الرفيق
كلمة (الرفيق) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) من الرفق، وهو...
العربية
المؤلف | أحمد شريف النعسان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - السيرة النبوية |
لو نَظَرنا إلى صُلحُ الحُدَيبِيَةِ فإنَّنا نَجِدُهُ امتِحاناً قاسِياً للقُلوبِ المؤمِنَةِ المفعَمَةِ بِمَحَبَّةِ الله وبِمَحَبَّةِ محمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-, والزَّاهِدَةِ في الدُّنيا الفانِيَةِ, والطَّامِعَةِ في الآخِرَةِ الباقِيَةِ. صُلحُ الحُدَيبِيَةِ كانَ امتِحاناً قاسِياً للقُلوبِ الجَيَّاشَةِ بالحَمِيَّةِ الإيمانِيَّةِ, والغَيرَةِ لله ولِرَسولِهِ ولِدِينِهِ.
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيا عباد الله: عَقيدَةُ المؤمنِ التي لا تَتَزَعزَعُ هيَ يَقينُهُ بأنَّ شَرعَ الله -تعالى- لا يَأتي إلا بالخيرِ في الحياةِ الدُّنيا وفي الآخِرَةِ, وإذا ما تَعارَضَ أمرٌ من أوامِرِ الله -تعالى- أو أمرٌ من أوامِرِ سيِّدِنا رسولِ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- مع عاطِفَةِ الإنسانِ المسلِمِ أو عقلِهِ في ظاهِرِ الأمرِ سارَعَ فَقَدَّمَ أمرَ الله -تعالى- وأمرَ رسولِهِ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-, وذلكَ استِناداً منهُ على قولِهِ تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا) [الأحزاب: 36].
وعلى قولِهِ تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) [البقرة: 216].
هذا بشكلٍ عامٍّ، ولكن قد تعتَري الإنسانَ بعضُ الأحوالِ فَيَتَسَرَّعُ ويَتَعَجَّلُ, وهذا أمرٌ ليسَ بِغَريبٍ عن الإنسانِ؛ لأنَّهُ من طَبيعَتِهِ؛ كما قال تعالى: (وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً) [الإسراء: 11].
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: لِتَقريرِ هذهِ المقدِّمةِ, لِنَسمعْ كلامَ البراءِ -رَضِيَ اللهُ عنهُ- حيثُ يقولُ: "تَعُدُّونَ أَنْتُمُ الْفَتْحَ فَتْحَ مَكَّةَ, وَقَدْ كَانَ فَتْحُ مَكَّةَ فَتْحاً, وَنَحْنُ نَعُدُّ الْفَتْحَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ" [رواه الإمام البخاري].
ولو نَظَرنا إلى صُلحُ الحُدَيبِيَةِ فإنَّنا نَجِدُهُ امتِحاناً قاسِياً للقُلوبِ المؤمِنَةِ المفعَمَةِ بِمَحَبَّةِ الله -تعالى- وبِمَحَبَّةِ سيِّدِنا محمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-, والزَّاهِدَةِ في الدُّنيا الفانِيَةِ, والطَّامِعَةِ في الآخِرَةِ الباقِيَةِ.
صُلحُ الحُدَيبِيَةِ كانَ امتِحاناً قاسِياً للقُلوبِ الجَيَّاشَةِ بالحَمِيَّةِ الإيمانِيَّةِ, والغَيرَةِ لله -تعالى- ولِرَسولِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-, ولِدِينِهِ.
صُلحُ الحُدَيبِيَةِ كانَ امتِحاناً قاسِياً للقُلوبِ التي استَقَرَّ في أعماقِها صِدقُ الله -تعالى-, وصِدقُ رسولِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-, وصِدقُ وَعدِ الله -تعالى- لِرَسولِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-, وإن كانَ الوَعدُ رُؤيا في المنامِ؛ لأنَّ رُؤياهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حقٌّ.
