الوارث
كلمة (الوراث) في اللغة اسم فاعل من الفعل (وَرِثَ يَرِثُ)، وهو من...
العربية
المؤلف | علي بن عمر با دحدح |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - فقه النوازل |
هذا نظر قرآني، ومنهل إيماني، ومنطق إسلامي، لا يجعلنا نستسلم لواقع مادي، لا يجعلنا نحبط من عداء وتكالب وإجرام، وإن كان الألم والأسى في النفس فطرة بشرية، وإن كانت المعاناة لا شك واقعة، وإن كانت القلوب الحية المؤمنة تتفطر حزناً، وتتقطع ألماً، لكننا أهل...
الخطبة الأولى:
معاشر المؤمنين: وصية الله -سبحانه وتعالى- لكم في كتابه المبين: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
إخوة الإسلام والإيمان: إذا ضاقت الأمور، فالتمس لها سعة في كتاب الله -جل وعلا- مما يفيض على القلب من طمأنينة، وعلى النفس من سكينة، وعلى العقل من بصيرة، وإذا تكالب الأعداء، فالتمس قوة تواجههم بها في كتاب الله من تثبيت اليقين، وتعظيم الإيمان والأمل في وعده سبحانه وتعالى، وتعليق الرجاء بثوابه ونعيمه جل سبحانه وتعالى في علاه: (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ) [الحج: 40] بعض آيات من القرآن، لكنك ترى فيها صور الواقع الإنساني ضارباً في جذور التاريخ، ومشاهداً في حاضر الواقع، ومرسوماً كذلك في صورة المستقبل فيما قضته سنة الله من صراع الحق والباطل، يُخرجون من ديارهم زرافات ووحداناً، آلافاً مؤلفة، صبية صغاراً وشيوخاً، كباراً وفتياتٍ صغيرات، وأمهات كبيرات، ما ذنبهم؟
(إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ)، كما قال ابن كثير: "ما كان لهم إلى قومهم إساءة، ولا كان لهم ذنب إلا أنهم عبدوا الله وحده لا شريك له".
وهذا هو عند المشركين أكبر الذنوب، والآيات فيه كثيرة: (يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ) [الممتحنة: 1].
وفي قصة أصحاب الأخدود: (وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) [البروج: 8].
وفي شأن سيد الخلق -عليه الصلاة والسلام-: (إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا) [التوبة: 40].
التهجير والإخراج من الأرض والديار يتكرر عبر التاريخ، وتظهر فيه صورة الإرهاب والعدوان المصبوب على أهل الإسلام، وليس المنسوب إليهم، ولما خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من مكة كان هناك تصوير إنساني رفيع في المشاعر بليغ في العبارات يجسد هذه الفطرة البشرية، حيث خاطب مكة، فقال: "ما أطيبك من بلد وأحبك إليّ، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك" [رواه الترمذي في سننه وصححه وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه].
وتجلت الصورة كذلك في الأيام الأولى من الهجرة عندما أصابت المهاجرين حُمّى المدينة، فكان بلال -رضي الله عنه- يبث شوقه وحزنه على فراق بلده ومراتع صباه، وهو يقول:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة | بواد وحولي إذخر وجليل |
وهل أردن يوماً مياه مجنة | وهل يبدون لي شامة وطفيل |
يتذكر مواطن في مكة، وتشتد الحمّى بأبي بكر الصديق -رضي الله عنه- فيقول:
كل امرئ مصبح في أهله | والموت أدنى من شراك نعله |
فطرة بشرية ترتبط بالأرض بالوطن بمراتع الصبا، ولكن الله -سبحانه وتعالى- يجعل لنا -معاشر المؤمنين أهل الإسلام أهل القرآن أتباع محمد -صلى الله عليه وسلم-، يجعل لنا أمراً مغايراً لكل ما عليه الخلق والبشر الذين انبتت صلتهم بالله، وانقطعت قلوبهم عن التعلق به، هاهنا صورة أخرى: (وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً) [النساء: 100] اجعلها لله، إنما كان هذا فتنة في الدين، وكان الخروج سلامة منه، إنما كان هذا ظلماً من المعتدين، وكان الخروج التماساً لنجاة يأخذ بها الإنسان مسيره نحو طاعة ربه، وقيامه بواجبه، من هنا تختلف الصورة: (وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ)، وهذا فعل شرط وجواب شرط، أي أنّ النتيجة متحققة قطعاً لمن تحقق له الوصف الأول: (وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً).
ذكر أهل التفسير معان كثيرة، وممن بسط القول في هذا المعنى الجميل: الرازي في تفسيره، حيث قال: "يجد في ذلك البلد من الخير والنعمة ما يكون سبباً لإرغام أنف أعدائه الذين كانوا معه في بلده، وأخرجوه منها".
