛ لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ الْمُلِحِّينَ فِي الدُّعَاءِ (16) ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَوْلاَ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ} (17) وَلأَِنَّ الأَْصْل فِي تَكْرَارِ الاِسْتِسْقَاءِ قَوْلُهُ ﷺ: يُسْتَجَابُ لأَِحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَل، يَقُول: دَعَوْتُ فَلَمْ يَسْتَجِبْ لِي (18) وَلأَِنَّ الْعِلَّةَ الْمُوجِبَةَ لِلاِسْتِسْقَاءِ هِيَ الْحَاجَةُ إِلَى الْغَيْثِ، وَالْحَاجَةُ إِلَى الْغَيْثِ قَائِمَةٌ. قَال أَصْبَغُ فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ: وَقَدْ فُعِل عِنْدَنَا بِمِصْرِ، وَاسْتَسْقَوْا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا مُتَوَالِيَةً يَسْتَسْقُونَ عَلَى سُنَّةِ الاِسْتِسْقَاءِ، وَحَضَرَ ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ (19) .
إِلاَّ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ قَالُوا بِالْخُرُوجِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فَقَطْ، وَقَالُوا: لَمْ يُنْقَل أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ (20) . وَلَكِنْ صَاحِبُ الاِخْتِيَارِ قَال: يَخْرُجُ النَّاسُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةٍ. وَرُوِيَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ (21) .
أَنْوَاعُهُ وَأَفْضَلُهُ:
6 - وَالاِسْتِسْقَاءُ عَلَى ثَلاَثَةِ أَنْوَاعٍ. اتَّفَقَ عَلَى ذَلِكَ فُقَهَاءُ الْمَذَاهِبِ الأَْرْبَعَةِ؛ لِثُبُوتِ ذَلِكَ عَنْ رَسُول اللَّهِ ﷺ.
وَقَدْ فَضَّل بَعْضُ الأَْئِمَّةِ بَعْضَ الأَْنْوَاعِ عَلَى بَعْضٍ، وَرَتَّبُوهَا حَسَبَ أَفْضَلِيَّتِهَا.
فَقَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: الاِسْتِسْقَاءُ ثَلاَثَةُ أَنْوَاعٍ:
النَّوْعُ الأَْوَّل: وَهُوَ أَدْنَاهَا، الدُّعَاءُ بِلاَ صَلاَةٍ، وَلاَ بَعْدَ صَلاَةٍ، فُرَادَى وَمُجْتَمِعِينَ لِذَلِكَ، فِي الْمَسْجِدِ أَوْ غَيْرِهِ، وَأَحْسَنُهُ مَا كَانَ مِنْ أَهْل الْخَيْرِ.
النَّوْعُ الثَّانِي: وَهُوَ أَوْسَطُهَا، الدُّعَاءُ بَعْدَ صَلاَةِ الْجُمُعَةِ أَوْ غَيْرِهَا مِنَ الصَّلَوَاتِ، وَفِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. قَال الشَّافِعِيُّ فِي الأُْمِّ: وَقَدْ رَأَيْتُ مَنْ يُقِيمُ مُؤَذِّنًا فَيَأْمُرُهُ بَعْدَ صَلاَةِ الصُّبْحِ وَالْمَغْرِبِ أَنْ يَسْتَسْقِيَ، وَيَحُضَّ النَّاسَ عَلَى الدُّعَاءِ، فَمَا كَرِهْتُ مَا صَنَعَ مِنْ ذَلِكَ. وَخَصَّ الْحَنَابِلَةُ هَذَا النَّوْعَ بِأَنْ يَكُونَ الدُّعَاءُ مِنَ الإِْمَامِ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ.
النَّوْعُ الثَّالِثُ: وَهُوَ أَفْضَلُهَا، الاِسْتِسْقَاءُ بِصَلاَةِ رَكْعَتَيْنِ وَخُطْبَتَيْنِ، وَتَأَهُّبٍ لَهَا قَبْل ذَلِكَ، عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي الْكَيْفِيَّةِ. يَسْتَوِي فِي ذَلِكَ أَهْل الْقُرَى وَالأَْمْصَارِ وَالْبَوَادِي وَالْمُسَافِرُونَ، وَيُسَنُّ لَهُمْ جَمِيعًا الصَّلاَةُ وَالْخُطْبَتَانِ، وَيُسْتَحَبُّ ذَلِكَ لِلْمُنْفَرِدِ إِلاَّ الْخُطْبَةَ (22) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: الاِسْتِسْقَاءُ بِالدُّعَاءِ سُنَّةٌ، أَيْ: سَوَاءٌ أَكَانَ بِصَلاَةٍ أَمْ بِغَيْرِ صَلاَةٍ، وَلاَ يَكُونُ الْخُرُوجُ إِلَى الْمُصَلَّى إِلاَّ عِنْدَ الْحَاجَةِ الشَّدِيدَةِ إِلَى الْغَيْثِ، حَيْثُ فَعَلَهُ رَسُول اللَّهِ ﷺ (23) .
وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ: فَأَبُو حَنِيفَةَ يُفَضِّل الدُّعَاءَ وَالاِسْتِغْفَارَ فِي الاِسْتِسْقَاءِ؛ لأَِنَّهُ السُّنَّةُ، وَأَمَّا الصَّلاَةُ فُرَادَى فَهِيَ مُبَاحَةٌ عِنْدَهُ، وَلَيْسَتْ بِسُنَّةٍ، لِفِعْل الرَّسُول لَهَا مَرَّةً وَتَرْكِهَا أُخْرَى (24) . وَأَمَّا مُحَمَّدٌ فَقَدْ قَال: الاِسْتِسْقَاءُ يَكُونُ بِالدُّعَاءِ، أَوْ بِالصَّلاَةِ وَالدُّعَاءِ، وَالْكُل عِنْدَهُ سُنَّةٌ، وَفِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ (25)
وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ فَالنَّقْل عَنْهُ مُخْتَلِفٌ فِي الْمَسْأَلَةِ، فَقَدْ رَوَى الْحَاكِمُ أَنَّهُ مَعَ الإِْمَامِ، وَرَوَى الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ مَعَ مُحَمَّدٍ (26) ، وَرَجَّحَ ابْنُ عَابِدِينَ أَنَّهُ مَعَ مُحَمَّدٍ (27)
وَقْتُ الاِسْتِسْقَاءِ
7 - إِذَا كَانَ الاِسْتِسْقَاءُ بِالدُّعَاءِ فَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهُ يَكُونُ فِي أَيِّ وَقْتٍ،
وَإِذَا كَانَ بِالصَّلاَةِ وَالدُّعَاءِ، فَالْكُل مُجْمِعٌ عَلَى مَنْعِ أَدَائِهَا فِي أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ، وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهَا تَجُوزُ فِي أَيِّ وَقْتٍ عَدَا أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ. وَالْخِلاَفُ بَيْنَهُمْ إِنَّمَا هُوَ فِي الْوَقْتِ الأَْفْضَل، مَا عَدَا الْمَالِكِيَّةِ فَقَالُوا: وَقْتُهَا مِنْ وَقْتِ الضُّحَى إِلَى الزَّوَال، فَلاَ تُصَلَّى قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ، وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِي الْوَقْتِ الأَْفْضَل ثَلاَثَةُ أَوْجُهٍ (28) :
الأَْوَّل: وَوَافَقَهُمْ عَلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ، وَهُوَ الأَْوْلَى عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ (29) : وَقْتُ صَلاَةِ الاِسْتِسْقَاءِ وَقْتُ صَلاَةِ الْعِيدِ. وَبِهَذَا قَال الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الإِْسْفَرَايِينِيُّ وَصَاحِبُهُ الْمَحَامِلِيُّ فِي كُتُبِهِ: الْمَجْمُوعُ، وَالتَّجْرِيدُ، وَالْمُقْنِعُ، وَأَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ، وَالْبَغَوِيُّ. وَقَدْ يُسْتَدَل لَهُ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي رَوَتْهُ السُّنَنُ الأَْرْبَعُ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كِنَانَةَ قَال: أَرْسَلَنِي الْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ - وَكَانَ أَمِيرَ الْمَدِينَةِ - إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَسْأَلُهُ عَنِ اسْتِسْقَاءِ رَسُول اللَّهِ ﷺ فَقَال:
خَرَجَ رَسُول اللَّهِ ﷺ مُتَبَذِّلاً مُتَوَاضِعًا مُتَضَرِّعًا، حَتَّى أَتَى الْمُصَلَّى، فَلَمْ يَخْطُبْ خُطْبَتَكُمْ هَذِهِ، وَلَكِنْ لَمْ يَزَل فِي الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ وَالتَّكْبِيرِ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَمَا كَانَ يُصَلِّي فِي الْعِيدِ (30) .
