الأكرم
اسمُ (الأكرم) على وزن (أفعل)، مِن الكَرَم، وهو اسمٌ من أسماء الله...
العربية
المؤلف | عبد العزيز بن محمد القنام |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
إن من الأمور التي تجعل الحياة الزوجية جحيمًا لا يطاق، وعذابًا لا يحتمل، هو ما يقع من ظلم على الأزواج من بعضهم، إما الرجل يظلم زوجته، أو المرأة تظلم زوجها، ولعلنا نذكر في هذا اليوم المبارك ظلم الزوجات، وشيئًا من ظلم الأزواج، ويعلم الله سبحانه أننا ما قصدنا إلا الإصلاح، وما أردنا إلا المشاركة في دفع الظلم عن المظلومين.
الحمد لله الذي جعل المودة والرحمة بين الأزواج، ورغَّب في بناء الأسرة، أحمده سبحانه وأشكره على ما أسبغ من خير ونعمة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات: 10]، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، دعا إلى الله بالحكمة، وكان بأفعاله وأقواله أفضل قدوة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه خير آل وأسوة.
أمّا بعد:
فيا أيّها المسلمون: اتّقوا الله وأطيعوه، فإنَّ تقواه أفضل مكتسَب، وطاعته أعلى نسب، فاتقوا الله تعالى، بفعل أوامره، وبالبعد عن ما نهاكم عنه، فبذلك أمركم فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) [آل عمران: 102]، جعلني الله وإياكم من عباده المتقين.
أيّها المسلمون: إنَّ الله تعالى بلطيفِ حكمتِه، وما أودَعَه في إبداع العالَم من عجائبِ قدرتِه، خلق الإنسانَ مجبولاً إلى السّكَن والاستقرار، وطبَعَه في أصلِ خِلقته على الحاجة لذلك والاضطرار، ويسَّر له برحمتِه وفضلِه زوجًا من نفسِه ليسكنَ إليها ويرتبطَ بها؛ إذِ الإنسان لجنسِه أميَل وعليه أقبل: (وَمِنْ ءايَـاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوجاً لّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَـاتٍ لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم: 21].
أيّها المسلمون: الرّابطة الزوجيّة رابطةٌ عظمى، صدرت عَن رغبةٍ واختِيار، وانعقدَت عن خِبرة وسؤال وإيثار، عقدُها مأمورٌ بِه شرعًا، مستحسَن وضعًا وطبعًا، والأسرةُ هي اللبِنة الأولى لبناء المجتمعات، وبصلاحِها تصلح الأوضاع، وبفسادِها تفسد الأخلاقُ والطّباع، ركناها وقائداها زوجٌ وزوجَة، يجمَع بينهما ولاءٌ ووفاء، ومودّة وصفاء، وتعاطف وتلاطف ووفاق واتّفاق، وآدابٌ وحُسن أخلاق، تحت سقفٍ واحد، في عِيشة هنيّة، ومعاشرة مرضيّة، وفي كتاب الله وسنّة رسوله -صلى الله عليه وسلم- من الإصلاح التامّ والعدل العامّ ما يؤيِّد قواعدَ هذه الرابطة فلا تنثلِم، ويؤكّد عقائدَها فلا تنخَرِم.
أيّها المسلمون: إن من الأمور التي تجعل الحياة الزوجية جحيمًا لا يطاق، وعذابًا لا يحتمل، هو ما يقع من ظلم على الأزواج من بعضهم، إما الرجل يظلم زوجته، أو المرأة تظلم زوجها، ولعلنا نذكر في هذا اليوم المبارك ظلم الزوجات، وشيئًا من ظلم الأزواج، ويعلم الله سبحانه أننا ما قصدنا إلا الإصلاح، وما أردنا إلا المشاركة في دفع الظلم عن المظلومين.
أيها الإخوة: إنَّ سببَ كثرةِ المشكلات، وتفاقُم الخلافات وظهور المنازَعات، وشُيوع الطلاق والفِراق لأسبابٍ تافهة، إنّما هو التقصير في معرفة الأحكام الشرعية وآداب الحياة الزوجيّة، وما تقتضِيه المسؤوليّة الأسريّة؛ إذ كيف تكون الأسرَة في هناءٍ وصفاء، والزّوج ظالم لزوجته؟! يترك المرأةَ حسيرةً كسيرة، حائرةً بين مُرَّين: طلبِ تطليقها أو الصبرِ على تعليقِها.
