البحث

عبارات مقترحة:

العليم

كلمة (عليم) في اللغة صيغة مبالغة من الفعل (عَلِمَ يَعلَمُ) والعلم...

الأعلى

كلمة (الأعلى) اسمُ تفضيل من العُلُوِّ، وهو الارتفاع، وهو اسمٌ من...

المقتدر

كلمة (المقتدر) في اللغة اسم فاعل من الفعل اقْتَدَر ومضارعه...

زوجوهم

العربية

المؤلف عبد الرحمن بن صالح الدهش
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. من أسباب صلاح الأمة ورفع المحنة عنها .
  2. أهمية إعفاف أبناء المجتمع وبناته .
  3. حث العائلات والمجتمع على تزويج الأيامي .
  4. دور الأب في تزويج أبنائه .
  5. فضل السعي في تزويج البنات وتخير أزواجهن .
  6. عظم مهمة المسئول عن الخاطب أو المخطوبة .
  7. حكم النظر إلى المخطوبة والتعامل معها .
  8. خطورة عضل الولي للنساء المسئول عنهن. .

اقتباس

فالشهوة لدى الشاب نارٌ في قلبه، تسعرها، وتزيد إيقادها هذه المغريات، ومحاولات آثمة، وعلاقات مريبة، أو تعثر في حياته. فالفتن مستشرفةٌ، ووسائل الإغواء منتشرة، فكيف لشاب بصبر أمام نساء متبرجات!! وكيف له وهو يرى المغريات عبر القنوات، وفي المواقع الفاسدة، وفي صور الجرائد والمجلات، وحبائل الشيطان منصوبة عبر الدردشات الكتابية والصوتية والمرئية، هناك حيث النساء المائلات المميلات لا فكاك من تلك الحبائل بعد توفيق الله إلا بأخذ أسباب العفة، وتحصين النفوس بالزواج!

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله...

أما بعد:

فإنَّ من أسباب صلاح الأمة ورفع المحنة عنها، ودفع الشرور المحيطة بها، صلاح المجتمعات الصغيرة، واستقامة أفراد البيوت ذكوراً وإناثاً، كباراً وصغاراً.

وإنَّ من أهم وآكد ما يُستصلح به أفراد المجتمع هو السعي في إعفاف أبنائه وبناته، بتلبية الرغبة الفطرية، وتوجيه الشهوة بطرقها الشرعية، وتذليل العقبات الزوجية.

كيف، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء"، إذن نحن أمام ضرر يُخشى أن يقع، وفتنة قبل وقوعها لا بد أن تُدفع!

عباد الله: إنَّ تجاهل بعض الأمور أو التغافل عنها تحت أي شغل، أو ظرف قد يسبب تفاقم المشكلة واتساع الخرق، وحينئذ قد يصعب العلاج.

إنَّ من المواضيع الملحة التي لا تقبل التأخير، موضوع تزويج الشباب حتى لا يبقى في المجتمع أيم من رجل أو امرأة، فأين أرباب الأسر، ووجهاء القبائل وأعيان المحافظات؟

لِمَ لا يجعل من أولى اهتماماتنا أن نسجل في مفاخرنا الدينية والاجتماعية أن أسرة بني فلان، وقبيلة بني فلان لا يقرون محتاجاً للزواج إلا سعوا في تزويجه، هذا والله ما ينبغي أن يتميز به الغيورون، ويتنادى له المشفقون، ولأولادهم ناصحون.

هذا تميزنا في زَمَنِ يُدْرِكُ كُلُّ عاقِل حاجَةَ الشَّابِ المتأكِدَةَ إلى إحصانه بزوجة يغض بها بصرَه، ويحفظ بها فرجه.

هذا تميزنا فمن أراد منافستنا فلينهج نهجنا!

فالفتن مستشرفةٌ، ووسائل الإغواء منتشرة، فكيف لشاب بصبر أمام نساء متبرجات!!