صلحُ الحديبية كان امتحانا قاسياً لقلوب عامرة بالإيمان وقد ظهر أثر الإيمان منها على الجوارحِ, لقلوبٍ تأبى الضَّيمَ من عَدُوِّ الله -تعالى-, وتأبى الضُّغوطَ من أيِّ مَيدانٍ من مَيادينِ الحياةِ.
صلحُ الحُدَيبِيَةِ كانَ يوماً قاسِياً, فيه الأهوالُ والكُروبُ, لا يَصمُدُ أمامَها إلا قلبٌ بَلَغَ الغايةَ القُصوى في الانقِيادِ والتَّسليمِ لله -تعالى-، ولسيِّدِنا رسولِ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-، إلا قلبٌ مُجَرَّدٌ مِمَّا يُخالِفُ ذلكَ, حتَّى ولو كانَ دافِعَهُ الغَضَبَ للهِ -تعالى-, والحَمِيَّةَ لِدِينِهِ, والاعتِزازَ بالإيمانِ به.
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: صُلحُ الحُدَيبِيَةِ عَدَّهُ سيِّدُنا البراءُ -رَضِيَ اللهُ عنهُ- فَتحاً, وهوَ فَتحٌ بِحَقٍّ؛ كما قال تعالى: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا) [الفتح: 1] ولكنَّ هذا الفَتحَ جاءَ بِثَوبِ مُصيبةٍ ومِحنَةٍ قاسِيَةٍ.
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: جاء سُهَيلُ بنُ عَمروٍ لِيُفاوِضَ رسولَ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-, فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: "لَقَدْ سَهُلَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ" [رواه الإمام البخاري عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ -رَضِيَ اللهُ عنهُما-].
هذا كلامُ الذي مَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى, إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى, كلامُ المَعصومِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- لِنَنظُرْ -أيُّها الإخوةُ- كيفَ سَهُلَ الأمرُ, نعم, سَهُلَ الأمرُ في الباطِنِ, وإن كانَ ظاهِرُهُ على العكسِ من ذلكِ تماماً.
تَعلمونَ هذا الصُّلحَ من كِتابَةِ شُروطهِ القاسِيَةِ إلى رُؤيَةِ الصَّحابَةِ الكِرامِ -رَضِيَ اللهُ عنهُم- أبا جَندَلَ عندما جاءَ إلى سيِّدِنا رسولِ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- وهوَ يرسُفُ في قُيودِ الحديدِ, فَرَدَّهُ النَّبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-, فنادى أبو جَندَل: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ, أَأُرَدُّ إلَى الْمُشْرِكِينَ يَفْتِنُونِي فِي دِينِي؟ فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: "يَا أَبَا جَنْدَل, اصْبِرْ وَاحْتَسِبْ، فَإِنَّ اللهَ جَاعِلٌ لَك وَلِمَنْ مَعَك مِنْ الْمُسْتَضْعَفِينَ فَرَجاً وَمَخْرَجاً، إنَّا قَدْ عَقَدْنَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ صُلْحاً، وَأَعْطَيْنَاهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَأَعْطَوْنَا عَهْدَ الله, وَإِنَّا لَا نَغْدِرُ بِهِمْ" [رواه البيهقي].
أمَّا أبو بَصير الذي وَصَلَ إلى المدينةِ مُؤمِناً, فأرسَلَت قُرَيشٌ تُطالِبُ به, فأمَرَهُ رسولُ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- أن يرجِعَ إلى مكَّةَ, فقال أبو بَصير: يَا رَسُولَ الله, أَتَرُدُّنِي إلَى الْمُشْرِكِينَ يَفْتِنُونَنِي فِي دِينِي؟ فقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: "يَا أَبَا بَصَيْر, إنَّا قَدْ أَعْطَيْنَا هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ مَا قَدْ عَلِمْتَ, وَلَا يَصْلُحُ لَنَا فِي دِينِنَا الْغَدْرُ, وَإِنَّ اللهَ جَاعِلٌ لَك وَلِمَنْ مَعَك مِنْ الْمُسْتَضْعَفِينَ فَرْجاً وَمَخْرَجاً، فَانْطَلِقْ إلَى قَوْمِك" [رواه الأصبهاني عن المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم -رَضِيَ اللهُ عنهُما-].