وإنّ مَن الأزواج مَن إذا أبغضَ المرأةَ كدَّها وهَدَّها، وكهَرَها وظلمَها، وأكلَ مالَها ومنعَها حقَّها، وقطع نفقتَها، وربّما أخَذ ولدَها وهو تحتَ حضانتِها ورعايتِها، وتركها أسيرةَ الأحزان، تعاني كُرَب الأشجان، فأين الإحسان؟! أين الإحسانُ يا أهلَ القرآن؟!
نعم أيها الإخوة: يشتكي بعض من الأزواج زوجاتهم، وتشتكي بعض الزوجات أزواجهن، لأنهم لم يجدوا سكنًا، ولم يروا مودة، ولم يحسوا برحمة، ولا شك أن الله تعالى إذا وعد لا يخلف وعده، ولكن كما قال -تبارك وتعالى-: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) [الشورى: 30].
بعضهم لا يسكن فؤاده، ولا يرتاح باله، إلا عندما يكون خارج بيته، صارت بعض البيوت جحيمًا لا يطاق، وعذابًا لا يحتمل، والسبب أمور كثيرة منبعها أمر واحد: هو مخالفة تعاليم الدين، والبعد عن توجيهاته؛ يقول -تبارك وتعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء: 1]، فتقوى الله تعالى هي الأمر الأهم، الذي يجب أن يكون بين الزوجين، وأن يراعى في معاملتهم لبعضهم، ووالله الذي لا إله غيره، لا تستقيم حياة أحد ولا تصلح؛ إلا إذا وجدت تقوى الله تعالى.
أيها الإخوة: لقد أخذ ظلم الزوجات مظاهر عدة، وصورًا متنوعة، منها الاحتيال على الزوجة، يحتال الرجل على زوجته عند خطبتها، فعندما يتقدم لأهلها، يبين لهم بأنه وحيد زمانه، ويدعي أنه المستقيم الصالح، المتدين الناصح، وأن الموافقة عليه فرصة لا تعوض، ولكنه سرعان ما يبين على حقيقته، وينكشف زيفه، فمتى حملت المسكينة أو وضعت طفلها الأول، تحولت الاستقامة انحرافًا، والصلاح فسادًا، وهذا لا شك من التدليس والكذب، وهو ظلم، والظلم ظلمات يوم القيامة.
ومن الظلم -أيها الإخوة- سوء العشرة وقسوة المعاملة، فمن الأزواج من يعتقد بأن القوامة والرجولة، بإهانة الزوجة، فتجده يسب زوجته أحيانًا، ويلعنها أحيانًا، وينظر إليها نظرة خاطئة، ويحتقر شأنها، ويسفِّه رأيها، يدخل عليها مقطب الجبين، معقد الحواجب، عبوس الوجه، لا يعجبه عجب، ولا يرضيه شيء، ويظن أن هذه الرجولة، وقد يستهزئ بها ويسخر منها، وقد يأكل لحمها بغيبتها عند الناس، بل بعضهم يصل به اللؤم إلى التعدي إلى أهلها وأقاربها، ولا شك أن هذا من اللؤم والظلم.
أيها المسلمون: ومن مظاهر ظلم الزوجات، ظلم الزوجة في حر مالها، ويكون ذلك بالإساءة إليها بالكلام، ولمزها بالجمل الجارحة، فتحرج المسكينة، فهي بين أب يفتح جيبه آخر كل شهر، وبين زوج لا يتورع عن تجريحه بكلامه.
ومن ظلم الزوجة في مالها: الذين يأخذون رواتب زوجاتهم، بحجة بناء المستقبل المشترك، أو الاحتياط لنوائب الزمان، أو بدعوى تشغيله وإنمائه، وعندما تحتاج المسكينة لمالها، أو تريد معرفة حسابها، لا تجد إلا أصفارًا متتالية، فإن أعجبها العجب، وإلا هددها بالطلاق، ولا شك أن هذا من أبشع أنواع الظلم، بل ومن أكل الأموال بالباطل، "ولن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع، منها: عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه". "وكل جسد نمى من سحت فالنار أولى به".