وكيف له وهو يرى المغريات عبر القنوات، وفي المواقع الفاسدة، وفي صور الجرائد والمجلات، وحبائل الشيطان منصوبة عبر الدردشات الكتابية والصوتية والمرئية، هناك حيث ذئاب من البشر لبسوا جلود الضأن باسم التعرف والصداقة، هناك حيث النساء المائلات المميلات لا فكاك من تلك الحبائل بعد توفيق الله إلا بأخذ أسباب العفة، وتحصين النفوس بالزواج!

فالشهوة لدى الشاب نارٌ في قلبه، تسعرها، وتزيد إيقادها هذه المغريات، ثم نحن بعد ذلك نلوم أنفسنا أن جنَح شاب إلى طرق ملتوية، ومحاولات آثمة، وعلاقات مريبة، أو تعثر في حياته. (وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) [البقرة: 49].

أيها الأولياء من الآباء وغيرهم: إننا في زمن لا عاصم فيه من أمر الله إلا من رحم.

ولكن أسباب إحصان أولادنا بأيدينا فالزواج أغضّ للبصر وأحصن للفرج، يغلق به الإنسان مداخل الشيطان، ويرتقي بنفسه عما يغضب الرحمن.

وإنَّ الشباب مخاطب بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا معشر الشباب من استطاع الباءة فليتزوج".

وإنَّ امتثال هذا الحديث، وتطبيقه في الواقع مسؤولية تحمل جهات متعددة أطرافاً منه.

فبعد أن خُوطب به الشباب، ووجه لامتثاله.

فيخاطب به الأب بصفته المربي الذي سُرَّ بالولد طفلاً رضيعاً، ثم صبياً يخطو خطواته الأولى، ثم ها هو قد قام على قدميه متنقلاً على مرأى من والديه، ثم أسبغ عليه ربه نعمة الفتوة والشباب فأصبح زينة والده، وعُدَّة أهله يستكثر به الأب أمام الناس، ويخشى عليه من كل نقيصة أو بأس.

يرى في ولده امتداداً لحياته، ومستدركاً لما قد يكون فاته.

أفبعد هذا تطيب نفسك أن تتخلى عما فيه سبب لصلاحه، واستقامته فتتردد في تزويجه، أو تخلق العوائق أو تضخم ما قد يكون موجوداً منها، ولكن ليس من المستحيل القضاء عليها.

أيها الأب المبارك: إنَّ مِن آكد ما يكون في حق ولدك الشاب أن تزوِّجه إذا احتاج لذلك، وتزويجه واجب عليك إن كنت قادراً على ذلك، وليس وجوبه بأقل من وجوب أكله وشربه ولباسه.

وإن بعض الآباء قد يظنُّ أنَّ تزويج الابن خارجٌ عن مسؤوليته، وقد يقول بعضهم لولده: زوِّج نفسك كما زوَّجت أنا نفسي من قبل، فأبي الذي هو جدك لم يزوجني، وإنما زوجت نفسي، فهيا زوِّج نفسك بنفسك!

حَسَن هذا!

ولكنه قياس مع فارق الزمن، وفارق طرق الحياة، وفارق تلون الفتن، وقوة العواصف، وشدة أسباب الفساد، وقربها!

وإن من الآباء من يوجد عللاً بالية يطمع من ورائها تأخير زواج ابنه فيرفض أن يزوجه حتى يتزوج من قبله، والذين قبله قد لا تكون حاجتهم كحاجته!

أو لن يزوجه إلا بعد إكمال دراسته، أو حصوله على وظيفة ينفق منها على زوجته.

أمَا علَم هذا الأب أن الزواج مما يعين الإنسان على إكمال دراسته، بل على سائر مصالحه؛ لأنَّ الزواج قرار، وسكن نفسي، يذهب معه طيش الشباب.

ثم الزواج مجلبة للرزق، كما قيل: اطلبوا الرزق بالزواج، وبإنجاب الأولاد؛ لأن الله يقول: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا) [هود: 6].

والواقع يشهد أنه إذا تزوج صار أكثر جداً في البحث عن الوظيفة، وقنع من الأعمال ما يطمع أن يسد حاجته، وتخلى عن شروط خيالية، ومعايير وهمية.