الثَّانِي: أَوَّل وَقْتِهَا وَقْتُ صَلاَةِ الْعِيدِ، وَتَمْتَدُّ إِلَى صَلاَةِ الْعَصْرِ. وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ، وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ. لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ: أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ خَرَجَ حِينَ بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ لأَِنَّهَا تُشْبِهُهَا فِي الْوَضْعِ وَالصِّفَةِ، فَكَذَلِكَ فِي الْوَقْتِ، إِلاَّ أَنَّ وَقْتَهَا لاَ يَفُوتُ بِالزَّوَال. (31)
الثَّالِثُ: وَعَبَّرَ عَنْهُ الشَّافِعِيَّةُ بِالصَّحِيحِ وَالصَّوَابِ، وَهُوَ الرَّأْيُ الْمَرْجُوحُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَيْضًا (32) : أَنَّهَا لاَ تَخْتَصُّ بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ، بَل تَجُوزُ فِي كُل وَقْتٍ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، إِلاَّ أَوْقَاتَ الْكَرَاهَةِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ، وَصَحَّحَهُ الْمُحَقِّقُونَ. وَمِمَّنْ قَطَعَ بِهِ صَاحِبُ الْحَاوِي، وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ، وَصَاحِبُ جَمْعِ الْجَوَامِعِ، وَاسْتَصْوَبَهُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ. وَاسْتَدَلُّوا لَهُ بِأَنَّهَا لاَ تَخْتَصُّ بِيَوْمٍ كَصَلاَةِ الاِسْتِخَارَةِ، وَرَكْعَتَيِ الإِْحْرَامِ وَغَيْرِهِمَا. وَقَالُوا: إِنَّ تَخْصِيصَهَا بِوَقْتٍ كَصَلاَةِ الْعِيدِ لَيْسَ لَهُ وَجْهٌ أَصْلاً. وَلأَِنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ وَأَكْثَرَ الأَْصْحَابِ.
وَقَال ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الْخُرُوجُ إِلَيْهَا عِنْدَ زَوَال الشَّمْسِ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ (33) . وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ: فَلَمْ يُذْكَرْ عِنْدَهُمْ وَقْتٌ لَهَا، وَلَمْ يَتَكَلَّمُوا فِي تَحْدِيدِهِ.
وَقَدْ يَكُونُ هَذَا؛ لأَِنَّ السُّنَّةَ عِنْدَ الإِْمَامِ فِي الاِسْتِسْقَاءِ الدُّعَاءُ، وَالدُّعَاءُ فِي كُل وَقْتٍ، وَلَيْسَ لَهُ زَمَانٌ مُعَيَّنٌ.
مَكَانُ الاِسْتِسْقَاءِ:
8 - اتَّفَقَتِ الْمَذَاهِبُ الأَْرْبَعَةُ عَلَى أَنَّ الاِسْتِسْقَاءَ يَجُوزُ فِي الْمَسْجِدِ، وَخَارِجَ الْمَسْجِدِ. إِلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ لاَ تَقُول بِالْخُرُوجِ إِلاَّ فِي وَقْتِ الشِّدَّةِ إِلَى الْغَيْثِ، وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ يُفَضِّلُونَ الْخُرُوجَ مُطْلَقًا، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄. خَرَجَ رَسُول اللَّهِ ﷺ لِلاِسْتِسْقَاءِ مُتَبَذِّلاً مُتَوَاضِعًا مُتَضَرِّعًا حَتَّى أَتَى الْمُصَلَّى، فَلَمْ يَخْطُبْ خُطْبَتَكُمْ هَذِهِ، وَلَكِنْ لَمْ يَزَل فِي الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ وَالتَّكْبِيرِ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَمَا كَانَ يُصَلِّي فِي الْعِيدِ (34) . وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يُصَلِّي الإِْمَامُ فِي الصَّحْرَاءِ، لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلاَّهَا فِي الصَّحْرَاءِ؛ وَلأَِنَّهُ يَحْضُرُهَا غَالِبُ النَّاسِ وَالصِّبْيَانُ وَالْحُيَّضُ وَالْبَهَائِمُ وَغَيْرُهُمْ، فَالصَّحْرَاءُ أَوْسَعُ لَهُمْ وَأَرْفَقُ (35) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ بِالْخُرُوجِ أَيْضًا، إِلاَّ أَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ أَهْل مَكَّةَ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ يَجْتَمِعُونَ فِي الْمَسْجِدَيْنِ، وَقَال بَعْضُهُمْ: يَنْبَغِي كَذَلِكَ لأَِهْل الْمَدِينَةِ أَنْ يَجْتَمِعُوا فِي الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ؛ لأَِنَّهُ مِنْ أَشْرَفِ بِقَاعِ الأَْرْضِ، إِذْ حَل فِيهِ خَيْرُ خَلْقِ اللَّهِ ﷺ وَعَلَّل ابْنُ عَابِدِينَ جَوَازَ الاِجْتِمَاعِ فِي مَسْجِدِ الرَّسُول ﷺ بِقَوْلِهِ: يَنْبَغِي الاِجْتِمَاعُ لِلاِسْتِسْقَاءِ فِيهِ، إِذْ لاَ يُسْتَغَاثُ وَتُسْتَنْزَل الرَّحْمَةُ فِي الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ بِغَيْرِ حَضْرَتِهِ وَمُشَاهَدَتِهِ ﷺ فِي كُل حَادِثَةٍ (36) .
الآْدَابُ السَّابِقَةُ عَلَى الاِسْتِسْقَاءِ:
9 - أَوْرَدَ الْفُقَهَاءُ آدَابًا يُسْتَحَبُّ فِعْلُهَا قَبْل الاِسْتِسْقَاءِ، فَقَالُوا: يَعِظُ الإِْمَامُ النَّاسَ، وَيَأْمُرُهُمْ بِالْخُرُوجِ مِنَ الْمَظَالِمِ، وَالتَّوْبَةِ مِنَ الْمَعَاصِي، وَأَدَاءِ الْحُقُوقِ؛ لِيَكُونُوا أَقْرَبَ إِلَى الإِْجَابَةِ، فَإِنَّ الْمَعَاصِيَ سَبَبُ الْجَدْبِ، وَالطَّاعَةَ سَبَبُ الْبَرَكَةِ. . قَال تَعَالَى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْل الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَْرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (37)
وَرَوَى أَبُو وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَال: " إِذَا بُخِسَ الْمِكْيَال حُبِسَ الْقَطْرُ " وَقَال مُجَاهِدٌ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ} (38) قَال: دَوَابُّ الأَْرْضِ تَلْعَنُهُمْ يَقُولُونَ: يُمْنَعُ الْقَطْرُ بِخَطَايَاهُمْ. كَمَا يُتْرَكُ التَّشَاحُنُ وَالتَّبَاغُضُ؛ لأَِنَّهَا تُحْمَل عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَالْبُهُتِ، وَتَمْنَعُ نُزُول الْخَيْرِ. بِدَلِيل قَوْلِهِ ﷺ: خَرَجْتُ لأُِخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ فَتَلاَحَى فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ فَرُفِعَتْ (39) . الصِّيَامُ قَبْل الاِسْتِسْقَاءِ:
10 - اتَّفَقَتِ الْمَذَاهِبُ عَلَى الصِّيَامِ، وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِهِ، وَالْخُرُوجِ بِهِ إِلَى الاِسْتِسْقَاءِ. لأَِنَّ الصِّيَامَ مَظِنَّةُ إِجَابَةِ الدُّعَاءِ، لِقَوْلِهِ ﷺ: ثَلاَثَةٌ لاَ تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ (40) . . . وَلِمَا فِيهِ مِنْ كَسْرِ الشَّهْوَةِ، وَحُضُورِ الْقَلْبِ، وَالتَّذَلُّل لِلرَّبِّ.
