الوكيل
كلمة (الوكيل) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (مفعول) أي:...
العربية
المؤلف | عمر القزابري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - المنجيات |
هناك لوثات إذا أصابت الروح أنهكتها أو شلتها, مثل الحرص والكسل والطمع وطلب الشهرة, وسلطة الشهوة وشهوة السلطة والأنانية, والميل إلى الدنيا, وبالمقابل هناك أمور تقوي الروح وتكسبها المناعة؛ كالاستغناء والجسارة, ونكران الذات, والاهتمام بالآخرين, وجماع ذلك كله محاسبة النفس على الدوام...
الخطبة الأولى:
الحمد لله المتفرد باسمه الأسمى، والمختص بالملك الأعز الأحمى، الذي ليس من دونه منتهى ولا ورائه مرمى، الظاهر لا تخيلاً ووهمًا، الباطن تقدسًا لا عدمًا, وسع كل شيء رحمةً وعلمًا، وأسبغ على أوليائه نعما عُما، وبعث فيهم رسولاً من أن أنفسهم عربًا وعجمًا، وأذكاهم محتدًا ومنما، وأشدهم بهم رأفة ورحمة حاشاه ربه عيبًا ووصمًا, وذكاه روحًا وجسمًا وآتاه حكمة وحكمًا، فآمن به وصدقه من جعل الله له في مغنم السعادة قسمًا، وكذّب به وصدف عنه من كتب الله عليه الشقاء حتمًا، ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى, صلى الله عليه صلاة تنمو وتنمى, وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا.
معاشر الصالحين: لابد لكل من أراد الصلاح والإصلاح من جلسة عتاب للنفس, تحصيلا للأنس وهروبا من الرجس, وحملا لها على الإقلاع والنزوع, فبعد العتاب يكون الرجوع.
ما أحوجنا إلى الرجوع إلى ذواتنا ومحاسبة أنفسنا؛ لأن حالتنا تستدعي ذلك, فكلما خرجنا من ذنب دخلنا في ذنب, وكلما تخلصنا من عتب, تحصلنا في عتب, وكلما نزلنا من مركب في الجفاء امتطينا مركبا, وكلما فارقنا مذهبا في التمرد استأنفنا مذهبا, فما ندري كيف نعالج هذا الارتجاج ونقوم هذا الاعوجاج؟! ولا ندري بماذا نداوي هذا الداء الدوي, ونقاوم هذا الخصم القوي؟.
أيها الأحباب: كان من دأب العرب في الجاهلية أنهم إذا أصيبوا بمكروه أو مرت بهم مصيبة, عزوها إلى شؤم غيرهم ونسبوها إلى سبب من الأسباب الخارجة عن أنفسهم, فكانوا دائما يرون أن المصائب التي تمر عليهم إنما هي من شؤم كذا وكذا, ولا يرجعون شيئا منها إلى أنفسهم.
حتى إذا أكرمهم الله بالإسلام وببعثة سيد الأنام -صلى الله عليه وسلم-, فقوَّم هذا التصور الأخرق الذي كانوا ينطلقون منه, فأنزل الله -عز وجل- فيما أنزل تصحيحا لعاداتهم وتقويما لتصوراتهم: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) [الشورى:30]. وقوله تعالى: (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) [النساء: 79] أي كل إنسان يتحمل جريرة نفسه فإن ألمت به مصيبة فليرجع إلى ذاته وليتساءل عن سببها داخل كيانه, وإذا انتابه مكروه فليشم رائحة كفه, وليعد إلى حاله, ويتبين سبب ذلك في أمر من أمور خاصته.
إذاً ليس هناك شؤم ينتاب الأمة من جراء عامل خارجي شؤم الإنسان منوط بنفسه ومصائب الأمة نابعة من ذاتها (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [آل عمران:165], ولكن يبدو -أيها الأحباب- أن المسلمين عادوا يحنون إلى الوضع الجاهلي الذي كان قبل الإسلام, فما من مصيبة تمر بنا إلا ونبحث عن سبب لها خارج أنفسنا خارج وجودنا.