عباد الله: إنَّ شأن تزويج الأبناء شأن عظيم، وأعظم منه تزويج البنات؛ فشأن البنات مما به العبدُ يُختبر ويُبتلى، ففي الصحيحين من حديث عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من ابتُلي من هذه البناتِ بشيء فأحسن إليهن، كنَّ له ستراً من النار".

فقد جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر البناتِ ابتلاء يُبتلى به العبد، فإن أحسن إليهن تربيةً، وتعليماً، ونفقة، وسترهن، وألبسهن لباس التقوى حِساً، ومعنى، ثم أتبع ذلك بحسن اختيار الزوج فإنَّهن يكن سِتْراً يَقِينه دخولَ النَّارِ.

إنَّ مسؤولية اختيار الزوج، والنظر في حال الخطابِ، والسؤالِ عن الكفء أمانة عظيمة، ومسؤولية جسيمة فالخطأ فيها قد يبقى أثره مدى الحياة.

ولا تعجب إذا علمت أنَّ من أكبرِ أسبابِ فشل الزواج، وتفريق البيتِ بعد الاجتماعِ، هو التساهلُ في أمرِ التزويجِ، والتقصيرُ في أمر البحث والتدقيقِ.

فما أن يعقد القِرآنُ، ويتمَّ النكاحُ، إلا وتتبين خفايا عظام، وأمورٌ لا يمكنُ معها البقاءُ والدوامُ.

فيسعى الولي في فكاك موليته، واستنقاذ مزوجته.

إن من حق الله عليك، وشكره على بعض نعمه لديك بعد أنَّ بلغت موليتك سنَّ الزواجِ وطرق بابك إليها الخُطاب أن تختار لها الكفء الذي يكونُ به حفظها، وتحصل به سعادتها، وهذه المرحلة من أحرج المراحلِ، وأشدها خطراً، ولكن من يستعن بالله يعنه الله.

فواجبٌ على الولي إن لم يكن يعرِفُ الخاطبَ أن يسألَ عنه، وأن يعدد الجهاتِ المسئولة حتى تكتمل لديه الصورة.

وأهم ما يسأل عنه ما يتعلق بأمر دينه، واستقامة خلقه.

فالصلاة الصلاة!!

فلا يزوَّج مَن لا يُصَلِّي، وإن حَسنُت معاملته، ولم تفارق شفتيه ابتسامته، ولا يزوجُ من اشتهر فسقه، أو ساءت عِشرتُه، ولو كثر تردُّده، وكثُر المتوسِطون له، أو رضيت به مخطوبته، فهؤلاء لا يزوجونَ، ولا كرامة.

ولا إثمَ على الولي لو بقيت موليته طول عمرها بلا زواجٍ.

ثم على الولي بعد سؤاله عن الخاطب، وتحريه عنه أن ينقل ما عرفه، وقيل عنه إلى المخطوبة من بنت أو غيرها بلا مبالغةٍ، أو تقصيرٍ، وأن يشير بما يرى، فلا إكراه في الزواجِ.

قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا تُنكح الأيم حتى تُستأمر، ولا تُنكح البكر حتى تُستأذن، قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنها؟، قال: أن تسكت".

وإنَّ على مَن استشير في تزويجِ أحدٍ من الناس أن يتقي الله في مشورته، فلا يمدح الخاطب، ويضعَ فيه ما ليس فيه من الصفاتِ الحسنة حتى يزوّجَ، أو يَعيبَه، وينتقِصَه حتى يردَّ؛ فـ"لا يؤمن أحدكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحب لنفسه".

فإن عجز عن قولِ الحقِّ، أو جهل الخاطبَ فالواجب أن يعتذرَ عن المشورة، وإبداء الرأي، فمن عجز عن المشورة بالحقِّ فلا يسعه أن يقولَ الباطلَ.

سواءٌ كان المسئولُ قريباً للخاطِب، أو زميلاً، أو صديقاً له، أو إماماً، أو مؤذناً لمسجده.