قَال الشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَفِيَّةُ، وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ: يَأْمُرُهُمُ الإِْمَامُ بِصَوْمِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ قَبْل الْخُرُوجِ، وَيَخْرُجُونَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ وَهُمْ صِيَامٌ.
وَقَال بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بِالْخُرُوجِ بَعْدَ الصِّيَامِ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ مُفْطِرِينَ؛ لِلتَّقَوِّي عَلَى الدُّعَاءِ، كَيَوْمِ عَرَفَةَ (41) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ بِالصِّيَامِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، وَيَخْرُجُونَ فِي آخِرِ أَيَّامِ صِيَامِهِمْ.
الصَّدَقَةُ قَبْل الاِسْتِسْقَاءِ:
11 - اتَّفَقَتِ الْمَذَاهِبُ عَلَى اسْتِحْبَابِ الصَّدَقَةِ قَبْل الاِسْتِسْقَاءِ، وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي أَمْرِ الإِْمَامِ بِهَا، قَال الشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ، وَالْحَنَفِيَّةُ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: يَأْمُرُهُمُ الإِْمَامُ بِالصَّدَقَةِ فِي حُدُودِ طَاقَتِهِمْ (42) .
وَقَال بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ: لاَ يَأْمُرُهُمْ بِهَا، بَل يَتْرُكُ هَذَا لِلنَّاسِ بِدُونِ أَمْرٍ؛ لأَِنَّهُ أَرْجَى لِلإِْجَابَةِ، حَيْثُ تَكُونُ صَدَقَتُهُمْ بِدَافِعٍ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، لاَ بِأَمْرٍ مِنَ الإِْمَامِ.
آدَابٌ شَخْصِيَّةٌ:
12 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى آدَابٍ شَخْصِيَّةٍ، يُسْتَحَبُّ أَنْ يَفْعَلَهَا النَّاسُ قَبْل الاِسْتِسْقَاءِ، بَعْدَ أَنْ يَعِدَهُمُ الإِْمَامُ يَوْمًا يَخْرُجُونَ فِيهِ؛ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمِ عَنْ رَسُول اللَّهِ ﷺ: وَعَدَ النَّاسَ يَوْمًا يَخْرُجُونَ فِيهِ (43) فَيُسْتَحَبُّ عِنْدَ الْخُرُوجِ لِلاِسْتِسْقَاءِ: التَّنَظُّفُ بِغُسْلٍ وَسِوَاكٍ؛ لأَِنَّهَا صَلاَةٌ يُسَنُّ لَهَا الاِجْتِمَاعُ وَالْخُطْبَةُ، فَشُرِعَ لَهَا الْغُسْل، كَصَلاَةِ الْجُمُعَةِ.
وَيُسْتَحَبُّ: أَنْ يَتْرُكَ الإِْنْسَانُ الطِّيبَ وَالزِّينَةَ، فَلَيْسَ هَذَا وَقْتَ الزِّينَةِ، وَلَكِنَّهُ يَقْطَعُ الرَّائِحَةَ الْكَرِيهَةَ، وَيَخْرُجُ فِي ثِيَابٍ بِذْلَةٍ، وَهِيَ ثِيَابُ مِهْنَتِهِ (44) ، وَيَخْرُجُ مُتَوَاضِعًا خَاشِعًا مُتَذَلِّلاً مُتَضَرِّعًا مَاشِيًا، وَلاَ يَرْكَبُ فِي شَيْءٍ مِنْ طَرِيقِهِ ذَهَابًا إِلاَّ لِعُذْرٍ، كَمَرَضٍ وَنَحْوِهِ. وَالأَْصْل فِي هَذَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ قَال: خَرَجَ رَسُول اللَّهِ ﷺ مُتَوَاضِعًا مُتَبَذِّلاً مُتَخَشِّعًا مُتَضَرِّعًا وَهِيَ مُسْتَحَبَّاتٌ لَمْ يَرِدْ فِيهَا خِلاَفٌ (45) .
الاِسْتِسْقَاءُ بِالدُّعَاءِ:
13 - قَال أَبُو حَنِيفَةَ: إِنَّ الاِسْتِسْقَاءَ هُوَ دُعَاءٌ وَاسْتِغْفَارٌ، وَلَيْسَ فِيهِ صَلاَةٌ مَسْنُونَةٌ فِي جَمَاعَةٍ. فَإِنْ صَلَّى النَّاسُ وُحْدَانًا جَازَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِل السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} (46) الآْيَةَ، وَقَدْ اسْتَدَل لَهُ كَذَلِكَ بِحَدِيثِ عُمَرَ ﵁ وَاسْتِسْقَائِهِ بِالْعَبَّاسِ ﵁ مِنْ غَيْرِ صَلاَةٍ، مَعَ حِرْصِهِ عَلَى الاِقْتِدَاءِ بِرَسُول اللَّهِ ﷺ. وَقَدْ عَلَّل ابْنُ عَابِدِينَ رَأْيَ أَبِي حَنِيفَةَ فَقَال: الْحَاصِل أَنَّ الأَْحَادِيثَ لَمَّا اخْتَلَفَتْ فِي الصَّلاَةِ بِالْجَمَاعَةِ وَعَدَمِهَا عَلَى وَجْهٍ لاَ يَصِحُّ مَعَهُ إِثْبَاتُ السُّنِّيَّةِ، لَمْ يَقُل أَبُو حَنِيفَةَ بِسُنِّيَّتِهَا، وَلاَ يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِهِ هَذَا أَنَّهَا بِدْعَةٌ، كَمَا نَقَل بَعْضُ الْمُتَعَصِّبِينَ، بَل هُوَ قَال بِالْجَوَازِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ النَّدْبُ وَالاِسْتِحْبَابُ، لِقَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ: لَمَّا فَعَلَهُ الرَّسُول ﷺ مَرَّةً وَتَرَكَهُ أُخْرَى لَمْ يَكُنْ سُنَّةً؛ لأَِنَّ السُّنَّةَ مَا وَاظَبَ عَلَيْهِ. وَالْفِعْل مَرَّةً وَالتَّرْكُ أُخْرَى يُفِيدُ النَّدْبَ (47) .
وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ، وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: فَقَالُوا بِسُنِّيَّةِ الدُّعَاءِ وَحْدَهُ، وَبِسُنِّيَّتِهِ مَعَ صَلاَةٍ لَهُ عَلَى التَّفْصِيل الَّذِي تَقَدَّمَ.
الاِسْتِسْقَاءُ بِالدُّعَاءِ وَالصَّلاَةِ:
14 - الْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ قَالُوا: الاِسْتِسْقَاءُ يَكُونُ بِالصَّلاَةِ وَالدُّعَاءِ وَالْخُطْبَةِ، لِلأَْحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ.
وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ: لاَ خُطْبَةَ فِي الاِسْتِسْقَاءِ، وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ لاَ يُثْبِتُ الْخُطْبَةَ؛ لأَِنَّ طَلَبَ السُّقْيَا مِنْ رَسُول اللَّهِ وَقَعَ لَهُ ﷺ وَهُوَ يَخْطُبُ، فَالْخُطْبَةُ سَابِقَةٌ (48) فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ عَلَى الإِْخْبَارِ بِالْجَدْبِ.
تَقْدِيمُ الصَّلاَةِ عَلَى الْخُطْبَةِ وَتَأْخِيرُهَا:
15 - فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلاَثَةُ آرَاءٍ:
الأَْوَّل: تَقْدِيمُ الصَّلاَةِ عَلَى الْخُطْبَةِ، وَهُوَ قَوْل الْمَالِكِيَّةِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَالرَّاجِحُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ الأَْوْلَى عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ؛ لِقَوْل أَبِي هُرَيْرَةَ: صَلَّى رَسُول اللَّهِ ﷺ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَطَبَنَا وَلِقَوْل ابْنِ عَبَّاسٍ: صَنَعَ فِي الاِسْتِسْقَاءِ كَمَا يَصْنَعُ فِي الْعِيدِ؛ وَلأَِنَّهَا صَلاَةٌ ذَاتُ تَكْبِيرَاتٍ، فَأَشْبَهَتْ صَلاَةَ الْعِيدِ (49) .