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: أينَ يكمُنُ قولُ النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-: "لَقَدْ سَهُلَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ؟" مع هذهِ الشُّروطِ القاسِيَةِ التي تَعرِفونَها, ورَدِّ أبي جَندَلَ وأبي بَصير؟
نعم, سَهُلَ الأمرُ في باطِنِهِ, وما سَهُلَ في ظاهِرِهِ للبَشَرِ, ولكنَّ اللهَ -عزَّ وجلَّ- يقولُ: (وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) [البقرة: 216].
أينَ مَظاهِرُ هذا الفَتحِ؟
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: هل هذا الصُّلحُ فَتحٌ؟
نعم, إنَّهُ فَتحٌ, جاءَ في ثَوبِ مُصيبةٍ قاسِيَةٍ, وإن سألَ البعضُ: أينَ مَظاهِرُ هذا الفَتحِ؟ نقولُ: بعضُ مَظاهِرِ هذا الفَتحِ ما يلي:
أولاً: زادَ عددُ المسلمينَ أضعافاً خلالَ عامَينِ من الصُّلحِ, حيثُ كانَ عددُ الذينَ كانوا مع سيِّدِنا رسولِ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- في صُلحُ الحُدَيبِيَةِ ألفٌ وأربعُ مِئَةِ رجلٍ, هؤلاءِ الذينَ أسلَموا منذُ بِدءِ الدَّعوةِ إلى العامِ السَّادِسِ من الهِجرةِ, وعندما ذَهَبَ النَّبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- إلى فَتحِ مكَّةَ كانَ عددُ الرِّجالِ الذينَ معَهُ عَشرةُ آلافٍ من الصَّحبِ الكِرام -رَضِيَ اللهُ عنهُم-.
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: خلالَ عامَينِ بعدَ صُلحُ الحُدَيبِيَةِ أسلَمَ أكثرُ من ثَمانِيَةِ آلافِ رجلٍ, من جُملَتِهِم: عَمرو بنُ العاصِ, وخالدُ بنُ الوليدِ, وعُثمانُ بنُ طَلحةَ, وغيرُهُم -رَضِيَ اللهُ عنهُم- جميعاً، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عندما جاؤوا مُسلمينَ: "هَذِهِ مَكَّةُ قَدْ أَلْقَتْ إلَيْكُمْ أَفْلَاذَ كَبِدِهَا" [رواه البيهقي عن يزيدٍ بنِ رُومَان] أليسَ هذا فَتحاً مُبيناً؟
ثانياً: بِصُلحِ الحُدَيبِيَةِ انحَلَّت أزمَةُ المستضعَفينَ, حيثُ صارَ المستضعَفونَ يَتَوَجَّهونَ من مكَّةَ إلى سِيفِ البحرِ, ولم يذهَبوا إلى المدينةِ لِعِندِ رسولِ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-, حتَّى اجتَمَعَت منهُم طائِفةٌ كانوا لا يسمَعونَ أنَّ بعيراً خَرَجَت لِقُريشٍ إلى الشَّامِ إلا اعتَرَضوا لها, فأرسَلَت قُرَيشٌ إلى النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- تُناشِدُهُ اللهَ والرَّحِمَ أن لا يَرُدَّ المؤمنينَ الذينَ يأتونَ من مكَّةَ إلى المدينةِ. أليسَ هذا فَتحاً مُبيناً؟
ثالثاً: بِصُلحِ الحُدَيبِيَةِ أرسَلَ رسولُ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- الرَّسائِلَ والكُتُبَ إلى المُلوكِ والأُمَراءِ يدعوهُم بها إلى الإسلامِ, فأرسَلَ إلى النَّجاشِيِّ مَلِكِ الحَبَشَةِ, وإلى كِسرى عَظيمِ فارس, وإلى هِرَقلَ عَظيمِ الرُّومِ, وإلى المنذِرِ بنِ ساوى حاكِمِ البحرَينِ. أليسَ هذا فَتحاً مُبيناً؟
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: يَجِبُ على المسلِمِ أن يَضبِطَ النَّفسَ والعَواطِفَ والمَشاعِرَ بِضَوابِطِ الشَّريعةِ, وخاصَّةً في أيَّامِ الشَّدائِدِ، يقولُ سيِّدُنا سهيلُ بنُ حُنيفٍ يومَ صِفِّينَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ: اتَّهِمُوا رَأْيَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ, لَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ أَبِي جَنْدَل وَلَوْ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرُدَّ أَمْرَ رَسُولِ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- عَلَيْهِ لَرَدَدْتُهُ" ا. هـ.
