الحميد
(الحمد) في اللغة هو الثناء، والفرقُ بينه وبين (الشكر): أن (الحمد)...
العربية
المؤلف | خالد بن علي أبا الخيل |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - الزهد |
فطناء قد وفَّقهم الله، فعلموا أنها ظلٌ زائل، ونعيم حائل، وأضغاث أحلام بل فهموا أنها نِعَمٌ في طيها نِقَم، وعرفوا أنها حياة فانية، وأنها معبرٌ وطريقٌ إلى الحياة الباقية، فرضوا منها باليسير، وقنعوا منها بالقليل فاستراحت قلوبهم من همها وأحزانها واستراحت أبدانهم من نَصَبها وعنائها، جعلوا النفَس الأخير وما وراءه نُصْب أعينهم، وتدبروا ماذا يكون مصيرهم، وفكروا كيف يخرجون من الدنيا وإيمانهم سالمٌ لهم، وما الذي يبقى معهم منها في قبورهم, أدركوا كل هذا فتأهبوا للسفر الطويل، وأعدوا الجواب للحساب، وقدموا الزاد للمعاد، وخير الزاد التقوى فطوبى لهم خافوا فأمنوا وأحسنوا ففازوا وأفلحوا.
الخطبة الأولى:
الحمد لله الواحد القهار العزيز الغفار، مكور الليل على النهار تذكرةً لأولي القلوب والأبصار، وتبصرة لذوي الألباب والاعتبار الذي أيقظ من خلقه مَن اصطفاهم فزادهم في هذه الدار، وشغلهم بمراقبته وإدامة الأفكار ووفقهم للدأب في طاعته والتأهب لدار القرار.
أحمده أبلغ حمدٍ وأزكاه وأشمله وأنماه، وأشهد أن لا إله إلا الله البر الكريم الرؤوف الرحيم، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وحبيبه وخليله صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر النبيين وسائر الصالحين.
أما بعد: فاتقوا رب العالمين تفوزوا بجنة أُعدت للمتقين، واحذروا الدنيا فإنها فتنة الأولين والآخرين، فإنها دار نفادٍ لا محل إخلاد، ومركب عبور لا منزل حضور، ومشرع فِصام لا موطن دوام، فلهذا كان العقلاء من أهلها هم العباد، وأعقل الناس فيها هم الزهاد.
عباد الله: مَن نظر إلى الدنيا بعين البصيرة أيقن أن نعيمها ابتلاء، وحياتها عناء، وعيشها نكد، وصفوها كدر، وأهلها منها على وجل؛ إما بنعمة زائلة، أو بلية نازلة، أو منيةٍ ماضية، مسكينٌ مَن اطمئن ورضي بدارٍ حلالها حساب، وحرامها عقاب، إن أخذه من حلالٍ حُسِب عليه، وإن أخذه من حرام عُذِب به، مَن استغنى في الدنيا فُتِن، ومَن افتقر فيها حزِن، مَن أحبَّها أذلته، ومَن التفت إليها ونظرها أعمته.
وكم كُشِف للسامعين عن حقيقة الدنيا وبيَّن لهم قِصَر مدتها، وانقضاء لذتها لما يضرب بالأمثال الحسية، قال سبحانه: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)[الحديد:20].
شرح لنا العليم الحكيم في هذه الآية حال الدنيا التي افتتن الناس بها، الذين قصر نظرهم، وبيّن أنها من محقرات الأمور التي لا يركن إليها العقلاء فضلًا عن الافتتان بها، والانهماك في طلبها وقتل الوقت في تحصيلها؛ لأنها لعبٌ لا ثمرة فيه سوى التعب، ولما تشغل صاحبها، وتُلهيه عما ينفعه في آخرته، وزينة لا تفيد المفتون فيها شرفًا ذاتيًا كالملابس الجميلة، والمراكب البهية، والمنازل الرفيعة الواسعة، وتفاخر بالأنساب والعظام البالية، ومباهاة بكثرة الأموال والأولاد، وعِظم الجاه.
ثم أشار جل شأنه إلى أنها مع ذلك سريعة الزوال، قريبة الاضمحلال كمثل غيث راق الزُّراع نباته الناشئ به، ثم يهيج ويتحرك، وينمو إلى أقصى ما قدره الله له، فسرعان ما تراه مصفرًا متغيرًا زابلًا بعدما رأيته أخضر ناضرًا، ثم يصير من اليُبس هشيمًا متكسرًا ففيه تشبيه جميع ما في الدنيا من السنين الكثيرة بمدة نبات غيثٍ واحدٍ يفنى ويضمحل، ويتلاشى في أقل من سنة، إشارة إلى سرعة زوالها وقرب فنائها.