أيها الإخوة المؤمنون: وأما إهمال الزوج لبيته، وعدم النظر في احتياجات زوجته المادية والمعنوية، فحدث ولا حرج؛ إذ لا وقت عند بعضهم، فالبرامج حافلة، والجداول مملوءة، والأوقات مشغولة، تتأمل في حال أحدهم فتجده يعود من عمله، فينام حتى يشبع، ثم يستيقظ فينطلق إلى شلته وأصدقائه، ولا يعود إلا آخر الليل مجهودًا مكدودًا، والويل لها لو نطقت بكلمة واحدة؛ لأنه يريد الراحة، فإما يعتزلها وينام بغرفة وحده، أو يجعلها وراء ظهره، تنظر إليه المسكينة، تحتاج لكلمة لا تستطيع أن تسمعها من غيره، وتحتاج لحركة لا تريدها ولا تقبلها من سواه! فلها الله يا ظالم، مع من تجلس إن لم تجلس معها، وتأكل مع من إن لم تأكل معها، وتضاحك من إن لم تضحك معها، بل وتنام مع من إن لم تنم معها!!
ومن هذا الباب من الظلم: عدم القيام بحقوق الزوجة في فراشها، فبعضهم لا يعرف زوجته إلا عندما تثور غرائزه، وتتأجج شهوته، فيقضي وطره منها غير مبال بها، ولا مراع لنفسيتها، وما علم الظالم بأن لها غريزة كغريزته، وشهوة كشهوته، فيجب على الزوج إشباع رغبة زوجته، وإعانتها على إعفاف نفسها؛ لأنها إن لم يفعل ذلك، فستكون العواقب وخيمة، وخاصة إذا كانت الزوجة ضعيفة إيمان، فقد تتطلع إلى قضاء شهوتها في الحرام ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فإنه والله الظلم، فليتق الله من كانت هذه حاله، ظلم زوجته وتعذيبها، من خلال التلاعب في أعصابها، والعبث في مشاعرها، حين يظل ساعات الليل والنهار، يطلق نكاته السمجة، ومداعباته الثقيلة، فيقارنها بمن هي أفضل منها، أو يقارن نفسه بغيره، فيعلن عن رغبته بالزوجة الثانية، ويسمعها ما يجرح مشاعرها، والزواج أمر مشروع، ولكن لماذا هذا الهراء الفارغ، المثير للأعصاب؟!
نعم أيها الإخوة في الله: فإن من أشد أنواع الظلم، وأكثره جورًا، أن يتحول تعسف الزوج، من كونه ذا صبغة شخصية، وأذى نفسي، إلى اتخاذه طابع الفتنة عن الدين، كأن ينهاها عن الصلاة، وعن طلب العلم، أو يأمرها بالتبرج والسفور، أو مخالطة الرجال الأجانب كإخوانه، أو يدعوها لمشاهدة ما حرم الله.
أيّها الزوج الكريم: اتّق الله في زوجك، لا تكلِّفها ما لا تطيق، وأعِنها عند الضِّيق، وأشفِق عليها إذا تعِبت، ودارِها إذا مرِضت، وراعِها عندَ ظرفِ حملِها ونفاسها ورضاعها، وأجزِل لها الشّكر، وتلقّاها ببرٍّ وبِشر، واعلَم أنَّ قوامتَك لا تعني القهرَ والغلبةَ والاستبداد والاحتقار، بل هي قوامة تحفَظ لها كرامتَها، وتستوجب تعليمَها وتأديبها وإعفافها.
أيّها الزوجُ الكريم: كُن جوادًا كريمًا، فمَن جاد ساد، ومن أضعَف ازدَاد، ولا خيرَ في السّرف، ولا سَرَف في الخير، وعاشروهن بالمعروف، أطعموهنّ واكسوهنّ: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مّن وُجْدِكُمْ وَلاَ تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيّقُواْ عَلَيْهِنَّ) [الطلاق: 6].
ويقول سبحانه: (لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا ءاتَاهُ اللَّهُ لاَ يُكَلّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا ءاتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) [الطلاق: 7]، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اتَّقوا اللهَ في النّساء؛ فإنّكم أخذتموهنّ بأمانةِ الله، واستحللتم فروجهنَّ بكلمةِ الله، ولهنّ عليكم رزقهنّ وكسوَتهنّ بالمعروف". أخرجه مسلم.
أيّها المسلمون: لقد كان سيّدُ الأنام -عليه أفضل الصلاة والسلام- جميلَ العشرة، دائمَ البِشر مع أهله، يتلطَّف معهنّ، ويضاحكهنّ ويداعبهنّ، ويقول -بأبي هو وأمّي صلوات الله وسلامه عليه-: "خيركم خيرُكم لأهله، وأنا خيركم لأهلي"، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "أكملُ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خُلُقًا، وخياركم خيارُكم لنسائهم". أخرجه البخاري. ويقول -عليه الصلاة والسلام- حاثًّا وآمرًا: "استوصوا بالنّساء خيرًا". أخرجه البخاري.