إننا نعاني اليوم كما تعلمون لا من مصيبة واحدة بل من مصائب كثيرة, ولا داعي للخوض في بيانها, ولكن أين الذين يعودون إلى أنفسهم ليبحثوا عن عوامل هذه المصيبة في واقعهم, في سلوكهم, في شؤونهم وعاداتهم, أين المسلمون الذين يعملون في معالجة هذه المصائب على ضوء قوله تعالى (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) [الشورى:30]؟.
لقد كان سلفنا الكرام يحاسبون أنفسهم على الصغيرة والكبيرة, يقول الحسن البصري -رحمه الله-: "لا تلقى المؤمن إلا يحاسب نفسه, ماذا أردت تعملين؟ ماذا أردت تأكلين؟ ماذا أردت تشربين؟ والفاجر يمضي قدما لا يحاسب نفسه". وكان الأحنف بن القيس يجيء إلى المصباح وهو مشتعل فيضع أصبعه فيه ويقول: "حس يا حنيف! ما حملك على ما صنعت يوم كذا, ما حملك على ما صنعت يوم كذا". وقال مالك بن دينار -رحمه الله-: "رحم الله عبدا قال لنفسه: ألست صاحب كذا ثم ألزمها ثم خطمها ثم ألزمها كتاب الله –عز وجل-". وهذا الإمام العلم محمد بن سرين يقول: "إني لأعرف معصيتي في خُلق زوجتي ودابتي". يعني إذا رأى تغير في أخلاق زوجته أرجع ذلك إلى نفسه, واعتبر أن ذلك أثر من أثار ذنبه.
من منا -أيها الأحباب- يتعامل بذلك المنطق, لا أحد منا يقبل أن يلوم نفسه أو يخطأ نفسه, أغلبنا يرى نفسه فوق النقد ويرجع ما أصابه إلى الآخرين, لقد عاد أغلبنا اليوم إلى ما كانوا عليه في العصر الجاهلي؛ نعلق مشكلاتنا بمشاجب غيرنا, أما نحن فهيهات هيهات أن تمر بنا ساعة نجلس فيها إلى أنفسنا -ولو دقائق- في مواجهاتها في لحظات من النقد الذاتي, لننتقد في هذه الساعة أنفسنا سلوكنا أخلاقنا عاداتنا.
نسمع كلنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يتحدث عن الفتن: "إذا رأيت شحا مطاعا, وهوى متبعا, ودنيا مؤثرة, وإعجاب كل ذي رأي برأيه, فعليك بخاصة نفسك, ودع العوام". وإذا نظرنا إلى هذا الحديث وإلى واقعنا نجدنا أننا على النقيض تماما من هذا الحديث, المصائب التي تأتي إلينا من يمين وشمال تترا نسلط عليها الضوء ونتحدث عنها ونعلق عليها, ولا يعود الواحد منا ربما للحظة إلى تقويم اعوجاجه, إلى البحث عن سبب هذه المصائب في بيته في كيانه في أسرته, في التربية الجانحة التي يمارسها بعيدا عما ورثه من كتاب الله وعما بلغه من سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
إن مرض العامة هو مظهر لمرض متموضع في كيانك, ونحن اليوم مطلوب منا أن نعالج هذه المصائب كلها بدواء واحد لا ثاني له؛ هو أن نعود إلى أنفسنا بساعة قدسية من النقد الذاتي, ماذا فعلنا حتى سلط الله علينا العدو؟ ماذا صنعنا حتى منينا بهذه المصائب المختلفة؟ ماذا ارتكبنا حتى تحولت وحدتنا إلى تفكك وخصام؟.
ينبغي أن يطرح كلٌ منا هذه الأسئلة في ساعة صدق وتوجه, ولكن عندما ننظر إلى حال الأمة وهي وسط هذه البلايا والرزايا العظام, نجد أنها عاكفة على ألوان من الغي لا لون واحد فقط, ألوان من المعاصي والمخالفات والصدود.
عندما ننظر مثلا إلى إعلام المسلمين وهو في غمرة البلاء نجد أشكالا من التفاهات, من أفلام ومسلسلات لا تنتهي, وسهرات وبرامج لا تؤكد واقع الانتماء, وكأنما يقع للمسلمين خيال أو مجرد أوهام, سفاهات تدعو إلى الزنى وإلى العهر إلا من رحم الله وسلم.