الثَّانِي: تَقْدِيمُ الْخُطْبَةِ عَلَى الصَّلاَةِ وَهُوَ رَأْيٌ لِلْحَنَابِلَةِ، وَخِلاَفُ الأَْوْلَى عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَأَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، وَهِشَامِ بْنِ إِسْمَاعِيل، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ (50) . وَدَلِيلُهُ مَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ وَعَائِشَةَ: أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ خَطَبَ وَصَلَّى، وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ قَال: رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ لَمَّا خَرَجَ يَسْتَسْقِي حَوَّل إِلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ، وَاسْتَقْبَل الْقِبْلَةَ يَدْعُو، ثُمَّ حَوَّل رِدَاءَهُ، ثُمَّ صَلَّى لَنَا رَكْعَتَيْنِ جَهَرَ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (51) .
الثَّالِثُ: هُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْخُطْبَةِ قَبْل الصَّلاَةِ أَوْ بَعْدَهَا، وَهُوَ رَأْيٌ لِلْحَنَابِلَةِ؛ لِوُرُودِ الأَْخْبَارِ بِكِلاَ الأَْمْرَيْنِ، وَدَلاَلَتِهَا عَلَى كِلْتَا الصِّفَتَيْنِ.
كَيْفِيَّةُ صَلاَةِ الاِسْتِسْقَاءِ:
16 - لاَ يُعْلَمُ بَيْنَ الْقَائِلِينَ بِصَلاَةِ الاِسْتِسْقَاءِ خِلاَفٌ فِي أَنَّهَا رَكْعَتَانِ، وَاخْتُلِفَ فِي صِفَتِهَا عَلَى رَأْيَيْنِ:
الرَّأْيُ الأَْوَّل، وَهُوَ لِلشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ، وَقَوْلٌ لِمُحَمَّدٍ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: يُصَلِّيهَا رَكْعَتَيْنِ يُكَبِّرُ فِي الأُْولَى سَبْعًا، وَخَمْسًا فِي الثَّانِيَةِ مِثْل صَلاَةِ الْعِيدِ، لِقَوْل ابْنِ عَبَّاسٍ فِي حَدِيثِهِ الْمُتَقَدِّمِ: وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَمَا كَانَ يُصَلِّي فِي الْعِيدِ، وَلِمَا رُوِيَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانُوا يُصَلُّونَ صَلاَةَ الاِسْتِسْقَاءِ يُكَبِّرُونَ فِيهَا سَبْعًا وَخَمْسًا. (52)
الرَّأْيُ الثَّانِي: وَهُوَ لِلْمَالِكِيَّةِ، وَالْقَوْل الثَّانِي لِمُحَمَّدٍ، وَهُوَ قَوْل الأَْوْزَاعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَإِسْحَاقَ: تُصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَصَلاَةِ النَّافِلَةِ وَالتَّطَوُّعِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ اسْتَسْقَى فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ نَحْوَهُ، وَلَمْ يَذْكُرَا التَّكْبِيرَ (53) ، فَتَنْصَرِفُ إِلَى الصَّلاَةِ الْمُطْلَقَةِ.
وَاتَّفَقَتِ الْمَذَاهِبُ عَلَى الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ فِي الاِسْتِسْقَاءِ؛ لأَِنَّهَا صَلاَةٌ ذَاتُ خُطْبَةٍ (54) ، وَكُل صَلاَةٍ لَهَا خُطْبَةٌ فَالْقِرَاءَةُ فِيهَا تَكُونُ جَهْرًا؛ لاِجْتِمَاعِ النَّاسِ لِلسَّمَاعِ، وَيَقْرَأُ بِمَا شَاءَ، وَلَكِنِ الأَْفْضَل أَنْ يَقْرَأَ فِيهِمَا بِمَا كَانَ يَقْرَأُ فِي الْعِيدِ، وَقِيل: يَقْرَأُ بِسُورَتَيْ ق وَنُوحٍ (55) ، أَوْ يَقْرَأُ بِسُورَتَيِ الأَْعْلَى وَالْغَاشِيَةِ (56) ، أَوْ بِسُورَتَيِ الأَْعْلَى وَالشَّمْسِ. وَحَذْفُ التَّكْبِيرَاتِ أَوْ بَعْضِهَا أَوِ الزِّيَادَةُ فِيهَا لاَ تُفْسِدُ الصَّلاَةَ. وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: وَلَوْ تَرَكَ التَّكْبِيرَاتِ أَوْ بَعْضَهَا أَوْ زَادَ فِيهِنَّ لاَ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، وَلَوْ أَدْرَكَ الْمَسْبُوقُ بَعْضَ التَّكْبِيرَاتِ الزَّائِدَةِ فَهَل يَقْضِي مَا فَاتَهُ مِنْ التَّكْبِيرَاتِ؟ قَالُوا: فِيهَا الْقَوْلاَنِ، مِثْل صَلاَةِ الْعِيدِ (57) .
كَيْفِيَّةُ الْخُطْبَةِ وَمُسْتَحَبَّاتُهَا:
17 - قَال الشَّافِعِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: يَخْطُبُ الإِْمَامُ خُطْبَتَيْنِ كَخُطْبَتَيِ الْعِيدِ بِأَرْكَانِهِمَا وَشُرُوطِهِمَا وَهَيْئَاتِهِمَا، وَفِي الْجُلُوسِ إِذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ وَجْهَانِ كَمَا فِي الْعِيدِ أَيْضًا، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُتَقَدِّمِ؛ وَلأَِنَّهَا أَشْبَهَتْهَا فِي التَّكْبِيرِ وَفِي صِفَةِ الصَّلاَةِ (58) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ، وَأَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ: يَخْطُبُ الإِْمَامُ خُطْبَةً وَاحِدَةً يَفْتَتِحُهَا بِالتَّكْبِيرِ، لِقَوْل ابْنِ عَبَّاسٍ: لَمْ يَخْطُبْ خُطْبَتَكُمْ هَذِهِ، وَلَكِنْ لَمْ يَزَل فِي الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ وَالتَّكْبِيرِ، وَهَذَا يَدُل عَلَى أَنَّهُ مَا فَصَل بَيْنَ ذَلِكَ بِسُكُوتٍ وَلاَ جُلُوسٍ؛ وَلأَِنَّ كُل مَنْ نَقَل الْخُطْبَةَ لَمْ يَنْقُل خُطْبَتَيْنِ (59) .
وَلاَ يُخْرِجُ الْمِنْبَرَ إِلَى الْخَلاَءِ فِي الاِسْتِسْقَاءِ؛ لأَِنَّهُ خِلاَفُ السُّنَّةِ. وَقَدْ عَابَ النَّاسُ عَلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ عِنْدَ إِخْرَاجِهِ الْمِنْبَرَ فِي الْعِيدَيْنِ، وَنَسَبُوهُ إِلَى مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ.
