البحث

عبارات مقترحة:

الوارث

كلمة (الوراث) في اللغة اسم فاعل من الفعل (وَرِثَ يَرِثُ)، وهو من...

الغفار

كلمة (غفّار) في اللغة صيغة مبالغة من الفعل (غَفَرَ يغْفِرُ)،...

الإله

(الإله) اسمٌ من أسماء الله تعالى؛ يعني استحقاقَه جل وعلا...

الشتاء آية من آيات الله العظيمة

العربية

المؤلف حسين بن حمزة حسين
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التاريخ وتقويم البلدان -
عناصر الخطبة
  1. قيام الكون بأمر الله .
  2. الشتاء آية من آيات الله .
  3. الاعتبار بتصريف الأمطار .
  4. آداب مستحبة عند نزول المطر .
  5. شكر الله تعالى على نعمه .

اقتباس

دخول فصل الشتاء آية من آيات الله، لا بد أن يذكّر المؤمن بالله، ويذكّره بقدرة الله وقوته ومشيئته ورحمته وإرادته وملكه؛ فيزيد إيمانه ويقينه، ويرتبط قلبه بخالق الأرض والسماء.

الخطبة الأولى:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين...

يدخل الشتاء، فتبرد الأجواء، وتتلبّد السماء بالغيوم، ويكثر السحاب، وتتغير الأرض، ويبرد الهواء، فتتجه القلوب إلى رب الأرض والسماء، الخالق الموجد المقتدر، مَنْ بيده خزائن ومقاليد السموات والأرض، قال -تعالى-: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ) [الروم:25]؛ فما يذهب فصل ويأتي فصل إلا بإذن الله، أرض ترتوي، وأرض تجفّ، ذلك بأمر الله، السماء تفتح أبوابها بماء منهمر فبإذن الله، السماء تمسك ماءها فبإذن الله.

فبأمر ربنا -سبحانه- يأتي الشتاء ويذهب الصيف، وبأمره ينزل القطر من السماء، فجميع الشتاء والصيف والربيع والخريف آيات باهرة تدلّ على عظيم صنع الخالق -جل جلاله-، فترضخ القلوب والعقول إلى بارئها ومولاها، شاهدةً على وحدانيته وألوهيته وكمال تدبيره، وحكيم أمره، وتستسلم لوجوب عبادته وطاعته وتعظيم أمره ونهيه.

قال ابن القيم -رحمه الله-: "ثم تأمل بعد ذلك أحوال هذه الشمس في انخفاضها وارتفاعها لإقامة هذه الأزمنة والفصول وما فيها من المصالح والحكم، إذ لو كان الزمان كله فصلا واحدا لفاتت مصالح الفصول الباقية فيه، فلو كان صيفا كله لفاتت منافع ومصالح الشتاء، ولو كان شتاء لفاتت مصالح الصيف". اهـ.

إخوة الإيمان: دخول فصل الشتاء آية من آيات الله، لا بد أن يذكّر المؤمن بالله، ويذكّره بقدرة الله وقوته ومشيئته ورحمته وإرادته وملكه؛ فيزيد إيمانه ويقينه، ويرتبط قلبه بخالق الأرض والسماء.

إن بين أيدينا نعمًا لا يُدركُ عظيم قدرها إلا من حُرمها، فاسألوا من جفت أرضهم حتى تشققت وتقطعت عطشا، اسألوا من انقطع عنهم القطر من السماء وغارت فيهم المياه، كيف حالهم ومآلهم؟! نسأل الله السلامة.

الجدب والجفاف حليفهم، الأرض تتقطع، والزرع يموت، والضرع يجف، تنتشر المجاعات، تموت المخلوقات من إنس ونبات وحيوان ويتوقف نموّها، إلى أن يأذن الله بعوْدة نعمه وجميل رحمته وفضله، لنتذكر لو أن الله منع عنا هذا الماء الذي به حياة جميع الكائنات، كيف تكون حياتنا ومعيشتنا؟ اللهم رحمتك نرجو، ونسألك اللطف بنا.

إخوة الإيمان: كيف لو نظر الله -تعالى- بعين العدل لأهل الأرض، وجازى كل نفس بما كسبت في هذه الدنيا؟ فرأى الكفر في كل مكان، وقد خلق الله الخلق لعبادته فكفروا وأشركوا، بل وقتلوا أولياءه وأحباءه وحاربوهم ليغيروا دينهم! وهو -تعالى- مطّلع عليهم، شاهد لأعمالهم، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- "ما أحد أصبر على أذى سمعه من الله، يدعون له الولد، ثم يعافيهم، ويرزقهم".

لكن الله -تعالى- يمهل ولا يهمل، ولم يجعل الدنيا دار جزاء، بل الآخرة هي دار الجزاء، والدنيا دار امتحان وبلاء، يعطيها من يحب ومن لا يحب. (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ) [إبراهيم:42-43].