من تلك المصائب العظام التي جاء بها الإعلام وسوق لها الأقزام, تلك المسابقات التي يجتمع فيها شباب وشابات لمدة في بيت واحد؛ ليختار منهم في الأخير عن طريقة تصويت الجمهور, يصوتون ويتابعون ويتفاعلون. وعندما يختار أحدهم يستقبل في بلاده استقبال الفاتحين, وكأنه فتح بيت المقدس, أو نفع الأمة بعلم, أو اختراع يرفع قدراتها, أو يجعل لها مكانا وسط الأمم.
إن المسلمين ليسوا أغبياء والمفروض فيهم أنهم ليسوا أغبياء, فالكل يعلم الأموال المرصودة لاقتحام هذا اللون من ألوان البرامج التي تسمى بتلفزيون الواقع وهو واقع مر أليم، هذه الأموال ترصد من أجل تقويض البقية الباقية من الشرف, من أجل تقطيع بقايا الحبل الموصول بيننا وبين كتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وإذا ضاعت الأمة فقد تودع منها, هذه البرامج لا شرع يبيحها ولا ذوق يصوغها, إنما هي بيع الوهم, واستعمال اسم النجم بدل اللفظ المناسب وهو الفحم, يجلس الشباب والشابات في أحوال يمجها الطبع السليم, ويرفضها الشرع الحنيف, ثم يأتي بعد ذلك الوالدان الذان فازت ابنتهما ليحمدا الله على فوز ابنتها, ويقول الأب: "الحمد لله" يحمد الله على المعصية! الحمد لله الذي وفق ابنتي ولم يخيب ظني وأملي, ورفعت ابنتي اسم بلدي!!.
لا والله؛ لا بهذا يرفع اسم البلدان, ما بهذا تتحقق العزة المنشودة والمنعة المأمولة, هذا الانبطاح وهذا الذوبان وهذا التهتك لا يجسد إلا حقيقة واحدة, هي أننا ابتعدنا عن الله وعن شرع الله حتى انقلبت عندنا الحقائق, وأصبنا بعمى الألوان, وهذا يؤكد واقع عدم محاسبتنا لأنفسنا, إذ لو كان كل واحد منا يحاسب نفسه ويزنها بميزان الشرع لما كان هذا مستساغ, وبالتالي لما كانت الأمة على ما هي عليه اليوم من تبعية وانبطاح وانهزامية.
جعلني الله وإياكم ممن ذكر فنفعته الذكرى وأخلص لله عمله سرا وجهرا, أمين, أمين والحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي خلق النفس فسواها, وألهمها فجورها وتقواها, وأخبر عن فلاح من زكاها, وخيبة من دساها, أحمده على نعمه التي أعطاها, ونعمه التي أسداها, وأصلي وأسلم على المبوأ من معالي المجد أعلاها, والهادي إلى أقوم الطرق وأقواها, سيدنا محمد, صلى الله عليه وعلى آله وتبعه بإحسان إلى يوم الدين.
معاشر الصالحين: إن إحساس النفس بأنها بدون حسيب ولا رقيب يجعلها تنطلق جامحة في كل اتجاه, تقتحم ميادين العهر والفجور وهي فرحة مسرورة, وهو فرح ظاهره البشر, وباطنه الحزن والخراب والبوار.
إن عدم وجود مبدأ المحاسبة في حياة الأفراد والمجتمعات يؤدي إلى التبلد وإلى فقدان الإحساس, وهذا هو الواقع الذي يؤدي إلى ضعف المسلمين واهتزاز فكرهم, هذا الواقع الذي حجب ضوء الشمس عن عالمية الإسلام, ويبدو واضحا أن إزالة واقع الانحراف المزمن والمستقر بهذه الدرجة المشهودة والمشاهدة, يحتاج إلى جهد جهيد وإلى عزم أكيد, فلن يزول هذا الواقع بالترقيع الفكري, أو الأداء الديني الخالي من الفهم والإدراك, والإحساس بالمعاني, إزالة واقع الأمة الأليم لن يتحقق بعقد بضع مؤتمرات هنا وهناك, أو مسابقات أو معارض أو ما شابه.