وَيَخْطُبُ الإِْمَامُ عَلَى الأَْرْضِ مُعْتَمِدًا عَلَى قَوْسٍ أَوْ سَيْفٍ أَوْ عَصًا، وَيَخْطُبُ مُقْبِلاً بِوَجْهِهِ إِلَى النَّاسِ (60) . وَقَدْ صَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ الْخُطْبَةَ عَلَى الأَْرْضِ مَنْدُوبَةٌ، وَعَلَى الْمِنْبَرِ مَكْرُوهَةٌ (61) . أَمَّا إِذَا كَانَ الْمِنْبَرُ مَوْجُودًا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي فِيهِ الصَّلاَةُ، وَلَمْ يُخْرِجْهُ أَحَدٌ فَفِيهِ رَأْيَانِ: الْجَوَازُ، وَالْكَرَاهَةُ.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ (62) ، وَالْحَنَابِلَةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْقَوْل الْمَرْجُوحِ: يُكَبِّرُ فِي الْخُطْبَةِ كَمَا فِي صَلاَةِ الْعِيدِ. وَقَال الْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الرَّاجِحِ عِنْدَهُمْ: يَسْتَبْدِل بِالتَّكْبِيرِ الاِسْتِغْفَارَ، فَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي أَوَّل الْخُطْبَةِ الأُْولَى تِسْعًا، وَفِي الثَّانِيَةِ سَبْعًا، يَقُول: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، وَيَخْتِمُ كَلاَمَهُ بِالاِسْتِغْفَارِ، وَيُكْثِرُ مِنْهُ فِي الْخُطْبَةِ، وَمِنْ قَوْله تَعَالَى: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} الآْيَةَ، وَيُخَوِّفُهُمْ مِنَ الْمَعَاصِي الَّتِي هِيَ سَبَبُ الْجَدْبِ، وَيَأْمُرُهُمْ بِالتَّوْبَةِ، وَالإِْنَابَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْبِرِّ.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ: يَسْتَقْبِل الإِْمَامُ النَّاسَ فِي الْخُطْبَةِ مُسْتَدْبِرًا الْقِبْلَةَ، حَتَّى إِذَا قَضَى خُطْبَتَهُ تَوَجَّهَ بِوَجْهِهِ إِلَى الْقِبْلَةِ يَدْعُو. وَقَال الْحَنَابِلَةُ: يُسْتَحَبُّ لِلْخَطِيبِ اسْتِقْبَال الْقِبْلَةِ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ؛ لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ خَرَجَ يَسْتَسْقِي، فَتَوَجَّهَ إِلَى الْقِبْلَةِ يَدْعُو وَفِي لَفْظٍ: فَحَوَّل إِلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ وَاسْتَقْبَل الْقِبْلَةَ يَدْعُو (63) .
صِيَغُ الدُّعَاءِ الْمَأْثُورَةُ:
18 - يُسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ بِمَا أُثِرَ عَنِ النَّبِيِّ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْهُ ﷺ أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو فِي الاِسْتِسْقَاءِ فَيَقُول: اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا هَنِيئًا مَرِيئًا مُرِيعًا غَدَقًا مُجَلِّلاً سَحًّا عَامًّا طَبَقًا دَائِمًا. اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَلاَ تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ. اللَّهُمَّ إِنَّ بِالْبِلاَدِ وَالْعِبَادِ وَالْخَلْقِ مِنَ اللأَّْوَاءِ وَالضَّنْكِ مَا لاَ نَشْكُو إِلاَّ إِلَيْكَ. اللَّهُمَّ أَنْبِتْ لَنَا الزَّرْعَ، وَأَدِرَّ لَنَا الضَّرْعَ، وَاسْقِنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ، وَأَنْبِتْ لَنَا مِنْ بَرَكَاتِ الأَْرْضِ. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَغْفِرُكَ إِنَّكَ كُنْتَ غَفَّارًا، فَأَرْسِل السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا، فَإِذَا مُطِرُوا. قَالُوا: اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا. وَيَقُولُونَ: مُطِرْنَا بِفَضْل اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ. (64)
وَرُوِيَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، حِينَ قَال لَهُ الرَّجُل: يَا رَسُول اللَّهِ هَلَكَتِ الأَْمْوَال، وَانْقَطَعَتِ السُّبُل، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يُغِيثَنَا. فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَال:
اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا. (65)
وَرُوِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ قَوْلُهُ: " لِيَكُنْ مِنْ دُعَائِهِمْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ أَمَرْتَنَا بِدُعَائِكَ، وَوَعَدْتَنَا إِجَابَتَكَ، وَقَدْ دَعَوْنَاكَ كَمَا أَمَرْتَنَا، فَأَجِبْنَا كَمَا وَعَدْتَنَا، اللَّهُمَّ امْنُنْ عَلَيْنَا بِمَغْفِرَةِ مَا قَارَفْنَا، وَإِجَابَتِكَ فِي سُقْيَانَا، وَسِعَةِ رِزْقِنَا، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ دُعَائِهِ أَقْبَل عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ، وَحَثَّهُمْ عَلَى الطَّاعَةِ، وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَدَعَا لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَقَرَأَ آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ أَوْ آيَتَيْنِ، وَيُكْثِرُ مِنْ الاِسْتِغْفَارِ، وَمِنْ قَوْله تَعَالَى: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِل السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَكُمْ أَنْهَارًا} .
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ ﵁ أَنَّهُ اسْتَسْقَى فَكَانَ أَكْثَرُ دُعَائِهِ الاِسْتِغْفَارَ، وَقَال: لَقَدِ اسْتَسْقَيْتُ بِمَجَادِيحِ السَّمَاءِ. رَفْعُ الْيَدَيْنِ فِي الدُّعَاءِ فِي الاِسْتِسْقَاءِ:
19 - اسْتَحَبَّ الأَْئِمَّةُ رَفْعَ الْيَدَيْنِ إِلَى السَّمَاءِ فِي الدُّعَاءِ، لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَال: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ لاَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ دُعَائِهِ إِلاَّ فِي الاِسْتِسْقَاءِ (66) . وَأَنَّهُ يَرْفَعُ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبِطَيْهِ. وَفِي حَدِيثٍ لأَِنَسٍ فَرَفَعَ الرَّسُول ﷺ وَرَفَعَ النَّاسُ أَيْدِيَهُمْ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَرِيبٌ مِنْ ثَلاَثِينَ حَدِيثًا فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الاِسْتِسْقَاءِ.
وَذَكَرَ الأَْئِمَّةُ: أَنَّهُ يَدْعُو سِرًّا وَجَهْرًا، فَإِذَا دَعَا سِرًّا دَعَا النَّاسُ سِرًّا، فَيَكُونُ أَبْلَغُ فِي الْبُعْدِ عَنِ الرِّيَاءِ. وَإِذَا دَعَا جَهْرًا أَمَّنَ النَّاسُ عَلَى دُعَاءِ الإِْمَامِ (67) .
وَلِهَذَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ بَعْضَ الدُّعَاءِ سِرًّا، وَبَعْضَهُ جَهْرًا، وَيَسْتَقْبِل الْقِبْلَةَ فِي دُعَائِهِ مُتَضَرِّعًا خَاشِعًا مُتَذَلِّلاً تَائِبًا.
الاِسْتِسْقَاءُ بِالصَّالِحِينَ:
20 - اتَّفَقَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الاِسْتِسْقَاءِ بِأَقَارِبِ النَّبِيِّ ﷺ وَبِالصَّالِحِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ عُرِفُوا بِالتَّقْوَى وَالاِسْتِقَامَةِ، لأَِنَّ عُمَرَ ﵁ اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ وَقَال: اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا إِذَا قَحَطْنَا تَوَسَّلْنَا إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ فَتَسْقِينَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّل بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا، فَيُسْقَوْنَ (68) . وَرُوِيَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ اسْتَسْقَى بِيَزِيدَ بْنِ الأَْسْوَدِ فَقَال:
" اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَسْقِي بِخَيْرِنَا وَأَفْضَلِنَا، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَسْقِي بِيَزِيدَ بْنِ الأَْسْوَدِ. يَا يَزِيدُ ارْفَعْ يَدَيْكَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَرَفَعَ النَّاسُ أَيْدِيَهُمْ، فَثَارَتْ سَحَابَةٌ مِنَ الْمَغْرِبِ كَأَنَّهَا تُرْسٌ، وَهَبَّ لَهَا رِيحٌ، فَسُقُوا حَتَّى كَادَ النَّاسُ أَلاَّ يَبْلُغُوا مَنَازِلَهُمْ (69) .
التَّوَسُّل بِالْعَمَل الصَّالِحِ:
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَوَسَّل كُلٌّ فِي نَفْسِهِ بِمَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ.
وَاسْتَدَل عَلَى هَذَا بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ رَسُول اللَّهِ ﷺ فِي قِصَّةِ أَصْحَابِ الْغَارِ، وَهُمُ الثَّلاَثَةُ الَّذِينَ آوَوْا إِلَى الْغَارِ، فَأَطْبَقَتْ عَلَيْهِمْ صَخْرَةٌ، فَتَوَسَّل كُل وَاحِدٍ بِصَالِحِ عَمَلِهِ، فَكَشَفَ اللَّهُ عَنْهُمُ الصَّخْرَةَ، وَقَشَعَ الْغُمَّةَ، وَخَرَجُوا يَمْشُونَ (70) .