أيها الإخوة المؤمنون: إن ظلم الزوجات، مشكلة تتأجج منها بعض البيوت، وليس لها حل إلا تقوى الله تعالى، والتمسك بهدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في بيته، فاتقوا الله –يا عباد الله-، واحذروا الظلم فإنه ظلمات يوم القيامة. نسأل الله أن يجنبنا الظلم بين النساء والأولاد وسائر الإخوان، اللهم وفقنا لتحصيل السعادة في بيوتنا وبيننا وبين أزواجنا، وجنبنا اللهم كل ما يفرق بيننا وبين أزواجنا في الدنيا والآخرة، واجعلنا يا رب جميعًا رجالاً ونساءً وأبناءً من السعداء في الدنيا والآخرة.
بارك الله لي ولكم في الوحيَين، ونفَعَني وإيّاكم بهديِ سيِّد الثّقلين، أقول ما سلَف، وأسأل الله أن يجعلَ لي ولكم في رحمته عِوضًا عن كلّ خلف، وتوبوا إلى الله جميعا -أيها المؤمنون- لعلكم تفلحون، (وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ) [هود: 90].
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أيها الإخوة المؤمنون: استمعتم في الخطبة الأولى إلى مظاهر من مظاهر ظلم الأزواج لزوجاتهم، والآن نتطرق إلى بعض مظاهر ظلم الزوجات لأزواجهن؛ نسمع ما يندى له الجبين من مظاهر ظلم بعض النساء لأزواجهن، فهي كثيرة جدًّا، ولكن نذكر منها: تعالي الزوجة على زوجها، إما لشهادة أو منصب أو مال، فبعض الزوجات تنظر إلى زوجها نظرة احتقار وازدراء؛ لأن شهادتها أعلى من شهادته، أو مالها أكثر من ماله، أو منصبها أعلى من منصبه، وهذه النظرة من قبل الزوجة لزوجها، تسبب مصائب عظيمة، من أخطرها: ضياع القوامة، حيث تتمرد هذه المرأة على زوجها، وتخرج عن طاعته، بل تهمشه أحيانًا وتمسح وجوده، والله -جل جلاله- يقول: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا) [النساء: 34]، أمر المرأة مهما بلغت من المناصب والمراتب والشهادات، ليس بيدها، إنما هو بيد زوجها، لا يسمح لها أن تتصرف إلا بحدود ما شرع الله لها، فلا تخرج إلا بإذن زوجها، ولا تتصرف إلا بإرادته، وتكون تحت إدارته وإشرافه، وخاصة في بعض الأمور التي تفعلها بعض النساء المتمردات على أزواجهن اليوم، حيث إن بعضهن لا تلقي بالاً لزوجها، ولا تضع له أي حساب.
ومن مظاهر الظلم -أيها الإخوة- أنانية الزوجة، أن تكون الزوجة لا هم لها إلا نفسها، لا تراعي ظروف وأحوال زوجها، تجدها تشبع رغبتها، وتنفذ إرادتها، غير مراعية لأوضاع زوجها، شداقة براقة، مسرفة مبذرة، كلما رأت شيئًا أرادت مثله لها، أهم شيء عندها لباسها وأثاثها، حتى لو ركّبت زوجها الديون، وبلغ حد الإعسار، بل لو أكل الربا أو ارتشى أو سرق، المهم شهوتها ورغبتها، وهذا من الظلم؛ الله تعالى يقول: (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً) [الإسراء: 29]، ويقول سبحانه: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) [الفرقان:67]، المرأة العاقلة هي التي تقدر وضع زوجها، بل وتضحي بما تشتهي من أجله، وتمد رجلها على قدر لحافها ولحاف زوجها.
أيها الإخوة المؤمنون: ومن مظاهر ظلم الأزواج، التي تسبب بعض المشاكل في البيوت، عدم قرار الزوجة في بيتها، والله -جل في علاه- يقول: (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ) [الأنعام: 38].
وفي الكتاب أمر الله تعالى المرأة أن تقر في بيتها فقال: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) [الأحزاب: 33].
المرأة مكانها بيتها، نحن لا نحرم عمل المرأة، ولكن لا نجيز أبدًا أن تكون المرأة ولاجة خراجه، لا تدع مناسبة، ولا تسمع ببضاعة جديدة، ولا سوق تجاري، ولا مشغل نسائي، إلا ذهبت إليه، وعلى حساب من؟! على حساب بيتها وزوجها المظلوم.