عباد الله: إننا مدعوّون إلى رفع أكفنا إلى مولانا وخالقنا جل جلاله، شكرًا وحمدًا على ما أنعم به وأولى من نِعَم علينا لا تحصى ولا تعدّ، ومن أعظمها الماء والمطر، فلك اللهم الحمد على نعمائك المتواليات، ولك الشكر على فضائلك المتزايدة، يا أكرم الأكرمين.

فنحن في هذه الأيام نتقلّب في نعمٍ من الله وافرة، وخيرات غامرة، سماؤنا تمطر، وشجرنا يثمر، وأرضنا تخضرّ، فتح الله لنا أبواب رحمته من السماء، فعمّ بغيثه جميع أرضنا، فامتلأت السدود والوديان والنخيل والآبار، وارتوت الأرض، نسأل الله أن يروي قلوبنا بالإيمان كما روى أرضنا بالمطر، وأن يجعل ما أنزل علينا وابلا صيّباً، هنيئاً طيّباً، سحّاً غدقاً نافعاً غير ضار، وأن ينفع به العباد والبلاد، ويحفظ عليننا أمننا وإيماننا وولاة أمرنا وجندنا على ما يحب -تعالى- ويرضى، ويشمل بذلك جميع ديار المسلمين.

إن في تصريف الأمطار في بعض البلاد وحبسها عن بعض الدّيار، لعبرة لأولي الأبصار، وعظة للعصاة الفجار، قال -تعالى-: (وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا * وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا) [الفرقان:48-49].

وإن مما يستحب مع نزول المطر أن يحسر أحدنا شيئا من ملابسه ليصيب المطر بدنه؛ تأسيًا برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فعن أنس -رضي الله عنه- قال: أصابنا ونحن مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مطر، قال: فحسر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثوبه حتى أصابه من المطر فقلنا: يا رسول الله، لم صنعت هذا؟ قال: "لأنه حديث عهد بربه".

عباد الله: والدعاء عند نزول الغيث مستجاب، فعن سهل بن سعد -رضي الله عنه- عن النبيّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ثنتان ما تردان: الدعاء عند النداء، وتحت المطر" حسنه الألباني في صحيح الجامع. فهذا من فضائل نزول الغيث، فما لنا لا نغتنمها؟!.

إن من عجائب الحر والبرد والصيف والشتاء الحديث الذي رواه ابن ماجه في سننه ضمن كرامات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: كَانَ أَبُو لَيْلَى يَسْمُرُ مَعَ عَلِيّ بن أبي طالب -رضي الله عنه-، فَكَانَ يَلْبَسُ ثِيَابَ الصَّيْفِ فِي الشِّتَاءِ وَثِيَابَ الشِّتَاءِ فِي الصَّيْفِ، فَقُلْنَا: لَوْ سَأَلْتَهُ! فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بَعَثَ إِلَيَّ وَأَنَا أَرْمَدُ الْعَيْنِ يَوْمَ خَيْبَرَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَرْمَدُ الْعَيْنِ. فَتَفَلَ فِي عَيْنِي ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنْهُ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ"، قَالَ: فَمَا وَجَدْتُ حَرًّا وَلَا بَرْدًا بَعْدَ يَوْمِئِذٍ.

الخطبة الثانية:

إخوة الإيمان: إذا أجدبت الأرض، ومات الزرع، وجف الضرع، وذبلت الأزهار، وغار الماء، وقل الغذاء، واشتد البلاء، يلجأ المسلمون المكروبون إلى ربهم، فينزل المطر، وينهمر الغيث، ويذهب الظمأ، وترتوي الأرض، (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [فصلت:39].

خلق -سبحانه- فسوى، وقدر فهدى، وأخرج المرعى فجعله غثاء أحوى، السماء بناها، والجبال أرساها، والأرض دحاها، أخرج منها ماءها ومرعاها، يبسط الرزق، ويغدق العطاء، ويرسل النعم، التواب الرحيم، ذو الفضل العظيم، الواسع العليم، العزيز الحكيم. سبحانه! ما أعظمه! سبحانه! ما أرحمه! سبحانه! سبقت رحمته غضبه، سبحانه! سبق عفوه عقوبته، فسبحانه من خالق عظيم، جواد كريم! الكرم صفة من صفاته، والجود من أعظم سماته، والعطاء من أجلّ هباته، فمن أعظم منه جودًا، سبحانه؟!.

عباد الله: أكثروا من شكر الله، فهو -سبحانه- يحبّ الشاكرين، وقد وعد بتتابع النعم عند شكرها: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ) [إبراهيم:7]، فاشكروا الله بالثناء عليه بألسنتكم، والتحدث بنعمته، واشكروا الله بالقيام بطاعته امتثالاً للأمر واجتنابًا للنهي، واشكروا الله بالإنابة إليه بقلوبكم واعتقاد أن هذه النعم فضل منه ورحمة وإحسان، (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ) [الأعراف:96].

اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، واجعل ما رزقتنا عونًا لنا على طاعتك، إنك خير مسؤول.

هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه...