الحفي
كلمةُ (الحَفِيِّ) في اللغة هي صفةٌ من الحفاوة، وهي الاهتمامُ...
العربية
المؤلف | عبد المحسن بن عبد الرحمن القاضي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
حملتْك أمُّك في أحشائِها تسعةَ أشهر، وهناً على وهن، حملتْك كُرهاً، ووضعتك كُرهاً، ولا يزيدها نموُّك في بطنها إلا ثقلاً وضعفاً.. وعندَ الوضع رأتَ الموت بعينها.. ولكن لما بَصُرت بك إلى جانبها سَرْعان ما نسيَتْ آلامَها، وعلَّقت فيكَ جميع آمالِها.. رأت فيك بهجة الحياة وزينتَها، ثم شُغلت بخدمتِك ليلها ونهارَها، تُغذِّيك بصحتِها.. طعامُك دَرُّها.. وبيتُك حِجْرُها.. ومركبُك يداها وصدرُها وظهرُها.. تُحيطك وترعاك.. تجوعُ لتشبعَك، وتسهرُ لتنام.. رحيمةٌ عليك شفيقةٌ بك.. أما أبوك فأنت له مجبنةٌ مبخلة.. يكدُّ ويسعى.. ويدفعُ عنك صنوفَ الأذى.. ويتحمَّلُ الأخطار بحثاً للقمةِ العيش.. ينفقُ عليك ويُصلحك ويُربّيك..
الخطبة الأولى:
الحمد لله أمر بالإحسان والوفاء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ما له شركاء، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد العظماء، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه النجباء وسلم تسليمًا..
أما بعد فاتقوا الله عباد الله...
أيها المسلمون.. جُبلت النفوس على حب من أحسن إليها، وتعلَّقت القلوبُ بمن كان له فضلٌ عليها، وليس أعظمَ إحساناً ولا أكثر فضلاً بعدَ اللهِ -سبحانَه وتعالى- من الوالدين..قَرَن الله حقَّهما بحقَّه وشُكْرهما به، وأوصى بهما إحساناً بعد عبادته لعظيم شأنهما.. (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) [النساء: 36].
عباد الله.. لله -سبحانَه- نعمةُ الخلقِ والإيجاد، وللوالدين بإذنه نعمةُ التربيةِ والإيلاد.. قال ابنُ عباس: "شكرُ اللهِ مع شكر الوالدين، ورضاه في رضاهِما، وسخطُه من سخطِهما".
وإحسانُ الوالدين عظيم، وفضلُهما سابق، تأمَّلوا حالَ الصغر، وتذكَّروا ضعفَ الطفولة (رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) [الإسراء: 24]، تذكَّروا عِظمَ حق الوالدين في زمنٍ كثُر فيه العقوق والتقصير حتى وصل ببعضهم الحال لإهانة والديه، بل والاعتداء عليهما بالضرب والعنف، بل وحتى القتل!! في جرائمَ شاذّة لم نكنْ نعرفْها ولا نتوقَّعُها ولا يفعلُها إلا من عُدمت الرحمةُ من قلبِه والوفاءُ من خلقه، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ونعوذ بالله من غياب البرِّ وانتكاسِ الفِطر..
وكثر التقصير بحق الوالدين أيضاً بعدم أخذ رأيهما وتقديرهما.. فوجب التذكير ببرهما..
أخي.. حملتْك أمُّك في أحشائِها تسعةَ أشهر، وهناً على وهن، حملتْك كُرهاً، ووضعتك كُرهاً، ولا يزيدها نموُّك في بطنها إلا ثقلاً وضعفاً.. وعندَ الوضع رأتَ الموت بعينها.. ولكن لما بَصُرت بك إلى جانبها سَرْعان ما نسيَتْ آلامَها، وعلَّقت فيكَ جميع آمالِها.. رأت فيك بهجة الحياة وزينتَها، ثم شُغلت بخدمتِك ليلها ونهارَها، تُغذِّيك بصحتِها.. طعامُك دَرُّها.. وبيتُك حِجْرُها.. ومركبُك يداها وصدرُها وظهرُها.. تُحيطك وترعاك.. تجوعُ لتشبعَك، وتسهرُ لتنام.. رحيمةٌ عليك شفيقةٌ بك..
إذا غابت عنك دعوْتَها.. وإذا أعرضَت عنك ناجيتَها..وإذا أصابك مكروهٌ استغْثتَ بها.. وإن هُوجمتَ احتميتَ عندَها.. تحسبُ كل الخيرَ عندَها.. تظنُّ أنَّ الشرَّ لا يصلُ إليك إذا ضمّتكَ إلى صدرِها أو لحظْتك بعينِها.. هذه أمُّك التي لو حججت بها وطفت بها وسعيت وأنت تحملها فوق ظهرك لا توازي ولا زفرة أليمة من زفرات ولادتها بك.. نسأل الله أن يجزي أمهاتنا خير الجزاء ويرزقنا برَّهن وطاعتَهن ويُدخلهنَّ الجنان.