والحاصل: أنك إنما تكره الهجرة من وطنك خوفاً من أن تقع في المشقة والمحنة في السفر، فلا تخف فإن الله يعطيك من النعم الجليلة، والمراتب العظيمة في مهاجرك ما يصير سبباً لرغم أنوف أعدائك، ويكون سبباً لسعة العيش.
وهذا وعد الله ووعده لا يخلف، وسنرى صورته الحقيقية فيما مرّ من التاريخ قديماً وحديثاً.
ويذكر الرازي أيضاً: أن من الموانع التي تحول أحياناً بين النفوس والخروج من الأرض والديار أنه يبغي هدفاً، ويخشى ألا يصل إليه، فيقول: لماذا أخرج وقد لا أجد بغيتي، ولا أصل إلى هدفي؟ فربما وصلت إليه وربما لم أصل إليه، فالأولى ألا أضيّع الرفاهية الحاضرة بسبب طلب شيء ربما أصل إليه أو لا أصل إليه، فأجاب الله في الآية التالية: (وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ) [النساء: 100]، حتى إن انقطع السبب ولم يحصل الهدف، فإن ما عند الله أعظم وأفضل وهو خير للإنسان.
وقد روى أبو يعلى وابن أبي حاتم، وغيرهما، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: خرج ضمرة بن جندب من بيته مهاجراً، وقال لأهله: احملوني -لأنه كان مريضاً- فأخرجوني من أرض المشركين إلى الله إلى رسول الله، فمات في الطريق قبل أن يصل فنزل الوحي: (وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ)، أي: وجب أجره بفضل الله الذي أوجب على نفسه ذلك لعباده.
هذا نظر قرآني، ومنهل إيماني، ومنطق إسلامي، لا يجعلنا نستسلم لواقع مادي، لا يجعلنا نحبط من عداء وتكالب وإجرام، وإن كان الألم والأسى في النفس فطرة بشرية، وإن كانت المعاناة لا شك واقعة، وإن كانت القلوب الحية المؤمنة تتفطر حزناً، وتتقطع ألماً، لكننا أهل إيمان ويقين نسلّم لقضاء الله وقدره، ونرضى به فيورثنا الله -سبحانه وتعالى- طمأنينة وسكينة، ويخلفنا خيراً كنا نظنه بعيداً، ويشاء الله أن يكون قريباً، وكنا نظنه ليس بوارد، وإذا به قريب المنال سهل الوصول بعونه سبحانه وتعالى.
هذا الذي نراه اليوم كان ممتداً في التاريخ قديماً وحديثاً كما أشرنا في سيرة المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، خرج من مكة مهاجراً، وعاد إليها فاتحاً، بعد أن فتحت قلوب آلاف مؤلفة من الخلق دانو بهذا الدين، واتبعوا رسوله العظيم -صلى الله عليه وسلم-، بينما كانت مكة قد أوصدت أبوابها، وصمّت آذانها، وقست قلوب كثير من أهلها، فجعل الله في الهجرة فسحة عظيمة، وتغيراً تاريخياً فريداً في حياة المسلمين، بل في حياة البشرية كلها، وشاءت إرادة الله أن يكون هذا الحدث الذي ربما كان ظاهره ألم، وهو كذلك من الناحية البشرية وظاهره ربما خسران بالمقاييس المادية يجعل الله فيه نموذجاً آخر.
ومن قبل ذلك خرج موسى -عليه السلام- ومعه بنو إسرائيل فراراً من طغيان فرعون، لم تكن لديهم خطة مستقبلية، لم تكن عندهم تجهيزات مادية، لكن كان عندهم وعد الله ويقين به، حتى إذا كان البحر أمامهم وفرعون وجنوده خلفهم، قال موسى -عليه السلام-: (كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) [الشعراء: 62]، (فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) [الشعراء: 63]، مشت آلاف مؤلفة فوق بحر صار براً، ثم انطبق على فرعون وقومه، إنّ من يخرج، إنّ من يتوجه، إنّ من يكون قصده وقلبه معلق بأمر الله، ومرتبط بطاعة الله يجد له -سبحانه وتعالى- مخرجاً: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً) [الطلاق: 2]، ذلك أمر لا بد أن يكون يقيناً حاضراً.