وبعدما بيّن -جل وعلا- حقارة الدنيا، وسرعة زوالها تزهيدًا فيها وتنفيرًا وتحذيرًا من الانهماك في طلبها أشار إلى فخامة شأن الآخرة وفظاعة ما فيها من الآلام، وعِظم ما فيها من اللذات ترهيبًا وترغيبًا في تحصيل النعيم المقيم والعيش السليم مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر والناس فيها قسمان:
فطناء قد وفَّقهم الله، فعلموا أنها ظلٌ زائل، ونعيم حائل، وأضغاث أحلام بل فهموا أنها نِعَمٌ في طيها نِقَم، وعرفوا أنها حياة فانية، وأنها معبرٌ وطريقٌ إلى الحياة الباقية، فرضوا منها باليسير، وقنعوا منها بالقليل فاستراحت قلوبهم من همها وأحزانها واستراحت أبدانهم من نَصَبها وعنائها، جعلوا النفَس الأخير وما وراءه نُصْب أعينهم، وتدبروا ماذا يكون مصيرهم، وفكروا كيف يخرجون من الدنيا وإيمانهم سالمٌ لهم، وما الذي يبقى معهم منها في قبورهم (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ)[الشعراء:88] (إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)[الشعراء:89]، (يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا) [الدخان: 41]، أدركوا كل هذا فتأهبوا للسفر الطويل، وأعدوا الجواب للحساب، وقدموا الزاد للمعاد، وخير الزاد التقوى فطوبى لهم خافوا فأمنوا وأحسنوا ففازوا وأفلحوا.
إن لله عبادًا فُطنا | طلقوا الدنيا وخافوا الفِتنا |
نظروا فيها فلما علموا | أنها ليست لحي سكنا |
جعلوها لُجة واتخذوا | صالح الأعمال فيها سفنا |
والقسم الثاني من الناس: جُهالٌ عموا البصائر، لم ينظروا في أمرها ولم يكشفوا سوء حالها ومآلها، درجت لهم بزينتها ففتنتهم فإليها أخلدوا وبها رضوا ولها اطمأنوا حتى ألهتهم عن الله وشغلتهم عن ذكر الله وطاعته (نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)[الحشر:19].
نعم.. إنهم نسوا الله وأهملوا حقوقه، وما قدَروه حق قدره، ولم يراعوا لانهماكهم في الدنيا وتهالكهم عليها مواجب أوامره ونواهيه حق رعايتها فأنساهم أنفسهم، أنساهم مصالحهم وأغفلهم عن منافعها وفوائدها فصار أمرهم فُرطًا، فرجعوا بخسارة الدارين، وفي مثل هذا يقول أحد العلماء: "اجتهادك فيما ضُمِن لك مع تقصيرك فيما طُلِب منك دليل انطماس بصيرتك".
أقاموا الدنيا فهدمتهم، واعتزوا بها من دون الله فأذلتهم، أكثروا فيها من الآمال وأحبطوا طول الآجال، ونسوا الموت وما بعده من الشدائد والأهوال، روى الترمذي: "وَمَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَجَمَعَ عَلَيْهِ شمّلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شملَهُ، وَلَمْ يَأْتِ لَهُ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ مَا قُدِرَ لَهُ".
وفي عدة الصابرين يقول ابن القيم: "وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها لو ساوت عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرًا منها شربة ماء، وأنها أهون على الله من السخلة الميتة على أهلها، وأن مثلها في الآخرة كمثل ما يعلق بإصبع مَن أدخل إصبعه في البحر، وأنها سجن المؤمن وجنة الكافر، وأمر العبد أن يكون فيها كأنه غريب، أو عابر سبيل، ويعد نفسه من أهل القبور إذا أصبح فلا ينتظر المساء، وإذا أمسى فلا ينتظر الصباح، ونهى عن اتخاذ ما يُرغِّب فيها، ولعن عبد الدينار وعبد الدرهم، ودعا عليه بالتعس والانتكاس، وعدم إقالة العثرة والانتقاد.
وأخبر أنها حلوة أي: تأخذ العيون بخضرتها وحلوتها، والقلوب بحلاوتها وأمر باتقائها، وأخبر أنه في الدنيا كراكب استظل تحت شجرة في يوم صائب، ثم راح وتركها، ومرّ بهم وهم يُعالجون خُصًّا لهم قد وَهَى، فقال: "ما أرى الأمر إلا أعجل من ذلك"، وأمر بسترٍ على بابه فنُزِع وقال: إنه يذكرني بالدنيا، وأخبر أن الميت يتبعه أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله ويبقى عمله.