وإنَّ بعض المسئولين عن الخطابِ يصفون الخاطب بما ليس فيه، أو يُغْفِلون ما يقدحُ فيه.

فيذكره بمواظبة صلاة وهو لا يرى إلا في الشهر بضع مرات، أو يثني عليه باستقامة وهو ذلك الرجل صاحب الفجور والسفرات.

وربما اعتذر بعضهم لنفسه: لعله يُزوَّجُ فتصلحَ حاله.

فيا سبحان الله !

هل ترضى أن تُغشَّ بخاطب لبنتك بهذه الحجة؟!

فاتق الله، وقل الحقَّ، وقد يكونَ ردُّه هو سببَ صَلاحِه، وليس تزويجَه.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) [النساء: 135].

أقول قولي هذا....

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه...

أما بعد: فاعلموا أنَّ من سنن الزواج، ومن أسباب التوفيق بين الزوجين ما أرشد إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "إذا خطب أحدكم امرأة فلينظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينهما".

والناس في نظر المخطوبة طرفان متناقضان، فمنهم من منع هذا واعتبر هذا منكراً من الفعل، وطلبه منكراً من القول.

ومنهم من توسع توسعاً محرماً فربما خلا بمخطوبته أو بادلها صوراً وكلمات يستحيا من ذكرها، وأشد منه أن تخرج معه بحجة التعرف عليها، أو شراء مستلزمات الزواج.

ألا فليعلم: أن المخطوبة أجنبية من خاطبها، مثلها مثل أي امرأة أجنبية عنه.

والعجب أن بعض هؤلاء المتوسعين سرعان ما ينهدم سقفهم على رؤوسهم فحصلت النفرة في الأيام الأولى، وهاهو الخاطب يعرض عن خطبته، ويعلن كراهيته لمخطوبته، وقد كان قبل ذلك راغباً، باذلاً، ثم هاهو انقلب معرضًا مانعًا!!

ولله في ذلك حكمة فلعله تعجل شيئاً لم يأذن به ربه فكان عاقبة أمره خسرًا.

وإنما أذن الشرع أن يرى الراغب في الزواج ممن يرغب في زواجها وجهها ونحو ذلك مما جرت به العادة السليمة أن تبديه عند محارمها من أب أو أخ، ولا حرج أن يكرر النظر من غير خلوة بقدر الحاجة.

ثم ليعلم أنَّ الرؤية من أجل أن يمضي أو ينصرف فلا تثريب على الخاطب إن اعتذر بعد الرؤية؛ لأن الله لم يقذف في قلبه ميلاً إليها، لا تثريب عليه، ولا يُعدُّ نقصاً في التي رآها، ولا في وليها، وهو خير من أن ينصرف بعد عقد، أو دخول (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج: 78].

أيها الإخوة الأفاضل: لدى القائمين على لجان الزواج، ورجال الإصلاح، وبعض المشايخ وطلبه العلم شكايات العوانس في البيوت ممن سبق لهن الزواج، وممن لم يسبق لهن الزواج يشكين أولياءهن بالعضل، وهو المنع من التزويج بلا سبب، أو أن تزويجهن عند بعض الأولياء من ثانويات اهتماماته، فلا يولي الخُطاب جداً في الأمر، فهو يرد لأتفه الأسباب يرد الخاطب الأول والثاني والثالث، وأكثر من ذلك بكثير لا لشيء يذكر ولكنه صاحب هوى، وله مزاجية معقدة.

ليعلم هذا الصنف أن من تحت يده ترسل رسائل جوال على مَن تظن فيهم الغيرة أكثر من وليها، تريد أن تُستنقَذ من هذا الظلم، وأنها تخشى على نفسها الفتنة، وربما سألت هل يجوز لها أن ترفع أمرها للحاكم ليزوِّجها إن رفض وليها!

ولا شك أنه إذا بلغت الحال هذا المبلغ فلها أن ترفع أمرها للحاكم ليستنقذها، وليس في ذلك عقوق ولا قطع صلة رحم، وعفافها أعظم من مراعاة نفسية معوجة لوليها.

(وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) [الشعراء: 227].