تَحْوِيل الرِّدَاءِ فِي الاِسْتِسْقَاءِ:
21 - قَال الشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ (71) : يُسْتَحَبُّ تَحْوِيل الرِّدَاءِ لِلإِْمَامِ وَالْمَأْمُومِ، لِفِعْل الرَّسُول ﷺ لَهُ، وَلأَِنَّ مَا فَعَلَهُ الرَّسُول ﷺ ثَبَتَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِهِ. وَقَدْ عُقِل الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ، وَهُوَ التَّفَاؤُل بِقَلْبِ الرِّدَاءِ، لِيَقْلِبَ اللَّهُ مَا بِهِمْ مِنَ الْجَدْبِ إِلَى الْخِصْبِ. وَهُوَ خَاصٌّ بِالرِّجَال دُونَ النِّسَاءِ عِنْدَ الْجَمِيعِ.
وَقَال مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَابْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعُرْوَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَاللَّيْثُ: إِنَّ تَحْوِيل الرِّدَاءِ مُخْتَصٌّ بِالإِْمَامِ فَقَطْ دُونَ الْمَأْمُومِ؛ لأَِنَّهُ نُقِل عَنِ النَّبِيِّ ﷺ دُونَ أَصْحَابِهِ (72) .
وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ: لاَ يُسَنُّ تَقْلِيبُ الرِّدَاءِ؛ لأَِنَّهُ دُعَاءٌ فَلاَ يُسْتَحَبُّ تَحْوِيل الرِّدَاءِ فِيهِ، كَسَائِرِ الأَْدْعِيَةِ (73) .
كَيْفِيَّةُ تَقْلِيبِ الرِّدَاءِ:
22 - قَال الْحَنَابِلَةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ، وَهُوَ رَأْيٌ لِلشَّافِعِيَّةِ، وَقَوْل أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَهِشَامِ بْنِ إِسْحَاقَ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ (74) : يَقْلِبُ الْمُسْتَسْقُونَ أَرْدِيَتَهُمْ، فَيَجْعَلُونَ مَا عَلَى الْيَمِينِ عَلَى الْيَسَارِ، وَمَا عَلَى الْيَسَارِ عَلَى الْيَمِينِ، وَدَلِيلُهُمْ فِي ذَلِكَ مَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ حَوَّل رِدَاءَهُ، وَجَعَل عِطَافَهُ الأَْيْمَنَ عَلَى عَاتِقِهِ الأَْيْسَرِ، وَجَعَل عِطَافَهُ الأَْيْسَرَ عَلَى عَاتِقِهِ الأَْيْمَنِ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوُ ذَلِكَ، وَقَدْ نَقَل تَحْوِيل الرِّدَاءِ جَمَاعَةٌ، كُلُّهُمْ نَقَلُوهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، وَلَمْ يُنْقَل عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ جَعَل أَعْلاَهُ أَسْفَلَهُ.
وَقَال مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الرَّأْيِ الرَّاجِحِ (75) : إِنْ كَانَ الرِّدَاءُ مُدَوَّرًا بِأَنْ كَانَ جُبَّةً يَجْعَل الأَْيْمَنَ عَلَى الأَْيْسَرِ، وَالأَْيْسَرَ عَلَى الأَْيْمَنِ، وَإِنْ كَانَ الرِّدَاءُ مُرَبَّعًا يَجْعَل أَعْلاَهُ أَسْفَلَهُ، وَأَسْفَلَهُ أَعْلاَهُ، لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: أَنَّهُ اسْتَسْقَى وَعَلَيْهِ رِدَاءٌ، فَأَرَادَ أَنْ يَجْعَل أَسْفَلَهَا أَعْلاَهَا، فَلَمَّا ثَقُلَتْ عَلَيْهِ جَعَل الْعِطَافَ الَّذِي فِي الأَْيْسَرِ عَلَى عَاتِقِهِ الأَْيْمَنِ، وَاَلَّذِي عَلَى الأَْيْمَنِ عَلَى عَاتِقِهِ الأَْيْسَرِ، وَيَبْدَأُ بِتَحْوِيل الرِّدَاءِ عِنْدَ الْبَدْءِ بِالدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى (76) .
الْمُسْتَسْقُونَ
23 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى، أَنَّ السُّنَّةَ خُرُوجُ الإِْمَامِ لِلاِسْتِسْقَاءِ مَعَ النَّاسِ، فَإِذَا تَخَلَّفَ فَقَدْ أَسَاءَ بِتَرْكِ السُّنَّةِ، وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ.
تَخَلُّفُ الإِْمَامِ عَنْ الاِسْتِسْقَاءِ:
24 - فِي مَسْأَلَةِ تَخَلُّفِ الإِْمَامِ رَأْيَانِ:
الرَّأْيُ الأَْوَّل: وَهُوَ رَأْيُ الشَّافِعِيَّةِ، وَرَأْيٌ لِلْحَنَابِلَةِ: إِذَا تَخَلَّفَ الإِْمَامُ عَنْ الاِسْتِسْقَاءِ أَنَابَ عَنْهُ. فَإِذَا لَمْ يُنِبْ لَمْ يَتْرُكِ النَّاسُ الاِسْتِسْقَاءَ، وَقَدَّمُوا أَحَدَهُمْ لِلصَّلاَةِ، كَمَا إِذَا خَلَتِ الأَْمْصَارُ مِنَ الْوُلاَةِ قَدَّمُوا أَحَدَهُمْ لِلْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ وَالْكُسُوفِ، كَمَا قَدَّمَ النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ ﵁ حِينَ ذَهَبَ النَّبِيُّ ﷺ لِيُصْلِحَ بَيْنَ بَنِي عُمَرَ وَبَنِيَّ عَوْفٍ، وَقَدَّمُوا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ حِينَ تَأَخَّرَ النَّبِيُّ ﷺ لِحَاجَتِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي الصَّلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ (77) . قَال الشَّافِعِيُّ: فَإِذَا جَازَ فِي الْمَكْتُوبَةِ فَغَيْرُهَا أَوْلَى.
الرَّأْيُ الثَّانِي: لاَ يُسْتَحَبُّ الاِسْتِسْقَاءُ بِالصَّلاَةِ إِلاَّ بِخُرُوجِ الإِْمَامِ، أَوْ رَجُلٍ مِنْ قِبَلِهِ. وَهُوَ رَأْيٌ لِلْحَنَابِلَةِ وَالْحَنَفِيَّةِ، فَإِذَا خَرَجُوا بِغَيْرِ إِذْنِ الإِْمَامِ دَعَوْا وَانْصَرَفُوا بِلاَ صَلاَةٍ وَلاَ خُطْبَةٍ (78) .
مَنْ يُسْتَحَبُّ خُرُوجُهُمْ، وَمَنْ يَجُوزُ، وَمَنْ يُكْرَهُ:
25 - يُسْتَحَبُّ عِنْدَ الْمَذَاهِبِ الأَْرْبَعَةِ خُرُوجُ الشُّيُوخِ وَالضُّعَفَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالْعَجَزَةِ وَغَيْرِ ذَاتِ الْهَيْئَةِ مِنَ النِّسَاءِ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: بِخُرُوجِ مَنْ يَعْقِل مِنَ الصِّبْيَانِ، أَمَّا مَنْ لاَ يَعْقِل فَيُكْرَهُ خُرُوجُهُمْ مَعَ الْجَمَاعَةِ لِلصَّلاَةِ. وَاسْتَدَلُّوا لِخُرُوجِ مَنْ ذُكِرَ بِقَوْل الرَّسُول ﵊: هَل تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلاَّ بِضُعَفَائِكُمْ. (79)
إِخْرَاجُ الدَّوَابِّ فِي الاِسْتِسْقَاءِ:
26 - فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلاَثَةُ آرَاءٍ:
الأَْوَّل: يُسْتَحَبُّ إِخْرَاجُ الدَّوَابِّ؛ لأَِنَّهُ قَدْ تَكُونُ السُّقْيَا بِسَبَبِهِمْ. وَهُوَ قَوْل الْحَنَفِيَّةِ، وَرَأْيٌ لِلشَّافِعِيَّةِ؛ لِقَوْل رَسُول اللَّهِ ﷺ: لَوْلاَ عِبَادٌ لِلَّهِ رُكَّعٌ، وَصِبْيَانٌ رُضَّعٌ، وَبَهَائِمُ رُتَّعٌ لَصُبَّ عَلَيْكُمْ الْعَذَابُ صَبًّا، ثُمَّ رُصَّ رَصًّا.
