المعطي
كلمة (المعطي) في اللغة اسم فاعل من الإعطاء، الذي ينوّل غيره...
العربية
المؤلف | أحمد بن مسفر المقرحي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التاريخ وتقويم البلدان - الأديان والفرق |
وها هم اليوم يحاصرون الفلوجة، ويتلذذون بموت أهلها جوعًا، ويحتجون أنهم يقاتلون الدواعش الإرهابيين بزعمهم، وهم والدواعش وجهان لعملة واحدة؛ فريقان بخندق واحد، فيا لها من قلوب نُزعت منها الرحمة! ويا لهم من رجال سُلبت منهم النخوة والحمية! فوالله لولا فساد المعتقد ما حاصروا أبناء وطنهم حتى ماتوا جوعًا، ومع ذلك يزعمون أنهم مسلمون، وهم الله شرّ من كفار قريش؛ فإن قريش لما حاصرت الرسول -صلى الله عليه وسلم- في شِعْب أبي طالب لما طال الحصار أخذ أهل الحمية والنخوة منهم يبعثون بالمدد والأطعمة للمسلمين، فلما طالت مدة الحصار طالبوهم بإنهائه، وثاروا على كبراء قريش؛...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدُه ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
امضِ يا قلمي، واكتب رسالة من دمي | فلقد تزاحمت الكلمات في فمي |
إلى أمة الإسلام في لهف أوجِّهها | لعلها تدع السبات وتثور للهممِ |
ففي الشام كم لهم من جرائم منكرة | وفي العراق كم سفكوا للأبرياء من دم |
يتلذذون بقتل شعوبهم رغم عروبتهم | بحجة الولاء للقائم الفقيه المعمَّم |
ويتشوقون لقتل السني في لهف | كأنهم ضباع سُعر تنهش في نهم |
فما رحموا كبيرًا عاجزًا في مسكنه | ولا رحموا طفلاً صغيرًا لم يبلغ الحلم |
ولا غاروا على العفيفات حين انتُهكت | أعراضهن من المجوس بني الفرس العجم |
ولا راعوا جوار جار جاوروه في قدم | رغم ما قدمه من الأخلاق والشيم |
بني الرفض حمي الفرس قد انسلخت | من الدين والعادات وصالح القيم |
يمثلون بالأحياء من حقد ومن حنق | غير مبالين بالأوطان والجوار والرحم |
ويعدون ذلك لأعلى الجنان مسلكا | وأعظم أسباب النجاة من عذاب جهنم |
فتبًّا لهم من عقيدة للقوم ما أقبحها | تبًّا للأتباع وألف تب وتب للمعلم |
فيا بني الإسلام هبوا للجهاد في عجل | فالفرس تسعى لأوتار القادسية تنتقم |
وأذنابهم من بني العُرب قد أعلنوا ولائهم | كأسلافهم وأبرزوا راية العلم |
فأعدوا العدة بني الإسلام واعتصموا بحبل | الدين ففيه النصر ونجاة المعتصم |
وحاربوا المعاصي وتسلحوا بكل فضيلة | واحذروا من الإسراف والتبذير بالنعم |
واحفظوا أوامر كل شرع في وجهة | واحذروا النواهي وما لله من حرم |
وتزودوا من الطاعات وأحيوا سننًا | كانت جيوش المسلمين بها تلتزم |
ونقوا الصدور من حقد ومن حسد | وأخلصوا للذي أوجد الكون من عدم |
واقتدوا في الجهاد بالنبي محمد | وتذكروا قوله من لا يرحم لا يُرحم |
وأيضا فأعظم مقصد لأتباعه نشر | الخير والتوحيد لسائر الأمم |
فسخروا الدنيا جميعا بأكملها لخدمة | الدين كالصديق في القدم |
فما ساد السابقون الكون بعظيم قوة | وإنما سادوه بالإخلاص والأخلاق والكرم |
واجعلوا لأهل الدين في القلوب منزلة | واقتدوا بأهل العلم تبلغوا أعلى القمم |
وولاة الأمر فاعرفوا لهما قدرهما | وأطيعوا في غير معصية وناصحوا من ظلم |
ففي طاعة العلماء رفعة لمقام ديننا وفي | طاعة الحكام تزهو الحضارة وننجو ونسلم |
هذا بعد تقدير الإله وعظيم منته | ذكره الله في النساء والأنفال والقلم |
فكفى أيها الصحب تمزقا وتشرذمًا | فلقد سئمنا آفة التفرق والتشرذم |
فهل تسلط الأعداء إلا لتفرقنا | وهل نستعيد المجد إلا بصف محكم |
فتأملوا في أمم الأرض قاطبة تجدوا | نبذ الخلاف أعظم قوة للأمم |
وتأملوا في حال الروافض مع سادتهم | ها هي الجموع رغم الخرافات للكفر تنتم |
لهم عقول وقلوب بالجهل مشبعة | فلم يعد الأتباع لفتاوى الكفر تفهم |
فهلا أخذنا صادق الولاء لملتنا ملة | التوحيد والإيمان والصفح والحلم |
فكم في القرآن من وصية لجمع صفنا | وكم في السنة من التوجيهات والحكم |
وكم حذرنا من مغبة التفرق ربنا | فما صدقنا فذقنا الهوى مرا علقمِ |
فلا عز لنا إلا بالرجوع لديننا من أجله | نرمي وفي أحضان المنايا نرتمِ |
عباد الله : أي هوان، وأي ذل وأي ضعف أعظم مما تعانيه أمتنا اليوم حتى انطبق علينا قول من قال:
كم صرَّفتنا يد كنا نصرِّفها | وبات يملكنا شعب ملكناه!! |
وحقيقة الأمر أن ما أصابنا ما حل بنا اليوم إلا بسبب بُعدنا عن ديننا وعدم احترامنا لعلمائنا وبسبب تمردنا على ولاة أمرنا.