والآن وقفة نرى فيها من الذين يجرمون هذا الجرم، وقد أخبرنا الله بأن أهل الإسلام والإيمان لم يكن لهم ذنب إلا أنهم أسلموا طواعية، وآمنوا اختياراً، وارتضوا الإسلام ديناً ومحمد -صلى الله عليه وسلم- رسولاً، انظروا إلى بعض مراحل التاريخ القريب وليس البعيد: الاتحاد السوفيتي الذي صفحاته تقطر دماً من جرائمه، كان رائداً في التهجير القسري والإجرام الذي صبّ على رؤوس أهل الإسلام، فكان زعماؤه، ومن أشهرهم: "ستالين"، هجّر الملايين، وقتل الملايين من المسلمين، وانظروا اليوم كيف حال ذلك الاتحاد إلى تفكك جعل منه دولة في نصف حجمها وقوتها، وكيف أذل الله من عادى أولياءه، وسيذلهم عاجلاً غير آجل بإذنه -سبحانه وتعالى-.
في ثلاثة أيام هجّروا من القِرْم التي سمعنا خبرها قبل سنة أو نحوها مائة وتسعين ألفاً في ثلاثة أيام!
في داغستان كان عدد السكان ثمانية ملايين، في عام واحد صاروا مليون وستمائة ألف وكسر، وهكذا .. وهكذا..
في البوسنة والهرسك هُجِّر مئات الآلاف من أرضهم وديارهم في فجاج الأرض كلها، عندما اعتُدي عليهم لا لشيء إلا لأنهم مسلمون، رغم أن كثيراً منهم لم يكونوا يعرفون شيئاً يُذكر من دينهم ولم يكونوا يلتزمون إلا اليسير اليسير من أحكام إسلامهم، ومع ذلك دارت عليهم الدائرة.
ومثل ذلك حصل في كوسوفو حيث هُجِّر سبعمائة ألف مسلم، فرّوا إلى الغابات والمناطق النائية، ومات بعضهم جوعاً، ومات بعضهم برداً، وتفرق قوم سبأ في بقاع شتى، ودرة المدائن وأرض الإسراء في فلسطين كذلك فعل الصهاينة اليهود، وهجروا مئات الآلاف، وماذا صنع العالم إذ ذاك؟
كأنما يقرّ بذلك، وأنشأ وكالة لغوث اللاجئين، وكان القرار ينص على أن مدتها ثلاثين عاماً، قالوا: كافية لكي نحل مشاكلهم، ويكون خروجهم أبدياً لا عودة فيه، أين هم اليوم؟
اليوم تفرقوا في البلاد، وكان منهم فئام كثيرة تنافح عن دينها، وترفع لواء قضية أرض الإسراء.
واليوم في قلب هذا الكيان الغاصب أهل البلاد يزدادون عدداً، ويرتفعون راية، ويشمخون عزة، ويواجهون قوة، والأمور لا تسير بالنواحي المادية، وإنما يجري بها قدر الله، وفق سنته، ويكرم الله بها من عباده من يؤمن، ويخلص ويجعل حياته كلها في سبيل الله -سبحانه وتعالى-.
لا شك أن الأوطان لها حنين، وأمير الشعراء، حينما نُفي من مصر، قال قصيدته الذائعة، ومنها:
وطني لو شغلت بالخلد عنه | نازعتني إليه في الخلد نفسي |
صورة واضحة، هذا التهجير بالقوانين الدولية التي يرددونها صباح مساء، هو جريمة عظمى، وجريمة إبادة، لا بد من الحساب عليها، والعقاب عليها، لكننا نراها وهي تملأ شاشات الإعلام، وأخبار السياسة صباح مساء، في العراق وفي سوريا وفي اليمن وفي ليبيا، وفي غيرها من البلاد المسلمة العربية التي أداروا فيها رحى كل هذه النيران الحربية المشتعلة.
لكننا في مقامنا هذا نعيد القول ونكرره: أن مرجعنا إلى القرآن، وموئلنا إلى السنة، يجعل لنا إيماناً ويقيناً وقدرة على المواجهة، ورضاً وتسليماً، ليس فيه قعود، ولا يأس ولا إحباط، ويجعل لنا أفقاً ممتداً، وقد كانت هجرات سابقة لأهل الإسلام لظروف مختلفة، فإذا بهم اليوم في هذه البلاد الأروبية يشكلون قوة بالعدد وبالأجيال وبالإسلام، وبمظاهر هذا الدين الذي تعم فيه المساجد والمقابر التي تخص المسلمين، حتى بدأت صورة إفلاس حقيقي، وليس صورة انهيار أو سقوط، بل هو إفلاس يظهر اليوم عندما نجد أهل الحضارة المنادين بالحرية، يمنعون النقاب، ولا يسمحون به حرية شخصية، يمنعون الأذان ولا يرون فيه صورة لعبادة من عبادات الأديان، كما يقولون، ونحو ذلك، وتزداد موجات حتى إنها تدعو لئن يطرد كل مسلم من أرض ولد فيها، وبمقياسهم وبميزانهم وبقانونهم هو من أهلها، وهو من صلب هذه الديار وتلك البلاد.