أما أبوك فأنت له مجبنةٌ مبخلة.. يكدُّ ويسعى.. ويدفعُ عنك صنوفَ الأذى.. ينتقلُ في الأسفارِ.. يجوبُ الفيافي والقفار.. ويتحمَّلُ الأخطار بحثاً للقمةِ العيش.. ينفقُ عليك ويُصلحك ويُربّيك.. إذا دخَلتَ عليه هشَّ وإذا أقبلتَ إليه بَشَّ.. وإذا خرجَ تعلقْتَ به.. وإذا دخلْتَ عليه هش.. وإذا حضرَ احتضنت حُجْره وصدْرَه ويفتخرُ ويُفاخر بك ويرجو خيرك وبرَّك ويسهرُ لجوعكِ وألمكِ.
هذان هما والداك، وتلكَ هي طفولتُك وصباك، فلماذا التنكّرُ للجميل؟ وعلامَ الفظاظةُ والغلظة، وكأنكَ أنتَ المنُعمُ المتفضِّل؟!
والله إني لأحزن وأنا أسمع عقوقاً هنا وهناك.. أو يأتيك أبٌ يشكي وأمٌّ تتصل تبكي من العقوق، فهل غاب عنا دور الوالدين وأهمية برهما أم قست القلوب لدرجة نسيان فضلهما.
أخرج الشيخان عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: أقبلَ رجلٌ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: أبايُعك على الجهادِ والهجرةِ أبتغي الأجر قال.. "فهل من والديك أحدٌ حي"؟ قال: نعم، بل كلاهما. قال: "فتبتغي الأجرَ من الله؟". قال: نعم. قال: "فارجعْ إلى والديك فأحسنْ صحبتهما".
وعند الطبراني.. أن رجلاً جاءَ إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يستشيرُه في الجهادِ، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "ألك والدان؟" قال: نعم؟ قال: "الزمْهُما، فإن الجنةَ تحت أقدامهما"، هذا ومع مكانة الجهاد أمرنا بالبرِّ، فكيف بالانشغال بأشياء أخرى؟!
أيها الإخوة: إننا نحتاج للتأكيد دوماً على بر الوالدين؛ لأن حقهما عظيم، ومعروفُهما لا يُجازى، فحقُّهما المحبةُ والتقدير، والطاعةُ والتوقير، والتأدّبُ أمامهمَا، وصِدْقُ الحديثِ معهُما، وتحقيقُ رغبتهما في المعروف، وتنفقُ عليهما ما استطعت.. "فأنتَ ومالُك لأبيك"..
ادفعْ عنْهُما الأذى فقد كانا يدفعان عنك الأذى.. لا تحدّثْهُما بغلظةٍ أو خشونة أو رفعِ صوت.. جنِّبْهما كلَّ ما يُورثُ الضجر.. (فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا) [الإسراء: 23]، تخيَّرْ من الكلمات أطيبها، ومن العبارات أعذبها وقل لهما قولاً كريمًا..
قبِّل رأسيْهما ويديْهما، وأجلسْهما برأسِ المجلس..
ولا بدَّ أن نُعلِّمَ أَولادَنا ذلك الاحترام لوالديهم فبعضُ الناسِ يخجل أو يعتقدُ أنَّه ضعفٌ حين يُقبّلُ يدَ أمَّه أو رأسَها أو حتى رجلْها.. وكذلك أبيه، وهذا الفهم من القسوة والغلظة فلا بدَّ من الرقةِ الشديدةِ في التعامل مع الوالدين لاسيما في الكبر.
تواضعْ لهما، واخفضْ لهما جناحَ الذُلِّ رحمةً وعَطْفَاً وطاعةَ وحسنَ أدب، لقد أقبلا على الشيخوخة والكبر، وتقدَّما نحوَ العَجْزِ والهرمَ بعد أن صرفَا طاقَتَهما وصحّتَهما وأموالَهما في تربيتكِ وإصلاحِك. تأَّمل حفظكَ الله قولَ ربك: (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ)
إن كلمةَ (عندَك) تدلُّ على التجائِهما واحتمائِهما وحاجتِهما إليك، فلقد أنهيا مهمتهما، وانقضى دورهما، وابتدأ دورك، وها هي مهمتُك (فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) [الإسراء: 23- 24].
قال رجلٌ لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "إن لي أُماً بلغ منها الكبر أنَّها لا تقضي حوائجها إلا وظهري لها مطية، فهل أديتُ حقَّها؟ قال: لا؛ لأنها كانت تصنع بك ذلك وهي تتمنَّى بقاءك، وأنت تصنعه وأنت تتمنى فراقها، ولكنك محسن، والله يثيب الكثير على القليل".