وكان يقول الزهد في الدنيا يريح القلب والبدن، والرغبة في الدنيا تطيل الهموم والحزن، وأخبر أن بذل العبد ما فضل عن حاجته خيرٌ له، وإمساكه شرٌ له وأنه لا يُلام على الكفاف.
وأخبر أن عباد الله ليسوا بمتنعمين فيها فإن أمامهم دار النعيم، فهم لا يرضون بنعيمهم في الدنيا عوضًا من ذلك النعيم، وقال الحواريون: يا عيسى مَن أولياء الله؟ الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، قال: الذين نظروا إلى باطن الدنيا، حين نظر الناس إلى عاجلها، فأماتوا منها ما يخشون أن يُميتهم، وتركوا ما علموا أنه سيتركهم فصار استكثارهم منها استغلالًا، وذكرهم إياها فواتًا، وفرحوا بما أصابوا منها حزنًا، خلقت الدنيا عندهم فليسوا يجددونها، وخربت بينهم فليسوا يعمرونها، وماتت في صدورهم فليسوا يُحيونها يهدمونها فيبنون بها آخرتهم، ويبيعونها، فيشترون بها ما بقي لهم، رفضوها فكانوا بها هم الفرحين، ونظروا إلى أهلها صرعى قد حلت بهم المَثلات فأحبوا ذكر الموت وتركوا ذكر الحياة".
ومَن يذق الدنيا فإني طعمتها | وسيق إليَّ هناء عذبها وعذابها |
فلم أراها إلا غرورًا وباطنًا | فما لاح في ظهر الفلات سرابها |
وما هي إلا جيفة مستحيلة | عليها كلابٌ همهمنّ اجتذابها |
فإن تجتنبها كنت سلمًا لأهلها | وإن تجتذبها نازعتك كلابها |
إذا انسد بابٌ عنك من دون حاجة | فدعها لأخرى ينفتح لها بابها |
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وبعد:
عباد الله: الدنيا وحبُّها يُوقع في الشبهات، ثم في المكروهات، ثم في المحرمات، وطالما أوقع في الكفر، فجميع الأمم المكذبة لأنبيائهم إنما حملهم على كفرهم وهلاكهم حب الدنيا؛ فإن الرسل لما نهوهم عن الشرك والمعاصي التي كانوا يكتسبون بها الدنيا حملهم حبُّها على مخالفتهم وتكذيبهم، فكل خطيئة في العالم أصلها حب الدنيا، ولا تنسَ خطيئة الأبوين قديمًا إنما كان سببها حب الخلود في الدنيا، ولا تنس ذنب إبليس، وسببه حب الرياسة التي محبتها شرّ من محبة الدنيا، وبسببها كفر فرعون وهامان وجنودهما، وأبو جهل وقومه واليهود؛ فحب الدنيا والرياسة هو الذي عمَّر النار بأهلها، والزهد في الدنيا، والزهد في الرياسة هو الذي عمَّر الجنة بأهلها، والسكر بحب الدنيا أعظم من السكر بشرب الخمر بكثير، ولهذا عباد الله حبُّها يُلهي عن حب الله وذكره، ومَن ألهاه ماله عن ذكر الله فهو من الخاسرين.
إنما كان حب الدنيا رأس الخطايا ومفسدًا للدين من وجوه:
أولها: أنه يقتضي تعظيمها وهي حقيرة عند الله.
وثانيها: أن الله لعنها ومقتها وأبغضها إلا ما كان له فيها، ومَن أحب ما لعنه الله ومقته وأبغضه، فقد تعرض للفتنة ومقته وغضبه.
وثالثها: أنه إذا أحبها صيَّرها غايته، وتوسل إليها بالأعمال التي جعلها الله وسائل إليه وإلى الدار الآخرة، فعكس الأمر وقلَب الحكمة فانتكس قلبه، وانعكس سيره إلى وراءه.
ورابعها: أن محبتها تعترض بين العبد وبين فعل ما يعود عليه نفعه في الآخرة؛ لاشتغاله عنه بمحبوبه، والناس هاهنا مراتب: فمنهم مَن يشغلهم محبوبه عن الإيمان وشرائعه، ومنهم مَن يشغله عن الواجبات، ومنهم مَن يشغله حبُّها عن كثير من المستحبات، ومنهم مَن يشغله عن واجب يعارض تحصيلها وإن قام بغيره، ومنهم مَن يشغله عن عبودية قلبه في الواجب لله عند أدائه فيؤديه ظاهرًا لا باطنًا.