كل ذلك يرينا أن الخير فيما يختاره الله، وأنما يقدره الله فيه ألم، وفيه حزن، وفيه ابتلاء، لكن فيه خير لا نعلمه إلا إذا كنا موصولين بهذه الآيات في كتاب الله، ناظرين إلى الصور المشرقة، والمواقف العظيمة الجليلة في سيرة رسولنا -صلى الله عليه وسلم- وفي تاريخ أمتنا.
فنسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يجعل في المحن منحاً، وأن يجعل بعد العسر يسراً، وأن يجعل من بعد الكرب فرجاً، وأن يعجل لأمتنا رحمته ولطفه ونصره، عاجلاً غير آجل.
الخطبة الثانية:
إخوة الإسلام والإيمان: أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله -جل وعلا-، فإن التقوى أعظم زاد يُقدم به العبد على مولاه.
وإن من تقواه سبحانه وتعالى: الرضا والتسليم بقدره، والنظر إلى لطف الله الخفي في ثنايا ما يقضي من الابتلاء والتماس الفرج والرحمة فيما يقدره جل وعلا من أقدار البلاء.
ونحن هنا ننظر إلى جانبين اثنين أوجزهما: خرج مسلمون: (مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ) [الحج: 40].
فكانت منهم أجيالٌ رفع الله بها كلمة التوحيد، ونشر بها راية الإسلام في فجاج الأرض، فلا تجدون بلداً ولا أرضاً إلا وفيها مسلمون، ولهم مساجدهم، ولهم ما لهم من عمل ودعوة يكتسبون بها من أهل البلاد فئاماً كثيرة، والإسلام أعظم وأكبر الأديان انتشاراً بكل الإحصاءات.
فإذا جاؤوا إلينا في بلادنا -أي غير المسلمين- جاؤوا عاملين، أو ربما جاؤوا في بعض الأحيان غازين ومحاربين، يغمرهم الإسلام بحجته العقلية، بعظمته الإنسانية، بتشريعاته المجتمعية، فيدخلون فيه كذلك.
ونرى هنا مكاتب دعوة الجاليات كم يدخل الناس في الإسلام بأعداد عظيمة وغفيرة، وكم رأينا من جنود دخلوا بلادنا محاربين في مناطق مختلفة، وأسلم منهم من أسلم، ومن قبل ذلك كالنصر الذي بهر صفحات التاريخ يوم أسلم جلّ التتار الذين كانوا قمة في العنف والقسوة والشدة والحرب والإيذاء والاعتداء، ثم إذا بهم يسلمون، وينتصر الإسلام عليهم، لا في معركة السيف، بل في معركة الحجة، لا في معركة القتل، بل في معركة الحياة، لا في معركة العنصرية والتعصب الذي هو سمة لغير أهل الإسلام، أما الإسلام فقد ثبت تاريخه قديماً وحديثاً أنه جعل لكل أهل الديانات في ظلاله حقوقاً وعدالة لا تمس فيها أرواحهم ولا أموالهم، إلا بموجب الأحكام الشرعية، حتى اليهود الذين أجلاهم النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن هذا الإجلاء من مثل هذا النوع، فقد أقرهم وعاهدهم لكنهم لما خانوا وغدروا وتآمروا وأرادوا قتل رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم- كان حقهم ذلك أن يطردوا، وأن يخرجوا؛ لأنهم تمالؤوا على ذلك.
هنا إسلامنا العظيم، لكننا ينبغي أن نتذكر أمرين آخرين: أن نعيش مع هذه المآسي بقلوبنا أن نتذكرها أن نكون مع أهلنا وإخواننا المسلمين في كل مكان في فلسطين في العراق في الشام في اليمن في بورما في أي مكان، أن نذكرهم نذكر مآسيهم نحزن لأجلهم ندعو لهم ربما نبكي لأجلهم هذا هو الجسد الواحد الذي صوره النبي -صلى الله عليه وسلم-.
والأمر الثاني: النصرة بأي وسيلة من الوسائل ولو بنصرة إعلامية، أو نصرة مادية، أو نصرة إغاثية، أو نصرة سياسية؛ لأن هذه الأمة أمة حية، أمة واحدة، تتجاوز الحدود، وتتجاوز الجنسيات؛ لأنها تقوم على أساس الإيمان والاعتقاد والعدل والإنصاف.
فنسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يرفع البلاء، ويكشف الغمة عن أمتنا، اللهم اكشف الغمة، وارحم الأمة، وعجل الفرج، وقرب النصر، واجعل العاقبة إلى خير عاجلاً غير آجل، يا رب العالمين.