إن إزالة الانحراف الهرم الذي سكن فينا يحتاج إلى اكتشاف أنفسنا من جديد, والعثور على ذاتنا, ومن ثم الوصول إلى الشعور الإسلامي, والتعامل وفق التصرف الإسلامي, ولا يتم ذلك إلا بالارتقاء في سلم الشريعة حتى نصل إلى درجة التوافق مع آفاق صاحب الشريعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, والموائمة والحزم والعزة والمراقبة والمحاسبة, وبذلك ينتهي العقم المزمن منذ قرون بتسليم قوة العلم والتفكير لإمرة الإسلام, وإخضاع رؤانا لرؤيته, وتحويل كل مكان إلى ميدان دعوة وساحة علم, لأن حبس الدين خلف جدران المسجد فقط هو ظلم لهذا الدين, وتحقيق لمراد أعدائه, وتعطيل للقوى الكامنة في قلوب المسلمين.
أيها الأحباب: ينبغي أن نتعامل مع ديننا من منطلق الروح, من عالم المعنى من ساحات الحقائق من ميدان المقاصد, فليست العبادة مجرد حركات وإنما هي فرصة لترقية الروح وتخليصها من عبادة الذات والشهوات؛ لتلتحق بالملأ الأعلى, وترتقي إلى تلكم العوالم ارتقاء صفاء ونقاء.
فالصلاة مثلا ليست حركات ليست قياما وقعودا, والزكاة ليست مالا مطروحا تبرئة للذمة, ليس الصيام جوعا وعطشا فقط, فما اختلافه عن الحمية, والحج إن لم تدرك معانيه وتلتقط إشاراته فما اختلافه عن سياحة بين مدينة وأخرى, وهكذا سائر العبادات.
ومراقبة النفس ومحاسبتها هو السبيل إلى الارتقاء إلى هذه العوالم (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) [النازعات: 40، 41], ينبغي أن يعم مبدأ المحاسبة وينتشر, فيحاسب طالب العلم نفسه: ماذا أريد بطلبي العلم؟, ويحاسب التاجر نفسه: ماذا أريد بتجارتي؟، وكذا كل مسؤول في كل مكان وعلى كل مستوى, ويحاسب كل فرد نفسه في كل يوم في كل لحظة: ماذا قدمت لديني ولأمتي ولآخرتي؟.
وبفضل ذلك تخرج الأمة من الفقر الحسي والفكري, والحفظ البغبغائي, والشكلية إلى الفكر العلمي الحق, ومن تزكية أنواع الرذائل باسم الفن إلى الذوق الحقيقي والحس المرهف والجمال الحق، ومن الإدمان المجهول نسبا ونشأة إلى الشعور النابع من الدين والتاريخ, ومن أقفال الأفكار المتنوعة القابعة في صدورنا والتي أضنتنا وأنهكتنا, إلى حرية الخدمة لله طاعة وتسليما وشعورا وصدق توجه.
إننا لن نقدر -أيها الأحباب- أن نفتح صفحة جديدة في عوالم المجد من غير انتزاع التصورات والأفكار المنحرفة التي استقرت فينا, وفي أوطاننا منذ سنين وسنين, فلقد تعرضت حياتنا الروحية ولا تزال لهجمات متتالية كادت تعطلها, ولذلك صور كثيرة منها: انحباس المثقفين والمفكرين في قمقم المادية الوضعية, وحل في نقاشاتنا التشدق على الصلابة والثبات في الحق, وصار أغلب الهم الانتصار للذات وتخطئة الآخر.
وحتى في طلب العلم دخلت مسألة خطيرة, وهي حب المحمدة والثناء وصرف الأنظار وتصدر المجالس إلا من رحم الله. وحتى في طلبنا للآخرة ظهرت توجهات وحلت تصورات, صرفت الناس عن وسائل التوجه الحقيقي التي توائم بين السعادة الدنيوية والآخروي.
إن هناك لوثات إذا أصابت الروح أنهكتها أو شلتها, مثل الحرص والكسل والطمع وطلب الشهرة, وسلطة الشهوة وشهوة السلطة والأنانية, والميل إلى الدنيا, وبالمقابل هناك أمور تقوي الروح وتكسبها المناعة؛ كالاستغناء والجسارة, ونكران الذات, والاهتمام بالآخرين, وجماع ذلك كله محاسبة النفس على الدوام.