ومن مظاهر ظلم الزوجات لأزواجهن، عدم اهتمام الزوجة في شؤون زوجها في بيتها، أي لا تهتم بطعامه ولا بشرابه ولا بأبنائه ولا بفراشه، وقد تكل بعض ذلك لخادمتها، وحسن تبعل الزوجة لزوجها من الأمور التي حثّ عليها الدين، ومن حق الزوج على زوجته، أن تتزين له، وتلبس له أجمل ثيابها، وأن تعمل كل ما يطيب خاطره ويريح نفسه، وهذا لا شك من الظلم العظيم ومما يجعل بعض الأزواج يبحث عن عوض له عن ذلك، فإن كان تقيًّا يخاف الله تعالى بحث عن زوجة أخرى، وإن كان غير ذلك بحث فيما لا يرضي الله. نسأل الله العافية والسلامة.
أيها الإخوة المؤمنون: هذا ما تيسر في هذا الموضوع، أسأل الله تعالى أن ينفع به، وأن يثيب من أعان عليه، ولا شك أن تلك الزوجات ما هن إلا بناتنا وأخواتنا وزوجاتنا، وكما قال -تبارك وتعالى-: ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) [فصلت: 3]، وكما قال تعالى: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِين) [الذاريات: 55].
جعلني الله وإياكم من عباده المؤمنين، الذين إذا ذكروا ذكروا، وإذا أذنبوا استغفروا، وإذا بلوا صبروا.
ألا وصلوا على البشير النذير، والسراج المنير، فقد أمركم بذلك اللطيف الخبير، فقال -جل من قائل عليم-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب: 56]، فاللهم صل وسلم وزد وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وارض اللهم عن التابعين وتابعي التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا بعفوك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم واحمِ حوزة الدين، اللهم واجعل بلدنا هذا آمنًا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين.
اللهم آمنا في أوطاننا، واستعمل علينا خيارنا، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك يا أرحم الراحمين.
اللهم عليك بأعداء الدين، اللهم عليك باليهود والصليبيين، اللهم عليك بجيش هؤلاء الحاقدين، اللهم عليك بدولتهم يا رب العالمين، اللهم اخسف بهم جانب البر، وأرسل عليهم حاصبًا من السماء، وائتهم بعذاب أليم، اللهم مزقهم كل ممزق، والعنهم لعنًا كبيرًا، اللهم دمَّرُوا بيوت المسلمين فدمر بيوتهم، وقتلوا عبادك فأحصهم عددًا، واقتلهم بددًا، اللهم خالف بين كلمتهم، وألق الرعب في قلوبهم، اللهم شتت نفوسهم، واجعل تدميرهم في تدبيرهم، لك الحكمة البالغة تفعل ما تشاء، وتحكم ما تريد، اجعل تدبيرهم هذا تدميرًا لهم، وأدر دائرة السوء عليهم، وأنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين.
اللهم مجري السحاب، ومنزل الكتاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وزلزلهم، وانصر المسلمين عليهم، اللهم إنا نسألك الرحمة لإخواننا، اللهم ارحم قتلاهم، وثبت أقدام الأتقياء منهم، وانصرهم على القوم المشركين.
اللهم امدد إخواننا بمدد من عندك، اللهم سدد رميهم، ووحد صفهم، واربط على قلوبهم بالإيمان واليقين يا رب العالمين، اللهم فرج هم المهمومين، وفك أسر المأسورين، وفرج عن المحصورين، إنك أنت أرحم الراحمين، اللهم إنا نسألك العون لإخواننا، اللهم هؤلاء المجرمون قد طغوا في البلاد، فأكثروا فيها الفساد، فصب عليهم سوط عذاب، وخلص بلاد المسلمين منهم، اللهم خلصها من نجسهم وشركهم وطغيانهم وعتوهم يا جبار، إنك على كل شيء قدير.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل اللهم ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل المسلمين، اللهم رحمة تهدي بها قلوبنا، وتلم بها شعـثنا، وترد بها عنا الفتن يا أرحم الراحمين، اللهم خذ بأيدينا بالتي هي أقوم، اللهم اهدِ شباب المسلمين، اللهم اجعلهم هادين مهديين، غير ضالين ولا مضلين، سلمًا لأوليائك، حربًا على أعداك، يا حي يا قيوم، يا سميع الدعاء، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم اغفر لنا في مقامنا هذا أجمعين، اللهم اغفر لنا ذنوبنا، اللهم استر عيوبنا، اللهم سدد ديوننا يا حي يا قيوم، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات، اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً) [الفرقان:74]، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90]، فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.