وَلِمَا رَوَى الإِْمَامُ أَحْمَدُ أَنَّ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ " خَرَجَ بِالنَّاسِ يَسْتَسْقِي، فَإِذَا هُوَ بِنَمْلَةٍ رَافِعَةٍ بَعْضَ قَوَائِمِهِمَا إِلَى السَّمَاءِ. فَقَال: ارْجِعُوا فَقَدِ اسْتُجِيبَ لَكُمْ مِنْ أَجْل هَذِهِ النَّمْلَةِ (80) " وَقَال أَصْحَابُ هَذَا الرَّأْيِ: إِذَا أُقِيمَتْ فِي الْمَسْجِدِ، أُوقِفَتِ الدَّوَابُّ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ.
الثَّانِي: لاَ يُسْتَحَبُّ إِخْرَاجُ الْبَهَائِمِ؛ لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يَفْعَلْهُ. وَهُوَ قَوْل الْحَنَابِلَةِ، وَالْمَالِكِيَّةِ، وَرَأْيٌ ثَانٍ لِلشَّافِعِيَّةِ (81) . الثَّالِثُ: لاَ يُسْتَحَبُّ وَلاَ يُكْرَهُ، وَهُوَ رَأْيٌ ثَالِثٌ لِلشَّافِعِيَّةِ (82) .
خُرُوجُ الْكُفَّارِ وَأَهْل الذِّمَّةِ:
27 - فِي الْمَسْأَلَةِ رَأْيَانِ:
الأَْوَّل: وَهُوَ لِلْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ: لاَ يُسْتَحَبُّ خُرُوجُ الْكُفَّارِ وَأَهْل الذِّمَّةِ، بَل يُكْرَهُ، وَلَكِنْ إِذَا خَرَجُوا مَعَ النَّاسِ فِي يَوْمِهِمْ، وَانْفَرَدُوا فِي مَكَانٍ وَحْدَهُمْ لَمْ يُمْنَعُوا. وَجُمْلَةُ مَا اسْتَدَلُّوا بِهِ أَنَّهُ لاَ يُسْتَحَبُّ إِخْرَاجُ أَهْل الذِّمَّةِ وَالْكُفَّارِ؛ لأَِنَّهُمْ أَعْدَاءُ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِهِ وَبَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا، فَهُمْ بَعِيدُونَ مِنَ الإِْجَابَةِ. وَإِنْ أُغِيثَ الْمُسْلِمُونَ فَرُبَّمَا قَالُوا: هَذَا حَصَل بِدُعَائِنَا وَإِجَابَتِنَا، وَإِنْ خَرَجُوا لَمْ يُمْنَعُوا؛ لأَِنَّهُمْ يَطْلُبُونَ أَرْزَاقَهُمْ مِنْ رَبِّهِمْ فَلاَ يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ، وَلاَ يَبْعُدُ أَنْ يُجِيبَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى؛ لأَِنَّهُ قَدْ ضَمِنَ أَرْزَاقَهُمْ فِي الدُّنْيَا، كَمَا ضَمِنَ أَرْزَاقَ الْمُؤْمِنِينَ. وَلَكِنْ يُؤْمَرُونَ بِالاِنْفِرَادِ عَنِ الْمُسْلِمِينَ؛ لأَِنَّهُ لاَ يُؤْمَنُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِعَذَابٍ فَيَعُمَّ مَنْ حَضَرَهُمْ. وَلاَ يَخْرُجُونَ وَحْدَهُمْ، فَإِنَّهُ لاَ يُؤْمَنُ أَنْ يَتَّفِقَ نُزُول الْغَيْثِ يَوْمَ خُرُوجِهِمْ وَحْدَهُمْ، فَيَكُونُ أَعْظَمَ فِتْنَةً لَهُمْ، وَرُبَّمَا افْتُتِنَ غَيْرُهُمْ (1) .
الرَّأْيُ الثَّانِي: وَهُوَ لِلْحَنَفِيَّةِ، وَرَأْيٌ لِلْمَالِكِيَّةِ، قَال بِهِ أَشْهَبُ وَابْنُ حَبِيبٍ: لاَ يَحْضُرُ الذِّمِّيُّ وَالْكَافِرُ الاِسْتِسْقَاءَ، وَلاَ يَخْرُجُ لَهُ؛ لأَِنَّهُ لاَ يَتَقَرَّبُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِدُعَائِهِ. وَالاِسْتِسْقَاءُ لاِسْتِنْزَال الرَّحْمَةِ، وَهِيَ لاَ تَنْزِل عَلَيْهِمْ، وَيُمْنَعُونَ مِنَ الْخُرُوجِ؛ لاِحْتِمَال أَنْ يُسْقَوْا فَتَفْتَتِنَ بِهِ الضُّعَفَاءُ وَالْعَوَامُّ (2) .
__________
(1) لسان العرب مادة: (سقى)
(2) ابن عابدين 1 / 790 ط الثالثة، وفتح العزيز بهامش المجموع 5 / 87، والشرح الصغير 1 / 537 ط المعارف.
(3) نهاية المحتاج 2 / 402، والمغني 2 / 283 ط رشيد رضا، وابن عابدين 1 / 791 ط الثالثة.
(4) حديث: " ترى المؤمنين. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري 10 / 438 - ط السلفية) .
(5) حديث: " دعوة المرء المسلم. . . " أخرجه مسلم (4 / 2094 - ط عيسى الحلبي) .
(6) نهاية المحتاج 2 / 403 ط الحلبي.
(7) حاشية الشبراملسي على نهاية المحتاج 2 / 403
(8) الخرشي على مختصر خليل 2 / 13
(9) نهاية المحتاج 2 / 402 والآيات من سورة نوح 10 - 12
(10) فتح القدير 1 / 437 ط بولاق. وحديث: " اللهم اسقنا غياثا مغيثا. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري 2 / 508، 509، 212 - ط السلفية) .
(11) نيل الأوطار للشوكاني 4 / 3 المطبعة العثمانية المصرية. وحديث: " إنكم شكوتم جدب دياركم. . . " أخرجه أبو داود عون المعبود (2 / 354 - 355 - ط المطبعة الأنصارية) وقال: " إسناده جيد ".
(12) المجموع للنووي 5 / 65، والطحطاوي على الدر المختار 1 / 360، والمغني 2 / 295. وأثر " استسقى عمر ﵁ بالعباس. . . . " أخرجه البخاري (فتح الباري 4 / 494 - ط السلفية) .
(13) أثر: " استسقى معاوية بيزيد بن الأسود. . . " أخرجه أبو زرعة الدمشقي في تاريخه بسند صحيح، (التلخيص الحبير 2 / 101 - ط شركة الطباعة الفنية) .
(14) الخرشي 2 / 13، والمجموع للنووي 5 / 90
(15) الخرشي 2 / 16، والمجموع للنووي 5 / 64، وابن عابدين 1 / 792
(16) حديث: " إن الله يحب الملحين في الدعاء. . . " أخرجه الحكيم الترمذي وابن عابدين، وضعفه الحافظ ابن حجر (فيض القدير 2 / 292 ط الثالثة) .
(17) سورة الأنعام / 43
(18) حديث: " يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي، أخرجه البخاري (فتح الباري 11 / 140 - ط السلفية) .
(19) ابن عابدين 1 / 792 ط الثالثة، وحاشية العدوي على الخرشي 2 / 16، وحاشية الدسوقي 1 / 405، والمغني 2 / 295، وكشاف القناع 2 / 59، ونهاية المحتاج 2 / 403، والرهوني 2 / 189، 190، والمجموع 5 / 87
(20) ابن عابدين 1 / 792، وشرح فتح القدير 1 / 447
(21) الاختيار 1 / 70
(22) المجموع للنووي 5 / 64 ط المنيرية، والمغني 2 / 297 ط المنار الأولى.