نعم.. إن حقهما عظيم فالجأ للدعاء لهما في الحياة وبعد الممات اعترافاً بالتقصير، وأملاً فيما عند الله (رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)، فأين هذا من آباءَ وأمهات كبار نسمعُ عن رمْيهم في دور العجزة لا يسأل عنهم أحد حتى بعدَ موتهم إلا عن الميراث ولا حول ولا قوة إلا بالله..
قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "ما من مسلم له والدان مسلمان يصبح إليهما محتسباً (أي: بخدمتهما) إلا فتح الله له بابين من الجنة، وإن كان واحداً فواحد، وإن أغضبَ أحدهمَا لم يرض الله عنه حتى يرضى عنه. قيل: وإن ظلما؟ قال: وإن ظلما"..
أدرك ذلك السلف فكانوا بارِّين بوالديهم قال -صلى الله عليه وسلم- لِعمر: "يأتيكم رجلٌ من أهل اليمن، له والدةٌ هو بارٌ بها لو اقسم على الله لأبره، لو استطعت أن يستغفر لك فافعل"، وإنما منعه من القدوم على رسول الله بِرّهُ بأمه.. فلما رأى عمرُ أويسَ القرني طلب منه أن يستغفر له وأكرم وفادته..
وعليُّ زين العابدين من سادات التابعين، -رضي الله عنه- كان كثيرُ البر بأمه حتى قيل له: إننا لسنا نراك تأكل مع أمك في صحفة؟ فقال: "أخافُ أن تسبقَ يدي إلى ما سبقت إليه عينُها، فأكونَ قد عققْتُها".
وهذا حيوة بن شريح وهو أحدُ أئمة المسلمين والعلماء المشهورين، يقعد في حلقته يعلّم الناس ويأتيه الطلاب من كل مكان ليسمعوا عنه، فتقول له أمه وهو بين طلابه: قم يا حيوة! فاعلف الدجاج، فيقوم ويترك التعليم.
وهذا ابنُ الحَنَفِيَّةِ كان يغْسِلُ رَأْسَ أُمِّهِ ويَمْشِطُها ويُقَبِّلُها ويَخْضِبُها.
وبكَى إيَّاسُ بنُ معاويةَ حينَ ماتتْ أُمُّهُ، فقيلَ لهُ في ذلكَ، فقالَ.."كانَ لي بابانِ مفْتوحانِ إلى الجنَّةِ فأُغْلِقَ أَحَدُهُما".
الله المستعان إخوتي من أحوالنا مع آبائنا وأمهاتنا، نسأل الله أن يعفو عنا..
أيها الإخوة في الله: إن العار والشنار والويل والثبور أن يُفاجأ الوالدان بالتنكر للجميل، كانا يتطلعان للإحسان، ويؤمّلان الصلةَ بالمعروف، فإذا بهذا المخذولُ قد تناسى ضعفهَ وطفولتَه، وأُعجبَ بشبابهِ وفتوته، وغرَّه تعليمُه وثقافتُه، وترفَّع بجاهِه ومرتبتهِ، يؤذيهما بالتأفّفِ والتبرّم، ويجاهرْهما بالسوءِ وفحشِ القولِ والشتم، يقهرْهما وينهرْهما، بل ربما عياذاً بالله امتدت يده بالضرب عليهما..
هما يريدان حياته، وهو يتمنَّى موتهما، وكأني بهما وقد تمنيا أن لو كانا عقيمين.. تئنّ لهما الفضيلة، وتبكي من أجلهما والشواهد والقصص موجودة.. اذهبوا إلى المحاكم ولجان الإصلاح لتستمعوا بعضاً من قَصص العقوق والأذى مما سمعتها أو إلى دور رعاية المسنين التي زرتُها لتروا كيف إهمال الأبوين والنسيان عياذاً بالله ..
يا أيها المخذول العاقّ بوالديه..هل حينما كبرا فاحتاجا إليك جعلتَهما أهونَ الأشياء عليك؟! تُقدّم لغيرهما الإحسان، من صاحبٍ أو زوجةٍ أو ولد .. وقابلتَ جميلَهما بالنسيان. شقّ عليك أمرهما، وطولَ عمرِهما. أما علمتَ أن من بَرَّ بوالديه برَّ به بنوه، ومن عقَّهما عقُّوه، ولسوف تكون محتاجاً إلى بر أبنائك، وسيفعلون معك كما فعلت مع والديك، وكما تدين تُدان، والجزاءُ من جنس العمل يقول -صلى الله عليه وسلم-: "ما من ذنب أجدرُ أن تُعجَّل لصاحبِه العقوبةُ في الدنيا مع ما يُدَّخرُ له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم".
