الكريم
كلمة (الكريم) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل)، وتعني: كثير...
عن أَنَس بنِ مَالِكٍ رضي الله عنه «أنَّ جَدَّتَهُ مُلَيكَة دَعَت رسول الله ﷺ لِطَعَام صَنَعتُه، فَأَكَل مِنه، ثم قال: قُومُوا فَلِأُصَلِّي لَكُم؟ قال أنس: فَقُمتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قد اسوَدَّ من طُولِ مَا لُبِس، فَنَضَحتُه بماء، فقام عليه رسول الله ﷺ وَصَفَفتُ أنا واليَتِيمُ وَرَاءَهُ، والعَجُوزُ مِن وَرَائِنَا، فَصَلَّى لَنَا رَكعَتَين، ثُمَّ انصَرَف». ولمسلم «أن رسول الله ﷺ صلى به وبِأُمِّه فَأَقَامَنِي عن يَمِينِه، وأقام المَرأةَ خَلْفَنَا».
[صحيح.] - [الرواية الأولى: متفق عليها. والرواية الثانية: رواها مسلم.]
دعت مليكة رضي الله عنها رسول الله ﷺ لطعام صنعته، وقد جبله الله تعالى على أعلى المكارم وأسمى الأخلاق، ومنها التواضع الجم، فكان على جلالة قدره وعلو مكانه يجيب دعوة الكبير والصغير، والذكر والأنثى، والغني والفقير، يريد بذلك الأهداف السامية، والمقاصد الجليلة من جبر قلوب البائسين، والتواضع للمساكين، وتعليم الجاهلين، إلى غير ذلك من مقاصده الحميدة، فجاء إلى هذه الداعية، وأكل من طعامها، ثم اغتنم هذه الفرصة ليعلِّم هؤلاء المستضعفين الذين ربما لا يزاحمون الكبار على مجالسه المباركة، فأمرهم بالقيام ليصلي بهم، حتى يتعلموا منه كيفية الصلاة، فعمد أنس إلى حصير قديم، قد اسود من طول المكث والاستعمال، فغسله بالماء، فقام عليه رسول الله ﷺ يصلى بهم، وصف أنسا، ويتيما معه، صفا واحدا خلف النبي ﷺ، وصفت العجوز-صاحبة الدعوة- من وراء أنس واليتيم، تصلي معهم، فصلى بهم ركعتين، ثم انصرف ﷺ بعد أن قام بحق الدعوة والتعليم ﷺ، ومنَّ الله علينا باتباعه في أفعاله وأخلاقه.
فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ | النضح الرش، وقد يراد به الغسل. |
مُلَيْكَةَ | هي بنت مالك بن عدي الأنصارية النجَّارية. |
دَعَت رَسُولَ اللَّه | طلبت حضوره. |
لكم | لأجلكم؛ لتعليمكم أو لحلول البركة في منزلكم. |
حَصِيرٍ | فراش منسوج من سعف النخل. |
طُولِ مَا لُبِسَ | طول مدة ما استُعمل. |
اليتيم والعجوز | اليتيم: من مات أبوه قبل بلوغه، والمراد به: ضميرة بن أبي ضميرة الحميري مولى النبي -صلى الله عليه وسلم-.العجوز: المرأة الكبيرة السن، والمراد بها: مليكة. |
ثم انصرف | رجع من عندهم. |
أَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ | أوقفني للصلاة معه. |
المرأة | أم أنس. |
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".