ويقولُ سيِّدُنا عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عنهُ-: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ: اتَّهِمُوا الرَّأْيَ عَلَى الدِّينِ، فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي أَرُدُّ أَمْرَ رَسُولِ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- بِرَأْيِي اجْتِهَاداً، فوالله مَا آلُو عَنِ الْحَقِّ، وَذَلِكَ يَوْمَ أَبِي جَنْدَل، وَالْكِتَابُ بَيْنَ رَسُولِ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- وَأَهْلِ مَكَّةَ، فَقَالَ: اكْتُبُوا بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ, فَقَالُوا: تَرَانَا قَدْ صَدَّقْنَاكَ بِمَا تَقُولُ؟ وَلَكِنَّكَ تَكْتُبُ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ، فَرَضِيَ رَسُولُ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- وَأَبَيْتُ، حَتَّى قَالَ لِي رَسُولُ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-: "تَرَانِي أَرْضَى وَتَأبَى أَنْتَ؟" فَرَضِيتُ [رواه الطبراني في المعجم الكبير].
ثمَّ يقولُ رَضِيَ اللهُ عنهُ: "فَعَمِلتُ لذلكَ أعمالاً، ما زِلتُ أتَصَدَّقُ وأصومُ وأصَلِّي وأعتِقُ من الذي صَنَعتُ يومَئِذٍ، مَخافَةَ كلامي الذي تَكَلَّمتُ به، حتَّى رَجَوتُ أن يكونَ خَيراً" ا. هـ.
وفي الخِتامِ: يقولُ سيِّدُنا عَمرو بنُ العاصِ -رَضِيَ اللهُ عنهُ-: "ليسَتِ الحِكمَةُ أن تُدرِكَ الفَرقَ بينَ الخَيرِ والشَّرِّ، أو الفَرقَ بينَ الحلالِ والحرامِ، ولكنَّ الحِكمَةَ أن تُدرِكَ أيَّ المنفَعَتَينِ أعلى, وأيَّ الضَّرَرَينِ أكبر" ا. هـ.
أسألُ اللهَ -عزَّ وجلَّ- أن يَجعَلَنا مِمَّن سَمِعَ واتَّعَظَ قولَ النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- وهوَ يُحَدِّثُ عن الأَثَرَةِ فيقولُ: "إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً, فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ" [رواه الإمام مسلم عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ -رَضِيَ اللهُ عنهُ-].
أسألُ اللهَ -تعالى- أن يَجعَلَنا من الصَّابِرينَ عندَ البلاءِ, ومن الشَّاكِرينَ عندَ الرَّخاءِ, ومن الرَّاضينَ بِمُرِّ القَضاءِ, وأن نَلقى سيِّدَنا رسولَ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- على الحَوضِ وهوَ عنَّا راضٍ، آمين.
أقول هذا القول, وأستغفر الله لي ولكم, فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.