إن من نتائج عدم محاسبة النفس ضياع الأمانة بجميع مفاهيمها, ومن صور ضياعها إسناد الأمر لغير أهله, ومعالجة الداء بغير مصله, وهذه الصورة تنتج عنها صور من الارتباك تخلف ارتجاجا في الفهم والتصور, مما يكون سببا في إصدار قرارات معلولة غير ولودة, وعاجزة بديهة عن الإعداد للمرحلة المضيئة المأمولة, ولئن أعدت لشيء فإنما تعد للتصارع بين الحشود الغارقة في شباك الحرص والتخاصم بين الأحزاب والعراك بين الشعوب, بل وظهور جماعات مختلة تنطق باسم الدين, وهي في الحقيقة تحارب الدين, كما هو حاصل في دنيانا اليوم من قتل وذبح وترويع باسم الدين والدين من ذلك براء.
طغمة من المفسدين الفاسدين, يستبيحون الدماء ويقتلون الرجال والأطفال والنساء, في صورة من صور الهمجية والتخلف, ومن ذلك ما وقع مؤخرا في بلاد باكستان من إزهاق أرواح تلاميذ وطلبة أبرياء, يلتمسون المعرفة في مدرسة يفترض أن تحترم وتصان وتعظم بقدر ما عظم الله تعالى به العلم وطلبه وطلبته وحض عليه وندب إليه.
وإن كرماء هذه الأمة وفضلائها ورجالها ونساءها لا يمكن أن يظلوا صامتين متفرجين على هذه الألوان من المظالم والمجازر, والمفروض أن تتلاحم الأمة كلها وتقف في وجه هذا الإفساد الذي يتكلم باسم الدين, وهو يضرب الدين في الصميم, ليس غريبا أن تتضامن الأمة وتتألم لهذا الحدث الأليم وأمثاله, بل المستغرب والمستنكر هو أن نتفرج على ما يقع باسم الإسلام باسم دين المرحمة والحرمات, الدين الذي يقدس الحياة ويعتبر قتل نفس واحدة كقتل الناس جميعا.
هذه الحياة التي هي هبة الله وعطاء الله, فكيف يجرأ شخص على أن يقتل بريئا لا ذنب له, بأي حق؟! الدين الذي قضى على الثأر والعصبية، الدين الذي من أحكامه ألا تزر وازرة وز أخرى, الدين الذي يدعونا أن نتمسك بما جاء به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
أيها الأحباب: إن الدفاع عن هذا الدين الإسلامي السمح لمن مناطات ما قلدنا الله تعالى من التكليف, فلا يمكن السماح أبدا عما يفسد صورته ويشوه سمعته ويزيف حقائقه, بأن يعيث فيه أفراد فسادا ويخربون بادعائهم بلادا ويؤذون عبادا.
فدين الإسلام من العدوان ومن سفك الدماء براء؛ لأن الأصل في الدماء والأرواح العصمة, فلا يحل انتهاكها في شرع الله , قال -صلى الله عليه وسلم-: "كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه".
وإن من صور الاختلال والاعتلال الناتجة عن سوء الفهم أن يقترف كل ذلك باسم الدين، وأن يقتل المسلمون ويذبحون وتسمع النداءات خلفهم الله أكبر!, إن دين الله بريء من سفك الدماء, برئ من هذا الهراء, هذه الصور التي نشاهدها كل يوم من قتل وذبح وترويع.
إن الأمة جميعا تتحمل مسؤولية محاربة هذا الخلل الخطير في التصور, وأحسن صور محاربته نشر العلم, العلم الصحيح الذي مصدره الكتاب والسنة, بما يحملانه من طهر وصفاء ورقي, والتمكين للعلماء الربانيين الصادقين العارفين, وإنشاء قنوات كثيرة تنشر في العالم حقيقة الإسلام الناصعة البياض. وإنه لمطلب مُلح لم يعد يقبل التأجيل؛ حتى يترقى الجيل ويزول الفهم العقيم والوبيل.
اللهم أصلح أحوالنا...