وفي الحديث عند مسلم: "رَغِمَ أنفه.. رغم أنفه.. رغم أنفه.. " قيل: مَن يا رسول الله؟ قال: "من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كلاهما فلم يدخل الجنة أي بهما".
وأكبر الكبائر: الشرك بالله وعقوق الوالدين، وأن يلعن الرجل والديه، أتدرون كيف يحدث ذلك؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه"، قيل: يا رسول الله! وكيف يلعن الرجل والديه؟! قال: "يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب ذاك أمه" (متفق عليه).
وقال قال -صلى الله عليه وسلم-.."ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة.. وذكر منهم العاق لوالديه".
وعن جابر قال: خرج علينا رسول الله قال -صلى الله عليه وسلم- فقال.."يا معشر المسلمين إياكم وعقوق الوالدين، فإن ريح الجنة توجد من مسيرة ألف عام، والله لا يجد ريحها عاق" (رواه الطبراني).
واعلموا أن بر الوالدين فريضة لازمة، وأمرٌ محتم، وهو سَعة في الرزق، وطولٌ في العمر، وحسنٌ في الخاتمة فلنتعاهد الله ببر الوالدين من هذا المكان، فإذا ما خرجنا من هذا المسجد اليوم نُقبّل على يد أمهاتنا وآبائنا ورءوسهم.. ونطلبُ العفو والصفح منهم.. ونتعاهد شؤونهم بطيب نفس..
وإن من الواجب أيضاً على الآباء والأمهات أن يكونوا عوناً لأولادهم وأقاربهم في البر بهم وصلة الرحم معهم بمعاملتهم بالحسنى وتربيتهم على التقوى والعدل فيما بينهم فإن ذلك أدعى للبر بهم، وأبعد عن العقوق بهم بعد كبرهم أو تباعدهم.. (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا * رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا) [الإسراء: 23- 25].
اللهم اجعلنا لوالدينا بارّين وبحقّهم ملتزمين ولهم مستغفرين وبالدعاء لهم قائمين، يا أرحم الراحمين..
الخطبة الثانية:
الحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى مَنْ لاَ نَبِيَّ بَعْدَهُ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
البعض يظن أن برّ الوالدين ينتهي بوفاتهما. كلا، بل إن من البر أن يتعهّد الرجل أصدقاءَ والديه، ويحسن كرامتهم، ويفيَ بحقهم، كما قال عليه السلام: "إن من أبرِّ البر صلةَ الولد أهل ود أبيه" (رواه مسلم).
وجاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: هل بقي عليَّ من بر أبوي شيء أبرهما به بعد وفاتهما؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: "نعم؛ الصلاة عليهما، وإنفاذ عهدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما من بعدهما".
ومن البر بوالديك في حياتهما وبعد موتهما الدعاء والاستغفار لهما..فذلك من العمل الذي لا ينقطع وهو سبب لصلاح العبد "ولد صالح يدعو له".
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الرجل لتُرفع درجتُه في الجنة فيقول.. أنى هذا يا رب فيقال له: باستغفار ولدك لك" (رواه ابن ماجه وحسنه الألباني).
ومن البر بهما أداء ديونهما وإذا كان عليهما صوم أو حج يؤديه الإنسان عنهما كما في الحديث..
وكذلك وصية لإخواني المقيمين والمغتربين فبعضهم يجلس فترة طويلة لا يتواصل مع والديه لا بالهاتف أو الرسائل أو غيرها، وكذلك لا ينفقُ عليهما وقد يكونان بحاجة إلى شيءٍ مما يحصله هنا؛ فواجبٌ عليه إعطاؤهما قبل زوجته وأولاده..
فاستيقنوا هذا رحمكم الله، فالبر بجميع وجوهه.. زيادة في العمر، وبركة في الرزق، وصلاح في الأبناء، فمن بر والديه بره أبناؤه. والعقوق خيبة وخسارة وخذلان. وقد قيل: إن الله ليعجل هلاك العبد إذا كان عاقاً ليعجل له العذاب، وإن الله ليزيد في عمر العبد إذا كان باراً ليزيده براً وخيراً..
اللهم أعنا على بر والدينا والقيام بحقوقهم وأداء واجباتهم وإكرامهم إنك سميع مجيب..
اللهم إنا نسألك بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن تنصر إخواننا في الشام.. وأن تجمع كلمتهم.. اللهم عليك بالطاغية بشار.. أهلك جنده وأمنه وأفقده مؤيديه وأعوانه خالف بين كلمتهم.. واشف صدور قومٍ مؤمنين بنصر الإسلام وعزة المسلمين..
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.