عباد الله: عندما نتكلم عن الروافض فإننا لا نقصد إلا إيران المجوسية وعملائها، نقصد إيران المجوسية وعملائها في بلاد المسلمين؛ تلك الدولة التي ما أعدت العدة في يوم من الأيام إلا لقتل المسلمين وتشتيت المسلمين وإشغال المسلمين.
تلك الدولة التي نُزعت الرحمة من قلوب أتباعها، حتى جعلوا من أعظم القربات عندهم إذلال أهل السنة والجماعة، وقتلهم وتجويع أطفالهم، وهتك أعراضهم، ومع ذلك ترى أتباع تلك الدولة المجوسية المجرمة التي أفصحت عن هويتها، وبينت للعالم مقصدها أنها تريد القضاء على العرب ومقدساتهم الإسلامية، ومع ذلك ترى أتباعها من العرب العملاء يقدِّمون لها خدمات ويقومون بتضحيات جعلتهم يخونون أوطانهم، ويتنكرون لأهلهم غير مبالين بأي جريمة يرتكبونها، أو أي فضيحة يحدثونها، وهذا ما طبقه أتباع إيران في الشام والعراق، وصل بهم الحال إلى محاصرة الأبرياء العزل في مضايا وديالي وغيرهما حتى ماتوا جوعًا.
وها هم اليوم يحاصرون الفلوجة، ويتلذذون بموت أهلها جوعًا، ويحتجون أنهم يقاتلون الدواعش الإرهابيين بزعمهم، وهم والدواعش وجهان لعملة واحدة؛ فريقان بخندق واحد، فيا لها من قلوب نُزعت منها الرحمة! ويا لهم من رجال سُلبت منهم النخوة والحمية!
فوالله لولا فساد المعتقد ما حاصروا أبناء وطنهم حتى ماتوا جوعًا، ومع ذلك يزعمون أنهم مسلمون، وهم الله شرّ من كفار قريش؛ فإن قريش لما حاصرت الرسول -صلى الله عليه وسلم- في شِعْب أبي طالب لما طال الحصار أخذ أهل الحمية والنخوة منهم يبعثون بالمدد والأطعمة للمسلمين، فلما طالت مدة الحصار طالبوهم بإنهائه، وثاروا على كبراء قريش؛ هذا وهم لا يدينون بدين الإسلام، وأتباع إيران في الشام والعراق يقتلون الأبرياء من بني أوطانهم بحجة الولاء لقادة إيران المجرمة!!
ألا، فمن علمتموه ينتمي إلى هذا الفكر المنحرف، وإلى تلك الدولة المجرمة فناصحوه؛ فإن انتهى وإلا فافضحوه، وبلِّغوا عنه السلطات لحسم أمره ولكفِّ شره.
أسأل الله -جل وعلا- أن يرد كيد إيران وأتباعها في نحورهم، وأن يجعل تدميرهم في تدبيرهم؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه، أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبينا محمدًا عبدُه ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد عباد الله: أطفال المسلمين في الفلوجة خاصة، وفي مدن العراق عامة، يموتون جوعًا تحت قهر عملاء إيران، وتحت جرائم العالم التي تنفَّذ بأيدي الفِرَق المستأجرة في تلك البلدان.
وإن العالم بأكمله ليتفرج على ما يجري لهم متلذذًا بموتهم إلا من رحم الله، وهذا هو الظلم الذي وعد الله بنصر أهله كما في قوله تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) [الحج:39].
ألا فجدُّوا بالدعاء؛ فإن الله قد وعد المظلومين بإجابة دعوتهم كما في حديث "وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين".
جدُّوا في الدعاء لإخوانكم، وألحوا عليه سبحانه، فوالله ما يرفع ما حل بهم إلا الله، ووالله إن الله على نصرهم لقدير.
فاللهم يا من بيده ملكوت كل شيء، وهو على كل شيء قدير؛ اللهم يا من تعلم سرهم ونجواهم، اللهم يا من بيدك نفعهم، اللهم يا من بيدك إغاثتهم؛ اللهم أغثهم عاجلاً غير آجل.