(23) مواهب الجليل شرح مختصر خليل 2 / 205 ط ليبيا، والرهوني 2 / 190، والشرح الصغير 1 / 537
(24) الطحطاوي علي مراقي الفلاح ص 300، وابن عابدين 1 / 791
(25) فتح القدير 1 / 438
(26) شرح العناية على الهداية بهامش فتح القدير 1 / 440 ط بولاق.
(27) ابن عابدين 1 / 567
(28) المجموع للنووي 5 / 76 ط المنيرية.
(29) الخرشي 2 / 14
(30) فتح القدير 1 / 437. وحديث: " خرج رسول الله ﷺ مبتذلا متواضعا متضرعا. . . " أخرجه أبو داود (عون المعبود 1 / 453 - ط المطبعة الأنصارية) والترمذي (2 / 445 - ط مصطفى الحلبي) وصححه.
(31) وقت صلاة العيد حين ترتفع الشمس قدر رمح أو رمحين. وحديث عائشة: " خرج رسول الله ﷺ حين بدا حاجب الشمس. . . . " شطر من الحديث المتقدم فقرة (3) بلفظ " إنكم شكوتم جدب دياركم. . . . . ".
(32) بلفظ " إنكم شكوتم جدب دياركم. . . . . ".
(33) المرجع السابق، والمجموع 5 / 76، 77
(34) المغني 2 / 283، ومواهب الجليل 2 / 205، والرهوني 2 / 190
(35) المجموع للنووي 5 / 72
(36) ابن عابدين 1 / 792 ط الثالثة، وحاشية الشرنبلالي على الدرر شرح الغرر 1 / 148، والطحطاوي على مراقي الفلاح ص 301
(37) المجموع للنووي 5 / 65، والمغني 2 / 84، وكشاف القناع 2 / 58، ومراقي الفلاح والحاشية 1 / 301، والطحطاوي ص 360، والآية من سورة الأعراف / 96
(38) سورة البقرة / 159
(39) كشاف القناع 2 / 59. وحديث: " خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان فرفعت. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري 4 / 267 - ط السلفية) .
(40) حديث: " ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حين يفطر. . . . " أخرجه الترمذي (تحفة الأحوذي 7 / 229، 10 / 56 - نشر السلفية) وفي إسناده ضعف وجهالة.
(41) المجموع للنووي 2 / 65، وشرح العناية على الهداية على هامش فتح القدير 1 / 441، وكشاف القناع 2 / 59، وحاشية الدسوقي 1 / 206 ط دار الفكر.
(42) حاشية الشرنبلالي على الدرر 1 / 148
(43) حديث عائشة تقدم فقرة (3)
(44) المجموع للنووي 5 / 66، والمغني 2 / 284، وكشاف القناع 2 / 59، والطحطاوي ص 360
(45)
(46) سورة نوح / 10 - 11
(47) ابن عابدين 1 / 791 ط الثالثة، وشرح العناية على الهداية بهامش القدير 1 / 440 ط بولاق.
(48) الطحطاوي ص 360 ط المعرفة.
(49) المجموع للنووي 5 / 77، والطحطاوي ص 360، والمغني 2 / 187، والشرح الصغير 1 / 539 ط المعارف.
(50) المجموع النووي 5 / 93، والمغني 2 / 188
(51) حديث عبد الله بن زيد: " رأيت النبي ﷺ لما خرج يستسقي حول ظهره إلى الناس. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري 2 / 514 - ط السلفية "، ومسلم (2 / 611 - ط عيسى الحلبي) .
(52) المغني 2 / 284 ط المنار، والمجموع للنووي 5 / 74، وابن عابدين 1 / 791، وبدائع الصنائع 1 / 283. والحديث روي عن جعفر عن أبيه " أن النبي ﷺ وأبا بكر وعمر كانوا يصلون صلاة الاستسقاء يكبرون فيها سبعا وخمسا " أخرجه عبد الرزاق (3 / 85 - ط المجلس العلمي) ، والشافعي في الأم 1 / 249 - ط شركة الطباعة الفنية. وفي إسناده إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي وهو متروك كما في التقريب لابن حجر.
(53) الشرح الصغير 1 / 537 ط دار المعارف، وابن عابدين 1 / 191، والمغني 2 / 285. والحديث رواه أحمد وأبو عوانة والبيهقي ورواته ثقات (نيل الأوطار 4 / 6)
(54) المجموع للنووي 5 / 63، وابن عابدين 1 / 791، والمغني 2 / 293، وحاشية الدسوقي 1 / 405
(55) المجموع للنووي 5 / 73، والمغني 2 / 293
(56) المغني 2 / 893
(57) المجموع للنووي 5 / 75
(58) المجموع للنووي 5 / 64، 83، والشرح الصغير 1 / 539، والطحطاوي ص 360
(59) المغني 2 / 291 ط المنار، وابن عابدين 1 / 791 ط الثالثة.
(60) بدائع الصنائع 1 / 283 ط المطبوعات العلمية، والمجموع 5 / 84، والشرح الصغير 1 / 539، والمغني 2 / 291، وحاشية العدوي 2 / 16
(61) العدوي على الخرشي 2 / 16
(62) بدائع الصنائع 1 / 283
(63) المغني 2 / 289، والكافي 1 / 322 ط آل ثاني، وكشاف القناع 2 / 62.
(64) فتح القدير 1 / 440، والكافي 1 / 322، 323، وحديث: " اللهم اسقنا غياثا معينا هنيئا. . . . " رواه ابن ماجه ورجاله ثقات (نيل الأوطار 4 / 11)
(65) حديث: " اللهم أغثنا. . . " أخرجه البخاري ومسلم (نيل الأوطار 4 / 15)
(66) حديث: " كان رسول الله ﷺ لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء ". أخرجه البخاري (فتح الباري 2 / 517 - ط السلفية) .
(67) المجموع للنووي 5 / 79، والطحطاوي ص 359، والمغني 2 / 289، والشرح الصغير 1 / 540
(68) تقدم تخريجه (ف 3)
(69) المجموع للنووي 5 / 65، والطحطاوى ص 360، والمغني 2 / 295 والحديث تقدم تخريجه (ف 3)
(70) حديث. قصة أصحاب الغار. أخرجه البخاري (فتح الباري 6 / 505 - 506 ط السلفية) ، ومسلم (4 / 2099 - 2100 ط عيسى الحلبي) .
(71) المجموع للنووي 5 / 85، والمغني 2 / 489، والشرح الصغير 1 / 539 - 540
(72) شرح العناية على هامش فتح القدير 1 / 440، والمغني 2 / 289
(73) شرح العناية على هامش فتح القدير 1 / 440
(74) المغني 2 / 290، والشرح الصغير 1 / 539 - 540، والمجموع للنووي 5 / 85
(75) شرح العناية على هامش فتح القدير 1 / 440، والمجموع للنووي 5 / 85
(76) الشرح الصغير 1 / 539، والمغني 2 / 288، والمجموع للنووي 5 / 85، وابن عابدين 1 / 791
(77) الحديث رواه مسلم 1 / 317 - 318 ط عيسى الحلبي
(78) المجموع للنووي 5 / 64، 94، وبدائع الصنائع 1 / 282 ط المطبوعات العلمية، وابن عابدين 1 / 791، والمغني 2 / 294
(79) المجموع للنووي 5 / 70، والطحطاوي ص 360، والشرح الكبير على المغني 2 / 287 ط المنار، والتاج والإكليل على هامش الحطاب 2 / 206، وحاشية العدوي على الشرح الصغير 1 / 538. وحديث: " هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري 6 / 88 - ط السلفية) .
(80) الطحطاوي ص361، والمجموع للنووي 5 / 66 - 71 وحديث: " لولا عباد لله ركع وصبيان رضع وبهائم رتع. . . " أخرجه الطبراني والبيهقي، وضعفه الذهبي والهيثمي (فيض القدير 5 / 344 - طبع المكتبة التجارية) .
(81) حاشية الصاوي على الشرح الصغير 1 / 538، والشرح الكبير على المغني 2 / 287. والمجموع للنووي 5 / 71
(82) المجموع للنووي 5 / 71
الموسوعة الفقهية الكويتية: 304/ 3
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".