العزيز
كلمة (عزيز) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) وهو من العزّة،...
العربية
المؤلف | صالح بن فوزان الفوزان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
فهؤلاء الثلاثة لما وقعوا في الشدة والضيق لم يجدوا ما يخلصهم إلا الأعمال الصالحة التي أسلفوها. فالأول منهم: توسل إلى الله ببره إلى والديه وأنه كان لايؤثر عليهما أهلاً ولا مالاً، والثاني: توسل إلى الله بعفافه عن الفاحشة وتركه إياها بعد ما قدر عليها خوفاً من الله عز وجل، والثالث: توسل إلى الله بأداء حق الأجير وحفظ الأمانة، ففرج الله عنهم الشدة لما دعوه بصالح أعمالهم. فالأعمال الصالحة تكون سبباً للنجاة من المهالك في الدنيا والآخرة ..
الحمد لله رب العالمين أمر بطاعته وأخبر أنها سبب للنجاة والسرور، ونهى عن معصيته وأخبر أنها سبب للهلاك والشرور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله البشير النذير والسراج المنير، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم البعث والنشور.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله تعالى ولازموا الأعمال الصالحة وأكثروا من فعل الطاعات فإنها سبب للنجاة من المهلكات العاجلة والآجلة يقول الله تعالى: (ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقّاً عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ) [يونس : 103] ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة" يعني أن العبد إذا اتقى الله وحفظ حدوده وراعى حقوقه في حال رخائه فقد تعرف بذلك إلى الله وصار بينه وبين ربه معرفة خاصة، فإذا وقع في شدة فإن الله ينجيه منها.
فمن عامل الله بالتقوى والطاعة في حال رخائه عامله الله باللطف والإعانة في حال شدته، قال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) [الطلاق : 2] وروي أن يونس عليه السلام لما دعا في بطن الحوت قالت الملائكة: يا رب هذا صوت معروف من بلاد غريبة، فقال الله عز وجل: أما تعرفون ذلك، قالوا: ومن هو؟ قال عبدي يونس، قالوا: عبدك يونس الذي لم يزل يرفع له عمل متقبل ودعوة مستجابة. قال: نعم، قالوا: يا رب أفلا ترحم ما كان يصنع في الرخاء فتنجيه من البلاء، قال: بلى قال: فأمر الله الحوت فطرحه بالعراء.
وقال الضحاك بن قيس: اذكروا الله في الرخاء، إن يونس عليه السلام كان يذكر الله تعالى فلما وقع في بطن الحوت قال الله: (فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) [الصافات 134: 144] وإن فرعون كان طاغياً ناسياً لذكر الله فلما أدركه الغرق قال: آمنت. فقال الله تعالى:(آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) [يونس :91]
وأعظم الشدائد التي تنزل بالعبد في الدنيا: الموت، وما بعده أشد منه، فالواجب على المؤمن الاستعداد للموت وما بعده في حال الصحة بالتقوى والأعمال الصالحة، قال الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)؛ [الحشر 18 : 19]
فمن ذكر الله في حال صحته ورخائه واستعد حينئذ للقاء الله عز وجل، ذكره الله عند هذه الشدائد فكان معه فيها وأعانه وثبته على التوحيد وتوفاه وهو عنه راض، ومن نسي الله في حال صحته ورخائه، ولم يستعد للقائه نسيه الله في هذه الشدائد- بمعنى أنه أعرض عنه ولم يعنه إذا وقع فيها-.
ومن الوقائع العجيبة لأهل التقوى ونجاتهم من الشدائد ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم -في الحديث المتفق على صحته- قال: "انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوه، فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار. فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، قال رجل منهم: اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً، فنآ بي طلب الشجر يوماً فلم أرح عليهما حتى ناما فجلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين فكرهت أن أوقظهما وأن أغبق قبلهما أهلاً ومالاً فلبثت والقدح على يدي أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر، والصبية يتضاغون عند قدمي فاستيقظا فشربا غبوقهما. اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة. فانفرجت شيئاً لا يستطيعون الخروج منه.
وقال الآخر: اللهم أنه كانت لي ابنة عم كانت أحب الناس إلي فأردتهما على نفسها فامتنعت مني حتى ألمت بها سنة من السنين فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها، ففعلت حتى إذا قدرت عليها، قالت: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه فانصرفت عنها وهي أحب الناس إلي وتركت الذهب الذي أعطيتها. اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها.
وقال الثالث: اللهم استأجرت أجراء وأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب فثمّرت أجره حتى كثرت منه الأموال، فجاءني بعد حين فقال: يا عبد الله أدِّ إلي أجري، فقلت: كل ما ترى من أجرك –من الإبل والبقر والغنم والرقيق- فقال: يا عبد الله لا تستهزئ بي. فقلت: لا أستهزئ بك، فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئاً، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون".
فهؤلاء الثلاثة لما وقعوا في الشدة والضيق لم يجدوا ما يخلصهم إلا الأعمال الصالحة التي أسلفوها. فالأول منهم: توسل إلى الله ببره إلى والديه وأنه كان لايؤثر عليهما أهلاً ولا مالاً، والثاني: توسل إلى الله بعفافه عن الفاحشة وتركه إياها بعد ما قدر عليها خوفاً من الله عز وجل، والثالث: توسل إلى الله بأداء حق الأجير وحفظ الأمانة، ففرج الله عنهم الشدة لما دعوه بصالح أعمالهم. فالأعمال الصالحة تكون سبباً للنجاة من المهالك في الدنيا والآخرة. قال تعالى: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) [غافر 51: 52] ولهذا أهلك الله عز وجل أعداء الرسل كقوم نوح وعاد وثمود وأصحاب الرس وقوم لوط وأهل مدين وأشباههم، وأنجى الله تعالى من بينهم المؤمنين فلم يهلك منهم أحداً وأهلك الكافرين ولم يفلت منهم أحداً.
فاتقوا الله -أيها المسلمون- وحافظوا على دينكم الذي به نجاتكم وسعادتكم في الدنيا والآخرة ولا تضيعوه فتهلكوا، فإن كثيراً من الناس قد غرقوا في المعاصي والمحرمات وهؤلاء إذ رأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب لا يحصلون على النجاة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ). [الأنعام : 31]
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.