وأين هذا من عشاق الدنيا، وأقل درجات حبّها أن يَشغل عن سعادة العبد، وهو تفريغ القلب لحب الله، ولسانه لذكره، وجمع قلبه على لسانه، وجمع لسانه وقلبه على ربه فعشقها ومحبتها تضر بالآخرة، ولابد كما أن محبة الآخرة تضر بالدنيا.
وخامسها: أن محبتها تجعلها أكثر هم العبد.
وسادسها: أن محبها أشد الناس عذابًا بها، وهو معذَّبٌ في دوره الثلاث: يعذب في الدنيا لتحصيلها، وفي السعي فيها ومنازعة أهلها، وفي دار البرزخ، وفي الدار الآخرة.
إياك والدنيا الدنية إنها | هي السحر في تخييله وافترائه |
متاع غرورٍ لا يدوم سرورها | وأضغاث حلمٍ خادعٍ ببهائه |
فمَن أكرمت يومًا أهانت له غدا | ومَن أضحكت قد آذنت ببكائه |
ومَن تسقه كأسًا من الشهد غدوةً | تجرعه كأس الردى في مسائه |
ومَن تكس تاج الملك تنزعه عاجلًا | بأيدي المنايا أو بأيدي عدائه |
ألا إنها للمرء من أكبر العِدا | ويحسبها المغرور من أصدقائه |
فلذاتها مسمومة ووعودها | سرابٌ فما الظامي يروى من عنائه |
وكم في كتاب الله من ذكر ذمها | وكم ذمها الأخيار من أصفيائه |
فدونك آيات الكتاب تجد بها | من العلم ما يجلو الصدا بجلائه |
ومَن يكُ جمع المال مبلغ علمه | فما قلبه إلا مريضًا بدائه |
فدعها فإن الزهد فيها محتمٌ | وإن لم يقل جل الورى بأدائه |
ومَن لم يذرها زاهدًا في حياته | ستزهد فيه الناس بعد فنائه |
فتتركه يومًا صريعًا بقبره | رهينًا أسيرًا آيسًا من ورائه |
وينساه أهلوه المفدى لديهم | وتكسوه ثوب الرخص بعد غلائه |
وينتهب الوارث أمواله التي | على جمعها قاس عظيم شقائه |
وتسكنه بعد الشواهق حفرةً | تضيق به بعد اتساع قضائه |
يقيم بها طول الزمان وماله | أنيسًا سوى دودٍ سعى في حشائه |
فواها لها من غربة ثم كربة | ومن تربةٍ تحوى الفتى لبلائه |
ومن بعد ذا يوم الحساب وهوله | فيُجزى به الإنسان أو في جزائه |
ولا تنس ذكر الموت فالموت غائبٌ | ولابد يومًا للفتى من لقائه |
قضى الله مولانا على الخلق بالفنا | ولابد فيهم من نفوذ قضائه |
فخذ أهبة للموت من عمل التقى | لتغنم وقت العمر قبل انقضائه |
وإياك والآمال فالعمر ينقضي | وأسبابها ممدودة من ورائه |
هذا عباد الله وقد فقدت وودعت ورزقت بريدة بالأمس صالحًا نحسبه من صلحائها وشيخًا من مشايخها ورمزًا من رموزها الشيخ عليّ أسعده وأكرمه العليِّ الخطيب المفوه والواعظ المنوه صاحب اللسان الفصيح والصوت المليح والصوت الشجيِّ والاحتفاء الوفي، والهندام الجميل والخُلق النبيل، والأدب الرفيع ومحبة الجميع، جنازته مشهودة وموعدكم يوم الجنائز وأنتم شهداء الله في أرضه.
عاش مع السيرة العطرة والصحابة وسلف الأمة، شعاره: البداية والنهاية، وتلاوة القرآن، والحديث الشيق والبيان، خُطَبه تلين القلوب، وحديثه يأخذ بمجامع القلوب علّق قلبه في المسجد وحب الصالحين، ومجالس الذاكرين فلا ينسى حديث العشاء الآخرة، وكأنك تعيش مع الرسول، والصحابة والدار الآخرة والبكاء والدعاء والخشية فعليه رحمة رب العالمين ووالدينا ووالديهم والمسلمين أجمعين.
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].
والله أعلم.